٢٩‏/٠٨‏/٢٠٠٨

المدارس التنصيرية فى مصر

انتشرت فى الآونة الاخيرة و بشدة ظاهرة المدارس التنصيرية المتمثلة فى مجموعة من المدارس التابعة لأديرة ومنظمات نصرانية تجذب اولياء الامور بمستوى التعليم الفاخر و الاهتمام بمستوى اللغه و تحثهم على دفع مصروفات باهظة فى سبيل راحةاولادهم و توفير مستوى تعليمى افضل لهم.
و طبعا كل واحد يقول لك : انا أب و مرضاش لإبنى غير بأحسن حاجة ، و هى الفلوس تسوى ايه جمب راحة ابنى و جمب انه يدرس صح و يطلعلى مهندس و للا دكتور
وانا هنا اعرض لكم الحقائق الغائبة عن كل ولى امر ، فهذه المدارس فعلا مستوى التعليم فيها مرتفع ، و الاهتمام باللغات الاجنبية شديد ، و لكن هل سألت نفسك يوما عما يفعله ابنك فى المدرسة بجانب التعليم ؟؟؟؟ هل سألت نفسك ما هى المفاهيم التى تم زرعها بداخله؟؟؟ هل فكرت يوما فى ان ابنك يقضى فى مدرسته من الوقت أكثر مما يقضيه معك و مع الاسرة؟؟؟
الهدف مما اكتب هو توعية كل من غابت عنه هذه الحقائق ، كما غابت عن اهل ضيفة مدونتنا فى يوم فعلوا المستحيل كى يدخلوها تلك المدرسة، و لكن حفظ الله هو ما أنجاها ، فى حين لم ينجُ غيرها من تلك الافكار الفاسدة التى تم زرعها فى ثنايا مخها ، و ستقصها عليكم بالتفصيل رغبة منهت فى افادة كل مسلم غيور على دينه .

كتبت لنا قارئة قصتها مع المدارس التنصيرية و طلبت مننا نشرها كما هى و ها هى نعرضها لكم :

بسم الله الرحمن الرحيم

نشأت فى عائلة طيبة و الحمد لله ولى من الاخوة اثنان احدهما يكبرنى بثمانية اعوام والآخر يكبرنى بستة ، تبدأ القصة عندما تقرر ادخال اخى الاكبر ( محمد ) الحضانة ، و طبعا أبي كان يفكر كأى اب؛ فكل ما يهمه مصلحة ابنه و طبعا ديسك نضيف و ناس نضيفة يصاحبوا ابنه ، بدل ما يرميه فى مدارس الحكومة .
طبعا وقتها كانت المدارس التنصيرية فى بداية ظهورها او بمعنى كانت فى بداية خطتها.
فى المنطقة التى كنا نقطن فيها كانت هناك اربعة مدارس : مدرسة ابتدائية حكوميه ، و مدرسة اعدادية حكومية ، و مدرسة خاصة من حضانة لحد ثانوى و مستواها تعبان ، و مدرسة الفرنسيسكان و لكنها كانت ابتدائية فقط ، فمن يدخلها فى ابتدائي مضطر انه يروح مدرسة تانية فى اعدادى ، انما باقى فروع الفرنسيسكان كانت من حضانة لثانوى ، و ذلك يعزى الى انها كانت لسه فاتحة و فى منطقة نائية شوية و كانوا بيعملوا تطوير بطئ .

و طبعا والدى سأل الناس و استشارهم ، قالوا له : لا دى مدارس الراهبات دى مفيش زيها فى التزامهم بالتعليم .
اقتنع ابى و ادخل اخى الحضانة فيها ، و انا وقتها كنت فى علم الغيب ، بعد دخول اخى تلك المدرسة بعامين دخل اخى الآخرنفس المدرسة لما رآه ابى من تطور ملحوظ فى قدرات ابنه العقلية و فى مستوى لغته الاجنبية .
و لكن أبى أخطأ لأنه لم يسألهما ابدا عما تعلماه فى المدرسة من مفاهيم و قيم و أخلاق و كان يكتفى بالسؤال عن التعليم و عن الواجبات و طبعا اجتماعات مجلس الآباء وما الى ذلك .
طبعا تفاصيل ما عاشه اخى فى تلك المدرسة لم اعرفها الا مؤخرا عندما قصصت عليه ما كان يحدث معى فيها .
و جاء وقت دخولى المدرسة
فى البداية رفضتنى المدرسة لصغر سنى عن السن المفروض للدخول ببضع شهور ، و لكن ابى كافح حتى أدخلنى مدرسة الآباء الفرنسيسكان المشتركة.
أحب اوصفلكوا المدرسة الاول ؛ المدرسة عبارة عن دير و كنيسة صغيره و بيت للمكفوفين النصارى ، البيت كان دورين والمدرسة كانت فى الدور الارضي ، و المكفوفين رجالة و ستات مش ستات بس لأن كان فى واحد اسمه دميان كان بييجى يعزفلنا فى الحفلات و هو كفيف و عايش معاهم، المدرسة كان فيها تماثيل ليسوع و للعذراء و فى الكريسماس كانوا بيجيبوا شجرة و يزينوها و كنت بحبها لدرجة انى كنت بزعل ان اهلى مش بيجيبوا شجرة فى الكريسماس.
فى الحضانة طبعا كان الاهتمام بتعليمنا انجليزى عالى جدا و الاهتمام بتوصيل مستوى التعليم و المتابعة مع اولياء الامور عالى جدا.
كل يوم الصبح كنا بنقف فى الطابور اللى بتديره مديرة المدرسة اللى هى طبعا راهبه ( سير زينه ) وهى لبنانية الاصل و طبعا الطابور مكنش زى اى طابور لأننا كنا بنغنى فيه غانى مألفاهالنا الراهبه و هى كانت بتغنى فى المايك و احنا بنردد وراها ، و بتشجع الاصوات الجميلة على الغناء ، و بعد ما نغنى بنقف تلات دقايق نصلى للرب ، انا مكنتش فاهمه يعنى ايه نصلى للرب فبقت هى تتلو الصلوات فى المايك و احنا بنسمعها .
وطبعا اغلب المدرسين و المدرسات كانوا من النصارى و المسلمين كانوا قلة قليله و كانوا متعينين عشان يدرسولنا مادة الدين .
طبعا حباً فى القديس فرانسيس سميت المدرسة فرانسيسكان لأن القديس فرانسيس كان غلبان و كان بياخد على قفاه و بيستحمل و بيحب الفقرا و فيلم هندى كده دفع كل الاطفال للاشفاق عليه و حبه .
و فى المدرسة كان بيدرسلنا العربي معلمة نصرانية فى اولى و تانية ابتدائى و بعد كده جابولنا معلم مسلم .
صفعة من أجل الحجاب

و فى يوم لن انساه ابدا، دخلت زميلة لى وعلى رأسها "طرحة" بيضاء و دخلت حضرت الطابور ، وعندما رأتها الراهبه توجهت ناحيتها و صفعتها على وجهها وقالت لها :"انتى فاكرة نفسك فين ؟؟؟" ووخلعت" الطرحة" عن راس زميلتى و قالت لنا ان من تلبس" طرحة" فى المدرسة دى تفعل ذلك بسبب وجود حشرات فى شعرها ، طبعا كلنا قرفنا منها وقتها ومن الحجاب و من ساعتها نهلة مش بتلبس طرحة .
فى الفسحة بنقف طابور عشان نصلى للرب انه يرزق الفقرا زينا و يباركلنا فى النعمة و بنقف دقيقتين كل واحد يصلى فى سره بعد الصلاة اللى كانت بتقولها الراهبه.

و اتذكر مرة جالنا مدرس العربي و انا فى سنة رابعة ابتدائى و اعطانا حصة مكتبة و قال بدل ما نحكى حدوتة الموضوع هيبقى مفتوح، سألناه عن الجنة و النار
و قال لنا عن الساعة و كلامه كله من القرآن و السنة فسألناه هو احنا ممكن ندخل الجنة من غير صحابنا المسيحيين ، قال لنا يا احنا يا همه انما مش هندخلها سوا و فضل يتكلم فى الاسلاميات، تانى يوم الراهبه كانت متعصبة (ياترى ليـــــــــــــــه) و اخدتنا على المسرح لأن المسرح كان واسع جدا و قعدتنا على ديسكات بعيدةعن بعضها و وزعت اوراق زى اوراق الاجابة بتاعت الامتحانات و قالت كل واحد يكتبلى المستر اداكو ايه امبارح فى حصة المكتبة ، طبعا كلنا كتبنا ، و من ساعتها و الراجل ما شفناهوش تااااااانى خاالص، و جابتلنا مدرس غيره.
طبعا احتفالات المدرسة كانت كتيرة زى حفلة عيد الام و الكريسماس و حفلات التخرج و كنا بنشارك فيها برقصات و كنا بنرقص مع اصحابنا الولاد و الرقصات كنا بنتمرن عليها بصفة يومية عشان مننساهاش
و فى الايام القليلة قبل انتهاء الدراسة قالتلنا الراهبه ان المدرسة هيحصل فيها تعديلات و هيعملوا اعدادى و ان اللى مش هيكمل يبقى فقير و معوش فلوس ، و انا طبعا كان نفسي اكمل يعنى بس والدى كان ساعتها لاحظ ميولى المسيحية و استيائى من المحجبات و حبى للراهبات و القساوسة و طبعا خرجنى من المدرسة لمه عرف ان انا و اخى كنا بنبوس ايد القسيس و احنا فى المدرسة .
بعد دخولى الجامعه اتعرفت على بنت كانت فى مدرسة الفرانسيسكان بس فرع تانى و كملت فيها لحد ثانوى ، و كانت صدمتى انها متعرفش ايه هى النوافل و متعرفش يعنى ايه عقوق الوالدين و متعرفش اى حاجة عن دينها و بتحب المسيحيين جدا و مش بتستظرف المسلمين أد كده.
و قالتلى انهم سمحوا بالحجاب فى تالتة ثانوى بس .
و قد قمت بعمل استطلاع لعدد ممن دخلوا تلك المدارس ، واخبرونى انهم كانوا يشاهدون اصدقائهم النصارى و هم يتلون صلواتهم امام تمثال العذراء ، و ان من كانت تريد الحجاب كانت ترتدى الحجاب فى اتوبيس المدرسة و تخلعه على باب المدرسة . واحسرتاه على بناتنا و ابنائنا

انا اكملت دراستى فى مدارس حكومية وعرفت دينى حق معرفته و ليس كما كانوا يعرفونى اياه ، و دخلت كلية من كليات القمة التىيحلم بدخولها اغلب الشعب و اصبحت بالتزامى محل احترام الكلية كلها و بزيي الاسلامى و باحتشامى اصبحت مدعاة فخر لأهلى و لمن يعرفنى

وهنا اعود لهدفى الرئيسي لما كتبت ، يا أيها الرجل ، يا من تحب ولدك وتريده عالما او طبيبا ، هل تريد ان تتركه فى غفلة عن دينه ؟؟؟ ام تريده مسلما متفوقا؟؟؟؟
هذا التنبيه لك و لكل من سولت له نفسه ان يرمي ابنه فى احضان النصارى كى يعلموه . و انوه على ان هناك مدارس اسلامية خاصة و مستواها التعليمي رائع اذا كنت تريد المستوى التعليمى الرائع .
اللهم إنى بلغت اللهم فاشهد
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال


و اذا كان لأى من قرائنا الاعزاء تجربة او قصة او اقتراح يريد ان يعرضه علينا فنحن نرحب به ، و ليراسلنا على بريد مدونتنا
churchenews@live.com

هناك ٥ تعليقات:

غير معرف يقول...

الان التعليم الجيد ولا يقل عنه في المدارس التبشيرية في المدارس الخاصة الاسلامية موجود وبمصاريف تناسب كل المستويات من الاف الجنيهات في السنة للطالب الي مئات الجنيهات وبالنسبة للتعليم عامة حكومي او خاص لا يفيد الطالب الان الا بمجهود الدروس الخاصة وجهود الابوين المتعلمين اذا ساعدوا ابناءهم خاصة في مرحلة التعليم الاساسي وذهاب الطلبة للمدارس في بداية السنة الدراسية ثم الانقطاع بحذر حسب تسيب المدرسة التي يقتنع مديرها ووكلاءها بعقم تسجيل الغياب للطلبة فمرة يسجلون وعشرة " لا"ولذلك انصح الاخوة المسلمين بتجنب المدارس المسيحية التبشيرية مثل الراهبات الفرنسسكانيات ومدارس "ام الآله"اي "الميردي دييه"اي ام النور وهي عندهم ليست عذراء بل ام بوسي ويهوذا ويعقوب العادل اخوة يسوع؟؟ وفوجئنا بحفلات الرقص البلدي من القديسة "دينا" وسط الراهبات والحضور التيوس؟هل هذا يخدم العملية التعليمية ؟أيضا انصح نفسي وأخوتي من عدم الذهاب الي المستوصفات المسيحية مثل "السبع بنات" في الاسكندرية وهي دير ومدرسة من الحضانة الي الثانوي ومستوصف به تمثال للعذراء في مدخل المستوصف والكشف يبدأ من الثامنة صباحا بالفلوس ولكن من يحضر موعظة الكاهن الساعة السابعة يعفي من دفع الكشف الطبي ؟

Nemo يقول...

اكرمك الله اخى الفاضل مصري و انا معك فى هذا الرأى .

