٢٩‏/١٢‏/٢٠٠٩

ما حدث في تليفزيون البي بي سي

نشرت البي بي سي عبر النسخة العربية من تليفزيونها تقريرا عن ما اعتبرته الصعوبات والعنت الذي يواجهه أقباط مصريون يريدون تغيير الديانة إلى المسيحية ، وقد دعتني البي بي سي قبل يومين للتعليق على هذا التقرير ضمن نشرة الساعة العاشرة مساءا ، كان الصوت واضحا بيني في استديو القناة بالقاهرة وبين استديو التليفزيون في لندن ، إلا أنه بعد حوالي دقيقة ونصف الدقيقة من حديثي فوجئت بالصوت ينقطع وخطوط الهاتف يصعب تشغيلها من جديد ، بين القاهرة ولندن ، وكانت صورة المذيع عبر الشاشة توحي بأنه يتحدث إلي ، لكني لا أسمع بطبيعة الحال ، وصحيح أن الجماعة اعتذروا لي طويلا عقب هذه الواقعة وأبدوا أسفا شديدا للمفاجأة ، إلا أني ـ للأمانة ـ كان صعبا علي استيعاب أن الخطوط الهاتفية تنقطع هكذا عن استديوهات الشبكة العريقة دون قدرة على تشغيلها من جديد خلال ثواني ، أو أن يحدث ذلك بين القاهرة ولندن ، وليس بين القاهرة ومقديشيو مثلا ، على كل حال ، لاحظت أن التقرير حالة نموذجية للدجل الإعلامي وخلط الأمور والاستهبال الطائفي ، لمجرد التحرش بالإسلام أو تسقط أي حالة لنشر أكذوبة أن الأقباط مضطهدون في مصر حكوميا وشعبيا ، التقرير عرض حالتين اثنتين بالأساس ، الأولى لسيدة قبطية تحولت إلى الإسلام وأصرت أن تذهب إلى المحكمة لتغيير الصفة في البطاقة كمسلمة حتى طلقت من زوجها ثم تزوجت بآخر ، وبعد ذلك ذهبت للمحكمة تقول أنها تريد أن تعود إلى المسيحية وتثبت ذلك في البطاقة الشخصية أيضا ، وهي حالة متكررة خاصة من الرجال ، لأن هناك معاناة شديدة في مسألة الانفصال الزوجي بعد استحالة العشرة ، والطلاق ممنوع بين رعايا الكنيسة الأرثوكسية ، فيلجأ أحد الطرفين إلى التحايل والتلاعب بالقانون والنظم ليحقق مصلحة خاصة بشكل مؤقت ، فيدعي أنه تحول إلى الإنجيلية أو إلى الإسلام ، ثم يصر على إثبات ذلك في بطاقة الهوية ، حتى يحقق مصلحته غير عابئ بالأضرار التي تلحق بالطرف الآخر ، وخاصة إذا كان هناك أطفال أو حقوق مالية أو نحو ذلك ، وبعد ذلك يعود إلى القضاء يقول : خلاص أريد أن أعود إلى المسيحية من جديد ، ويطلب إثبات ذلك من جديد في البطاقة ، القضاء اعتبر ذلك تحايلا على القانون وتلاعبا ، خاصة وأن المسألة لا تتصل بالضمير الديني أبدا ولا بالإيمان ، لأن المحكمة ليست هي التي تحدد إيمان الشخص وديانته وكان يمكنه أن يكون مسلما أو مسيحيا دون حاجة لتغيير ذلك في البطاقة ، ويكفي ـ إن كان صادقا ـ اختياره القلبي أولا وسلوكه العبادي أخيرا ، والمثير للدهشة أن الكنيسة القبطية ذاتها تشتكي مر الشكوى من هذا التلاعب الذي يمثل خطرا جسيما على الأسرة القبطية وعلى المجتمع المسيحي نفسه ، ومع ذلك يريد بعض "المتاجرين بقضايا الأقباط" تصوير هذا الأمر على أنه اضطهاد ديني وتعنت حكومي ضد من يريدون تغيير الديانة ، الحالة الثانية التي عرضها التقرير لشاب حديث السن يقول أن والده كان قد أسلم منذ سنوات طويلة ، وبالتالي جعلوا ديانة الأولاد الإسلام ، رغم أن هذا الشاب يختار المسيحية ويريد أن يثبت ذلك ، وهي مسألة إجرائية بحتة لا صلة لها بالديانة ولا بالطائفية ، وهي أن القانون المصري يلحق الأطفال بالوالد في الجنسية والديانة ، سواء كان مسلما أو مسيحيا لا فرق ، حتى يبلغ الأطفال سن الرشد القانوني ، فيحق لهذا الشاب إذا وصل هذا السن ، أن يتقدم بطلب تغيير الديانة ، مثلما فعل أبوه بالضبط ، وأما قبل بلوغه السن القانوني فلا يمكن تفصيل قانون خاص به وحده ، هذه هي المسألة باختصار ، وهو ما أردت توضيحه عبر شاشة البي بي سي ، والحقيقة أن غالبية ما يتحدث عنه المتاجرون بقضية الأقباط في الداخل أو الخارج هو من هذه الشاكلة ، محض دجل ومغالطات ومشكلات اجتماعية أو إنسانية عادية لا صلة لها بالديانة أو الإيمان ، يأبى "المتاجرون" إلا أن يجعلوا منها قضية ، لأنه بدون هذه القضايا سينقطع نهر الدولارات المتدفق إلى حساباتهم من الخارج بلا حساب ، وبلا عقاب أيضا مع الأسف

ليست هناك تعليقات: