كرم الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة اصغر حافظ للقرآن الكريم علي مستوي العالم وهو الطفل تبارك كامل اللبودي وعمره 5 سنوات.
جاء ذلك خلال الحفل السنوي الكبير الذي أقامته الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم .
وكان أبو الطفل السيد كامل اللبودي قد سافر به لحضور الحفل السنوي الذي تقيمه جمعية تحفيظ القرآن الكريم بجدة ..
والسؤال الذي يجب طرحه الآن ما هو الفرق بين تبارك وبين بقية أطفالنا الذين يقضون معظم أوقاتهم أمام شاشات الفضائيات ..
والإجابة : أنه قليلاً من الاهتمام بالطفل قد يجعل منه عبقريا أو عالما أو حافظا مثل "تبارك" لكتاب الله وهو قمة العبقرية والذكاء ، حفظه الله وبارك فيه ..
فلقد ضرب "تبارك" للبشرية جمعاء
على أن المستحيل شيئ غير موجود في الحياة ، فألا نستطيع أن نجعل من أبنائنا من يماثله أو يفوقه في الحفظ والتميز ..
ولكن لا تزال مشكلة العرب والمسلمين مستعصية في الإهمال و"تكبير الدماغ" كما يقولون ، وعدم إقناع الأطفال منذ نعومة أظفارهم على أن يبرزوا قدراتهم
نقلاً عن مجلة المنار
وانا أقول
ما هو حال اطفال النصارى ؟
وماذا يحفطون ؟
هل يجد الاهل القدرة على تلقين ابناءهم الابرياء نصوص من الكتاب المقدس ليحفظوها او ليعملوا بها ؟
هل يجد الاباء والامهات الشجاعة لعرض نصوص سفر نشيد الانشاد او حزقيال 23 او سفر راعوث امام اطفالهم ؟
هل يستطيع الاهل عرض نصوص الخزي والعار والدعارة والقتل والارهاب وسفك الدماء الموجوده داخل طيات الكتاب المقدس ؟
الحمد لله رب العالمين على نعمة الاسلام وكفى بها نعمة
والحمد لله الذى انزل لنا كتاباً نشرف به ونفخر به ونحفظه لاطفالنا
جاء ذلك خلال الحفل السنوي الكبير الذي أقامته الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم .
وكان أبو الطفل السيد كامل اللبودي قد سافر به لحضور الحفل السنوي الذي تقيمه جمعية تحفيظ القرآن الكريم بجدة ..
والسؤال الذي يجب طرحه الآن ما هو الفرق بين تبارك وبين بقية أطفالنا الذين يقضون معظم أوقاتهم أمام شاشات الفضائيات ..
والإجابة : أنه قليلاً من الاهتمام بالطفل قد يجعل منه عبقريا أو عالما أو حافظا مثل "تبارك" لكتاب الله وهو قمة العبقرية والذكاء ، حفظه الله وبارك فيه ..
فلقد ضرب "تبارك" للبشرية جمعاء
على أن المستحيل شيئ غير موجود في الحياة ، فألا نستطيع أن نجعل من أبنائنا من يماثله أو يفوقه في الحفظ والتميز ..
ولكن لا تزال مشكلة العرب والمسلمين مستعصية في الإهمال و"تكبير الدماغ" كما يقولون ، وعدم إقناع الأطفال منذ نعومة أظفارهم على أن يبرزوا قدراتهم
نقلاً عن مجلة المنار
وانا أقول
ما هو حال اطفال النصارى ؟
وماذا يحفطون ؟
هل يجد الاهل القدرة على تلقين ابناءهم الابرياء نصوص من الكتاب المقدس ليحفظوها او ليعملوا بها ؟
هل يجد الاباء والامهات الشجاعة لعرض نصوص سفر نشيد الانشاد او حزقيال 23 او سفر راعوث امام اطفالهم ؟
هل يستطيع الاهل عرض نصوص الخزي والعار والدعارة والقتل والارهاب وسفك الدماء الموجوده داخل طيات الكتاب المقدس ؟
الحمد لله رب العالمين على نعمة الاسلام وكفى بها نعمة
والحمد لله الذى انزل لنا كتاباً نشرف به ونفخر به ونحفظه لاطفالنا
هناك ٣١ تعليقًا:
القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم [دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة
[
لماذا كتب موريس بوكاي كتابه:La bible, le Coran et al., la Science (1978)? حاولت إقامة حوار من أجل دراسة مقارنة حول عدد من الأخبار المذكورة في القرآن والتوراة معاً في موضوع واحد.ولاحظت أن هناك رفضاً باتاً للنظر بعين الاعتبار، ولو لمجرد التأمل، فيما يحتويه القرآن مما يتعلق بموضوع الدراسة المزمعة،
كأن الرجوع في ذلك إلى القرآن يعني الاعتماد على الشيطان. ومع ذلك: يبدو لنا أن هناك تغيراً جذرياً
يتحقق اليوم على أعلى مستوى في العالم المسيحي.
فالوثيقة التي طبعتها سكرتارية الفاتيكان لشؤون غير المسيحيين إثر مجمع الفاتيكان الثاني، بعنوان: ( توجيهات لإقامة حوار بين المسيحيين والمسلمين orientations pour un dialogue entre Chretiens et Musaulmans). والتي طبعت للمرة الثانية في عام 1970م، تشهد بعمق التحول في المواقف الرسمية.
فقد دعت وثيقة الفاتيكان إلى استبعاد الصورة التي يصور المسيحيون المسلمين عليها، ( تلك الصورة البالية التي ورثنا الماضي إياها أو شوهتها الافتراءات والأحكام المسبقة ).
ثم اهتمت الوثيقة ( بالاعتراف بمظالم الماضي التي ارتكبها الغرب ذو التربية المسيحية في حق المسلمين.
والوثيقة تنتقد أيضاً مفاهيم المسيحيين الخاطئة عن الحتمية الإسلامية وحرفية الإسلام وتعصبه، وغير ذلك.
إن الوثيقة تؤكد على وحدة الإيمان بالله عند الجماعتين وتذكر كيف أثار الكاردينال كونيج (koenig) إعجاب مستمعيه بالجامع الأكبر حين أعلن ذلك في محاضرته الرسمية التي ألقاها بجامعة الأزهر في القاهرة عام 1969م. والوثيقة تذكر أيضاً بأن سكرتارية الفاتيكان قد دعت المسيحيين منذ عام 1967 إلى تقديم تهانيهم إلى المسلمين بمناسبة عيد الفطر ( انتهاء شهر الصوم ) فهو يمثل: ( قيمة دينية أصيلة ).
وقد لحقت تلك البوادر المواتية للتقارب بين الهيئة البابوية والإسلام لقاءات واجتماعات جعلت تلك البوادر للتقارب أمراً واقعاً.
ومع ذلك فقله قليلة هي التي عرفت هذه الأحداث الهامة التي حدثت بالعلم الغربي على الرغم من كثرة وسائل النشر والإعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون.
وأيّاً كان الأمر يبدو لنا أنه من الحق علينا، عند دراسة جانب من جوانب التنزيل في دين توحيدي، أن نعالجه بالمقارنة مع ما يقدمه الدينان الآخران من وجهة النظر في الموضوع نفسه.
وإن دراسة شاملة لمشكلة ما هي بالتأكيد أكثر أهمية من دراسة جانب واحد منفصل.
إن المواجهة بين حقائق العلم في القرن العشرين وبين بعض الموضوعات التي تعالجها الكتب المقدسة تهم بالتالي الأديان الثلاثة معاً وليس ديناً واحداً على حدة ولكني لن أعالج هنا إلا جانباً واحداً من الموضوع وهو:
دراسة الكتب المقدسة نفسها في ضوء المعارف العلمية الحديثة:
غير أن قصد هذه الدراسة يفرض سؤالاً أولياً لكنه أساسي: ما القيمة الصحية لهذه النصوص التي في حوزتنا اليوم....؟ وذلك يعني بالضرورة أن ندرس الظروف التي سادت تحرير تلك النصوص وانتقالها إلينا.
إن معالجة الكتب المقدسة من خلال علم الدراسة النقدية للنصوص شيء قريب العهد في بلادنا.
ففيما يخص العهد القديم والعهد الجديد، ظل الناس يقبلونهما على ما هي عليه طيلة قرون عديدة.
ولم تكن قراءة الكتب المقدسة تؤدي إلا إلى اعتبارات مدحية، وكان مجرد التعبير عن أي روح نقدية إزاء الكتاب المقدسة خطيئة لا تغتفر.
وكان القساوسة هم الصفوة التي تستطيع بغير عناء أن تكون لديها معرفة إجمالية عن التوراة والأناجيل أما عامة العلمانيين فلم تكن تتلقى إلا نصوصاً محتارة خلال الطقوس الدينية أو عبر المواعظ.
وبعد أن أصبح نقد النصوص علماً، فقد كان له الفضل في أن جعلنا نكتشف مشاكل مطروحة وخطيرة في أحيان كثيرة.
غير أنه لا بد من أن نصاب بخيبة الأمل عندما نقرأ كتباً كثيرة تدعى أنها نقدية ولكنها لا تقدم في مواجهة الكثير من مشكلات التأويل الحقيقية إلا تفسيرات مديحية تهدف إلى ستر حرج المؤلف وحيرته.
في ظل تلك الظروف فإن المتناقضات والأمور البعيدة عن التصديق تظل باقية بلا حل في نظر كل من يريد أن يحتفظ بسلامة مقدرته على التفكير وحسه الموضوعي.
وإننا لنأسف حقاً لذلك الموقف الذي يهدف إلى تبرير الاحتفاظ في نصوص التوراة والإنجيل ببعض المقاطع الباطلة خلافاً لكل منطق، إن ذلك موقف يسيء كثيراً إلى الإيمان بالله لدى بعض العقول المثقفة.
ومع ذلك: فقد أثبتت التجربة أنه إذا كان بعضهم قادراً على فضح بعض مواطن الضعف من هذا النوع، فإن الغالبية من المسيحيين لم تدرك حتى الآن وجود هذا الضعف، وظلت في جهالة تامة من أمر ذلك التناقض مع المعارف الدنيوية المشهورة التي تعتبر غالباً من المعارف الأساسية جداً.
إن الكنيسة قد حسمت منذ قرونها الأولى وبشكل نهائي بين الأناجيل المتعددة وأعلنت رسمية أربعة منها فقط، برغم التناقضات العديدة فيما بين هذه الأناجيل في كثير من النقاط، وأصدرت الأمر بإخفاء الأناجيل الأخرى. ومن هناء جاء اسم ( الأناجيل المزورة ).
وهناك فرق آخر بين المسيحية والإسلام فيما يتعلق بالكتب المقدسة، ونعني بذلك: فقدان نصوص الوحي الثابت لدى المسيحية، في حين أن الإسلام لديه القرآن الذي هو وحي منزل وثابت معاً.
فالقرآن هو الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل، وقد كتب فور نزوله، ويحفظه ويستظهره المؤمنون عند الصلاة وخاصة في شهر رمضان، وقد رتب في سور بأمر من محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، وجمعت هذه السور فور موت النبي صلى الله عليه وسلم وفي خلافة عثمان ـ ( من السنة الثانية عشرة إلى السنة الرابعة والعشرين التالية لوفاة محمد صلى الله عليه وسلم ) ـ ذلك لتصبح النص الذي نعرفه اليوم.
أما الكتاب المسيحي المقدس، فإنه يختلف بشكل بين عما حدث بالنسبة للإسلام فالإنجيل يعتمد على شهادات بشرية متعددة وغير مباشرة، وإننا لا نملك مثلاً أي: شهادة لشاهد عيان لحياة عيسى، وهذا خلافاً لما يتصوره الكثير من المسيحيين، وهكذا إذن طرحت مشكلة صحة نصوص الكتب المقدسة المسيحية ـ ونصوص الوحي الإسلامي.
ولقد كانت مقابلة نصوص الكتب المقدسة بحقائق العلوم موضوع تفكير الإنسان في كل العصور.
ففي البدء قبل إن اتفاق العلم والكتب المقدسة أمر لازم لصحة النص المقدس.
وإن القديس أوغسطين، في خطابه الثاني والثمانين، الذي سنذكره فيما بعد قد حدد هذا المبدأ بشكل حاسم.
ولكن تطور العلم كشف للمفكرين عن وجود نقاط خلاف بين الاثنين.
وبهذه الطريقة خلف ذلك الوضع الخطير الذي جعل اليوم مفسري التوراة والأناجيل يناصبون العلماء العداء.
إذ لا يمكن في الحقيقة أن نقبل بأن رسالة إلهية منزلة تنص على واقع غير صحيح بالمرة.
وبناء على ذلك فليس هناك سوى إمكانية واحدة للتوفيق المعقول بين الأمرين، وهي عدم قبول صحة المقطع الذي يقول في التوراة بأمر غير مقبول علمياً.
ولم يكن هذا الحل طواعية بل بالعكس فقد تعصب بعضهم بشدة للاحتفاظ بتمام النص، وقد كان نتيجة هذا أن اضطر المفسرون إزاء صحة الكتب المقدسة إلى اتخاذ مواقف لا يمكن قبولها من قبل رجل العلم.
وإن الإسلام قد اعتبر دائماً، كما فعل القديس أوغسطين بالنسبة للتوراة، أن هناك اتفاقاً بين معطيات الكتاب المقدس والواقع العلمي.
وأن دراسة نص القرآن في العصر الحديث لم تكشف عن الحاجة إلى إعادة النظر في هذا. وسوف نرى فيما بعد: أن القرآن يثير وقائع ذات صفة علمية، وهي وقائع كثيرة جداً لما أثارته التوراة من الأمور ذات الصفة العلمية، وبين تعدد وكثرة الموضوعات ذات السمة العلمية في القرآن، وأنه لا يتناقض موضوع ما من مواضيع القرآن العلمية مع وجهة النظر العلمية. وتلك هي النتيجة الأساسية التي تخرج بها دراستنا.
هذه التأملات حول الصفة المقبولة أو غير المقبولة علمياً لمقولة في كتاب مقدس تتطلب منا إيضاحاً دقيقاً.
إذ علينا أن نؤكد أننا عندما نتحدث هنا عن حقائق العلم فإننا نعني بها كل ما قد ثبت منها بشكل نهائي.
وأن هذا الاعتبار يقضي باستبعاد كل نظريات الشرح والتبرير التي قد تفيد في عصر ما لشرح ظاهرة، ولكنها قد تلغي بعد ذلك تاركة المكان لنظريات أخرى أكثر ملاءمة للتطور العلمي.
وإن ما أعنيه هنا هو تلك الأمور التي لا يمكن الرجوع عنها. والتي ثبتت بشكل كاف بحيث يمكن استخدامها دون خوف الوقوع في مخاطرة الخطأ، حتى وإن يكن العلم قد أتى فيها بمعطيات غير كاملة تماماً.
وعلى سبيل المثال، فإننا نجعل التاريخ التقريبي لظهور الإنسان على الأرض، غير أنه قد اكتشفت آثاره لأعمال بشرية تستطيع وضع تاريخها فيما قبل الألف العاشرة من التاريخ المسيحي دون أن يكون هناك أي مكان للشك. وعليه: فإننا لا نستطيع علمياً قبول صحة نص سفر التكوين الذي يعطي أنساباً وتواريخ تحدد أصل الإنسان ( خلق آدم ) بحوالي 37 قرناً قبل المسيح. وربما استطاع العلم في المستقبل أن يحدد لذلك تواريخ فوق تقديراتنا الحالية.
غير أننا نستطيع أن نطمئن إلى أنه لن يمكن أبداً إثبات أن الإنسان قد ظهر على الأرض منذ 5736 سنة كما يقول التاريخ العبري في 1975.
وبناء على ذلك: فإن معطيات التوراة الخاصة بقدم الإنسان غير صحيحة.
هذه المواجهة مع العلم لا تتناول أية قضية دينية بالمعنى الحقيقي للكلمة. فليس للعلم مثلاً أن يقدم أي شرح لكيفية ظهور الله لموسى ـ أو أن يحل اللغز الذي يحيط بمجيء المسيح على الأرض دون أن يكون له أب جسدي ( بيولوجي ).
ولذلك: فإن الكتب المقدسة لا تقدم أي تعليل مادي لأمور من هذا النوع.
وإن الدراسة التي نقدمها الآن تختص بما تنبئنا به الكتب المقدسة فيما يتعلق بالظاهرات الطبيعية المتنوعة الكثيرة، والتي تحيطها تلك الكتب بقليل أو بكثير من التعليقات والشروح.
ولا بد من الملاحظة أن الوحي القرآني غني جداً في تعدد هذه المواضع وذلك على خلاف ندرتها في العهدين القديم والجديد.
لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم وذلك دون أي فكر مسبق وموضوعية تامة باحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث. وكنت أعرف، قبل هذه الدراسة، وعن طريق الترجمات، أن القرآن يذكر أنواعاً كثيرة من الظاهرات الطبيعية، ولكن معرفتي كانت وجيزة. وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها: أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث.
وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل.
أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول، أي: سفر التكوين، فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخاً في عصرنا.
وأما بالنسبة للأناجيل فما نكاد نفتح الصفحة الأولى منها حتى نجد أنفسنا دفعة واحدة في مواجهة مشكلة خطيرة ونعني بها شجرة أنساب المسيح. وذلك: أن نص إنجيل متى يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا (Luc). وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض.
إن ما يصدمنا حقاً في أيامنا هذه: أن نرى المتخصصين في دراسة النصوص يتجاهلون ذلك التناقض والتعارض مع الحقائق العلمية الثابتة، أو يكشفون عن بعض نقاط الضعف ليحاولوا بعد ذلك التستر عليها مستعينين في ذلك ببهلوانيات جدلية. فسيجد فيه القارىء أمثلة توضيحية لتطبيق العلم على دراسة أحد الكتب المقدسة، وهو تطبيق لم يكن ليتوقعه الإنسان، كما يسجد القارىء في ذلك بياناً لما قد جاء به العلم الحديث الذي هو في متناول كل يد من أجل فهم أكمل لبعض الآيات القرآنية التي ظلت حتى الآن مستغلقة أو غير مفهومة.
ولا عجب في هذا إذا عرفنا أن الإسلام قد اعتبر دائماً أن الدين والعلم توأمان متلازمان.
فمنذ البدء كانت العناية بالعلم جزءاً لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام.
وأن تطبيق هذا الأمر هو الذي أدى إلى ذلك الازدهار العظيم للعلم في عصر الحضارة الإسلامية، تلك التي اقتات منها الغرب نفسه قبل عصر النهضة في أوروبا.
وإن التقدم الذي تم اليوم بفضل المعارف العلمية في شرح بعض ما لم يكن مفهوماً، أو في شرح بعض ما قد أسيء تفسيره حتى الآن من آيات القرآن ليشكل قمة المواجهة بين العلم والكتب المقدسة.
قرار الكنيسة الكاثوليكية بخصوص الأسفار المقدسة:
إن هذا الضيق الذي يسود الأوساط المسيحية والذي يسمى التنزيل قد ظهرت ترجمة له في المجمع المسكوني للفاتيكان الثاني ( 1962 ـ 1965) (1)حيث لم يلزم أقل من خمس صيغ حتى يتفق الجميع على النص النهائي بعد ثلاث سنوات من المناقشات وحتى ينتهي هذا الوضع الأليم الذي هدد بتوريط المجمع على حد تعبير الأسقف فيبر (weber) في مقدمته للوثيفة المسكونية الرابعة عن التنزيل.
وهناك جملتان من هذه الوثيقة الخاصة بالعهد القديم ( الفصل الرابع، ص 53 ) تشير أن إلى شوائب وبطلان بعض النصوص وبشكل لا يسمح بأية معارضة، تقول: ( بالنظر إلى الوضع الإنساني السابق على الخلاص الذي وضعه المسيح، تسمح أسفار العهد القديم للكل بمعرفة من هو الله ومن هو الإنسان بما لا يقل عن معرفة الطريقة التي يتصرف بها الله في عدله ورحمته مع الإنسان غير أن هذه الكتب تحتوي على شوائب وشيء من البطلان، مع ذلك ففيها شهادة عن تعليم إلهي ). [ نقائص وأباطيل ].
ليس هناك إذن أحسن من كلمتي ( الشوائب ) و( البطلان ) اللتين تنطبقان على بعض النصوص التي تسمح بالنقد بل بأن تهجر، ومبدأ كهذا مقبول بشكل واضح.
إن هذا النص جزء من تصريح شامل صوت عليه نهائياً بأغلبية 2344 صوتاً ضد 6 أصوات.
Ces livers (les liver de Testament ), bine
contenineent de et al., du caduc, sont pourtant les temoins
veritable pedagogie (1) .
( هذه الكتب تحتوي على نقائص وأباطيل ).
بشارة خاتم النبيين:
( أحاديث المسيح الأخيرة: الـ (Paraclet) في إنجيل يوحنا ).
يوحنا هو المبشر الوحيد الذي سرد ما حدث في نهاية العشاء الأخير للمسيح. إي آخر أحاديثه مع الحواريين، وينتهي هذا الحدث بخطبة طويلة. فإنجيل يوحنا يفرد أربع إصحاحات ( من 14 إلى 17 ) لتلك الرواية التي لا نجد لها أثراً في الأناجيل الأخرى.
ومع ذلك: فهذه الإصحاحات من إنجيل يوحنا تعالج مسائل أساسية وآفاق مستقبل ذات أهمية بالغة وهي معروضة بكامل العظمة والجلال اللذين يميزان هذا المشهد لوداع السيد لتلامذته.
كيف يمكن أن نشرح الغياب التام في أناجيل متى ومرقص ولوقا لرواية الوداع المؤثر الذي يحتوي على الوصية الروحية للمسيح؟ يمكن أن نطرح السؤال التالي: هل كان النصف موجوداً أولاً عند المبشرين الثلاثة الأولين؟ ألم يحذف فيما بعد؟ ولماذا؟ ونقل فوراً إنه لا يمكن الإتيان بأية إجابة، فاللغز مستغلق تماماً بالنسبة لهذه الثغرة الكبيرة في رواية المبشرين الثلاثة الأولين.
إن ما يسود الرواية ـ وهذا مفهوم في حديث أخير ـ هو مستقبل البشر الذي يتحدث عنه المسيح واهتمام السيد بالتوجه إلى تلامذته وإلى الإنسانية برمتها بعدهم، معطياً إرشاداته وأوامره ومحدداً بشكل نهائي المرشد الذي على الإنسانية أن تتبعه بعد اختفائه.
إن نص إنجيل يوحنا ـ وهذا النص وحده ـ يسمى بشكل صريح هذا المرشد باسم يوناني هو (Parakletos) الذي أصبح في الفرنسية (paraclet). وها هي ذي الفقرات الجوهرية من هذه الخطبة حسب الترجمة المسكونية للعهد الجديد.
( إذا كنتم تحبونني فستعملون على أتباع أوامري، وسأصلي للأب الذي سيعطيكم (Paraclet) آخر. ( 14 ، 15 ـ 16 ).
ما معنى هذه الكلمة (paraclet).
إن النص الذي نملكه حالياً لإنجيل يوحنا يشرح معناها بالألفاظ التالية: الروح.
( الـ paracletالروح القدس، الذي سيرسله الأب باسمي سيبلغكم كل شيء وسيجعلكم تتذكرون كل ما قلت لكم ) ( 14 ، 26 ).
( هو نفسه سيشهد بي ) ( 15 ، 16 ).
( رحيلي فائدة لكم، لأنني إذا لم أرحل فالـ (paraclet) لن يأتي إليكم، وعلى العكس فإذا رحلت فسأبعث به إليكم. وهو بمجيئه سيذهل العالم فيما يخص الخطيئة والعدل والحكم.... ) (16، 7 ـ 8 ) [... وبر ودينونة ].
( عندما سيأتي روح الحقيقة، فسيجعلكم ترقون إلى الحقيقة بكاملها، لأنه لن يتكلم بإرادته وإنما سيقول ما يسمع وسيعرفكم بكل ما سيأتي، وسيمجدني....).
إن أي نقد جاد للنصوص يبدأ بالبحث عن الاختلافات النصبة، ويظهر هنا أن ليس في مجموع المخطوطات المعروفة لإنجيل يوحنا نص آخر مختلف من شأنه أن يحرف المعنى سوى تلك الفقرة ( 14 ، 62 ) من المخطوطة السريانية الشهير المسماة (Palimpseste).ن (2)
(2)
الفقرة لا تشير إلى الروح فقط وإنما إلى الروح القدس.
وعندما يقول المسيح، حسب إنجيل يوحنا ( 16 ، 14 ): ( سأصلي لله وسيرسل لكم paracletآخر"
فهو يريد بالفعل أني يقول إنه سيرسل إلى البشر وسيطاً " آخر" كما كان هو وسيطاً لدى الله وفي صالح البشر في أثناء حياته على الأرض.
ذلك يقودنا بمنتهى المنطق إلى أن نرى في التي Paracletعند يوحنا. كائناً بشرياً على هذا الأرض ليؤدي الدور الذي عرفه يوحنا ولنقل باختصار إنه دور نبي يسمع صوت الله ويكرر على مسامع البشري رسالته.
ذلك هو التفسير المنطقي لنص يوحنا إذا أعطينا الكلمات معناها الفعلي.
إن وجود كلمتي ( الروح القدس ) في النص الذي نملك اليوم قد يكون نابعاً من إضافة لاحقة إرادية تماماً تهدف إلى تعديل المعنى الأول لفقرة تتناقض بإعلانها بمجيء نبي بعد المسيح، مع تعاليم الكنائس المسيحية الوليدة التي أرادت أن يكون المسيح هو خاتم الأنبياء.
(Icim on ne mentionne pas Saint, mais toot court ; (p. 108 )
هنا، لا يذكر الروح القدس، إنما الروح فقط.
الخلاصة:
المعارف العلمية الحديثة تسمح بفهم بعض الآيات القرآنية التي كانت بلا تفسير صحيح حتى الآن.
إن مقارنة عديدة من روايات التوراة مع روايات نفس الموضوعات في القرآن تبرز الفروق الأساسية بين دعاوى التوراة غير المقبولة علمياً وبين مقولات القرآن التي تتوافق تماماً مع المعطيات الحديثة: ولقد رأينا دليلاً على هذا من خلال روايتي الخالق والطوفان.
وعلى حيث نجد في نص القرآن، بالنسبة لتاريخ خروج موسى.
معلومة ثمينة تضاف إلى رواية التوراة وتجل مجموع الروايتين يتفق تماماً مع معطيات على الآثار بما يسمح بتحديد عصر موسى، نجد، فيما يتعلق بموضوعات أخرى، فروقاً شديدة الأهمية تدحض كل ما قيل ادعاء ـ ودون أدنى دليل ـ عن نقل محمد صلى الله عليه وسلم للتوراة حتى يعد نص القرآن.
وفي نهاية الأمر فإن الدراسة المقارنة من ناحية بين الدعاوى الخاصة بالعلم، تلك التي يجدها القارىء في مجموعات الأحاديث التي نسبت إلى محمد صلى الله عليه وسلم والتي يشك في صحتها غالباً ـ وإن عكست مع ذلك معتقدات العصر.
وبين المعطيات القرآنية ذات نفس الطابع من ناحية أخرى، توضع بجلاء اختلافاً يسمح باستبعاد فكرة شيوع الأصل بين القرآن والأحاديث.
ولا يستطيع الإنسان تصور أن كثيراً من المقولات ذات السمة العلمية كانت من تأليف بشر وهذا بسبب حالة المعارف في عصر محمد صلى الله عليه وسلم.
لذا فمن المشروع تماماً أن ينظر على القرآن على أنه تعبير الوحي من الله وأن تعطي له مكانة خاصة جداً.
حيث إن صحته أمر لا يمكن الشك فيه وحيث إن احتواءه على المعطيات العلمية المدروسة في عصرها تبدو وكأنها تتحدى أي تفسير وضعي.
عقيمة حقاً المحاولات التي تسعى لإيجاد تفسير للقرآن بالاعتماد فقط على الاعتبارات المادية.
محتويات الكتاب:
lالعهد القديم:
ـ تاريخ العهد القديم ـ المؤلفون ـ المحتويات.
lالعهد القديم والعلم الحديث:
ـ خلود العالم ـ عمر البشرية ـ أنساب إبراهيم.
ـ مواقف الكتاب المسيحيين تجاه الأخطاء العلمية في العهد القديم.
lالأناجيل:
ـ تاريخ الأناجيل.
lمشاكل الأناجيل:
ـ شجرة أنساب المسيح.
ـ تناقضات روايات الصلب والقيامة وصعود المسيح.
lالقرآن والعلم الحديث:
ـ تعريف بالقرآن وكتابته وجمعه.
ـ القرآن يختلف عن الأناجيل ومصداقية نصه لا تقبل الشك.
lموضوعات علمية:
ـ خلق السماوات والأرض ـ علم الفلك في القرآن ـ توسع الكون.
ـ غزو الفضاء: )لا تنفذون إلا بسلطان (:ليس من شك في أن هذه الآية تشير إلى إمكانية البشر ذات يوم بأن يحققوا ما نسميه في عصرنا، ربما بشكل غير مخصص بغزو الفضاء ـ ص194.
ـ الأرض ـ الكهرباء الجوية ـ عالم النبات والحيوان.
ـ التناسل الإنسانية وتطور الجنين.
lموازنة بين القرآن والأناجيل والمعارف الحديثة.
lموازنة بين القرآن والعهد القديم والمعارف الحديثة.
lالخلاصة: [ ص286 ].
معطيات الأسفار من خلق الكون:
1ـ السماء فوقها مياه وتحتها مياه:
وقال الله: ليكن جلد في وسط المياه. وليكن فاصلاً بين مياه ومياه. فعمل الله الجلد. وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد، ودعا الله الجلد سماء ـ تكوين 1 : 6 ـ 8.
ولما كان نوح بن ست مئة سنة صار طوفان على الأرض.. انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء ـ تكوين 7 : 6 ، 11.
2ـ الأرض محمولة فوق أعمدة تغوص في المياه:
لأن للرب أعمدة الأرض وقد وضعه عليها المسكونة ـ صموئيل الأول 8 : 2.
للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها لأنه على البحار أسسها وعلى الأنهار ثبتها ـ مزمور 24 : 1 ـ 2.
3ـ الله جالس فوق دائرة الأرض:
الجالس على ( كره ) ( الأرض ـ اشعياء 40 : 22 ).
هذه الترجمة محرفة وصحتها: دائرة الأرض، كما يتبين من مقارنة.
الترجمات الأخرى الإنجليزية والفرنسية والألمانية.
· It is he who sits above the circle of the ear (r.s.v).
· Il tr ne ou- dessus du cercle de la terre (Bib. De jr).
· Er thrount be r dem kreis der Erde (martin luthers).
وهناك أمثلة أخرى لتحريف الترجمة العربية، كما جاء في بشارة اشعياء بنبي الإسلام.
يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له اقرأ هذا فيقول: لا أعرف الكتابة ـ إشعيا 9.
· And when they give the book to one who (annot) says I coannot.
· On le donne alors a celui qui nt sait pas lire en disant Lis done ceci Il repond: je ne sais.
· Eder das man einem gibt der nicht lesen kann und spricht lies doch das und er spricht Ich kann nicht leaen Luthers.
ـ وصحة الترجمة هي: يدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة، ويقال له أقرأ هذا فيقول: لا أعرف القراءة وقد كان أول الوحي إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن قال لسيدنا جبريل: ما أنا بقارىء.
خلق الكون والإنسان حسب التوراة:
في البداية خلق الله السماوات والأرض وكانت الأرض خربة وخاوية...
وقال الله: ليكن نور فكان نور... ودعا الله النور نهاراً والظلمة دعاها ليلاً.
وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً.
وقال الله: ليكن جلد في وسط المياه وفصل الله بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد ... ودعا الله الجلد سماء.
وكان مساء وكان صباح يوماً ثانياً.
وقال الله: لتجتمع المياه التي تحت المساء إلى مكان واحد لتظهر اليابسة....
وقال الله: لتنبت الأرض عشباً... وشجراً ذا ثمر وكان مساء وكان صباح يوماً ثالثاً.
وقال الله: لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل... وفعمل الله النورين العظيمين لحكم النهار ولحكم الليل والنجوم وكان مساء وكان صباح يوماً رابعاً.
وقال الله: لتضمن المياه زحافات ذات نفس حية وليطر طير فوق الأرض... وباركها الله قائلاً أثمري وأكثري... وكان مساء وكان صباح يوماً خامساً.
وقال الله: لتخرج الأرض ذوات أنفس حية بهائم ودواب ووحوش..
وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا.. ذكراً وأنثى خلقهم. وباركهم الله قائلاً: أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض... وكان مساء وكان صباح يوماً سادساً.
وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمله. فاستراح في اليوم السابع ( تكوين 1 : 31 ، 2 : 2 ).
اليوم
ما تم خلقه
ملاحظات
1
ـ النور
ـ الليل والنهار
ـ تخلق الشمس والنجوم مصدر الضوء إلا في اليوم الرابع.
ـ يتعاقب الليل والنهار نتيجة لدوران الأرض حول محورها أمام الشمس.
2
ـ السماء ( الجلد )
ـ مياه فوق السماء
سوف تستخدم المياه التي فوق السماء في الطوفان انفتحت طاقات السماء ( 7: 11 )
3
ـ ظهور اليابسة والبحار
ـ ظهور النبات ( عشب ـ شجر )
ـ تم استكمال خلق الأرض ( يابسة وبحاراً ) وظهور النبات في اليوم الثالث قبل خلق الشمس ( أم المجموعة الشمسية ) في اليوم الرابع.
ـ ضوء الشمس ضروري للإنبات.
4
ـ الشمس والقمر والنجوم
كان لا بد من خلقها قبل ذلك حتى يوجد الضوء ويتعاقب الليل والنهار وحدث الإنبات.
5
ـ الحيوانات البحرية والطير
خلق الطير هنا جاء سابقاً لأوانه.
6
ـ الدواب والوحوش والبهائم
ـ الإنسان
7
يوم الراحة
)ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ([ق: 38]
عمر البشرية منذ خلق آدم إلى اليوم حسب التوراة ( العبرية ):
هذا كتاب مواليد آدم... عاش آدم مئة وثلاثين سنة وولد اسمه شيثا.. وعاش شيث مئة وخمس سنين وولد أنوش... وعاش لامك مئة واثنتين وثمانين سنة وولد ابناً ودعا اسمه نوحاً.
وكان نوح ابن خمس مئة سنة وولد ساماً وحاماً ويافثاً لما كان نوح ابن ست مئة سنة صار طوفان الماء على الأرض.
هذه مواليد سام. لما كان سام ابن مئة سنة ولد ارفكشاد... وعاش ارفكشاد خمساً وثلاثين سنة وولد شالح.
وعاش تارح سبعين سنة وولد ابرام وناحور وهاران... وكان إبرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران ( إلى أرض كنعان ـ فلسطين ) ( تكوين 5 : 1 ـ 32، 7 : 6 ـ 11: 10 ت 26 ـ 12 : 4 ).
مقارنة بين الأرقام في تراجم التوراة
النسخة
الفترة
العبرية
السامرية
الإغريقية
من بدء الخلق حتى الطوفان
1656
1307
2262
من الطوفان إلى هجرة إبراهيم
365
1015
1145
تاريخ بدء الخليقة
4157ق.م
-
5328ق.م
- بفرض أن عام 1490ق.م. هو تاريخ خروج بني إسرائيل من مصر، وهو تاريخ مبكر أكثر من المحتمل حسبما جاء في: دائرة المعارف البريطانية ـ طبعة 1960 ـ ج3 ـ ص510 ( عام 1250 ق.م حسب t.o.b.).
الخلاصة: لا يستعدي عمر البشرية 6000 سنة وهذا مخالف تماماً للمكتشفات العلمية:
دعوة إبراهيم للهجرة من أرض الكلدانيين إلى أرض كنعان ( أرض فلسطين ).
اختلاف إنجيلي متى ولوقا في نسب المسيح
مقارنات بأسفار العهد القديم
مسلسل
إنجيل متى
أخبار الأيام الأولى
إنجيل لوقا
مسلسل
إنجيل متى
أخبار الأيام الأولى
إنجيل لوقا
1
داود
داود
داود
22
زربابل
زربابل
شالنتبل
2
سليمان
ناثان
ناثانا
23
أيهود
حننيا
زربابل
3
رحبعام
رحبعام
متاثا
24
الباقيم
ريسا
4
ابيا
أبيا
مينان
25
عازور
يوحنا
5
آسا
آسا
مليا
26
صادوق
يهوذا
6
يهوشاقاط
يهوشاقاط
الباقيم
27
أخيم
يوسف
7
يورام
يورام
يونان
28
اليود
سمعي
8
عزبا
اخزيا
يوسف
29
اليعازر
متاثيا
9
-
يواش
يهوذا
30
متان
مآث
10
-
امصيا
شمعون
31
يعقوب
نجاي
11
-
عزريا
لاوى
32
يوسف
حسلي
12
يوثام
يوثام
متثات
33
ناحوم
13
آحاز
آحاز
يوريم
34
عاموص
14
حزقيا
حزقيا
اليعازر
35
متاثيا
15
منسي
منسي
بوسى
36
يوسف
16
آمون
آمون
عير
37
ينا
17
يوشيا
يوشيا
المودام
38
ملكي
18
-
يهوباقيم
قصيم
39
لاوى
19
يكنبيا
يكنبيا
أدى
40
متثات
20
شالنيل
شالنيل
ملكي
41
هالي
21
-
فديا
نيرى
42
يوسف
نسب المسيح حسب إنجيل متى
العصر الأول
العصر الثاني
العصر الثالث
1
إبراهيم
1
سليمان (من التي لاوريا)
1
شالتنيل
2
إسحاق
2
رحبعام
2
زربابل
3
يعقوب
3
أبيا
3
أبيهود
4
يهوذا (ولد)
4
اسا
4
الياقيم
5
فارض (وزارح بن ثامار)
5
يهوشافاظ
5
عازور
6
حصرون
6
يورام
6
صالدوق
7
آرام
7
عزيا
7
أخيم
8
عمناداب
8
يوثام
8
أليود
9
نحشون
9
احاز
9
أليعازر
10
سلمون (ولد)
10
حزقيا
10
متان
11
بوعز (من راحاب)
11
منسي
11
يعقوب (ولد)
12
عوبيد (من راعوث)
12
آمون
12
يوسف ( رجل مريم التي ولد منها )
13
يسي
13
يوشيا (ولد)
13
يسوع ( الذي يدعى المسيح)
14
داود (ولد)
14
يكنيا (وأخوته عند سبي بابل)
14
يقول إنجيل متى: ( فجميع الأجيال: من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً، ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر حيلاً، ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً ـ 1 : 17.
ويقول جون فنتون: يشير متى إلى أنه في كل من العصور الثلاثة يوجد أربعة عشر جيى، رغم أنه في الحقيقة لم يذكر سوى ثلاثة عشر أسماء في العصر الأخير. (تفسير انجيل متى، ص40 ).
تم نشر المقالة بالتعاون مع جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في القاهرة
لواء مهندس / أحمد عبد الوهاب عل
محمد رسول الله في التوراة والإنجيل- 1 -
خاتم الرسالات ..الإسلام هو خاتم الرسالات ؛ فهو الجامع لما قبله، الناسخ لما سبقه ، الذي لا دين بعده.. فيه من الأخلاق ما يضمن صلاح العباد، ومن التشريعات ما يضمن صلاح الدنيا والآخرة ..(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) . [آل عمران: 18،19].
والدين الذي يملك صفات الكمال - لا تنقصه شهادة تأتيه من خارجه، لكي تثبت صحة رسالته، وسلامة عقيدته ، وصدق حامله للعالمين الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم - ، فمحمد الذي أخرج الناس من الكفر والضلال إلى الإيمان بالله وحده ، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الواحد الأحد - لا يعوزه شهادة تأتيه من خارج دينه ، لكي تثبت أنه خاتم الأنبياء ، أو أن رسالته هي آخر الرسالات.
محمد الذي علم رجلا بدويا يئد البنات كعمر بن الخطاب – رضي الله عنه –؛ فصار بعد الإسلام قائدا للبشرية، وحاكما للعالم، ومن أعظم قادة التاريخ – لا يحتاج لمن يشهد له؛ كيف والله تعالى يقول:
(لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا). النساء:166
ويقول أيضا: (ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين). النحل:89
فمحمد الذي فتح الله به عيونا عمياً، وأسمع به أذانا صماً، وشرح به قلوباً غلفاً، - لا يحتاج لمن يشهد له من خارج رسالته، أو من خارج الكتاب الذي أنزل معه.
ونحن إذ نتحدث عن بعض البشارات التي وردت في التوراة والإنجيل تبشر بالنبي الكريم، فإنما يدفعنا إلى ذلك أمران:
أما الأمر الأول:فإنه ينبع من حبنا الجم، وشوقنا الكبير لصاحب الرسالة العظمى – صلى الله عليه وسلم -.
كيف لا وهو أستاذنا ومعلمنا وزعيمنا وقائدنا ؟!
وهل أعطانا بشر مثلما أعطانا محمد – صلى الله عليه وسلم – ؟!
وهل لمخلوق على مخلوق من فضل مثل فضل محمد – صلى الله عليه وسلم – علينا ؟!
فما لنا إذن لا نتلمس خطاه، ونقتفى أثره، وننقب عنه في كتب الأولين وفى كتب الآخرين؛ فتسعد بذكره قلوبنا، وتنشرح به صدورنا، وتقر به عيوننا.
وأما الأمر الثاني:فهو ما نصبو إليه من هداية الضالين، وتثبيت المتشككين، وإرشاد التائهين، من داخل هذا الدين ومن خارجه.
وأسأل الله العلي العظيم أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وما كان فيه من صواب فهو من الله وحده، وما كان فيه من خطأ فهو من نفسي.
(ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)…
مازال الكتاب المقدس يتلألأ بنور محمد
أنا اللبنة وأنا خاتم النبيين
يقول الرسول-صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون بالبيت ويعجبون له ويقولون:هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال:فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ).
والحديث السابق يجعل النبي في ختامه للرسالات ومكانته بين الأنبياء مثل حجر الزاوية أو اللبنة الأساسية التي لا يكتمل البناء ولا يتم حسنه وجماله إلا بها..
ولكن ما الذي يقوله الكتاب المقدس عن هذه اللبنة أو حجر الزاوية ؟
ورد في إنجيل متى الإصحاح 21 الفقرة 42،43 (قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه ).
وهذه الكلمات قالها المسيح عليه السلام لجماعة من اليهود بعدما وبخهم على قتل الأنبياء، وإنكار الرسالات..
والنص يوضح إخبار المسيح عليه السلام لليهود باستبدال الله لهم بأمة أخرى تحل محلهم في القيام بأمر الدين وأداء رسالته( لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منتكم ويعطى لأمه تعمل أثماره).. ويخبرهم المسيح عليه السلام أيضا عن ذلك الحجر الذي سيصير رأس الزاوية ( الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية )..
ويواصل المسيح عليه السلام كلامه عن ذلك الحجر الذي سيصير رأس الزاوية فيقول: (ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه)، واستخدام لفظي (يترضض) و(يسحقه) يؤكد أن الكلام يشير إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي أيده الله بالقوة المادية وخاض العديد من الحروب حتى أظهر الله به الدين وسحق به كل أعدائه..
ولا يمكن حمل هذا الكلام على المسيح وأمته؛ لأن المسيح نفسه من أمة بني إسرائيل، كما أن المسيح- عليه السلام- يقول: (وهو عجيب في أعيننا)، مما يدل على أنه يتكلم عن شخص آخر غيره.
فمن هو المقصود إذن بحجر الزاوية غير محمد-صلى الله عليه وسلم-، الذي قال عن نفسه: (أنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)؟!
وما هي الأمة الأخرى التي أعطاها الله ملكوته بعد أن نزعه من بني إسرائيل سوى أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- ؟!!
للذي ببكة مباركا
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران:96
الآية تتحدث عن بيت الله، وتتحدث عن بكة كمكان لبيت الله، الذي أمر الله الناس أن تحج إليه.
ولكن هل ورد في الكتاب المقدس نص يتحدث عن بيت لله ببكة، يحج الناس إليه؟
دعونا نقرأ ما ورد في المزمور84:
84: 4 طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك، سلاه (سلاه كلمة تتكرر كثيرا في الكتاب المقدس ويقول قاموس الكتاب المقدس أنها تعني صمت أو فترة توقف أو فاصل..)
5:84 طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم.
84: 6 عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً أيضا ببركات يغطون مورة.
84: 7 يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون
ولكن ما علاقة وادي البكاء الذي ورد في النص ببكة؟!
وإذا كان الله يقول يرون قدام الله في صهيون، فما علاقة صهيون بالبيت الحرام الموجود في بكة ؟!
أما وادي البكاء وعلاقته ببكة: فيسأل عنها القساوسة العرب، لأن وادي البكاء في النسخة الإنجليزية لنفس النص مكتوبة (وادي بكة) وليس وادي البكاء كما هو في النص العربي، ونلاحظ أنها تبدأ بحرف (بي كابتال)، مما يدل على أنه اسم لعلم لا يمكن ترجمته.
وأما كلمة صهيون: فمعناها الأصلي المكان المقدس أو المجتمع الديني الخالص، كما ورد في القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس..
والنص كما ورد في النسخة الإنجليزية هو هكذا:
(Blessed are they that dwell in thy house. they will be still praising thee, blessed is the man whose strength is in thee, in whose heart are ways of them who passing through the valley of Bacamake it awell, The rain also filleth the pools, they go from strength to strength, every one of them in Zion appeareth before God)
وبذلك فإن الترجمة الصحيحة للنص الإنجليزي هي كما يأتي:
(طوبى للساكنين في بيتك أبدا يسبحونك، طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم عابرين في وادبكة يصيرونه ينبوعا المطر أيضا يغطيه بالبركات يذهبون من قوة إلي قوة يرون قدام الله في الأرض المقدسة ).
وبالمناسبة فإن قاموس الكتاب المقدس لم يستطع تحديد أين توجد بكة!! ، وكل ما قاله عن موقعها: (ربما)! يكون هذا مكان يمر به الحجاج !!
فهل هناك بكة غير التي يحج إليها المسلمون ؟!
ولو كان هناك بكة غيرها ، فهل ادعى أحد أن بها بيت الله الذي يحج إليه الناس ؟!
هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة.. فهل من مجيب ؟!
محمد الإسماعيلي !
محمد الإسماعيلي: هذه الكلمة قالها أحد الرهبان، وكان يتحدث عن الرسول – صلى الله عليه وسلم-ويقول إنه من ولد إسماعيل، وأنه ليس نبياً لأن النبوة اختص بها الله أبناء إسرائيل ( يعقوب عليه السلام).
ونحن نؤيده في أن محمد – صلى الله عليه وسلم- هو من ولد إسماعيل عليه السلام، ولكننا سنثبت بنصوص من الكتاب المقدس أن النبوة سوف تبعث في أبناء إسماعيل:
ورد في سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 17، 18:
(فسمع الله صوت الغلام ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها مالك يا هاجر لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو، قومي احملي الغلام وشدي يدك به لأني سأجعله أمة عظيمة).
وورد في سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 13حيث يخاطب الله عز وجل سيدنا إبراهيم قائلا:(وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك).
وابن الجارية هو إسماعيل ابن السيدة هاجر، وقد جعله الله أمة كبيرة عظيمة هي أمة الإسلام التي يزيد عددها الآن عن مليار مسلم.
ويواصل الكتاب المقدس حديثه عن إسماعيل عليه السلام فيقول في سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 19، 20، 21:
(وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام، وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية و كان ينمو رامى قوس، وسكن في برية فاران).
وفاران:كلمة عبرانية معربة، وهي من أسماء مكة المكرمة(1)
والنص السابق كما ترون يتحدث عن بئر زمزم الذي سقت منه هاجر الغلام، ويتحدث أيضا عن برية فاران التي سكنها إسماعيل عليه السلام.
(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات ). إبراهيم:37
ويتحدث النص أيضا عن أن إسماعيل كان ينمو رامي قوس، وهذا يتطابق مع الحديث الذي رواه البخاري (مر النبي علي نفر من قبيلة أسلم يرمون بالسهام فقال لهم: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ).
ولكن كيف يثبت الكتاب المقدس أن النبوة ستكون في أبناء إسماعيل عليه السلام ؟
ورد في سفر التثنية الإصحاح 18 الفقرة 17، 18،19 على لسان موسى عليه السلام:
(قال لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا، أقيم لهم نبيا من وسط أخوتهم مثلك و أجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه).
والنص يصف كما ترون تبشير الله لموسى بنبي سوف يبعثه من وسط أخوة بني إسرائيل، وأن هذا النبي سيكون مثل موسى عليه السلام، ويخبر النص أيضاً أن الذي لا يتبع هذا النبي ولا يسمع لكلامه - فإن الله سوف يعاقبه..
ولكن ماذا قال أهل الكتاب من اليهود والنصارى عن ذلك النبي ؟
قالت اليهود أن النبي المقصود هو يوشع بن نون فتى موسى، بينما حمل النصارى البشارة على المسيح عيسى عليه السلام.
واليهود ينكرون أن البشارة تدل على محمد – صلى الله عليه وسلم- أو عن المسيح عليه السلام.
والنصارى ينكرون أن تكون البشارة عن النبي –صلي الله عليه وسلم-.
والحق إن ما ذهب إليه كلا الفريقين باطل، والدليل من الكتاب المقدس نفسه.
إن البشارة تشترط شرطين:الأول أن ذلك النبي من وسط إخوة بني إسرائيل، والثاني أنه مثل موسى عليه السلام.
والشرطان السابقان لا ينطبقان إلا على رسول الإسلام- صلى الله عليه وسلم-؛ فهو من أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأبناء إسرائيل (يعقوب) هم أبناء إسحاق بن إبراهيم.. ، لذلك فالنبي-صلى الله عليه وسلم- من وسط أخوة بني إسرائيل..
وكذلك فإن موسى عليه السلام ومحمد- صلى الله عليه وسلم-، كليهما كان صاحب شريعة جديدة، ورسالة مستقلة، وبذلك فإن شرط المثلية وقرب المكانة بين ذاك النبي وموسى عليه السلام متحقق في النبي-صلى الله عليه وسلم-، ولأن كليهما كان صاحب رسالة جديدة وشريعة مستقلة؛ فقد ورد في سورة الأحقاف: ( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم )..
ويؤكد قرب المكانة أيضا بين النبي-صلى الله عليه وسلم- وبين موسى عليه السلام الحديث الذي رواه البخاري عن الرسول-صلى الله عليه وسلم-:( لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله )..
وأما انتفاء الشرطين عن يوشع بن نون وعن المسيح عليهما السلام- فلأنهما كانا من بني إسرائيل وليسا من وسط إخوة بني إسرائيل، ولو كان المراد واحدا منهما لقال الله(أقيم لهم نبيا منهم).. ، بل لم يكن هناك داع لتحديد من أين يخرج ذلك النبي لأن خروجه من بني إسرائيل هو أمر مألوف لا يحتاج لتوضيح أو تحديد..
وينتفي الشرط الثاني أيضا لأن لا يوشع ولا عيسى كانوا مثل موسى:
فيوشع كان فتى موسى، ولم يحمل شريعة جديدة، ولم يوح إليه بكتاب، وعيسى أيضا لم يحمل شريعة جديدة، وإنما كان على نهج شريعة موسى؛ وإذا كان النصارى يؤمنون بأن المسيح هو ابن الله، وأنه شريك معه في الألوهية، فكيف يقولون بعد ذلك أن عيسى مثل موسى ؟!!
والكتاب المقدس نفسه ينفي أن بني إسرائيل قد قام فيها نبي مثل موسى بعده؛ فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح 34 الفقرات من 5 إلى 11: ((فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مواب حسب قول الرب. و دفنه في الجواء في ارض موات مقابل بيت فغور و لم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم. وكان موسى ابن مائة و عشرين سنة حين مات ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته. فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات مواب ثلاثين يوما فكملت أيام بكاء مناحة موسى. ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة إذ وضع موسى عليه يديه فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كماأوصى الرب موسى. ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه. في جميع الآيات و العجائب التي أرسله الرب ليعملها في ارض مصر بفرعون و بجميع عبيده وكل أرضه)).
فإذا كان الكتاب المقدس يخبر كما ترون أن بني إسرائيل بعد موسى لم يخرج منهم نبي مثله، فكيف يدعى بعد ذلك أهل الكتاب أن النبي الذي وصفه الله بأنه مثل موسى قد خرج من بني إسرائيل؟!!
كما أن عقيدة النصارى في أن المسيح قد أتى ليخلص العالم ويحمل خطايا البشرية – لا يمكن أن تتوافق مع تلخيص النص لعلاقة هذا النبي بالناس؛ وهي معاقبة من لا يتبعه ويسمع لكلامه (ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه)..
ويبدو أن أنا،د كانوا في انتظار ذلك النبي كما كانوا ينتظرون المسيح عليه السلام؛ فقد ورد في إنجيل يوحنا 1: 19 – 25 (وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت فاعترف ولم ينكر وقال أني لست المسيح فسألوه إذن ماذا ؟ إيليا أنت ؟ فقال لست أنا، النبي أنت ؟ فأجاب لا …فسألوه وقالوا فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي ؟! )
وإيليا ( إلياس في القرآن ) هو نبي ورد ذكره في الكتاب المقدس..والكتاب المقدس يخبر أن الله قد رفعه إلى السماء، ويبدو أن اليهود كانوا ينتظرون عودته مرة أخرى.. فمن يكون إذن ذلك النبي الذي ورد في النص، وكانت تنتظره اليهود، إذا لم يكن إيليا ولا يوحنا ولا المسيح ؟!!
من يكون ذلك النبي الذي أتى بعد يوحنا والمسيح غير رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ؟!!
ويبدو أن بعض أهل الكتاب قد وجد صعوبة في إثبات المثلية بين موسى والمسيح عليهما السلام (على الأقل حسب عقيدتهم)؛ فوجهوا جهودهم نحو إثبات عدم المثلية بين موسى عليه السلام ومحمد-صلى الله عليه وسلم- ، فماذا قالوا ؟
قالوا أن موسى مات وعمره 120 سنة ومحمد مات وعمره 63 !!، وقالوا أن موسى تربى في قصر فرعون، أما محمد فلم يدخله!!، وقالوا أن موسى قد عبر البحر هو وبني إسرائيل، أما محمد فلم يعبره!! …
ومن البديهي أننا لو استخدمنا تلك المقاييس لإثبات التشابه بين أي شخصين لما استطعنا ذلك، حتى لو كان هذين الشخصين زوج من التوائم المتماثلة!!
غير أن صحيح النظر سليم العقل - لو نظر في النص؛ سوف يدرك أن المقصود بكلمة (مثلك) هو المثلية في المنزلة والقرب في المكانة، -وإلا فلم يكن هناك داع لقول مثلك لأن كل الأنبياء لابد أن يكونوا متشابهين في أشياء ومختلفين في أشياء أخرى-، وكذلك نفي المثلية في قوله ( ولم يقم بعد نبي في بني إسرائيل مثل موسى) المقصود منه هو نفي المثلية في المنزلة والمكانة أيضا..وأحسب أن هذا أمر واضح جلي لكل بصير ذي فطنة، صحيح ذي لب، حريص على نفسه من سخط الله في الدنيا، ومن سوء العاقبة والعذاب الأليم في الآخرة!!!
( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها!! ) محمد: 2
فلنولينك قبلة ترضاها
يقول تعالى في كتابه العزيز(قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ). [البقرة :144].
كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقلب وجهه في السماء، ويستحي أن يسأل ربه أن يغير القبلة التي يسجد هو والمسلمون إليها وهي المسجد الأقصى لكي تصبح إلى المسجد الحرام، فأنعم الله عليه وعلى أمته بأن جعل لهم قبلة مستقلة عن باقي الأمم؛ فقبلة اليهود والنصارى هي المسجد الأقصى، وكان المسلمون في البداية يتبعونهم في ذلك، إلى أن أمر الله رسوله الكريم –صلى الله عليه وسلم-بتغيير القبلة إلى المسجد الحرام..
ولكن هل أخبر الكتاب المقدس بأن القبلة سوف تتغير من القدس(أورشليم ) إلي مكان آخر ؟
ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح 4 الفقرة 19، 20، 21:
4: 19 قالت له المرأة يا سيد أرى انك نبي.
4: 20 آباؤنا سجدوا في هذا الجبل و انتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه.
4: 21 قال لها يسوع يا امرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل و لا في أورشليم تسجدون للأب
وكلمة الأب التي وردت في النص تعني الله، ولقد ورد ذكرها كثيرا في الكتاب المقدس بمعنى الله، وكذلك لفظ أبناء الله ورد بمعنى الصالحين والمؤمنين..
ومن أمثلة ذلك ما جاء في الكتاب المقدس: (أذهب إلى أبي وأبيكم).
(ولا تسبوا أباكم الذي على الأرض فإن أباكم الذي في السماء وحده).
( وقال الرب لموسى عندما تذهب لترجع إلى مصر … فتقول لفرعون هكذا يقول الرب إسرائيل ابني البكر )
(أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه).
( طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون )…
والتين والزيتون وطور سينين
يقسم الله تعالى في بداية سورة التين قائلا: (والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ).
وهذا القسم له دلالته؛ فالتين والزيتون تشير إلى أرض فلسطين أو بيت المقدس، وهو المكان الذي تلقى فيه المسيح عليه السلام الرسالة من ربه، وطور سينين هو جبل الطور بسيناء الذي كلم الله موسى عليه، والبلد الأمين هي مكة المكرمة مهبط الوحي على رسول الله صلي الله عليه وسلم.
فهذه الآيات الكريمة تشير إلى أماكن الرسالات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، ولكن هل هناك ما يشير إلى تلك الأماكن الثلاثة في الكتاب المقدس ؟
لقد ورد في سفر التثنية الإصحاح 33 الفقرة 2 على لسان موسى عليه السلام وهو يخاطب قومه قبل موته:
33: 2 فقال جاء الرب من سيناء و أشرق لهم من سعير وتلألأ من جبال فاران و أتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم..فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك .
وجاء الرب من سيناء، المقصود بها رسالة موسى عليه السلام، وأشرق من ساعير، تشير إلى رسالة عيسى عليه السلام وساعير هي منطقة جبلية بأرض فلسطين، وهي الأرض التي عاش فيها المسيح عليه السلام.
وتلألأ من جبال فاران المقصود بها إنزال الرسالة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم-، وفاران هي مكة المكرمة، وهى نفس الأرض التي عاش عليها إسماعيل عليه السلام:
(وكان ينمو رامي قوس وسكن في برية فاران) سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 21.
(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) إبراهيم: 37
ويدعى بعض أهل الكتاب أن فاران ليس لها علاقة بمكة، وأن فاران لا تطلق إلا على مكان قريب من سيناء مر به موسى وبنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر ، وبذلك فهم يحملون البشارة كلها على موسى وبني إسرائيل مدعين أن النص يوضح تذكرة موسى لقومه بالأماكن التي مروا بها بعد خروجهم من مصر، وأنه لا يشير أبدا إلى رسالات سماوية .. ولو كان كلامهم هذا صحيحا فلماذا يقول موسى: جاء الله، وأشرق الله، وتلألأ الله، وهل فاران هذه القريبة من سيناء من الأهمية بحيث يخبر موسى أن الله قد تلألأ منها؟! ، وتلألأ كما تعلمون أقوى من جاء وأشرق..
وإذا كانت فاران ليست إلا برية قريبة من سيناء كما يقولون، ومر بها بنو إسرائيل قبل مرورهم بساعير القريبة من فلسطين.. فكيف جاء الله إذن من سيناء ثم أشرق من ساعير قبل أن يتلألأ من جبال فاران؟!!! .. هل يعقل أن موسى وبنو إسرائيل قد مروا بساعير في فلسطين قبل أن يمروا بمكان قرب سيناء أثناء خروجهم من مصر إلى فلسطين؟!!(2)
وهذا الترتيب لا يمكن تحريفه أو تأويله؛ لأن تلألأ إنما تأتي بعد جاء وأشرق، وهذا ما سوف يؤكده أيضا النص الإنجليزي الذي يقول: (وتلألأ فصاعدا)..
ولماذا يذكر موسى قومه قبل موته بأمور يعلمونها وبأماكن قد مروا بها ؟! ، ولماذا يخاطبهم بصيغة الغائب قائلا (وأشرق لهم ) ولم يقل وأشرق لنا أو وأشرق لكم؟!!
والكتاب المقدس يشرح لنا في سفر الخروج ما حدث لبني إسرائيل بعد خروجهم من مصر، ويحكي لنا أن الله قد تجلى لبني إسرائيل من برية سين ثم تجلى لهم من جبل سيناء وأوصاهم بالوصايا الشهيرة، وكل ما يحكيه الكتاب المقدس بعد ذلك عن تجلي الله لبني إسرائيل هو تذكرة موسى لقومه بتجلي الله لهم من سيناء والوصايا التي فرضها عليهم؛ فمن أين جاء أهل الكتاب إذن أن الله قد تجلى لبني إسرائيل في برية فاران شمال سيناء والكتاب المقدس نفسه بعهديه القديم والجديد لا يخبر بذلك ؟!!
ولنفرض أن ما يقولونه من أن فاران هو مكان بالقرب من سيناء صواب، فإن هذا لا يمنع أن يكون اسم فاران يطلق أيضا على مكة، لأن إسماعيل عليه السلام إنما سكن في مكة ولم يسكن في سيناء.(3)
ولو ادعى أهل الكتاب أن إسماعيل لم يسكن في مكة للزمهم أيضا إنكار أن إبراهيم وإسماعيل قد رفعا قواعد البيت الحرام بمكة، وللزمهم أيضا إنكار قدسية البيت الحرام بمكة ونسبته إلى الله، فهل يجرءون على ذلك؟!!(4)
(وأتي من ربوات القدس عن يمينه نار شريعة لهم):المقصود بربوات القدس هو أعداد كثيرة من القديسين ، ولقد استخدمت كلمة ربوات في الكتاب المقدس لتدل على العدد الكثير، ويؤكد هذا القول نفس النص ولكن في النسخة الإنجليزية (جاء الله من سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلألأ فصاعدا من جبل فاران وأتى مع عشرات الآلاف من القديسين من يده اليمنى فرض لهم قانونا ناريا، فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك ).
وعشرات الآلاف من القديسين هم عدد الصحابة الذين أيد الله بهم رسوله - صلى الله عليه وسلم- والذين بلغ عددهم في فتح مكة عشرة آلاف، وفي غزوة تبوك بلغوا ثلاثين ألف مقاتل ، ووصل عددهم قبل وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى نحو مائة وأربعون ألفا من رجال الإسلام..
ويضيف النص الإنجليزي أيضا كلمة (فصاعدا)، وكلمة فصاعدا توضح الترتيب الزمني وتؤكد أيضا الاستمرار؛ فهو قد تلألأ فصاعدا، وهذا ما ينطبق على رسالة النبي-صلى الله عليه وسلم-، فهي كانت خاتم الرسالات، وهي التي ستستمر فصاعدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
كما أن إيضاح النص أن فاران هي أرض الطاعة والإخلاص لله وأنها صاحبة النهاية السعيدة وذلك بقوله (فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك) – ينفي أن يكون المقصود بفاران في هذا النص هو برية شمال سيناء؛ وذلك لأن الكتاب المقدس والقرآن الكريم أيضا يقرران أن الله قد سخط على بني إسرائيل في هذه الرحلة وحكم عليهم بالتيه في الأرض أربعين سنة.. (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين) المائدة: 26
ولكن هل وردت نصوص أخرى في الكتاب المقدس تخبر أن نبيا سيأتي من فاران؟
لقد جاء في سفر حبوق( أحد أنبياء بنى إسرائيل) الإصحاح3:
3: 2 يا رب قد سمعت خبرك فجزعت يا رب عملك فى وسط السنين احييه.. في وسط السنين عرف.. في الغضب أذكر الرحمة.
3:3 الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران، سلاه، جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه.
3: 4 وكان لمعان كالنور له من يده شعاع وهناك استتار قدرته.
3: 5 قدامه ذهب الوبا وعند رجليه خرجت الحمى.
3: 6 وقف وقاس الأرض نظر فرجف الأمم ودكت الجبال الدهرية وخسفت آكام القدم مسالك الأزل له.
3: 7 رأيت خيام كوشان تحت بلية، رجفت شقق أرض مديان ( يقول قاموس الكتاب المقدس أن خيام كوشان هو إشارة لقبائل كوش العربية، ومن المعلوم أنها قبائل كانت تستوطن أثيوبيا وبلاد النوبة وامتدت لتشمل أجزاء واسعة من الجزيرة العربية، وأرض مديان كانت تقع في شمال الجزيرة العربية، والفقرة كلها إشارة صريحة لجنوب وشمال الجزيرة ).
3: 8 هل على الأنهار حمى يا رب، هل على الأنهار غضبك أو على البحر سخطك، حتى أنك ركبت خيلك، مركباتك مركبات الخلاص.
3 : 9 عريت قوسك تعرية ، سباعيات سهام كلمتك ، شققت الأرض أنهارا
3: 10 أبصرتك ففزعت الجبال، سيل المياه طما، أعطت اللجة صوتها، رفعت يديها إلى العلاء
3: 11 الشمس والقمر وقفا في بروجهما، لنور سهامك الطائرة، للمعان برق مجدك ( للمعان برق رماحك في النسخة الإنجليزية ).
3: 12 بغضب خطرت في الأرض، بسخط دست الأمم ( بسخط دست الوثنيين في النسخة الإنجليزية ) …
عندما يقرأ النص السابق أي شخص لن يتبادر إلى ذهنه سوى أن هذا النص يتحدث عن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – الذي أتى من فاران وهي مكة المكرمة.. وأن تيمان التي وردت في النص هي الاسم القديم لليمن، وهي إشارة واضحة إلى جنوب الجزيرة العربية.. وهذا ما قاله العلماء المسلمين الذين تعرضوا قبل ذلك لهذه البنوءة، ورجحوا أن اليمن هي نفسها تيمان، وذلك نظرا للتشابه اللفظي بينهما، ولأن معنى كل منهما هو الجنوب، وأيضا بسبب اقتران تيمان في النص بفاران الثابت تاريخيا أنها هي مكة المكرمة والتي تقع شمال اليمن..
وبرغم أن النص يشتمل على صفات الرسول صلى الله عليه وسلم والتي جمعت بين القوة الروحية التي يشير إليها النص بقوله (جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه)، وبين القوة المادية التي يشير إليها باقي النص مثل الحديث عن سحق أعداء الله والإشارة إلى السهام الطائرة والرماح المتألقة، والخيول، وسحق الوثنيين …، ومن المعلوم أن هذه الصفات لم تكن إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان رحمة للعالمين وسيفا على رقاب المشركين.. برغم كل هذه الصفات أنكر أهل الكتاب أن هذا النص يشير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم!! ..ومع ذلك لم يستطيعوا أن يخبرونا من هو النبي الذي يتحدث عنه النص السابق !! .. ومع انكارهم لأن هذا النص يشير للرسول صلى الله عليه وسلم، فبالطبع أنكروا أيضا أن تيمان هي اليمن، وأصروا على أن فاران ليست إلا برية بين سيناء وفلسطين وليس لها علاقة بمكة المكرمة.. وبذلك فهم يحاولون إقناعنا بأن التقارب اللفظي بين اليمن وتيمان ليس إلا(تشابه أسماء)!!!
ولنترك الآن ما يدعيه علماؤنا من المسلمين، وما يقوله علماء أهل الكتاب من النصارى، ونتعرف بطريقة حيادية تماما على تيمان المذكورة في النص السابق..
يقول قاموس الكتاب المقدس في تعليقه على تيمان : (هي مكان يقع جنوب إدوم)..
ولكن ما هي إدوم ؟
يقول معجم الطرق القديمة (إنشنت تراد روتس)تحت عنوان إمبراطوريات(إمبيرز):
(إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من الصحراء العربية إلى الشرق، ومن هذا الخط امتدت إدوم لتشمل كل الأراضى جنوب البحر الأحمر والأراضي على طول الساحل الشرقى للبحر الأحمر..والجزء الجنوبي من إدوم كان عبارة عن أرض صحراوية ممتدة واشتملت إدوم على جزء من طريق البخور يمتد جنوبا إلى شيبا والتي تمثل منطقة اليمن حاليا).
وتيمان التي يقول قاموس الكتاب المقدس أنها تقع جنوب إدوم معناها في جميع المعاجم الخاصة بأصول ومعاني الكلمات هو: الجنوب.
وإذا كانت تيمان تقع جنوب إدوم كما يقول قاموس الكتاب المقدس، واليمن تقع جنوب إدوم كما يقول معجم الطرق القديمة، والمعنى العبرى لتيمان واليمن هو الجنوب؛ فإن ما سنستنتجه بداهة هو أن تيمان هي نفسها اليمن.
هذا ما قاله معجم الطرق القديمة وقاموس الكتاب المقدس، واستنتجنا منه أن تيمان هي نفسها اليمن.. عموما فإن كل المصادر التي عثرنا عليها تتحدث مباشرة عن تيمان قد أراحتنا من عناء هذا الاستنتاج !!..فماذا قالت؟!
تحكي الموسوعة اليهودية ( جويش إنسيكلوبيديا ) عن رحالة يهودي شهير فتقول: (كارازو ديفيد صمويل رحالة يهودي ولد في سالونيكا بتركيا، وقام برحلة إلى اليمن بالجزيرة العربية سنة 1874، ودرس حالة اليهود في تلك المنطقة ودونها في مؤلف أسماه ذيكرون تيمان،رحلتي إلى اليمن )
ويقول موقع يهودي يسمى موقع الموسوعة اليهودية ويكيبديا: (اليهود اليمنيون يسمون بالعبرية التيمانيون وهم اليهود الذين يعيشون الآن في اليمن والتي تسمى في العبرية تيمان وهي أمة تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية ، وهم ينتمون إلى طائفة اليهود المزراحية).
ويقول موقع يهودي آخر يسمى مؤسسة مانفريد ليهمان عن يهود اليمن : (أي شخص يتاح له مقابلة أحد يهود اليمن سوف يندهش من التواضع والنقاء والتقوى التي تصبغه(!) وجذور يهود اليمن – تيمان بالعبرية – تبدأ من بداية تاريخنا. فبجانب الذي ذكر في التوراة العبرانية:(أليفاز صديق يعقوب كان من تيمان وكثير من الأنبياء قد تحدثوا عن تيمان) ، فلقد قيل أيضا أن ملكة شيبا(سبأ) قد سمعت عن الملك سولومون(سليمان) من خلال اليهود في اليمن والتي تقع بجوار مملكة شيبا).
ويحكي لنا موقع يهودي آخر يسمى أيريديس إنسيكلوبديا عن تاريخ يهود اليمن: (واحد من أفضل علماء اليهود في اليمن وهو يعقوب الفيومي قد كتب خطابا يستشير فيه رابي موشي ابن ميمون والمعروف بميمونيديس فقام بالرد عليه في خطاب عنوانه إيجريت تيمان-مكتوب اليمن-وهذا الخطاب كان له تأثير هائل على يهود اليمن).
فإذا كانت اليمن هي نفسها تيمان (كما أثبتنا بما لا يدع بعد ذلك مجالا للشك).. فإن ذلك يجزم بأن فاران تطلق أيضا على مكة.. وأعتقد أنه من السخف أن يقال أن المقصود بفاران في نص حبوق هو برية بين سيناء وفلسطين!!
فهل خرج نبي من ذلك المكان امتلأت من تسبيحه الأرض ونظر فرجفت الأمم؟!!
وهل خرج من هذا المكان نبي أصلا ؟!!
إذن فليخبرنا أهل الكتاب من هو ذلك النبي العظيم الذي يخبرنا النص أنه جاء من فاران حتى أنه يصفه بالقدوس ؟!!
ولكن هل يقول أهل الكتاب أن لفظ القدوس هنا يقصد به نبي ؟!!
إنهم يلجأون إلى حيلة عجيبة حتى لا تحمل النبوءة على النبي-صلى الله عليه وسلم-، ويخبروننا أن المقصود بالقدوس هنا هو الله نفسه!! ، وأن هذا اللفظ لا يمكن إطلاقه على نبي!!.
فلنضع إذن لفظ الجلالة مكان كلمة القدوس..
إن الجملة ستصير هكذا:
(الله جاء من تيمان والله من جبل فاران)!!!!
هل هذا يصدق ؟!! ، هل يرضى بهذا عاقل ؟!!
ومع ذلك فالكتاب المقدس يحفل باستخدام ألفاظ تخص الله عز وجل وفى نفس الوقت يوصف بها أنبياؤه:
(الرب كالجبار يخرج كرجل حروب)أشعياء42: 13
(فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلها لفرعون وهرون أخوك
يكون نبيك)سفر الخروج 7:1
(وحسدوا موسى في المحلة وهرون قدوس الرب)المزامير106: 16
وإذا كانت تيمان تشير إلى مكان جنوب إدوم كما يقول قاموس
الكتاب المقدس نفسه، ومعناها في جميع المعاجم العربية والأجنبية والعبرية هو الجنوب، ولا يختلف يهودي وآخر في العالم كله على أنها الاسم القديم لليمن؛ فما علاقتها إذن بفاران التي تقع بين سيناء وفلسطين؟!!!
وليخبرنا الذين يدعون بأن القدوس هنا تشير إلى الله، وتيمان ليست هي اليمن، وفاران لا تشير إلا لأرض بين سيناء وفلسطين؛ لماذا يأت الله من تلك الفاران بالذات؛ وهي مكان لم يقم فيه رسالة، ولم يبعث منه نبيا؛ لكي يتلألأ منه فصاعدا، ثم يخرج من نفس المكان أيضا لتمتليء السماء من بهائه، والأرض من تسبيحه، ويقف فيقيس الأرض، وينظر فترجف الأمم، وتدك الجبال الدهرية ؟!!
لابد أن تكون تلك الفاران إذن ذات أمر عظيم !!
وهى حتما لن تكون كذلك إلا إذا كانت مهبط الوحي الأخير، ومولد النبي الخاتم، ومركز الدعوة الكاملة!!
فمن هو إذن ذلك القدوس أو النبي العظيم الذي أتى من فاران، وغطى بهاؤه السماوات، وامتلأت الأرض من تسبيحه ؟،وقطعا هو ليس موسى الكليم ، ولا عيسى المسيح ، ولا أي واحد من أنبياء بني إسرائيل ؛ فلم يدع أحد أن فاران قد بعث فيها نبي من بني إسرائيل ، وربما كان تغيير مكان الوحي من الشام إلى بلاد العرب وخروج النبوة من بيت إسرائيل هو السبب في جزع حبوق أحد أنبياء بني إسرائيل عندما سمع الخبر ( يا رب قد سمعت خبرك فجزعت ... الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران).
من يكون إذن ذلك القدوس الذي جاء من فاران، ووقف فقاس الأرض فامتلأت الأرض من أتباعه، ونظر فرجفت الأمم فسقطت تحت رسالته الشعوب والممالك – غير إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، مهجة القلب وقرة العين، صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود -محمد- صلى الله عليه وسلم، (عبد الله)،
محمد رسول الله في التوراة والإنجيل- 1 -
خاتم الرسالات ..الإسلام هو خاتم الرسالات ؛ فهو الجامع لما قبله، الناسخ لما سبقه ، الذي لا دين بعده.. فيه من الأخلاق ما يضمن صلاح العباد، ومن التشريعات ما يضمن صلاح الدنيا والآخرة ..(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) . [آل عمران: 18،19].
والدين الذي يملك صفات الكمال - لا تنقصه شهادة تأتيه من خارجه، لكي تثبت صحة رسالته، وسلامة عقيدته ، وصدق حامله للعالمين الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم - ، فمحمد الذي أخرج الناس من الكفر والضلال إلى الإيمان بالله وحده ، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الواحد الأحد - لا يعوزه شهادة تأتيه من خارج دينه ، لكي تثبت أنه خاتم الأنبياء ، أو أن رسالته هي آخر الرسالات.
محمد الذي علم رجلا بدويا يئد البنات كعمر بن الخطاب – رضي الله عنه –؛ فصار بعد الإسلام قائدا للبشرية، وحاكما للعالم، ومن أعظم قادة التاريخ – لا يحتاج لمن يشهد له؛ كيف والله تعالى يقول:
(لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا). النساء:166
ويقول أيضا: (ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين). النحل:89
فمحمد الذي فتح الله به عيونا عمياً، وأسمع به أذانا صماً، وشرح به قلوباً غلفاً، - لا يحتاج لمن يشهد له من خارج رسالته، أو من خارج الكتاب الذي أنزل معه.
ونحن إذ نتحدث عن بعض البشارات التي وردت في التوراة والإنجيل تبشر بالنبي الكريم، فإنما يدفعنا إلى ذلك أمران:
أما الأمر الأول:فإنه ينبع من حبنا الجم، وشوقنا الكبير لصاحب الرسالة العظمى – صلى الله عليه وسلم -.
كيف لا وهو أستاذنا ومعلمنا وزعيمنا وقائدنا ؟!
وهل أعطانا بشر مثلما أعطانا محمد – صلى الله عليه وسلم – ؟!
وهل لمخلوق على مخلوق من فضل مثل فضل محمد – صلى الله عليه وسلم – علينا ؟!
فما لنا إذن لا نتلمس خطاه، ونقتفى أثره، وننقب عنه في كتب الأولين وفى كتب الآخرين؛ فتسعد بذكره قلوبنا، وتنشرح به صدورنا، وتقر به عيوننا.
وأما الأمر الثاني:فهو ما نصبو إليه من هداية الضالين، وتثبيت المتشككين، وإرشاد التائهين، من داخل هذا الدين ومن خارجه.
وأسأل الله العلي العظيم أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وما كان فيه من صواب فهو من الله وحده، وما كان فيه من خطأ فهو من نفسي.
(ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)…
مازال الكتاب المقدس يتلألأ بنور محمد
أنا اللبنة وأنا خاتم النبيين
يقول الرسول-صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون بالبيت ويعجبون له ويقولون:هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال:فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ).
والحديث السابق يجعل النبي في ختامه للرسالات ومكانته بين الأنبياء مثل حجر الزاوية أو اللبنة الأساسية التي لا يكتمل البناء ولا يتم حسنه وجماله إلا بها..
ولكن ما الذي يقوله الكتاب المقدس عن هذه اللبنة أو حجر الزاوية ؟
ورد في إنجيل متى الإصحاح 21 الفقرة 42،43 (قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه ).
وهذه الكلمات قالها المسيح عليه السلام لجماعة من اليهود بعدما وبخهم على قتل الأنبياء، وإنكار الرسالات..
والنص يوضح إخبار المسيح عليه السلام لليهود باستبدال الله لهم بأمة أخرى تحل محلهم في القيام بأمر الدين وأداء رسالته( لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منتكم ويعطى لأمه تعمل أثماره).. ويخبرهم المسيح عليه السلام أيضا عن ذلك الحجر الذي سيصير رأس الزاوية ( الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية )..
ويواصل المسيح عليه السلام كلامه عن ذلك الحجر الذي سيصير رأس الزاوية فيقول: (ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه)، واستخدام لفظي (يترضض) و(يسحقه) يؤكد أن الكلام يشير إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي أيده الله بالقوة المادية وخاض العديد من الحروب حتى أظهر الله به الدين وسحق به كل أعدائه..
ولا يمكن حمل هذا الكلام على المسيح وأمته؛ لأن المسيح نفسه من أمة بني إسرائيل، كما أن المسيح- عليه السلام- يقول: (وهو عجيب في أعيننا)، مما يدل على أنه يتكلم عن شخص آخر غيره.
فمن هو المقصود إذن بحجر الزاوية غير محمد-صلى الله عليه وسلم-، الذي قال عن نفسه: (أنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)؟!
وما هي الأمة الأخرى التي أعطاها الله ملكوته بعد أن نزعه من بني إسرائيل سوى أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- ؟!!
للذي ببكة مباركا
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران:96
الآية تتحدث عن بيت الله، وتتحدث عن بكة كمكان لبيت الله، الذي أمر الله الناس أن تحج إليه.
ولكن هل ورد في الكتاب المقدس نص يتحدث عن بيت لله ببكة، يحج الناس إليه؟
دعونا نقرأ ما ورد في المزمور84:
84: 4 طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك، سلاه (سلاه كلمة تتكرر كثيرا في الكتاب المقدس ويقول قاموس الكتاب المقدس أنها تعني صمت أو فترة توقف أو فاصل..)
5:84 طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم.
84: 6 عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً أيضا ببركات يغطون مورة.
84: 7 يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون
ولكن ما علاقة وادي البكاء الذي ورد في النص ببكة؟!
وإذا كان الله يقول يرون قدام الله في صهيون، فما علاقة صهيون بالبيت الحرام الموجود في بكة ؟!
أما وادي البكاء وعلاقته ببكة: فيسأل عنها القساوسة العرب، لأن وادي البكاء في النسخة الإنجليزية لنفس النص مكتوبة (وادي بكة) وليس وادي البكاء كما هو في النص العربي، ونلاحظ أنها تبدأ بحرف (بي كابتال)، مما يدل على أنه اسم لعلم لا يمكن ترجمته.
وأما كلمة صهيون: فمعناها الأصلي المكان المقدس أو المجتمع الديني الخالص، كما ورد في القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس..
والنص كما ورد في النسخة الإنجليزية هو هكذا:
(Blessed are they that dwell in thy house. they will be still praising thee, blessed is the man whose strength is in thee, in whose heart are ways of them who passing through the valley of Bacamake it awell, The rain also filleth the pools, they go from strength to strength, every one of them in Zion appeareth before God)
وبذلك فإن الترجمة الصحيحة للنص الإنجليزي هي كما يأتي:
(طوبى للساكنين في بيتك أبدا يسبحونك، طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم عابرين في وادبكة يصيرونه ينبوعا المطر أيضا يغطيه بالبركات يذهبون من قوة إلي قوة يرون قدام الله في الأرض المقدسة ).
وبالمناسبة فإن قاموس الكتاب المقدس لم يستطع تحديد أين توجد بكة!! ، وكل ما قاله عن موقعها: (ربما)! يكون هذا مكان يمر به الحجاج !!
فهل هناك بكة غير التي يحج إليها المسلمون ؟!
ولو كان هناك بكة غيرها ، فهل ادعى أحد أن بها بيت الله الذي يحج إليه الناس ؟!
هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة.. فهل من مجيب ؟!
محمد الإسماعيلي !
محمد الإسماعيلي: هذه الكلمة قالها أحد الرهبان، وكان يتحدث عن الرسول – صلى الله عليه وسلم-ويقول إنه من ولد إسماعيل، وأنه ليس نبياً لأن النبوة اختص بها الله أبناء إسرائيل ( يعقوب عليه السلام).
ونحن نؤيده في أن محمد – صلى الله عليه وسلم- هو من ولد إسماعيل عليه السلام، ولكننا سنثبت بنصوص من الكتاب المقدس أن النبوة سوف تبعث في أبناء إسماعيل:
ورد في سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 17، 18:
(فسمع الله صوت الغلام ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها مالك يا هاجر لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو، قومي احملي الغلام وشدي يدك به لأني سأجعله أمة عظيمة).
وورد في سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 13حيث يخاطب الله عز وجل سيدنا إبراهيم قائلا:(وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك).
وابن الجارية هو إسماعيل ابن السيدة هاجر، وقد جعله الله أمة كبيرة عظيمة هي أمة الإسلام التي يزيد عددها الآن عن مليار مسلم.
ويواصل الكتاب المقدس حديثه عن إسماعيل عليه السلام فيقول في سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 19، 20، 21:
(وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام، وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية و كان ينمو رامى قوس، وسكن في برية فاران).
وفاران:كلمة عبرانية معربة، وهي من أسماء مكة المكرمة(1)
والنص السابق كما ترون يتحدث عن بئر زمزم الذي سقت منه هاجر الغلام، ويتحدث أيضا عن برية فاران التي سكنها إسماعيل عليه السلام.
(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات ). إبراهيم:37
ويتحدث النص أيضا عن أن إسماعيل كان ينمو رامي قوس، وهذا يتطابق مع الحديث الذي رواه البخاري (مر النبي علي نفر من قبيلة أسلم يرمون بالسهام فقال لهم: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ).
ولكن كيف يثبت الكتاب المقدس أن النبوة ستكون في أبناء إسماعيل عليه السلام ؟
ورد في سفر التثنية الإصحاح 18 الفقرة 17، 18،19 على لسان موسى عليه السلام:
(قال لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا، أقيم لهم نبيا من وسط أخوتهم مثلك و أجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه).
والنص يصف كما ترون تبشير الله لموسى بنبي سوف يبعثه من وسط أخوة بني إسرائيل، وأن هذا النبي سيكون مثل موسى عليه السلام، ويخبر النص أيضاً أن الذي لا يتبع هذا النبي ولا يسمع لكلامه - فإن الله سوف يعاقبه..
ولكن ماذا قال أهل الكتاب من اليهود والنصارى عن ذلك النبي ؟
قالت اليهود أن النبي المقصود هو يوشع بن نون فتى موسى، بينما حمل النصارى البشارة على المسيح عيسى عليه السلام.
واليهود ينكرون أن البشارة تدل على محمد – صلى الله عليه وسلم- أو عن المسيح عليه السلام.
والنصارى ينكرون أن تكون البشارة عن النبي –صلي الله عليه وسلم-.
والحق إن ما ذهب إليه كلا الفريقين باطل، والدليل من الكتاب المقدس نفسه.
إن البشارة تشترط شرطين:الأول أن ذلك النبي من وسط إخوة بني إسرائيل، والثاني أنه مثل موسى عليه السلام.
والشرطان السابقان لا ينطبقان إلا على رسول الإسلام- صلى الله عليه وسلم-؛ فهو من أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأبناء إسرائيل (يعقوب) هم أبناء إسحاق بن إبراهيم.. ، لذلك فالنبي-صلى الله عليه وسلم- من وسط أخوة بني إسرائيل..
وكذلك فإن موسى عليه السلام ومحمد- صلى الله عليه وسلم-، كليهما كان صاحب شريعة جديدة، ورسالة مستقلة، وبذلك فإن شرط المثلية وقرب المكانة بين ذاك النبي وموسى عليه السلام متحقق في النبي-صلى الله عليه وسلم-، ولأن كليهما كان صاحب رسالة جديدة وشريعة مستقلة؛ فقد ورد في سورة الأحقاف: ( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم )..
ويؤكد قرب المكانة أيضا بين النبي-صلى الله عليه وسلم- وبين موسى عليه السلام الحديث الذي رواه البخاري عن الرسول-صلى الله عليه وسلم-:( لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله )..
وأما انتفاء الشرطين عن يوشع بن نون وعن المسيح عليهما السلام- فلأنهما كانا من بني إسرائيل وليسا من وسط إخوة بني إسرائيل، ولو كان المراد واحدا منهما لقال الله(أقيم لهم نبيا منهم).. ، بل لم يكن هناك داع لتحديد من أين يخرج ذلك النبي لأن خروجه من بني إسرائيل هو أمر مألوف لا يحتاج لتوضيح أو تحديد..
وينتفي الشرط الثاني أيضا لأن لا يوشع ولا عيسى كانوا مثل موسى:
فيوشع كان فتى موسى، ولم يحمل شريعة جديدة، ولم يوح إليه بكتاب، وعيسى أيضا لم يحمل شريعة جديدة، وإنما كان على نهج شريعة موسى؛ وإذا كان النصارى يؤمنون بأن المسيح هو ابن الله، وأنه شريك معه في الألوهية، فكيف يقولون بعد ذلك أن عيسى مثل موسى ؟!!
والكتاب المقدس نفسه ينفي أن بني إسرائيل قد قام فيها نبي مثل موسى بعده؛ فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح 34 الفقرات من 5 إلى 11: ((فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مواب حسب قول الرب. و دفنه في الجواء في ارض موات مقابل بيت فغور و لم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم. وكان موسى ابن مائة و عشرين سنة حين مات ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته. فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات مواب ثلاثين يوما فكملت أيام بكاء مناحة موسى. ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة إذ وضع موسى عليه يديه فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كماأوصى الرب موسى. ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه. في جميع الآيات و العجائب التي أرسله الرب ليعملها في ارض مصر بفرعون و بجميع عبيده وكل أرضه)).
فإذا كان الكتاب المقدس يخبر كما ترون أن بني إسرائيل بعد موسى لم يخرج منهم نبي مثله، فكيف يدعى بعد ذلك أهل الكتاب أن النبي الذي وصفه الله بأنه مثل موسى قد خرج من بني إسرائيل؟!!
كما أن عقيدة النصارى في أن المسيح قد أتى ليخلص العالم ويحمل خطايا البشرية – لا يمكن أن تتوافق مع تلخيص النص لعلاقة هذا النبي بالناس؛ وهي معاقبة من لا يتبعه ويسمع لكلامه (ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه)..
ويبدو أن أنا،د كانوا في انتظار ذلك النبي كما كانوا ينتظرون المسيح عليه السلام؛ فقد ورد في إنجيل يوحنا 1: 19 – 25 (وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت فاعترف ولم ينكر وقال أني لست المسيح فسألوه إذن ماذا ؟ إيليا أنت ؟ فقال لست أنا، النبي أنت ؟ فأجاب لا …فسألوه وقالوا فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي ؟! )
وإيليا ( إلياس في القرآن ) هو نبي ورد ذكره في الكتاب المقدس..والكتاب المقدس يخبر أن الله قد رفعه إلى السماء، ويبدو أن اليهود كانوا ينتظرون عودته مرة أخرى.. فمن يكون إذن ذلك النبي الذي ورد في النص، وكانت تنتظره اليهود، إذا لم يكن إيليا ولا يوحنا ولا المسيح ؟!!
من يكون ذلك النبي الذي أتى بعد يوحنا والمسيح غير رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ؟!!
ويبدو أن بعض أهل الكتاب قد وجد صعوبة في إثبات المثلية بين موسى والمسيح عليهما السلام (على الأقل حسب عقيدتهم)؛ فوجهوا جهودهم نحو إثبات عدم المثلية بين موسى عليه السلام ومحمد-صلى الله عليه وسلم- ، فماذا قالوا ؟
قالوا أن موسى مات وعمره 120 سنة ومحمد مات وعمره 63 !!، وقالوا أن موسى تربى في قصر فرعون، أما محمد فلم يدخله!!، وقالوا أن موسى قد عبر البحر هو وبني إسرائيل، أما محمد فلم يعبره!! …
ومن البديهي أننا لو استخدمنا تلك المقاييس لإثبات التشابه بين أي شخصين لما استطعنا ذلك، حتى لو كان هذين الشخصين زوج من التوائم المتماثلة!!
غير أن صحيح النظر سليم العقل - لو نظر في النص؛ سوف يدرك أن المقصود بكلمة (مثلك) هو المثلية في المنزلة والقرب في المكانة، -وإلا فلم يكن هناك داع لقول مثلك لأن كل الأنبياء لابد أن يكونوا متشابهين في أشياء ومختلفين في أشياء أخرى-، وكذلك نفي المثلية في قوله ( ولم يقم بعد نبي في بني إسرائيل مثل موسى) المقصود منه هو نفي المثلية في المنزلة والمكانة أيضا..وأحسب أن هذا أمر واضح جلي لكل بصير ذي فطنة، صحيح ذي لب، حريص على نفسه من سخط الله في الدنيا، ومن سوء العاقبة والعذاب الأليم في الآخرة!!!
( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها!! ) محمد: 2
فلنولينك قبلة ترضاها
يقول تعالى في كتابه العزيز(قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ). [البقرة :144].
كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقلب وجهه في السماء، ويستحي أن يسأل ربه أن يغير القبلة التي يسجد هو والمسلمون إليها وهي المسجد الأقصى لكي تصبح إلى المسجد الحرام، فأنعم الله عليه وعلى أمته بأن جعل لهم قبلة مستقلة عن باقي الأمم؛ فقبلة اليهود والنصارى هي المسجد الأقصى، وكان المسلمون في البداية يتبعونهم في ذلك، إلى أن أمر الله رسوله الكريم –صلى الله عليه وسلم-بتغيير القبلة إلى المسجد الحرام..
ولكن هل أخبر الكتاب المقدس بأن القبلة سوف تتغير من القدس(أورشليم ) إلي مكان آخر ؟
ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح 4 الفقرة 19، 20، 21:
4: 19 قالت له المرأة يا سيد أرى انك نبي.
4: 20 آباؤنا سجدوا في هذا الجبل و انتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه.
4: 21 قال لها يسوع يا امرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل و لا في أورشليم تسجدون للأب
وكلمة الأب التي وردت في النص تعني الله، ولقد ورد ذكرها كثيرا في الكتاب المقدس بمعنى الله، وكذلك لفظ أبناء الله ورد بمعنى الصالحين والمؤمنين..
ومن أمثلة ذلك ما جاء في الكتاب المقدس: (أذهب إلى أبي وأبيكم).
(ولا تسبوا أباكم الذي على الأرض فإن أباكم الذي في السماء وحده).
( وقال الرب لموسى عندما تذهب لترجع إلى مصر … فتقول لفرعون هكذا يقول الرب إسرائيل ابني البكر )
(أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه).
( طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون )…
والتين والزيتون وطور سينين
يقسم الله تعالى في بداية سورة التين قائلا: (والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ).
وهذا القسم له دلالته؛ فالتين والزيتون تشير إلى أرض فلسطين أو بيت المقدس، وهو المكان الذي تلقى فيه المسيح عليه السلام الرسالة من ربه، وطور سينين هو جبل الطور بسيناء الذي كلم الله موسى عليه، والبلد الأمين هي مكة المكرمة مهبط الوحي على رسول الله صلي الله عليه وسلم.
فهذه الآيات الكريمة تشير إلى أماكن الرسالات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، ولكن هل هناك ما يشير إلى تلك الأماكن الثلاثة في الكتاب المقدس ؟
لقد ورد في سفر التثنية الإصحاح 33 الفقرة 2 على لسان موسى عليه السلام وهو يخاطب قومه قبل موته:
33: 2 فقال جاء الرب من سيناء و أشرق لهم من سعير وتلألأ من جبال فاران و أتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم..فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك .
وجاء الرب من سيناء، المقصود بها رسالة موسى عليه السلام، وأشرق من ساعير، تشير إلى رسالة عيسى عليه السلام وساعير هي منطقة جبلية بأرض فلسطين، وهي الأرض التي عاش فيها المسيح عليه السلام.
وتلألأ من جبال فاران المقصود بها إنزال الرسالة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم-، وفاران هي مكة المكرمة، وهى نفس الأرض التي عاش عليها إسماعيل عليه السلام:
(وكان ينمو رامي قوس وسكن في برية فاران) سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 21.
(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) إبراهيم: 37
ويدعى بعض أهل الكتاب أن فاران ليس لها علاقة بمكة، وأن فاران لا تطلق إلا على مكان قريب من سيناء مر به موسى وبنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر ، وبذلك فهم يحملون البشارة كلها على موسى وبني إسرائيل مدعين أن النص يوضح تذكرة موسى لقومه بالأماكن التي مروا بها بعد خروجهم من مصر، وأنه لا يشير أبدا إلى رسالات سماوية .. ولو كان كلامهم هذا صحيحا فلماذا يقول موسى: جاء الله، وأشرق الله، وتلألأ الله، وهل فاران هذه القريبة من سيناء من الأهمية بحيث يخبر موسى أن الله قد تلألأ منها؟! ، وتلألأ كما تعلمون أقوى من جاء وأشرق..
وإذا كانت فاران ليست إلا برية قريبة من سيناء كما يقولون، ومر بها بنو إسرائيل قبل مرورهم بساعير القريبة من فلسطين.. فكيف جاء الله إذن من سيناء ثم أشرق من ساعير قبل أن يتلألأ من جبال فاران؟!!! .. هل يعقل أن موسى وبنو إسرائيل قد مروا بساعير في فلسطين قبل أن يمروا بمكان قرب سيناء أثناء خروجهم من مصر إلى فلسطين؟!!(2)
وهذا الترتيب لا يمكن تحريفه أو تأويله؛ لأن تلألأ إنما تأتي بعد جاء وأشرق، وهذا ما سوف يؤكده أيضا النص الإنجليزي الذي يقول: (وتلألأ فصاعدا)..
ولماذا يذكر موسى قومه قبل موته بأمور يعلمونها وبأماكن قد مروا بها ؟! ، ولماذا يخاطبهم بصيغة الغائب قائلا (وأشرق لهم ) ولم يقل وأشرق لنا أو وأشرق لكم؟!!
والكتاب المقدس يشرح لنا في سفر الخروج ما حدث لبني إسرائيل بعد خروجهم من مصر، ويحكي لنا أن الله قد تجلى لبني إسرائيل من برية سين ثم تجلى لهم من جبل سيناء وأوصاهم بالوصايا الشهيرة، وكل ما يحكيه الكتاب المقدس بعد ذلك عن تجلي الله لبني إسرائيل هو تذكرة موسى لقومه بتجلي الله لهم من سيناء والوصايا التي فرضها عليهم؛ فمن أين جاء أهل الكتاب إذن أن الله قد تجلى لبني إسرائيل في برية فاران شمال سيناء والكتاب المقدس نفسه بعهديه القديم والجديد لا يخبر بذلك ؟!!
ولنفرض أن ما يقولونه من أن فاران هو مكان بالقرب من سيناء صواب، فإن هذا لا يمنع أن يكون اسم فاران يطلق أيضا على مكة، لأن إسماعيل عليه السلام إنما سكن في مكة ولم يسكن في سيناء.(3)
ولو ادعى أهل الكتاب أن إسماعيل لم يسكن في مكة للزمهم أيضا إنكار أن إبراهيم وإسماعيل قد رفعا قواعد البيت الحرام بمكة، وللزمهم أيضا إنكار قدسية البيت الحرام بمكة ونسبته إلى الله، فهل يجرءون على ذلك؟!!(4)
(وأتي من ربوات القدس عن يمينه نار شريعة لهم):المقصود بربوات القدس هو أعداد كثيرة من القديسين ، ولقد استخدمت كلمة ربوات في الكتاب المقدس لتدل على العدد الكثير، ويؤكد هذا القول نفس النص ولكن في النسخة الإنجليزية (جاء الله من سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلألأ فصاعدا من جبل فاران وأتى مع عشرات الآلاف من القديسين من يده اليمنى فرض لهم قانونا ناريا، فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك ).
وعشرات الآلاف من القديسين هم عدد الصحابة الذين أيد الله بهم رسوله - صلى الله عليه وسلم- والذين بلغ عددهم في فتح مكة عشرة آلاف، وفي غزوة تبوك بلغوا ثلاثين ألف مقاتل ، ووصل عددهم قبل وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى نحو مائة وأربعون ألفا من رجال الإسلام..
ويضيف النص الإنجليزي أيضا كلمة (فصاعدا)، وكلمة فصاعدا توضح الترتيب الزمني وتؤكد أيضا الاستمرار؛ فهو قد تلألأ فصاعدا، وهذا ما ينطبق على رسالة النبي-صلى الله عليه وسلم-، فهي كانت خاتم الرسالات، وهي التي ستستمر فصاعدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
كما أن إيضاح النص أن فاران هي أرض الطاعة والإخلاص لله وأنها صاحبة النهاية السعيدة وذلك بقوله (فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك) – ينفي أن يكون المقصود بفاران في هذا النص هو برية شمال سيناء؛ وذلك لأن الكتاب المقدس والقرآن الكريم أيضا يقرران أن الله قد سخط على بني إسرائيل في هذه الرحلة وحكم عليهم بالتيه في الأرض أربعين سنة.. (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين) المائدة: 26
ولكن هل وردت نصوص أخرى في الكتاب المقدس تخبر أن نبيا سيأتي من فاران؟
لقد جاء في سفر حبوق( أحد أنبياء بنى إسرائيل) الإصحاح3:
3: 2 يا رب قد سمعت خبرك فجزعت يا رب عملك فى وسط السنين احييه.. في وسط السنين عرف.. في الغضب أذكر الرحمة.
3:3 الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران، سلاه، جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه.
3: 4 وكان لمعان كالنور له من يده شعاع وهناك استتار قدرته.
3: 5 قدامه ذهب الوبا وعند رجليه خرجت الحمى.
3: 6 وقف وقاس الأرض نظر فرجف الأمم ودكت الجبال الدهرية وخسفت آكام القدم مسالك الأزل له.
3: 7 رأيت خيام كوشان تحت بلية، رجفت شقق أرض مديان ( يقول قاموس الكتاب المقدس أن خيام كوشان هو إشارة لقبائل كوش العربية، ومن المعلوم أنها قبائل كانت تستوطن أثيوبيا وبلاد النوبة وامتدت لتشمل أجزاء واسعة من الجزيرة العربية، وأرض مديان كانت تقع في شمال الجزيرة العربية، والفقرة كلها إشارة صريحة لجنوب وشمال الجزيرة ).
3: 8 هل على الأنهار حمى يا رب، هل على الأنهار غضبك أو على البحر سخطك، حتى أنك ركبت خيلك، مركباتك مركبات الخلاص.
3 : 9 عريت قوسك تعرية ، سباعيات سهام كلمتك ، شققت الأرض أنهارا
3: 10 أبصرتك ففزعت الجبال، سيل المياه طما، أعطت اللجة صوتها، رفعت يديها إلى العلاء
3: 11 الشمس والقمر وقفا في بروجهما، لنور سهامك الطائرة، للمعان برق مجدك ( للمعان برق رماحك في النسخة الإنجليزية ).
3: 12 بغضب خطرت في الأرض، بسخط دست الأمم ( بسخط دست الوثنيين في النسخة الإنجليزية ) …
عندما يقرأ النص السابق أي شخص لن يتبادر إلى ذهنه سوى أن هذا النص يتحدث عن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – الذي أتى من فاران وهي مكة المكرمة.. وأن تيمان التي وردت في النص هي الاسم القديم لليمن، وهي إشارة واضحة إلى جنوب الجزيرة العربية.. وهذا ما قاله العلماء المسلمين الذين تعرضوا قبل ذلك لهذه البنوءة، ورجحوا أن اليمن هي نفسها تيمان، وذلك نظرا للتشابه اللفظي بينهما، ولأن معنى كل منهما هو الجنوب، وأيضا بسبب اقتران تيمان في النص بفاران الثابت تاريخيا أنها هي مكة المكرمة والتي تقع شمال اليمن..
وبرغم أن النص يشتمل على صفات الرسول صلى الله عليه وسلم والتي جمعت بين القوة الروحية التي يشير إليها النص بقوله (جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه)، وبين القوة المادية التي يشير إليها باقي النص مثل الحديث عن سحق أعداء الله والإشارة إلى السهام الطائرة والرماح المتألقة، والخيول، وسحق الوثنيين …، ومن المعلوم أن هذه الصفات لم تكن إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان رحمة للعالمين وسيفا على رقاب المشركين.. برغم كل هذه الصفات أنكر أهل الكتاب أن هذا النص يشير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم!! ..ومع ذلك لم يستطيعوا أن يخبرونا من هو النبي الذي يتحدث عنه النص السابق !! .. ومع انكارهم لأن هذا النص يشير للرسول صلى الله عليه وسلم، فبالطبع أنكروا أيضا أن تيمان هي اليمن، وأصروا على أن فاران ليست إلا برية بين سيناء وفلسطين وليس لها علاقة بمكة المكرمة.. وبذلك فهم يحاولون إقناعنا بأن التقارب اللفظي بين اليمن وتيمان ليس إلا(تشابه أسماء)!!!
ولنترك الآن ما يدعيه علماؤنا من المسلمين، وما يقوله علماء أهل الكتاب من النصارى، ونتعرف بطريقة حيادية تماما على تيمان المذكورة في النص السابق..
يقول قاموس الكتاب المقدس في تعليقه على تيمان : (هي مكان يقع جنوب إدوم)..
ولكن ما هي إدوم ؟
يقول معجم الطرق القديمة (إنشنت تراد روتس)تحت عنوان إمبراطوريات(إمبيرز):
(إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من الصحراء العربية إلى الشرق، ومن هذا الخط امتدت إدوم لتشمل كل الأراضى جنوب البحر الأحمر والأراضي على طول الساحل الشرقى للبحر الأحمر..والجزء الجنوبي من إدوم كان عبارة عن أرض صحراوية ممتدة واشتملت إدوم على جزء من طريق البخور يمتد جنوبا إلى شيبا والتي تمثل منطقة اليمن حاليا).
وتيمان التي يقول قاموس الكتاب المقدس أنها تقع جنوب إدوم معناها في جميع المعاجم الخاصة بأصول ومعاني الكلمات هو: الجنوب.
وإذا كانت تيمان تقع جنوب إدوم كما يقول قاموس الكتاب المقدس، واليمن تقع جنوب إدوم كما يقول معجم الطرق القديمة، والمعنى العبرى لتيمان واليمن هو الجنوب؛ فإن ما سنستنتجه بداهة هو أن تيمان هي نفسها اليمن.
هذا ما قاله معجم الطرق القديمة وقاموس الكتاب المقدس، واستنتجنا منه أن تيمان هي نفسها اليمن.. عموما فإن كل المصادر التي عثرنا عليها تتحدث مباشرة عن تيمان قد أراحتنا من عناء هذا الاستنتاج !!..فماذا قالت؟!
تحكي الموسوعة اليهودية ( جويش إنسيكلوبيديا ) عن رحالة يهودي شهير فتقول: (كارازو ديفيد صمويل رحالة يهودي ولد في سالونيكا بتركيا، وقام برحلة إلى اليمن بالجزيرة العربية سنة 1874، ودرس حالة اليهود في تلك المنطقة ودونها في مؤلف أسماه ذيكرون تيمان،رحلتي إلى اليمن )
ويقول موقع يهودي يسمى موقع الموسوعة اليهودية ويكيبديا: (اليهود اليمنيون يسمون بالعبرية التيمانيون وهم اليهود الذين يعيشون الآن في اليمن والتي تسمى في العبرية تيمان وهي أمة تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية ، وهم ينتمون إلى طائفة اليهود المزراحية).
ويقول موقع يهودي آخر يسمى مؤسسة مانفريد ليهمان عن يهود اليمن : (أي شخص يتاح له مقابلة أحد يهود اليمن سوف يندهش من التواضع والنقاء والتقوى التي تصبغه(!) وجذور يهود اليمن – تيمان بالعبرية – تبدأ من بداية تاريخنا. فبجانب الذي ذكر في التوراة العبرانية:(أليفاز صديق يعقوب كان من تيمان وكثير من الأنبياء قد تحدثوا عن تيمان) ، فلقد قيل أيضا أن ملكة شيبا(سبأ) قد سمعت عن الملك سولومون(سليمان) من خلال اليهود في اليمن والتي تقع بجوار مملكة شيبا).
ويحكي لنا موقع يهودي آخر يسمى أيريديس إنسيكلوبديا عن تاريخ يهود اليمن: (واحد من أفضل علماء اليهود في اليمن وهو يعقوب الفيومي قد كتب خطابا يستشير فيه رابي موشي ابن ميمون والمعروف بميمونيديس فقام بالرد عليه في خطاب عنوانه إيجريت تيمان-مكتوب اليمن-وهذا الخطاب كان له تأثير هائل على يهود اليمن).
فإذا كانت اليمن هي نفسها تيمان (كما أثبتنا بما لا يدع بعد ذلك مجالا للشك).. فإن ذلك يجزم بأن فاران تطلق أيضا على مكة.. وأعتقد أنه من السخف أن يقال أن المقصود بفاران في نص حبوق هو برية بين سيناء وفلسطين!!
فهل خرج نبي من ذلك المكان امتلأت من تسبيحه الأرض ونظر فرجفت الأمم؟!!
وهل خرج من هذا المكان نبي أصلا ؟!!
إذن فليخبرنا أهل الكتاب من هو ذلك النبي العظيم الذي يخبرنا النص أنه جاء من فاران حتى أنه يصفه بالقدوس ؟!!
ولكن هل يقول أهل الكتاب أن لفظ القدوس هنا يقصد به نبي ؟!!
إنهم يلجأون إلى حيلة عجيبة حتى لا تحمل النبوءة على النبي-صلى الله عليه وسلم-، ويخبروننا أن المقصود بالقدوس هنا هو الله نفسه!! ، وأن هذا اللفظ لا يمكن إطلاقه على نبي!!.
فلنضع إذن لفظ الجلالة مكان كلمة القدوس..
إن الجملة ستصير هكذا:
(الله جاء من تيمان والله من جبل فاران)!!!!
هل هذا يصدق ؟!! ، هل يرضى بهذا عاقل ؟!!
ومع ذلك فالكتاب المقدس يحفل باستخدام ألفاظ تخص الله عز وجل وفى نفس الوقت يوصف بها أنبياؤه:
(الرب كالجبار يخرج كرجل حروب)أشعياء42: 13
(فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلها لفرعون وهرون أخوك
يكون نبيك)سفر الخروج 7:1
(وحسدوا موسى في المحلة وهرون قدوس الرب)المزامير106: 16
وإذا كانت تيمان تشير إلى مكان جنوب إدوم كما يقول قاموس
الكتاب المقدس نفسه، ومعناها في جميع المعاجم العربية والأجنبية والعبرية هو الجنوب، ولا يختلف يهودي وآخر في العالم كله على أنها الاسم القديم لليمن؛ فما علاقتها إذن بفاران التي تقع بين سيناء وفلسطين؟!!!
وليخبرنا الذين يدعون بأن القدوس هنا تشير إلى الله، وتيمان ليست هي اليمن، وفاران لا تشير إلا لأرض بين سيناء وفلسطين؛ لماذا يأت الله من تلك الفاران بالذات؛ وهي مكان لم يقم فيه رسالة، ولم يبعث منه نبيا؛ لكي يتلألأ منه فصاعدا، ثم يخرج من نفس المكان أيضا لتمتليء السماء من بهائه، والأرض من تسبيحه، ويقف فيقيس الأرض، وينظر فترجف الأمم، وتدك الجبال الدهرية ؟!!
لابد أن تكون تلك الفاران إذن ذات أمر عظيم !!
وهى حتما لن تكون كذلك إلا إذا كانت مهبط الوحي الأخير، ومولد النبي الخاتم، ومركز الدعوة الكاملة!!
فمن هو إذن ذلك القدوس أو النبي العظيم الذي أتى من فاران، وغطى بهاؤه السماوات، وامتلأت الأرض من تسبيحه ؟،وقطعا هو ليس موسى الكليم ، ولا عيسى المسيح ، ولا أي واحد من أنبياء بني إسرائيل ؛ فلم يدع أحد أن فاران قد بعث فيها نبي من بني إسرائيل ، وربما كان تغيير مكان الوحي من الشام إلى بلاد العرب وخروج النبوة من بيت إسرائيل هو السبب في جزع حبوق أحد أنبياء بني إسرائيل عندما سمع الخبر ( يا رب قد سمعت خبرك فجزعت ... الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران).
من يكون إذن ذلك القدوس الذي جاء من فاران، ووقف فقاس الأرض فامتلأت الأرض من أتباعه، ونظر فرجفت الأمم فسقطت تحت رسالته الشعوب والممالك – غير إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، مهجة القلب وقرة العين، صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود -محمد- صلى الله عليه وسلم، (عبد الله)،
الفــــداء والكفّــــارة
ترتبط عقيدة الكفارة بعقيدة الخطيئة ارتباط اليد بالمعصم، فالمقصود بالكفارة هو رفع الخطيئة الأصليّة وتكفيرها عن كاهل البشريّة لإنقاذها من الموت الأبديّ، الذي أصابها جرّاء أكل آدم من الشّجرة.. ويُعتبر علماء الأديان قاطبة أنّ الكفّارة أُسّ الدّين النّصرانيّ، ومركز الدّائرة ونقطة التقاء جميع العقائد النّصرانيّة الأخرى، فهي ذات علاقة بالخطيئة من حيث إنّ هذه الأخيرة سبب لها وذات علاقة بالتجسّد والصّلب والقيامة .. من حيث كون هذه العقائد نتيجة حتميّة للكفّارة، وهي في الواقع أكثر تعقيدًا والتواءً، الأمر الذي أضنى الدّارسين والباحثين في أعماقها، وأحرج الكنيسة ورجالها، وأعجزهم عن الإجابة عن التّساؤلات العديدة حولها، لذا تراهم يأمرون أتباعهم بالإيمان بها دون البحث في جوهرها و ماهيّتها.
كيف نشأت فكرة الكفّارة ؟
نشأت هذه الفكرة بعد نزاع مرير بين صفتين من صفات الله تعالى، وهما صفة العدل وصفة الرّحمة، فإذا عدنا إلى الوراء قليلاً نجد أنّ الله حذّر آدم من الأكل من الشّجرة بقوله: (يوم تأكل منها موتًا تموت)( )، فهذا الحكم بالإعدام – على آدم وذرّيته – نافذ وغير قابل للاستئناف أو الطّعن أو التّخفيف؛ لأنّ مقتضى العدل عند الله أن ينفّذ وعده بمعاقبة المسيء بالموت، وقانون العدل الإلهيّ يُلزم الله بعدم التّساهل والتّراخي في تطبيق العقوبة.
وحتّى لا يوصف الله بالجور وعدم الإنصاف أو بالإخلال بقانون العدل بدأ بتنفيذ سلسلة العقوبات التي ذكرناها سابقًا، وكان آخرها طرد الإنسان من الجنّة والحكم عليه باللّعنة وإلصاق الخطــيئة برقبته إلى الأبد – وفي زعم النّصارى – يكون الله قد حقّق العدل بهذه الخطوات !!
واستمرّ الوضع على ما هو عليه دهرًا، وفجأة ظهرت صفة أخرى من صفات الله، وهي الرّحمة، فراودت الله على غفران خطيئة الإنسان؛ لأنّ من رحمة الله بالنّاس ومحبّته لهم ألاّ يتركهم على هذه الحالة التّعيسة؛ فكان على الله بمقتضى هذه الصّفة أن يعفو عن البشر ويغفر لهم ويرفع عنهم اللّعنة والشّقاء !