فقد كنت ارى مستوصف ملحق بالفرنسيسكان فى الاسكندرية ايضا و هو يعج بالاصنام. و طبعا النصارى يحصلون على حسم فى الرسوم و احيانا يعفون منها.
و مثل مستشفى مارمرقس بسيدي بشر بالاسكندرية، عندما يذهب اليها مسلم فإنه يلقى معاملة عجيبة الشكل ، و نظرات ازدراء و ما الى ذلك ( هذا ما اختبرته بنفسي ) و طبعا كل العاملين نصارى ، مما يسبب الاشمئزاز

ربنا يعافينا

حفظكم الله اخى الفاضل ، و زادكم قربا اليه و اعانكم فى حياتكم

غير معرف يقول...

ما هو القرآن ؟
السؤال : ما هو القرآن ؟
الجواب :
الحمد لله
القرآن الكريم هو كلام رب العالمين أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور : (( هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور )) الحديد : 9
وقد بين الله في القرآن الكريم أخبار الأولين والآخرين وخلق السماوات والأرضين وفصل فيه الحلال و الحرام وأصول الآداب والأخلاق وأحكام العبادات والمعاملات وسيرة الأنبياء والصالحين وجزاء المؤمنين والكافرين ووصف الجنة دار المؤمنين ووصف النار دار الكافرين وجعله تبياناً لكل شيء : (( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )) النحل : 89 .
وفي القرآن الكريم بيان لأسماء الله وصفاته ومخلوقاته والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر : (( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) البقرة : 285 .
وفي القرآن الكريم بيان لأحوال يوم الدين وما بعد الموت من البعث والحشر والعرض والحساب ووصف الحوض والصراط والميزان والنعيم والعذاب وجمع الناس لذلك اليوم العظيم : (( الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثاً )) النساء : 87 .
وفي القرآن الكريم دعوة إلى النظر والتفكر في الآيات الكونية والآيات القرآنية : (( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض )) يونس : 101 . وقال سبحانه : (( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )) محمد : 24 .
والقرآن الكريم كتاب الله إلى الناس كافة : (( إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل )) الزمر/41 .
والقرآن الكريم مصدق لما بين يديه من الكتب كالتوراة والإنجيل ومهيمن عليها كما قال سبحانه و تعالى : (( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه )) المائدة : 48 .
وبعد نزول القرآن أصبح هو كتاب البشرية إلى أن تقوم الساعة فمن لم يؤمن به فهو كافر يعاقب بالعذاب يوم القيامة كما قال سبحانه : (( والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون )) الأنعام/49 .
ولعظمة القرآن وما فيه من الآيات والمعجزات والأمثال والعبر إلى جانب الفصاحة وروعة البيان قال الله عنه : (( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون )) الحشر : 21 .
وقد تحدى الله الإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله أو آية من مثله فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا كما قال سبحانه : (( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً )) الإسراء : 88 .
ولما كان القرآن الكريم أعظم الكتب السماوية ، وأتمها و أكملها وآخرها ، أمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بإبلاغه للناس كافة بقوله : (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس )) المائدة : 67 .
ولأهمية هذا الكتاب وحاجة الأمة إليه فقد أكرمنا الله به فأنزله علينا وتكفل بحفظه لنا فقال : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) الحجر : 9 .
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري . (www.islam-qa.com
===========
الرد على من يحاول أن يثبت عدم صحة القرآن الكريم
السؤال :
قرأت مؤخرا بحثاً كتبه باحثون ألمان عن صحة القرآن . بعض ما قالوه نوقش في مقال في مجلة أتلانتك الشهرية بعنوان "ما هو القرآن ؟ " كتبه توبي ليستر نُشر في عدد يناير 1999 من تلك المجلة. لب القضية كان عن وجود نسخة قديمة جدا من القرآن في مسجد في اليمن يرى تحريفاً في القرآن الموجود . في بعض المواضع الكتابة التي كانت توجد في هذه النسخة قد مُسحت وكُتب فوقها .
المقال يحاول أن يلقي
الشبهة للمسلمين في نظرتهم للقرآن بأنه موثوق به تماماً ، وحاول أن يثبت أن القرآن عبارة عن كلام يتعرض للتغيير مثل أي كلام آخر.
أنا غير مسلمة ولكنني أعلم بأن القرآن له مكانة في الإسلام كمكانة المسيح في النصرانية .
بالنظر لهذا ، كيف تجيب على محاولة الذي يريد أن يفند صحة القرآن ؟ وهل يوجد لديك رد آخر على هذا الهجوم على صدق القرآن ؟.
الجواب :
الحمد لله
1. إن ثبوت صحة ما في أيدينا من نسخ القرآن الكريم لم يثبت عندنا بدليل أو بدليلين ، بل ثبت بأدلة كثيرة متوافرة لا يقع عليها عاقل منصف إلا ويقطع أنه هو كما أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم .
2. وقد تعاقبت الأجيال جيلاً بعد جيل تتلو كتاب الله وتتدارسه بينهم ، فيحفظونه ويكتبونه ، لا يغيب عنهم حرف ، ولا يستطيع أحد تغيير حركة حرف منه ، ولم تكن الكتابة إلا وسيلة من وسائل حفظه وإلا فإن الأصل أن القرآن في صدورهم .
3. ولم يُنقل القرآن لنا وحده حتى يمكن تطرق التحريف المدَّعى إليه ، بل نقل تفسير آياته ، ومعاني كلماته ، وأسباب نزوله ، وإعراب كلماته ، وشرح أحكامه ، فأنَّى لمثل هذه الرعاية لهذا الكتاب أن تتطرق إليه أيدي آثمة تحرِّف فيه حرفاً ، أو تزيد كلمة ، أو تسقط آية ؟
4. وإن تحدَّث القرآن عن أشياء غيبية مستقبلية ، أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ليبيِّن أنه من عند الله ، وأن البشر لو أرادوا كتابة كتاب فإنهم قد يبدعون في تصوير حادث ، أو نقل موقف ، لكن أن يتحدث أحدهم عن أمر غيبي فليس له في هذا المجال إلا الخرص والكذب ، وأما القرآن فإنه أخبر عن هزيمة الروم من قبل الفرس ، وليس هناك وسائل اتصال تنقل لهم هذا الحدث ، وأخبر في الآيات نفسها أنهم سيَغلبون فيما بعد في مدة معينة ، ولو أن ذلك لم يكن لكان للكفار أعظم مجال للطعن في القرآن .
5. ولو جئت إلى آية من كتاب الله تعالى فذهبت إلى أمريكا أو آسيا أو أدغال أفريقيا أو جئت إلى صحراء العرب أو إلى أي مكان يوجد فيه مسلمون لوجدت هذه الآية نفسها في صدورهم جميعاً أو في كتبهم لم يتغير منها حرف .
فما قيمة نسخة مجهولة في ( اليمن ) لم نرها يمكن أن يحرِّف فيها أحد العابثين في هذا العصر آية أو كلمة ؟
وهل يقوم مثل هذا الكلام في سوق البحث والنظر ؟ وخاصة أن القوم يدَّعون البحث والإنصاف والعدل في القول .
