علي الرغم من سخونة الأحداث التي تمر بها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الآن والتي قد تطغي علي أي حدث آخر، إلا أنها تمنع الدكتور جورج بباوي من إصدار كتابه الثاني في الرد علي كتاب بدع حديثة لقداسة البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية بعنوان هل هذه بدع؟ وهل هي حديثة؟ .. الرد علي كتاب بدع حديثة للأنبا شنودة الثالث والذي أكد فيه أن الكتاب الأول لم يكن كافيا في عرض الأساس التاريخي والذي يدور عليه البحث والحوار .
وبدأ جورج بكتابة رسالة من مجموعة رسائل القمص متي المسكين بعنوان رسالة لأعضاء بيت التكريس عام 1960 والذي كان يتحدث فيها عن الآلام التي يمرون بها والتي أكد فيها أنه كان يري خطأ أن مهاجمات بعض الناس له كانت تتلف نفسه أو سعيه أو تعوق سيره فكان يخرج عن صوابه وكان ينظر لهم علي أنهم أعداء وبالتالي كانت الضربات تتخذ في بدايتها عنفًا وشدة يطيحان بالتفكير الرزين المتزن، والذي كان يؤثر بدوره علي إنتاجه وثماره الروحية وكان هذا ما يتمناه عدوه المنظور وغير المنظور، موضحًا أنه في لمحة اكتشف خطة العدو وتيقظ الوعي الروحي فجأة ونجا بالرغم من صعوبة النجاة ولكنه فاز بروحه مطبقًا آية الكتاب المقدس أحبوا أعداءكم ويقدم بباوي كتابه بنداء إلي الأرثوذكسيين الحقيقيين، حيث أوضح أن وقت الأنبا شنودة لا تتوافر فيه إمكانيات الحوار خاصة في ظل أجواء التسلط والاستفزاز وإصدار الحرمان لكل من يسأل أو يعترض أو يطلب الدليل، مؤكدًا أن السمة الرئيسية أصبحت هي الانقضاض علي الباحثين والدارسين بواسطة أشخاص لا يملكون من الكهنوت سوي زي ولقب متهمًا من بيدهم الأمر أنهم لم يدرسوا حتي المبادئ الأولي للأرثوذكسية .
وأضاف بباوي إنه منذ كتابة متي المسكين للرسالة المنشودة أي منذ حوالي 40 سنة لم يتغير الحال إلا في انضمام ذلك الجيش من الإكليروس الذي لا يعرف التاريخ ولا القانون ولا الكتاب المقدس إلي قوي المقاومة، مؤكدًا أنه بالرغم من تحول بعضهم إلي قضاة وجلسوا علي منصة القضاء دون أن يكونوا مؤهلين لها ودون أن تبدو عليهم أي ملامح توضح قدرتهم لإصدار أي حكم اللهم إلا عمامة الأسقف .
والحقيقة إنه علي الرغم من انتقال بباوي لبعد هذه المقدمة لسبعة فصول هي عدد فصول الباب الأول وثلاثة أخري وفصول الباب الثاني إلا أن فكرة المقدمة ظلت تنتقل معه هي فصل لآخر وخاصة في الثلاثة فصول الأولي حيث تناول في الفصل أثر سيادة الأدب الشعبي علي عناصر التكوين العقيدي الأرثوذكسي والتي يتهم فيها البابا شنودة الثالث بشكل واضح وصريح إلي اعتماده علي أسلوب القصص الشعبي مستشهدا بما ورد في كتاب السنكسار كتاب طقسي يقرأ منه قصص قديسين في القداس الجزء الأول والذي نشر في عهد البابا شنودة وبالتحديد ما ورد في اليوم الأول من شهر أمشير والذي يوافق تذكار اجتماع المجمع المسكوني بالقسطنطينية 381م، حيث أوضح أن هذه الواقعة والتي ذكرت كانت تدور حول اجتماع المجمع بأمر الملك ثاودوسيوس الكبير لمحاكمة مقدونيوس وسابيليوس وأبوليناريوس، ويذكر السنكسار حوارا دار بين سابيليوس والبابا تيموثاوس انتهي بتجريد الأول من قبل الثاني ويعلق بباوي علي هذا الحوار قائلاً : المصادر التاريخية تؤكد أن سابيليوس مات منذ ما يزيد علي مائة سنة قبل تاريخ انعقاد هذا المجمع ولم يسمع عنه شيئًا حتي نهاية القرن الثالث .
ويري بباوي أن الحوار الوارد في السنكسار لا أساس له في التاريخ وبالتالي فإن تدوين السنكسار خضع لأسلوب القصص الشعبية وتجاهل قواعد إدارة جلسات المجمع والإجراءات القانونية المتخذة اللازمة لقانونية تلك الجلسات لصالح شخص واحد هو البابا تيموثاوس بطريرك الإسكندرية .