إنّ هذا المنطق الكنسيّ يبرز الله حائرًا بين صفتين من صفاته، أيّهما يغلب على الأخرى؟، فكلّما أراد الإماتة واللّعنة بمقتضى العدل عاقته الرّحمة، وكلّما أراد رحمة خلقه والمغفرة لهم وقفت صفة العدل بالمرصاد !إنّه خيار صعب بين طرفين أحلاهما مرّ، فإلى ماذا سيؤول نزاع الصّفتين وكيف يوفّق الله بينهما لحلّ المشكلة التي أوقع نفسه فيها وتورّط في براثنها ؟!( ) ولا ندري كيف يمتلك رجال الكنيسة الجرأة بمنطقهم هذا ليلزموا الله بإلزامات كهذه !فكان لزامًا – إذن – على الله أن يصل إلى حلّ وسط ينال بموجبه العدل حقّه وتأخذ الرّحمة مكانها، فما السّبيل لذلك الحلّ السّحريّ ؟
وبما أنّنا، الآن، نكتب بمنطق النّصارى فلنترك أكبر ممثّل للفكر النّصرانيّ بولس "شاؤول" يبيّن لنا السّبيل لحلّ أزمة "العدل والرّحمة"، ولا سيّما أنّ بولس أكبر مدافع عن عقيدة الكفّارة، إن لم يكن هو مخترعها، يقول في العهد الجديد: (لا يوجد مغفرة بدون سفك دم)( )، ويبدو أنّ بولس ما يزال متأثّرًا بيهوديّته؛ إذ إنّ الإله "يهو" في العهد القديم كان مغرمًا بدم القرابين، فلم يكن يرضى عن بني إسرائيل إلاّ حين يشمّ رائحة مشاوي ودم الذّبائح التي يقدّمها كهنة اليهود، حين يسترضون ربّهم عند غضبه بذبيحة ليغفر لهم موبقاتهم.
كذلك كانت عقيدة سفك الدّم من أجل المغفرة والخلاص سائدة في العديد من الدّيانات الوثنيّة القديمة، لدى المصريّين والبوذيّين والإغريق والهنود.. فقد كانت تلك الأقوام تدفع للمذابح الرّجال والنّساء والأطفال والحيوانات بل والآلهة وأبناء الآلهة قربانًا إلى الله، فركِب بولس الموجة وسار مع التيار فاستعار الفكرة، أو قل سرقها وطبّقها على النّصرانيّة، ونسبها إلى تعاليم المسيح فأضلّ بها خلقًا عظيمًا إلى أيّامنا هذه، وسنعود بعد صفحات إلى شهادات علماء الأديان لنطّلع على عقيدة الكفّارة والفداء في الوثنيّة التي سبقت مولد المسيح بآلاف السّنين.
لا بدّ من سفك دم!! ولكن ما هو حجم الذّبائح التي يقبلها الله لفداء البشر، كم مترًا مكعّبًا من الدّماء تكفي لغسل خطيئة الأكل من تفّاحة الجنّة، من يتبرّع ليكون فاديًا، وما نوع الذّبيحة المناسبة !؟، أيكون حيوانًا؟( )؛ لا يقدر حيوان على فداء إنسان لفرق القيمة، أو ملَكًا؟؛ الملائكة لم تشارك في الخطيئة وربّما لا تملك دمًا، أو إنسانًا؟، كلّ النّاس تدنّسوا بالخطيئة، ولا يصلح أن يكون فاديًا إلاّ طاهرٌ، أو إلها؟؛ أغلق بولس جميع منافذ الفداء إلاّ هذا المنفذ، فالفادي يجب أن يكون طاهرًا ولا طاهر إلاّ الله، إذن الفادي هو الله لا غيره ! !وكيف يكون الله فدية، هل ينتحر أو يزهق روحه أو يتركها تقتل على أيدٍ، أيًّا كانت، فيبقى العالم بدون إله!؟
دبّر الله حيلة التجسّد – وهو اختراع آخر لبولس – والتجسّد متاهة لا يُعرف لها مدخل من مخرج، سنحاول إلقاء بعض الضّوء عليها بعد قليل، وإن كان كلّ ضوء الدّنيا لا يقدر على إنارة ظلمتها، فقد خرج بولس بلازمة أنّ حلّ أزمة الخطيئة لا يتحقّق إلاّ أن يفدي اللّه بنفسه البشريّة، لأنّه طاهر من الخطيئة الأصليّة، و ذلك قادر على التجسّد، بأخذ جسم إنسان، حتّى ينوب عن الإنسان المخطئ، ومفاد "حيلة" التجسّد أنّ الله نزل من عليائه حاملاً معه صفات الألوهيّة، ثمّ دخل رحم العذراء مريم ومكث هناك تسعة أشهر كما يمكث أيّ جنين في بطن أمّه، ثمّ خرج إلى الوجود بالولادة عن الطّريق المعهود، فاختلط الإله المولود بدم الحيض والنّفاس، واستقبلته الأيدي ووضعته في القماط، وناولته أمّه ثديها ترضعه وتعطف عليه عطف الأمّ على ولدها.
لقد أصبح الإله إنسانًا وصار واحدًا منّا، فهو إله كامل وإنسان كامل، وتتّفق جميع الطّوائف النّصرانيّة على هذه العقيدة، وقد وردت في قانون الإيمان كالآتي: [.. الذي لأجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السّماء وتجسّد من الرّوح القدس ومن مريم العذراء، وتأنّس وصُلِب عنّا على عهد بيلاطس البنطي..].
وسنشفق على القارئ فلا ندخله في صراعات الطّوائف النّصرانيّة التي دارت حول طبيعة المولود، هل هو الأب أم ابنه أم الثّالوث؟، هل ولدت مريم الله أم المسيح؟ هل المولود هو اللاّهوت أم النّاسوت.. إلخ !؟
وسنشير إلى بعض ذلك فيما بعد، ولا ننصح أحدًا بالبحث فيها؛ لأنّه حينها تفنى الأعمار ولا يخرج المرء بنتيجة تذكر، اللهمّ إلاّ الشكّ والحيرة وربّما الإعاقة النّفسيّة والعقليّة والوقاية خير من العلاج فتنبّه !
كبُر المولود الذي دعي المسيح، وتقدّم في السنّ، وبدأ بدعوته بين اليهود في فلسطين، وكانت دعوته كلّها تنصبّ على عبادة الله وحده لا شريك له، والاستمساك بالتّوراة الموسويّة ، ولم يذكر المسيح في حياته نصًّا عن الخطيئة أو الكفّارة أو الصّلب أو الثّالوث، فتلك عقائد طبخها بولس والقساوسة بعد رفع المسيح .. واستمرّ المسيح يدعو إلى تطبيق شريعة العهد القديم، وكان هو نفسه يعمل بمقتضاها ويسير على هداها؛ قال المسيح: (لا تظنّوا أنّي جئت لأبطل الشّريعة وتعاليم الأنبياء، ما جئت لأبطل بل لأكمل)( )، لكن اليهود خافوا على مصالحهم ومكتسباتهم بعد أن هدّدهم المسيح وفضحهم على رؤوس الأشهاد، فتآمروا وخطّطوا فأُلقي القبض عليه، فحاكموه وأهانوه، ثمّ قدّموه إلى الصّليب فصلبوه – حسب الأناجيل – وبعدما صُلب زعم النّصارى أنّ صلبه كان تكفيرًا وفداء لخطيئة آدم و تخليصًا للبشريّة من اللّعنة التي أصابتها منذ فجر التّاريخ، ويجمــع النّصارى – على اختلاف مللهم ونحلهم – على أنّ المسيح صلب من أجل خطايا البشر بإرادته وطواعيته، وبموته رُفعت الخطيئة الأبديّة واسترجع الإنسان حرّيته، وغفرت لبني آدم جميع زلاّتهم وسيّئاتهم، واستحقّ المسيح أن يلقّب بالمخلّص لأنّه خلّص البشر من عبوديّة الشّيطان.
وأكثر الآيات الإنجيليّة التي تقرّر عقيدة الكفّارة والفداء توجد في الرّسائل الأربع عشرة لبولس، الذي كان متحمّسًا تحمّسًا مريبًا لهذه الفكرة، حتّى إنّه لم يكن مستعدًّا لقبول فكرة أخرى غيرها إلاّ تلك، يقول بولس (إنّي لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلاّ يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا)( )، ويقول بولس مروّجًا سلعة الفداء (المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب)( )، ولا أدري ما هي الكتب التي يقصدها بولس !؟، وللملاحظة فكثيرًا ما نجد في العهد الجديد إحالات مبهمة كهذه دون ذكر الكتب بأسمائها وأسفارها، لتعويم القارئ وإيهامه بصدق الإحالة دون إعطائه فرصة الاطّلاع عليها، وقد اكتشف العديد من الباحثين عدم صدق الكثير من تلك الإحالات فتنبّه، ويقول بولس: (الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا)( )، وجاء في رؤيا يوحنا (الذي أحبّنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه)( ).
أمّا أشهر آية إنجيليّة في هذا الباب والتي يفتخر رعاة الكنائس بترديدها في كلّ صلاة وقدّاس فهي (هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة)( )، إنّ الكنيسة برجالها وأناجيلها تقرّر أنّ المسيح وُلد ليموت ونزل من السّماء ليُقتل، إنّه عطيّة الله للنّاس، لم يأت المسيح ليعيش بل جاء ليموت عن آخرين، أرسل الله المسيح ليغسل بدمه خطيئة آدم، وبذلك يمحو جميع الخطايا التي ورثناها بفعل الخطيئة الأصليّة، ويفهم من عقيدة النّصارى أنّ المسيح حضر إلى الأرض لأداء مهمّة "الانتحار" على يد اليهود والرّومان !
وقد يُصدّق بعض من لا يقرأ الأناجيل بتلك المسرحيّة المحبوكة، لكن من يتمعّن قليلاً في نصوص العهد الجديد يستغرب أشدّ الاستغراب من استماتة المسيح في الدّفاع عن نفسه، ورفضه للموت وحرصه على البقاء حيًّا، وليس من العجب أن نراه يقوم بجميع المحاولات للنّجاة بنفسه من أعدائه، لقد كان المسيح إنسانًا يحبّ الحياة، لقد جاء ليعيش، وهذا حقّه الطّبيعيّ، على الرّغم من المحاولات الفاشلة للأناجيل وشرّاحها الذين أرادوا إجبار المسيح على الموت رغم أنفه، ونرى أنّ رجال الكنيسة إذا أرادوا إقناع النّاس بقصّة الفداء يستدلّون بأقوال المسيح في التّنبّؤ بآلامه ومنها قوله (.. كيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألّم كثيرًا ويُرذل)( ).
وقوله: (كذلك ابن الإنسان أيضًا سوف يتألّم منهم)( ) فهل هذه أدلّة يُركن إليها وأين الفداء و الخلاص و الصّلب من هذه الأقوال…؟، إنّ ما فعله المسيح بأقواله هذه هو تحضير أصحابه إلى الآلام التي يعانيها كلّ صاحب دعوة، فالطّريق وعرة ومحفوفة بالمخاطر، ومنهج الأنبياء مليء بالعقبات والأشواك، وقد أصابت تلك الاضطهادات المؤلمة الدّعاة إلى الله منذ فجر التّاريخ وما تزال، قال محمّد رسول الله : "الأنبياء أشدّ بلاء ثمّ الأمثل فالأمثل".
لكن البوْن شاسع بين أن يتعرّض الدّاعية لاضطهاد الكفّار والمجرمين وأن يستسلم للموت كالنّعجة طواعية وعن اختيار !وقد استبعد المسيح فكرة الموت الاختياري والفداء بلسان حاله ومقاله، ونستشفّ ذلك من عدّة آيات إنجيليّة: (أجابهم يسوع وقال تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني .. أليس موسى قد أعطاكم النّاموس، وليس أحدٌ منكم يعمل بالنّاموس، لماذا تطلبون أن تقتلوني؟)( )، (أنا عالم أنّكم ذريّة إبراهيم، لكنّكم تطلبون أن تقتلوني، لأنّ كلامي لا موضع له فيكم.. لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم، ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد حدّثكم بالحقّ الذي سمعه من الله، هذا لم يفعله إبراهيم)( )، حاول المسيح بهذه الكلمات العاطفيّة إقناع اليهود بأنّه نبيّ مرسل يتكلّم بالحقّ من عند الله، وأعلّمهم بأنّ أيّ مؤامرة لقتله ستكون ظلمًا وعدوانًا على الكتب السّماويّة وتعاليم الأنبياء، ثمّ عزف المسيح على وتر العاطفة حين ذكّرهم بإبراهيم، فقد كان اليهود يفتخرون به ويحبّون الانتساب إليه، محاولة منه لحماية نفسه من شرّهم، وجاء في الإنجيل: (.. وجاءوا إلى حافّة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتّى يطرحوه أسفل، أمّا هو "المسيح" فجاز في وسطهم ومضى)( )، وفي مرّة أخرى (فلمّا خرج الفريسيّون تشاوروا عليه لكي يهلكوه، فعلم يسوع وانصرف من هناك)( )، ومرة ثالثة (فرفعوا حجارة ليرجموه أمّا يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازًا في وسطهم ومضى)( )، (كان يسوع يتردّد بعد هذا في الجليل؛ لأنّه لم يرد أن يتردّد في اليهوديّة لأنّ اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه)( )، (فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه، فلم يكن يسوع أيضًا يمشي بين اليهود علانية بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البرّيّة)( ).
هل هذه تصرّفات من يريد الموت أو من جاء ليصلب لخلاص البشريّة!؟، لماذا المماطلة، لماذا التخفّي عن أعين اليهود والهرب من وجه الأعداء خوفًا من أذيّتهم، لقد حاولوا قتله كما نرى عدّة مرّات، وطلبوا إزهاق روحه في عدّة مناسبات، فلماذا لم يُسلّم نفسه لهم منذ البداية !؟ لماذا هذا التّأخير الذي يكلّف الإنسانيّة العناء الشّديد، لماذا أصرّ المسيح على إطالة معاناة البشريّة التي تنتظر فداءها بفارغ الصّبر، فهلاّ أسرع في إنقاذها بقوله لليهود: "من فضلكم خذوني وارجموني واصلبوني من أجلكم أيّها الخاطئون ثقيلو الأحمال !" لكن نرى المسيح في الإنجيل، من خلال تلك الآيات كأنّه يريد ترك الفداء البطوليّ إلى آخر الفيلم، وما فائدة فيلم يموت البطل في أوّله !، لقد أصرّ المسيح على اللّعب مع اليهود لعبة 'السّارق و الشّرطيّ' وتقاعس عن أداء واجبه الذي كلّف به !؟
سيجيب أيّ قسّ عن هذا المنطق بأنّ ساعة المسيح لم تكن قد حانت بعد، فعندما تأتي ساعته يسلّم نفسه لليهود والرّومان بكلّ هدوء وبرودة أعصاب وبلا خوف ولا وجل من رعب الصّلب وأفعى الموت !.. فهل حدث هذا، وهل جاءت تلك السّاعة!؟
رغم أنّ النّصارى يقولون بحدوث ذلك ومجيء تلك السّاعة، إلاّ أنّ روايات الأناجيل عن آخر ساعات المسيح على هذه الأرض تعصف بفكرة الفداء وتجعلها قاعًا صفصفًا، وتحكم على الكفّارة بالخرافة المحضة، وتعال – أيّها القارئ الموضوعيّ – نتابع سلوك رجل يريد أن يموت بكلّ قواه من أجل الآخرين في آخر لحظات حياته كما ترويها الأناجيل الأربعة.
عندما اقتربت ساعة القبض على المسيح قال لتلاميذه: (عندما أرسلتكم بلا مال ولا كيس ولا حذاء هل احتجتم إلى شيء؟ قالوا: لا، فقال لهم: أمّا الآن فمن عنده مال فليأخذه، أو كيس فليحمله، ومن لا سيف عنده فليبع ثوبه ويشتر سيفًا… فقالوا: يا ربّ معنا هنا سيفان، فأجابهم يكفي)( ).
يأمر المسيح تلاميذه بالتزوّد بالمال، وبيع ثيابهم لشراء السّيوف، فالمال قد يساعدهم في التسلّح والدّعم اللّوجيستي، وفعلاً امتلك التّلاميذ سيفين، ولو كان باستطاعتهم اقتناء أكثر من ذلك لفعلوا، ولو كان المسيح في عصرنا لأمر أتباعه بشراء القنابل والبنادق الرشّاشة… وما فائدة السّيوف يا ترى التي يأمر المسيح باقتنائها، هل هي سيوف للزّينة والدّيكور، أم كما يقول أحمد ديدات لنزع قشر الموز والبرتقال!!
السّيوف لم تصنع لذلك، فقد كانت الدّعوة لاقتنائها استنفارًا عامًّا قبل أن يداهم اليهود التّلاميذ، وقد ظنّ المسيح أنّ التّلاميذ الأحد عشر الأقوياء الأشاوس – مزوّدين بالسّيفين والعصيّ – قادرون على ردّ عدوان شرذمة من حرس اليهود، فلم يكن المسيح عالمًا بأنّ اليهود سيستعينون بجنود الرّومان.
وما يزال السّؤال مطروحًا، الذي يأتي حقًّا لتسليم نفسه للموت كالنّعجة المسالمة والخروف الوديع ماذا عساه أن يفعل بالسّيوف، أجيبوا أيّها القساوسة !؟.
(ثمّ جاء يسوع مع تلاميذه إلى موضع اسمه جتسماني فقال لهم: اقعدوا هنا حتّى أذهب وأصلّي هناك وأخذ معه بطرس وابني زبدي.. ثمّ قال لهم: انتظروا هنا واسهروا معي)( ).
يقول أحمد ديدات في تعليقه على هذه الآيات في كتابه (مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والخيال): » ولستَ بحاجة إلى عبقريّة عسكريّة، لكي تدرك أنّ المسيح يوزّع قوّاته كأستاذ في فنّ التّكتيك… والسّؤال الذي يفرض نفسه على أيّ مفكّر هو لماذا ذهبوا جميعًا إلى ذلك البستان؟ ألكي يصلّوا؟ ألم يكونوا يستطيعون الصّلاة في تلك الحجرة( )؟ ألم يكونوا يستطيعون الذّهاب إلى هيكل سليمان، ولقد كان على مرمى حجر منهم وذلك لو كانت الصّلاة هي هدفهم؟ كلاّ ! لقد ذهبوا إلى البستان ليكونوا في موقف أفضل بالنّسبة لموضوع الدّفاع عن أنفسهم!. ولاحظ أيضًا أنّ المسيح لم يأخذ الثّمانية لكي يصلّوا معه إنّه يضعهم بطريقة استراتيجيّة في مدخل البستان، مدجّجين بالسّلاح كما يقتضي موقف الدّفاع والكفاح.. لقد وزّع ثمانية لدى مدخل البستان، والآن على أولئك الشّجعان الأشاوس الثّلاثة – مسلّحين بالسّيفين – أن يتربّصوا ويراقبوا ويقوموا بالحراسة!، الصّورة هكذا مفعمة بالحيويّة، إنّ يسوع لا يدع شيئًا نُعمل فيه خيالنا«.
ويستمرّ الإنجيل في سرده آخر تفاصيل حياة المسيح فيذكر عن ملابسات اعتقاله (وأخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنّا، وبدأ يشعر بالرّهبة والكآبة، فقال لهم: نفسي حزينة حتّى الموت انتظروا هنا واسهروا! وابتعد قليلاً ووقع إلى الأرض يصلّي حتّى تعبر عنه ساعة الألم إن كان ممكنًا فقال أبي، يا أبي ! أنت قادر على كلّ شيء، فابعد عنّي هذه الكأس، ولكن لا كما أنا أريد بل كما أنت تريد)( )، ويقول متّى إنّ المسيح صلّى تلك الصّلاة المفعمة بالعواطف ثلاث مرّات، في حين يضيف لوقا بعض التّفاصيل الدراميّة في هذا المشهد؛ فيقول: (وابتعد عنهم مسافة رمية حجر ووقع على ركبتيه وصلّى فقال: يا أبي، إن شئت، فأبعد عنّي هذه الكأس !، ولكن لتكن إرادتك لا إرادتي، وظهر له ملاك من السّماء يقوّيه، ووقع في ضيق فأجهد نفسه في الصّلاة، وكان عرقه مثل قطرات دم تتساقط على الأرض)( ).
يا له من موقف تتقطّع له الأكباد حزنًا وضحكًا، لم أعد أفهم شيئًا، أين سيصنف نقّاد أفلام السّينما هذا المشهد، مع المشاهد الدّراميّة أم الكوميديّة!؟ فإنّ من المفترض أنّ المسيح ُقدّر له بقضاء الله قبل ميلاد آدم صاحب الخطيئة أن يموت من أجل البشريّة طواعية، وكان من المتّفق أن يتأنّس الله وينزل إلينا ويصبح واحدًا منّا ليُسلّم نفسه فيموت عنّا، لكنّ المسيح يفاجئ الجميع في هذه الآيات عندما يدعو الله أن يجيز عنه تلك الكأس، ويطمع أن يعفيه الله من تلك الآلام ومن تلك المهمّة، إن كان ممكنًا، لقد وقّع المسيح على صفقة إعدامه قبل آلاف السّنين، فلماذا يراوغ الآن ويحاول التهرّب من تنفيذ الصّفقة – طبعًا إن كان ممكنًا – هل أدرك المسيح أنّ هذه الصّفقة كانت خاسرة، أم أنّ الله جعله يوقّع على بياض ثمّ …؟ أم أنّ المسيح الذي وظّفه الله لتلك المهمّة الفدائيّة لم يكن مطّلعًا على تعليمات الوظيفة التي تقلّدها؟ فبماذا يمكن تفسير الحزن والكآبة والرهبة، وقطرات عرق كالدم، والبكاء، والصّلاة، والدّعاء بالنّجاة…؟
إنّ الأقنوم( ) الثّاني "المسيح" كان له رأي آخر مخالف لرأي الأقنوم الأوّل "الأب" في معالجة قضيّة الخطيئة، لكن يبدو أنّ الأقنوم الأوّل فرض رأيه ونفذ إرادته بلا مشاورة الأقنوم الثّاني، وأتساءل لماذا يكفِّر الله خطيئة البشر بتقديم غيره كفداء؟
إنّ المسيح كغيره من الأنبياء لم يكن يؤمن بعقيدة الخطيئة، ولا بحاجة البشريّة لتكفيرها، فقد رفض بتصرّفاته الفداء، فلماذا يجبره الله على فعل شيء لا يريده؟ لماذا لم يقدّم الأب حينها نفسه للفداء بدل ابنه؟ فما ذنب المسيح حتّى يقاسي كلّ تلك الآلام وهو يصرخ ويصيح ويتألّم؟ في حين أنّ آدم الذي أكل من الشّجرة يتنعّم في الجنّة بعد رفع الخطيئة عنه.
ربّ قائل: إنّ أكثر الأمم تقدّمًا وازدهارًا اليوم هي تلك التي تعتنق النّصرانيّة، أي أوروبا الغربيّة وأمريكا الشّماليّة .. وهذه مغالطة صريحة والشّواهد على ذلك متوافرة؛ فالتّاريخ يحدّثنا أنّ النصارى لم يعرفوا طريق الحضارة والتقدّم إلاّ عندما تخلّوا عن نصرانيّتهم المحرّفة ونبذوا أحكام الكنيسة وراء ظهورهم، فلقد عاش الغرب في ظلمات حالكة إبّان سيطرة البابوات على مصائرهم في القرون الوسطى، حتى قامت حركات النهضة والتنوير والثورة ضدّ مؤسّسات الكنيسة والإنجيل، فقام الغرب من رقدته ونهض من سُباته العميق فاستحالت إلى ما هي عليه اليوم – على الرّغم من السّلبيّات والعورات الكثيرة التي يعاني منها الغرب الآن – ذلك أنّ طغيان الكنيسة وتعاليمها دفعه إلى طغيان الإلحاد واللاّدينيّة، وتطرّف رجال الدّين قاد الغرب إلى التطرّف ضدّ الله وضدّ فطرة التديّن.
إنّ نصارى الغرب اليوم لا يعرفون من النّصرانيّة إلاّ خرافاتها وألغازها وبعض طقوسها، ولا يتعدّى من يذهبون إلى الكنيسة يوم الأحد إلاّ القليل لأسباب كثيرة، ليست بالضّرورة دينيّة، أمّا خارج جدران الكنيسة فمفاهيم الدّين النّصرانيّ ملغاة ولا يكاد يوجد لها ذكر، وهذا يعود بنا إلى موضوعنا؛ إذ إنّ الغرب بعد ظهور عصر العقلانيّة والتّنوير لم يعد يصدّق بخرافات الكنيسة وعقائدها الباطلة المضادة للعقل، وزاد نفور الغرب من الدّين تصرّف رجال الكنيسة المشين، وقد سجّل لنا التّاريخ الأحداث المرعبة للعصور المظلمة في أوروبا Dark Ages وكيف سامت الكنيسة العلماء أشدّ العذاب، فحرقت المفكّرين والمخترعين والمبدعين بحجّة الخروج عن الدّين، وحرّمت قراءة أو اقتناء كتب العلم، لأنّها زندقة وهرطقة.
تقول زيغريد هونكه في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب): » … والضّلال عند الكنيسة هو البحث عن الحقيقة في غير الكتاب المقدّس«، وكانت الكنيسة ترى أنّ الكتب المقدّسة تحتوي على كلّ أنواع العلوم، وأنّها المصدر الوحيد للمعرفة، وأنّ أيّ قول أو نتيجة تأتي خلافًا لما جاءت به تلك النّصوص المقدّسة يعتبر كفرًا وإلحادًا، وفي هذا يقول القدّيس ترتوليان: » إنّ أساس كلّ علم هو الكتاب المقدّس وتقاليد الكنيسة، وإنّ الله لم يقصر تعليمنا بالوحي على الهداية إلى الدّين فقط، بل علمنا بالوحي كلّ ما أراد أن نعلمه من الكون؛ فالكتاب المقدّس يحتوي من العرفان على المقدار الذي قدّر للبشر أن ينالوه فجميع ما جاء في الكتب السّماويّة من وصف السّماء والأرض وما فيهما، وتاريخ الأمم ممّا يجب التّسليم به مهما عارض العقل، أو خالف الحسّ، فعلى النّاس أن يؤمنوا به أوّلاً ثمّ يجتهدوا ثانيًا في حمل أنفسهم على فهمه أي على التّسليم به «.
ولمّا بلغ الاضطهاد الذي مارسته الكنيسة ضدّ العقل والعلم ذروته بدأت بوادر التذمّر والاحتجاج تظهر هنا وهناك؛ فظهرت حركة الإصلاح البروتستانتيّة، التي قامت ضدّ الكنيسة الكاثوليكيّة، لكنّها اقتصرت على نقد تصرّفات البابا وبعض التّفسيرات الخاطئة للكتب المقدّسة، ولم يختلف البروتستانت عن غيرهم في محاربتهم للعقل والعلم وتعصّبهم للعقائد الموروثة غير المعقولة، بل يذكر المؤرّخون أنّ البروتستانت عادوا العقل والعلم أكثر من الكاثوليك والأرثودكس، يقول مثلاً وول ديورانت في كتابه (قصّة الحضارة): » إنّ موقف البروتستانت من العقل كان في غاية الاستخفاف، ويذكر عن مارثن لوثر قوله: أنت لا تستطيع أن تقبل كلاًّ من الإنجيل والعقل فأحدهما يجب أن يفسح الطّريق للآخر«، وقد اختار لوثر إفساح الطّريق أمام الإنجيل بإلغاء عقله ودفنه حيًّا حتّى لا يزاحم قداسة الكتب لذلك نراه يقول: » إنّ العقل هو أكبر عدوٍّ للدّين … وإنّه كلّما دقّ العقل واحتدّ كان حيوانًا سامًّا برؤوس سعلاة، وكان ضدّ الله وضدّ ما خلق«.
ولمّا كان موقف البروتستانت وزعماء الإصلاح الديني كمن سبقهم في محاربة العلم والعقل لم يشفع لهم " إصلاحهم " في بعض الميادين أمام زحف العقليّين والملاحدة والعلمانيّين الذين هبّوا في كلّ مكان يطالبون بإقصاء الدّين عن الحياة وإغلاق المؤسّسة الدّينيّة وطبعها بالشّمع الأحمر، بل وصل بعضهم إلى الاستهزاء والسّخريّة من الله وجميع مظاهر وجوده.
ولقد كانت عقائد النّصرانيّة المحرّفة، والمضادّة للعقل سببًا رئيسًا في ظهور الإلحاد بجميع أنواعه كالشّيوعيّة والعلمانيّة والبرجماتيّة والوجوديّة .. إلخ.
يقول ابن القيّم – رحمه الله – وقد عاش قبل ظهور هذه المذاهب في كتابه (إغاثة اللّهفان): » وهؤلاء النّصارى هم الذين أوجبوا لأعداء الرّسل من الفلاسفة والملاحدة أن يتمسّكوا بما هم عليه، فإنّهم شرحوا لهم دينهم الذي جاء به المسيح على هذا الوجه المحرّف، ولا ريب أنّ هذا دين لا يقبله عاقل فتواصى أولئك بينهم أن يتمسّكوا بما هم عليه وساءت ظنونهم بالرّسل والكتب، ورأوا ما هم عليه من الآراء أقرب إلى المعقول من هذا الدّين، وقال لهم هؤلاء النّصارى الضُّلال إنّ هذا هو الحقّ الذي جاء به المسيح فترتّب من هذين الظّنّين الفاسدين إساءة الظنّ بالرّسل، وإحسان الظنّ بما هم عليه«.
وفي نهاية هذا المدخل أقول: إنّ هذا الكتاب قد يثير اندفاع بعض الدّوائر النّصرانيّة للردّ علينا بأنواع شتّى من الرّدود، التي لا يعلمها إلاّ الله، ولا سيّما الرّدود العاطفيّة التي ذكرتها آنفًا كقولهم حين قراءة بعض حقائق هذا الكتاب " لكن الله مات من أجلك، الله بذل ابنه الوحيد لخلاصك، الله سفك دمه على الصّليب لفدائك " وغير ذلك من تلك الرّدود التي تسمع عند كلّ مناظرة لا يقدر النّصارى الإجابة فيها بما يقنع العقول، والرّدود العاطفيّة لا تملك قدرة على الإقناع بإيمان خرافيّ واعتقاد باطل وفاسد، خصوصـًا إذا علمنا أنّها صادرة من أناس لا يفهمونها، وغير مقتنعين بها، وصدق أبيلار Abelard أحد رجالات الكنيسة ومنظريها في القرون الوسطى حين يقول » إنّ من المضحك أن نعظ الآخرين بما لا نستطيع أن نُفهِمهم إيّاه ولا نفهمه نحن «.
الخطيــئـة الأصـليّـــة
يمكننا اعتبار مفهوم الخطيئة المفهوم الرّئيس والأساس في الإيمان النّصرانيّ كلّه، إذ إنّ هذا المفهوم يرتبط بجميع العقائد الأخرى: كالكفارة والصّلب والتّثليث والقيامة … وبدون الخطيئة لن يعود للنّصرانيّة مسوغ وجود أصلاً، ويُجمِع الباحثون الموضوعيّون قديمًا وحديثًا، النّصارى والمسلمون واللاّدينيّون، على أنّ مفهوم الخطيئة الأصليّة من الأمور التي لا يقبلها العقل، ولا يُسلّم بها المنطق، وذلك لأسباب عدّة يأتي بيانها بعد حين.
في البداية نتساءل ما هي الخطيئة التي يتحدّث كلّ نصرانيّ وتُروِّج لها كلّ كنيسة؟ إنّ الخطيئة الأصليّة التي لُعن من أجلها جنس البشريّة هي تلك " الغلطة " التي اقترفها آدم، أبو البشريّة قبل آلاف السّنين، عندما كان في الجنّة ومدّ يده إلى شجرة، فقطف ثمرة وأكلها هو و زوجته حوّاء، وكان من المطلوب ألاّ يفعل ذلك، لأنّ الله أباح له الأكل من جميع ثمار الجنّة إلاّ من تلك الشّجرة بعينها، لكن آدم خالف أمر الله فوقع في المحظور وجلب على نفسه وأبنائه اللّعنة والخسارة الأبديّة - على حدّ تعبيرهم - ! !
جاء في العهد القديم: ( وأوصى الربّ الإله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنّة تأكل أكلاً، وأمّا شجرة معرفة الخير والشرّ فلا تأكل منها، لأنّك يوم تأكل منها موتًا تموت )( )، هذه هي البداية؛ فالله تعالى خلق آدم، ولم يعطه الحقّ في الأكل من شجرة المعرفة، فكأنما يريد أن يبقيه جاهلاً، وماذا يضرّ الله لو عرف آدم الخير والشرّ ! !؟ والرّواية القرآنيّة لهذه الأحداث لم تذكر نوع الشّجرة وسبب المنع، الذي هو امتحان وليس حسدًا من الله لجنس البشر، كما يُفهم من الرّواية التّوراتيّة !
ورد في الكتاب المقدَّس قصة التهام التفاحة ونيل اللعنة كما يلي (وكانت الحيّة أحْيلَ جميع حيوانات البرّيّة التي عملها الربّ الإله، فقالت للمرأة أحقًّا قال الله لا تأكل من كلّ شجر الجنّة؟، فقالت المرأة للحيّة من ثمر الجنّة نأكل، وأمّا ثمر الشّجرة التي في وسط الجنّة فقال الله لا تأكلا منه، ولا تمسّاه لئلاّ تموتا، فقالت الحيّة للمرأة لن تموتا، بل الله عالم أنّه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما، وتكونان كالله عارفين الخير والشرّ، فرأت المرأة أنّ الشّجرة جيّدة للأكل، وأنّها بهجة للعيون، وأنّ الشّجرة شهيّة للنّظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل، فانفتحت أعينهما وعلما أنّهما عريانان، فخاطا أوراق تين ووضعا لأنفسهما مآزر، وسمعا صوت الربّ الإله ماشيًا في الجنّة عند هبوب ريح النّهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الربّ الإله في وسط شجر الجنّة، فنادى الإله آدم، وقال له أين أنت! ؟ فقال سمعت صوتك في الجنّة، فخشيت لأنّي عريان فاختبأت، فقال من أعلمك أنّك عريان، هل أكلت من الشّجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها! ؟)( ).
إنّ كاتب هذا السّفر يصوّر الله كأنّه رجل يتجوّل في حديقته، ويحدّث صوتًا بأقدامه التي تدوس التّراب والحشيش، ثمّ ينادي الربّ آدم (آدم .. آدم .. أين أنت ! ؟) و هو سؤال الجاهل بمكان مخلوقه .. ثمّ يسأله مَن أعلمك أنّك عريان، هل أكلت من الشّجرة …؟ أسئلة وأسئلة تدلّ على أنّ الكاتب لهذه الرّواية لا يستطيع أن يتصوّر الله إلاّ بتصوّر البشر الذي يعتريه الجهل والغفلة والحيرة والعي، فلذلك حاك هذه المسرحيّة بأبطالها، لكنّها مسرحيّة فاشلة بجميع مقاييس البشر فضلاً عن مقاييس الإله، ثمّ يستمرّ سفر التّكوين في هذه المشاهد المسرحيّة ! ( فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشّجرة فأكلت، فقال الربّ للمرأة: ما هذا الذي فعلت، فقالت المرأة: الحيّة غرّتني فأكلت)( )، والحمد للّه أنّ القصّة كما جاءت في القرآن لم تذكر البادئ بالأكل أهو المرأة أم الرّجل بعكس الرّوايتين التّوراتيّة والإنجيليّة، فقد ذهبتا إلى حدّ الحطّ من المرأة وجعلها منشأ شقاء البشريّة وسبب غواية آدم.
جاء في الإنجيل في رسالة بولس الأولى لتيموثاوس ( وعلى المرأة أن تتعلّم بصمت وخضوع تامّ، ولا أجيز للمرأة أن تُعلِّم ولا أن تتسلّط على الرّجل، بل عليها أن تلزم الهدوء، لأنّ آدم خلقه الله أوّلاً ثمّ حوّاء وما أغوى الشّريرُ آدمَ، بل أغوى المرأة فوقعت في المعصية …)( )، والذي يقرأ عن مكانة المرأة في الكتاب المقدّس، وفي كتابات قساوسة النّصارى يرى مدى الاحتقار والحيف الذي تعرّضت له المرأة بسبب تلك التّهمة؛ فقد وصف العهد القديم المرأة [ بأنّها أمَرُّ من الموت ]، ويقول قدّيس النّصارى ترتوليان: » إنّ المرأة مدخل الشّيطان إلى نفس الإنسان، ناقِضة لنواميس الله، مشوّهة لصورة الله«، وقال القدّيس سوستام: » إنّها شرّ لا بدّ منه، آفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتّاكة، ومصيبة مطلية مسموم«، وأعلن البابا أينوسنتوس الثّامن » إنّ الكائن البشريّ والمرأة يبدوان نقيضين عـنيدين «.
وأكبر دليل على تخبّط النّصارى في تقييم المرأة هو عقد مؤتمر ماكون في القرن الخامس الميلادي، الذي بحث موضوع "هل المرأة مجرّد جسم لا روح فيه أم لها روح ! ؟ "، ومؤتمر فرنسا في القرن السّادس الذي بحث موضوع " هل المرأة إنسان أم غير إنسان !؟ "، وقد سبق جميع القدّيسين في احتقار المرأة القدّيس بولس صاحب الرّسائل التي أُدخلت في الإنجيل، والذي أزرى بالمرأة أيّما زراية، فجعلها بسبب الخطيئة مخلوقًا من الدّرجة الثّانية أو الثّالثة!
ونعود إلى الخطيئة، فإذا كان النبيّ محمّد يقول: » إنّ العلماء ورثة الأنبياء وإنّ الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، وإنّما ورٌثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر « وإذا كان النّاس يرون أنّهم يرثون عن آبائهم وأجدادهم الأموال والثّروات والعقارات … فإنّ النّصارى ترى أنّ آدم أورث أبناءه وأحفاده ذنوبه وآثامه التي اقترفها في الجنّة، ولا سيّما الخطيئة العظيمة، عندما أكل من الشّجرة الممنوعة ! !.
إنّ منطق الكنيسة يقول: إنّ البشريّة كلّها تلوّثت بدنس الخطيئة، وبفعل ناموس العدل استحقّت الهلاك الأبديّ والطّرد من الرّحمة الإلهيّة، وانتُزعت منها إرادة فعل الخير ! فقد جاء في العهد الجديد (بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموتُ إلى جميع النّاس إذ أخطأ الجميع)( ).
أيّها القارئ لو كان أبي سارقًا فهل من العدل أن تحكم عليّ محكمة أرضيّة بأنّي مذنب لمجرّد كوني ابنا لأب سارق!؟ ويبدو أنّ المحكمة الإلهيّة عند النّصارى لها معايير قضائيّة أخرى، فهي تجعل بلايين البشر مذنبين بسبب ذنب لم يقترفوه ولم يعلموا عنه شيئًا، فهل المحاكم الأرضيّة أرحم و ألطف من المحاكم السّماويّة !؟
ويصرّ رجال الكنيسة على هذا المنطق المقلوب، ويستميتون دفاعًا عنه، وفي هذا الصّدد يقول جان كالفين، زعيم البروتستانتيّة: » حينما يقال إنّنا استحققنا العقاب الإلهيّ من أجل خطيئة آدم، فليس يعني ذلك أنّنا بدورنا كنّا معصومين أبرياء، وقد حملنا – ظلمًا – ذنب آدم .. الحقيقة أنّنا لم نتوارث من آدم " العقاب " فقط، بل الحقّ أنّ وباء الخطيئة مستقرّ في أعماقنا، تلك الخطيئة التي تعدت إلينا من آدم، والتي من أجلها قد استحققنا العقاب على سبيل الإنصاف الكامل، وكذلك الطّفل الرّضيع تضعه أمّه مستحقًّا للعقاب، وهذا العقاب يرجع إلى ذنبه هو، وليس من ذنب أحدٍ غيره«.
ويقول سانت أغسطين: » وكان الواقع أنّ جميع أفراد الإنسان الذين تلوّثوا بالخطيئة الأصليّة، إنّما وُلدوا من آدم و تلك المرأة التي أوقعت آدم في الخطيئة والتي شاركت آدم نيْل العقاب«، ويصرّح الإنجيل في عدّة آيات (بالخطيئة حَملت بنا أمّهاتنا)، وتنتقل الخطيئة عبر الرّوح من الأجداد إلى الأحفاد، كما يقرّر ذلك القدّيس توماس الإكويني حين يقول: » ومثل ذلك أنّ الذنب في الواقع تقترفه الرّوح، ولكنّه بالتّالي ينتقل إلى أعضاء وجوارح في الجسم «.
وكأنّ كاتب الآيات التي تحمِّل الإنسانيّة ذنب أبيها آدم نسي الفصول التي كتبها من مسرحيّته، والتي تناقض تمامًا العقاب الجماعيّ للمذنبين وغير المذنبين، وكذلك يتناسى قساوسة النّصرانيّة تلك الآيات العديدة في العهدين القديم والجديد، التي تحكم على عقيدة وراثة الخطيئة بالبطلان والفساد .. وتعالوا ننظر سويًّا في بعض تلك الآيات التي وردت في أسفار العهد القديم ومنها: ( لا يُقتل الأباء عن الأولاد، ولا يُقتل الأولاد عن الآباء، كلّ إنسان بخطيئته يُقتل )( )، فهل هذه الآية من سفر التّثنية منسوخة أم ملغاة!؟ وماذا يقول رجال الكنيسة في قول العهد القديم (.. وأنتم تقولون لماذا لا يحمل الابن من إثم الأب، أمّا الابن فقد فعل حقًّا وعدلاً وحفظ جميع فرائضي وعمل بها فحياة يحيا، النّفس التي تخطئ هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحـمل من إثم الابن، بـرُّ البار عليه يكون وشرُّ الشرّير عليه يـكون )( ).
وهذه الآية من سفر حزقيال هل هي من الأسفار غير القانونيّة "الأبوكريفا " أم من الأناجيل التي لا تعترف بها المجاميع المسكونيّة!؟ فلماذا تتجاهلونها !؟ ثمّ هل من العدل أن يعاقب البريء بجريرة المذنب، كيف يعاقب من لم يرتكب ذنبًا؟ إنّ قوانين العقل والمنطق وجميع الأديان السّماويّة والوضعيّة تأخذ بمبدأ [ كلّ فرد بريء حتّى تثبت إدانته ]، فلماذا خالفت النّصرانيّة هذا المبدأ وضربت به عرض الحائط، وجعلت البشريّة كلّها مذنبة حتّى تُثبِت براءتها !!؟ وأين قول الكتاب المقدّس (فتقدّم إبراهيم وقال: أفتُهلك البارّ مع الأثيم؟، عسى أن يكون خمسون بارًّا في المدينة، أفتُهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين بارًّا الذين فيه؟، حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر، أن تميت البارّ مع الأثيم فيكون البارّ كالأثيم، حاشا لك، أديّان كلّ الأرض لا يصنع عدلاً !؟ فقال الربّ: إن وجدتُ في سدوم خمسين بارًّا في المدينة فإنّي أصفح عن المكان كلّه من أجلهم)( )، وأين قوله (في تلك الأيّام لا يقولون بعدُ الآباء أكلوا حصرمًا وأسنان الأبناء ضرست، بل كلّ واحد يموت بذنبه، كلّ إنسان يأكل الحصرم تضرّس أسنانه)( )، وقوله (سيجازي كلّ واحد حسب أعماله)( ).
وبعد صفحات سنرى أنّ الله نفسه – في زعم النّصارى – أضاف إلى هذه المحاكمة الجائرة ظلمًا آخر حين أراد التخلّص من الخطيئة بصلب إنسان بريء، وتعذيبه أشدّ العذاب على يد اليهود والرّومان، إنّ منهج القرآن الكريم يختلف جذريًّا عن هذا الظّلم الشّديد الذي وقع على الإنسان واقرأوا إن شئتم آيات الله تعالى في القرآن: لا يجزي والدٌ عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئًا لقمان 33.
من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربّك بظلاّم للعبيد فصّلت 46.
ألاّ تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى النّجم 38.
فأيّ هذه الآيات هي أقرب إلى العقل، والمنطق، أهذه التي تحمِّل الفرد وحده مسؤوليّة أفعاله الخيّرة والشرّيرة، أم تلك الآيات الإنجيليّة المقدّسة، التي تجعل الجنين والرّضيع مجرمين ملعونين هالكين مطرودين من ملكوت السّموات … !
وثمّة مسألة أخرى هامّة تعصف بمفهوم الخطيئة، وهي أنّ الله عاقب البشريّة عقوبات عديدة شديدة لم يكن من العدل بعدها لعن الجنس البشريّ، ونزع إرادته على فعل الخير، ولم تكن هناك حاجة للتّكفير عن الخطيئة الأصليّة بصلب المسيح..
جاء في سفر التّكوين (وقال الربُّ الإله للحيّة لأنّك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرّيّة، على بطنك تسعين وترابًا تأكلين كلّ أيّام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه، وقال للمرأة تكثيرًا أُكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادًا( ) وإلى رجُلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك، وقال لآدم لأنّك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشّجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك، بالتّعب تأكل منها كلّ أيّام حياتك، وشوكًا وحَسَكًا تُنبت لك وتأكل عشب الحقل، بعرق وجهك تأكل خبزًا حتّى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنّك من تراب وإلى تراب تعود)( ).
فسبحان الله من هذا الإله !كيف يعاقب بكلّ هذه العقوبات القاسية المتتالية؛ عقوبات خاصّة بالحيّة وبالمرأة وبالرّجل، ثمّ لم يكتف بذلك فلعن الأرض كذلك، ولا أدري ما ذنبها! ثمّ واصل سلسلة العقوبات بطرد الإنسان من الجنّة خوفًا من أن يأكل من شجرة الخلد فيبقى هنالك في ملكوته ! يقول سفر التّكوين: (وقال الربّ الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحدٍ منّا عارفًا الخير والشرّ، والآن لعلّه يمدّ يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضًا، ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الربّ الإله من جنّة عدن ليعمل الأرض التي أُخذ منها، فطرد الإنسان وأقام شرقي جنّة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلّب لحراسة طريق شجرة الحياة)( ).
أليست كلّ هذه العقوبات كافية لتحقيق ناموس العدل!؟ فهل من العدل أن يُضيف إلى تلك القائمة الطّويلة عقوبة الخطيئة المميتة !؟
إنّ هذا المنطق الغريب الذي يصوّر الله بهذا الحقد والجبروت هو الذي دفع أحد الغربيّين إلى السّخريّة بقوله: » إنّ الله أنانيّ وقاس جدًّا، فلقد لعن البشريّة كلّها وطردها من رحمته، وحكم عليها بالشّقاء المؤبّد لمجرّد أنّ فردًا واحدًا منها تجرّأ على أكل تُفّاحة من حديقته ! «.
وثمّة ملاحظات أخرى وأخرى فقوله: ( لعلّه يمدّ يده ..) دليل على عدم تأكّد الله من أنّ آدم سيفعل ذلك أصلاً، لكنّه هذه المرّة لم يشأ أن يراهن كما فعل مع شجرة المعرفة؛ لذلك أخذ التّدابير والاحتياطات اللاّزمة لقطع الطّريق على آدم حتّى لا يصل إلى شجرة الخلد !، إنّ الله تعلّم درسًا في السّابق فلا يريد أن يُلدغ من جحر مرّتين، فطرد آدم من الجنّة حماية لمكتسباته لئلاّ يتطلّع إلى الأكل من شجرة الخلد في غفلة من الله – ! جلّ شأنه وتعالى عمّا يقولون – فيصبح آدم كالله تمامًا !
إنّ هذه الاستنتاجات نوردها إلزامًا فقط، وليس اعتقادًا منّا بها، والقارئ العاديّ لهذه الأسفار يشمّ رائحة كاتب يهوديّ عاجز عن تصوّر الذّات الإلهيّة بصفاتها العليا المنزّهة عن مشابهة الخلق، فتراه يصف ويصوّر الله كأنّه إنسان يحسد آدم، ويتحرّك بموجب غريزة التملّك والبقاء والسّيطرة ليحيك المؤامرات خشية على ذهاب عرشه ومصالحه الشّخصيّة المهدّدة بظهور منافس محتمل، وأتساءل: ما هي الحكمة من خلق شجرة الحياة هذه! هل لمجرّد استمتاع الله برؤيتها عند تجوّله في حديقته!؟
إنّ أهمّ أساس في الإيمان النّصرانيّ هو الخطيئة الأصليّة، وإنّ اعتقادًا كهذا يجرّنا إلى سلسلة طويلة من التّساؤلات، يقول سفر التّكوين: إنّ الحيّة هي التي أغوت المرأة والرّجل، فلماذا لم يكتف الله بمعاقبة الحيّة وقد كانت الرّأس المدبّر للجريمة والسّبب في جميع ذنوب بني آدم !؟
لماذا لم يتكلّم الأنبياء والرّسل الذين ذُكروا في التّوراة والعهد القديم عن هذه العقيدة "الخطيئة " !؟ لماذا لم يُشر إليها نوح، إبراهيم، إسحاق، يعقوب، داود .. بل حتّى موسى أعظم نبيّ في بني إسرائيل لم يُلمِّح إلى الخطيئة من قريب ولا من بعيد، كيف يمكن لأنبياء عظماء مثل هؤلاء أن يتجاهلوا هذه العقيدة؟ هل كانوا جاهلين بها؟ وهي أخطر عقيدة في الملكوت، هل كتموا خبرها عن النّاس وأبقوها سرًّا بينهم؟ لماذا لم يرفعوا أيديهم إلى السّماء ليدعوا ويتوسّلوا إلى الله ليرفعها عن الإنسانيّة؟ أتعرف لماذا لم يفعلوا ذلك؟ لأنّهم ببساطة لم يكونوا يؤمنون بوجود خطيئة ما، بل كانوا يؤمنون بقول الكتاب المقدّس (برُّ البارّ عليه يكون وشرّ الشرّير عليه يكون)( ).
ثمّ هل كان هؤلاء الأنبياء كنوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان .. أجداد المسيح خطاة ومدنّسين بالخطيئة الأصليّة التي ارتكبها أبوهم آدم؟ فإذا كانوا كذلك لماذا اختارهم الله لهداية البشر، وهم لا يختلفون عن غيرهم لكونهم منغمسين في الخطيئة كباقي أفراد جنسهم؟، لماذا كان "يهو" jeovah وهو الله في العهد القديم – راضيًا عن أنبيائه؛ فكان يدعو بعضهم بالرّجل البارّ، ورجل الله، والصّالح، يقول الكتاب المقدّس (كان نوح رجلاً بارًّا كاملاً في أجياله وسار نوح مع الله)( )، (وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأنّ الله أخذه)( )، بل إنّ العهد الجديد يجزم بأنّ أولئك الأنبياء الذين سبقوا المسيح كانوا كاملين في إيمانهم، ولم يكونوا خطاة، ولم تكن تنقصهم عقائد التّثليث والفداء والكفّارة، جاء في رسالة يعقوب في العهد الجديد (أنظر إلى أبينا إبراهيم أما برره الله بالأعمال، حين قدّم ابنه إسحاق على المذبح، فأنت ترى أنّ إيمانه وافق أعماله فصار إيمانه كاملاً بالأعمال، فتمّ قول الكتاب آمن إبراهيم بالله فبرّره الله لإيمانه ودُعي خليل الله)( ).
كيف وُفّق الأنبياء إلى فعل الخير وجميع الطّوائف النّصرانيّة ترى بموجب الخطيئة أنّ الله نزع من بني الإنسان إرادة فعل الخير، وإنّ ما يعمله الإنسان هو شرّ، وذلك رغم اعتراف المسيح بوجود أبرار على الأرض، فعندما لام أناس المسيح على دعوته الأشرار والخطاة، ردّ المسيح عليهم قائلاً: (لأنّي لم آت لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التّوبة)( ).
وأخيرًا لماذا كتم الله سرّ الخطيئة فلم يبده لعباده إلاّ بعد قصّة صلب المسيح، إنّ المدّة الزّمنيّة التي تفصل بين آدم والمسيح ليست بالقصيرة، فأين كان مفهوم الخطيئة خلال تلك القرون الطّويلة؟.
يقول عبد الأحد داود – رأس الكنيسة الكلدانية وقد أسلم – في كتابه (الإنجيل والصّليب): » إنّ من العجب أن يعتقد المسيحيّون أنّ هذا السرّ اللاّهوتيّ، وهو خطيئة آدم وغضب الله على الجنس البشريّ بسببها ظلّ مكتومًا عن كلّ الأنبياء السّابقين، ولم تكتشفه إلاّ الكنيسة بعد حادثة الصّلب« ويقرّر الكاتب أنّ هذه المسألة هي من المسائل التي حملته على ترك النّصرانيّة واعتناق الإسلام لأنّها أمرته بما لا يستسيغه عقله.
ومن أغرب العجائب أنّ أسفار العهد القديم لم تدع جزئيّة من الجزئيّات التّافهة كأعداد قبائل بني إسرائيل وأسمائهم، وطول وعرض ووزن الأشياء في أسفار اللاوين والتثنية والعدد، وأكاذيب زنا داود بحليلة جاره، وزواج سليمان بـ 1000 امرأة، وزنا لوط بابنتيه !.. كلّ هذه التّفاصيل سُردت في أكثر من 1200 صفحة بتفصيل مملّ، ومقزز يدعو للغثيان؛ في حين أنّ الخطيئة التي هي أهمّ عقائد النّصرانيّة على الإطلاق لا تجد لها مكانًا بين ذلك الرّكام لا تلميحًا ولا تصريحًا!
أليس هذا الأمر محيّرًا ؟ بلى.
أليس هذا الأمر غير معقول ؟، بلى.
إنّ أكثر التّحليلات العلميّة للدّيانة النّصرانيّة تُرجع منبت هذه العقائد المنحرفة عن العقل والدّين "كالخطيئة " إلى الجهود المشبوهة التي قام بها أعداء التّوحيد في تدمير الدّين وتحريفه، وعلى رأس أولئك جميعًا بولس "شاؤول " الذي يعتقد النّصارى أنّه رسول المسيح، لقد لعب بولس دورًا خطيرًا في الهدم من الدّاخل، كان يصعب – إنّ لم يكن من المستحيل – فعله من الخارج، ولقد كان ذكيًّا – بل خبيثًا – عندما لم يخترع ديانة جديدة من عنده، إنّما عمد إلى عقائد فاسدة كانت موجودة في أديان الوثنيّين " البوذيّة، البراهميّة، المتراسيّة، المصريّة القديمة، وفلسفة الإغريق والرّومان ..الخ " فأخذ من هنا وهناك أشياء كانت شائعة في ذلك الزّمان، ثمّ ألصقها بالدّيانة النّصرانيّة الجديدة في غفلة من أهل العلم، وقد تزامن ذلك مع حملة اليهود والرّومان الشّرسة على الحواريّين وتلاميذ المسيح، فضاع الحقّ وأخذ مكانه الباطل المزخرف، الذي دعّمته فيما بعد سلطة الدّولة الرّومانيّة لما تنصرت.
وبخصوص الخطيئة يذكر علماء تاريخ الأديان وجود فكرة الخطيئة في أكثر الأديان الوثنيّة التي سبقت النّصرانيّة، يقول م. ويليام في كتابه (الهندوسيّة): »يعتقد الهنود الوثنيّون بالخطيئة الأصليّة، وممّا يدلّ على ذلك ما جاء في تضرّعاتهم التي يتوسّلون بها بعد "الكياتري" وهي: إنّي مذنب، ومرتكب للخطيئة، وطبيعتي شرّيرة، وحملتني أمّي بالإثم، فخلّصني يا ذا العين الحندقوقيّة، يا مخلّص الخاطئين يا مزيل الآثام والذّنوب«، ويقول هوك في كتابه (رحلة هوك): »يعتقد الهنود الوثنيّون بتجسّد أحد الآلهة وتقديم نفسه ذبيحة فداء عن النّاس والخطيئة« ويقول »ومن الألقاب التي يُدعى بها كرشنا: الغافر من الخطايا، والمخلص من أفعى الموت«.
وختامًا فإنّ الإيمان بالخطيئة ولّد عند الإنسانيّة كثيرًا من الآلام، والعقد النّفسيّة، يحدّثنا عن بعضها، كاتب نصرانيّ ما يزال على نصرانيّته ألّف كتابًا بعنوان (محمّد الرّسالة والرّسول) أنصف فيه الإسلام ونبيّه وانتقد بشدّة فكرة الخطيئة والعقائد النّصرانيّة.
يقول الدّكتور نظمي لوقا: » وإنّ أنسى لا أنسى ما ركبني صغيرًا من الفزع والهول من جرّاء تلك الخطيئة الأولى، وما سيقت فيه من سياق مروّع، يقترن بوصف جهنّم، ذلك الوصف المثير لمخيّلة الأطفال، وكيف تتجدّد فيها الجلود كلّما أكلتها النّيران، جزاء وفاقًا على خطيئة آدم بإيعاز من حوّاء، وأنّه لولا النّجاة على يد المسيح الذي فدى البشر بدمه الطّهور، لكان مصير البشريّة كلّها الهلاك المبين، وإن أنسى لا أنسى القلق الذي ساورني وشغل خاطري عن ملايين البشر قبل المسيح أين هم؟ وما ذنبهم حتّى يهلكوا بغير فرصة للنّجاة ؟ فكان لا بدّ من عقيدة ترفع عن كاهل البشر هذه اللّعنة، وتطمئنهم إلى العدالة التي لا تأخذ البريء بالمجرم، أو تزر الولد بوزر الوالد، وتجعل للبشريّة كرامة مصونة، ويحسم القرآن( ) هذا الأمر، حيث يتعرّض لقصّة آدم، وما يُروى فيها من أكل الثّمرة؛ فيقول وعصى آدم ربَّه فغوى، ثمّ اجتباه ربُّه فتاب عليه وهدى طه 121 – 122… والحقُّ أنّه لا يمكن أن يقدِّر قيمة عقيدة خالية من الخطيئة الأولى الموروثة إلاّ من نشأ في ظلّ تلك الفكرة القاتمة التي تصبغ بصبغة الخجل والتأثّم كلّ أفعال المرء، فيمضي في حياته مضيّ المريب المتردّد، ولا يُقبِل عليها إقبال الواثق بسبب ما أنقض ظهره من الوزر الموروث.