فماذا يكون رد هؤلاء لو جئنا إلى كتاب من كتبهم الموثوقة لمؤلِّفين معروفين ، ولهذا الكتاب نسخ كثيرة في العالم ، كلها على نسقٍ واحدٍ ، ثم ادَّعى مدَّعٍ وجود نسخة من هذا الكتاب في بلدٍ ما ، وفيها زيادات وتحريفات عما في نسخهم ، فهل يعتدون بها ؟
جوابهم هو جوابنا .
6. والنسخ المخطوطة عند المسلمين لا تثبت بهذا الشكل الساذج ، فعندنا خبراء يعرفون تاريخ الخط ، وعندنا قواعد يضبط فيها إثبات صحة هذه المخطوطة كوجود السماعات والقراءات عليها ، واسم وتوقيع من سمعها وقرأها .
ولا نظن أن هذا قد وجد في هذه النسخة المزعومة من اليمن أو من غيرها .
7. ويسرنا أن نختم ردنا بهذه القصة الحقيقية والتي حدثت في بغداد في العصر العباسي ، حيث أراد يهودي أن يعرف صدق الكتب المنسوبة لله من أهلها وهي التوراة عند اليهود ، والإنجيل عند النصارى ، والقرآن عند المسلمين .
فراح إلى التوراة فزاد فيها ونقص أشياء غير ظاهرة جداً ، ثم دفعه إلى ورَّاقٍ – كاتب – منهم وطلب نسخ هذه النسخة ، قال : فما هو إلا زمن يسير حتى صارت نسختى في معابد اليهود وبين كبار علمائهم .
ثم راح إلى الإنجيل فزاد فيه ونقص كما فعل في التوراة ، ودفعه إلى ورَّاقهم وطلب نسخه فنسخه ، قال : فما هو إلا زمن يسير حتى صار يقرأ في كنائسهم وتتناوله أيدي علمائهم .
ثم راح إلى القرآن فزاد فيه ونقص كما فعل في التوراة والإنجيل ، ودفعه إلى ورَّاق المسلمين لينسخه له .
فلما رجع إليه لاستلام نسخته ألقاه في وجهه وأعلمه أن هذا ليس قرآن المسلمين !
فعلم هذا الرجل من هذه التجربة أن القرآن هو كتاب الله بحق وأن ماعداه لا يعدو أن يكون من صنع البشر .
وإذا كان ورَّاق المسلمين قد علم تحريف هذه النسخة فهل يمكن أن تمشي هذه على علماء المسلمين ؟
وإذا أرادت السائلة تحويل هذه التجربة القديمة إلى واقع حالي فما عليها إلا أن تفعل فعل ذلك اليهودي الذي أسلم وتزيد وتنقص من هذه الكتب الثلاثة ولتر نتيجة تجربتها .
ولن نقول لها اعرضي نسختك من القرآن على ورَّاق ، بل سنقول اعرضيها على صبيان وأطفال المسلمين ليكشفوا لك خطأ نسختك !
وقد طبعت بعض الدول الإسلامية مصاحف فيها أخطاء كان مكتشفها من الأطفال الصغار قبل الكبار .
والله الهادي .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com
===============
الرد على دعوى تحريف القرآن
السؤال :
أرجو أن تجيب على هذا السؤال فهو مهم بالنسبة لي ، فقد كنت أقرأ في صفحة معادية للإسلام على الإنترنت حيث قال أحد النصارى بأن الشيخ السجستاني قال في كتابه " المصاحف " بأن الحجاج قد غيَّر في حروف المصحف وغيَّر على الأقل عشر كلمات ، يدَّعي بأن السجستاني قد ألَّف كتاب اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان " وقد ادَّعى هذا النصراني بأنَّه جمع الكلمات العشر التي تم تغييرها باللغة العربية .
حاولتُ الحصول على نسخةٍ من هذا الكتاب دون جدوى فأرجو التوضيح ، فأنا لا أتخيَّل أنَّ جميع العلماء والحفَّاظ يسمحون لشخصٍ بأن يغيِّر القرآن ولا يقولوا شيئاً ، حتى ولو أن السجستاني روى هذا .
هذا الأمر لا يُعقل أبداً لأننا لسنا كاليهود والنصارى لا نحفظ كتابنا ونتركه لرجال الدين ، فالمسلمون يحفظ كثير منهم القرآن وكلهم يتلوه فلا يعقل أن لا يلاحظ أحد الفروق والاختلافات .
الجواب:
الحمد لله ،
ما جاء في السؤال نقلاً عن كتاب " المصاحف " لابن أبي داود : فإليك الرواية فيه والحكم عليها :
عن عبَّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً ، قال : كانت في البقرة : 259 { لم يتسن وانظر } بغير هاء ، فغيرها " لَم يَتَسَنه " .
وكانت في المائدة : 48 { شريعة ومنهاجاً } ، فغيّرها " شِرعَةً وَمِنهاجَاً ".
وكانت في يونس : 22 { هو الذي ينشركم } ، فغيَّرها " يُسَيّرُكُم " .
وكانت في يوسف : 45 { أنا آتيكم بتأويله } ، فغيَّرها " أنا أُنَبِئُكُم بِتَأوِيلِهِ " .
وكانت في الزخرف : 32 { نحن قسمنا بينهم معايشهم } ، فغيّرها " مَعِيشَتَهُم " .
وكانت في التكوير : 24 { وما هو على الغيب بظنين } ، فغيّرها { بِضَنينٍ }… الخ ..
كتاب " المصاحف " للسجستاني ( ص 49 ) .
وهذه الرواية ضعيفة جدّاً أو موضوعة ؛ إذ فيها " عبَّاد بن صهيب " وهو متروك الحديث .
قال علي بن المديني : ذهب حديثه ، وقال البخاري والنسائي وغيرهما : متروك ، وقال ابن حبان : كان قدريّاً داعيةً ، ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة شهد لها بالوضع ، وقال الذهبي : أحد المتروكين .
انظر " ميزان الاعتدال " للذهبي ( 4 / 28 ) .
ومتن الرواية منكر باطل ، إذ لا يعقل أن يغيِّر شيئاً من القرآن فيمشي هذا التغيير على نسخ العالم كله ، بل إن بعض من يرى أن القرآن ناقص غير كامل من غير المسلمين كالرافضة - الشيعة – أنكرها ونقد متنها :
قال الخوئي – وهو من الرافضة - : هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين والأطفال ، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني أُمية ، وهو أقصر باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيءٍ ، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً من الفروع الإسلامية ، فكيف يغير ما هو أساس الدين وقوام الشريعة ؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الإسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها ؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه ، ولا ناقد في نقده مع ما فيه من الأهمية ، وكثرة الدواعي إلى نقله ؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته ؟ وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته ؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها ، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة ، فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله . " البيان في تفسير القرآن " ( ص 219 )
وما نقله السائل عن الإمام السجستاني من أنه ألَّف كتاباً اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان " : غير صحيح بل كذب ظاهر ، وكل ما هنالك أن الإمام السجستاني ترجم للرواية سالفة الذكر عن الحجاج بقوله : ( باب ما كتب الحجَّاج بن يوسف في المصحف )
وعلى هذا فإنه لا يمكن أن يعتمد على هذا الرواية بحال من الأحوال ، ويكفي في تكذيبها أنه لم يثبت حتى الآن أن أحداً نجح في محاولة لتغيير حرف واحد ، فلو كان ما روي صحيحاً لأمكن تكراره خاصة في عصور ضعف المسلمين وشدة الكيد من أعدائهم ، بل مثل هذه الشبهات التي تثار هي أحد الأدلة على بطلان هذه الدعاوى ، وأن

غير معرف يقول...