ويؤكد بباوي أن اختزال طريقة الحكم علي شخص الذي كان يقوم علي استجواب المتهم ويتأسس علي ما يقدم من وثائق مدونة والمتمثلة في عظات ورسائل أرسلها المتهم نفسه واستجواب الشهود تم الإعلان عن معارضة التعليم لما هو ثابت وذلك بتقديم لائحة اتهام تسبق المحاكمة وكل ذلك في مواجهة علنية أمام كل الحاضرين وتمكين المتهم من إبداء دفاعه عن نفسه وبعد ذلك يصدر الحكم إنما تم لإيهام الجميع بأن هذا ما كان يحدث قديمًا وبالتالي فإن من الطبيعي أن يحدث الآن وهذا هو أسلوب البابا شنودة، موضحا أنه إذا كانت رواية السنكسار قدمت تعليما لاهوتيا صحيحا ولكن في قالب شعبي غير تاريخي، إلا أنه في كتاب بدع حديثة تكلم عن أشخاص غير محددين وعن بدع استحدثها هو وأطلق اتهامات لا أساس لها من الصحة بالإضافة إلي خلوه من السند التاريخي ليصبح هو المرجع الوحيد حتي في التاريخ الكنسي .
واتهم بباوي البابا بالنرجسية ويصفه بأنه الأكبري حيث يري نفسه وكأنه هو التاريخ ويري الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس بأنه المستعلي الذي يري فكره ويظن أنه الإيمان ويأخذ بباوي علي الأنبا بيشوي نقطتين في غاية الأهمية الأولي إنه لم يدرك عدم وجود عقيدة اسمها الفداء والكفارة ولكن صارت عمامة الأسقف قادرة علي أن تخلق من العدم عقائد لا وجود لها وأن يصبح كل سطر فيما كتبه تعليما عقائديا .. والنقطة الأهم في ذلك أن الأنبا بيشوي لم يدرس في أي معهد إكليريكي من أي نوع وبالتالي فإن معرفته تتسم بالسطحية وانعدام أي أساس تاريخي لها .
وبعد كل هذه الاتهامات المركزة للبابا شنودة والأنبا بيشوي تعرض بباوي لقرارات الحرمان ومنع صلاة الجنازة علي الموتي التي أصدرها البابا مؤكدًا أنه لا يعرف حجم الخسارة التي تترتب علي صدور هذه القرارات دون إبداء الأسباب ودون دليل أو محاكمة ذاكرًا الدكتور هاني مينا الذي كتب كتابًا بعنوان الله والإنسان والكون المادي وكذك موسي صبري رئيس تحرير جريدة الأخبار ونظمي لوقا الأستاذ في جامعة عين شمس والكهنة دانيال وديع وإبراهيم عبدالسيد وبالتالي فإن الكهنوت حسبما يري لم يعد نعمة بل تحول إلي قاعدة للاستبداد والقهر خصوصًا مع انعدام الحوار .
ويري بباوي أن هناك قصورًا كبيرًا في الكلية الإكليريكية حيث لا توجد كتب مترجمة أو أحد يهتم بطباعة وترجمة رسائل الآباء الأوائل بل أن من يهتم بها الجامعات الأجنبية مثل جامعة اكسفورد ولوفان ببلجيكا .
ويتساءل بباوي الفصل الثاني العودة إلي المنهج الكنسي الأصيل، هل هي جريمة؟ عن أسباب غياب كتابات الآباء في المؤلفات القبطية المعاصرة؟ ويري الإجابة أنها تكمن في أنها مؤلفات الآباء الأوائل تحرر من المعرفة الكاذبة وبالتالي فإن عدم الاهتمام بها له أسباب مهمة لمن لم يهتم بها .
ويضيف بباوي أن هناك توصيات جاءت من جامعة الدول العربية بإنشاء لجنة التراث العربي ولأنها لم تأت من داخل الكنيسة ارتفعت صرخات الخوف والتحذير من نشر التراث لأنه يطلق القوة الأساسية التي تميز الإنسان وانطلاق الفكر يعني مزيدًا من الحرية مؤكدًا أن المعرفة الكنسية الصحيحة هي السلطة الحقيقية .
وأوضح أن أخطر نتائج عدم الاهتمام بالتراث هو رفض الانتماء التاريخي للأرثوذكسية والتشيع لشخص معين لهدم الكنيسة لكي تصبح مجموعة من الشيع، ولكن يري أن ما هو أخطر هو أن نغلق باب البحث أمام الأجيال الآتية واعتبار الرأي والتفسير الشخصي هو المرجع الأول والأخير وإحاطة ترجمات الآباء بالشك والريبة .