إنّ تلك الفكرة القاسية – الخطيئة الأولى وفداءها – تُسمّم ينابيع الحياة كلّها، ورفعُها عن كاهل الإنسان منّة عظمى، بمثابة نفخ نسمة حياة جديدة فيه، بل هو ولادة جديدة حقًّا، وردٌّ اعتبار لا شكّ فيه، إنّه تمزيق صحيفة السّوابق، ووضع زمام كلّ إنسان بيد نفسه«.
قطعت جهيزة قول كلّ خطيب، يعجبني الإنصاف من أمثال الدّكتور نظمي لوقا، وهو المتبحّر في دراسة الإنجيل والكتب السّماويّة، وأين هو ممّن ادّعوا اعتناق النّصرانيّة في بعض البلاد الإسلاميّة – كبعض البربر مثلاً عندنا في الجزائر – الذين ناقشت بعضهم فوجدتهم لم يقرأوا شيئًا عن الإنجيل ولا يعرفون نصوص الكتاب المقدّس، وعند التّحقيق اكتشفت أنّ اعتناق النّصرانيّة عند أكثرهم – إن لم أقل كلّهم – كان مطيّة للحصول على تأشيرات سفر إلى أوروبا وأموال وامتيازات أخرى من جمعيّات وهيئات وسفارات غربيّة مشبوهة !!
اليهود يستحقون مكافأة:هاهاها لقد يسّر اليهود خلاص العالم ونفّذوا خطّة الله الأزليّة في صلب المسيح، فهل يا ترى كان الله راضيًا عنهم أم ناقمًا؟ لا شكّ أنّه لا بدّ من تقديم الشّكر لهم على هذه الخدمة الجليلة التي أسدوها للإنسانيّة، لكنّ النّصارى ينسون هذا الجميل ويُصرّون على لعن اليهود وتحميلهم جريمة اغتيال المسيح !؟
عجبًا للمسيح بين النّصارى
أسلموه إلى اليهود وقالوا
فإذا كان ما يقولون حقًّا
حين خلى ابنه رهين الأعادي
فلئن كان راضيًا بأذاهم
وإذا كان ساخطًا فاتركوه
وإلى أيّ والد نسبوه
إنّهم بعد قتله صلبوه
فسلوهم أين كان أبوه ؟
أتراهم أرضوه، أم أغضبوه !
فاشكروهم لأجل ما فعلوه
واعبدوهم لأنّهم غلبوه
أمّا نصوص الإنجيل فهي تنطق بالحقد والضّغينة واللّعنة على أولئك الذين أسلموا المسيح للموت؛ يقول المسيح: (ويل لذلك الرّجل الذي به يُسلم ابن الإنسان، كان خيرًا له لو لم يولد)( ).
أيّها المسيح أتدري أنّه لو لم يولد يهوذا الإسخريوطي الذي أسلمك لليهود من أجل ثلاثين من الفضّة، فمن يسلمك إذن للموت عنّا وعن خطايانا؟، أيّها المسيح أتدري ما معنى قولك عن يهوذا "الويل له"؟، لقد سهّل وصولك للصّليب لفدائنا، ألم يكن من المناسب شكره لفضله علينا؟ فإذا كان الخير ليهوذا ألاّ يولد، أليس من الخير أن يسلمك من أجلنا، فأيّ خير أفضل من الثّاني ! !؟، لماذا تحمل – أيّها المسيح – يهوذا الإسخريوطي كلّ هذا الوزر وهو "أداة خلاصنا"، هل يعقل أن يلعن المريض الدّواء المرّ، ويقول خيرًا له لو لم يخترع !؟، ثمّ ما معنى قولك لبيلاطس: (أمّا الذي أسلمني إليك فخطيئته أعظم من خطيئتك) ؟( ).
لم أعد – أيّها المسيح – أفهمك، فمرّة تريد أن تموت من أجلنا ثمّ تخطئ من يعين على موتك لأجلنا، كيف أوفّق بين الأمرين، رويدًا ارفق بعقلي، الذي يلهث وراء تساؤلاتي العديدة ولا يكاد يدركها.
أيّها المسيح، ألم يكن الله قادرًا على صلبك دون توريط اليهود والرّومان ويهوذا الإسخريوطي، الذي تلقّى العقاب بدل الإحسان من جانبك؛ إذ (إنّه وقع على رأسه وانشقّ من وسطه واندلقت أمعاؤه كلّها…)( )*.
لقد كلَّ عقلي عن مجاراة البحث في متاهات الكفّارة والفداء، وبدأت أشعر أنّ الموضوع يحتاج إلى مجلّد أو أكثر، وأعمل على اختصار بعض ما تبقّى من الملاحظات وليس كلّها.
إنّ الله تجسّد في المسيح، فأصبح المسيح أقنومًا من الأقانيم الثّلاثة التي تُدعى الثّالوث، وإن المسيح إله كامل وإنسان كامل… فعلى أيّ أقنوم من الثّالوث وقع الصّلب: على الأب، أم الابن أم الرّوح القدس!؟ سيقول النّصارى: إنّ الصّلب وقع على الأقنوم الثّاني وهو المسيح ابن الله، لكن الابن "المسيح" جزء من الثّالوث الذي لا ينفصل عن الأقنومين الآخرين، وبموت الأقنوم الثّاني يموت الجميع، أي يموت الثّالوث كلّه، وسيقول بعض النّصارى أنّ للمسيح طبيعتين لاهوتيّة وناسوتيّة، والصّلب وقع على الجانب النّاسوتيّ، وهذا الذي أريد الوصول إليه.
ما معنى الجانب النّاسوتيّ؟ فالمسيح كان إلهًا تامًّا وإنسانًا تامًّا، والصّلب وقع على المسيح باعتباره إنسانًا تامًّا، وكان من المفترض، حتّى لا ننسى، أن يكون الفادي إلهًا طاهرًا من الخطيئة الأصليّة، لكنّ الله فشل عندما صلب ناسوت المسيح "الإنسان التّامّ والكامل "، ويكمن وجه الفشل في كون هذا الإنسان مدنّسًا بالخطيئة؛ لأنّها انتقلت إليه من أمّه مريم، فيكون بذلك قد مات إنسان من أجل إنسان وهذا مرفوض، ولم يكن هناك داع للتجسّد فقتلت المسألة نفسها بنفسها، ونستنتج أنّ خطايانا للأسف لم ترفع، واللعنة باقية في أعناقنا، لأنّ الذي مات من أجلنا كان مخطئًا حسب الجسد مثلنا، وكنّا نأمل بموت الله الطّاهر، وليس الجسد، ناموس الله، الإنسان التّامّ المدنّس بالخطيئة كبقيّة أبناء جنسه، مما يعني أن المسيح مات عبثا.
ويقول بعضهم إنّ الله طهّر مريم من الخطيئة الأصليّة قبل إرسال المسيح إلى رحمها ! ولا دليل على هذا التّطهير، ثمّ لو كان الله قادرًا على تطهير بعض خلقه كما فعل مع مريم، بلا كفّارة ولا صلب ولا دم، فلماذا لم يفعل ذلك مع بقيّة البشريّة!؟
ونصيحتي لقساوسة النّصارى أن يعترفوا بأخطائهم، ويُذعنوا للحقّ بدل أن يتخبّطوا في الدّفاع والردّ بأيّ كلام، ممّا يجعل دفاعاتهم وردودهم تنقلب عليهم، وتكون حجّة أخرى على ضلالهم وتهرّبهم من سلطان العقل وقانون المنطق.
- أين ذهب المسيح بعدما صُلب؟
يجيبنا الإنجيل بجواب مذهل ومحيّر يدلّ على خبث بولس والمحرّفين لكلمة الله، يقول بولس: (المسيح افتدانا من لعنة النّاموس، إذ صار لعنة لأجلنا لأنّه مكتوب ملعون كلّ من عُلّق على خشبة)( ).
قال القسّ جواد بن ساباط: »كما أنّ المسيح مات لأجلنا ودفن، فلا بدّ أن يعتقد أنّه دخل جهنّم«، وزاد الرّاهب فيلبس كودانوس: »يسوع الذي تألّم لخلاصنا و هبط إلى الجحيم ثمّ في اليوم الثّالث قام من بين الأموات«.
ويذكر القساوسة استنادًا لرسالة بطرس في قوله: (الذي فيه أيضًا ذهب ليكرّز للأرواح التي في السّجن)( )، أنّ المسيح مكث في جهنّم ثلاثة أيّام، استغلّ فيها فرصة وجوده هناك ليدعو الذين ماتوا ودخلوا جهنّم ولم يكونوا قد آمنوا به ! !
ويقول القدّيس كريستوم: »لا ينكر نزول المسيح إلى الجحيم إلاّ الكافر«، فهل وصلت الجرأة بالنّصارى أن يؤمنوا بلعن المسيح "ربّهم ومخلصهم"، وإدخاله جهنّم إلى جوار فرعون والكفّار الآخرين!؟ نحن لا نؤمن بذلك، لأنّ المسيح من الصّالحين الذين وعدهم الله بالجنّة، وإذا كان الفادي المخلص ملعونًا فليت شعري كيف يقدر ملعون أن يفدي غيره من الملاعين !؟، وببساطة فإن بولس في هذه الآية يقول صراحة إنّ الله ملعون.
- من العادة أنّنا نقول عن الكريم إنّه كريم إذا قدّم أمواله وخدماته وضيافته للنّاس بمحض إرادته وعن طواعية، أمّا إذا أُخذ المال منه بالقوّة فهل يقال عنه كريم!؟ كذلك حتّى يقال عن صلب المسيح إنّه كان تضحية فلا بدّ أن يكون في موضع قوّة، لا أن يُجبر على التّضحيّة وهو راغب عنها؛ جاء في الإنجيل (لأنّه وإن كان صلب المسيح عن ضعف …)( )، فالذي يصلب عن ضعف أيحقّ أن يقال عنه بذل، وأعطى، وضحّى، لقد صلب المسيح وفق هذا النصّ الإنجيليّ حين ضعفه، رغم أنفه، فكيف يمكن التّوفيق بين الصّلب فداء والصّلب قسرًا !؟
- إذا كان الله يريد أن يخلّص البشريّة بكفّارة، فلماذا لم يبذل نفسه فدية، بتقديم الأقنوم الأوّل "الأب" إلى الصّلب بدلاً من إجبار الأقنوم الثّاني "الابن" على تلك الكفّارة التي رفضها، لقد كانت قضيّة الكفّارة محلّ اختلاف بين الأقنوم الأوّل والثاني، ممّا جعل الثّالوث في حيرة من أمره، فالأقنوم الأوّل "الأب" قاتل والأقنوم الثّاني "الابن" ضحيّة والأقنوم الثّالث "الرّوح القدس" أطرش في الزفّة !( ).
- إنّ المدّة الزّمنيّة بين آدم والمسيح ليست بالقصيرة، وقد عاش خلالها ملايين البشر على أقلّ تقدير، فأين كانت رحمة الله خلال تلك المرحلة الطّويلة، لماذا تركهم بلا فداء ولا خلاص، هل كانت هذه الفترة فترة حيرة بين العدل والرّحمة عند الله أم فترة تفكير في إيجاد مخرج للأزمة بينه وبين الإنسان!؟
- لقد رفع المسيح الخطيئة الحقيرة "الأكل من الشّجرة" فكيف بالأخطاء الأخطر والأعظم: كالإلحاد وسبّ الإله، والإشراك به وعدم التّصديق بوجوده، وقتل ابن الله… كيف تكفّر خطايا الزّندقة والهرطقة، وهي كما ترى أعظم بكثير من أكل ثمرة من شجرة ممنوعة، كيف تكفّر خطايا الزنا، والشّذوذ والاغتصاب والقتل والاختلاس والاستعمار والإمبريالية والعنصريّة، التي يضرب نصارى الغرب بها الرّقم القياسيّ !؟
- إذا كانت هذه الخطايا كلّها قد غفرت بموت المسيح على الصّليب فما فائدة المعموديّة، وسرّ الاعتراف للقسّ بالآثام والأخطاء، وما فائدة صلاة النّصارى إلى اليوم في كلّ مجلس " أبانا الذي في السّماء … اغفر لنا ذنوبنا " ؟.
- ألم يكن من الأفضل والأعقل والأقرب إلى الأفهام أن يقول الله – والله محبّة – إلى عباده: اذهبوا فقد غفرت لكم على نحو ما جاء في القرآن: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم الزّمر 53.
لقد رفع الله – بزعم النّصارى – الخطيئة عن البشريّة بصلب المسيح، والحقّ أنّه أوقعها في خطيئة أعظم، فالدّعوة للإيمان بالخطيئة الأصليّة، خطيئة في حدّ ذاتها لا تقلّ ضررًا عن سابقتها، وجعل الإيمان بموت المسيح أو الله أو أحد أجزائه، كفّارة عن تلك الخطيئة الأسطوريّة، خطيئة أخرى تحتاج إلى كفّارة أعظم!!.افأة من صلب يسوع:هاهاها
مصلوب غصبا عنه: نعود مرّة أخرى للسّاعات الأخيرة للمسيح على الأرض، لقد صوّرت الأناجيل المسيح المخلّص بصفات مزرية، وهي لا تشرّفه، بل هي عارٌ وعيب في حقّ المجاهدين والأبطال، الذين يصلّون ويدعون الله أن ينالوا الشّهادة في سبيله، وكم من مسلم يتمنّى الشّهادة، وعندما يلقاها يحسده عليها المخلصون من أصحابه ويتمنّون لو كانوا مكانه، أمّا المسيح هنا فهو يبكي كالمرأة الضّعيفة، ويدعو ويصلّي حتّى ينقذه الله من أيدي اليهود، أي منطق هذا؟ لماذا يصرّ الله على تعذيب المسيح بتخويفه وإرهابه، ألا يقدر الله على إرسال رجل !؟ ألم يكن قادرًا على فداء النّاس بفاد أكثر عزيمة وأقوى شكيمة بدل هذا الجبان البكّاء( ).
ويعلّق أحمد ديدات على هذا الوضع المؤسف للمسيح إزاء الكفّارة في الكتاب السّابق تحت عنوان "مضحٍّ على الرّغم منه ": » لو كانت تلك هي خطّة الله في التّكفير عن خطايا البشر "موت المسيح" فإنّ الله – وحاشا لله – يكون – وفق النّصارى – قد تنكب الصّواب، إنّ الممثّل الشّخصيّ للّه كان حريصًا على ألاّ يموت، فهو يصرخ ! يتباكى ! يعرق !يجأر بالشّكوى !على النّقيض من أشخاص مثل القائد الإنجليزيّ لورد نلسون، بطل الحرب الذي قال لشبح الموت – فيما يروي -: "شكرًا لله، لقد أديّت واجبي" .. لقد كان يسوع – كما يصوّره النّصارى – ضحيّة راغبة عن التّضحية، ولو كانت تلك هي خطة الله أو مشيئته من أجل الخلاص، فإنّها إذن خطّة أو مشيئة لا قلب لها، كانت عمليّة اغتيال بالدّرجة الأولى، ولم تكن خلاصًا قائمًا على أساس من تضحية تطوّعيّة«.
ومن محاولات المسيح كذلك للنّجاة من الموت أنّه حاول الهرب من أيدي أعدائه، ومغادرة المكان الذي حاصره فيه اليهود ليلة القبض عليه إذ يذكر عن المسيح قوله: ( قوموا ننصرف اقترب الذي يسلّمني)( ).
ولمّا رأى المسيح أنّ قوى اليهود كانت أكبر ممّا توقّع أعرض عن فكرة المقاومة، وطلب من تلاميذه مغادرة المكان، لكنّ اليهود باغتوهم في آخر لحظة، وحدثت مناوشات (وكان سمعان بطرس يحمل سيفًا، فاستلّه وضرب خادم رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى …)( )، والسّؤال المطروح لماذا أحضر المسيح معه تلاميذه الأحد عشر إلى البستان فلقد كان عازمًا على الاستسلام، فلماذا لم يذهب وحده !! ؟
نعود إلى صراخ المسيح في تلك اللّيلة الرّهيبة، وإلى تضرّعاته وصلواته حتّى يصرف الله عنه تلك السّاعة العصيبة، يقول لوقا على لسان المسيح: (قال يا أبي، إن شئت فأبعد عنّي هذه الكأس! ولكن لتكن إرادتك لا إرادتي، وظهر له ملاك من السّماء يقوّيه)( )، فما هو دور هذا الملاك الذي ظهر فجأة ليقوّي المسيح، وبماذا يقوّيه ولماذا؟، هل يحتاج الإله المتجسّد إلى دعم من ملاك مخلوق، أم أنّ هذا الملاك جاء لإقناع المسيح بنبل عمله البطوليّ، وتذكيره بواجبه!؟
نحن لا نفهم هذه الآية بهذه الطّريقة، لقد كان المسيح نبيًّا من الأنبياء، دعا الله في حالة الشدّة، فأرسل الله إليه ملاكًا يرشده إلى الصّبر ويعدّه بالنّصر، ويبشّره بالنّجاة من الموت، وقد نجّاه لتقواه ولكونه من عباد الله الصّالحين؛ قال تعالى: كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ الله قويّ عزيز المجادلة 21، وجاء هذا المعنى بشكل واضح في رسالة بولس للعبرانيّين، الذي ذكر أنّ الله سمع للمسيح دعاءه وأنقذه في ساعة المحنة لتقواه، قال بولس: (وهو الذي في أيّام حياته البشريّة رفع الصّلوات والتضرّعات بصراخ شديد، ودموع إلى الله القادر أن يخلّصه من الموت، فاستجاب له لتقواه)( )، وهذا دليل آخر على نجاة المسيح من الصّلب، وأنّه لم يأت للانتحار بسبب تفّاحة أكلت قبل آلاف السّنين، قال الله تعالى وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم، وإنّ الذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه، ما لهم به من علم إلاّ إتباع الظنّ وما قتلوه يقينًا، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا النّساء 157 – 158.
ورنّم داود في المزامير: ( الآن عرفت أنّ الربّ مخلص مسيحه يستجيب له من سماء قدسه بجبروته خلاص يمينه )( ).
وبعد اعتقال المسيح، قُدّم للمحاكمة في عدّة مجالس عند اليهود والرّومان، ويتناقض روّاة الأناجيل الأربعة تناقضًا خطيرًا في وصف المحاكمات، فبينما يعمل متّى على إبراز المسيح في تلك المحاكمات كنعجة مستسلمة، وخروف وديع، لا يدافع عن نفسه، ولا يُعارض أعداءه اليهود فيما ينسبونه إليه من زوّر و بهتان، ولا ينبس ببنت شفة، حين يُضرب ويُجلد، ويصدر عليه حكم الإعدام، استنادًا لبشارة إشعياء (و لم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذّبح وكنعجة صامتة أمام جازريها فلم يفتح فاه)( )، قال متّى: (وكان رؤساء الكهنة والشّيوخ يتّهمونه، فلا يجيب بشيء، فقال بيلاطس أما تسمع ما يشهدون به عليك؟ فما أجابه يسوع عن شيء، حتّى تعجّب الحاكم كثيرًا)( ).
ويفاجئنا مرقس ولوقا ويوحنّا برواية تفاصيل أخرى، مخالفة لرواية متّى، فجعلوا المسيح يدافع عن نفسه ببراعة فائقة؛ قال مرقس: (فقام رئيس الكهنة في وسط المجلس وسأل يسوع: أما تجيب بشيء؟ ما هذا الذي يشهدون به عليك؟ فظلّ ساكتًا لا يقول كلمة، فسأله رئيس الكهنة أيضًا، وقال له أأنت المسيح ابن المبارك؟، فقال يسوع أنا هو، وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوّة وآتيا في سحاب السّماء)( )، وقال لوقا عن أحداث المحاكمة: (وقالوا له إن كنت المسيح، فقل لنا، فأجابهم إن قلت لكم لا تصدّقون، وإن سألتكم لا تجيبون ولا تخلون سبيلي، لكنّ ابن الإنسان سيجلس بعد اليوم عن يمين الله، فقالوا كلّهم أأنت ابن الله !؟ فأجابهم: أنتم تقولون إنّي أنا هو، فقالوا أنحتاج بعد إلى شهود؟ ونحن بأنفسنا سمعنا كلامه من فمه)( ).
فاليهود يرفضون الحقّ مهما كان جواب المسيح، لذا لا فائدة من أن يجيب المسيح الذي يعرف موقف اليهود منه مسبقًا، ولم يخف اعتقاده بتعصّبهم ضدّه وحرصهم على إيذائه، أمّا يوحنّا فهو يقدّم تفاصيل أكثر إثارة في دفاع المسيح عن نفسه في أثناء المحاكمات، ويستحقّ المسيح أن يصنّف في سلك المحامين البارزين لو كان في عصرنا.
وتأمّل معي هذا النصّ بكامله: (وسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وتعليمه، فأجابه يسوع: كلمتُ الناس علانية وعلّمت دائمًا في المجامع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود كلّهم، وما قلت شيئًا واحدًا في الخفية، فلماذا تسألني؟ إسأل الذين سمعوني عمّا كلّمتهم به، فهم يعرفون ما قلت، فلما قال يسوع هذا الكلام، لطمه واحدٌ من الحرس كان بجانبه وقال له: أهكذا تجيب رئيس الكهنة؟ فأجابه يسوع: إن كنتُ أخطأت في الكلام، فقل لي أين الخطأ؟ وإن كنت أصبت، فلماذا تضربني ؟)( ).
لقد فتح المسيح فاه مرات ومرات ودافع عن نفسه بجدارة فبطلت نبوة اشعياء وبطل استشهاد متى بها.
إنّ دفاع المسيح عن نفسه في هذا النصّ يعصف بادّعاءات متّى وإشعياء، فيما إذا كان المسيح فتح فاه أو لا، ودافع عن نفسه أم بقي ساكتًا !، ألم يطّلع متّى على تلك الكلمات، أم أنّها وردت من المسيح كتابيًّا، وليس شفهيًّا ليقال إنّه لم يفتح فاه !؟
ولنتأمّل حجج المسيح في دفاعه عن نفسه، إنّه يخبر رئيس الكهنة بأنّه ليس عنده ما يخيفه، لأنّ دعوته واضحة ومعلنة، فهو يدعو النّاس للعمل بالنّاموس وعبادة الله لا شريك له، فأيّ محاولة لإيذائه ستكون بلا ريب محاربة للدّين وعدوانًا على الله، وعندما لطمه ذلك الجنديّ دافع المسيح عن ذاته ورفض أن يُضرب من غير ذنب، وإذا كان المسيح يعلم أنّه سيموت ويعدم، فما فائدة العناء في الردّ على لطمة جنديّ؟.
إنّ المسيح رجل يحبّ الحياة، كما نحبّها، وتأخذه الغيرة على نفسه ويتأثّر نفسيًّا ووجدانيًّا للطمة فضلاً عن صلب وإعدام، ولا غرابة في ذلك لمن علم أنّ المسيح رجل أرسله الله لهداية البشريّة يصيبه ما يصيب النّاس، ويتألّم كما يتألّم النّاس، وليس إلهًا يتلقّى اللكلمات واللّطمات من جنديّ حقير.
وفي مشهد آخر داخل محكمة أخرى لدى بيلاطس، فتح المسيح فاه مرّات ومرّات مدافعًا عن حقّه في الحياة، واعتبر نفسه بريئًا من كلّ تهمة ألصقت به (فعاد بيلاطس إلى قصر الحاكم ودعا يسوع وقال له: أأنت ملك اليهود؟ فأجابه يسوع: هذا من عندك، أم قاله لك آخرون، فقال بيلاطس: أيهوديّ أنا !؟ شعبك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ فماذا فعلت؟ أجابه يسوع ما مملكتي من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم، لدافع عنّي أتباعي حتّى لا أسلَّم إلى اليهود، لا، ما مملكتي من هنا، فقال بيلاطس: أملِك أنت، إذن؟ أجابه يسوع: أنت تقول إنّي ملك، أنا وُلدت وجئت إلى العالم حتّى أشهد للحقّ، فمن كان من أبناء الحقّ يستمع إلى صوتي، فقال له بيلاطس: ما هو الحقّ؟، قال هذا وخرج ثانية إلى اليهود وقال لهم: لا أجد سببًا للحكم عليه)( ).
وعلى الرّغم أنّ اليهود ورؤساءهم اتّهموا المسيح بتهم سياسيّة باطلة وأحضروا شهود زور، وأوغروا صدر بيلاطس عليه، وورّطوه بتهم تتعلّق بأمن الدّولة، مثل ادّعائه الملك على اليهود، ومحاولته التمرّد على السّلطة الرّومانيّة، والثّورة على الأوضاع في فلسطين، وهي تُهم يعاقب بها السّلاطين والملوك عادة بالإعدام أو السّجن المؤبّد على الأقلّ، إلاّ أنّنا نرى بيلاطس ينصت إلى دفاع المتّهم، وينظر في حججه فيقتنع مرّة بعد مرّة ببراءته، حتّى إنّه رفض بشدّة صلب المسيح (ها أنا أخرجه إليكم لتعرفوا أنّي ما وجدت شيئًا للحكم عليه)( )، وإضافة إلى تلك التّهم الخطيرة زادوا عليها تهمًا دينيّة كادّعاء المسيح الألوهيّة أو بنوّة الله، أو التّجديف على الله .. إلخ، ولكنّ المسيح أقنع بيلاطس مرّة تلو أخرى ببراءته من تلك الاتّهامات الملفّقة، فقال بيلاطس: (أي شرّ فعل هذا الرّجل لا أجد عليه ما يستوجب الموت فسأجلده وأخلي سبيله)( )، لكنّ اليهود رفضوا، وأبوا إلاّ أن يصلب (فلمّا رأى بيلاطس أنّه ما استفاد شيئًا، بل اشتدّ الاضطراب أخذ ماءً و غسل يديه أمام الجموع وقال: أنا بريء من دم هذا الرّجل الصّالح !دبّروا أنتم أمره)( ).
لو كان المسيح ساكنًا صامتًا مغلق الفم، فهل تراه يقنع سكوته بيلاطس! لقد دافع المسيح عن نفسه وردّ التّهم جميعها، ممّا جعل بيلاطس يقتنع تمام الاقتناع بصلاحه، وكونه ضحيّة لليهود، فحاول إنقاذه عدّة مرّات، ولو كان المسيح يريد حقيقة الموت على يد بيلاطس بإيعاز من اليهود، فلماذا لم يسكت في تلك المحاكمات، ولماذا يدافع ويتكلّم، ولماذا لم يقرّ بالتّهم فيريح ويستريح!؟
لماذا لم يقلها مدويّة لبيلاطس، 'نعم أنا ملك اليهود جئت لأخلّص الشّعب الإسرائيليّ من اضطهاد الرّومان، نحن لا نريدكم في بلادنا، عودوا من حيث جئتم أيّها الرّومان الكفّار المستعمرون'، فحينها سيأمر بيلاطس بإحضار المقصلة ليرى رأس المسيح يطير في الهواء بلا انتظار ولا تضييع وقت، لكنّ المسيح أخفى تلك التّهم، التي كان بعضها صحيحًا – في زعم الأناجيل –( ) ويستمرّ في إصراره على لعب لعبة "السّارق والشّرطيّ ".
لقد بدأت أشعر أنّ الحديث عن الكفّارة طال عمّا توقّعته وما يزال في جعبتي الكثير، لكن سأعمل على اختصار ما تبقّى، وأنتقل مباشرة إلى يوم "الجمعة الحزين"، وإلى المسيح وهو على الصّليب، في تلك اللّحظات المثيرة، في آخر السّاعات بل الدّقائق بل الثّواني يتلفّظ المسيح بكلمات قليلة أثبت فيها أنّه ضحيّة مؤامرة شارك فيها الثّالوث 'الله واليهود والرّومان' وليس للمسيح فيها ناقة ولا جمل.
كلمات عصفت بالخطيئة والكفّارة والفداء والتجسّد.
كلمات كشفت أدران القساوسة.
كلمات فضحت تعاليم الإنجيل والكنيسة.
فما هي تلك الكلمات؟
قال متّى: (وعند الظّهر خيّم على الأرض كلّها ظلام حتّى السّاعة الثّالثة، ونحو السّاعة الثّالثة صرخ يسوع بصوت عظيم: إيلي، إيلي لماذا شبقتني؟ أي إلهي، إلهي لماذا تركتني؟)( )، في حزن وكآبة وضجر يصرخ المسيح بصوت عظيم قائلاً لماذا تركتني !؟
إلهي لماذا تركتني أموت !؟
لماذا تركتني أقتل على يد اليهود، أنا الذي لم أعمل خطيئة !؟
لماذا تركتني لهذا المصير، وتلك النّهاية!؟
لماذا تركتني وحدي أتعذّب وأتألّم، أنا الذي مجّدتك !؟
لماذا تركتني، أنا ابنك الوحيد، فأين رحمتك بابنك !؟
لماذا تركتني أصلب بغير ذنب ارتكبته !؟
لماذا تركتني أُقتل، لا أريد أن أموت من أجل أحد ولا كفّارةً
عن أحد.
أريد أن أعيش، أريد أن أعيش …
"إلهي لماذا تركتني" كلمات تتحدّث بنفسها عن نفسها لتخبرنا بأنّ "صلب المسيح كفّارة عن خطيئة البشريّة" أكبر أكذوبة في التّاريخ، وأخطر خرافة أضلّت الملايين من البشر بدل إنقاذهم من الشرّ.
(وعند الظّهر خيّم على الأرض كلّها ظلام حتّى السّاعة الثّالثة)( )، ثمّ (انشق حجاب الهيكل شطرين من أعلى إلى أسفل، وتزلزلت الأرض وتشقّقت الصّخور وانفتحت القبور، فقامت أجساد كثير من القدّيسين الرّاقدين، وبعد قيامة يسوع، خرجوا من القبور ودخلوا إلى المدينة المقدّسة وظهروا لكثير من النّاس)( )، لقد ختمت الظّلمة وانشقاق الهيكل والزّلزال… مشهد الصّلب وكأنّ هذه الأحداث المريعة جاءت لتعبّر عن فرحة وسرور ورضى الله بموت ابنه الوحيد، وتُعدّ الفرحة الغامرة بالزّلازل والظّلمة وانشقاق الصّخور، بدل تفتح الورود وزقزقة العصافير، ونسيم فجر جديد .. سابقة في عالم السّرور والرّضى! و راح التّلاميذ والنّساء يعبّرون عن فرحتهم بإنقاذ البشريّة بتلك السّابقة على غرار فرحة ربّهم ! يقول الكتاب المقدّس: (وتبعه جمهور كبير من الشّعب ومن نساء كنّ يلطمن صدورهنّ وينحن عليه)( )، (وبعدما قام يسوع في صباح الأحد، ظهر أوّلاً لمريم المجدليّة( ) التي أخرج منها سبعة شياطين، فذهبت وأخبرت تلاميذه وكانوا ينوحون ويبكون)( )، ويبدو أنّ النّساء والتّلاميذ لم يكونوا قد علموا بضرورة موت المسيح، وقتل المسيح على يد الرّومان بإيعاز من اليهود، هؤلاء الذين يحار المرء أين يضعهم، في زمرة القتلة والمجرمين والكفّار الطّالحين، لصلبهم المسيح ظلمًا وعدوانًا أم في زمرة المتّقين الصّالحين لتنفيذهم أمر الله ومراده
ويدعون اسمه عمانوئيل» (الذي تفسيره: الله معنا)
فى هذا المفتاح سنجد نقطتين رئيسيتين احدهما ( يدعون أسمه او تدعو أسمه ) و بالطبع هناك فرق بين ما قاله كاتب متى و ما قاله أشعياء خيث ان متى يقرر انهم سيدعون أسمه مما يشير الى انه سوف يكون معروف بين الناس بهذا الاسم اما اشعياء فيقرر أن أم الطقل سوف تدعوه و قد اوضحنا الفرق بين النص المازورى و نص قمران فى اول البحث و ليس هناك داعى لإعادته مره اخرى .
و الآن دعونا نسئل سؤال مهم :
هل دعى يسوع عمانوئيل ؟ او دعته أمه عمانوئيل ؟
افضل الاجابات نحصل عليها بالطبع من كتاب اهل الكتاب :
متى 1: 16 ( ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح )
متى 1: 21 (فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لانه يخلّص شعبه من خطاياهم )
متى 1: 25 (ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع )
لوقا 1: 31 (وها انت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع )
G2424
Ἰησοῦς
Iēsous
ee-ay-sooce'
Of Hebrew origin [H3091]; Jesus (that is, Jehoshua), the name of our Lord and two (three) other Israelites: - Jesus.
H3091
יהושׁע יהושׁוּע
yehôshûa‛ yehôshûa‛
yeh-ho-shoo'-ah, yeh-ho-shoo'-ah
From H3068 and H3467; Jehovah-saved; Jehoshua (that is, Joshua), the Jewish leader: - Jehoshua, Jehoshuah, Joshua. Compare H1954, H3442.
اذا الاجابة هى أن يسوع لم يطلق عليه عمانوئيل و لم تسمه أمه عمانوئيل .
و اسم عمانوئيل ذكر ثلاث مرات فقط فى الكتاب فى متى 1: 23 و هو النص موضع البحث و فى النبؤه المزعومه فى اشعياء 7: 14 اما الثالثه فهى :
اشعياء 8: 8 ( ويندفق الى يهوذا. يفيض ويعبر . يبلغ العنق ويكون بسط جناحيه ملء عرض بلادك يا عمانوئيل )
و هذة سوف تناقش باستفاضه فى ادلة الالوهيه من العهد القديم . اذا يسوع لم يدعى عمانوئيل ابدا فى الكتاب بعهديه و لكن دعى يسوع و دعى المسيح كما سبق.
اما النقطة الثانية فى هذا المفتاح هى:
أن اهل الكتاب يعتقدون انه بما ان النبؤه قالت عمانوئيل اى الله معنا اذا المولود هو الله
و نحن نرد عليهم بأنه سيترتب على ذلك أن يكون :
اشعياء و هو صاحب النبؤه الذى معنى اسمه ( الله يخلص ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و صاموئيل و الذى معنى اسمه ( اسم الله ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و غمالائيل هو رجل فريسى و معنى اسمه ( مكافاءة الله ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و شالتئيل و هو فى نسب المسيح الذى معنى اسمه ( سالته من الله ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و مهللئيل و قد ذكر فى نسب المسيح و معنى اسمه ( حمد لله ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و يوئيل و هو ابن فنؤئل النبى الذى معنى اسمه ( الرب هو الله ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و ايليا النبى الذى معنى اسمه ( الرب هو الله ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و اليشع النبى بعد ايليا الذى معنى اسمه ( الله خلاصى ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و الياقيم الملك الذى معنى اسمه ( الله يقيم ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و اليعاذر الذى اقامه المسيح من الاموات الذى معنى اسمه ( الله اعان ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و اليود الذى اتى فى نسب المسيح و الذى معناه ( الله جلال ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و يورام الذى هو فى سلسلة نسب المسيح و معنى اسمه ( الرب مرتفع ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و يوريم ابو اليعازر و هو فى سلسلة نسب المسيح و معنى اسمه ( يهوه عالى ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و بارباس القاتل الذى اطلق بدل يسوع الذى معنى اسمه ( ابن الاب او ابن المعلم ) يكون اسمه دليل على انه الله .
وثوداس و هو اسم يونانى اصله العبرى ثيودروس و هو الذى قاد حركة تمرد فاشله ضد الحكم الرومانى و الذى معنى اسمه ( عطية الله ) يكون اسمه دليل على انه الله
و حنان حما قيافا رئيس الكهنه الذى معنى اسمه ( الله تحنن ) و كذلك حنانيا يكون اسمائهم دليل على انهم الله .
و زبدى ابو يعقوب الذى معنى اسمه ( الله اعطى ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و سمعان تلميذ المسيح و هو سمعان بطرس و الذى معنى اسمه ( الله سمع ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و شمعى ايضا الذى فى نسب المسيح و اسمه يعنى ( الرب يسمع ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و يكينيا الذى ذكر فى نسب يسوع و معنى اسمه ( الله يثبت ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و يوشيا الذى ذكر فى نسب المسيح و معنى اسمه ( الرب يشفى ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و يهوشافاط ملك يهوذا الذى معنى اسمه ( الله يقضى ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و عزيا وهو احد ملوك يهوذا و مذكور فى نسب المسيح و اصل اسمه فى العبريه عزى و معناه ( الله قوه ) هو الله .
و يوثام الذى هو فى نسب المسيح و معنى اسمه ( الرب كامل) يكون اسمه دليل على انه الله .
و ماتثيا و هو ابن عموص والد يوسف ذكر فى نسب المسيح و معنى اسمه ( عطية يهوا ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و متى الذى يفترض انه كاتب انجيل متى و الذى يعنى ايضا ( عطية يهوا ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و يوحنا الذى يفترض انه كاتب انجيل يوحنا و التلميذ المفضل الذى يتكاء على صدر المسيح و معنى اسمه ( الله حنان ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و شاول ايضا الذى هو بولس الذى معنى اسمه ( الذى سئل من الله ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و يوسف ابن يعقوب الذى معنى اسمه ( الرب يزيد ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و ملكى و هو فى نسب المسيح و معنى اسمه ( يهوا ملك ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و ملكى صادق الذى ليس له بداية ايام و لا نهاية ايام و لا يعرف له ام و لا اب و معنى اسمه ( يهوا ملك البر ) و هذا اسمه يصلح دليل اقوى من عمانوئيل .
و اوريا الحثى الذى زنى داود بزوجته بثشبع كما يقول الكتاب و الذى معنى اسمه ( لهيب يهوا او يهوا نورى ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و زكريا ابو يوحنا المعمدان الذى معنى اسمه ( الرب يذكر ) يكون اسمه دليل على انه الله .
و يونا زوجة خوزى التى كانت تخدم يسوع و اصل الاسم العبرى هو يوحانان و معناه ( الله حنون ) يكون اسمها ايضا دليل على انها الله .
و حتى اليصابات زوجة زكريا و ام يوحنا المعمدان و هذة صيغة اسمها اليونانى الذى اصله العبرى ( اليشابع ) الذى معناه( الله يقسم) يكون اسمها دليل على انها الله
و إذا لم ترتضوا ذلك فأعتقد ان الامر اصبح جليا و واضح وضوح الشمس لكل ذى عقل يفكر و لا يتبع الهوى فى البحث عن الحقيقيه و البحث عن الله الواحد الاحد الفرد الصمد الذى لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا احد فهذا هو المفتاح الثالث فى النبؤه قد انهار تماما فلا يسوع دعى عمانوئيل و لا أمه دعته كذلك و حتى لو دعى كذلك فكل هؤلاء تكون اسماؤهم دليل الوهيتهم .
و هكذا انهارات المفاتيح الثلاثه للنبؤه فالعذراء لم تكن عذراء بل فتاة شابة و السيد لم يعطى نفسه ايه و لكنه اعطى بنفسه اية و الآيه ما كانت إلا علامه
و عمانوئيل اسم إسرائيلى ككل الاسماء السابق ذكرها و التى تتكون من مقطعين احدهم المقطع إيل اى إله .
و لم يبقى الا ان نعرف سياق النبؤه كامله لنعرف من هو عمانوئيل و بمن يتنبأ اشعياء و اقراء معى :
اشعياء 7: 1- 16 ( وحدث في ايام آحاز بن يوثام بن عزيا ملك يهوذا ان رصين ملك ارام صعد مع فقح بن رمليا ملك اسرائيل الى اورشليم لمحاربتها فلم يقدر ان يحاربها.2 وأخبر بيت داود وقيل له قد حلت ارام في افرايم . فرجف قلبه وقلوب شعبه كرجفان شجر الوعر قدام الريح .3 فقال الرب لاشعياء اخرج لملاقاة آحاز انت وشآرياشوب ابنك الى طرف قناة البركة العليا الى سكة حقل القصّار4 وقل له.احترز واهدأ.لا تخف ولا يضعف قلبك من اجل ذنبي هاتين الشعلتين المدخنتين بحمو غضب رصين وارام وابن رمليا.5 لان ارام تآمرت عليك بشر مع افرايم وابن رمليا قائلة6 نصعد على يهوذا ونقوّضها ونستفتحها لانفسنا ونملّك في وسطها ملكا ابن طبئيل .7 هكذا يقول السيد الرب لا تقوم لا تكون .8 لان راس ارام دمشق وراس دمشق رصين وفي مدة خمس وستين سنة ينكسر افرايم حتى لا يكون شعبا.9 وراس افرايم السامرة وراس السامرة ابن رمليا . ان لم تؤمنوا فلا تأمنوا10 ثم عاد الرب فكلم آحاز قائلا11 اطلب لنفسك آية من الرب الهك . عمق طلبك او رفّعه الى فوق .12 فقال آحاز لا اطلب ولا اجرب الرب.13 فقال اسمعوا يا بيت داود هل هو قليل عليكم ان تضجروا الناس حتى تضجروا الهي ايضا.14 ولكن يعطيكم السيد نفسه آية.ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل.15زبدا عسلا ياكل متى عرف ان يرفض الشر ويختار الخير .16 لانه قبل ان يعرف الصبي ان يرفض الشر ويختار الخير تخلى الارض التي انت خاش من ملكيها )
ها هى النبؤه فى سياقها ببساطه و بدون اهواء :
احاز ملك يهوذا كان يحارب ملكين هما راصين ملك ارام و فقح بن رمليا ملك اسرائيل و كان خائفا فبعث الرب له اشعياء و قال له ان لا يخاف من هذين الملكين و انه فى مدة خمس و ستين سنه ينكسر افرايم اى فقح بن رمليا ثم بعد ذلك عاد و كلم احاز و لاحظ كلمة عاد اى انه نفس فحوى الكلام الذى كلمه اشعياء اعاده الرب بصوره اخرى فقال له الإله اطلب لنفسك علامه او ايه و احاز رفض ان يطلب و لكن الهه اعطاه علامه للنصر و هى ان امرأه شابه سوف تنجب إبنا و سوف تدعوا اسمه عمانوئيل و هنا لاحظ انها هى من تدعوه عمانوئيل على عكس متى الذى يقول ( و يدعى او يدعون ) و لانها علامة نجاه للملك احاز فقد كان الاسم متميزا و يعنى الله معنا كما قال متى و تلاحظ ان تفسير الاسم غير موجود فى اشعياء لاننا كما ذكرنا هذة الاسماء معتاده
و لكن تميز الاسم فى انه علامة نصر فكان يجب ان يكون الله معنا و هذا الطفل يأكل زبدا و عسلا فهل اكل يسوع زبدا و عسلا ؟ و الاكثر من ذلك قبل ان يعرف ان يختار الشر و يختار الخير فهل يسوع كان مخيرا فى فعل الشر ام كان بدون خطيئه كما يقولون ؟ أم كان إله ظاهر فى الجسد غير قابل للخطأ ؟
و هنا يبشر الرب الاله الملك احاز انه قبل ان يعرف هذا الولد الذى دعته امه عمانوئيل ان يختار الشر و يختار الخير بانه سوف يدخل ارض الملكين الذين يحاربهم .
(" اى ان خلاصة النبوءة أن ملك مملكة أرام تحالف مع ملك مملكة إسرائيل لمحاربة ملك مملكة يهوذا فأراد الله أن يطمئن ملك يهوذا بأنه سوف يهلك هاتين المملكتين فى غضون خمسة وستين سنة ، وأعطاه علامة بأن طفلا يدعى عمانوئيل سوف يولد وقد حدثت النبوءة وتحققت النبوءة وجاء عمانوئيل (إشعياء 8:8) و هكذا تفسرالنبوءة فى سياقها التاريخى حتى تكون ذات معنى ")
فبالله عليك اين يسوع و اين النبؤه به و هل انتظر الملك احاز ان يولد يسوع الذى لم يدعى عمانوئيل اصلا فى يوم من الايام حتى يتغلب على الملكين ام ان يسوع جاء بعده بخمس و ستين سنه التى ينكسر فيها فقح بن رمليا كما اخبر اشعياء فى النبؤة ؟
و هذا هو التفسير التطبيقى للكتاب يؤكد أن النبؤة تحققت على أحاز و لكنه يقترح تحقق النبؤة مرتين :
التفسير التطبيقى :
Isa 7:14 -
ملاحظات:
إش 7 : 4 - 8 : 15
تنبأ إشعياء عن فك التحالف بين إسرائيل وأرام (7: 4-9). وبسبب هذا التحالف ستدمر، وستكون أشور الأداة التي يستخدمها الله لتدميرهم (7: 8-25) ولعقاب يهوذا، ولكن الله لن يسمح لأشور بتدمير يهوذا (8: 1-15) بل ستنجو يهوذا لأن خطط الله الرحيمة لا يمكن أن تحبط.
إش 7 : 14-16
جاءت كلمة " عذراء" ترجمة لكلمة عبرية تستخدم للدلالة على امرأة غير متزوجة، لكنها بلغت سن الزواج، أي أنها ناضجة جنسيا (ارجع إلى تك 24: 43 ؛ خر 2: 8 ؛ مز 68: 25 ؛ أم 30: 19 ؛ نش 1: 3 ؛ 6: 8). ويجمع البعض بين هذه العذراء وامرأة إشعياء وابنها الحديث الولادة (8: 1-4). ولكن هذا غير محتمل إذ كان لها ابن اسمه شآريشوب، كما لم يكن اسم ابنها الثاني "عمانوئيل". ويظن البعض أن زوجة إشعياء الأولى كانت قد ماتت، وأن هذه هي زوجته الثانية. ولكن الأرجح أن هذه النبوة تمت مرتين : (1) أن فتاة من بيت آحاز لم تكن قد تزوجت بعد، ولكنها كانت ستتزوج وتلد ابنا، وقبل مضي ثلاث سنوات (سنة للحمل، وسنتين ليكبر الطفل ويستطيع الكلام) يكون الملكان الغازيان قد قضي عليهما. (2) يقتبس البشير متى في (1: 23) قول إشعياء (7: 14) ليبين إتماما آخر للنبوة في أن عذراء اسمها مريم حبلت وولدت ابنا : عمانوئيل المسيح.
و إن كنا نعتذر عن الاطالة فى سرد التحليل اللغوى للأعداد إلا اننا ندرك جيدا اننا ايضا اختصرنا فى سردها قدر الإمكان لأنها كثيرة جدا و لا يمكن ارفاقها لأهمية رؤيتها فى موضع إستدلالها و الآن الأسئلة التى تطرح نفسها بعد هذة الحجج هى هل تنطبق نبؤة أشعياء على يسوع ؟ و هل كاتب متى اقتبس نبؤة أشعياء بصورة صحيحة ؟ و ما الذى كتبه أشعياء على وجه التحديد هل هو مطابق للنص المازورى ام نص قمران ؟ و أخيرا هل نبؤة متى نبؤة حقيقة أم مزعومة؟
نترك الإجابة على هذة الاسئلة لكل انسان باحث عن الحق بتجرد و موضوعية مدركأ انه سيقابل الله فردا يسئل هل بلغت ؟ فنشهد الله انا قد بلغنا كما بلغنا و أقمنا حجة جلية نقابل بها الله يوم تكثر الحجج و يقل منها ما يشفع و ما ينجى فنسئل الله الكريم رب العرش العظيم ان يكون هذا البلاغ حجة لكل من بلغ و أن يجمعنا و كل الدعاة الى الله فى الفردوس الاعلى فى مستقر رحمته مع حبيبه و مصطفاه صلى الله عليه و سلم و تحيتنا فيها سلام و قلوبنا فيها منزوعة من الغل و الحسد الى ابد الابدين اللهم امين .
فتعالو الى كلمة سواء الا نعبد الا الله كما قال عز و جل :{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }
و اخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
هذا البحث ملك لكل انسان مسلم و غير مسلم و يستطيع نقل جزء او كل البحث بدون الاشاره لمنتدى او شخص و كل ما نطلبه منكم الدعاء بظهر الغيب
شيخ عرب
حَوْل أعمال الرسل:قصة خرافية من الهام احد النيام المخمورين المصاب بالصرع والكذب والقتل وقال لهم في بداية القصة الوهمية اثناء نومي وقال لهم"أنا اري"في مواضيع الشريعة يعني يسوع عليه رحمة الله جاء اليه في المنام بعد 20سنة من صلبه المزعوم وبدل من احياء يسوع كما احيا غيره تركه ميتا وقام بالرسالة بدلا منه""هل هذا يعقل يانصاري ياعاقلييييين؟؟؟ بدل يسوع او الروح القدس او الله يعني اخدذ تفويض منهم وقال ان تتبعني ألغي عقلك"" ومع ذلك الغنم الجهلاء يتبعونه رغم كل ذلك؟؟؟اليس الرب خروف ؟ها ها ها ؟؟؟
لا يُعْلم كاتب "أعمال الرسل" على وجه التحديد، ولكنها تنسب على الأرجح إلى بولس. وفيها نجد الملاحظات الآتية باختصار:
لإسرائيل فقط:
سأل أحد التلاميذ عيسى: "هل في هذا الوقت تَرُدُّ الملك إلى إسرائيل". (أعمال 1/6). فأجابهم لا تسألوا عن الوقت.
النص يدل على ما يلي:
1- إن عيسى لبني إسرائيل فقط.
2- لم يعترض عيسى على أنه لنبي إسرائيل، بل اعترض على الوقت فقط.
3- النص تؤيده نصوص كثيرة في الأناجيل من حيث خصوصية رسالة عيسى لبني إسرائيل.
4- اعتناق الناس من غير نبي إسرائيل للنصرانية مخالف لتعاليم المسيح.
5- نشر المسيحية خارج بني إسرائيل معارض لتعاليم المسيح ذاته.
الرب والمسيــح:
"اجتمع الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه". (أعمال 4/26). النص يدل على أن الرب غير المسيح وأن المسيح غير الرب. ويدل أيضاً على أن المسيح هو مسيح الرب، أي الذي مسحه الرب وباركه، وليس الرب المسيح أو المسيح الرب. هناك فرق كبير بين عبارة "المسيح الرب" وعبارة "مسيح الرب". الأولى تجعل المسيح رباً والثانية تجعل المسيح عبداً للرب. النص يقول "مسيحه" أي مسيح الرب. وهذا يخالف مرقس 16/19 . الذي قال " إن الرب ارتفع إلى المساء " يقصد عيسى . فكيف يكون عيسى مسيح الرب (أعمال 4/26) ويكون ايضاً الرب (مرقس 16/19) تناقض بين الأناجيل!!
ويقول تلاميذ عيسى " والآن يا رب أنظر إلى تهديداتهم " (أعمال 4/29) يخاطبون الله . فالله هو الرب حسب النص . وتأتي نصوص أخرى تجعل عيسى الرب . فلماذا هذا الشرك وهذا الخلط ؟!! هل كلمة (الرب) لا معنى لها ويمكن إطلاقها دون حساب ودون قيود ؟!! أم هل الخلط بين الله ورسوله وإطلاق نفس الكلمة عليها أمر هين ؟! وهل الكلمات حرة المعاني سائبة الاستخدام ؟!!
نبياً مثلي :
يورد كتابهم نبوءة موسى " الذي قال لبني إسرائيل نبياً مثلي سيقيم لكلم الرب إلهكم من إخوتكم " (أعمال 7/37).
نبوءة موسى هي بشارة بمحمد (e) وليس بعيسى وذلك بالأدلة الآتية :
محمد وليس عيسى هو الذي مثل موسى، لأن محمداً يشبه موسى في ولادته الطبيعية وموته الطبيعي ، ولكن عيسى ولد ولادة غير عادية وانتهى نهاية غير عادية . محمد تزوج مثل موسى ، ولكن عيسى لم يتزوج . محمد عاش طويلاً ومات بعد أن جاوز الستين مثل موسى ، ولكن عيسى مات وهو في الثالثة والثلاثين من عمره. محمد أنجب أولاداً وبنات مثل موسى ، ولكن عيسى لم ينجب لأنه لم يتزوج أساساً . محمد مثل عيسى تبعه أناس كثيرون ، ولكن عيسى لم يتبعه إلا قلة من الناس . محمد مثل موسى كان رسولاً وحاكماً ، ولكن عيسى كان رسولاً فقط . محمد جاء بشرع جديد، وهكذا فعل موسى، ولكن عيسى جاء ليكمل شريعة موسى فقط . محمد مثل موسى قاتل أعداءه ولكن عيسى لم يقاتل . وهكذا نرى أن الذي هو مثل موسى هو محمد وليس عيسى .
2- عيسى من بني اسرائيل من جهة أمه ، إذاً هو إسرائيلي . فهو ليس من إخوة بني إسرائيل ، لأنه من بني إسرائيل . أما محمد ( ) فهو من العرب الذي هم أخوة بني اسرائيل سلالاياً . حيث أن بني اسرائيل من نسل إسحاق والعرب من نسل أخيه إسماعيل وكلاهما ابناء إبراهيم .
هذه النبوءة الواردة في الوراة والإنجيل لا يريدون الالتفات إليها ، لأنها لا تناسب أمزجتهم !!! إنهم يختارون من كتبهم ما يناسبهم ، وأما ما لا يناسبهم فإنهم يحذفونه أو يبدلونه أو يؤولون تفسيره حسب هواهم !!!
عن يمينه :
قال إستفانوس من تلاميذ عيسى : " أنا أنظر السماوات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله " ( أعمال 7/56) .
نلاحظ هنا ما يلي :
1- كيف كانت المساء مفتوحة ؟! لم ير الفتحة أحد سواه !!
2- التلميذ يصف عيسى بأنه ابن الإنسان ، وليس ابن الله .
3- كيف رأي التلميذ عيسى قائماً عن يمين الله ؟! هل قوة بصره تصل إلى هناك ؟! وهل يرى حتى رأى عيسى عن يمينه ؟!
4- كيف رأى عيسى بجانب الله ويوحنا يروي أن الله قد حل في عيسى (يوحنا 14/10-11) ؟! إذا كان الله فيه فكيف يكون على جانبه ؟!
5- إذا كان عيسى واحداً مع الله في الثالوث ، فكيف كانا اثنين ، كل مستقل بذاته حسب (أعمال 7/56) ؟!!
شاول :
شاول (الذي صار بولس) يهودي كان عدواً للمسيح وأتباعه، عدواً من الدرجة الأولى. ويقول كتابهم ذاته عن الكثير مما يبين عداءه لعيسى وأتباعه :
1- " أما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالاً ونساء ويسلمهم إلى السجن " (أعمال 8/3) .
2- " وأما شاول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ عيسى " (أعمال 9/1).
3- قال عيسى لشاول : " أنا يسوع الذي أنت تضطهده " (أعمال 9/5). هذا القول من عيسى قد وقع بعد رفع عيسى بأكثر من عشرين سنة حسب كتابهم ، فكيف كلم عيسى شاول بعد موت الأول بعشرين سنة ؟!
4- " حكم من الشرور فعل (شاول) بقديسيك في اورشليم" (أعمال 9/13).
5- " كان الجميع يخافونه (أي شاول) غير مصدقين أنه تلميذ" (أعمال 9/26).
هذه النصوص تدل على عداء شاول (الذي صار بولس فيما بعد)، عدائه الشديد لتلاميذ المسيح. وبالطبع إن شاول لم يكن من تلاميذ المسيح ولم يره. وفجأة سقط شاول على الأرض وهو في الطريق إلى دمشق وسمع صوتاً من السماء يقول له أنا المسيح لماذا تضطهدني. حدث هذا بعد موت المسيح بعشرين سنة على الأقل !! كما أن القصة تقول إن المسيح (بعد موته) بعث شاول رسولاً إلى جميع العالم !!
والتساؤلات حول قصة بولس ( الذي كان هو شاول ) عديدة :
أ- لماذا انتظر شاول حتى مات عيسى ليقول إن عيسى أرسله ؟!!
ب- عيسى نفسه رسول من الله فكيف يبعث الرسول رسولاً يوحي إليه ؟! قد يبعث الرسول داعية، وليس رسولاً.
ج- كيف يبعث عيسى بولس رسولاً وعيسى ميت ؟!
د- كيف بعثه إلى جميع العالم وعيسى نفسه قد أرسل إلى بني إسرائيل فقط ، كما أنه حذر الحواريين من دعوة غير بني إسرائيل ، حين قال لهم : " إلى طريق أمم لا تمضوا " (متى 10/5).
هـ- دعوة بولس لغير بني إسرائيل مخالفة واضحة لتعاليم عيسى . فلماذا أصر بولس على المخالفة رغم أنه يقول إنه يعمل بوحي من عيسى ؟
بطرس :
بطرس حسب (أعمال 9/34) شفى رجلاً مفلوجاً إسمه إينياس. كما أنه حسب (أعمال 9/40-42) قد أحيى ميتة اسمها طابيثا وهي من التلايمذ أو التلميذات على الأصح وكان ذلك في يافا في فلسطين .