من أخلاقنا( ) للشيخ علي الطنطاوي( )

أعرف رجلاً أنعم الله عليه بسعة المال، وفطره على صدق الود، وبسط اليد؛ فأباح إخوانه ماله، يغترقون منه اغتراقاً، ويأخذون منه علاًّ ونهلاً، قرضاً حسناً لا يطالبون برده، وهدية لا يسألون المقابلة بمثلها، وهبة لا يُرتَقَبُ منهم عوضٌ عنها، ولا يسمعون كلمة منّ أو تذكير بها.
وفَتَحَ لهؤلاء الإخوان _ وما كان أكثرهم _ داره، وأفرد لهم جناحاً فيها لا يدخله أحد من حرمه وأهله، وأقام عليهم خادماً وطاهياً، وانقطع فيه لاستقبالهم قادمين بالبشاشة والترحيب، وإيناسهم مقيمين وخدمتهم، وتوديعهم راحلين مشيِّعاً إياهم بالكرامة، شاكرهم على تفضلهم بالزيارة، سائلهم التكرم بالعودة.
ولبث هذا الرجل على ذلك حتى أضاع ماله كله، فباع الدار وأثاثها، وغدا فقيراً يحتاج إلى الورقة السورية، فلا يجد في كل أولئك الإخوان من يدفعها إليه، لا وفاء دين، ولا مقابل هدية، ولا عوضاً من هبة، ولا قرضاً حسناً إلى أيام السعة، اللهم إلا قرضاً برباً، ولا يرضى المرابون أن يقرضوا مفلساً.
ولعل الرجل أخطأ حين عمد إلى هذا الكرم الجاهلي فأخذ به، وترك التأدب بأدب القرآن الذي يقول: [وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً]؛ والذي جعل المبذرين إخوان الشياطين.
ولعله لقي جزاءه؛ فما سقت القصة للحكم عليه، وإنما قصصتها لأنها ذكرتني بطائفة من أخلاقنا، هي كالداء في جسم الأمة، لا يجمل بالكتَّاب وحملة الأقلام السكوت عنها والرضا بها، وهم أطباؤها وأساتها، وعندهم دواؤها.
ذكرتني بما نكاد نراه كل يوم من الحوادث وما يكاد يعرف له كل قارئ شبيهاً ومثيلاً، حين يأتيك الرجل من أصدقائك أو جيرانك متذللاً متواضعاً، مظهراً للتقى والأمانة، يسألك أن تقرضه مالاً قد تكون أنت في حاجة إليه في يومك أو غدك، ويذكرك الكرم والثواب؛ وربما استعان عليك بمن لا يُرَدُّ طلبُه عندك، فتعطيه ما يريد، تضعه في كفه خالياً به، تستحيي أن تشهد عليه شاهداً، أو تأخذ به كتاباً، مع أن الله أمر بكتابة الدين إلى الأجل المسمى أمر ندبٍ واستحبابٍ، لا أمر إيجاب وافتراض؛ فيأخذه منك ويذهب شاكراً فضلك، مثنياً عليك ثناءاً يخجلك ويضايقك، ثم لا تراه بعد ذلك، ولا تبصر له وجهاً، فتفتش عنه؛ لتسأله رد المال وقد انقضت مدة الدَّين، وتجددت حاجتك إليه، فيروغ منك، وينأى عنك، فتطرق بابه، فيقال لك: هو غائب عن الدار، فتعود إليه في الصباح فيقال: هو نائم، فترجع بعد ساعة فيقال: خرج، فتبتغي إليه الوسائل وتتشفع إليه بالأصدقاء، فيلقاك شامخ الأنف مصعّراً خده، يقول: يا أخي، أزعجتنا بهذا الدين، ما هذا الإلحاح الغريب؟ أتخاف أن آكله...؟!
وينتهرك وأنت تداريه، ثم إن كان رجلاً طيباً دفع إليك الدين، ولكن قرشاً بعد قرش، وورقة( ) بعد ورقة، فتريق في استيفاء دينك ماء وجهك، وتنفق فيه الثمين من وقتك، ثم لا تنتفع منه بشيء.
وإن لم يكن صاحب ذمة أكل الدين كله، وصرخ فيك حيثما لقيك: ما لك عندي شيء. اشتك للمحاكم!، وهو يعلم أنه لا سند في يدك، ولا بينة لك عليه.
وهبك أخذت منه كتاباً بدينك، أفتصبر على طول المحاكمة، ومتابعتها، وتأجيلها، وتسويفها، ورسومها، ومصارفها؟ إن ضياع المال أهون من إقامة الدعوى به( ).
ومثل هؤلاء المقترضين الأفاضل مستعيرو الكتب، أولئك الذين تركوا في قلبي غصصاً حلفت بعدها بموثقات الأيمان أني لا أعير أحداً كتاباً، ولم أنج مع ذلك منهم، ولم يردّ لي إلى الآن كتاب =كشف الظنون+ الذي نسيت من استعاره مني منذ إحدى عشرة سنة...
ولهؤلاء المستعيرين نوادر شهدت منها العجب، منها أن أستاذاً محترماً في قومه جاءني مرة يلتمس إعارته جزءاً من تفسير الخازن من خزانة كتبي؛ ليراجع فيه مسألة، ويرده إليَّ عاجلاً، ففعلت؛ وانتظرت أربع... أربع سنوات والله ثم ذكرته به؛ فغضب وقال: لإيش العجلة يا أستاذ؟ لم أراجع المسألة بعد...!
والذي يذكر منهم صاحب الكتاب، ويتنازل، فيرده إليه، يرده مخلوع الجلد ممزق الأوصال.
وأنكى منه المستعير المحقق المدقق الذي يرى في الكتاب موطناً يحتاج إلى تعليق، فيكتب التعليقة التي يفتح الله بها عليه، على هامش كتابك بالحبر الصيني الذي لا يمحى ولا يكشط، ويذيّلها باسمه الكريم!!
وشر من هؤلاء جميعاً الثقيل الذي يتظرف، ويتخفف، فيرى أن من الظرف سرقةَ الكتب، فإذا زارك وتركته في المكتبة وخرجت؛ لتأتيه بالقهوة والشاي أخذ كتاباً فدسَّه تحت إبطه، أو وضعه في جيبه ثم ذهب به وأنت لا تدري( )..
وربما كان هذا المدين المماطل، وذلك الذي يأكل الدين وينكره، والذي يستعير الكتاب ويمسكه، ربما كانوا عند العامة من أقطاب الوقت، وأولياء الله الكبار؛ ذلك لأن الناس جهلوا حقيقة التقى، وبدلوا معناه؛ فكان التقي في صدر الإسلام هو الذي يتقي المحارم والمظالم ما ظهر منها وما بطن، ولا يدخل جوفه ولا جيبه إلا طيباً حلالاً، ويفر من مواطن الشبهات، ولا يطلب المال إلا لإمساك الرمق ونيل القوام، والعيش عيش القناعة والرضا، ولا يأخذه إلا من حلّه.
ولم يكن الرجل؛ ليشهد للرجل بالتقوى إلا إن صحبه في سفر، أو عامله في مال؛ فصار التقي اليوم من يكبِّر عمامته، ويطوّل لحيته، ويوسع كمه، ولا تفارق يده سبحته، ولا يقف لسانه عن ذكر؛ ومن يتوقر ويطيل المكث في المساجد.
وهذا كله حسن لا اعتراض عليه، غير أن حُسْنَهُ ينقلب قبحاً أبشع القبح إذا اتخذه صاحبه أحبولة يصطاد بها الدنيا.