وبعد هذا يتناول بباوي في الفصل الثالث ثلاثة أمور حاضرة هي تراث السماع ودورات الأكاذيب وشيطنة الآخر والتي تحتل مساحة كبيرة في تراثنا الشرقي الأرثوذكسي وتعرض لمقولة البابا نحن نحارب الفكر ولا نحارب الأشخاص ونحن نقاوم التعليم ولا نقاوم المعلم حيث أكد أن هذه المقولة فاسدة تمامًا ويظهر في عدة مجالات لا تحتاج إلي دليل .
وأشار أيضًا إلي ثلاثة أمور خفية لاهوتية تتمثل في تجسيد ابن الله يسوع المسيح والكنيسة جسد المسيح والحياة الأبدية وأكد أنه عندما غاب عن الوعي أن المسيح هو رأس الكنيسة والكنيسة جسده امتدت يد الطغيان والبطش تضرب باسم الدفاع عن الأرثوذكسية التي لا يعرفها بالمرة هؤلاء المعتدون الذين فقدوا الأبوة بالكذب والظلم وكذلك تقديم نطاق عقلي يخلو من شخص المسيح وحل بعضهم محل المسيح في رئاسة الكنيسة وأصبحت عندهم مجرد جماعة هم قادتها، كذلك فقدان قداسة التصرف لأن الذي لا يدرك أن الكنيسة هي جسد المسيح يسمح لنفسه أن يعبث كما يشاء .
وتعرض بعد ذلك في الفصول الرابع والخامس والسادس للاهوت الأسرار ومسري الرهينة وصلوات الجناز حسب كتاب رئاسة الكهنوت لديونيسيوس الاريوباغي وسر غسل الأرجل في العلية للأب متي المسكين ونهي الباب الأول بالأسرار الكنسية في تاريخ لاهوت الكنائس البيزنطية الأرثوذكسية والذي في نهايته يتساءل عن صمت كتاب بدع حديثة عن ذكر وثائق التاريخ ولماذا اكتفي البابا شنودة بالقراءة الشخصية ولم يستشهد بأي رأي من التاريخ الكنسي يسند رأيه بل هاجم في قسوة كل من اختلف معه والمعطيات هي ذلك الضباب الكثيف، والنتائج هي فقدان التمييز بين الأرثوذكسية وما لها من جذور تاريخية وما يشبه الأرثوذكسية فأين هو الأنبا شنودة من الأرثوذكسية؟ !
ويستكمل بباوي في الباب الثاني الأسرار في لاهوت العصر الوسيط أو اللاهوت المدرسي في الغرب وكذلك عدد الأسرار وما هي البدعة الحديثة وختم كتابه بفقرة بعنوان شيطان الغرب مرة أخري حيث يتساءل إنه عندما ينقل الأنبا شنودة ومعه الأنبا بيشوي من كتاب علم اللاهوت ويجعل من تعاليم الكنيسة المشيخية هو قانون الكنيسة الأرثوذكسية ومن يشذ عنه يكون هرطوقيا، أليست هذه المسرحية أكثر من هابطة أو ليس هذا تعليم الغرب الذي جاء إلينا مع الأرساليات؟ فمن هو الأرثوذكسي الحقيقي هنا متسائلاً هل تحققت زعامة الأنبا شنودة الروحية؟ قائلا أبدًا بل سوف تظل كتب الأنبا والدراسات ودراسات الأب متي المسكين هي المرجعية التي سوف يتمسك بها الجيل الآتي .
وإلي هنا انتهي كتاب جورج بباوي إلا أنه علي الرغم من إنه كان يرد علي كل ما كتبه البابا بالوثائق التاريخية إلا أنه يؤخذ عليه كعالم ودارس أن يقوم باستخدام ألفاظ لا تليق بعالم بل الأهم أنها لا يجب أن تطلق علي أشخاص بأعينهم فهو سواء أبي أو شاء فإن البابا شنودة رمز كبير سيظل لقاعدة كبيرة من الشعب القبطي والمسلم وبالرغم من خلافه الكبير مع الأب متي المسكين إلا أنه كان الحوار بينهم يسمو فوق الخلافات الشخصية وكل واحد يترك مجالاً لعلمه ورؤيته ليظهر ويسمو علي الألفاظ والشتائم .
الكتاب استحوذت عليه فكرة الانتقام أكثر من الرد وبالتالي أصبحت هذه الفكرة مسيطرة علي معظم سطور الكتاب مع اختلاف عناوين الفصول والتي تصب في النهاية عند نفس النقطة بالرغم من وصول الفكرة للقارئ منذ البداية .
من ناحية أخري اكتفت الكنيسة القبطية بتجاهل كتب بباوي حيث لم يصدر أي رد عليه .. وقال لنا أحد الكهنة - رفض ذكر اسمه - إن كتاب بدع حديثة قام بالرد كاملا علي أفكار بباوي وكل ما يفعله مجرد انتقام بلا فكر فهو يكرر نفسه
كتبته وفاء وصفي العدد 1138 - 22 نوفمبر 2009