وهنا نلاحظ ما يلي :
1- إذا كان بطرس يحيى الموتى ، فلماذا لم يحي عيسى وقد مات على الصليب (حسب اعتقادهم) ؟ !
2- إذا كان بطرس يحيي الموتى ، فلماذا لم يحي سوى طابيثا ؟ لماذا لم يحيى تلاميذ آخرين ؟! لماذا لم يحي إستفانوس وهو من تلاميذ عيسى وقد رجمه اليهود حتى مات بإشراف شاول الذي صار بولس ؟!!!
3- إذا كان بطرس يشفي المرضى ويحيى الموتى الموتى ، فلماذا جاء رجل إلى المسيح يشكو من عجز تلاميذه عن معالجة ابنه المصروع وقال : "أحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه " (متى 16/16) ؟!
4- قال عيسى لبطرس: "اذهب عني يا شيطان " (متى 16/23) كان شيطاناً عند عيسى. وبعد عيسى صار يحيي الموتى ويشفي المرضى !!!
5- إن المعجزات (من مثل شفاء المرضى وإحياء الموتى) يعطيها الله لمن يختارهم من الرسل. فهل كان بطرس رسولاً أرسله الله ؟ بالطبع لا. إنه فقط من تلاميذ عيسى. وتلاميذ عيسى ليسوا رسلاً من الله. فمن أين جاءت المعجزات إلى بطرس ؟!!
6- لماذا لم نسمع أن غير بطرس من الحواريين أحيى الموتى؟! لماذا بطرس فقط؟!
7- إن عيسى نفسه قال: "كل ما أعطيتني هو من عندك" (يوحنا 17/7) معجزات عيسى من عند الله لأنه رسول الله فمن أين جاءت معجزات بطرس وهو ليس رسولاً من الله ؟!!
هذا يدل على أن ما نسب إلى بطرس من إحياء الموتى هو محض خيال، إلا إذا كانت تلك (الميتة) لم تكن ميتة فعلاً وكانت في حال إغماء مثلاً . وهذا يحدث يومياً ، فكثيراً ما يظن الناس أن الشخص ميت ويستعدون لدفنه ، ثم يفاجئون بأنه يتحرك وينهض حياً لأنه لم يمت أساساً بل كان في حالة غيبوبة مؤقتة .
حتى أن رسل الله لم يكونوا قادرين على إحياء الموتى . ولقد انفرد عيسى بهذه المعجزة بقدرة الله . موسى لم يحيى الموتى ، ولا إبراهيم ولا نوح ولايعقوب ولا يوسف ولا زكريا ولا يحيى . إذا كان رسل وأنبياؤه لم يحيوا الموتى ، فلماذا بطرس إذاً ؟!
أحلام بطرس :
في (أعمال 10/10-16) جاع بطرس ونام . وفي نومه رأي السماء مفتوحة ونزلت عليه ملاءة فيها كل دواب الأرض والوحوش والطيور والزواحف: "وصار إليه صوت قم يا بطرس أذبح وكل . فقال بطرس لم آكل قط شيئاً دنساً أو نجساً . فصار إليه صوت ثانية ما طهره الله لا تدنسه أنت" (أعمال 10/13-15).
وهكذا ففي المنام وبالأحلام التي رآها بطرس ، ثم إلغاء كل ما حرم موسى وعيسى أكله من الحيوانات !! تشريع جديد في المنام والأحلام !!!
ما هذا ؟ هل هذا معقول ؟! حلم من أحلام بطرس، تم إلغاء شريعة موسى وما أقره عيسى !!! حلم أقوى من كتاب سماوي مسطور !!! حلم التلاميذ أقوى من قول موسى وعيسى !!! شي لا يصدق !!!
ولقد استندت الكنيسة إلى حلم بطرس في إباحة لحم الخنزير الذي ترجمه شريعة موسى. وقد كان عيسى قد وصف الخنزير بالنجاسة حين قال إن الشيطان سكن فيه . موسى وعيسى حرما لحم الخنزير ، ولكن بطرس جاع فنام فحلم فاباحه !!!!
ويجب أن نلاحظ أن بطرس كما يقول كتابهم " جاع كثيراً واشتهى أن يأكل .. ووقعت عليه غيبة" (أعمال 10/10). أي أن بطرس حلم ذلك الحلم وهو جائع جداً ، فمن شهوته للطعام حلم أن كل شيء طاهر .
والسؤال هو : هل يحق للتلميذ أن يلغي الشريعة التي جاء بها معلمه أو التي أقرها معلمه ؟! إن بطرس مجرد تلميذ من تلاميذ عيسى. وبطرس ليس في منزلة الرسول الذي ينزل عليه وحي الله. ثم لقد سمع بطرس صوتاً وهو نائم، فكيف عرف مصدر الصوت وجزم أنه وحي الله ؟!! ولماذا لم ينزل عليه الوحي إلا في تلك المرة الوحيدة ؟!! السبب أنه جائع واشتهى الطعام فصورت له نفسه طهارة كل الحيوانات . ثم إذا كان كل حلم يلغي حكماً في الشريعة ، فإنه لا يبقى حكم واحد فيها دون إلغاء على يد الأحلام !!! والسؤال هو : هل الأولوية للأحلام أم للأحكام ؟!! ومن حسن الحظ ، بلا شك ، أن بطرس لم يحلم سوى ذلك الحلم ، إلا لأباح جميع المحرمات !!
أهل أوروبا والرومان واليونان كانوا يذبحون الخنزير ويأكلون لحمه. ولم يعجبهم تحريمه بإقرار عيسى. فما هو الحل ؟ لا يبيح ما حرم الله إلا الله نفسه . وما الحل إذاً ؟ لا بد أن يحلم بطرس أن الوحي نزل عليه . فأناموا بطرس وجعلوه يحلم (على الورق) ونام بطرس وحلم وأنزلوا عليه (الوحي) فصار لحم الخنزير وسواه مباحاً !!!!
بطرس وبنو إسرائيل :
1- قال بطرس عن رسالة عيسى: " الكلمة التي أرسلها إلى بني إسرائيل يبشر بالسلام بيسوع المسيح " (أعمال 10/36).
2- وقال : " يسوع الذي في الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس " (أعمال 10/38) .
ونلاحظ هنا ما يلي :
أ- يقرر بطرس أن عيسى مرسل من الله لبني إسرائيل فقط كما يدل النص الأول.
ب- عبارة " يسوع الذي من الناصرة " تعني بشرية عيسى فهو من مدينة محدودة هي الناصرة شمال فلسطين ، حيث إن تعيين مدينة عيسى ووصفه بيسوع الناصري في أكثر من موضع في الإنجيل لا يمكن أن تصح في حق الله ، فكيف يكون الإله من الناصرة مثلاً ؟! فلان من الناصرة أو بيروت أو بيت لحم ممكن ، ولكن أن يكون الإله أو ابن الله من الناصرة غير ممكن بالطبع .
ج- يقول النصارى حسب عقيدة التثليث إن كلاً من الثلاثة هو الله وكلهم معاً هم الله. وهكذا تصبح جملة "مسحه الله بالورح القدس " هكذا " مسح الله الله بالله " فكيف يكون الله ماسحاً وممسوحاً به في الوقت ذاته ؟!!
ويقول بطرس: " نشهد بأن هذا (أي عيسى) هي المعين من الله دياناً للأحياء والأموات " (أعمال 10/24) لكن هذا يناقض قول عيسى نفسه : "أما أنا فلست أدين أحداً" (يوحنا 8/15) ، وقول عيسى : " لم آت لأدين العالم " (يوحنا 12/47).
ويقول بطرس: " كل من يؤمن به (أي عيسى) ينال باسمه غفران الخطايا " (أعمال 10/43). وهل الإيمان وحده يكفي للغفران؟! وأين التوبة وأين الأعمال الصالحة؟! إن الإيمان وحده بلا أعمال لا يعني شيئاً ولا يقدوم ولا يؤخر .
ويقول بطرس: "لما ابتدت أتكلم حل الروح القدس عليهم " (أعمال 11/15) كيف عف بطرس أن الروح القدس حل على السامعين ؟! وهل رآه يحل ؟! أم قالوا له حل؟! أم قال الروح له حللت ؟!! وما معنى الروح القدس بالضبط ؟! لو قال: " حلت السكينة عليهم" أو " استبشرت وجوهم" أو "جلال الإيمان بدا عليهم" لكان ذلك مما يمكن أن يقبل. ولكن حشر "الروح القدس" في كل جملة على هذا النحو أمر يصعب قبوله .
إلا اليهود فقط :
تلاميذ عيسى الذين توجهوا للدعوة ساروا " وهم لا يكلمون أحداً بالكلمة إلا اليهود فقط" (أعمال 11/19). لماذا اليهود فقط ؟! لأن تعاليم عيسى كانت واضحة تماماً لتلاميذه بأن يقصروا دعوتهم على بني إسرائيل ، لأنه هو نفسه قال : " لم أرسل إلا إلى خراف بين إسرائيل الضالة" (متى 15/24) عيسى لبني إسرائيل فقط . دعوته لبني إسرائيل فقط.
فإذا كنت نصرانياً، أسأل نفسك: هل أنا من بني إسرائيل فقط. دعوته لبني إسرائيل فقط .
فإذا كنت نصرانياً ، أسأل نفسك : هل أنا من بني إسرائيل ؟ إذا لم تكن من بني إسرائيل فعيسى لم يأت إليك . هذا قول عيسى نفسه في إنجيل (متى 15/24) افتح إنجيل متى ، الأصحاح 15، جملة رقم 24 . وانظر بنفسك قوله . هو لخراف بني اسرائيل الضالة فقط ، فقط ، فقط . وهو لتلك الخراف إلى حين مجيء الرسول الذي بشر به عيسى ، وهو محمد (e).
برنابا :
"لأنه (أي برنابا) كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان " (أعمال 11/24) .
برنابا من تلاميذ عيسى وليس من الحواريين لكن برنابا في إنجيله يجعل نفسه حوارياً . يقول النص عنه إنه كان صالحاً مملوءاً بالإيمان . جميل . إذا كان الأمر كذلك ، فأين الإنجيل الذي كتبه برنابا ؟! لماذا حرقته الكنيسة ؟!! نعم لقد حرقت الكنيسة إنجيل برنابا مع سواه من الأناجيل التي قالت الحقيقة . كل إنجيل قال إن عيسى هو رسول الله وعبده حرقوه . كل إنجيل لم يقل إنه ابن الله حرقوه . كل إنجيل لم يقل بالتثليث حرقوه .
شروط عدم حرق الإنجيل : أن يقول بأن عيسى ابن الله وأن الله ثلاثة في واحد أو شيئاً قريباً من هذا وأن الصلب للفداء وألا يصرح ببشارة عيسى بمحمد (e).
إنجيل برنابا قال إن عيسى عبد الله ورسوله. وقال إن الله واحد . وقال إن عيسى لم يصلب وأكد بشارة عيسى بالرسول محمد. أي إن إنجيل برنابا أكد بشرية عيسى ورسوليته ووحدانية الله ونفى صلب عيسى. إن إنجيل برنابا أنكر الأبنية والتثليث والصلب، وهي ثلاثة أركان رئيسية في النصرانية. لذلك لم يعجبهم إنجيل برنابا . فحرقوه لأنه قال الحقيقة . حرقوه لأنهم لا يريدون الحقيقة . حرقوه لأنهم يريدون تفصيل إنجيل يناسبهم . يريدون إنجيلاً يتبعهم ولا يريدون إنجيلاً يتبعونه !!! حرقوه وهددوا من يتداوله . ثم عثر على نسخة يتيمة منه .
ونلاحظ في النص أن برنابا امتلأ من " الروح القدس " والمقصود هو " الإيمان" أي امتلأ إيماناً ، أي تقوى وصلاحاً . فلماذا لا يقولون " امتلأ صلاحاً أو إيماناً أو تقوى " لماذا يريدون ملأه بالروح القدس ، وكأن الروح القدس مادة تدخل الأجساد، أو حقنة، أو بلازما الدم ، كأنه مادة للتوزيع ؟!! إذا كان الروح القدس عندهم هو " الله " فكيف يملأون الناس بالله ؟!! ولماذا يصرون على استخدام كلمة "الله" في سياق يكون استخدام كلمة أخرى فيه أجدى؟! وأنا أسأل : أيهما أدق في التعبير وأوضح في التصوير .
أن نقول " امتلأ فلان بالروح القدس " أم أن نقول " امتلأ فلان بالإيمان أو الصلاح أو التقوى " ؟!! أنا اعتقد أن قولنا " امتلأ بالإيمان" أوضح وأدق وأقل التباساً وإرباكاً من قولنا "امتلأ بالروح القدس" لكنهم يصرون على استخدام ألفاظ تثير البلبلة في النفس والاضطراب في الفهم !!!!
لليهود فقط :
برنابا وشاول ( الذي صار بولس) " لما صارا في سلاميس ناديا بكلمة الله في مجامع اليهود " (أعمال 13/5) . وهذا يؤكد أن رسالة عيسى لليهود وحدهم وأن الدعوة بها خارج اليهود مخالفة لتعاليم عيسى التي ذكرناها سابقاً وأبرزها النص الوارد في (متى 15/24) .
ويقول بولس: " أقام الله لإسرائيل مخلصاً يسوع" (أعمال 13/23). هذا النص ايضاً يدل على أن يسوع (أي عيسى) مخلص لبني إسرائيل وحدهم.
وأخذ برنابا وبولس يدعوان الناس . ولقيا تجاوباً ، إذا اجتمعت كل المدينة لسماعهما يوم سبت (أعمال 13/44). ولكن الكهنة اليهود لم يعجبهم نجاح دعوة برنابا وبولس فصاروا يقامون تلك الدعوة . فقال بولس وبرنابا : " كان يجب أن تكملوا أنتم أولاً بكلمة الله ، ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكر غير مستحقين للحياة الأبدية هو ذا نتوجه إلى الأمم " (أعمال 13/46).
وهذا النص (أعمال 13/46) يدل على أن رسالة عيسى لليهود أولاً فقط . ولكن عندما رأى بولس وبرنابا أن اليهود يرفضون رسالة عيسى اضطرا أن يتوجها إلى غير اليهود اضطراراً بسبب يأسهما من استجابة اليهود . فأخذ يدعوان خارج اليهود ، لا امتثالاً لأمر عيسى ، بل تحت ظرفين : أولهما غلق اليهود باب الدعوة أمامهما، وثانيهما حبهما لنشر كلمة الله . وبما أن اليهود رفضوا إتاحة الفرصة لهما ، فقد اضطرا اضطراراً إلى توسيع نطاق الجعوة خارج اليهود . كان فعلهما اجتهاداً شخصياً منهما بدافع طيب ، ولكنهما أخطآ في اجتهادهما حيث إن تعاليم المسيح كانت واضحة لتلاميذه : " إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامرين لا تدخلوا . بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الصالة " ( متى 10/5) ولكن الخراف رفضتهم ، لذلك ذهبوا إلى الأمم على مسؤوليتهم الخاصة وخلافاً لتعاليم المسيح الصريحة . والمسيح لا يعطي تعاليم من عنده، بل هي من عند الله سبحانه وتعالى. والله أعلم بحدود رسالة كل رسول يرسله .
بولس والمرضى :
رجل عاجز الرجلين مقعد منذ ولادته ولم يمش قط (أعمال 14/8) " قال له بولس : قم على رجليك منتصباً . فوثب وصار يمشي " (أعمال 14/10).
بولس ليس من الحواريين ولا حتى من تلاميذ عيسى ولا سمعه ولا رآه . ومع ذلك صار إذا صاح بالمشلول مشى !!! هل حدث هذا فعلاً ؟! من أين جاءت معجزة الشفاء إلى بوليس ؟! المعجزات للرسل الذين يرسلهم الله . وبولس ليس واحداً منهم . بولس يقول أرسله عيسى (بعد موت عيسى) !! كيف بعد موته ؟! كما أن الرسول لا يبعث رسولاً مثله . مرسل الرسل والأنبياء هو الله . الرسول (الذي أقصده) هو من يختاره الله لتبليغ كلمات الله وينزل الله عليه وحياً . ولا أقصد بالرسول أي داعية أو مفوض أو سفير. هلاء رسل بالمعنى اللغوي . ولكن بالمعنى الاصطلاحي أقصد بالرسول كما ذكرت: إنسان يختاره الله لتبليغ كلمات الله إلى الناس وينزل عليه وحياً؟! قد يستطيع شخص عادي ذو شخصية قوية أن يحقق تأثيراً نفسياً ما على مريض ما وينجح في شفائه إذا كان مرضه ذا أصول نفسية مرتبطاً بالخوف أو الوهم أو ما شابه. وما حققه بولس (إن كان قد حدث فعلاً ) يقع في هذا النطاق ليس إلا .
إلغاء الختــان :
اختلف تلاميذ عيسى وتلاميذ في مسألة الختان ، فاجتمعوا . وقال بطرس : " أنا أرى أن لا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم . بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن الأصنام والزنى والمخنوق والدم " (أعمال 15/19 – 20) .
نلاحظ هنا ما يلي :
1- يقول بطرس : " أنا أرى " إذاً هذا رأيه الشخصي ، وليس وحياً من الله ، كما يزعمون من أن " العهد الجديد " وحي من الله !!
2- بطرس كبير الحواريين يلغي الختان وقد أقره عيسى ضمن شريعة موسى. وعيسى نفسه قد ختن . فكيف يعارض بطرس إقرار عيسى وهو كبير حوارييه؟! إن آخر شخص كان يتوقع منه أن يعارض عيسى هو بطرس. ولكنه فعلها!!!
3- لقد أقر عيسى كل ما شرع في شريعة موسى. والمحرمات هناك كثيرة . فكيف سمح بطرس لنفسه أن يلغي شريعة موسى ، وهو الأمر الذي لم يفعله عيسى نفسه ؟! عيسى قال " ما جئت لأنقض بل لأكمل " (متى 5/17). فكيف نقض بطرس ما أثبته عيسى !!! لقد قصر بطرس المحرمات على ما ذبح للأصنام ولحم المخنوق والدم، في حين أن المحرمات في التوراة عديدة جداً : الجمل والأرنب والوبر والخنزير وما له زعانف وما له حرشف وما له ظلف مشقوق وما يجتر وله ظلف منقسم، والنسر والعقاب والشاهين والنعامة والباز والبوم والقلق والببغاء والهدهد والخفاش ودبيب الطير، والجثة.. إلخ (تثنية 14/ 3-23). كيف ألغي بطرس كل هذه المحرمات الواردة في التوراة والتي أقرها عيسى ؟!
4- هل من صلاحيات بطرس أن يلغي ديانة عيسى ؟! هل فوض عيسى بطرس بإلغاء تعاليم عيسى نفسه ؟ !!!
والغريب في الأمر أن مجمع التلاميذ والشيوخ الذين اجتمعوا لبحث مسألة الختان والذين سمعوا بطرس لم يعترضوا عليه . بل وافقوه وتبنوا رأيه وكتبوا بيديهم رسالة إلى التلاميذ في الأمم جاء فيها : " قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة . ان تمنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنى " (أعمال 15/28-29) .
ونلاحظ على هذه الرسالة ما يلي :
1- لم يقولوا " رأى روح القدس " فقط ، بل قالوا " ونحن " وكأنهم اجتمعوا مع الروح القدس وتداولوا في الأمر وتوصلوا إلى قرار بناء على مداولاتهم مع الروح القدس !! ولا ندري كيف عرف المجتمعون رأي الروح القدس !!!
2- القرار ليس من الروح القدس ، لأنهم قالوا "ونحن" . ولو كان من الروح القدس فقط لما قالوا " ونحن " والصحيح أن الروح القدس لم يشترك معهم (في التصويت !!) بل حشروا اسمه في الجملة كالعادة .
3- كان القرار بناء على اقتراح من بطرس حيث قال " لذلك أنا أرى " (أعمال 15/19) ، ولم يكن للروح القدس أية علاقة بما رأوا وما قرروا .
4- لقد كان قراراهم خاصاً بالأمم ، أي أنه يجوز لغير اليهود ألا يختنوا. والسؤال: هل هناك تشريعان واحد لليهود وواحد لسواهم ؟!! تفرقة عنصرية حتى في الختان !!!!
ونلاحظ فيما بعد أن الكنيسة الغربية أباحت أكل الدم ولحم المخنوق . ولذلك نراهم في أوروبا يقتلون المواشي بالرعشة الكهربائية فلا ينزل دمها منها ويأكلون الدم مع اللحم . وبقيت الكنيسة الشرقية تحرم الدم والمخنوق .
وماذا بقي ؟ حسب رأي بطرس والمجمع ، والمحرمات أربع فقط : الزنى والدم والمخنوق وما ذبح للأصنام . النزير أباحه بطرس في أحلامه ووافقت الكنيسة على أحلامه . والدم المخنوق أباحته الكنيسة الغربية (صحتين وعافية !!) والزنى سهلوا له كل عناصر الازدهار (خمر واختلط وتعرية ) فماذا بقي من المحرمات ؟!! وما ذبح للأصنام . امتنعوا عن الذبح كله ليبقى الدم مع اللحم فيأكلونها معاً . واكتفوا بذبح البشر في مجازر متفرقة في لبنان ( صبر وشاتيلا ) وفي فلسطين وفي فيتنام وفي جنوب إفريقيا وفي هيروشيما وناجازاكي . وماذا بقي ؟! اشرب كل شيء وكل أي شيء (لأن كل شيء طاهر للطاهرين حتى الحشيش والأفيون طاهر للطاهرين !!) نعم اشرب ما تشاء ( حتى الخمرة وسمومها ) وكل ما تشاء وافعل ما تشاء (بشرط ألا يراك رجال الشرطة ) حتى المحرمات الأربعة التي أبقاها بطرس أباحوها واقعياً أو تشريعياً . فالزنى تبيحه جميع الدول الغربية النصرانية . وليست تبيحه فقط ، بل تشجعه وتسر بانتشاره . وإذا قام رئيس ما في مكان ما ( في بلد إسلامي مثلاً ) وأراد قص أجنحة الزنى نظر إليه الغرب بعين الشك والريبة . يخافون من الصلاح ويسرون بالفساد !! أليست هذه هي الحقيقة ؟ أعطوني تصريحاً واحداً لزعيم أوروبي واحداً . المهم عندهم الميزان التجاري وسعر الدولار وسعر النفط والتوازن العسكري . أما الأخلاق ، حماية الأسرة ، نظافة المجتمع ، مخافة الله ، هذه كلها ليست في قاموسهم !!!
وما بقي من المحرمات لدى بطرس والمجمع ؟! وماذا بقي بعد بطرس والمجمع؟! المحرمات كثيرة في التوراة التي جاء عيسى ليقرها . فلم تعجب التوراة تلاميذ عيسى . فجاء بطرس وحلم وأباح جميع المأكولات وجميع اللحوم . ثم جاء بطرس والمجمع وشرعوا عدم الختان . ثم أباحوا الطلاق الذي حرمه عيسى وكان قد أباحه موسى . وجاء عيسى وألغى عقوبة الزنى (حسب أناجيلهم ) !! وجاء عيسى وشجع على شرب الخمر (بزعمهم) حين حول الماء إلى خمر !! ثم جاءت الكنيسة الغربية وأباحت أكل الدم ولحم المخنوق . ثم جاءت حكومات الغرب وشجعت الزنى وسهلت له كل الطرق . والنتيجة هي : كل ماتشاء اشرب ما تشاء افعل ما تشاء . وسموا هذا ديناً . ما هو دينك ؟ النصرانية . ما هي الأشربة المحرمة ؟ لا شيء ما هي الأطعمة المحرمة ؟ لا شيء ما الأفعال المحرمة ؟ لا شيء ما هو واجباتك نحو الله ؟ لا شيء هذا هو دينهم كما صنعته الكنيسة ، لا كما أرداه الله !!!
اسمان لكل منهم :
يكثر الانجيل ذكر اسمين لكل شخص بدءاً من عيسى. فالمسيح له اسماء عديدة عندهم: المسيح ، عيسى ، يسوع ، ابن الله ، ابن الإنسان ، الابن ، حمل الله ، الراعي الصالح، ابن داود، ابن يوسف النجار، الرب ، المعلم ، السيد ، ملك اليهود، الابن الوحيد ، الابن الحبيب ، ربوني ، رئيس الرعاة ، الخروف . كل هذه الاسماء وردت في أناجيلهم . فعيسى عندهم هو ابن الله ، وابن الإنسان ، وابن يوسف وابن داود في آن واحد !! وهو الرب وابن الله في آن واحد !! وهو الله وابن الله في آن واحد !! وهو ابن الله وابن الإنسان في آن واحد !!
وأما سمعان فهو بطرس . ولباوس (من الحواريين) هو تداوس . وسمعان القانوني هو يهوذا الإسخريوطي (الذي خان عيسى) ، وهو من الحواريين . وأما شاول فهو بولس . وأما يوحنا فهو مرقس . وهناك يهوذا آخر هو برسابا .
الإنقاذ من السجن :
الانتقاد الذي نعرفه هو أن الصالحين الصادقين يرون شخصاً مظلوماً في السجن فيهبوا للدفاع عنه بل قد يضحون بحياتهم لإنقاذه . ولكن الإنقاذ هناك يختلف :
1- ملاك يدخل سجن بطرس ويحطم سلاسله وهو نائم ويقول له قم وارخج !! (أعمال 12/7).
2- زلزال يزعزع أساسات السجن وتنفتح الأبواب وتتحطم القيود ويخرج بولس وصاحبه سيلاً من السجن !! (أعمال 16/26).
إذا كان الملاك قد هب لإنقاذ بطرس وضرب بالزلزال السجن لإنقاذ بولس وسيلا، فلماذا يستغربون أن ينقذ الله عيسى من العسكر ؟! لماذا يجوز إنقاذ بطرس وبولس ولا يجوز إنقاذ عيسى ؟! أيهما أولى إنقاذ التلميذ وتلميذ التلميذ ؟! يصدقون أن يتدخل الله لإنقاذ التلميذ بطرس وإنقاذ تلميذ التلاميذ بولس ، ولكنهم لا يصدقون أن ينقذ الله المعلم عيسى !!! لماذا ؟!! يقال لهم إن الله قدير وقادر ومقتدر . لا يصدقون . يقال لهم إن الله رحم عيسى وأنقذه من الإهانات والبصق والجلد ، فلا يصدقون . يقال لهم عيسى أرفع من أن يضرب ويهان ويبصق عليه ويلكم ويلطم، فلا يصدقون . يصدقون كل شيء إلا أن الله أنقذ عيسى من العسكر والصلب !!! لماذا يريدونه على الصليب وكفى !!!
الرب والإله:
1- قال بولس لأهل اثينا : " الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه إذ هو رب السماء والأرض " (أعمال 17 / 24) .
2- بعدما سمعوا كلام بولس "اعتمدوا باسم الرب يسوع " (أعمال 19/5) .
في النص الأول الخالق هو رب السماء والأرض. وفي النص الثاني، عيسى هو الرب: نصان: نص يقول الإله هو الرب ونص يقول عيسى هو الرب. تناقض واضح. الإله هو الذي خلق العالم فماذا خلق عيسى؟! الإله هو رب السماوات والأرض ، وعيسى رب ماذا إذاً ؟!
الويل لمن افترى على الله والويل لمن افترى على عيسى رسول الله !!! الويل للمفترين من الله !!
الذي بعده:
" قال بولس إن يوحنا (أي يحيى) عمد بمعمودية التوبة قائلاً للشعبان يؤمنوا بالذي يأتي بعده أي بالمسيح يسوع " (أعمال 19/4) .
نلاحظ هنا بطلان تفسير بولس بأن الذي يأتي بعد يحيى هو المسيح يسوع، ذلك لأن عيسى لم يأت بعد يحيى ، بل كان معاصراً له . ومن المعروف أن يحيى ولد قبل عيسى بخمسة شهور فقط . كما أن كليهما كانا نبيين في وقت واحد . والدليل في الإنجيل ، حيث يروي ( متى 3/13 – 15) أن عيسى جاء من الجليل إلى الأردن ليعتمد من يحى (يوحنا المعمدان ) هذا يدل على أن يحيى كان نبياً يعمد الناس " ولكن يحيى منعه قائلاً أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلي . فأجاب يسوع وقال له اسمح الآن" (متى 3/14 – 15) لماذا رفض يحيى أن يعمد عيسى ؟ لماذا قال يحيى لعيسة أنا بحاجة إليك لتعمدني ؟ لأن عيسى نفسه كان نبياً رسولاً في ذلك الوقت ايضاً ، وإنما جاء ليعمده يحيى تواضعاً منه ليحيى واعترافاً منه بنبوته . إنه وتوضاع الأنبياء وتصديق كل منهم للآخر .
يحيى يريد أن يعمده عيسى ، وعيسى يريد أن يعمده يحيى . كلاهما تواضع للآخر وكلاهما صدق الآخر. هذه أخلاق الأنبياء وتواضعهم . إذا كان عيسى نبياً رسولاً وكان يحيى نبياً رسولاً في الوقت ذاته . والذي قال عنه يحيى " آمنوا بالذي يأتي بعدي " (أعمال 19/4) وقال عنه " يأتي بعدي من هو أقوى مني لذي لست أهلاً أن أنحني وأحل سيور حذائه " هو الذي يأتي بعد يحيى هو الرسل محمد (e). لماذا هو محمد ؟ لأنه هو الذي جاء بعد يحيى ولم يأت بعد يحيى رسول سوى محمد (e)، أما عيسى فقد كان معاصراً مزامناً ولم يأت بعده .
لمسة بولس :
وعظ بولس قوماً ثم اعتمدوا " باسم الرب يسوع " ( أعمال 19/5) ولو اعتمدوا باسم الله لكان خيراً لهم . ولكنهم نسوا الله وتذكروا يسوع فقط !!! نسوا الله وتذكروا المخلوق !! وماذا ينفعهم ذلك ؟!
ثم " لما وضع بولس يديه عليهم حل الروح القدس عليهم فطفقوا يتكلمون بغات ويتنبأون " ( أعمال 19/6) لمسة من بولس ويحل الروح القدس !! إذا لماذا يدعو بولس الناس ويتعب نفسه ؟! فقط عليه أن يضع يده على كل شخص وبذلك يحدث المطلوب الأكيد !! لماذا التعب والعناء ؟ لمسة واحدة يحصل المراد !! لوماذا لم يلمي بولس اليهود الذين رجموه وجروح خارج المدينة (أعمال 14/19) ؟! لقد جروه ورجموه وضربوه ، فلماذا لم يلمسهم ليحل عليهم الروح القدس ؟!! ولماذا لم يلمس اليهود الذين جروه خارج الهيكل (أعمال 21/30) ؟!!
لقد وضع بولس في السجن مراراً ، فلماذا لم يلمس السجان ليحل الروح القدس عليه ويخرجه من السجن ؟! وأخيراً جاء نيرون وقتل بولس ، فلماذا لم يلمسه بولس تلك المسة التي يحل معها الروح القدس على الملموس فيصبح الملموس مملوءاً إيماناً وبراً ؟!!! أين كانت تلك اللمسة عندما رجموه أو سجنوه أو قتلوه ؟!!
ولمسة بولس لم تؤد إلى حلول الروح القدس على الملموسين فقط !! بل صار الملموسين يتكلمون لغات . ما معنى هذا ؟ ما أفهمه أن الوحد منهم صار يعرف لغات فجأة . وهذه طريقة فريدة في تعليم اللغات ! لمسة من بولس فيصير الملموس متعدد اللغات !! هذه معجزة لم تؤت حتى لموسى ولا لعيسى ولا لأحد قبل بولس ولا بعده !! لمسة واحدة وتعرف عدة لغات !! بولس الذي قتل الناصرى واضطهدهم وكان أعدى أعداء المسيح صارت تجري على يديه المعجزات !! هذا غير معقول لأن أحداً لم يقل إن بولس رسول الله أو نبيه ، حتى بولس نفسه لم يدع ذلك ، بل كل ما تجاسر أن يدعيه هو انه رسول المسيح ، علماً بأنه ادعى ذلك بعد فوات الأوان ، إذ كان عيسى قد رفعه الله إليه وانتهى دوره .
بولس يقص:
ثار اليهود على بولس في الهيكل في أورشليم . ومما أجج ثورتهم أنهم اتهموه بإدخال يوناني إلى الهيكل فقالوا "حتى أدخل يونانيين إلى الهيكل ودنس هذا الموضع " (أعمال 21/28) لاحظ عنصرية اليهود، إذ اعتبروا دخول يوناني إلى الهيكل تدنيساً له !!
فهاجموا بولس في الهيكل وجروه خارجه وأرادوا قتله (أعمال 21/31) فحضر العسكر لحمايته وقال بولس لهم : " أنا رجل يهودي طرسوسي " (أعمال 21/39) لاحظ أنه يهودي . ثم قص بولس على الجموع قصة سقوطه على الأرض خوفاً من البرق وسماعه صوت عيسى (بعد نهاية عيسى) قائلاً له : "شاول شاول لماذا تضطهدني . فأجبت من يا سيد . فقال لي أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده " (أعمال 22/7-8).
الرواية هنا في (أعمال 22/7-8) تختلف عنها في أعمال (8/4-6) هنا يقول " أنا يسوع الناصري" وهناك "أنا يسوع" دون (الناصري) هناك زاد المسيح بعد أن عرف على نفسه وقال: "صعب عليك أن ترفس مناخس " (أعمال 9/5) هنا لم يرو هذه الجملة. لماذا اختلفت رواية بولس في المرة الثانية عن المرة الأولى ؟!!! والسؤال الأهم لماذا فقد بولس بصره لمدة ثلاثة أيام بعد تلك الواقعة ؟!!! تفسيري هو أن بولس حدث له تأنيب ضمير وهو يطارد أتباع المسيح ويقبض عليهم ويجلدهم ويسجنهم. وكان خائفاً في قرار نفسه من عقاب الله ومن عدم تصديقه لعيسى. وكان مسافراً في مهمة لمطاردة أتباع المسيح في دمشق . وفي الطريق وطول السفر أصابه التعب والإعياء والقلق مما يفعل. وجار البرق الخاطف. فزاد خوفه من الله : سفر وتعب وقلق وبرق خاطف وتأنسي ضمير . في تلك اللحظة وقع شاول (الذي هو بولس فيما بعد) على الأرض خائفاً وتوهم أنه سمع عيسى يعاتبه ويأمره. إن المسألة لا تزيد عن وهم أصاب شاول نتيجة لحالة نفسية وضغط نفسي تعرض له. كما أنه لا شعور أراد أن يكفر عن أفعاله ضد أتباع المسيح في دمشق.
قد يكون كل رواه بولس (شاول) قد حدث حسب إحساسه هو . رأى برقاً . نعم ممكن. وقع على الأرض ، محتمل . توهم أنه سمع صوت عيسى . محتمل أنه توهم ذلك. ولكن كما ذكرت ، بعد أن رفع الله عيسى ، لا يعقل أن يعود عيسى ليخاطب بولس ، وبولس فقط . إن المسألة لا تعدو كونها حالة نفسية أصابت بولس يغذيها اللاشعور الراغب في التكفير عن جرائم بولس في اضطهاد أتباع المسيح . تحت وطأة السفر والبرد والبرق الخاطف والتعب والقلق وتأنيب الضمير والخوف من اله (لتكذيبه عيسى واضطهاده أتباعه) سقط بولس على الأرض خوفاً من البرق وأصابه العمى النفسي لمدة ثلاثة أيام وامتنع عن الأكل والشرب . وتوهم عند سقوطه أن عيسى كلمه وعاتبه وكلفه بنشر الدعوة . اقول هذا إذا صحت روايته أسساً . ولكن التناقضات في روايات بولس نفسه عن الأمر تجعل احتمال وقوعه ضعيفاً جداً .
رواية بولس الأولى كانت في (أعمال 9/1-10) وروايته الثانية في (أعمال 22/6-12) وله رواية ثالثة (عن عتاب عيسى له) في (أعمال 26/12-19) وهناك الملاحظات الآتية على هذه الروايات الثلاث :
1- ما رواه بولس عن كلام عيسى يختلف في كل رواية عن الراوية الأخرى !!
2- في الرواية الأولى والثانية سقط بولس وحده على الأرض . وفي الثالثة سقط بولس ومن معه من المسافرين (أعمال 26/14) .
3- في الرواية الأولى والثانية لم يذكر اللغة التي تكلم بها عيسى معه . وفي الثالثة قال هي اللغة العبرية (أعمال 26/14) .
4- في الرواية الأولى والثانية ، عندما سأل بولس عيسى (حسب زعمه) عما يجب عليه أن يفعل ، أجاب عيسى أذهب إلى دمشق وهناك خبرونك (أعمال 9/6، أعمال 22/10) ولكن في الرواية الثالثة لم يطلب منه عيسى أن يذهب إلى دمشق، بل قال له قم وأرسله إلى الأمم (أعمال 26/16-17) .
5- وفي الرواية الأولى والثانية ، فقد بولس البصر بسبب البرق الخاطف . في الرواية الثالثة ، لم يذكر فقد بصره ! .
6- في الرواية الأولى ، ذكر أن بولس فقد بصره لمدة ثلاثة أيام وشفاه التلميذ حنانياً في دمشق. وفي الرواية الثانية لم يذكر مدة فقده للبصر ولم يذكر أو حنانيا شفاه . وفي الرواية الثالثة لم يذكر فقد بصره أساساً !
7- وفي الرواية الأولى ، ورد أن بولس لم يأكل ولم يشرب لمدة ثلاثة أيام . في الرواية الثانية والثالثة لم يرد ذلك !
8- في الرواية الأولى والثانية ورد ذكر التليمذ حنانيا على أنه استقبل بولس في دمشق . وفي الرواية الثالثة لم يرد ذكر حنانيا على الإطلاق !
9- في الرواية الأولى ، وردت عبارة " صعب عليك أن ترفس مناخس" مع تعريف عيسى لنفسه . وفي الرواية الثانية ، لم ترد هذه العبارة . وفي الرواية الثالثة ، وردت مع نداء عيسى لشاول وعتابه له مباشرة !
10- في الرواية الأولى والثانية ، لم يطلب عيسى من شاول (أي بولس) أن يدعو الأمم (أي غير اليهود) . ولكن في الثالثة ، طلب منه ذلك " أنا الآن أرسلك إليهم (أي إلى الأمم ) (أعمال 26/17) .
11- في الرواية الثانية، قال حنانيا لبولس " قم واعتمد واغسل خطاياك" (أعمال 22/16) ولم ترد هذه في الرواية الأولى ولا في الثالثة !
12- في الرواية الأولى والثانية ، ذكر رد فعل المسافرين معه . في الرواية الثالثة لم يرد ذكر على الإطلاق !
13- في الرواية الأولى والثانية ، قال بولس "ماذا أفعل يا رب" وفي الثالثة لم يرد ذلك السؤال !!
وهكذا نرى مدى الاختلافات بين روايات بولس عن الحادثة التي وقعت له . كلما رواها وصفها بطريقة مختلفة . على ماذا يدل هذا التناقض في روايات المتكلم عن حادثه وقعت له وخاصة إذا كانت الحادثة من نوع كلام بولس مع عيسى الذي كلمه من اسماء (حسب زعمه) ؟! حادثه مبهرة من ذلك النوع لا ينساها صاحبها !! فلماذا تناقضت رواياته عنها ؟!!!
والأعجب من ذلك أن بولس تراجع عما قال إنه سمعه ورآه فوصف كل ما حدث على أنه "رؤيا" (أعمال 26/19) أي حلم . رأى عيسى في الحلم !!! كا أكثر أحلامهم . بطرس حلم أن الله أباح لحوم جميع الحيوانات !!! وها هو بولس يحلم أنه سمع عيسى يخاطبه ويأمره بنشر الدعوة بين الأمم . بولس (النائم) يحلم أن عيسى (الميت) يخاطبه . الميت يخاطب النائم !!! لا الميت يتكلم ولا النائم يسمع !!! ومع ذلك صدقوا بولس . ولكن بولس كسف نفسه بتناقض رواياته الثلاث ثم بوصفه ما سمعه أنه "رؤيا" أي حلم من الأحلام !!!
إذا روى شخص قصة هامة وقعت له وكرر روايتها مرتين ووجدت فيها عشرات الاختلافات والتناقضات الرئيسية ، فماذا تقول عن قصته ؟!! وماذا تقول إذا قال لك قصتي وقعت لي في الأحلام ؟!
مكائد اليهود :
مكائد اليهود هي لا تتغير. حاكوها في الماضي كما في الحاضر. حاكوها ضد موسى وضد هارون وضد سائر الأنبياء. وحاكوها ضد عيسى حين شكوه إلى الوالي بتهمة أنه يريد انتزاع الملك من قيصر. وحاكوها ضد بولس بتهمة قوله بالقيامة . ولقد طلبوا من الوالي الروماني أن يحضر بولس معه إلى أورشليم ، واقترحوا أن يكمن له كمين في الطريق لقتله، فرفض الوالي اقتراجهم . الكمين والغدر !! تماماً مثلما استدعوا الكونت برنادوت إل القدس ليكون ضيفاً على حكومة إسرائيل ممثلاً للأمم المتحدة . نعم استضافوه . وفي أورشليم كمنوا لضيفهم وقتلوه!!! ما هذه الأخلاق ؟! يدعونه ليحل ضيفاً عندهم ليقتلوه !! ما أكرم ضيافتهم !!! وما أخس
لرد على أسئلة (توني بولدروجوفاك) وتشكيكاته حول
القرآن الكريم والنبي العظيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله الأمين سيدنا محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر إخوانه الأنبياء والمرسلين الذين دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأقام الله بهم الحجة على الكافرين المعاندين والمخالفين.. وبعد
مقدمة
فقد قدم لي أحد الأخوة المهاجرين في أمريكا رسالة كتبها من ادعى أن اسمه (توني بولدروجوفاك) وهذه الرسالة مصدرة بإسم (السيد الكريم - السلام عليكم) ولم يذكر كاتبها من هو هذا السيد الكريم الذي وجهها إليه، وإنما وزع كاتب الرسالة رسالته هذه على المراكز الإسلامية في أمريكا. وتشمل هذه الرسالة التي تقع في نحو صفحة واحدة ونصف مجموعة كبيرة من الشبهات والإعتراضات والتشكيك في صحة القرآن الكريم، ورسالة الإسلام.
فقد ادعى في هذه الرسالة -حسب زعمه- أن في القرآن ما يدل على أنه من تأليف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه متناقض، وادعى أن ترتيب سور القرآن غير متناسق تاريخيا ولا منطقيا، وأن الإنجيل قد فاق القرآن تنظيما وترتيبا.
وادعى كذلك أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله كان فيها كثير مما يخالف العقل والعلم والحياة، واستدل لذلك بوصف النبي لخلق آدم وأنه خلقه ستين ذراعا في السماء، واستدل لذلك بحديث الذباب الذي ادعى أنه يناقض الطب، وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم لسبب مجيء الطفل يشبه أباه تارة، وأمه تارة أخرى مدعيا أن أحدا لا يصدق الرسول في تفسيره أن مَرَدَّ ذلك لسرعة القذف.
وقد رأيت من واجبي وإن كنت في زيارة سريعة للولايات المتحدة أن أرد على هذه الشبهات والأسئلة التي جاءت للطعن والتشكيك في دين الإسلام الحق.
فأقول - مستعينا بالله:
أولا: لا وجه للمقارنة بين القرآن والإنجيل:
كنت أتمنى أن يفصح كاتب الرسالة والذي سمى نفسه (توني بولدروجوفاك) عن دينه الذي يدين به، وعقيدته التي يراها حقا، لنعرف أين يقف هذا المنتقد والمعترض لدين الإسلام من الرب سبحانه وتعالى ورسالاته، ومسائل الغيب، وما هي نظرته للكون والحياة، وذلك أن الذي يعترض على أمر ما من المفروض أن يكون قد اعتقد ما يراه هو صوابا وحقا، وسؤالنا الأول للمشكك في الإسلام والقرآن ونبي الإسلام ما الدين الذي تراه أنت صوابا وحقا حتى نجادلك على أساسه؟ والذي يظهر من اعتراضات صاحب الرسالة (توني بولدروجوفاك) أنه يؤمن بالنصرانية، ومما يدل على ذلك عقده للمقارنة بين القرآن الذي يرى فيه اضطرابا واختلافا وتناقضا وتشويشا وعدم ترتيب، وبين الإنجيل الذي يراه بريئا من ذلك بالرغم من أن الإنجيل -حسب زعمه- كتب قبل آلاف السنين (هكذا)!!.
وأقول للأسف الشديد أن يعقد من له أدنى عقل مقارنة بين الكتاب المعجز الخالد القرآن الذي تحدى الله به الأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثله، وقد عجز أئمة البيان وفرسان الكلمة، وحذاق العلم في كل العصور أن يجاروا القرآن بلاغة وفصاحة وبيانا، وعجز الأولون والآخرون أن يجدوا فيه ثغرة أو اختلافا، وعجز المشككون فيه أن يجدوا تناقضا واحدا مع ما يكتشفه البشر من علوم وأسرار الكون ما كان للأولين أن يحلموا بشيء منها، بل لو قيلت لهم في ذلك الوقت لكفروا بها، ومع ذلك أخبر بها القرآن صراحة ووضوحا.
أقول للأسف أن يعقد عاقل مقارنة بين هذا القرآن الكريم الخالد المعجز وبين الإنجيل الذي فقد أصله، وتعاورته آلاف الأيدي بالتبديل والتغيير والتنقيح وحوى آلاف المتناقضات وليس فيه ما يدل على أنه كتاب منزل من الله فما هو إلا مذكرات ويوميات كتبها بعض تلاميذ المسيح عليه السلام أو تلاميذ تلاميذه، وكلهم كتب قصة حياة المسيح، وليس وحيا أوحاه الله إلى المسيح عليه السلام فبدأ بعضهم بذكر نسب المسيح، واختلف هؤلاء في سياق نسبه وجعل بعضهم بعض أجداده مولودا من سفاح وذكروا كيف ولد، وكيف هرب به خطيب أمه، وكيف سجل اسمه بعيدا عن بلدته (الناصرة) حتى يعمى خبره على اليهود، وكيف سافر به خطيب أمه من بلدة إلى بلدة.. ثم كيف تعمد على يد يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا عليهما السلام)، وكيف بدأ دعوته إلى توحيد الله وعبادته، وكيف توجه من قرية إلى قرية يشفي المرضى، ويعالج الزمنى، ويحيى بعض الموتى، ويبارك له في الطعام القليل ليصبح كثيرا، ويبشر بالآخرة، ويسب اليهود ويلعنهم قائلا لهم: "يا أبناء الأفاعي، لستم أولاد أبيكم إبراهيم، وإنما أنتم أبناء الشيطان".
وكيف بشر بالنبي الخاتم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي سماه (المعزي)، (والفارقليط) الذي يبقى دينه إلى آخر الدنيا، ويعاقب الناس على الخطيئة، وأنه سيرحل ويترك الأرض حتى يأتي هذا المخلص وهو محمد عبدالله ليس غيره صلوات الله وسلامه عليه.. فهو الذي أتي من بعده، وخلص الله العالم به من الخطيئة وكان رحمة للعالمين، فكل من آمن به من اليهود والنصارى وسائر الشعوب خلصهم، وأنقذهم الله به من الضلالة، وبصرهم به من العمى، وعرفهم به طريق الرب سبحانه وتعالى ودلهم على الصراط المستقيم الذي لا يضل سالكه، والذي فصل الله فيه أحكام كل شيء، وأبان فيه لليهود والنصارى ما كانوا يختلفون فيه من شأن الدين فلم يبق بعد رسالته عذر لمعتذر. ولا شبهة لأحد..
والخلاصة أن الإنجيل الموجود بأيدي النصارى إنما ذكر فيه كاتبوه سيرة المسيح حسب ما تصورها كل منهم، وليس فيه أن هذا خطاب الله من السماء إلى عيسى وليس فيه ما يدل كذلك على أن عيسى هو الله الذي كتب هذا الإنجيل، وإلا فكيف يكتب الرب سبحانه وتعالى عن نفسه "أنه ولد يوم كذا وكذا في (مذود بقرة) ولفته أمه بقماط، وهرب به خطيب أمه خوفا من اليهود وأنه كان يصلي، ويبكي ويجوع، ويتوجع، ويتحسر أنه لا يملك مسكنا يضع فيه رأسه"!! هل يكون هذا وحي أوحاه الله من السماء للأرض، وهل يكون هذا كلام الإله؟ خالق السماوات والأرض، أو ابن الإله الذي هو مثله أو ذاته ونفسه كما تقول النصارى.. هل يتوجع الإله أنه لا يملك بيتا يستريح فيه، في الوقت الذي للطير أعشاش تأوي إليها، وللثعالب جحور تختبيء وتستريح فيها، حيث يقول الإنجيل عن عيسى أنه كان يتوجع قائلا: "للطيور أوكار، وللثعالب أوكار وليس لإبن الإنسان مكان يضع فيه رأسه".. هل يتحسر خالق السماوات والأرض، وملك العالم والكون أنه لا يملك ما يملكه ثعلب أو غراب.. وأقول هل يمكن أن يكون مثل هذا الكتاب هو وحي الله النازل من السماء..
وهل يعقل أن يقوم عاقل (مثل صاحب الرسالة) بعقد مقارنة بين القرآن والإنجيل ويفضل فيها الإنجيل على أنه كتاب مؤتلف منتظم في حين أن القرآن كتاب مشوش متناقض؟!!
وهل يعقل يا أصحاب العقول والفهوم أن يكون الإنجيل هذا وحيا وهو يحكي كيف حوكم الرب الإله (يسوع) وسيق ذليلا مهانا إلى حبر اليهود ورأسهم في زمانه ليحكم فيه بحكم التوراة، وأنه سأله "هل أنت ملك اليهود" فلما أجاب بما يفيد ذلك، صُفعَ على قفاه، وحكم بقتله جزاء تجديفه وكفره وبدعته فسيق إلى الموت والصلب مغلوبا ذليلا مبصوقا في وجهه يحمل صليبه على ظهره، ويسير معه إلى الموت لِصَّان زيادة في إذلاله وأنه رفع إلى الصليب فسمرت فيه يداه ورجلاه، وعطش فاستسقى فرفع له الخل بدلا من الماء، ثم طعن في جنبه فسال دمه "ولكنه لم ينزل إلى الأرض لأنه لو نزل لهلكت الأرض ودمر العالم" هكذا يدعي النصارى، وكأن كل الإذلال السابق لا يكفي لدمار الأرض وهلاك العالم!! والمحذور والجريمة فقط أن يسقط دم الإله على الأرض، لكن أن يصلب ويصفع ويبصق في وجهه، لا يهم ولا يضر..
ثم إن المسيح (إله الأرض والسماوات كما يزعم النصارى) تكسر رجلاه، وينزع قميصه ويتقاسمه الحراس ويبقى عاريا على الصليب، ثم ينزل ويقبر ويمكث في القبر ثلاثة أيام.. وكل ذلك وهو الملك خالق السماوات والأرض وإله الكون كما يزعمون، وخالق الرسل والأنبياء، ومن له ملكوت السماوات والأرض وجنود السماوات والأرض.. ثم إنه بعد هذا الإذلال كله والإهانة جميعها يصعد إلى السماء تاركا أكفانه التي كفن فيها في الأرض!! وتاركا أمه، وتلاميذه في حيرة من أمرهم فيه..
وكل هذا الهراء والسخف يقولون إنه وحي الله النازل من السماء.
وأنا أسأل: من أنزل هذا الهراء والسخف؟ الأب الذي في السماء؟! وعلى من أنزله بعد موت ابنه هذه الميتة البئيسة -كما يزعمون-؟! أم الابن الذي فُعِلَ به كل هذا الشر، وهو يبكي تارة، ويتوجع أخرى، ويتوسل إلى الأب أن يصرف هذه الكأس المرة عنه، ومع ذلك فلا يستجيب له، ولا يرق لبكائه وعبراته، وصراخه، ويحكم عليه أنه لا بد وأنه يذوق الموت على هذا النحو الذليل؟! ولماذا؟. ليخلص البشر من خطيئة أبيهم آدم؟! لأن آدم، الذي ارتكب تلك الخطيئة الكبرى لوثته ونجست جميع ذريته، ولم يستطع لا آدم ولا كل الأنبياء والرسل بعده أن يتخلصوا من هذه النجاسة والجريمة التي ارتكبها أبوهم، وكان لا بد وأن يرسل الله ابنه الوحيد -كما يزعمون- ويحكم عليه بالموت صلبا وقهرا وذلا حتى يرضى الرب الإله الذي لا يرضيه إلا أن يموت ابنه على هذا النحو البئيس.. ليفدي البشر. فيا له من إله ظالم يَلْعَنُ الأبناء بفعل آبائهم، ويتوب عليهم بتوبة ابنه ويصحح الخطأ الصغير لآدم، بجريمة كبرى لليهود، ويخلق الخلق لغير حكمة، أو مراد معقول، وأقول تعالى الله عما يقول الضالون الظالمون علوا كبيرا..
والعجيب أن كل هذا السخف والهراء، والكذب والافتراء وسب الله ورسالاته، واتهام الأنبياء السابقين جميعا أنهم كانوا جهلة كفارا إذ لم يعلم أحد منهم أن لله ابنا، وأن الإله الواحد إله مثلث يتكون من الأب والابن وروح القدس بثلاثة أقانيم، وأنه سيرسل ابنه ليفديهم من خطيئة أبيهم آدم التي لم يعرفوا كيفية الخلاص منها..
أقول العجب أن يكون هذا الدين، وهذا الإنجيل الذي يسب الله على هذا النحو، ويسب عيسى بن مريم عليه السلام، ويسب جميع الأنبياء وينسب إليهم الجهل والكفر والخطيئة. العجب أن يعتقد عاقل هذا وحيا أوحاه الله إلى عباده..
والأعجب أن يقوم من يدعي العقل والدين ليعقد مقارنة بين هذا السخف كله وبين القرآن الكريم الكتاب المعجز الذي عرفنا بالله سبحانه وتعالى الإله الحق الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، الإله الحق الرحيم الودود العزيز المتكبر، الذي لا يبلغ العباد ضرة فيضروه، ولا يبلغون نفعه فينفعوه.. فالبشر عاجزون عن ضر الله ونفعه.. هذا الكتاب الذي أثنى على الأنبياء وشرفهم وأعلى منازلهم، ورفع درجاتهم، وبين عزتهم ومكانتهم، والذي جعل الرسل في مكان التحدي والعزة فلا يستطيع البشر مهما أوتوا من قوة أن يكون لهم سبيل عليهم فلا نوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا هود، ولا صالح ولا لوط، ولا عيسى استطاع أعداؤهم أن يصلوا إليهم رغم ما تميزت قلوبهم من الغيظ عليهم.
كما قال تعالى عن نوح وهو يتحدى قومه أن يقتلوه أو ينالوا منه: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون} (يونس:71).
وقال تعالى عن إبراهيم: { وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين} وذلك أنهم أرادوا حرقه فأنجاه الله من النار وقال: {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}.
وكذلك هود قال لقومه متحديا وقد هددوه بالقتل والهلاك: {قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} (هود:54-56).
وكذلك صالح أنجاه الله عندما تآمر قومه على قتله وعزموا على اغتياله ليلا حيث لا يراهم أحد ولا يعرف أقاربه من قتله، فأنجاه الله ودمر قومه كما قال تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون، ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}..
وكذلك لم يستطع فرعون قتل موسى مع ضعف موسى وقلة نصيره في مصر، وكان فرعون الجبار يتحرق شوقا إلى مقتله فلم يستطع كما قال تعالى عن فرعون: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} ومع ذلك لم يستطع حيث انبرى قومه يحذرونه، وقام له رجل مؤمن يحذره مغبة ذلك فرد الله كيد فرعون في نحره وبقي ذليلا مقهورا لا يستطيع وهو ملك مصر المتصرف فيها أن يقتل غريبا ملاحقا طريدا قد قتل منهم يوما ما، وأهانهم، وعاب دينهم وهو يتوعدهم كل يوم بالويل والثبور، ومع ذلك صانه الله أن يصلوا إليه..
فهل يكون كل هؤلاء الرسل أعز على الله من عيسى بن مريم الذين يهينه الله هذه الإهانات البليغة، ويمكن أعداءه ليفعلوا به كل هذا الشر، والحال أن الرب العزيز الذي يحمي من التجأ إليه ويغيث من استغاث به، ولا يمكن أن يرسل الرسل وهم منتسبون إليه، متكلمون باسمه، داعون إلى دينه، ثم يمكن أعداءهم منهم ليقتلوهم ويصلبوهم.. لو فعل ذلك الرب لكان هذا أعظم تنفير للناس من دينه والإيمان به والالتجاء إليه.. فكيف والنصارى المشركون يقولون إن عيسى ليس رسوله فقط بل هو ابنه الوحيد الذي يحبه من كل قلبه -كما يزعمون-.. فإذا كان الرب الإله يصنع في ابنه الوحيد كل هذا الإذلال والقهر فكيف بغيره؟
ولا يُعتَرض على ما نقول بما يَبتلي الله به الأنبياء غير الرسل الذين قتل منهم عدد كبير، وكذلك عموم المؤمنين الذين يبتلون بالتعذيب والقتل وذلك أن الرسل في مقام التحدي وأما الأنبياء والمؤمنين فإنهم ليسوا كذلك، ويبتليهم الله ليرفع درجاتهم ويعلي منازلهم عنده فيكون منهم الشهداء الذين يقتلون في سبيله وأما الرسل فهم في مقام التحدي ولا بد أن يمكن الله لهم ليبلغوا رسالة ربهم، ولا يقتلوا بيد البشر حتى لا يسقط دليلهم، وتدحض حجتهم بأنهم رسل الله المعصومون أن ينالهم أعداؤهم..
وهذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مع حرص الكفار على مقتله وتآمرهم على ذلك واجتماع كلمتهم على اشتراك جميع القبائل في مقتله، لكن الله أنجاه منهم كما قال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال:30). ومعلوم كيف أنجى الله عبده ورسوله محمدا، وأخرجه من بين ظهراني المشركين وأعزه ونصره حتى دخل مكة فاتحا منتصرا. {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.
وهكذا الشأن في عيسى عليه السلام أيضا فإن اليهود لما مكروا مكرهم به، ووشوا به إلى (بيلاطس) الحاكم الروماني في فلسطين نائب القيصر عليها، وحكم عليه اليهود بأنه مبتدع ضال (مجدف) يستحق القتل.. فإن الله سبحانه وتعالى لم يمكن اليهود من تنفيذ هذا المكر الخبيث.. فرفع الله عيسى إليه في السماء دون أن يمسه هؤلاء المجرمون بأذى، بعد أن بَلَّغَ رسالته، ونشر دينه، وأقام الحجة على المعاندين، وأقام من أنصاره من يحمل الدين بعده، وعاهدهم على ذلك كما قال تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} (آل عمران:52).
والخلاصة أن عيسى بن مريم عليه السلام كان الشأن معه هو الشأن مع إخوانه الرسل جميعا حيث أن الله أنجاه من أعدائه اليهود عندما تألبوا عليه، وأرادوا أن يقتلوه ويصلبوه - فطهره منهم ورفعه إلى السماء عزيزا كريما، وادخره عنده لينزل في آخر الزمان حاكما بالقرآن الكريم، تابعا للنبي الخاتم مصليا مع المسلمين، كاسرا للصليب المزعوم، قاتلا للخنزير الخبيث الذي يستحل أكله المنسوبون إليه من النصارى، وهو الحيوان الخبيث الذي جاءت كل شرائع الأنبياء بخبثه وشينه، وجاء (بولس اليهودي (شاول) المغير لدين المسيح) ليحل لهم ما حرم الله عليهم على لسان عيسى وموسى.. واتبعه هؤلاء الضالون الذين لا يميزون بين شريعة الله وشريعة الشيطان أقول أنجى الله عيسى بن مريم عليه السلام أن يناله القتل والصلب والإذلال والإهانة كما أنجى الله سائر الرسل الكرام.
وأعود فأقول كيف يستوي في العقل والمنطق ذلك القرآن الكريم الكتاب المعجز الخالد، وهذا الإنجيل الذي حوى كل هذه الخرافات والخزعبلات والعظائم والقبائح مما لا يجوز أن ينسب إلى الله رب العالمين..
والخلاصة أن هذا المدعو (توني بولدروجوفاك) الذي توجه بأسئلته التافهة ليطعن في القرآن أو يدعي أنها لا توافق عقله ومنطقه وفهمه ويمدح الإنجيل ويثني عليه أنه يستقيم مع العقل والمنطق والفهم..
فإذا كان هذا عقلك وفهمك حيث تفضل هذا الغثاء والكفر على الدين الحق القويم وعلى كتاب الله رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. فحسبك هذا البيان لتراجع عقلك وفكرك.
وإذا كنت تعرف الحق وتجحده وتنكره.. فاعلم أن هذا يضرك غدا عندما تقف بين يدي مولاك وخالقك وإلهك إله السماوات والأرض، ويكون أول من يبرأ منك ويلعنك هو المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، الرسول الكريم
: ونبدأ الآن بعرض أسئلة المعترض سؤالا والجواب على كل سؤالا منها.
(1) حديث الله سبحانه وتعالى عن نفسه في القرآن بصيغة المتكلم تارة وبصيغة الغائب أخرى.
* السؤال أو الاعتراض الأول: يقول السائل (توني بولدروجوفاك):
كيف يمكن اعتبار القرآن قد أوحى إلى محمد، وفي نفس الوقت نجد أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- هو المتكلم في آيات عديدة كما في سورة 1 الآية 5،7 - وفي سورة 2،105 الآية 117،163 وكما في سورة 3 الآية 2، وفي سورة رقم 40 الآية 65، والسورة رقم 43 الآية 88،89؟
* والجواب:
أن السائل لا يعرف أساليب اللغة العربية، ولا طرائق البلغاء في الكلام، ولا منهجهم في البيان، ومعلوم أن القرآن نزل بلغة العرب، وقد تحدى الله الأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة وبيانا وحلاوة وبناءا معجزا يستحيل الإتيان بكلام مثله في الحلاوة والبيان.
ومن أساليب العرب في البيان أن يتحدث المتكلم عن نفسه تارة بضمير المتكلم، وتارة بضمير الغائب، كأن يقول المتكلم: فعلت كذا وكذا، وذهبت وآمرك يا فلان أن تفعل كذا، وتارة يقول عن نفسه أيضا: إن فلانا -يعني نفسه- يأمركم بكذا وكذا، وينهاكم عن كذا، ويحب منكم أن تفعلوا كذا كأن يقول أمير أو ملك لشعبه وقومه وهو المتكلم إن الأمير يطلب منكم كذا وكذا.. وهو يشير بذلك أن أمره لهم من واقع أنه أمير أو ملك. وهذا أبلغ وأكمل من أن يقول لهم أنني الملك وآمركم بكذا وكذا.. فقوله: أن الملك يأمركم أكثر بلاغة من قوله أنني الملك وآمركم.. وقد جاء القرآن بهذا النوع من البيان كما في الآيات التي اعترض بها السائل فظن أن هذا لا يمكن أن يكون من كلام الله سبحانه وتعالى: نحو قوله تعالى في سورة البقرة: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}، وقوله في سورة آل عمران: {ألم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم، نزل عليك الكتاب بالحق} فظن هذا الذي لا يعرف العربية أن الله لا يمكن أن يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب وأنه كان لا بد وأن يقول (نزلت عليك يا محمد الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه..) ونحو ذلك وهذا جهل بأساليب اللغة العربية، وموقعها في البيان والبلاغة.. ولا شك أن خطاب الله هنا وكلامه عن نفسه بصيغة الغائب أبلغ من لو قال سبحانه (ألم، أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم نزلت عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه الآيات).
وعلى كل حال فهذا أسلوب من أساليب البلاغة في اللغة، والظن أن هذا يطعن في القرآن وأنه ليس من عند الله وإنما من عند الرسول ظن تافه ساذج في منتهى الركاكة والجهل.
وأما الالتفات في الخطاب من الحضور إلى الغيبة والعكس، كأن يخاطب المخاطب بضميره فيقول أنك فعلت كذا وكذا ثم تخاطبه تارة أخرى بضمير الغائب فتقول له: فعل فلان كذا وكذا وأنت تعنيه. فهذا كذلك أسلوب من أساليب البلاغة: كقوله تعالى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} ولا شك أن النبي هو المقصود، ثم حول الله الخطاب إليه قائلا: {وما يدريك لعله يتزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى.. الآيات} (1:80،4).
وأما أن القرآن كتاب تعليم وتوجيه فقد جاء ليعلم المسلمين ماذا يقولون في صلاتهم، وبماذا يدعون ربهم فقد أنزل الله سورة (الفاتحة) لتكون دعاءا وصلاة للمسلمين يتلونها في كل ركعة وفيها: {الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين} وهذا كلام الله عن نفسه سبحانه يصف نفسه بهذه الصفات الجليلة العظيمة ثم يعلم المسلمين أن يقولوا في صلاتهم ودعائهم هذا {إياك نعبد، وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين}.
فهذه السورة تعليم وتوجيه من الرب سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين ليصلوا ويدعوا بها في كل ركعة من ركعات صلاتهم.. وفي هذه السورة من البلاغة والإعجاز والمعاني ما لا تسعه هذه الرسالة الموجزة. ولو أن عالما بالعربية تدبرها كفته إعجازا وشهادة أن هذا القرآن منزل من الله سبحانه وتعالى وليس من كلام بشر.
والخلاصة من هذا السؤال أن صاحبه إنما أتى به من كونه لا يعلم العربية ولا أساليب البيان والفصاحة وما أظن إلا أن معظم اللغات تعرف هذا اللون من التعبير والذي يسمى بـ (الإلتفاف) أي التحول من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، لمقاصد كثيرة كتخفيف العتاب، أو توجيه النظر إلى البعيد أو استحضار المشهد، أو التعظيم، أو التحقير ونحو ذلك من مقاصد البلغاء.
وكذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة (غافر:65) {هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين، الحمد لله رب العالمين} فهو خطاب لله سبحانه وتعالى عن نفسه بصيغة الغائب وهو تعريف للعباد بذاته العلية جل وعلا.. وقد قدمنا أن هذا أسلوب من أساليب العربية في الخطاب.
ومثل هذا أيضا ما اعترض به هذا الجاهل باللغة وهو قوله تعالى في (سورة الزخرف:88،89): {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون، وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}. فإن هذا جميعه من حديث الرب جل وعلا عن نفسه، وعن رسوله، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان إذا سأل المشركين عن خالق السماوات والأرض يعترفون أنه الله سبحانه وتعالى فعجب الله نبيه صلى الله عليه وسلم من حال هؤلاء المشركين الذين يعتقدون بأن الله خالق السماوات والأرض ثم لا يفردونه وحده بالعبادة، ولا يؤمنون بقدرته على إحيائهم بعد موتهم {فأنى يؤفكون} أي يقلبون، ثم ذكر الله توجع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وشكاته من قومه {وقيله} أي وهذا قول الرسول لربه {يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} وعندئذ يأتيه الجواب وهو بمكة {فاصفح عنهم وقل سلام} أي لا تعلن حربا عليهم الآن: {فسوف يعلمون} ما يكون مآلهم في الدنيا من القتل بأيدي المؤمنين، ومآلهم في الآخرة من الخلود في النار أبد الآبدين.
وهذا الجاهل باللغة يظن أن قوله تعالى: {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون}.. الآية، أن هذا من كلام محمد صلى الله عليه وسلم وإذن فالقرآن لا يمكن أن يكون من كلام الله. ومثل هذا السخف لا يحتاج إلى رد ولكن ماذا نفعل إذا كان هؤلاء هذا هو مستواهم من العلم.. ومع ذلك يعارضون القرآن، ويشككون في رسالة الإسلام.
(2) لا تناقض في القرآن حول عدد أيام خلق السماوات والأرض.
* السؤال الثاني ونصه كما يلي:
السورة (3:10) ذكر بها أن خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام. السورة (9:41 إلى 12) ذكر بها أن خلق الأرض تم في يومين وخلق الله الأنهار والغابات.. الخ في الأرض (بعد خلقها) في أربعة أيام، وأنه قد خلق السماوات في يومين (السورة 10 تتناقض مع السورة 41 (2+4+2=8 أيام)).
* والجواب: هذا السؤال يتعلق بقوله تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها..}.
نعم بجمع هذه الأيام دون فهم وعلم يكون المجموع ثمانية وقد ذكر الله في مواضع كثيرة من القرآن أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام..
وما ظنه السائل تناقضا فليس بتناقض فإن الأربعة أيام الأولى هي حصيلة جمع اثنين واثنين.. فقد خلق الله الأرض خلقا أوليا في يومين ثم جعل فيها الرواسي وهي الجبال ووضع فيها بركتها من الماء، والزرع، وما ذخره فيها من الأرزاق في يومين آخرين فكانت أربعة أيام. فقول الله سبحانه وتعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين}، هذه الأيام الأربعة هي حصيلة اليومين الأولين ويومين آخرين فيكون المجموع أربعة. وليست هذه الأربعة هي أربعة أيام مستقلة أخرى زيادة على اليومين الأولين.. ومن هنا جاء الخطأ عند السائل.. ثم إن الله خلق السماوات في يومين فيكون المجموع ستة أيام بجمع أربعة واثنين..
ولا تناقض في القرآن بأي وجه من الوجوه.. ثم إن القرآن لو كان مفترى كما يدعي السائل فإن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن ليجهل مثلا أن اثنين وأربعة واثنين تساوي ثمانية وأنه قال في مكان آخر من القرآن إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام.. فهل يتصور عاقل أن من يقدم على تزييف رسالة بهذا الحجم، وكتاب بهذه الصورة يمكن أن يخطئ مثل هذا الخطأ الذي لا يخطئه طفل في السنة الأولى الإبتدائية؟!
لا شك أن من ظن أن الرسول افترى هذا القرآن العظيم ثم وقع في مثل هذا الخطأ المزعوم فهو من أحط الناس عقلا وفهما. والحال أن السائل لا يفهم لغة العرب وأن عربيا فصيحا يمكن أن يقول: زرت أمريكا فتجولت في ولاية جورجيا في يومين، وأنهيت جولتي في ولاية فلوريدا في أربعة أيام ثم عدت إلى لندن.. لا شك أن هذا لم يمكث في أمريكا إلا أربعة أيام فقط وليس ستة أيام لأنه قوله: في يومين في أربعة أيام يعني يومين في جورجيا ويومين في فلوريدا..
وهذه الآية التي نحن بصددها تشبه أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة في مثل ذلك يكون مضغة في مثل ذلك فإن هذا جميعه في أربعين يوما فقط وليس في مائة وعشرين يوما كما فهمه من فهمه خطأ فقول الرسول (في مثل ذلك) أي في هذه الأربعين، ومثله هنا قوله تعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام} أي بزيادة يومين عن اليومين الأولين.
حول إنجيل مَتَّى""اضحك معنا علي اللخبطة في كلام يسوع المزور الذي أوحاه بالبريد الالكتروني ل"يوحنا" النائم في العسل وكذلك"شاول المسمي ببولس المجرم الكذاب القاتل "اثناء نوبة صرع مقدسة تمخض عنها العهد الجديد الرائع بمتناقضاته العجيبة ""ارجووووك أديني عقلك؟؟؟
متى هو أحد الحواريين الاثني عشر. كتب إنجيله سنة 41م حسب قول البعض، أي بعد ثماني سنوات من رفع المسيح. والبعض يرى أنه كتبه سنة 60م، أي بعد رفع المسيح بنحو سبع وعشرين سنة.
كتب متى إنجيله باللغة العبرية، والبعض يقول باللغة الآرامية. ومهما كانت لغة الأصل، فإن الأصل مفقود. والموجود هو الترجمة اليونانية. المترجم مجهول. تاريخ الترجمة مجهول. الأصل لا وجود له، مما يجعل من الصعب التثبت من مدى تطابق الترجمة مع الأصل.
سنرى في إنجيل متى كيف تتعارض نصوصه مع بعضها البعض، وكيف تتعارض كثير من نصوصه مع الأناجيل الثلاثة الأخرى، وكيف تتعارض مع التوراة أيضاً.
نسب المسيح:
يبدأ إنجيل متى بعرض نسب المسيح. ويبدأ هكذا: "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود بن إبراهيم. إبراهيم وَلَدَ إسحاق. وإسحاق وَلَدَ يعقوب..." (متى 1/1-2).
ويلاحظ في متى 1/1-17 ما يلي:
1- يقر النص بأن عيسى ولد لقوله "كتاب ميلاد يسوع". فإذاً ليسوع ميلاد، فهو وُلِدَ وهو مولود. والسؤال هو: كيف يكون المولود ربَّاً ؟!! (كما يزعمون).
2- يزعمون أن عيسى ابن الله، ولكن النص هنا يقول إن عيسى هو ابن داود. فكيف يكون عيسى ابن داود ثم يكون ابن الله ؟!!
3- من المعروف أن داود هو ابن يَسَّى (متى 1/6). فكيف يكون داود ابن إبراهيم في الوقت ذاته ؟!!
4- يقول النص "من سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً". هذا يناقض سفر أخبار الأيام الأولى (أصحاح 3) الذي يذكر الزمن بأنه ثمانية عشر جيلاً، وليس أربعة عشر. هناك تناقض بين الإنجيل والتوراة!!
5- يذكر النص "جميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً. ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً. ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً". (متى 1/17). وهذا يعني أن مجموع الأجيال من إبراهيم إلى المسيح هو 42 جيلاً. ولكن إذا أحصينا الأجيال المذكورة فعلاً في متى 1-17 نجدها 41 جيلاً فقط. إن النص يعارض نفسه!!
6- نسب المسيح المذكور في إنجيل لوقا يخالف نسبة المذكور في متى. لوقا (3) يذكر النسب من آدم حتى عيسى، ولكن متى يذكر النسب من إبراهيم حتى عيسى. فهل اختلف الوحي ؟! أم ماذا ؟!
7- من إبراهيم إلى عيسى (حسب لوقا) 26 جيلاً فقط. ولكن حسب متى 41 جيلاً. الفرق 15 جيلاً!!!
8- يوسف، خطيب مريم أم عيسى، هو ابن يعقوب حسب (متى 1/16). ولكنه ابن هالي حسب لوقا 3/23 . تناقض واضح بين الإنجيلين!!
9- متى 1/11 يذكر أن يوشيا كان ملك يهوذا عند سبي بابل، ولكن الواقع التاريخي يقول إن يوشيا مات قبل السبي البابلي بمدة طويلة (أخبار الأيام الثاني 35 و36).
10- فارض أحد أجداد عيسى حسب (متى 1/3) هو ابن زنى كما هو معلوم، لأن يهوذا بن يعقوب زنى بثامار أرملة ابنه. فكيف يكون أحد أجداد عيسى (ابن الله كما يزعمون) ابن زنى؟!!
11- متى يغمز بسليمان وداود حين يقول: "وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا". (متى 1/6). وهذا تعريض بداود وسليمان معاً، لأن أوريا هو الزوج السابق لأم سليمان. وهذا النص بهذا الشكل إحياء للقصة المزعومة التي تتهم داود بالزنى في زوجة أوريا!! (وداود منزه عن مثل هذا).
12- إن نسب عيسى لم يرد إطلاقاً في إنجيل يوحنا ولا في إنجيل مرقس. لماذا ؟ لأن نسب عيسى المذكور في متى ولوقا لا أساس له على الإطلاق، حيث إن داود لا علاقة له بعيسى من قريب أو بعيد، ولا حتى من جهة أمه مريم. مريم ليست من نسل داود. ويوسف ليس والد عيسى، فكيف يكون عيسى من نسل داود ؟! لقد جعلوا لعيسى أباً وأجداداً وجعلوه ابن الله الوحيد في الوقت ذاته!!! أليس هذا عجباً عجاباً؟!!
13- مَتَّى يقول عن مريم: "وُجِدَتْ حبلى من الروح القدس". (متى 1/18). إذاً لم يكن حملها طبيعياً وليس من يوسف. هكذا يقر متى. جميل. فكيف يكون عيسى ابن يوسف إذا كان يوسف ليس الذي حملت منه ؟! معنى هذا أن النسب في متى 1/1-17 لا أساس له على الإطلاق وكلام في غير محله، حيث إنه يتناقض مع متى 1/18 . التناقض فوري وعلى نفس الصفحة: هناك عيسى بن يوسف، ثم بعدها بسطر نقرأ أن مريم حملت من الروح القدس. إذاً أبوه ليس يوسف!!!
وهكذا هناك ثلاثة عشر خطأ وتناقض واختلاف في الصفحة الأولى من إنجيل متى 1/1-18. ثلاثة عشر خطأ في صفحة واحدة وعليك أن تتصور الباقي !!
موقف يوسف:
ماذا كان موقف يوسف خطيب مريم عيسى ؟ انظر النص: "لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس. فيوسف رجلها إذ كان باراً ولم يشأ أن يشهرها أراد تخليتها سراً". (متى 1/18-19).
إذا كانت قد وجدت حبلى من الروح القدس، وكان يوسف باراً، فمن المفروض أن يؤمن بمشيئة الله وألاّ يفكر بالتخلي عن مريم. وكيف يمكن أن يكون الطلاق سراً ؟!
ويأتي الملاك ويخبر يوسف ويناديه: "يا يوسف ابن داود.." يخبره بأن مريم حملت من الروح القدس (متى 1/20). ولكن يوسف هو ابن يعقوب (متى 1/16)، فكيف يصبح هنا ابن داود (متى 1/20). لماذا حشر داود في كل مناسبة ؟! تناقض في الإنجيل ذاته.
ويقول الملاك ليوسف: "ستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم". (متى 1/21). نلاحظ هنا ما يلي:
1- "ستلد ابناً". لم يقل الملاك "ستلد ابن الله" كما يزعم الزاعمون.
2- "شعبه". من المعروف أن شعب عيسى هم اليهود. لم يقل النص "يخلص الناس" أو "يخلص العالم". قال النص "يخلص شعبه". لماذا ؟ لأن عيسى مُرْسل من الله لبني إسرائيل فقط.
3- كيف سيلد يوسف ابناً إذا كانت مريم حبلى من الروح القدس ؟! إذاً عيسى ليس ابن يوسف، ويوسف لا علاقة له بمولد عيسى.
المولود ملك اليهود:
جاء المجوس من الشرق عندما ولد عيسى وقالوا "أين هو المولود ملك اليهود". (متى 2/2).
يدل هذا النص على ما يلي:
1- عيسى مولود. فكيف يكون المولود إلهاً أوربّاً كما يزعمون ؟!
2- هو ملك اليهود. النص في حد ذاته يدل على أن عيسى لليهود فقط. ولكن من ناحية أخرى مخالف للواقع لأن عيسى لم يكن ملكاً ولا أراد ذلك.
3- قصة هؤلاء المجوس لم ترد إلاّ في إنجيل متى. والأغلب أنها لم تقع أساساً. وهناك نص يدعم خصوصية رسالة عيسى: "لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل". (متى 2/6). عيسى سيرعى شعب إسرائيل فقط. هذا هو الإنجيل يقول هذا. فعلى كل نصراني أن يسأل نفسه: هل أنا من بني إسرائيل؟! الغريب أن اليهود الذين جاء عيسى لهم لم يتبعوه وأن الذين لم يأت عيسى من أجلهم تبعوه أو ظنوا كذلك !!
النجم يمشي ويقف:
ذهب المجوس يفتشون عن ذاك الذي ولد، "وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم، حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي" (متى 2/9).
لاحظ أن النجم مشى مع الباحثين، مشى معهم من المشرق... مشى مشى مشى إلى الغرب. وفوق مكان ولادة عيسى وقف النجم! كان النجم يدلهم ويمشي معهم بنفس السرعة!! ووقف النجم فوق بيت لحم مكان ميلاد عيسى!!!
لاحظ كلمة "الصبي" التي تدل على عيسى "الصبي". ولكن هذا (الصبي) صار (الله) عند النصارى!!! أو (ابن الله) الذي يعادل (الله)!!!
كما أن واقعة هؤلاء المجوس لم ترد إلاّ في إنجيل متى !!!
الناصري:
"وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة. لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيدعى ناصرياً". (متى 2/23).
"ما قيل بالأنبياء" إشارة إلى ما قيل في أسفار الأنبياء التي هي جزء من "العهد القديم" الكتاب المقدس لدى اليهود. والواقع أن أسفار الأنبياء لا تحتوي على هذه التسمية لعيسى. فهذا من الأخطاء الواردة في الإنجيل.
أولاد الأفاعي:
قال يوحنا المعمدان (أي يحيى) مخاطباً اليهود: "يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي. فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة. ولا تتفكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً". (متى 3/7-8).
يدل هذا النص على ما يلي:
1- وصف يحيى قومه اليهود بالمكر والغدر وشبههم بأولاد الأفاعي.
2- نفى عنهم صفة الشعب المختار التي يزعمونها لأنفسهم ونهاهم عن التباهي بنسبهم إلى إبراهيم.
3- يدل هذا النص على أن خلاص الناس بأفعالهم "اصنعوا أثماراً"، وليس بنسبهم أو إيمانهم وحده. وهذا يناقض اعتقاد النصارى أن الخلاص بالإيمان وحدة أو بصلب عيسى.
تعميد عيسى:
يبين (متى 3/13-14) أن يحيى (يوحنا المعمدان) عََّمد عيسى في مياه الأردن. "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. وكذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه. وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". (متى 3/16-17).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- يدل النص على أن يحيى يعرف عيسى قبل تعميده. ولكن هذا يناقض يوحنا 1/32 الذي يشير إلى أن يحيى لم يعرف عيسى إلاَّ بعد نزول الحمامة عليه. تناقض بين الإنجيلين!!
2- الحمامة هي روح الله حسب النص، أي الروح القدس. ويعتقد النصارى أن الروح القدس هي الله أيضاً (حسب عقيدة الثالوث)، فكيف يكون الله على شكل حمامة ؟!
3- التعميد للتطهير. أليس كذلك ؟ فإذا كان عيسى هو ابن الله أو الله، فلماذا يطهر نفسه من الذنوب ؟! التعميد يعني أن عيسى إنسان بحاجة إلى التطهير كسائر الناس. وهذا ينقض الإدعاء بألوهية المسيح.
4- النص يشير إلى "انفتاح السموات" بعد التعميد. لم ير أحد في ذلك الوقت أن السماوات انفتحت!!!
5- كلمة "ابني الحبيب" أليس من الممكن (وهي كذلك) أن تكون مجازية ؟! أيهما أقرب إلى العقل أن يكون عيسى ابن الله أم رسولاً لله ؟ أيهما ألبق بكمال الله ألاّ يلد وألاّ يولد أم يكون له ولد ؟ التفسير المجازي أقرب إلى العقل وأليق بكمال الله وهو المطابق للحق والحقيقة.
عيسى يجوع:
"ثم أصعد يسوع... ليجرَّب من إبليس... جاع أخيراً". (متى 4/1-2).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- إبليس يمتحن عيسى. كيف ؟! هل يقع امتحان على الله أو ابن الله ؟! هذا يدل على إنسانية عيسى ويدحض الزعم بألوهيته.
2- عيسى يجوع. لو كان إلهاً لما جاع. الجوع صفة إنسانية.
ترك أم جاء ؟
بعد سجن يوحنا المعمدان (يحيى)، عيسى "ترك الناصرة". (متى 4/13).
ولكن (لوقا 4/16) يقول عن الواقعة ذاتها "جاء إلى الناصرة". تناقض بين الإنجيلين!!
الابن المجازي:
قال عيسى: "طوبي لصانعي السلام. لأنهم أبناءَ الله يدعون". (متى 5/9). وقال: "ويمجدوا أباكم الذي في السماء". (متى 5/16).
هنا نلاحظ ما يلي:
1- صانعوا السلام هم أبناء الله والله أبوهم (حسب النص). إذاً لله أبناء عديدون وليس عيسى وحده، والله أبو صانعي السلام وليس أبا عيسى وحده. إذاً كلمة (ابن) وكلمة (أب) مستخدمة هنا وفي نصوص عديدة بمعنى مجازي. (ابن الله) بمعنى عابد لله، بمعنى مجازي. (ابن الله) بمعنى عابد لله، بمعنى محبوب من الله، مرضي عنه من الله. المعنى الحرفي لكلمة (ابن) لا يمكن أن ينطبق على عباد الله. فكل من خلق الله هو عبدالله.
2- هذا النص يدحض الزعم بأن عيسى ابن الله الوحيد، لأن النص جعل جميع الاتقياء أبناء الله (مجازياً).
نسخ التوراة:
قال عيسى: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماوات والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل". (متى 5/17-18).
هنا نلاحظ ما يلي:
1- لم يأت عيسى بدين جديد أو شريعة جديدة. جاء ليكمل شريعة موسى (الناموس) لا لينقضها. ولكن النصارى يعاملون عيسى كأنه صاحب دين جديد، وهذا مخالف لقول عيسى ذاته. كما أننا نلاحظ أن بعض أتباع عيسى مثل بولس قد قاموا بنقض كل ما قبله عيسى، أي أنهم نقضوا الناموس. فجاء بولس وألغى الختان كما أباح أكل لحم الخنزير وألغى جميع المحرمات من المآكل، خلافاً لما أقره عيسى.
2- يقول عيسى إن ناموس موسى لن يتغير "حتى يكون الكل". وماهو هذا الكل ؟ هذا النص إشارة إلى رسالة محمد (e)، الرسالة الشاملة الكاملة، فهي الكل المقصود هنا. وهي التي ستنسخ (أي تلغي) جميع الشرائع السابقة لها، كما يذكر عيسى نفسه. وهذا تنبيه إلى غير المسلمين إلى أن يتأملوا في إنجيلهم بوعي أفضل وبنزاهة ودون تحيز. عيسى نفسه يقول إن الناموس سيزول عندما يأتي الكل. المعنى واضح ولا تفسير لهذا النص غير ما قلتُ. وإذا كان عيسى مكملاً للناموس، فإن رسالة عيسى جزء من الناموس، الذي سيزول حين يأتي الكل. رسالة محمد تنسخ جميع الشرائع السابقة لها، هذا ما يقوله عيسى نفسه.
زنى القلب:
قال عسى: "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن. وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى في قلبه". (متى 5/27).
لقد منع عيسى الزنى بل منع النظرة المشتهية. فما بالنا نرى البلاد الغربية النصرانية تجعل تشجيع الزنى أحد أهدافها، فكأن رسالتها إشاعة الزنى. جعلوا للزنى بيوتاً. شجعوه ورعوه وسُرّوا لانتشاره وسهلوا له كل السبل: الخمر والاختلاط والتعري ونسيان الله. حموا الزنى برفع العقوبات عن الزناة. شجعوا الزنى بتسهيل الاختلاط غير المحدود بين الرجال والنساء في الملاهي والمسابح والمدارس والجامعات والمصانع وكل مكان. شجعوا الزنى بالتغاضي عن عري النساء وملابسهن الفاضحة. شجعوا الزنى بالتغاضي عن الأفلام الخالية من أبسط درجات الحياء. شجعوا الزنى وسموه حرية أو مدنية أو تقدمية. وهو في الواقع رذيلة وقلة حياء وعهر ودعارة!!
جهنـم:
قال عيسى: "ولا يُلقى جسدك كله في جهنم". (متى 5/30). نلاحظ هنا ما يلي:
1- في الوقت الذي يتحدث عيسى عن جهنم عقاباً للعصاة والفاسقين يوم القيادة نجد أن التوراة تخلو من الإشارة إلى جهنم. وهذا من التناقضات بين الإنجيل والتوراة مما يدل على وجود تحريف.
2- إذا كان عيسى، كما يقول النصارى، قد خلَّص البشرية عندما صُلب، فلماذا جهنم إذاً ؟!! هناك تناقض بين الخلاص بالصلب ووجود جهنم!!
الطلاق:
عن عيسى أنه قال: "من طلق امرأته إلاّ لعلة الزنى يجعلها تزني. ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني". (متى 5/32).
في هذا النص يحرم عيسى الطلاق إلاّ لسبب الزنى. ورغم ذلك فإن الكنيسة كانت لا تمنع الطلاق، بل تمنح الإذن بالفراق فقط. ثم عدلت ذلك وصارت تسمح بالطلاق للزنى أو لسواه. كما أن النصُّ يمنح الزواج من مطلقة ويعتبره زنى. وهذا يعني حث المطلقات على الزنى بسبب حجب الزواج عنهن!! كما أن تحريم الطلاق يخالف شريعة موسى التي قال عيسى إنه جاء ليكملها لينقضها (متى 5/17).
وهكذا نرى أن هذا النص:
1- ينقض شريعة موسى، خلافاً لمهمة عيسى نفسه باعترافه هو.
2- يمنع الطلاق دون وجه حق. ولقد اضطر النصارى والكنيسة إلى إباحة الطلاق نظراً للحاجة العملية إليه.
3- يحظر الزواج من المطلقة، مما يؤدي إلى شيوع الزنى.
4- يناقض حاجة الإنسان الفعلية، فقد ثبت بالدليل العملي أن إباحة الطلاق ضرورية مثل الحث على الزواج.
لا تقاوموا الشرّ:
لقد ألغى عيسى شريعة القصاص، شريعة العين بالعين (متى 5/38). وقال: "لا تقاوموا الشر". (متى 5/39). وهذه دعوة إلى التساهل مع الشر والأشرار، وعدم النهي عن المعاصي، واستسلام للأشرار والعصاة.
وقال: "من لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضاً". (متى 5/39). وهذا منتهى الخضوع والخنوع، وهو أمر لا يطيقه بشر وغير صالح للتطبيق. وربما كان الدافع لهذه التعليمات حث اليهود على التسامح بدلاً من الحقد الذي اشتهروا به.
وبالمقابل، انظر إلى قول الرسول محمد (e): "من رأى منكم منكراً فليغيره". هنا حث على تغيير المنكر وهناك حث على عدم مقاومة الشر!!
باركوا لاعنيكم:
عن عيسى أنه قال: "أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم... لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات.... فتكونون أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل". (متى 5/44-48).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- دعوة إلى حب الأعداء ومباركة اللاعنين والإحسان إلى المبغضين. وهذه صفات فوق قدرة البشر العاديين، حتى أن بعض الناس قد لا يحب من يحبه، فكيف يحب من يكرهه ويبارك من يلعنه ؟!
2- "أبناء أبيكم" إشارة مجازية إلى الأتقياء فليسوا أبناء الله فعلاً، بل مجازاً، أي أحباء الله.
3- يقر النص بكمال الله. وكماله يستدعي عدم نسبة الولد إليه.
4- كما أن "أبناء الله" هنا مجازية. لماذا لا يكون عيسى ابن الله مجازاً أيضاً ؟! وهذه الأولى، وخاصة أن وصف الله بأنه "أبو" الأتقياء يتكرر كثيراً في الإنجيل، وعلى سبيل المثال:
- "عند أبيكم الذي في السموات". (متى 6/1).
- "أبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية". (متى 6/4).
- "صَلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء". (متى 6/6).
- "لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه..." (متى 6/7).
- "أبانا الذي في السموات.." (متى 6/9).
- "يغفر لكم أبوكم السماوي". (متى 6/14).
- "صائماً لأبيك الذي في الخفاء" (متى 6/18).
هذه النصوص وسواها تدل على أن (الله) يشار إليه على أنه (أب) للناس كلهم وليس لعيسى فقط. إذاً (الأبوة) هنا مجازية و (بنوة) الناس مجازية أيضاً. وهذا ينفي البنوة الخاصة لعيسى أو الأبوة الخاصة لله. فالناس كلهم أبناء الله مجازاً وهو أبو الناس كلهم مجازاً.
إلحاقــاً:
1- "لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين". (متى 6/13). هذا النص غير موجود في الترجمة اللاتينية، مما يدل على أنه زيد على الترجمة العربية.
2- كلمة "علانية" في (متى 6/18) كانت موضوعة بين قوسين في طبعة بيروت سنة 1864م وطبعة 1877م إشارة إلى أنها زيادة في المترجم. ولكن في الطبعات التالية اختفى القوسان وصارت كأنها أصلية. وهذا يشير إلى العبث في النصوص عن قصد أو غير قصد بسبب الترجمة وسواها من المؤثرات.
المبالغة في الزهد:
"لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وما تشربون. ولا لأجسادكم بما تلبسون.." (متى 6/25).
هنا دعوة إلى عدم الاهتمام بالمأكل والمشرب والملبس. وهل هذا معقول ؟! إنه ليس من الطبيعي أن يهمل الإنسان لباسه وطعامه وشرابه. إنها دعوة إلى زهد مفرط لا يقبله الناس. وإذا طولب الناس بما لا يوافق طبيعتهم فلا يستجيبون.
بالمقابل إن الإسلام يحث الناس على ألا ينسوا نصيبهم من الدنيا وسمح له أن يأكلوا ويشربوا من الطيبات دون إسراف وضمن شرع الله وبالطرق الحلال. وقال الرسول محمد (e): "إن لبدنك عليك حقاً".
نامـوا:
"فلا تهتموا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه". (متى 6/34).
هذه دعوة إلى عدم السعي في طلب الرزق. وهي تعطيل لسنة الحياة.
الدرر والخنازير:
"لا تعطوا القدس للكلاب. ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير". (متى 7/6). هنا عيسى يخاطب تلاميذه ويأمرهم بألاّ يبلغوا دعوته إلى الخنازير. والخنازير بالعرف اليهودي هم غير اليهود. وهذا النص يثبت أن عيسى قصر رسالته على بني إسرائيل فقط. كما أنه يدل على إنسانية عيسى، فلو كان ابن الله (كما يزعمون) لما قصر نفسه على قوم واحد ولما وصف سواهم بالخنازير!! كل من هو غير إسرائيلي فهو خنزير وكلب حسب الإنجيل !!
الشجرة والثمار:
كيف يميزون الأنبياء الصادقين من سواهم ؟ يسأل عيسى تلاميذه والجواب: "من ثمارهم تعرفون... كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة. وأما الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية". (متى 7/16-17).
جواب جيد. دعونا نطبقه على أشجار العالم الحالي وثماره. ما هي مشكلات العالم الحالية الرئيسية ؟ التفرقة العنصرية، الاستعمار، المخدرات، المشروبات الكحولية، الجريمة، الإيدز، انهيار الأخلاق، انهيار الأسرة، الإباحية. أين نمت هذه الأوبئة وأين ازدهرت ؟ شجرة الغرب أفرزت معظم مشكلات العالم الحالية. تلك شجرتهم وتلك ثمارها!! ولا أقول تلك شجرة عيسى (عليه السلام)، لأن عيسى أمرهم باتباع الرسول محمد من بعده، ولكنهم لم يطيعوا.
إرادة الله:
"ليس كل من يقول لي يا رب يدخل ملكوت السماوات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات". (متى 7/21).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- صار عيسى هنا "رب" بعد أن كان (صبياً) في (متى 2/13) و (متى 2/9)!!
2- كيف يكون عيسى "رباً" وله "أب" في نفس الوقت ؟!
3- في التوراة كانت كلمة "الرب" تدل على الله. هنا صارت كلمة "الرب" تدل على عيسى. تناقض بين التوراة والإنجيل!!
4- النص يشير إلى أن الاعتراف بعيسى غير كافٍ للخلاص وغفران الخطايا، بل لابد من تنفيذ أوامر الله. وهذا يناقض فكرة الفداء بالصلب التي تعتمد عليها الكنيسة، إذ تقول إن الله قدم عيسى للصلب ليفدي خطايا الإنسان. في هذا النص نرى الخلاص بطاعة الله، لا بالصلب!! هذا النص يدحض عقيدة النصارى التي تقول "الفداء بالصلب"!!
شفاء ابن القائد:
في (متى 8/5) جاء القائد يطلب من عيسى أن يحضر ليشفي ابنه. هذا يناقض (لوقا 7/2-7)، حيث إن القائد لم يذهب بنفسه، بل أرسل شيوخ اليهود ليطلبوا من عيسى الحضور لشفاء ابنه. تناقض بين الأناجيل!!
لا تدفن أباك:
قال لعيسى أحد تلاميذه: "يا سيد ائذن لي أن أمضي أولاً وأدفن أبي. فقال له يسوع اتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم". (متى 8/21-22).
هل هذا معقول ؟ رسول ينهى تلميذه عن دفن أبيه!! لقد وارى الغراب جثة هابيل، فكيف يُمْنَعُ أحد من دفن أبيه ؟!
معلم، سيد، إنسان:
كان تلاميذه عيسى ومعاصروه ينادونه "يا معلم" (متى 8/19). وكانوا ينادونه "يا سيد" (متى 8/21). وكانوا يقولون: "أي إنسان هذا ؟" (متى 8/27).
تلاميذه ومعاصروه يصفونه بأنه معلم أو سيد أو إنسان. ولكن جاء بعدهم قوم سموا عيسى "الرب" و "ابن الله"!! وأصروا على المعنى الحرفي لكلمة (ابن)!!! والغريب أن المجنونَيْن اللذين خرجا من القبور هائجين كانا أول من نادى عيسى "يا يسوع ابن الله" (متى 8/29)!! أول من ناداه "ابن الله" هما هذان المجنونان!!! وهذا أمر غريب حقاً!
ابن الإنسان:
عندما شفى عيسى المفلوج، قال عيسى: "لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا... فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطاناً مثل هذا". (متى 9/6-8).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- دعا عيسى نفسه "ابن الإنسان"، وليس "ابن الله" كما يزعم الزاعمون.
2- هذا النص يجعل عيسى غافراً للخطايا. والقصد من هذا هو تحويل سلطة عيسى للكنيسة لتبيع صكوك الغفران، كما حدث فعلاً. وهذا النص يناقض "أبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك..." (متى 6/4). كما يناقض "يغفر لكم أبوكم السماوي.." (متى 6/14). هذان النصان يجعلان الله هو الغافر وهو المُجازي وهذا يخالف النص الأول الذي يجعل عيسى هو الغافر!!
3- عندما رأى الناس شفاء عيسى للمفلوج مجدوا الله، كما يدل النص، ولم يمجدوا عيسى.
4- كما يدل النص، إن معطي سلطة الشفاء هو الله وما عيسى إلاّ منفذ لسلطة الله وإرادته. وهذا ينفي عن عيسى زعم الألوهية أو بنوة الله.
5- لو كان صلب عيسى هو سبيل غفران الخطايا فلماذا يدعو للمريض بغفران الخطايا
تجربة يسوع: قصة طريفة للاطفال و والكبار؟؟من قصة تجربة الشيطان ليسوع 40 يوم في البرية يستمر الكتاب في اذلال شخص المسيح واهانته ؟ يخبرنا ان الروح القدس وهو احد الاله المقدسة او جزء من الثالوث المقدس يأخذ يسوع ابن الله او الله او الجزء الثاني من الله ويسلمه للشيطان (ابليس)حتي يجربه ؟ما معني التجربة ؟ ربما قبل ان يستحق الالوهية او ينخرط في سلك الثالوث ويجد له مكانا مع الآب والروح القدس كان يجب ان يمر بامتحانات وكان علي ان ينجح بتفوق مع مرتبة الشرف لآن الالوهية او الانتماء الي الثالوث ليس بابا مفتوحا لكل من هب ودب وانما لا يلتحق بتلك المكانة المقدسة الا من من اثبت كفاءته ؟والالوهية عند النصاري ليست مكانة وراثية تنتقل من الاب الي الابن او من الامير الي ولي العهد ؟الالوهية في الكتاب المقدس تكتسب بالتجارب والامتحانات ؟ ومن يجري هذه الامتحانات ؟ انه "ابليس" استاذ التجارب للمتخرجين بدرجة اله؟؟هاهاها؟يسوع دخل المدرسة وانساق وراء ابليس كالخروف( للعلم الاله يسوع خروف في الحقيقة له 7قرون و7 عيون رب الارباب ؟هاهاها)؟؟ وسلم امره اليه وتبعه من البرية الي الهيكل والمدينة ولم ينطق او يرفض ولم يعترض 40يوما ويقول النص الالهي"الفشنك طبعا""ان ابليس اخذ يسوع الي جبل عالي جدا علي الارض فأراه جميع مماليك الدنيا و الارض ومجدها وقال له اعطيك هذا كله ان سجدت لي وعبدتني ؟؟اصبح لابليس قدرات فائقة وقوات لا قبل للالهة بها وصعد بيسوع الي الجبل العالي ؟نرجو من العلماء النصاري شرح هذا الجبل العالي من حيث الاسم والموقع والقارة وخطوط الطول والعرض للفائدة؟هاهاها؟؟فان اعلي جبل هو الهيمالايا وقمة افرست والذين وصلوها لم يروا منها الا بعض الجبال حوله وابعد نقطة قد يرونها لا تتجاوز عشرات الكيلومترات ؟فاين مماليك اوروبا وافريقيا واسيا واستراليا وامريكا فهل رأها يسوع(ابو لمعة المسيحي)لا اظن بل اكثر من ذلك فان يسوع لو صعد الي القمر لا يستطيع ان يري الا جانبا من الارض اما الباقي فيبقي مختفيا لان الارض كروية"""أأأه نسيت ان الارض مسطحة ومربعة ولها اعمدة اربعة حسب الكتاب اياه) هالو لويا؟؟؟ولنفرض جدلا ان هناك جبلا يقع في دولة اخري لم يكتشفه "كريسوفر كولمبس" تشاهد منها كل مماليك الارض فلمن تلك المماليك ومن خلقها ومن يملكها وهل خلقها الله ام ابليس ؟؟الراجح انه ملك ابليس لانه يريد دفعها رشوة ليسوع مقابل ان يسجد له ويعبده ؟؟هنا نصوص في العهد الجديد تصور الشبياطين والارواح النجسة التي تهرب من يسوع كلما سمعت به او رأته مثلما ذكر في قصة الرجل المصاب بسكن الارواح النجسة التي تسجد ليسوع وتخافه وتتوسله وتصرخ رعبا منه ؟؟كما ان هذا النص جعلنا نشك في افلام الرعب(دراكيولا) حيث تظهر الشياطين وهي تفر وتموت بمجرد رؤية الصليب او القس وان فراncرها من يسوع اولي من فرارها من الصليب وقساوسة " هوليود"؟؟؟
علم الميثولوجيا يثبت تحريف الكتاب المقدس
يتطلع الأنسان الى التخلص من القيود دائما و اول ما يتطلع ان يتخلص منه هو قيود الواقع و الذى يعتقد فى قرارة نفسه أنه يملى عليه و ليس له اختيار فيه حتى و إن رضى ظاهريا و عندها يبدأ فى التحليق فى عالم أخر و هو عالم الخيال و لكنه لأنه كائن يتميز بالعقل فأنه قد يصيغ هذا الخيال بعد خلطه ببعض الواقع و هنا تتولد ما يسمى بالاسطوره .
و ككل شىء فى هذة الحياة هناك علوم متخصصة فى دراستها سواء كانت علوم عملية او علوم أدبية و الاسطورة نوع من الادب يعنى بدراستها علم الميثولوجى MYTHOLOGY و هو موضوع بحثنا الذى سنثبت فيه إن شاء الله المتفضل علينا بالنعم المنان علينا بالمنن ان كثير من حيوانات الكتاب هى محض اسطورة و ذلك من خلال هذا العلم مما يثبت ان الكتاب الذى أنزل مقدسا و كان فيه هدى و نور تعرض للتغير و التبديل و سكنت بين جنباته كائنات كانت تسكن عقول الأولين بل كان يتمكن منهم الخوف من المجهول حتى يصنعوا ادوات هذا الخوف التى تحول المجهول الى معلوم فى صورة واقع مشوه و ذلك بالجمع بين صور الحيوانات الواقعيه و التاريخية صانعين بذلك وحوشا لها قدرات خيالية اقرب لقدرات الالهة ( كما يعتقدون ) و تسربت هذة الاساطير الى قصص المتأخرين الشعبية فأصبح لكل شعب قصصه التى لا تخلو من ظلال هذة الاساطير حتى صدقها كبار السن فى الارياف و تحاكوا بها و استعملها البعض لإخضاع الاطفال و هؤلاء الاطفال اصبحوا الأن طلاب و مدرسين و باحثين فى الجامعات و اساتذة جامعات و علماء يدرسون للأخرين كيفية الخروج من عالم الخوف الى عالم اللاخوف و من عالم اللا علم الى عالم العلم و من عالم الملاحظة البسيطة الى عالم الملاحظة المركبة و معالجة الخوف بدلا من تجسيده و لكن ما زال البعض يعانى من ازدواجية بين ما يجب أن يؤمن به او ما تعود ان يؤمن به و ما يؤمن به من هم اقرب الى الماضى منهم الى الحاضر و بين ما اصبح يؤمن به الأن او ما يعتقد انه يؤمن به و الذى يجعل معظمنا من انصاف المتعلمين و هذا البحث دعوة الى ان نكون كما يفترض بنا ان نكون و كما نظن انفسنا و كما يظن فينا الأخرين .
و لنبدء بتعريف علم الميثولوجى MYTHOLOGY كما يعرفه لنا الدكتور أمين سلامة فى كتابه الاساطير اليونانية و الرومانية و الذى يبدئه بكلمات معبره عن موضوع بحثنا و بشدة قائلا ( إذا رجع الانسان بمخيلته الى بدايات الزمن الغامضة وجد أنه إذا لم تنر الديانة الحقيقة ذهن الانسان و لم تفسر له العلوم الاشياء و نشاتها فإنه قد يلاحظ مولد ما نسميه بالاساطير )
و يعرف الاسطورة انها : هى رواية اعمال إله او كائن خارق ما تقص حادثا تاريخيا خياليا او تشرح عادة او معتقد او نظام او ظاهرة طبيعية ( وبستر ) .
و يعرف الميثولوجيا انها : هى نظام الاساطير كما يرويها جنس معين كما يعنى هذا اللفظ ايضا دراسة الاساطير بصفة عامة او علم الاساطير .
و لنبدء الان مع اول الكائنات الاسطورية فى كتاب اهل الكتاب
الغول
بعضنا سمع على سبيل الطرفة او سبيل القصة حكاية هذا المخلوق الذى نصفه الاعلى انسان و نصفه الاسفل حيوان و ارجله على شكل ارجل الماعز و كيف ان الذى رأه فر هاربا مسرعا حتى اتى لشخص يجلس امام مبنى و ظن انه حارس المبنى و عندما وجده سر كثيرا و أطمئن و ظن انه فى مأمن و بعد ان شرب قليلا من الشاى بدأ يحكى له لماذا انه خائف و انه قابل رجل بأرجل ماعز فقال له الحارس و هو يريه ارجله سائلا اياه . مثل هذة ؟ و بغض النظر عن مصير هذا الرجل الذى لا يعرفه الكثير ممن يحكى هذة القصة إلا ان الغريب فى هذة الاساطير انك لا تسمعها فى بلد واحدة و لكن فى بلدان عده و من اشخاص زوى ثقافات مختلفه فقد سمعتها فى الفلبين و فى اندونسيا و فى الشيشان و ايضا ف اوروبا فى جزيرة قبرص و فى الخليج فى الامارات و عمان و كل من سافر الى صلالة و هى فى دولة عمان و هى قريبة من الحدود اليمنية يحكى هذة القصة فيقول انه و هو يقود فى الطريق الى صلال و بالقرب من مدينة بهلا
( المشهورة بالسحر و كيف ان سحرتها يبيعون اى زائر فى السوق على اساس انه ماعز و يراه الحاضريين كذلك مما يثير الخوف فى نفوس الذين يمرون عليها و هذا الخوف يكون مصدر خيال خصب قد يصل الى الظن انه حقيقه إذا اضيفت له بعض المبالغات من اشخاص يجبدوا هذا الفن ) يجد شيخ كبير يشير اليه بالتوقف و عندما يتوقف يفاجأ ان له ارجل ماعز ثم عندما يحتال و ينزله من السيارة يجده هو نفسه يشير الى السيارة بعد عدة كيلو مترات و دعونا لا نطيل اكثر من ذلك و نبدأ فى أخذ فكرة عن هذا الكائن بصوره اكثر دقه بدلا من القصص الشعبية التى تختلف بأختلاف المكان و الشخصيات .
هذا الكائن تجده فى الاساطير اليونانية خاصة و هو ما يسمى الأشعر او الغول او Satyrs و لأنه كائن شهوانى و يعشق الخمر و النساء حسب ما تخبرنا بذلك الاساطير اليونانية فقد كان من الصعب ان نضع موقع الوكيبديا او مواقع أخرى نظرا للصور التى لا نستطيع ان نعرضها لما بها من مخالفات شرعيه و يمكن لأى شخص ان يبحث عن كلمة Satyrs و سيجد الكثير و الكثير عن
مواضع ذكر Lilith فى التلمود البابلى :
الموضع الاول :
http://www.come-and-hear.com/shabbath/shabbath_151.html
R. Hanina said: One may not sleep in a house alone,14 and whoever sleeps in a house alone is seized by Lilith.15
The night demon. V.J.E. art. Lilith, 15
(Shab. 773: v1. pt1, 151b --- footnote "The night demon.")
الترجمة التفسيرية :
الحبر Hanina قال : يجب إلا يبيت احد فى المنزل بمفردة و اذا حدث ذلك فسوف تستولى عليه Lilith (15) .
(15) شيطانة الليل V.J.E. art. Lilith .
الموضع الثانى :
http://www.come-and-hear.com/bababathra/bababathra_73.html
Rabbah28 said: I saw how Hormin29 the son of Lilith30 was running on the parapet31 of the wall of Mahuza, and a rider, galloping below on horseback32 could not overtake him.
Lilith, a female night demon. 30
(BB. 290: v3, pt2 -- footnote to Hormin "a demon;" to Lilith "a female night demon")
الترجمة التفسيرية :
Rabbah قال : انا رئيت كيف ان Hormin ابن Lilith (30) كان يجرى على حائط Mahuza راكبا على ظهر حصان و لم استطيع ان اتجاوزه .
( 30 ) Lilith شيطانة ليلية .
الموضع الثالث :
http://www.come-and-hear.com/niddah/niddah_24.html
Rab Judah citing Samuel ruled: If an abortion had the likeness of Lilith26 its mother is unclean by reason of the birth, for it is a child, but it has wings. So it was also taught: R. Jose stated, It once happened at Simoni27 that a woman aborted the likeness of Lilith, and when the case came up for a decision before the Sages they ruled that it was a child but that it also had wings.
(26) -A female demon of the night, reputed to have wings and a human face.
(Nid. 166: v6, 24b -- footnote to Lilith "A female demon of the night, reputed to have wings and a human face.")
الترجمة التفسيرية :
الحبر Judah قال مستشهدا من قوانين Samuel : اذا حدث اجهاض مشابه لما حدث ل Lilith26 تكون الام غير طاهرة بسبب الولادة حيث انه يكون طفل و لكن له اجنحة . و ايضا من المعتقد ان الحبر Jose ذكر ان ما حدث فى Simoni27 ان امرأة اجهدت كما حدث ل Lilith و عندما عرضت القضية على القضاة حكموا بأنه بالفعل طفل و لكن له اجنحة .
( 26 ) شيطانة ليلية يزعم ان لها اجنحة و وجه بشرى .
و هكذا نرى ان هذا الكائن موجود و بشدة فى التلمود البابلى و من ثم فهو معروف لليهود فى هذا العصر بنفس المسمى و بالطبع قد يأتى احدهم ليخبرنا ان التلمود به كثير من الاساطير او الاشياء التى لا نقتنع بها كمسلمين كأن نجد احيانا انه يمثل شيطانه كانت فى الاساس هى الزوجة الاولى لأدم و بالطبع هذا مردود عليه و ببساطة ان موضع الاستدلال هنا هو وجود الكائن فى الثقافة اليهودية و ليس منطقية الكائن نفسه .
onocentauris ( القنطور – centaur - إنسان آتان )
Onocentaur, Der Naturen Bloeme manuscript
c. 1350, National Library of the Netherlands
و كما نرى القديس جيروم يفهم هنا احد هذة الكلمات على اساس انها مخلوق أخر يسمى onocentauris و هو كائن معروف فى الثقافة اللاتينية و اما فى الاسطورة اليونانية فهو معروف فى اسطورة Chiron or Cheiron بإسم Κένταυροι او Centaur و هو كما نراه فى الصورة نصف آتان و نصف انسان و هنا يتضح ان هناك فرق بين فهم شيوخ السبعينية المفترضين للكائن و فهم القديس جيروم فكلا فهمها على اساس الثقافة السائدة و لن نطيل فى تناوله و اليك معلومات عن هذا الكائن فى الرابط التالى :
http://www.theoi.com/Thaumasios/Onokentauroi.html
THE ONOKENTAUROS (or Onocentaur) was an African animal with the hybrid form of a man and an ass.
الترجمة التفسيرية :
هو حيوان افريقى هجين بين الانسان و انثى الحمار . THE ONOKENTAUROS (or Onocentaur)
و هذا رابط اخر :
http://en.wikipedia.org/wiki/Centaur
http://web.cn.edu/kwheeler/monster_list.html
Ass Centaur
(alias Onocentaur) A creature with the body of a donkey and the waist, arms, and head of a human placed where the donkey's head should be. They were notorious for drunkeness and debauchery.
الترجمة التفسيرية :
هو مخلوق له جسم حمار و لكن يوجد له اذرع و وسط و رأس بشرى بدلا من رأسه . و كانوا سيئى السمعة لسكرهم و مجونهم .