كذلك الذي كان وصيَّاً على أيتام ضعاف لا يملكون حيلة، اغتر أبوهم بلحيته وسبحته فوصى بهم إليه، فجرعهم كؤوس المذلَّة والجُوع، ونشَّأهم في الأزقة نشأة اللصوص، وأكل أموالهم وهو يقرأ كل يوم بصوته الجميل: [إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً].
وهو مع ذلك لا ينقطع عن الأذكار وحلقاتها، ويجهر بالبكاء إذا سمع الموعظة، وينكر أشد الإنكار على من يهمل السنن؛ فيشرب بشماله، أو يحلق لحيته، والناس يتبركون بلثم يده؛ فكيف السبيل إلى إفهام هؤلاء الناس ما هي حقيقة التقى كيلا يعظموا اللص، ويجعلوه وليَّاً مباركاً، ولا يغتروا بالصلاح المجاني الذي لا يكلف صاحبه مالاً، بل يجمع به المال، ويعلموا أن الله الذي وضع في نفوس الشباب شهوة الجسد وضع في نفوس هؤلاء المشايخ _ لست أعني المشايخ كلهم _ شهوة المال، وأنه لا فضل لأحدهما على صاحبه؛ وأن الشيخ التقي هو الذي لا يقيم للمال وزناً، ولا عبرة بغضه البصر عن النساء واتباعه سبيل العفاف؛ وأن الشاب الصالح هو الذي لا تغلبه على نفسه تلك الشهوة ولا عبرة ببذله المال...
لقد انحدرت أخلاقنا حتى صار الشاب منا حين يخوض خِضَمَّ الحياة، ويرى الاختلاف بين ما علموه من الأخلاق في المدرسة، وما تواضع عليه الناس في الحياة _ يقف حائراً مدهوشاً لا يدري ما يأخذ وما يدع؛ فلا هو يرتضي لنفسه التفريط في أخلاقه: صدقه وأمانته وعزة نفسه، ولا هو يرتضي الحرمان من المتع واللذائذ والمناصب العالية والمرتبات الكبيرة يناله جزاء تمسكه بما علَّموه من الأخلاق.
حدثني صديق لي أنه انتسب في شبابه إلى الشرطة، فجعلوه رئيس مصلحة السير في بلدة من بلاد الشام، وكان ذلك منذ خمس وعشرين سنة أو أوفى من ذلك، وكان مقره في مخفر في ظاهر البلد، فمر عليه رَتْلٌ من السيارات في حجاج آيبون، وكان نظام تلك الأيام أن سيارة لا تجتاز على مخفره إلا بوثيقة وإذن، لا أدري ما صفتهما فقد نسيت دقائق حديثه، ولم يكن معهم ذلك الإذن فوقفهم، ومنعهم من المرور إلا به، قال: فغاب السائق هنيهة ثم عاد وفي يده صرة وضعها على مكتبي فيها أربعون ريالاً مجيديَّاً، وقال هؤلاء حجاج آيبون يريدون التعجيل بالوصول، وهذه الصرة ثمن فنجان قهوة رجاء السماح لهم... إلخ.
قال: فلما سمعت ذلك قفَّ شعري وصحت به: أتريد أن ترشوني يا كذا وكذا، وأمرت به فوقف، واستلمت الهاتف (التلفون) أهتف بمدير الشرطة أرفع إليه الأمر، وأنا أرى أنه سينزل به أشد الجزاء، فإذا به يأمر بإطلاقه، ويأذن للسيارات بأن تسافر على خلاف النظام، وأن يبعث إليه بالمال، ليجري التحقيق.
قال صديقي: وذهب المال ولم يعد، وتركت العمل، ولو أني بقيت لطرحت عن عاتقي ثقل الأخلاق التي تجعلني غريباً بين زملائي، وتحرمني الغنى، وتكسبني غضب الرؤساء، فلا يصيبني ترفيع، ولا يصل إليَّ خير.
وليست هذه القصة فريدة في بابها، ولا هي نادرة من النوادر، بل هي قصة كل يوم، وهي الداء الذي يزداد ويسيطر، والأساة عنه غافلون.
وأين أساته وأهل السياسة مشغولون بالقتال على كراسي الحكم، هي الدنيا لهم وهي الأخرى، وأهل الأدب بين نائم يستمتع بشهيِّ الأحلام، ومستيقظ قد ألهاه هواه، فهو يملأ الدنيا بكاءاً ونحيباً؛ لأن صاحبته أسهرته بعدِّ النجوم ولم تأته، أو أنها قد وعدته بقبلة ثم وجدت أجمل منه، أو أفسق فأعطته إياها، وأهل العلم يعيش أكثرهم على هامش الحياة لا همَّ له إلا مرتبه يقبضه من دائرة الأوقاف في مطلع كل شهر، ثم لا تراه ولا يراه أحد إلى الشهر الذي بعده، أو حاشية يقرؤها ويعيدها على من حضر مجلسه قراءة تبرك لا قراءة تحقيق، فلا يرجع، ولا ينتقد، ولا يقابل قانوناً على قاعدة فقهية، ولا ينظر مشكلة من مشاكل العصر؛ ليرى حكمها.
ومن اشتغل منهم بالمسائل العامة أخذ نفسه بالاهتمام بأمر لا يقدم في الدين ولا يؤخر، ولا يتوقف عليه إيمان ولا كفر.
والشباب الناشئون؛ لجهلهم حقائق الإسلام، وبُعْدِ ما بينهم وبين المشايخ، وقَصَرِ أيديهم وأفهامهم عن نيل الكتب ذات الشروح والحواشي _ قد زهدوا في كل ما هو شرقي واستهانوا به، وعظموا ما يقابله من كل حماقة دعيت مذهباً اجتماعيَّاً، وكل سفسطة سميت فلسفة، وكل كفر بالدين والعرض دعي أدباً، وأعانهم على ذلك أن أكثر المدرسين من الذين لم يقدر لهم فهم علوم الإسلام والغوص على كنوز كتبه.
ولست أطلق القول وأجنح إلى التعميم؛ فإن في كل فئة من هؤلاء _ الطيبين والمصلحين، ولكن الكثرة على نحو ما ذكرت؛ فمن أين يرجى إصلاح أخلاقنا وأوضاعنا؟
ومن أين يرجى لأخلاقنا صلاح؟ ولم نتفق بعد على الأخلاق التي ينبغي أن نتخلق بها؛ فمنا من يرى المثل الأعلى في أخلاق الجاهلية: كرم إلى حدّ التبذير، وشجاعة إلى حدّ التهوُّر، كصاحبنا الذي استهللت بحديثه هذا المقال، وعامة طائفة الزكرت في الشام، وهي أشبه بالفتوة في مصر وأكثر البدو، ومنا من يميل إلى التخلق بأخلاق أجدادنا في القرن الماضي على ما كانت عليه بلا زيادة عليها ولا نقصان منها، ومن يخالفهم مخالفة الضدّ للضدّ فيرى أن نقتبس الأخلاق الغربية برمتها.
ويتشعب بهؤلاء الرأي فيميل كل إلى الأمة التي تعلم في مدارسها، أو رحل إلى أرضها، ومن يرى اقتباس الجيد النافع من كل أمة من غير أن يحدد أو يعين.
ولا دواء لهذه الفوضى في رأيي، ولا صلاح لأخلاقنا، إلا بالرجوع إلى الإسلام الصحيح الذي جاء به سيدنا وسيد العالم محمد " لا الإسلام الذي يفهمه المتاجرون بالدين، ولا الذي تفهمه العامة؛ فإذا فعلنا فثمة كلُّ خيرٍ، ولا يكون ذلك إلا إذا شمر العلماء وحققوا المسائل، ودرسوا المشكلات، وألقوا عن المصنفين الأولين رداء التقديس، واستمدوا الأحكام من موردها، ثم ترجموا هذه الكتب القديمة إلى لغة العصر

غير معرف يقول...

الآداب العامة( ) للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي

يتحدث كثير من الناس عن فئة من الشبان المصريين المتعلمين قد ظهروا في هذه الأيام، واتخذوا لأنفسهم في حياتهم العامة طريقاً غير الطريق اللائقة بهم، وبكرامتهم وبمنزلة العلم الذي يزاولونه؛ فأصبحوا متبذلين في شهواتهم، مستهترين في ميولهم وأهوائهم، ينتهكون حرمات الأعراض ما شاءوا وشاءت لهم نزعاتهم، ويعبثون بها في كل مكان عبث الفاتك الجريء الذي لا يخاف مغبة، ولا يخشى عاراً.
وأهول ما يتحدثون به عنهم في هذا الشأن أنهم يغرون الطالبات الصغيرات اللواتي لا يزلن يختلفن إلى مدارسهن، أو اللواتي انقطعن عنها منذ عهد قريب إلى منازلهن، ويَنصِبون لهن صنوف الحبائل، وأنواع الأشراك؛ لاصطيادهن، وإسقاطهن في هُوَّة الإثم والعار، وهذا ما أريد أن أتكلم عنه قليلاً.
أصحيح ما يقولون عنكم أيها الفتيان التعسون أنكم تتخذون صلة العلم التي هي أشرف الصلات، وأكرمها صلةَ فسادٍ بينكم وبين أولئك الفتيات الضعيفات، وأن الحِبَالَةَ التي تنصبونها لهن؛ لاصطيادهن إنما هي حبالة القلم الذي هو أفضل أداة للخير، وأعظم وسيلة للفضيلة، وخير واسطة للأدب والكمال؟
أصحيح ما يقولون عنكم أنكم تكتبون إليهن؛ ليكتبن إليكم، وتُهْدُون إليهن صوركم؛ ليهدين إليكم مثلها، فإذا امتلأت حقائبكم وجيوبكم بصورهن ورسائلهن أخذتم تنشرونها في كل مكان، وتعرضونها في كل معرض، وأخذ بعضكم يفاخر بكثرة ما يملك منها أو بجماله ورونقه، كما يفخر المرء بأفضل المزايا وأشرف الخصال؟
أصحيح أنكم تقفون لهن بكل طريق، وتأخذون عليهن كلَّ سبيل، وتضايقونهن في مَغداهن ومَرَاحِهن، وحيث ذهبن إلى عمل، أو خرجن لزيارة، أو برزن في مجتمع، فإذا عجزتم عنهن في الطريق أرسلتم وراءهن الرسل في منازلهن يخادعنهن ويخاتلنهن، وربما توسلتم إليهن بأخواتكم وبنات أعمامكم؛ ليسفرن بينكم وبينهن، ويداخلنهن مداخلة الأصدقاء حتى يجتذبنهن إلى منازلكم؟
أصحيح أنكم تقضون أكثر لياليكم مكبين على كتابة رسائل الغرام، وأكثر أيامكم حائمين حول المنازل تنتظرون خدمها الذين اصطنعتموهم؛ ليحملوا رسائلكم إلى ساكنيها، وربما جلستم على أبوابها بجانب البوابين والحوذيين ترقبون نوافذها وكُواها( ) علها تنفرج لكم عما تحبون؟
أصحيح أنكم أصبحتم لا تقنعون في أمر أولئك الفتيات البائسات اللواتي يقعن في مخالبكم بإفساد أخلاقهن، حتى تسجلوا عليهن ذلك الفساد تسجيلاً موقعاً عليه بتوقيعاتهن، مُسَتَشْهَداً عليهن بصورهن وخطوطهن؛ لتملكوا عليهن أمرهن بعد ذلك، وتحولوا بينهن وبين التفلُّت من أيديكم، والحياة بعيداً عنكم في جو غير جوكم، وجوار غير جواركم، عذارى أو متزوجات؟( )
أصحيح أنكم لا تكتفون بإفساد نفوسهن وضمائرهن حتى تفسدوا عليهن عقولهن وصحتهن، فتشركوهن معكم في شرب الخمر، وتناول المخدرات سائلها وجامدها، فلا تلبث أن تنتهي حياتهن بما تنتهي به حياة النساء الساقطات اللواتي يلفظن أنفاسهن الأخيرة في أقبية الحانات، أو بين جدران المواخير؟
أصحيح أنكم فقدتم في تلك السبيل التي تسلكونها خلق الرجولة والشهامة؛ فأصبحتم تتجملون للنساء بأخلاق النساء، وتزدلفون إليهن بمثل صفاتهن وشمائلهن، وأصبح الرجل منكم لا همَّ له في حياته إلا أن يتجمل في ملبسه، ويتكسر في مشيته، ويرقق من صوته، ويلون ابتساماته ونظراته بألوان التضعضع والفتور، ويقضي الساعات الطوال أمام مرآته متعهداً شعره بالترجيل، وبشرته بالتنضير، وثناياه بالصقل والجلاء، حتى صار ذلك عادة من عاداتكم التي لا تنفك عنكم، وحتى سرى التأنث من أجسامكم إلى نفوسكم، فلم يبق فيكم من صفات الرجولة وأخلاقها غير الأسماء والألقاب؟
إن كان حقاً ما يقولون كله أو بعضه فرحمة الله عليكم أيها الفتيان المساكين، وسلام على الفضيلة والشرف سلامَ مَنْ لا يرجو عودةً، ولا ينتظر إياباً.
إن هذه الفتاة التي تحتقرونها اليوم وتزدرونها، وتعبثون ما شئتم بنفسها وضميرها إنما هي في الغد أم أولادكم، وعماد منازلكم، ومستودع أعراضكم ومروءاتكم؛ فانظروا كيف يكون شأنكم معها غداً، وكيف يكون مستقبل أولادكم وأنفسكم على يدها؟