و هذا رابط اخر تستطيع من خلاله الاطلاع على معلومات من مخطوطات عن هذا الكائن :
http://bestiary.ca/beasts/beast550.htm
la lilith ) Lilith - النداهه – ام الولدان – أمنا الغولة )
اما الكائن الغريب و العجيب الاخر ( كل اشعياء 34: 14 هو غريب و عجيب يأخذنا الى عالم الخيال و الاسطورة ) ستجده بين سطور الترجمات العربية متخفيا على استحياء كتابى و تأمل معى ترجمة الفانديك التى ان كان هناك جائزة اوسكار للتحريف لكانت حصلت عليها بجدارة بإجماع لجنة التحريف و المتمرس مع هذة الترجمة يعرف انها لا تغادر صغيرة و لا كبيره و هى كالمحامى الماهر الذى لا يلتزم بالقانون و لكن يقوم بذلك بالقانون ايضا فتجدها تترجم الجملة بهذة الصيغة ( و معز الوحش يدعو صاحبة هناك يستقر الليل ) و هنا القارىء العربى قد يفهم المعانى التالية اما ان معز الوحش هو الذى يستقر الليل و اما ان صحابه هو من يستقر الليل و اما ان الليل نفسه هو الذى يستقر و ليس من ضمن هذا الفهم ان الليل هو lilith المتخفية فى صورة ليل فى الفانديك اما ترجمة الحياة فكانت اكثر انصافا و اقل تحريفا فعبرت بتعبير هناك تستقر وحوش الليل و بالطبع وحوش الليل تشمل اشياء كثيرة منها الاسد اما ترجمة الاخبار السارة فتباغتنا بلفظ الغول بلغة عربية صريحة و جريئة مخالفة الحياء الكتابى المعتاد و هو ما يصدم القارىء العربى بصورة عامه و طبعا نحن نخالفهم الرأى فى هذة الترجمة و نبرء الكتاب من هذا الخطاء الشديد فالمقصود هنا هو ليس الغول بل هو lilith اما الاباء اليسوعين فقد ترجموها الى لفظ يوحى بأشياء عدة فقد يقرئها ضعاف اللغة العربية ليلة معتقدين ان التاء تكتب هكذا ليليت و هم كثير و قد يعتقد القليل انه اسم و لكن بالطبع لن يعرف هل هو اسم اسد ام شبه اسد أما الترجمة الفرنسية French Darby Bible فقد ترجمتها الى
La lilith و الاسئلة التى تطرح نفسها الان لكل ذى عقل هى ما هى الكلمة العبرية التى ترجمت عنها هذة التعبريات التى تثير التساؤلات ؟ و ماذا تعنى ؟ ايضا ما هى هذة ال lilith ؟ و دعونا نجيب على هذة التساؤلات فى السطور القادمة :
اولا الكلمة العبرية هى לילית و يعرفها اشهر المواقع لدراسة الكتاب كما يلى
http://bible.crosswalk.com/Lexicons/Hebrew/heb.cgi?search=3917&version=kjv&type=heb&submit=Find
1. "Lilith", name of a female goddess known as a night demon who haunts the desolate places of Edom
a. might be a nocturnal animal that inhabits desolate places
و ترجمة ذلك انه يعنى اسم الهة ( انثى ) معروفه شيطانة الليل و التى تصطاد فى الاماكن الخربة من Edom . و لكن كعادة كل قواميس الكتاب و كعادة اهل الكتاب دائما هنا قد يكون او من الممكن او نظن او فتجده يكمل قائلا قد يكون حيوان ليلى يعيش فى الاماكن الخربة و هذا ايضا ما يدعية البعض عندما يرد علينا قائلا ان اللغة العبرية كان بها تعبيرات معروفة فى عهد النساخ و من ثم عندما تقادم الزمن عليها ترجمها احدهم كما رأى او فهم و احدهم الاخر كما رأى او فهم و لآن احدهم غير موحى له فهو قد اخطأ و اصاب احدهم .
و لكن كيف نستطيع ان نختبر هذا الكلام المرسل ؟ و كيف نعرف إذا كان اليهود يعرفون هذة الكلمة بنفس المفهوم الذى ترجمها له البعض او البعض الاخر ؟
و إن كان يظن البعض ان ذلك صعب و ان الكلام العام يمكن ان يسقط على الخاص فيحل معضلة العامة او الخاصة فهذا قد يكون غير مجدى احيانا و ان شاء الله فى السطور القادمة سوف نثبت مفهوم هذة الكلمة فى الثقافة اليهودية و عندما نذكر الثقافة اليهودية فهذا يعنى الفلكلور اليهودى و الاساطير اليهودية و التلمود و التقليد اليهودى اما المفاجاءة فدعوها لموضعها .
التلمود البابلى
بداية لمن لا يعرف التلمود سيجد فى الرابط التالى كتاب يوضح ذلك بالتفصيل :
http://www.sacred-texts.com/jud/t10/index.htm
مواضع ذكر Lilith فى التلمود البابلى :
الموضع الاول :
http://www.come-and-hear.com/shabbath/shabbath_151.html
R. Hanina said: One may not sleep in a house alone,14 and whoever sleeps in a house alone is seized by Lilith.15
The night demon. V.J.E. art. Lilith, 15
(Shab. 773: v1. pt1, 151b --- footnote "The night demon.")
الترجمة التفسيرية :
الحبر Hanina قال : يجب إلا يبيت احد فى المنزل بمفردة و اذا حدث ذلك فسوف تستولى عليه Lilith (15) .
(15) شيطانة الليل V.J.E. art. Lilith .
الموضع الثانى :
http://www.come-and-hear.com/bababathra/bababathra_73.html
Rabbah28 said: I saw how Hormin29 the son of Lilith30 was running on the parapet31 of the wall of Mahuza, and a rider, galloping below on horseback32 could not overtake him.
Lilith, a female night demon. 30
(BB. 290: v3, pt2 -- footnote to Hormin "a demon;" to Lilith "a female night demon")
الترجمة التفسيرية :
Rabbah قال : انا رئيت كيف ان Hormin ابن Lilith (30) كان يجرى على حائط Mahuza راكبا على ظهر حصان و لم استطيع ان اتجاوزه .
( 30 ) Lilith شيطانة ليلية .
الموضع الثالث :
http://www.come-and-hear.com/niddah/niddah_24.html
Rab Judah citing Samuel ruled: If an abortion had the likeness of Lilith26 its mother is unclean by reason of the birth, for it is a child, but it has wings. So it was also taught: R. Jose stated, It once happened at Simoni27 that a woman aborted the likeness of Lilith, and when the case came up for a decision before the Sages they ruled that it was a child but that it also had wings.
(26) -A female demon of the night, reputed to have wings and a human face.
(Nid. 166: v6, 24b -- footnote to Lilith "A female demon of the night, reputed to have wings and a human face.")
الترجمة التفسيرية :
الحبر Judah قال مستشهدا من قوانين Samuel : اذا حدث اجهاض مشابه لما حدث ل Lilith26 تكون الام غير طاهرة بسبب الولادة حيث انه يكون طفل و لكن له اجنحة . و ايضا من المعتقد ان الحبر Jose ذكر ان ما حدث فى Simoni27 ان امرأة اجهدت كما حدث ل Lilith و عندما عرضت القضية على القضاة حكموا بأنه بالفعل طفل و لكن له اجنحة .
( 26 ) شيطانة ليلية يزعم ان لها اجنحة و وجه بشرى .
و هكذا نرى ان هذا الكائن موجود و بشدة فى التلمود البابلى و من ثم فهو معروف لليهود فى هذا العصر بنفس المسمى و بالطبع قد يأتى احدهم ليخبرنا ان التلمود به كثير من الاساطير او الاشياء التى لا نقتنع بها كمسلمين كأن نجد احيانا انه يمثل شيطانه كانت فى الاساس هى الزوجة الاولى لأدم و بالطبع هذا مردود عليه و ببساطة ان موضع الاستدلال هنا هو وجود الكائن فى الثقافة اليهودية و ليس منطقية الكائن نفسه .
onocentauris ( القنطور – centaur - إنسان آتان )
Onocentaur, Der Naturen Bloeme manuscript
c. 1350, National Library of the Netherlands
و كما نرى القديس جيروم يفهم هنا احد هذة الكلمات على اساس انها مخلوق أخر يسمى onocentauris و هو كائن معروف فى الثقافة اللاتينية و اما فى الاسطورة اليونانية فهو معروف فى اسطورة Chiron or Cheiron بإسم Κένταυροι او Centaur و هو كما نراه فى الصورة نصف آتان و نصف انسان و هنا يتضح ان هناك فرق بين فهم شيوخ السبعينية المفترضين للكائن و فهم القديس جيروم فكلا فهمها على اساس الثقافة السائدة و لن نطيل فى تناوله و اليك معلومات عن هذا الكائن فى الرابط التالى :
http://www.theoi.com/Thaumasios/Onokentauroi.html
THE ONOKENTAUROS (or Onocentaur) was an African animal with the hybrid form of a man and an ass.
الترجمة التفسيرية :
هو حيوان افريقى هجين بين الانسان و انثى الحمار . THE ONOKENTAUROS (or Onocentaur)
و هذا رابط اخر :
http://en.wikipedia.org/wiki/Centaur
http://web.cn.edu/kwheeler/monster_list.html
Ass Centaur
(alias Onocentaur) A creature with the body of a donkey and the waist, arms, and head of a human placed where the donkey's head should be. They were notorious for drunkeness and debauchery.
الترجمة التفسيرية :
هو مخلوق له جسم حمار و لكن يوجد له اذرع و وسط و رأس بشرى بدلا من رأسه . و كانوا سيئى السمعة لسكرهم و مجونهم .
و هذا رابط اخر تستطيع من خلاله الاطلاع على معلومات من مخطوطات عن هذا الكائن :
http://bestiary.ca/beasts/beast550.htm
la lilith ) Lilith - النداهه – ام الولدان – أمنا الغولة )
اما الكائن الغريب و العجيب الاخر ( كل اشعياء 34: 14 هو غريب و عجيب يأخذنا الى عالم الخيال و الاسطورة ) ستجده بين سطور الترجمات العربية متخفيا على استحياء كتابى و تأمل معى ترجمة الفانديك التى ان كان هناك جائزة اوسكار للتحريف لكانت حصلت عليها بجدارة بإجماع لجنة التحريف و المتمرس مع هذة الترجمة يعرف انها لا تغادر صغيرة و لا كبيره و هى كالمحامى الماهر الذى لا يلتزم بالقانون و لكن يقوم بذلك بالقانون ايضا فتجدها تترجم الجملة بهذة الصيغة ( و معز الوحش يدعو صاحبة هناك يستقر الليل ) و هنا القارىء العربى قد يفهم المعانى التالية اما ان معز الوحش هو الذى يستقر الليل و اما ان صحابه هو من يستقر الليل و اما ان الليل نفسه هو الذى يستقر و ليس من ضمن هذا الفهم ان الليل هو lilith المتخفية فى صورة ليل فى الفانديك اما ترجمة الحياة فكانت اكثر انصافا و اقل تحريفا فعبرت بتعبير هناك تستقر وحوش الليل و بالطبع وحوش الليل تشمل اشياء كثيرة منها الاسد اما ترجمة الاخبار السارة فتباغتنا بلفظ الغول بلغة عربية صريحة و جريئة مخالفة الحياء الكتابى المعتاد و هو ما يصدم القارىء العربى بصورة عامه و طبعا نحن نخالفهم الرأى فى هذة الترجمة و نبرء الكتاب من هذا الخطاء الشديد فالمقصود هنا هو ليس الغول بل هو lilith اما الاباء اليسوعين فقد ترجموها الى لفظ يوحى بأشياء عدة فقد يقرئها ضعاف اللغة العربية ليلة معتقدين ان التاء تكتب هكذا ليليت و هم كثير و قد يعتقد القليل انه اسم و لكن بالطبع لن يعرف هل هو اسم اسد ام شبه اسد أما الترجمة الفرنسية French Darby Bible فقد ترجمتها الى
La lilith و الاسئلة التى تطرح نفسها الان لكل ذى عقل هى ما هى الكلمة العبرية التى ترجمت عنها هذة التعبريات التى تثير التساؤلات ؟ و ماذا تعنى ؟ ايضا ما هى هذة ال lilith ؟ و دعونا نجيب على هذة التساؤلات فى السطور القادمة :
اولا الكلمة العبرية هى לילית و يعرفها اشهر المواقع لدراسة الكتاب كما يلى
http://bible.crosswalk.com/Lexicons/Hebrew/heb.cgi?search=3917&version=kjv&type=heb&submit=Find
1. "Lilith", name of a female goddess known as a night demon who haunts the desolate places of Edom
a. might be a nocturnal animal that inhabits desolate places
و ترجمة ذلك انه يعنى اسم الهة ( انثى ) معروفه شيطانة الليل و التى تصطاد فى الاماكن الخربة من Edom . و لكن كعادة كل قواميس الكتاب و كعادة اهل الكتاب دائما هنا قد يكون او من الممكن او نظن او فتجده يكمل قائلا قد يكون حيوان ليلى يعيش فى الاماكن الخربة و هذا ايضا ما يدعية البعض عندما يرد علينا قائلا ان اللغة العبرية كان بها تعبيرات معروفة فى عهد النساخ و من ثم عندما تقادم الزمن عليها ترجمها احدهم كما رأى او فهم و احدهم الاخر كما رأى او فهم و لآن احدهم غير موحى له فهو قد اخطأ و اصاب احدهم .
و لكن كيف نستطيع ان نختبر هذا الكلام المرسل ؟ و كيف نعرف إذا كان اليهود يعرفون هذة الكلمة بنفس المفهوم الذى ترجمها له البعض او البعض الاخر ؟
و إن كان يظن البعض ان ذلك صعب و ان الكلام العام يمكن ان يسقط على الخاص فيحل معضلة العامة او الخاصة فهذا قد يكون غير مجدى احيانا و ان شاء الله فى السطور القادمة سوف نثبت مفهوم هذة الكلمة فى الثقافة اليهودية و عندما نذكر الثقافة اليهودية فهذا يعنى الفلكلور اليهودى و الاساطير اليهودية و التلمود و التقليد اليهودى اما المفاجاءة فدعوها لموضعها .
التلمود البابلى
بداية لمن لا يعرف التلمود سيجد فى الرابط التالى كتاب يوضح ذلك بالتفصيل :
http://www.sacred-texts.com/jud/t10/index.htm
مواضع ذكر Lilith فى التلمود البابلى :
الموضع الاول :
http://www.come-and-hear.com/shabbath/shabbath_151.html
R. Hanina said: One may not sleep in a house alone,14 and whoever sleeps in a house alone is seized by Lilith.15
The night demon. V.J.E. art. Lilith, 15
(Shab. 773: v1. pt1, 151b --- footnote "The night demon.")
الترجمة التفسيرية :
الحبر Hanina قال : يجب إلا يبيت احد فى المنزل بمفردة و اذا حدث ذلك فسوف تستولى عليه Lilith (15) .
(15) شيطانة الليل V.J.E. art. Lilith .
الموضع الثانى :
http://www.come-and-hear.com/bababathra/bababathra_73.html
Rabbah28 said: I saw how Hormin29 the son of Lilith30 was running on the parapet31 of the wall of Mahuza, and a rider, galloping below on horseback32 could not overtake him.
Lilith, a female night demon. 30
(BB. 290: v3, pt2 -- footnote to Hormin "a demon;" to Lilith "a female night demon")
الترجمة التفسيرية :
Rabbah قال : انا رئيت كيف ان Hormin ابن Lilith (30) كان يجرى على حائط Mahuza راكبا على ظهر حصان و لم استطيع ان اتجاوزه .
( 30 ) Lilith شيطانة ليلية .
الموضع الثالث :
http://www.come-and-hear.com/niddah/niddah_24.html
Rab Judah citing Samuel ruled: If an abortion had the likeness of Lilith26 its mother is unclean by reason of the birth, for it is a child, but it has wings. So it was also taught: R. Jose stated, It once happened at Simoni27 that a woman aborted the likeness of Lilith, and when the case came up for a decision before the Sages they ruled that it was a child but that it also had wings.
(26) -A female demon of the night, reputed to have wings and a human face.
(Nid. 166: v6, 24b -- footnote to Lilith "A female demon of the night, reputed to have wings and a human face.")
الترجمة التفسيرية :
الحبر Judah قال مستشهدا من قوانين Samuel : اذا حدث اجهاض مشابه لما حدث ل Lilith26onocentauris ( القنطور – centaur - إنسان آتان )
Onocentaur, Der Naturen Bloeme manuscript
c. 1350, National Library of the Netherlands
و كما نرى القديس جيروم يفهم هنا احد هذة الكلمات على اساس انها مخلوق أخر يسمى onocentauris و هو كائن معروف فى الثقافة اللاتينية و اما فى الاسطورة اليونانية فهو معروف فى اسطورة Chiron or Cheiron بإسم Κένταυροι او Centaur و هو كما نراه فى الصورة نصف آتان و نصف انسان و هنا يتضح ان هناك فرق بين فهم شيوخ السبعينية المفترضين للكائن و فهم القديس جيروم فكلا فهمها على اساس الثقافة السائدة و لن نطيل فى تناوله و اليك معلومات عن هذا الكائن فى الرابط التالى :
http://www.theoi.com/Thaumasios/Onokentauroi.html
THE ONOKENTAUROS (or Onocentaur) was an African animal with the hybrid form of a man and an ass.
الترجمة التفسيرية :
هو حيوان افريقى هجين بين الانسان و انثى الحمار . THE ONOKENTAUROS (or Onocentaur)
و هذا رابط اخر :
http://en.wikipedia.org/wiki/Centaur
http://web.cn.edu/kwheeler/monster_list.html
Ass Centaur
(alias Onocentaur) A creature with the body of a donkey and the waist, arms, and head of a human placed where the donkey's head should be. They were notorious for drunkeness and debauchery.
الترجمة التفسيرية :
هو مخلوق له جسم حمار و لكن يوجد له اذرع و وسط و رأس بشرى بدلا من رأسه . و كانوا سيئى السمعة لسكرهم و مجونهم .
و هذا رابط اخر تستطيع من خلاله الاطلاع على معلومات من مخطوطات عن هذا الكائن :
http://bestiary.ca/beasts/beast550.htm
la lilith ) Lilith - النداهه – ام الولدان – أمنا الغولة )
اما الكائن الغريب و العجيب الاخر ( كل اشعياء 34: 14 هو غريب و عجيب يأخذنا الى عالم الخيال و الاسطورة ) ستجده بين سطور الترجمات العربية متخفيا على استحياء كتابى و تأمل معى ترجمة الفانديك التى ان كان هناك جائزة اوسكار للتحريف لكانت حصلت عليها بجدارة بإجماع لجنة التحريف و المتمرس مع هذة الترجمة يعرف انها لا تغادر صغيرة و لا كبيره و هى كالمحامى الماهر الذى لا يلتزم بالقانون و لكن يقوم بذلك بالقانون ايضا فتجدها تترجم الجملة بهذة الصيغة ( و معز الوحش يدعو صاحبة هناك يستقر الليل ) و هنا القارىء العربى قد يفهم المعانى التالية اما ان معز الوحش هو الذى يستقر الليل و اما ان صحابه هو من يستقر الليل و اما ان الليل نفسه هو الذى يستقر و ليس من ضمن هذا الفهم ان الليل هو lilith المتخفية فى صورة ليل فى الفانديك اما ترجمة الحياة فكانت اكثر انصافا و اقل تحريفا فعبرت بتعبير هناك تستقر وحوش الليل و بالطبع وحوش الليل تشمل اشياء كثيرة منها الاسد اما ترجمة الاخبار السارة فتباغتنا بلفظ الغول بلغة عربية صريحة و جريئة مخالفة الحياء الكتابى المعتاد و هو ما يصدم القارىء العربى بصورة عامه و طبعا نحن نخالفهم الرأى فى هذة الترجمة و نبرء الكتاب من هذا الخطاء الشديد فالمقصود هنا هو ليس الغول بل هو lilith اما الاباء اليسوعين فقد ترجموها الى لفظ يوحى بأشياء عدة فقد يقرئها ضعاف اللغة العربية ليلة معتقدين ان التاء تكتب هكذا ليليت و هم كثير و قد يعتقد القليل انه اسم و لكن بالطبع لن يعرف هل هو اسم اسد ام شبه اسد أما الترجمة الفرنسية French Darby Bible فقد ترجمتها الى
La lilith و الاسئلة التى تطرح نفسها الان لكل ذى عقل هى ما هى الكلمة العبرية التى ترجمت عنها هذة التعبريات التى تثير التساؤلات ؟ و ماذا تعنى ؟ ايضا ما هى هذة ال lilith ؟ و دعونا نجيب على هذة التساؤلات فى السطور القادمة :
اولا الكلمة العبرية هى לילית و يعرفها اشهر المواقع لدراسة الكتاب كما يلى
http://bible.crosswalk.com/Lexicons/Hebrew/heb.cgi?search=3917&version=kjv&type=heb&submit=Find
1. "Lilith", name of a female goddess known as a night demon who haunts the desolate places of Edom
a. might be a nocturnal animal that inhabits desolate places
و ترجمة ذلك انه يعنى اسم الهة ( انثى ) معروفه شيطانة الليل و التى تصطاد فى الاماكن الخربة من Edom . و لكن كعادة كل قواميس الكتاب و كعادة اهل الكتاب دائما هنا قد يكون او من الممكن او نظن او فتجده يكمل قائلا قد يكون حيوان ليلى يعيش فى الاماكن الخربة و هذا ايضا ما يدعية البعض عندما يرد علينا قائلا ان اللغة العبرية كان بها تعبيرات معروفة فى عهد النساخ و من ثم عندما تقادم الزمن عليها ترجمها احدهم كما رأى او فهم و احدهم الاخر كما رأى او فهم و لآن احدهم غير موحى له فهو قد اخطأ و اصاب احدهم .
و لكن كيف نستطيع ان نختبر هذا الكلام المرسل ؟ و كيف نعرف إذا كان اليهود يعرفون هذة الكلمة بنفس المفهوم الذى ترجمها له البعض او البعض الاخر ؟
و إن كان يظن البعض ان ذلك صعب و ان الكلام العام يمكن ان يسقط على الخاص فيحل معضلة العامة او الخاصة فهذا قد يكون غير مجدى احيانا و ان شاء الله فى السطور القادمة سوف نثبت مفهوم هذة الكلمة فى الثقافة اليهودية و عندما نذكر الثقافة اليهودية فهذا يعنى الفلكلور اليهودى و الاساطير اليهودية و التلمود و التقليد اليهودى اما المفاجاءة فدعوها لموضعها .
التلمود البابلى
بداية لمن لا يعرف التلمود سيجد فى الرابط التالى كتاب يوضح ذلك بالتفصيل :
http://www.sacred-texts.com/jud/t10/index.htm
مواضع ذكر Lilith فى التلمود البابلى :
الموضع الاول :
http://www.come-and-hear.com/shabbath/shabbath_151.html
R. Hanina said: One may not sleep in a house alone,14 and whoever sleeps in a house alone is seized by Lilith.15
The night demon. V.J.E. art. Lilith, 15
(Shab. 773: v1. pt1, 151b --- footnote "The night demon.")
الترجمة التفسيرية :
الحبر Hanina قال : يجب إلا يبيت احد فى المنزل بمفردة و اذا حدث ذلك فسوف تستولى عليه Lilith (15) .
(15) شيطانة الليل V.J.E. art. Lilith .
الموضع الثانى :
http://www.come-and-hear.com/bababathra/bababathra_73.html
Rabbah28 said: I saw how Hormin29 the son of Lilith30 was running on the parapet31 of the wall of Mahuza, and a rider, galloping below on horseback32 could not overtake him.
Lilith, a female night demon. 30
(BB. 290: v3, pt2 -- footnote to Hormin "a demon;" to Lilith "a female night demon")
الترجمة التفسيرية :
Rabbah قال : انا رئيت كيف ان Hormin ابن Lilith (30) كان يجرى على حائط Mahuza راكبا على ظهر حصان و لم استطيع ان اتجاوزه .
( 30 ) Lilith شيطانة ليلية .
الموضع الثالث :
http://www.come-and-hear.com/niddah/niddah_24.html
Rab Judah citing Samuel ruled: If an abortion had the likeness of Lilith26 its mother is unclean by reason of the birth, for it is a child, but it has wings. So it was also taught: R. Jose stated, It once happened at Simoni27 that a woman aborted the likeness of Lilith, and when the case came up for a decision before the Sages they ruled that it was a child but that it also had wings.
(26) -A female demon of the night, reputed to have wings and a human face.
(Nid. 166: v6, 24b -- footnote to Lilith "A female demon of the night, reputed to have wings and a human face.")
الترجمة التفسيرية :
الحبر Judah قال مستشهدا من قوانين Samuel : اذا حدث اجهاض مشابه لما حدث ل Lilith26 تكون الام غير طاهرة بسبب الولادة حيث انه يكون طفل و لكن له اجنحة . و ايضا من المعتقد ان الحبر Jose ذكر ان ما حدث فى Simoni27 ان امرأة اجهدت كما حدث ل Lilith و عندما عرضت القضية على القضاة حكموا بأنه بالفعل طفل و لكن له اجنحة .
( 26 ) شيطانة ليلية يزعم ان لها اجنحة و وجه بشرى .
و هكذا نرى ان هذا الكائن موجود و بشدة فى التلمود البابلى و من ثم فهو معروف لليهود فى هذا العصر بنفس المسمى و بالطبع قد يأتى احدهم ليخبرنا ان التلمود به كثير من الاساطير او الاشياء التى لا نقتنع بها كمسلمين كأن نجد احيانا انه يمثل شيطانه كانت فى الاساس هى الزوجة الاولى لأدم و بالطبع هذا مردود عليه و ببساطة ان موضع الاستدلال هنا هو وجود الكائن فى الثقافة اليهودية و ليس منطقية الكائن نفسه .
تكون الام غير طاهرة بسبب الولادة حيث انه يكون طفل و لكن له اجنحة . و ايضا من المعتقد ان الحبر Jose ذكر ان ما حدث فى Simoni27 ان امرأة اجهدت كما حدث ل Lilith و عندما عرضت القضية على القضاة حكموا بأنه بالفعل طفل و لكن له اجنحة .
( 26 ) شيطانة ليلية يزعم ان لها اجنحة و وجه بشرى .
و هكذا نرى ان هذا الكائن موجود و بشدة فى التلمود البابلى و من ثم فهو معروف لليهود فى هذا العصر بنفس المسمى و بالطبع قد يأتى احدهم ليخبرنا ان التلمود به كثير من الاساطير او الاشياء التى لا نقتنع بها كمسلمين كأن نجد احيانا انه يمثل شيطانه كانت فى الاساس هى الزوجة الاولى لأدم و بالطبع هذا مردود عليه و ببساطة ان موضع الاستدلال هنا هو وجود الكائن فى الثقافة اليهودية و ليس منطقية الكائن نفسه .
نسب المسيح المخجل!!ان رجال الدين المسيحي والناس العاديون لا يرون في الزنا عيبا حيث ان ربهم والههم من نسل الزنا:
الإنجيل المحرف الذي بين أيدي الكنيسة اليوم لا يحب المعجزات الإلهية الجميلة والرائعة، لأن التحريف يفقدها قيمتها والأيدي الماكرة تفرغها من محتواها.
ومن تلك المعجزات التي أرادها الله أن تكون دليلا على قدرته وعظمته وحجة على عباده، معجزة مجيء المسيح إلى هذه الدنيا، فمن المتفق عليه أن المسيح -عليه السلام- لم يكن لديه أب بيولوجي، ولم يكن نتاج نطفة رجل، وإنما حملت به أمه مريم العذراء بمعجزة ربانية، فالله لا يعجزه شيء، وإنما أمره أن يقول كن فيكون، وقد كانت مريم ابنة عمران فتاة عازبة عذراء، معتكفة على العبادة والزهد وخدمة بيت الله بعيدا عن الرجال.
نفخ الله في مريم من روحه فحملت بالمسيح، إنها معجزة الولادة الباهرة، وعانت العذراء من تلك الولادة، التي خرجت عن المألوف معاناة شديدة، خوفا على شرفها من الإشاعات، حتى قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا مريم23، وحدث ما كانت تخشاه إذ قال اليهود معاتبين ذامين يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا مريم 27-28.
تلقفت هذه الحادثة الإعجازية الألسن الخبيثة، فطفقت تلوكها وتستمتع باتهام مريم بالزنا والفسق، وهذا ديدن اليهود، فليس غريبا عنهم اتهام الناس -خصوصا الصالحين منهم- بالزنا والفجور واللواط والشذوذ، ويزودنا كتاب العهد القديم بتفاصيل الفن الإباحي الذي مارسه في زعمهم الأنبياء والمرسلون، وسنرى بعض أمثلة ذلك بعد حين.
ومما قاله اليهود أن مريم كانت مخطوبة لنجار اسمه يوسف، فغلبه الشوق وأَسَرَتْه الشهوة فدخل على مخطوبته قبل موعد الزواج الرسمي فحبلت بالمسيح!
إلا أن رواية أخرى وجدت لها صدى واسعا، حتى أصبحت الرواية الرسمية لهذه الولادة العجيبة في التلمود اليهودي، وعند الحاخامات في إسرائيل، وبعض الملاحدة الغربيين.
تقول الرواية إن مريم كانت لها علاقة آثمة مع جندي روماني يدعى باندارا، وبمباشرة الزنا معه حملت بالمسيح، نقرأ في التلمود اليهودي الفقرة التالية "إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين الزفت والقطران والنار، وإن أمه مريم أتت به من العسكري باندارا بمباشرة الزنا، وإن الكنائس النصرانية بمقام القاذورات، وإن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة".
هذه هي رواية اليهود في التلمود، وقد كُتب بعد رفع المسيح بحوالي خمسة قرون.
فمثلا عندما ذهب المسيح ليدعو بعض اليهود إلى الهداية، واجهوه بنسله غير الشريف -في نظرهم- فيشير الإنجيل إلى أن اليهود قالوا للمسيح (نحن نعرف آباءنا) لامزين له في عرضه، إذ إنَّه في زعمهم لم يكن يعرف أباه الحقيقي، كما أنهم سبوه وذموه بأقذع مسبة عندما قالوا له، حسب الإنجيل (نحن لسنا أولاد زنا) .
لكن اليهود الذين عايشوا المسيح أو مدّة كتابة الأناجيل قد مالوا إلى الرواية الأولى، وهي نسبة المسيح ليوسف النجار خطيب مريم، وإن كثيرين قذفوا مريم بالزنا مع يوسف، الذي اضطر للزواج بها تجنبا للفضيحة، فكان المسيح بالنسبة لهؤلاء ابنا غير شرعي ليوسف النجار.
ونقل العهد الجديد في عدة مناسبات، قول العوام والدهماء أن (المسيح هو ابن يوسف النجار زوج مريم وأخوته معروفون) ، فالحاصل أن المسيح في رأي الشعب اليهودي أحد اثنين: إما ابن غير شرعي ليوسف النجار، أو ابن شرعي له، أما الولادة الإعجازية فلم يكن يؤمن بها أحد.
وقبل التطرق بتفصيل أكبر لإهانة الإنجيل للمسيح في مسألة نسبه، لا بأس أن أذكر أن القرآن الكريم أكد بصورة قاطعة الميلاد الإعجازي للمسيح -- أفرد القرآن مريم بسورة سميت باسمها حول الموضوع، ونعتها في موضع آخر بالصديقة، وفي سورة ثالثة برأها من قيلة السوء ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتينالتحريم12.
كما أثنى عليها رسول الله -- ورفع شأنها فقال: "كمُل من النساء أربع: مريم ابنة عمران..."، كما عدها من خير نساء العالمين في حديث آخر.
أما الإنجيل المحرف وما أدراك ما الإنجيل المحرف!، بتناقضاته وتضارب رواياته وحكاياته -كما هو دائما- فإنَّه يكشف لنا أن نسب المسيح المذكور في إنجيلي متى ولوقا -على اختلاف شديد في تفاصيلهما- متفق مع الرواية الشعبية لعموم الناس، والتي تزعم أن المسيح هو من نسل داود -- عبر شخصية يوسف النجار.
جاء في إنجيل متى (كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم، إبراهيم ولد إسحاق، وإسحاق ولد يعقوب، ويعقوب ولد يهوذا وأخوته، ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار، وفارص ولد حصرون، وحصرون ولد ارام، وآرام ولد عميناداب، وعميناداب ولد نحشون، ونحشون ولد سلمون، وسلمون ولد بوعز من راحاب، وبوعز ولد عوبيد من راعوث، وعوبيد ولد يسى، ويسى ولد داود الملك، وداود الملك ولد سليمان من التي لاوريا، وسليمان ولد رحبعام....ومتان ولد يعقوب، ويعقوب ولد يوسف رجل مريم، التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح)
أما إنجيل لوقا فينقل لنا نسلا مغايرا لما جاء به إنجيل متى، حير هذا النسب الإنجيلي العلماء قديما وحديثا، إذ كيف يوحي الله لمتى ولوقا بنسلين مختلفين متضاربين، لكن ماذا نفعل أمام هذا التزوير الذي يفضح نفسه بنفسه!
يقول إنجيل لوقا (ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما يُظن ابن يوسف بن هالي بن متثاث بن لاوي...بن يونان بن الياقيم بن مليا بن متاثا بن ناثان بن داود بن يسى...بن بوعز بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم..)
لن أدخل في متاهات الاختلافات، التي تُعد بالمئات بين سلسلتي النسب هاتين، مع كوني اختصرت كثيرََا منها، لكن يمكن أن نلحظ أن كلا الكاتبين متفقان على أن المسيح هو ابن يوسف، معيدين سرد الرواية المنتشرة بين اليهود آنذاك، ويتضح ذلك أكثر من قول لوقا "وهو على ما يُظن ابن يوسف بن هالي" وكلمة الظن تدل على أن الشعب اليهودي كان يظن أن المسيح هو ابن يوسف، فلم يكلف نفسه أكثر من نقل ذلك الظن، فأي قُدسية ووحي يوجد في إنجيل لوقا، وهو ينقل لنا ظنون وشكوك وإشاعات وتخرصات العوام من الناس!؟
ومع ذلك فإن لوقا من بين كل الذين ألفوا كتبا مقدسة، هو الكاتب الموضوعي الوحيد المتصف بالأمانة العلمية، حيث إنه لا يقول إنَّ هذا الكلام موحى به من الله، كما لم يَدَّع بأنه يكتب بوحي من الله، أو أنه يكتب إنجيلا، وإنما يشير في صدر قصته عن المسيح أنه يخط رسالة إلى أحد أصدقائه أو معارفه المدعو "ثاوفيلس"، يخبره فيها ببعض أخبار المسيح التي جمعها من الذين سمعوا به أو عرفوه، إذ إنَّه لم يكن هو شخصيا لقي المسيح أو عرفه.
قال لوقا في صدر رسالته (إذ كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا من البدء معاينين وخداما للكلمة، رأيت أنا أيضا إذ تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به) .
فهو لا يعدو أن يكون مؤرخا وباحثا يدقق في الراويات وينقل من أفواه الرجال ما يراه أقرب الى الدقة والصحة، لكنه يخرج علينا بنسب المسيح المنسوب مرة أخرى إلى يوسف النجار، ويستبعد الولادة الإعجازية.
قد يقول بعض الناس إنَّ الكنيسة تصدق بميلاد المسيح الإعجازي، وإن رجال الاكليريوس يؤمنون بهذا الميلاد الخارق للعادة، ولكن هذا هو المشكل في حد ذاته، فإذا كان الأمر كذلك، فما الفائدة إذن من سلسلة النسب هذه التي يرويها متى تارة ولوقا تارة أخرى؟
فإذا لم يكن للمسيح أبا بيولوجيا بالمرة، فَلمَ كل هذا العناء الإنجيلي لإثبات علاقة نسب ليوسف النجار بالمسيح؟
وإذا كان المسيح لدى جميع الكنائس اليوم هو الله، فكيف يكون الله هو ابن يوسف النجار؟
سيقولون إنَّ للمسيح جانبا لاهوتيا وجانبا ناسوتيا!
لكن حتى هؤلاء لا يمكن أن يحلوا معضلة كون لاهوت المسيح ابنا لله، وناسوته ابنا ليوسف النجار!
فلا يبقى إلا التأكيد بأن متى ولوقا كليهما يهوديان يؤمنان بأن المسيح هو ابن يوسف من الزنا، فوضعا سلسلتين للنسب، يظنان أنها سلسلة آباء وأجداد المسيح، وان كان متى جازما في ذلك، حيث يقول في مطلع إنجيله (هذا كتاب ميلاد المسيح...بن يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يدعى المسيح) .
أما لوقا فلم يسعفه الوحي بهذا الجزم، فظن كغيره أن المسيح ابن يوسف النجار، وأيا كان الحال فبين الجزم والظن مسافات عريضة من التزوير والتحريف والاختراع والفبركة!!
وإذا ما تعمقنا أكثر وغصنا في تفاصيل سلسلة نسب المسيح هذه، فستواجهنا فضائح في غاية الإساءة للمسيح --، والاستنتاج الوحيد الذي يمكن الخروج به، أن النسب المثبت في الإنجيل لم يكن وليد صدفة، وإنما اختير كل اسم فيه بعناية، لتحقيق أهداف بعيدة المدى.
إن يوسف النجار الذي يُنسب إليه المسيح رجل نكرة، لا يُعرف عنه إلا أنه نجار، ولا يدري أحد بالتحديد من هم آباؤه وأجداده، لكن الإنجيل وكتبته كانوا يرقبون في تلك المرحلة الزمنية مسيحا منتظرا، يأتي من نسل داود ومن الأنبياء الكبار، فاختلقوا لهذا الغرض، لأنهم بزعمهم أكثر حرصا من الله، سلسلة نسب سلطانية ملكية مسلسلة بالزناة وأولاد الزنا، وأحفادهم غير الشرعيين، تبدأ بهذا "اليوسف" النكرة.
تعمد إنجيل متى ذكر مجموعة من أمهات وجدات المسيح بأسمائهن دون غيرهن، والغريب أن جميع من ذكرهن من الجدات هن من الزانيات أو من بنات نسل تلوث بالزنا، وإن الباحث ليعجب أشد العجب من سرّ ذكر الزانيات في نسب المسيح وإغفال العفيفات منهن، هل هو فضح يهودي متعمد للمسيح؟، بينما يكتفي الإنجيل بإقرار ذلك وتسطيره بوقاحة في العهد الجديد.
هل هو تعريض بنسل المسيح؟
كان ممن ذكرهن إنجيل متى من الجدات راعوث، وهي أم عوبيد أحد أجداد المسيح، كما ذكر العهد القديم نعمة، وهي أم رحبعام بن سليمان، وراعوث هذه مؤابية بينما نعمة عمونية، وهن من نسل لوط -عليه السلام- من الزنا، وبالتحديد من زنا المحارم.
يقول العهد القديم من الكتاب المقدس، إنَّه بعد أن دمر الله قرية لوط وقضى عليها، فر لوط مع ابنتيه خارجها وأقاموا في مغارة جبلية، ولنترك الكتاب المقدس يكمل القصة بتفاصيلها... (وصعد لوط من صوغر وسكن الجبل وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن في صوغر، فسكن المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض، هلم نسق أبانا خمرا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا آباهما خمرا في تلك الليلة، فدخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي هلم نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي فاضطجعي معه فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا آباهما خمرا في تلك الليلة أيضا، وقامت الصغرى فاضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب، وهو أبو المؤابيين إلى اليوم، والصغيرة أيضا ولدت ابنا دعت اسمه بن عمي، وهو أبو العمونيين إلى اليوم)
لا يفوتني أن أُعلق على هذه القصة التي تشبه "النكتة البورنوغرافية"، فهذا النبي الصالح، الشيخ الكبير، الذي حارب اللواط في قومه، واستبسل في دعوته للعفة والأخلاق الفاضلة، تستدرجه ابنتاه بهذه السذاجة ليقع في زنا المحارم، يشرب الخمر لحد الثمالة في ليلتين متتابعتين، فيفقد كل ذرات عقله، حتى إنَّه لا يعرف ما يقترفه من موبقات "جماع ابنتيه" كما تذكر القصة، كيف هذا؟
كيف يستطيع شيخ هرم وطاعن في السن، شارب للخمر لحد فقدان العقل والشعور والحركة، أن يجامع شابتين ناضجتين في ليلتين متتاليتين، وكيف -وهو في تلك الحال- أن يقدر عضوه التناسلي على الانتصاب، ثم يمارس الجنس ممارسة الفحول وينجب طفلين؟
لا شك أن هذه العملية بنتائجها، في هذه الظروف لا يتمكن منها إلا أشخاص خارقون على غرار "السوبرمان"!!
لكن هذا هو الكتاب المقدس الذي لا تنقضي غرائبه، فهو يفاجئنا دائما بقصصه التي تنم عنْ أمراض خطيرة في نفسية كتبة هذه الأسفار، مما يُعجز الجميع حتى فرويد بتحليله النفسي/الجنسي عن تفسير هذا النوع من الشذوذ.
الاخوة النصاري هذه بعض سنن ديننا الذي لا تعرفون عنه شيئا بل ما كان يقوله لكم الكهنة الكذبة ؟قارنوا بينه وبين اخلاق يسوع الزائف عندكم للاسف لان المسيح علي السلام كان لا يقل اخلاقا عنه مثل الانبياء كلهم ؟؟؟: خير أعماله وخواتمها
كان صلّى الله عليه وسلّم إذا عمل عملاً أثبته وداوم عليه؛ ولهذا قال: ”إن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه وإن قل“( ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ”كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً، وكان يعرض عليه القرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قُبض فيه عرض القرآن مرتين“( ).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر القول قبل أن يموت: ”سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك“. قالت: قلت: يا رسول الله، ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: ”جُعلت لي علامةٌ في أمتي إذا رأيتها قلتها {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}( ). وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما لعمر عن هذه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إنها: أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه إياه, فقال: ما أعلم منها إلا ما تعلم“( ). وقيل: نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} يوم النحر والنبي صلّى الله عليه وسلّم في منى بحجة الوداع( )، وقيل: نزلت أيام التشريق( )، وعند الطبراني أنها لما نزلت هذه السورة أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشدَّ ما كان اجتهاداً في أمر الآخرة( )؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنهما: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ”سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي“ يتأول القرآن( ). ومعنى ذلك أنه يفعل ما أمر به فيه وهو قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}( ).
وخلاصة القول: أن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذا المبحث كثيرة، ومنها:
1 ـ الحث على المداومة على العمل الصالح، وأن قليلاً دائماً خير من كثير منقطع؛ لأن بدوام العمل الصالح القليل تدوم الطاعة والذكر، والمراقبة، والنية، والإخلاص, والإقبال على الخالق، والقليل الدائم يثمر؛ لأنه يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة( ).
2 ـ من أجهد نفسه في شيء من العبادات لا يطيق العمل به خُشِيَ عليه أن يمل فيفضي ذلك إلى تركه( ).
3 ـ الإنسان المسلم كلما تقدم في العمر اجتهد في العمل على حسب القدرة والطاقة، ليلقى الله على خير أحواله؛ ولأن الأعمال بالخواتيم، وخير الأعمال الصالحة خواتيمها( ).
المبحث الرابع: وداعه لأمته ووصاياه في حجة الوداع
1 ـ أذانه في الناس بالحج:
1 ـ بعد أن بلَّغ صلّى الله عليه وسلّم البلاغ المبين وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، أعلن في الناس وأذَّن فيهم وأعلمهم أنه حاج في السنة العاشرة – بعد أن مكث في المدينة تسع سنين كلها معمورة بالجهاد والدعوة والتعليم – وبعد هذا النداء العظيم الذي قصد به صلّى الله عليه وسلّم إبلاغ الناس فريضة الحج، ليتعلموا المناسك منه صلّى الله عليه وسلّم؛ وليشهدوا أقواله، وأفعاله، ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب، وتشيع دعوة الإسلام، وتبلغ الرسالة القريب والبعيد( ). قال جابر رضي الله عنه: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذَّن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجٌّ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويعمل مثل عمله... وساق الحديث وفيه: حتى إذا استوت به ناقته على البيداء( ) نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك( ), ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله وما عمل به من شيء عملنا به... وساق الحديث وقال: حتى إذا أتى عرفة فوجد القبة قد ضُرِبت له بنمرة فنزل بها.
2 ـ وداعه ووصيته لأمته في عرفات:
قال جابر رضي الله عنه: حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: ”إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع( ) ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دمٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله( ) فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله( ) ولكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم( ) أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرِّح( ) ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله( ), وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون“؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت, ونصحت. فقال بإصبعه السبَّابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ”اللهم اشهد، اللهم اشهد“ ثلاث مرات( ). وقد كان في الموقف جمٌّ غفير لا يُحصي عددها إلا الله تعالى( ).
وأُنزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم في يوم عرفة يوم الجمعة قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}( ) وهذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره, ولا إلى نبي غير نبيهم صلّى الله عليه وسلّم؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء, وبعثه إلى الجن والإنس فلا حلال إلا ما أحلَّه، ولا حرام إلا ما حرَّمه، ولا دين إلا ما شرعه, وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق, لا كذب فيه ولا خلف, {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً}( ) أي صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأوامر والنواهي, فلما أكمل الله لهم الدين تمت عليهم النعمة( ).
وقد ذُكر أن عمر بكى عندما نزلت هذه الآية في يوم عرفة, فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا, فأما إذا أُكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص( ), وكأنه رضي الله عنه توقع موت النبي صلّى الله عليه وسلّم قريباً.
3 ـ وداعه ووصيته لأمنه عند الجمرات:
قال جابر رضي الله عنه: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: ”لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه“( ).
وعن أم الحصين رضي الله عنها قالت: حججت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة... فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولاً كثيراً ثم سمعته يقول: ”إن أُمِّر عليكم عبد مجدَّع أسود يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا“( ).
4 ـ وصيته ووداعه لأمته يوم النحر:
عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قعد على بعيره وأمسك إنسان بحطامه – أو بزمامه – وخطب الناس فقال: ”أتدرون أيُّ يوم هذا“؟ قالوا: الله ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه, فقال: ”أليس بيوم النحر“؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ”فأي شهر هذا“؟ قلنا: الله ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسمه بغير اسمه, فقال: ”أليس بذي الحجة“؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال: ”فأي بلد هذا“؟ قلنا الله ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: ”أليست البلدة الحرام“؟ قلنا: بلى يا رسول الله , قال: ”فإن دماءكم, وأموالكم, وأعراضكم, وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا [وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم, فلا ترجعوا بعدي كفاراً [أو ضُلاَّلاً يضرب بعضكم رقاب بعض, ألا ليبلغ الشاهد [منكم] الغائب [فَرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع] ألا هل بلَّغت [ثم انكفأ( ) إلى كبشين أملحين فذبحهما..“( ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب( ).
وسكوته صلّى الله عليه وسلّم بعد كل سؤال من هذه الأسئلة الثلاثة كان لاستحضار فهومهم, وليقبلوا عليه بكليتهم, وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه( ).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وقف النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر بين الجمرات... وقال: ”هذا يوم الحج الأكبر“ وطَفِق( ) النبي يقول: ”اللهم اشهد“ وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع"( ).
وقد فتح الله أسماع جميع الحجاج بمنى حتى سمعوا خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر, هذا من معجزاته أن بارك في أسماعهم وقوَّاها حتى سمعها القاضي الداني حتى كانوا يسمعون وهم في منازلهم( ). فعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن بمنى فَفُتِحت أسماعُنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا.."( ).
5 ـ وصيته صلّى الله عليه وسلّم لأمته في أوسط أيام التشريق:
وخطب صلّى الله عليه وسلّم الناس في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة وهو ثاني أيام التشريق ويقال له: يوم الرؤوس؛ لأن أهل مكة يسمونه بذلك؛ لأكلهم رؤوس الأضاحي فيه, وهو أوسط أيام التشريق( ), فعن أبي نجيح عن رجلين من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم, وهما من بني بكر, قالا: رأينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب بين أوسط أيام التشريق, ونحن عند راحلته, وهي خطبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي خطب( ) بمنى( ), وعن أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم وسْطَ أيام التشريق فقال: ”يا أيها الناس إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود, ولا لأسود على أحمر على أحمر إلا بالتقوى, أبلغت“؟ قالوا: بلَّغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثم قال: ”أي يوم هذا“؟ قالوا: يوم حرام. ثم قال: ”أيُّ شهر هذا“؟ قالوا: شهر حرام. ثم قال: ”أي بلد هذا“؟ قالوا: بلد حرام. قال: ”فإن الله قد حرَّم بينكم دماءكم, وأموالكم, وأعراضكم, كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا، أبلغت“؟ قالوا بلَّغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ”ليبلغ الشاهد الغائب“( ).
وهناك جمل من خطبه صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع في الأماكن المقدسة منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس في حجة الوداع فقال: ”إن الشيطان قد يئس أن يُعبد بأرضكم ولكن رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا, إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً, كتاب الله وسنة نبيه...“ الحديث( ). وحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو يخطب الناس على ناقته الجدعاء في حجة الوداع يقول: ”يا أيها الناس أطيعوا ربكم, وصلّوا خمسكم, وأدّوا زكاة أموالكم، وصوموا شهركم, وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم“( ).
وخلاصة القول: أن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذا المبحث كثيرة, ومنها:
1 ـ إن كل من قدم المدينة إجابة لأذان النبي صلّى الله عليه وسلّم بالحج فقد حج مع النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لقول جابر رضي الله عنه: "فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتمَّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويعمل مثل عمله"( ).
2 ـ استحباب نزول الحاج إلى عرفات بعد زوال الشمس إن تيسر ذلك.
3 ـ استحباب خطبة الإمام بالحجاج بعرفات, يبين فيها للناس ما يحتاجون إليه، ويعتني ببيان التوحيد, وأصول الدين, ويحذر فيها من الشرك والبدع والمعاصي, ويوصي الناس بالعمل بالكتاب والسنة.
وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خطب في حجة الوداع ثلاث خطب: خطبة يوم عرفة, والخطبة الثانية يوم النحر في منى, والخطبة الثالثة في منى يوم الثاني عشر من ذي الحجة. ومذهب الشافعي أن الإمام يخطب يوم السابع من ذي الحجة كذلك( ), ويعلم الإمام الناس في كل خطبة ما يحتاجون إليه إلى الخطبة لأخرى.
4 ـ تأكيد غلظ تحريم الدماء, والأعراض, والأموال, والأبشار الجلدية.
5 ـ استخدام ضرب الأمثال وإلحاق النظير بالنظير؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا“.
6 ـ إبطال أفعال الجاهلية, وربا الجاهلية, وأنه لا قصاص في قتلى الجاهلية.
7 ـ إن الإمام ومن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يجب أن يبدأ بنفسه وأهله؛ لأنه أقرب لقبول قوله, وطيب نفس من قرب عهده بالإسلام.
8 ـ الموضوع من الربا هو الزائد على رأس المال, أما رأس المال فلصاحبه.
9 ـ مراعاة حق النساء, ومعاشرتهن بالمعروف, وقد جاءت أحاديث كثيرة بذلك جمعها النووي أو معظمها في رياض الصالحين.
10 ـ وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وجواز تأديبها إذا أتت بما يقتضي التأديب لكن بالشروط والضوابط التي جاءت بالكتاب والسنة، وأن لا يحصل منكر من أجل ذلك التأديب.
11 ـ الوصية بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم.
12 ـ قوله: ”لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه“ ففي ذلك لام الأمر, والمعنى خذوا مناسككم, وهكذا وقع في رواية غير مسلم, وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال، والأفعال، والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها, واحفظوها واعملوا بها، وعلموها الناس, وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج, فهو كقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”صلوا كما رأيتموني أصلي“( ).
13 ـ وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لعلي لا أحج بعد حجتي هذه“ إشارة إلى توديعهم, وإعلامهم بقرب وفاته صلّى الله عليه وسلّم, وحثهم على الأخذ عنه, وانتهاز الفرصة وملازمته, وبهذا سميت حجة الوداع.
14 ـ الحث على تبليغ العلم ونشره, وأن الفهم ليس شرطاً في الأداء, وأنه قد يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدم ولكن بقلة, وأن الأفضل أن يكون الخطيب على مكان مرتفع؛ ليكون أبلغ في سماع الناس ورؤيتهم له.
15 ـ استخدام السؤال ثم السكوت والتفسير يدل على التفخيم, والتقرير والتنبيه.
16 ـ الأمر بطاعة ولي الأمر مادام يقود الناس بكتاب الله تعالى, وإذا ظهرت منه بعض المعاصي والمنكرات, وُعِظَ وَذُكِّر بالله وخُوِّف به لكن بالحكمة والأسلوب الحسن.
17 ـ الوصية بطاعة الله, والصلاة, والزكاة, والصيام, وأنه لا فرق بين أصناف الناس إلا بالتقوى.
18 ـ معجزة النبي صلّى الله عليه وسلّم الظاهرة الدالة على صدقه, وذلك بسماع الناس لخطبته يوم النحر وهم في منازلهم( ) فقد فتح الله لأسماعهم كلهم لها.
19 ـ الضحية سنه مؤكدة على الصحيح من أقوال أهل العلم, وهي في حق الحاج وغير الحاج فلا يجزئ عنها الهدي, وإنما هي سنة مستقلة؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم بعد أن خطب الناس بمنى انقلب فذبح كبشين أملحين( ) وهذا غير الهدايا التي نحرها بيده وأشرك عليّاً في الهدي وأمره بنحر الباقي من البدن
ما الدليل على أن الدين الإسلامي هو الدين الصحيح وليست المسيحية أو اليهودية؟
لقد أرسل الله رسله جميعاً بالإسلام، فأمروا قومهم أن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن يكفروا بما عداه من المعبودات الباطلة، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ {النحل:36}، فدين الأنبياء واحد، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ {آل عمران:19}، ولكن الاختلاف بينهم في الشريعة والأحكام، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة:48}، وقال صلى الله عليه وسلم: الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد. رواه البخاري،
وقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء بتصديق النبي محمد وأتباعه لو جاءهم، ولما بعثه سبحانه جعل شريعته ناسخة لما قبلها من الشرائع وأوجب على العالمين اتباعه، هذا ولم يستقم أتباع موسى وعيسى عليهما السلام على أمر ربهم، فعمد الأحبار والرهبان إلى التوراة والإنجيل فحرفوهما بما يتوافق مع أهوائهم، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ {المائدة:13}، وإلا فإن التوراة والإنجيل آمران بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ومتابعته، فمن كفر بمحمد فقد كفر بالتوراة والإنجيل، .
ولقد حفظ الله القرآن عن التغيير والتبديل، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}، فلحفظ الله له لم يتبدل منه حرف على مرور القرون، مع شدة الحملة من الكفار على المسلمين، وغزو الصليبيين والتتار، ومحاولات الاستعمار الحديث والمستشرقين، إلا أن جميع كيدهم ذهب أدراج الرياح، وهذا من المعجزات. ولقد تحدى نبينا محمد البشر جميعاً بتلك المعجزة الباقية، وهي القرآن فعجزوا أن يأتوا بمثل سورة من سوره.
ومن الأدلة على أن الإسلام هو الدين الحق..... –العقيدة الصافية، فالله وحده هو المتصرف في الكون، لا شريك له في الخلق والرزق، ولا يدبر معه الأمر أحد، ولا يستحق أحد من دونه أن يعبد، كما أنه موصوف بكل كمال ومنزه عن كل نقص، بينما في النصرانية الرب عندهم يتزوج وينجب ( سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً )، فالإسلام يبطل عقيدة التثليث عند النصارى ويبطل ألوهية عيسى وأمه، قال تعالى: مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ {المائدة:75}، فالإله لا يأكل ولا يشرب ولا يلد ولا يولد، بل هو الغني عما سواه، فكيف يكون عيسى وأمه إلهين؟.
ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق: شرائعه الواقعية، فهو يبيح الزواج بالنساء، ويرغب فيه، ولا يأمر بالرهبنة والتبتل، لكنه يحرم الزنا، والإسلام يبيح المعاملات بين الناس ولكنه يحرم الربا، ويبيح جمع المال من حله ولكنه يوجب الزكاة للفقراء، ويبيح الطعام ويستثني الميتة ولحم الخنزير ونحوهما، وغير ذلك من الشرائع الواقعية التي تناسب حاجات البشر ولا تضيق عليهم؟
ومن الأدلة كذلك على أن الإسلام هو دين الحق: موازنته بين متطلبات الروح وحاجات البدن، ومن الأدلة على أن دين الإسلام هو دين الحق عدم مصادمة عقائده وتشريعاته للفطرة والعقل، فما من خير يدل عليه العقل إلا والإسلام يحث عليه ويأمر به، وما من شر تأنفه الطباع وينفيه العقل إلا والإسلام ينهانا عنه،
ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق –إعجاز القرآن– فهو مع احتوائه على أكثر من ستة آلاف آية، ومع طرقه لموضوعات متعددة، فإنك لا تجد في عباراته اختلافاً بين بعضها البعض، كما لا تجد معنى من معانيه يعارض معنى، ولا حكماً ينقض حكماً، قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82}، ومن وجوه إعجاز القرآن: انطباق آياته على ما يكشفه العلم من نظريات علمية، قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ {فصلت:53}، ومن أوضح ما أثبته القرآن من أن الجنين يخلق في أطوار، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة،.... إلخ ولم يقرر ذلك العلم التجريبي الحديث إلا في عصرنا الحديث، مع أن القرآن قرره قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن.
ومن أوجه إعجاز القرآن كذلك، إخباره بوقائع لا يعلمها إلا علام الغيوب، ومنها ما أخبر بوقوعه في المستقبل، كقوله تعالى: ألم* غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ {الروم}، وقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ {الفتح:27}، وكذلك قص القرآن قصص أمم بائدة ليست لها آثار ولا معالم، وهذا دليل على أن هذا القرآن منزل من عند الله الذي لا تخفى عليه خافية في الحاضر والماضي والمستقبل، قال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا {هود:49}، ومن وجوه إعجاز القرآن كذلك فصاحة ألفاظه وبلاغة عباراته وقوة تأثيره، فليس فيه ما ينبو عن السمع أو يتنافر مع ما قبله أو ما بعده، وحسبنا برهاناً على ذلك شهادة الخبراء من أعدائه، واعتراف أهل البيان والبلاغة من خصومه، فلقد بهتوا أمام قوة تأثيره في النفوس وسلطانه الروحي على القلوب، قال الوليد بن المغيرة وهو من ألد أعداء الرسول: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر. والحق ما شهدت به الأعداء.