أين تجدون الزوجات الصالحات في مستقبل حياتكم إن أنتم أفسدتم الفتيات اليوم؟ وفي أي جو يعيش أولادكم ويستنشقون نسمات الحياة الطاهرة إن أنتم لوَّثتم الأجواء جميعها وملأتموها سموماً، وأكداراً؟
لا تتكون أخلاق الفتاة في عهد طفولتها، أو في عهد شيخوختها، بل في عهد شبابها، فإذا سَلِمَ لها ذلك العهدُ فَقَدْ سَلِمَ لها كلُّ عهدٍ بعد ذلك؛ فَدَعوها تَجْتَزْ هذه المرحلةَ الوحيدةَ من مراحل حياتها شريفةً طاهرةً تجدوا فيها بعد قليل من الزمن خيرَ زوجةٍ للزوج، وخيرَ أمٍ للولد، وخيرَ سيدة للمنزل.
لا تعجلوا عليها، وانتظروا بها قليلاً؛ لتستطيعوا أن تجدوها غداً زوجة طاهرة شريفة في منازلكم بدلاً من أن تجدوها فتاة ساقطة من دراةٍ مُطَّرحة على أعتاب المواخير والحانات.
لا تزعموا بعد اليوم أنكم عاجزون عن العثور بزوجات صالحات شريفات يحفظن لكم أعراضكم، ويحرسن سعادتكم وسعادة منازلكم؛ فتلك جناية أنفسكم عليكم، وثمرة ما غرست أيديكم، ولو أنكم حفظتم لهن ماضيهن لحفظن لكم حاضركم ومستقبلكم، ولكنكم أفسدتموهن، وقتلتم نفوسهن؛ ففقدتموهن عند حاجتكم إليهن.
إنني لا أفزع في أمركم إلى القانون، فالقانون في هذا البلد مدني لا أدبي، ولا إلى الحكومة، فالحكومة مشغولة بشأن نفسها عن شأن غيرها، ولا إلى الدين فقد ضعف شأنه في نفوسكم حتى هان أمره عليكم، ولا إلى آبائكم وأولياء أموركم، فقد عجزوا عنكم، وأصبحوا يبكون مع الباكين عليكم، بل أفزع في أمركم إلى ضمائركم التي هي الأمل الباقي لنا بَعْدَ فَقْدِ جميع آمالنا فيكم؛ فأصغوا إلى صوتها ساعة تسمعوا منها هذا الرجاء الذي نرفعه إليكم، وصوت الضمير أقوى من كل صوت في العالم.
يجب أن لا يُفْتَحَ قلبُ الفتاةِ لأحد من الناس، قبل أن يفتح لزوجها؛ لتستطيع أن تعيش معه سعيدة هانئة لا تنغصها ذكرى الماضي، ولا تختلط في مخيلتها الصور والألوان، ولا أعرف فتاة في هذا البلد بدأت حياتها بغرام قط فاستطاعت أن تتمتع بعده بحب شريف.
ولا أزال أذكر حتى اليوم حادثة ذلك الفتى الذي أهدت إليه حبيبته رسمها موقعاً عليه بتوقيعها، فلما تزوجت _ وكان لا يحب ذلك منها _ أراد الانتقام منها فقطع رأس الصورة ووضعها على جسم عار بتلك الطريقة الفنية المعروفة، ثم أرسلها مع كتاب وشاية إلى زوجها ليلة عرسها، فما لبثت أن خسرت في لحظة واحدة سمعتها وسعادتها.
وحدثني من أثق به أن كثيراً من الفتيات الفاسدات لا يتزوجن إلا بعد أن يأخذن على أنفسهن عهداً أمام أخلائهن أن يكن لهم بعد الزواج، أي بعد أن يصبحن مطلقات من قيود العذرة وروابطها، وقلما تتزوج فتاة ذات صلات فاسدة من رجل إلا وردت عليه ليلة البناء بها، أو في صبيحتها كُتُبَ الوشاية بها من الأشخاص الذين اتصلت بهم، وأخلصت إليهم، فانتهى أمرها في حياتها الجديدة بالشقاء والعار.
نحن في حاجة إلى أن نُعَلِّم بناتنا؛ لأننا لا نريد أن يعشن جاهلات متأخرات، فتنحوا عن طريقهن أيها الغواة المفسدون؛ ليستطعن أن يختلفن إلى مدارسهن آمنات مطمئنات على نفوسهن وأعراضهن، ولا تزعجوهن بفضولكم وإسفافكم؛ فإننا لم نبعث بهن في تلك السبيل؛ ليفسدن شرفهن وعفتهن، بل ليضفن إلى فضيلة الأدب والكمال فضيلة العلم والمعرفة.
أفسحوا الطريق لهن، وأفسحوا للعاملة الخارجة في طلب رزقها، والأرملة المسترزقة لبنيها، والفقيرة العاجزة عن قضاء حاجتها إلا بنفسها، والذاهبة لصلة رحمها، ولا تكونوا حجر عثرة في سبيل حرية المرأة في ذهابها وجيئتها، واضطرابها في مذاهب الأرض سعياً وراء رزقها، وقضاء مصالحها، فإن أبيتم عليها ذلك فاعترفوا أنكم أعداؤها القساة المتوحشون؛ لأنكم تأبون عليها إلا إحدى الخطتين القاتلتين: إما الجهل الدائم، أو السقوط العظيم.
الفضيلةَ الفضيلةَ أيها القوم؛ فهي العزاء الوحيد لهذه الأمة المسكينة عن جميع آلامها ومصائبها، والأمل الباقي لها إن ضاعت _ لا قدر الله _ جميع آمالها وأمانيها، والشرفَ الشرفَ فربما جاء يوم ندير فيه أعيننا من حولنا، فلا نجد مما تملك أيدينا شيئاً سواه