====================
الدّين هل استنفد أغراضه ؟
ظن كثير من الغربيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في نشوة الانتصارات العلمية ، أن الدين قد استنفد أغراضه ، وأخلى مكانه للعلم !
وعلى هذا الظن معظم " علماء " الاجتماع و " علماء " النفس في العالم الغربي . فهذا فرويد مثلاً يقسم حياة البشرية إلى ثلاث مراحل سيكلوجية : الأولى مرحلة الخرافة ، والثانية مرحلة التدين ، والثالثة والأخيرة هي مرحلة العلم !
وقد شرحنا في المقدمة الأسباب والملابسات التي أدت بعلماء أوربا إلى اعتناق هذه النظرة المعادية للدين ، المنفرة منه ، وقلنا أن الصراع الذي قام بين الكنيسة والعلماء قد جعلهم يشعرون – بحق - أن ما تقول الكنيسة رجعية وانحطاط وتأخر وخرافة . وأنه يجب أن يخلي مكانه للعلم ، حتى يتاح للبشرية أن تتقدم في طريق المدنية .
ثم كانت عدوى التقليد في الشرق الإسلامي المغلوب على أمره ، هي التي خيلت للمساكين من أهله ، أن طريقهم الوحيد إلى التقدم هو طريق أوربا الظافرة – لأنها اليوم ظافرة ! – وأن عليهم أن ينبذوا دينهم ، كما نبذت أوربا دينها ، وإلا فسيظلون سادرين في الرجعية والانحطاط والتأخر والخرافة !
ولكن علماء أوربا وكتابها مع ذلك ليسوا كلهم من أعداء الدين ! وفيهم قوم معقولون تحررت نفوسهم من مادية أوربا الملحدة ، وعرفوا ان العقيدة حاجة نفسية وحاجة عقلية في ذات الوقت . ومن أبرز أمثلتهم جيمس جينز العالم الفلكي الذي بدأ حياته ملحداً شاكاً ، ثم انتهى عن طريق البحث العلمي إلى أن مشكلات العلم الكبرى لا يحلها إلا وجود إله ! وجينز برج عالم الاجتماع الشهير الذي يشيد بالدين الإسلامي خاصة لجمعه بين المادي والروحي في فكرة واحدة ونظام واحد . ثم ها هو ذا الكاتب المشهور سومرست موم يقول كلمته الصادقة البارعة : " إن أوربا قد نبذت اليوم إلهها ، وآمنت بإله جديد هو العلم ، ولكن العلم كائن متقلب ، فهو يثبت اليوم ما نفاه بالأمس ، وهو ينفي غداً ما يثبته اليوم ، لذلك تجد عبّاده في قلق دائم ، لا يستقرون " !
إنها حقيقة . هذا القلق الدائم الذي يعيش فيه الغرب المضطرب ، القلق الذي يفسد أعصاب الناس هناك ، ويصيبهم بمختلف الأمراض النفسية والعصبية ، هو نتيجة الصراع الدائم في الأرض ، دون الاستناد إلى قوة ثابتة في الأرض أو السماء . كل شيء من حولهم يتغير. النظم الاقتصادية تتغير . والنظم السياسية تتغير . وعلاقات الدول والأفراد تتغير. وحقائق العلم تتغير. فإذا لم تكن هناك قوة ثابتة يستند إليها الأفراد في صراعهم الجبار مع الحياة والناس والأشياء ، فهناك نتيجة حتمية واحدة : هي القلق والاضطراب.
ولو لم يكن للعقيدة مهمة تؤديها في حياة البشر إلا هذا الأمن الذي يجده الإنسان في رحاب الله ، وهو يتوجه إليه بأعماله ، ويقاوم قوى الشر والطغيان ابتغاء مرضاته ، ويكدح لتعمير الأرض تنفيذاً لإرادته وانتظاراً لمثوبته ، لكفى ذلك مبرراً للتمسك بالعقيدة ، والتزود منها بخير زاد .
وما الإنسان بغير عقيدة ؟ ما هو بغير الإيمان بعالم آخر خالد الحياة ؟
إنه لا بد أن يستولي عليه شعور الفناء . الشعور بقصر العمر وضآلته بالقياس إلى أحلام الفرد وآماله . وعندئذ يندفع وراء شهواته ، ليحقق في حياته القصيرة أكبر قدر من المتاع . ويتكالب على الأرض ، ومنافع الأرض ، وصراع الأرض الوحشي ، ليحقق في هذه الفرصة الوحيدة المتاحة له كل ما يقدر عليه من نفع قريب …
ويهبط الناس . يهبطون في أحاسيسهم وأفكارهم ، ويهبطون في تصوراتهم لأهداف الحياة ووسائل تحقيقها . يهبطون إلى عالم الصراع البغيض الذي لا ينبض بآصرة إنسانية رفيعة ، ولا تخطر فيه خاطرة من ود أو رحمة أو تعاون صادق . ويهبطون إلى نزوات الجسد وضرورات الغريزة ، فلا يرتفعون لحظة إلى عاطفة نبيلة ولا معنى إنساني كريم .
ولا شك أنهم – في الطريق ، في صراعهم الجبار – يحققون شيئاً من النفع ، وشيئاً من المتاع . ولكنهم يفسدون ذلك كله بالتكالب الذي يتكالبونه على النفع والمتاع . فأما الأفراد فإن الشهوات تتملكهم إلى الحد الذي يصبحون فيه عبيداً لها ، خاضعين لنزواتها ، محكومين بتصرفاتها ، لا يملكون أنفسهم منها ، ولا يخلصون من سلطانها . وأما الأمم فمصيرها إلى الحروب المدمرة التي تفسد المتاع بالحياة ، وتحول العلم – تلك الأداة الجبارة الخطيرة – من نفع الإنسانية إلى التحطيم المطلق ، والدمار الرهيب .
فلو لم يكن للعقيدة مهمة تؤديها في حياة البشرية إلا الفسحة التي تمنحها للأحياء ، والأمل في حياة خالدة يحققون فيها كل آمالهم ، ويستمتعون فيها بكل ما يخطر في نفوسهم من متاع … ولو لم يكن لذلك من نتيجة إلا تخفيف حدة الصراع في الأرض ، وإتاحة الفرصة لمشاعر الحب والمودة والرحمة والإخاء ، لكفى ذلك مبرراً للتمسك بالعقيدة والتزود منها بخير زاد .
وأصحاب المبادئ العليا والأفكار الإنسانية والعقائد الرفيعة ، من ذا الذي يهبهم الصبر على الكفاح ، والصمود لقوى الشر والطغيان في سبيل هذه المبادئ والأفكار؟ وما النفع الذي ينتظرونه ؟ لقد يقضي بعضهم – بل أغلبهم - حياته دون أن يحصل على النفع المنشود . ولن تفلح العقيدة المبنية على النفع الشخصي إلا ريثما يتحقق هدفها الصغير، ثم تكتسحها الأعاصير، لانها تقوم بغير جذور .
ليس النفع القريب إذن هو الدافع إلى الصبر والصمود .
حقيقة أن بعض " المصلحين " يستمدون القوة والصبر من الأحقاد ! أحقادهم الشخصية ، أو أحقاد طائفة من الناس ، أو أحقاد الجيل كله الذي يعيشون فيه . ولقد يصلون إلى بعض أهدافهم في " الإصلاح " . ولقد تكون أحقادهم من الحدة والعنف بحيث يحتملون كل عذاب في سبيل الهدف الذي ينشدون . ولكن العقائد المبنية على الحقد – لا على الحب - لا يمكن أن تسير بالبشرية إلى الخير الحق . قد تحل مشكلة موقوتة . وقد ترفع ظلماً واقعاً . ولكنها لن تكون قط علاجاً صالحاً لكل ما تعانيه البشرية من الآلام ، ولا بد أن تنحرف – بما فيها من أحقاد وسخائم - فتستبدل شراً بشر ، وظلماً بظلم ، وهبوطاً بهبوط .
العقيدة التي لا تقوم على النفع القريب ، والتي لا تستمد غذاءها من السخائم والأحقاد ، والتي تستهدف الحب النبيل والإخاء الحق ، والتي تحارب الشر لأنها تحب للناس الخير .. هذه العقيدة وحدها هي التي تنفع الناس ، وتدفع بهم إلى الأمام في ركب المدنية .
فكيف السبيل إليها بغير الإيمان " بالحب " الأكبر المنبثق من حب الله ، و " الخير " الأكبر الموصول بالله ، و " الحق " الأكبر الذي تقاس به حقائق الحياة ؟ وكيف السبيل إليها بغير الإيمان بالعالم الآخر الذي ينفي عن الروح خاطر الفناء في الأرض ، ويمنحها الإحساس بالدوام والخلود ، وينفي عنها الإحساس بضياع الجهد بلا ثمرة ، وضياع المشاعر النبيلة بلا جزاء ؟
هذا عن العقيدة .. كل عقيدة في الله واليوم الآخر .
ولكن الإسلام له حساب آخر .
والذين يخطر في بالهم أن الإسلام قد استنفد أغراضه ، لا يعرفون لماذا جاء الإسلام .
إنهم – كما حفظوا في دروس التاريخ التي وضعها الاستعمار لتدرس في المدارس المصرية ( ) – يعرفون أن الإسلام قد نزل لمنع عبادة الأصنام وتوجيه الناس إلى عبادة الله الواحد . وكان العرب يعيشون قبائل متفرقة متناحرة فألف بينهم ، وجعلهم أمة واحدة . وكانوا يشربون الخمر ، ويلعبون الميسر ويرتكبون المفاسد الخلقية ، فنهاهم عن ذلك ، وحرمه عليهم . كما حرم عليهم بعض العادات السيئة ، كالأخذ بالثأر ووأد البنات و … الخ . ودعا الإسلام المؤمنين به لنشر الدعوة فقاموا بنشرها ، وقامت الحروب والغزوات التي انتهت بانتشار الإسلام إلى حدوده المعروفة اليوم .
فقط . تلك كانت مهمة الإسلام ! وإذن فهي مهمة تاريخية قد انتهت اليوم واستنفدت أغراضها .. ليس في العالم الإسلامي اليوم من يعبد الأصنام . والقبائل قد ذابت – قليلاً أو كثيراً – في أمم وشعوب . والخمر والميسر والمسائل الخلقية متروك أمرها " لتطور " المجتمع . وقد وجدت رغم تحريم الأديان لها ، فلا فائدة من المحاولة .. ونشر الدعوة قد انتهى ، ولم يعد له مكان في التاريخ الحديث .. وإذن فقد استنفد الإسلام أغراضه ، وعلينا اليوم أن نتجه إلى " المبادئ الحديثة " ففيها وحدها الغناء .
ذلك وحي الدراسات التي ندرسها لأبنائنا في المدارس ، وهو كذلك وحي ما يسمونه " الأمر الواقع " كما يتبدى في الأذهان الضعيفة والنفوس المستعبدة لسلطان الغرب .
ولكن هؤلاء وأولئك لا يدركون فيم نزل الإسلام .
إن الإسلام في كلمة واحدة هو " التحرر " . التحرر من كل سلطان على الأرض ، يقيد انطلاق البشرية أو يقعد بها عن التقدم الدائم في سبيل الخير ( ) .
التحرر من سلطان الطغاة الذين يستعبدون البشر لأنفسهم ، ويستذلونهم بالقهر والتخويف. فيفرضون عليهم ما يخالف الحق ، ويسلبون كرامتهم أو أعراضهم أو أموالهم أو أنفسهم . التحرر من طغيانهم برد السلطان كله إلى الله وحده ، وتقرير تلك الحقيقة العظمى التي ينبغي أن تكون بديهية في أذهان الناس وضمائرهم ، وهي أن الله وحده مالك الملك، وهو وحده القاهر فوق عباده ، وكلهم عباده ، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً . عند ذلك يتحرر الناس من خوف بشر مثلهم لا يملك من أمر نفسه شيئاً ، وهو وإياهم خاضع لإرادة الواحد القهار .
والتحرر من سلطان الشهوة – حتى شهوة الحياة - وهي السلاح الذي يستخدمه الطغاة عن قصد أو عن غير قصد في استذلال البشر . فلولا حرص الناس على هذه الشهوات ما قبلوا الذل ، ولا قعدوا عن مقاومة الظلم الذي يقع عليهم . ولذلك عني الإسلام عناية شديدة بتحرير الناس منها ، ليقفوا من الشر موقف القوي المجاهد ، لا موقف الخانع المستخذي : " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين " ( ) .
وبذلك يجمع الشهوات كلها في كفة ، ويضع في الكفة الأخرى حب الله – الذي يتمثل فيه الحب والخير والحق – والجهاد في سبيل الله ، وفي سبيل هذه المعاني النبيلة كلها . ثم يجعل حب الله راجحاً لهذه الشهوات ، ويجعل ذلك شرط الإيمان !
وليس التحرر من سلطان الشهوات مقصوداً لمقاومة الطغاة والجبارين فحسب ، ولكنه إلى جانب ذلك هدف شخصي لكل فرد ، لينقذ نفسه من استعباد الغرائز والوقوع تحت سلطانها الجائر المذل .
إن الذي يغرق في شهواته يظن بادئ الأمر أنه يستمتع بلذائذ الحياة أكثر مما يستمتع غيره . ولكن هذا الظن الخاطئ يسلمه بعد قليل إلى عبودية لا خلاص منها ، وشقاء لا راحة فيه . فالشهوة لا تشبع أبداً بزيادة الانكباب عليها ، ولكنها تزداد تفتحاً واستعاراً ، وتصبح الشغل الشاغل لمن تملكه فلا يستطيع التخلص من ضغطها عليه ، فضلاً عن التفاهة التي يهبط إليها حين يصير همه كله أن يستجيب لصياح الشهوات . والحياة لا يمكن أن تتقدم ، والبشرية لا يمكن أن ترتفع ، إلا حين تتخلص من ضغط الضرورة ، لتعمل في الميدان الطليق . سواء كان عملها علما ييسر الحياة ، أو فنا يجملها ، أو عقيدة ترتفع بها إلى آفاق المشاعر العليا .
ومن هنا كان حرص الإسلام الشديد على تحرير البشر من شهواتهم ، لا بفرض الرهبنة عليهم ، ولا بتحريم الاستمتاع بطيبات الحياة ، وإنما بتهذيب استجابتهم إليها ، وإتاحة القسط المعقول من المتاع ، الذي يرضي الضرورة ويطلق الطاقة الحيوية تعمل لإعلاء كلمة الله في الأرض . وكان الإسلام في ذلك يهدف إلى فائدة شخصية للفرد بتحقيق قسط من المتعة وراحة البال ، وفائدة أخرى للمجتمع كله ، يتوجيه طاقته إلى الخير والتقدم والارتقاء ، حسب نظريته الكبرى في التوفيق بين الفرد والمجتمع في نظام( ) .
وتحرير العقل من الخرافة .. فقد كانت البشرية غارقة في خرافات عدة ، بعضها صنعه البشر ونسبوه إلى آلهتهم التي صنعوها بأيديهم ، وبعضها صنعه رجال الدين ونسبوه إلى الله ! وكلها نشأ من الجهالة التي كان يعيش فيها العقل البشري في طفولته ، فجاء الإسلام ليخلص البشرية من الخرافة ممثلة في الآلهة المزعومة ، وفي أساطير اليهود وخرافات الكنيسة ، ويردهم إلى الله الحق ، في صورة بسيطة يفهمها العقل ويدركها الحس ويؤمن بها الضمير؛ ويدعوهم إلى إعمال عقلهم لتفهم حقائق الحياة ، ولكن في صورة فريدة لا تقيم خصومة بين العقل والدين ، ولا بين الدين والعلم . لا تضطر الإنسان إلى الإيمان بالخرافة ليؤمن بالله ، ولا تضطره إلى الكفر بالله ليؤمن بحقائق العلم . وإنما تقر في ضميره في استقامة ووضوح أن الله قد سخر للناس ما في الكون جميعاً . وأن كل حقيقة علمية يهتدون إليها ، أو نفع مادي يحصلون عليه فإنما هو توفيق من الله ، يستحق أن يشكروا الله من أجله ويحسنوا عبادته ، وبذلك يجعل المعرفة جزءاً من الإيمان ، لا عنصراً مخالفاً للإيمان .
وتلك كلها أهداف لم تستنفد أغراضها ، ولا يمكن أن تستنفد أغراضها ما دام البشر على الأرض !
فهل تخلصت البشرية من الخرافة ؟ هل تخلصت من سلطان الطغاة والجبارين ؟ هل تخلصت من ضغط الجسد وصراخ الشهوات ؟
نصف سكان العالم ما يزالون وثنيين يعبدون الأصنام ، في الهند والصين والقبائل المتفرقة في أنحاء الأرض . وما يقرب من نصفهم يعبدون خرافة أخرى لا تقل انحرافاً بالناس عن الحق ، ولا إفساداً لضمائرهم ومشاعرهم وعلاقات بعضهم ببعض ، بل ربما كانت أكثر انحرافاً وأشد خطراً : تلك الخرافة هي العلم !!
العلم أداة جبارة من أدوات المعرفة ، وقد خطا بالبشرية كلها خطوات واسعة في سبيل التقدم والرقي ، ولكن إيمان الغرب به على أنه الإله الأوحد ، وإغلاق كل منافذ المعرفة سواه ، قد ضلل البشرية عن مقصدها ، وضيق آفاقها وحصر مجالها في الميدان الذي يستطيع العلم التجريبي أن يعمل فيه ، وهو ميدان الحواس . ومهما يكن من سعة هذا الميدان فهو ضيق بالنسبة لطاقات البشرية ؛ ومهما يكن من رفعته فهو أدنى مما يستطيع الإنسان أن يرتفع إليه ، حين يرتفع بفكره وروحه جميعاً ، فيتصل بحقيقة الألوهية ويقبس من نور المعرفة الحقة ببصره وبصيرته في آن . وذلك فضلاً عن الخرافة التي تخيل للمؤمنين بها أن العلم يستطيع أن يصل بهم إلى كل أسرار الكون والحياة ، والتي تخيل لهم أن ما يثبته العلم هو وحده الحق ، وأن ما لا يستطيع إثباته هو الخرافة ! والعلم ما يزال في طفولته ، وما يزال يضطرب في كثير من الحقائق بين النفي والإثبات ، وما يزال عاجزاً عن النفاذ إلى حقائق الأشياء ، يكتفي بوصف مظاهرها دون كنهها . ولكن عبّاده يتعجلون أمرهم وأمره ، فينفون وجود الروح ، وينفون قدرة هذا المخلوق البشري المحدود الحواس على تخطي حواجز المادة ، والاتصال بالغيب المجهول في ومضة من ومضات التليباثي ( ) ، أو في رؤيا صادقة ، لا لأن هذا ليس حقيقة ، ولكن لأن العلم التجريبي لم يستطع بعد إثباته ! ولما كان الله – سبحانه - لا يخضع للبحث التجريبي فقد استغنوا عنه ، وأعلن بعضهم أنه غير موجود ! !
فما أحوج العالم اليوم إلى الإسلام ، كما كان محتاجاً إليه قبل ألف وثلاثمائة عام ! ما أحوجه إليه ينقذه من الخرافة ، ويرفع عقله وروحه من التردي فيها ، سواء كانت الخرافة هي عبادة الأوثان ، أو عبادة العلم على الصورة الزرية التي يمارسها أهل الغرب " المتقدمون " . بل ما أحوجه إليه يعيد السلم بين الدين والعلم ، ليعيد الاستقرار إلى الكائن البشري الذي تمزقه عقائد الغرب الفاسدة ، فتفصل بين عقله ووجدانه ، وتخالف بين حاجته إلى العلم وحاجته إلى الله !
ما أحوجه إليه يزيل بقية الروح الإغريقية الخبيثة ، التي ورثتها أوربا الحديثة من تاريخها القديم في عصر الإحياء ، والتي كانت تصور العلاقة بين البشر والآلهة علاقة خصام وصراع ، وتجعل كل سر من أسرار المعرفة أو كل خير يتوصل إليه بشر، شيئا منتزعا من الآلهة قسراً عنهم ، لو استطاعوا لمنعوه، وبذلك يعتبر كل كشف علمي انتصاراً على هؤلاء الآلهة وتشفيا فيهم !
تلك الروح الخبيثة ما تزال في العقل الباطن الأوربي والغربي عامة ، تتبدى حيناً في بعض تعبيراتهم مثل " قهر الإنسان للطبيعة " أو " العلم ينتزع الأسرار " .. الخ . وتتبدى في طريقة إحساسهم بالله ، وشعورهم بأن عجز الإنسان هو – وحده - الذي يضطره للخضوع لله ، فكل كشف علمي يتوصل له الإنسان يرفعه درجة ، ويخفض الإله درجة ، وهكذا حتى يعرف الإنسان كل أسرار العلم ، ويخلق الحياة ( وهو الحلم الذي يخايل " للعلماء " اليوم ) وعندئذ يتخلص نهائيا من الخضوع لله ، ويصبح هو الإله !
ما أحوج العالم للإسلام اليوم ، ينقذه من هذه الضلالة ، ويرد لروحه الأمن والسلام . ويشعره بعطف الله عليه ورحمته ، وأن كل معرفة يصل إليها أو خير يصيبه إنما هو منحة من الله يمنحها له ، وهو راض عنه – مادام يستخدمها في خير المجموع - وأن الله في الإسلام لا يغضب على الناس حين " يعرفون " ولا يخشى منافستهم له سبحانه ! وإنما يغضب عليهم فقط حين يستغلون معرفتهم في الضرر والإيذاء .
وما أحوج الناس إلى الإسلام اليوم ينقذهم من الطغاة والجبارين كما كان ينقذهم منهم قبل ألف وثلثمائة عام !
والجبارون اليوم كثيرون ، بعضهم ملوك ، وبعضهم أباطرة ، وبعضهم رأسماليون يمتصون دماء الكادحين ويقهرونهم بذل الفقر والحاجة ، وبعضهم دكتاتوريون يحكمون بالحديد والنار والتجسس ، ويقولون : إنهم ينقذون إرادة الشعوب أو إرادة البروليتاريا !
والإسلام ينقذ الناس من الجبابرة في عالم الواقع لا في عالم الأحلام . ولقد يطيب لبعض الناس أن يسأل : فما بال الإسلام لم ينقذ أهله من حكامه الجبابرة الذين ما يزالون يكتمون أنفاسه ويمتصون دماءه وينتهكون حرماته ، باسم الإسلام ؟
والجواب أن الإسلام لا يحكم في هذه البلاد ، وأن أهلها ليسوا مسلمين إلا بالاسم ، ينطبق عليهم قوله تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ( ) وقوله تعالى : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما " ( ) .
والإسلام الذي ندعو إليه ليس بطبيعة الحال ذلك الإسلام الذي يزاوله الحكام في الشرق الإسلامي ، ويخالفون به كل شرائع الله ، ويحكمون بدساتير أوربا مرة ، وبنظرية الحق الإلهي مرة ، ولا يعدلون بين الناس في هذا ولا ذاك .
الإسلام الذي ندعوا إليه هو الإسلام الذي يهز العروش ، ويطيح من فوقها بجبابرتها ، وينزلهم على حكمه أو ينفيهم من الأرض : " فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " ( ) .
وحين يحكم هذا الإسلام – وهو لا بد حاكم بإذن الله وتأييده – فلن يكون جبار في أرض الإسلام ، لأن الإسلام لا يقبل الجبابرة ، ولا يسمح لأحد أن يحكم بأمره في الأرض . وإنما بأمر الله ورسوله . والله يأمر بالعدل والإحسان .
وحين يحكم هذا الإسلام ، أي حين يتربى جيل من الشباب يؤمن به ويجاهد في سبيله ، لن يكون للحاكم إلا تنفيذ شريعة الله ، وإلا فلا طاعة له على الناس بصريح قول الخليفة الأول : " أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم " . ولن يكون للحاكم حق في المال أو في التشريع زائد على حقوق أي فرد من أفراد الشعب ، ولن يتولى ذلك الحاكم سلطانه إلا بانتخاب الناس له انتخاباً حراً طليقاً من كل قيد ، إلا قيد الرشد والعدل والإحسان .
وحين يحكم هذا الإسلام فلن يخلص المسلمين من الجبروت الداخلي فحسب ، بل يخلصهم كذلك من الطغيان الأجنبي في صورة استعمار أو تهديد بالاستعمار . ذلك أن الإسلام دين عزة ومنعة ، يأبى الخضوع لهذا الاستعمار ويستنكره ، ويجعل حساب الله عسيراً على الرضا به أو الخنوع لسلطانه . ويدعو لمقاتلته بكل ما في الطاقة من وسائل الجهاد .
فما أحوجنا إلى الإسلام اليوم ، نقف تحت رايته ، فنطهر أرضنا من دنس الاستعمار ، ونستخلص من قبضته الخبيثة أرواحنا وأموالنا وأعراضنا وعقائدنا وأفكارنا ، لنصير جديرين باسم الله الذي نعبده ، وبدينه الذي ارتضاه لنا يوم قال سبحانه : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " ( ) .
ولكن دور الإسلام لا يقف عند هذا الحد ، فتحرير هذا الجزء من العالم من قبضة الطغاة في الداخل والخارج لا يقتصر أثره على أهله فحسب ، بل هو نعمة كبرى للعالم كله ، المثخن بجراح الحرب ، والذي تتهدده الحرب القادمة بالفناء المدمر الرهيب .
فهذا العالم اليوم قد انقسم كتلتين كبيرتين ، الكتلة الرأسمالية من جانب ، والكتلة الشيوعية من جانب ، وهما تتنازعان النفوذ والموارد والنقط الاستراتيجية ، ولكنهما في الواقع تتنازعاننا نحن ... نحن هذا العالم الممتد من المحيط للمحيط ، الغني بالموارد المادية والبشرية والنقط الاستراتيجية ، وهما تتصارعان علينا ، كأننا كمٌّ مهمل لا يحسب له حساب ، وإنما ينقاد للظافر انقياد العبيد ، وينتقل من ملكية سيد لسيد ، كما ينتقل المتاع والأشياء .
ولو استرد العالم الإسلامي كيانه – وهو في طريقه إلى ذلك بإذن الله - لبطل الصراع الجبار الذي يهدد الأرض بالخراب ، ولبرزت في العالم كتلة ثالثة تمسك ميزان القوة الدولية من منتصفه ، وتملك بموقفها أن ترجح قوة هذه الكتلة أو تلك . عندئذ لا تتصارع علينا روسيا وأمريكا في وقاحة كما تصنعان اليوم ، وإنما تتسابق كلتاهما إلى استرضاء الإسلام والمسلمين.
وإذن فالعالم اليوم في حاجة إلى انتصار الإسلام ، ولو لم يؤمن به إلا أهله القائمون اليوم ؛ لأن انتصاره يريح العالم من الخوف الدائم من الحرب ، والفزع المقلق للأعصاب .
* * *
وما أحوجه إليه ينقذه من سلطان الشهوات .
هذه هي أوربا قد غرقت في شهواتها الدنسة لا تفيق منها . فماذا كانت نتيجة ذلك في العالم كله ؟ لقد تقدم العلم ، نعم ، ولكن البشرية لم تتقدم ، ولم يحدث قط أن تقدمت البشرية وهي مستعبدة لشهواتها ، غارقة في المتاع الحسي الغليظ .
ولقد يبهر التقدم العلمي بعض الناس في الشرق والغرب ، فيحسبون أن الطائرة الصاروخية والقنبلة الذرية وجهاز الراديو والغسالة الكهربائية هي التقدم ! ولكن ذلك ليس مقياسه الحق ، وإنما المقياس الذي لا يخطئ هو مقدار استعلاء الإنسان على ضروراته : فهو مرتفع كلما استطاع ، وهو هابط كلما أخفق ، مهما ارتقت علومه ومعارفه .
وليس هذا مقياساً تحكمياً تضعه الأديان ، أو علم الأخلاق ، بغير مبرر ولا رصيد من الواقع . فلنستعرض التاريخ : كم أمة استطاعت أن تعيش قوية متماسكة ، تعمل لخير البشرية وتقدمها ، بينما أهلها مشغولون بالمتاع الزائد عن الحد ؟ ما الذي حطم مجد اليونان القديمة ؟ وروما القديمة ؟ وفارس القديمة ؟ما الذي حطم العالم الإسلامي في نهاية العصر العباسي ؟ وكيف صنعت فرنسا الداعرة في الحرب الأخيرة ؟ ألم تسلم عند أول ضربة ، لأنها أمة مشغولة بمباذلها وشهواتها عن الاستعداد النفسي والمادي للدفاع عن بلادها ؟ أمة تخاف على عمائر باريس ومراقصها من تدمير القنابل ، أكثر مما تخاف على كيانها وكرامتها " التاريخية " ؟ !
وربما كانت أمريكا هي المثل الذي يخايل للمستغفلين في الشرق ، فهي أمة غارقة في المتاع الدنس ، ومع ذلك فهي قوية مسيطرة ذات سلطان ، وإنتاجها المادي هو أضخم إنتاج في الأرض . كل ذلك صحيح . ولكن الذين تخايل لهم أمريكا ينسون أنها أمة فتية مذخورة القوة ما تزال في عنفوانها النفسي والجسدي . والشباب دائماً أقدر على احتمال المرض،بحيث يبدو من الظاهر كأنه لا يترك أثراً فيه . ولكن عين الخبير تستطيع - مع ذلك - أن تبصر أعراض المرض من وراء مظاهر القوة الخادعة . ويكفي أن نذكر هذين الخبرين الصارخين اللذين وردا في الصحف ليعرف المخدوعون أن سنة الله في خلقه لا تتغير . وأن العلم بكل مخترعاته لا يغير طبائع النفوس ، ولا طبائع الأشياء ، لأنه هو ذاته جزء من سنة الله " ولن تجد لسنة الله تبديلاً " .
الخبر الأول هو طرد 33 موظفاً من وزارة الخارجية الأمريكية لأنهم مصابون بالشذوذ الجنسي ، ولأنهم بهذه الصفة لا يؤتمنون على أسرار الدولة !
والخبر الثاني هو فرار مائة وعشرين ألفاً من التجنيد الإجباري في أمريكا ، وهو عدد ضخم بالنسبة لمجموع الجيش الأمريكي ، وبالنسبة لأمة فتية تريد أن تكافح للسيادة على العالم!
والبقية تأتي- ولا بد أن تأتي- إذا استمر القوم على المتاع الدنس الذي هم غارقون فيه.
هذه واحدة . والثانية أن إنتاج أمريكا الضخم هو إنتاج في عالم المادة وحدها . ولكنها على ثرائها وفتوتها وعظم الطاقة المذخورة في أرضها وناسها لم تنتج شيئاً يذكر في عالم المبادئ والقيم العليا ، لأنها غارقة في انطلاقة جسدية فارهة ، ولا ترتفع كثيراً عن محيط الحيوان ، وتهبط كثيراً إلى ما يشبه اندفاعات الآلات ! ويكفي أن تكون هي الأمة التي تعامل الزنوج تلك المعاملة الوحشية البشعة ، لكي نعرف مستواها النفسي ، وآفاقها البشرية .
كلا ! لا يرتفع العالم بالهبوط في حمأة الشهوات .
وما أحوج العالم إلى الإسلام اليوم ، كما كان في حاجة إليه قبل ألف وثلاثمائة عام ، لينقذه من العبودية للشهوة ، ويطلق طاقته الحيوية إلى آفاقها العليا ، لتنشر الخير ، وتصبح جديرة بما كرمها الله !
ولا يقولن أحد إنها محاولة فاشلة ميئوس من نتائجها ! فمن قبل جربت الإنسانية أنها تستطيع أن ترتفع , وما حدث مرة يمكن أن يحدث مرة أخرى . والناس هم الناس . وقد كان العالم قبل الإسلام مباشرة قد هبط إلى درجة من العبودية للشهوات تشبه إلى حد كبير ما هبط إليه اليوم ، بغير فارق سوى تغير أدوات المتاع. وكانت روما القديمة لا تقل دعارة عن باريس ولندن ومدن أمريكا، وكانت فارس القديمة غارقة في فوضى خلقية كالتي يصفون بها العالم الشيوعي ، ثم جاء الإسلام فبدل هذا كله إلى حياة رفيعة فاضلة ذاخرة بالنشاط والحركة ، عاملة على الخير ، معمرة للأرض ، دافعة بالإنسانية كلها في الشرق والغرب إلى التقدم الفكري والروحي ، ولم يستعص الشر الذي كان الناس يومئذ غارقين فيه ، على الإصلاح الذي عمل عليه الإسلام .
وظل العالم الإسلامي مصدر النور والخير والتقدم في العالم كله فترة طويلة لم يشعر خلالها أنه محتاج إلى التبذل الخلقي والفوضى والإباحية ، لكي يحصل على القوة المادية والتقدم العلمي والفكري ! وإنما كان أهله مثلاً رفيعة في كل ميدان . حتى هبط عن أخلاقه القياسية ، واستعبدته الشهوات ، فجرت عليه سنة الله .
والدفعة الإسلامية الجديدة التي تتجمع اليوم لتتحرك ، دفعة هائلة تستمد من ذخيرة الماضي ، وتأخذ بأسباب القوة الحاضرة ، وتتطلع إلى المستقبل ، فتتوفر لها كل عوامل النماء والقوة . فهي كفيلة بأن تعيد المعجزة التي قام بها الإسلام أول مرة ، فترفع الناس من حضيض الشهوة إلى مستوى الإنسانية الكريمة التي تعمل في الأرض وهي تتطلع للسماء .
* * *
ولكن الإسلام إلى جانب هذا كله ، أو بسبب من هذا كله ، لم يكتف بأن يكون عقيدة روحية ، أو محاولة للتهذيب الخلقي ، أو دعوة للتجرد الفكري والتأمل في ملكوت الله ، وإنما كان ديناً عملياً ينظر في شؤون الأرض ، فلا تفوته كبيرة ولا صغيرة في علاقات الناس بعضهم ببعض ، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية إلا اهتم بها ووضع لها تشريعاتها وتطبيقاتها ، ولكن في صورة فريدة تربط بين الفرد والمجتمع ، بين العقل والوجدان ، بين العمل والعبادة ، بين الأرض والسماء ، وبين الدنيا والآخرة كلها في نظام .
ولا يتسع هذا الفصل للحديث المفصل عن النظام الإسلامي في السياسة والاقتصاد والاجتماع . والفصول التالية كلها عرض لبعض مظاهر هذا النظام من نواحيه المختلفة ، في أثناء مناقشة الشبهات التي تثيرها أوروبا وعبّادها ضد هذا الدين . ولكنا نكتفي هنا بالإشارة إلى الحقائق التالية :
أولاً : أن الإسلام لم يكن دعوة نظرية . وإنما كان نظاماً عملياً يعرف حاجات الناس الحقيقية ويعمل على تحقيقها .
ثانياً: أنه في سبيل تحقيق هذه الحاجات يسعى إلى التوازن المطلق بقدر ما تطيقه طبائع البشر، فيوازن أولاً في نفس الفرد بين حاجات الجسد وحاجات العقل وحاجات الروح ، ولا يترك جانباً منها يطغى على جانب آخر . فلا يكبت الطاقة الحيوية في سبيل الارتفاع بالروح ، ولا يبالغ في الاستجابة لشهوات الجسد إلى الحد الذي يهبط بالإنسان إلى مستوى الحيوان ، ويجمع بين ذلك كله في نظام موحد لا يمزق النفس الواحدة بين الشد والجذب ، ولا يوجهها وجهات شتى متناقضة . ثم يوازن ثانياً بين مطالب الفرد ومطالب المجتمع ، فلا يطغى فرد على فرد ، ولا يطغى الفرد على المجتمع ، ولا المجتمع على الفرد ، ولا طبقة على طبقة ، ولا أمة على أمة . وإنما يقف الإسلام بين هؤلاء جميعاً يحجز بينهم أن يتصادموا ، ويدعوهم جميعاً إلى التعاون في سبيل الخير الإنساني . ثم هو أخيراً يوازن في نظام المجتمع بين مختلف القوى : يوازن بين القوى المادية والقوة الروحية ، وبين العوامل الاقتصادية والعوامل " الإنسانية " . فلا يعترف – كما تصنع الشيوعية – بأن العوامل الاقتصادية أو القوى المادية هي وحدها المسيطرة على الإنسان . ولا يؤمن – كما تصنع الدعوات الروحية الخالصة أو المذاهب المثالية – بأن العوامل الروحية أو المثل العليا تستطيع وحدها أن تنظم حياة البشر . وإنما يؤمن بأن هذه جميعاً عناصر مختلفة يتكون من مجموعها " الإنسان " . وأن النظام الأفضل هو النظام الأشمل ، الذي يستجيب لمطالب الجسد ومطالب العقل ومطالب الروح في توازن واتساق .
ثالثاً : أن للإسلام فكرة اجتماعية ونظاماً اقتصادياً قائما بذاته ، قد تلتقي به عَرَضاً بعض مظاهر الرأسمالية أو الشيوعية ، ولكنه على وجه التأكيد شيء آخر غير الرأسمالية والشيوعية ، يجمع كل مزاياهما دون أن يقع في أخطائهما وانحرافاتهما . نظام لا يبالغ في الفردية إلى الحد البغيض الذي يقوم في الغرب ، والذي يعتبر الفرد هو الأساس ، وهو الكائن المقدس الذي تصان حرياته ، ولا يجوز للمجتمع أن يقف في سبيله .. فتنشأ هناك الرأسمالية القائمة على أساس حرية الفرد في استغلال الآخرين . ولا يبالغ في الاتجاه الجماعي الذي يقوم في شرق أوروبا ، ويعتبر المجتمع هو الأساس ، والفرد ذرة تائهة لا كيان له بمفرده ، ولا وجود له إلا في داخل القطيع ، فالمجتمع وحده هو صاحب الحرية وصاحب السلطان ، وليس للفرد أن يحتج عليه أو يطالبه بحقوقه .. وهناك تنشأ الشيوعية القائمة على سلطان الدولة المطلق في تكييف حياة الأفراد . وإنما هو نظام وسط بين هذا وذاك ، يعترف بالفرد ويعترف بالمجتمع ، ويوازن بينهما . فيمنح الفرد قدراً من الحرية يحقق به كيانه ولا يطغى به على كيان الآخرين ، ويمنح المجتمع – أو الدولة ممثلة المجتمع – سلطة واسعة في إعادة تنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية كلما خرجت عن توازنها المنشود . وكل ذلك على أساس الحب المتبادل بين الأفراد والطوائف ، لا على أساس الحقد والصراع الطبقي الذي تقيم عليه الشيوعية فلسفتها النظرية وتطبيقاتها العملية .
وهذا النظام الفريد لم يجئ به الإسلام تحت ضغط الضرورات الاقتصادية ، ولا نتيجة لاحتكاك المصالح المتصارعة ، وإنما أتى به تطوعاً وإنشاءً ، في وقت لم يكن العالم كله يقيم وزناً للعمل الاقتصادي أو يعرف شيئاً حقيقياً عن العدالة الاجتماعية كما نفهمها اليوم . ولا يزال هذا النظام إلى هذه اللحظة نظاماً تقدمياً بالنسبة للرأسمالية والشيوعية وهما آخر ما عرف العالم الحديث في عالم الاجتماع والاقتصاد .. وإن " المطالب الأساسية " التي نادى بها كارل ماركس واعتبر الدولة مسئولة عن تحقيقها ، فأحدث بذلك ثورة عظمى في التاريخ: وهي الغذاء والمسكن والإشباع الجنسي ، لهي بعض مما قاله الإسلام من قبل ألف وثلاثمائة عام ! يقول نبي الإسلام الكريم : " من كان لنا عاملاً ولم يكن له زوجة فليتخذ زوجة ، وليس له مسكن فليتخذ مسكنا ً، وليس له خادم فليتخذ خادما ً، وليس له دابة فليتخذ دابة " فيلمّ بكل " المطالب الأساسية " التي نادى بها ماركس ويزيد عليها ، في غير ما أحقاد طبقية ، ولا ثورات دموية ، ولا إنكار لكل مقومات الحياة الإنسانية التي تتجاوز هذه الضروريات .
* * *
تلك بعض الجوانب البارزة في النظام الإسلامي .
وإن ديناً تلك قواعده وأركانه ، ديناً يحيط بهذا المدى الواسع من حياة البشر في حركاتهم ، وسكناتهم ، في أفكارهم ومشاعرهم ، في عملهم وعبادتهم . في اقتصادياتهم واجتماعياتهم ، في نزعاتهم الفطرية وأشواقهم الروحية ، ويضع لذلك كله نظاماً متوازناً فريداً في التاريخ .. هذا الدين لا يمكن أن يستنفد أغراضه، لأن أغراضه هي الحياة كلها ، ما دامت الحياة .
وإن العالم بأحواله التي يعيش عليها اليوم ، ليس هو الذي يستغني عن وحي الإسلام وتنظيم الإسلام .
العالم الذي يصل فيه التعصب العنصري إلى صورته الوحشية في أمريكا وجنوب أفريقيا في القرن العشرين ، ما زال يحتاج إلى وحي الإسلام الذي سوى قبل ثلاثة عشر قرناً في واقع الحياة لا في عالم المثل والأحلام بين الأسود والأبيض والأحمر ، لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى . ومنح العبيد السود : لا المساواة في الإنسانية فحسب ، بل أرفع ما يطمح إليه مسلم وهو ولاية أمر المسلمين ! يقول الرسول الكريم : اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ، ما أقام فيكم كتاب الله تعالى " ( ) .
والعالم الغارق في الاستعمار والاستعباد ، الذي يصل إلى درجة الوحشية ، ما يزال يحتاج إلى وحي الإسلام الذي حرم الاستعمار بقصد الاستغلال ، وعامل البلاد التي فتحها – بقصد نشر الدعوة – معاملة ما تزال في نظافتها وارتفاعها قمة لا تصل إليها أبصار الأقزام في أوروبا " المتحضرة " . فيقرر عمر بن الخطاب ضرب ابن عمرو بن العاص ، ويكاد يضرب عَمراً نفسه ، وهو القائد المظفر والحاكم المبجل ، لأن ابنه ضرب شاباً مصرياً قبطياً بغير وجه حق !
والعالم الغارق في مفاسد الرأسمالية ، ما يزال يحتاج إلى نظام الإسلام الذي حرم الربا والاحتكار ، وهما الركنان اللذان تقوم عليهما الرأسمالية ، قبل القرن العشرين بثلاثة عشر من القرون !
والعالم الذي غشيته الشيوعية المادية الملحدة ما يزال يحتاج إلى نظام الإسلام الذي يحقق أقصى حد للعدالة الاجتماعية ، دون أن يحتاج إلى تجفيف المنابع الروحية في الإنسان ، ولا حصر عالمه في الميدان الضيق الذي تدركه الحواس ، ودون أن يحتاج إلى فرض عقيدته على الناس بالدكتاتورية ، إنما يقول لهم : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " .
والعالم المفزع من الحرب ما يزال يحتاج إلى قيام الإسلام ، لأن ذلك وحده هو سبيله الواقعي إلى السلام ، لفترة طويلة من الزمان .
كلا ! لم يستنفذ الإسلام أغراضه . وإن دوره في مستقبل البشرية لا يقل بحال عن دوره الهائل الذي أنار به وجه الأرض ، حينما كانت أوروبا ما تزال في عصر الظل
النسخ في الكتاب ( المقدس )
1. ـ عندهم نسخ في الأخبار ، ما يسمى بالبَدَاءة ، بمعنى أن يتكلم الله بشيء ثم بعد ذلك يبدوا له أنه أخطأ في كلامه الأول فيتراجع عنه ويتكلم بكلام جديد ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
2. ـ وعندهم أحكام متروكة لا يعملون بها ، مع عدم وجود علّة للترك .
3. ـ وعندهم نسخ بعد المسيح ـ عليه السلام ـ.
4. ـ عندهم أحكام من عند أنفسهم ليس لهم دليل عليها من كتابهم .
5. ـ وعندهم نسخ في الأحكام كالذي عندنا.
البداءة :
كثيرا ما نجد في كتاب النصارى أن ( الرب ) يقر قرارا ، ثم يظهر له خطأه حين التنفيذ أو قبله أو بعده فيتراجع عن هذا القرار ، بل ويندم عليه . وسأكتفي ببعض الأمثلة القليلة ، فلسنا هنا نستقصي وإنما فقط نمثل .
المثال الأول : جاء في سفر أخبار الأيام الأولى : أن الشيطان أغوى داود عليه السلام كي يحصي بني إسرائيل ، واستجاب داود ـ عليه السلام ـ لإغواء الشيطان ، وراح يعدهم ، فغضب الرب من هذا الفعل وكرر معاقبة داود بإحدى ثلاث ، اختار داود منها واحدة وكانت أن يرسل الله ملكا يُعمل سيفه ثلاثة أيام في أورشليم ، واسمع ماذا جرى ، يقول كاتب السفر :
" 15 وَأَرْسَلَ اللهُ مَلاَكًا عَلَى أُورُشَلِيمَ لإِهْلاَكِهَا، وَفِيمَا هُوَ يُهْلِكُ رَأَى الرَّبُّ فَنَدِمَ عَلَى الشَّرِّ، وَقَالَ لِلْمَلاَكِ الْمُهْلِكِ: «كَفَى الآنَ، رُدَّ يَدَكَ». وَكَانَ مَلاَكُ الرَّبِّ وَاقِفًا عَِِنْدَ بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ.
16 وَرَفَعَ دَاوُدُ عَيْنَيْهِ فَرَأَى مَلاَكَ الرَّبِّ وَاقِفًا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ وَمَمْدُودٌ عَلَى أُورُشَلِيمَ. فَسَقَطَ دَاوُدُ وَالشُّيُوخُ عَلَى وُجُوهِهِمْ مُكْتَسِينَ بِالْمُسُوحِ.
17 وَقَالَ دَاوُدُ ِللهِ: «أَلَسْتُ أَنَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِإِحْصَاءِ الشَّعْبِ؟ وَأَنَا هُوَ الَّذِي أَخْطَأَ وَأَسَاءَ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ الْخِرَافُ فَمَاذَا عَمِلُوا؟ فَأَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي لِتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي لاَ عَلَى شَعْبِكَ لِضَرْبِهِمْ».
الشيطان يغوي داود فيستجيب لإغوائه ، ويخطئ ، فيقرر الرب معاقبة الشعب كله ، ويرسل ملاكه ، وحين يرى ( الرب ) فِعل الملك في الناس ، وكأنه لم يكن يعلم ماذا سيحدث ، أو جاهل لا يستطيع تقدير الأمور جيدا ،حين رآه يضربهم ندم وتراجع عن قراره ، وداود يذكره بأنه عاقب من لم يَظلم أو يتعدى ، وأن الحق أن يعاقب داود وحده .. ( واخد بالك من الكلام ).!!
ولاحظ أنني أحكي السفر كاملا مع ذكر النص محل الاستشهاد ذلك لأن النصارى حين يواجهون بهذا الكلام لا تجد لهم حجة سوى أن هذا بتر للنص من سياقه العام ، وأنك لو رجعت وقرأت السفر كالملا ما وجدت شيئا من هذا المعنى ، وهي حجة واهية أردنا أن نقطعها هنا بحكاية قصة السفر كاملة .
المثال الثاني : سفرُ ( صَمُوئِيلُ ) الأول ، فيه عجيبة من العجائب ، ( الرب ) يرسل نبيه صَمُوئِيلُ ليولي ( شاول ) ملكا على شعب إسرائيل ، ويأمره بـ ((3 فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا».
ثم إن شاول قتل الشعب كلَّه النساء والأطفال والرضَّع عدا بعض المواشي ، فغضب ( الرب ) ، وندم أشدَّ الندم يقول كاتب السفر على لسان ( الرب ) : 11 «نَدِمْتُ عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا، لأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ وَرَائِي وَلَمْ يُقِمْ كَلاَمِي».
وحين ذهب صَمُوئِيلُ النبي إلى شاول الملك وعرَّفه خطئه، كان الرجل ( شاول ) متأولا إذ أنه أمسك بعض المواشي فلم يقتلهم كي يذبحهم قربانا للرب ، وأعلن توبته ، وتوسل أن تقبل توبته ، ولكن ( الرب ) لم يقبل .!! وأعاد ( الرب ) الكلام مؤكدا ندمه أن جعله ملكا ، يقول كاتب السفر في نهاية سفره على لسان ( الرب ) : 35 وَالرَّبُّ نَدِمَ لأَنَّهُ مَلَّكَ شَاوُلَ عَلَى إِسْرَائِيلَ.
وكأنه لم يكن يعلم أن ( شاول ) متمردا ، والحقيقة أنه لم يتمرد ، وإنما اجتهد ، وحبس كمّا من المواشي ليذبحها ( للرب ) ، ولكن ( الرب ) كان غضوبا ضيق الصدر قاسيا جداً إذ لم يقبل توبة عبده هذا !!
أي ربّ هذا ؟
إنه ( رب ) الكتاب ( المقدس ) !!
المثال الثالث :في سفر [ حزقيال : 20 : 13 ، 17 ]يقرر ( الربّ ) أن يهلك بني إسرائيل لأنهم تمردوا كما يقول كاتب السفر «13 فَتَمَرَّدَ عَلَيَّ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي الْبَرِّيَّةِ. لَمْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَرَفَضُوا أَحْكَامِي الَّتِي إِنْ عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي كَثِيرًا. فَقُلْتُ: إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ لإِفْنَائِهِمْ .
هذا قرار وحكم من الرب .
ثم بعد هذا القرار يتراجع الرب ويقول : " 17 لكِنَّ عَيْنِي أَشْفَقَتْ عَلَيْهِمْ عَنْ إِهْلاَكِهِمْ، فَلَمْ أُفْنِهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. "
والسبب في تراجع الرب هو أن الرب تبين له أنه إن أفناهم في البرية سوف يتنجس اسمه ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ أمام الشعوب الأخرى . كما يقول كاتب السفر في الفقرة "14 لكِنْ صَنَعْتُ لأَجْلِ اسْمِي لِكَيْلاَ يَتَنَجَّسَ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ."
المثال الرابع : قرر الرب أن يسيء لبني إسرائيل بذنب آبائهم ثم فكر وتراجع :[زكريا 8 :14 ـ 16 ] 14 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: كَمَا أَنِّي فَكَّرْتُ فِي أَنْ أُسِيءَ إِلَيْكُمْ حِينَ أَغْضَبَنِي آبَاؤُكُمْ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، وَلَمْ أَنْدَمْ.
15 هكَذَا عُدْتُ وَفَكَّرْتُ فِي هذِهِ الأَيَّامِ فِي أَنْ أُحْسِنَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَبَيْتَِ يَهُوذَا. لاَ تَخَافُوا.
لاحظ الرب يفكر ، ثم يفكر ... لا بد أنه يجهل . أليس كذلك ؟
المثال الخامس : في سفر [ إرميا : 33 : 17 ] نجد أن الله يتعهد لداود بدوام الملك في ذريته إذ يقول كاتب السفر : " 17 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَنْقَطِعُ لِدَاوُدَ إِنْسَانٌ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ"
ثم بعدها بقريب يذكر كاتب السفر أن الله ينقض عهده مع داود ، يقول كاتب السفر :
21 فَإِنَّ عَهْدِي أَيْضًا مَعَ دَاوُدَ عَبْدِي يُنْقَضُ، فَلاَ يَكُونُ لَهُ ابْنٌ مَالِكًا عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَمَعَ اللاَّوِيِّينَ الْكَهَنَةِ .
المثال السادس : في سفر [ العدد : 36 :2ـ 7 ] يتكلم كاتب السفر عن أن الله قضى بالميراث للإناث حين يعدم الذكر ، فشكى باقي السبط ( وهم هنا سبط يوسف .أخوات صلفحاد ) أن بهذا الحكم ستتحول الأموال من سبطٍ إلى سبط آخر ، فتنبه الربّ لهذا الخطأ ، وغير قوله . وحرم الميراث على الأنثى إذا تزوجت خارج السبط كي لا يذهب مالُ سبطٍ إلى سبطٍ آخر .
المثال السابع : ما سبق يناقض و يتنافى مع : سفر العدد ( 23 : 19 ) " 19 لَيْسَ اللهُ إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ، وَلاَ ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَلْ يَقُولُ وَلاَ يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَفِي؟ "
فلا أدري أيهم يكذب ؟!
من قال بأن ( الرب ) جاهل لا يعرف مآلات الأمور ومن ثم يندم ، وحكى قصصا من ندمه ، أم هذا الأخير الذي ينفي عن ( الرب ) الندم والكذب ؟!
هو الكذب ، وهو التخبط ، يرد بعضه بعضا
? ثانيا : الأحكام المتروكة مع عدم وجود علّة للترك .
عندهم حدود تجاهلوها بلا سبب ، حصل التجاهل بلا سبب ظاهر . وأعدد قليلا من تلك الحدود التي أهملت عندهم .
المثال الأول : حد السارق .
في الكتاب ( المقدس ) حدُّ السارق هو القتل . ورد ذلك في أكثر من مكان . منها :
[ الخروج : 22 : 2 ] يقول كاتب السفر : " إِنْ وُجِدَ السَّارِقُ وَهُوَ يَنْقُبُ، فَضُرِبَ وَمَاتَ، فَلَيْسَ لَهُ دَمٌ ".
و[ التثنية :24 : 7 ] يقول كاتب السفر : «إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ قَدْ سَرَقَ نَفْسًا مِنْ إِخْوَتِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاسْتَرَقَّهُ وَبَاعَهُ، يَمُوتُ ذلِكَ السَّارِقُ، فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ."
و[ زكريا : 5 : 3 ] [ فَتَدْخُلُ بَيْتَ السَّارِقِ وَبَيْتَ الْحَالِفِ بِاسْمِي زُورًا، وَتَبِيتُ فِي وَسَطِ بَيْتِهِ وَتُفْنِيهِ مَعَ خَشَبِهِ وَحِجَارَتِهِ ]
هذا حد السارق عندهم .. القتل .. ويعترضون على قطع اليد عندنا ، والمراد هنا أن هذا حدُّ متروك ، ولماذا هو متروك ؟
لأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم من دون الله . أحلوا لهم الحرام فأحلوه ،وحرّموا عليهم الحلال فحرّموه .
المثال الثاني : عقوبة عقوق الوالدين عند النصارى .
في سفر [ التثنية : 21 : 18 ـ 21 ] يقول كاتب السفر :
«إِذَا كَانَ لِرَجُل ابْنٌ مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِ أَبِيهِ وَلاَ لِقَوْلِ أُمِّهِ، وَيُؤَدِّبَانِهِ فَلاَ يَسْمَعُ لَهُمَا.
19 يُمْسِكُهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَيَأْتِيَانِ بِهِ إِلَى شُيُوخِ مَدِينَتِهِ وَإِلَى بَابِ مَكَانِهِ،
20 وَيَقُولاَنِ لِشُيُوخِ مَدِينَتِهِ: ابْنُنَا هذَا مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِنَا، وَهُوَ مُسْرِفٌ وَسِكِّيرٌ.
21 فَيَرْجُمُهُ جَمِيعُ رِجَالِ مَدِينَتِهِ بِحِجَارَةٍ حَتَّى يَمُوتَ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ، وَيَسْمَعُ كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُونَ.
لماذا لا يطبقون هذا الحد الآن ؟
لأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم من دون الله . أحلوا لهم الحرام فأحلوه ،وحرّموا عليهم الحلال فحرّموه .
? المثال الثالث :حد الزاني .
في سفر [ اللاويين : 21 : 9 ] يقول كاتب السفر : " 9 وَإِذَا تَدَنَّسَتِ ابْنَةُ كَاهِنٍ بِالزِّنَى فَقَدْ دَنَّسَتْ أَبَاهَا . بِالنَّارِ تُحْرَقُ."
وفي سفر [ التكوين : 38 ] يحكي كاتب السفر في هذا الإصحاح أن ( يهوذا ) زنى بامرأة لقاء "جَدْيَ مِعْزَى مِنَ الْغَنَمِ " كما يقول كاتب السفر . وحملت منه ، وفي شهرها الثالث علم جيرانها أنها زانية ، ولم يعلموا أن الذي زنى بها هو يهوذا ، فذهبوا إليه وأخبروه بخبرها فأمر بإحراقها كما يقول كاتب السفر :
24 وَلَمَّا كَانَ نَحْوُ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، أُخْبِرَ يَهُوذَا وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ زَنَتْ ثَامَارُ كَنَّتُكَ، وَهَا هِيَ حُبْلَى أَيْضًا مِنَ الزِّنَا». فَقَالَ يَهُوذَا: «أَخْرِجُوهَا فَتُحْرَقَ».
والسؤال : لماذا تركوا هذا الحد الآن ؟ لم لم يطبقوه ؟
لأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم من دون الله . أحلوا لهم الحرام فأحلوه ،وحرّموا عليهم الحلال فحرّموه .
? المثال الرابع : حد اللعان ( شريعة الغيرة )
1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:
12 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا زَاغَتِ امْرَأَةُ رَجُل وَخَانَتْهُ خِيَانَةً،
13 وَاضْطَجَعَ مَعَهَا رَجُلٌ اضْطِجَاعَ زَرْعٍ، وَأُخْفِيَ ذلِكَ عَنْ عَيْنَيْ رَجُلِهَا، وَاسْتَتَرَتْ وَهِيَ نَجِسَةٌ وَلَيْسَ شَاهِدٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ لَمْ تُؤْخَذْ،
14 فَاعْتَرَاهُ رُوحُ الْغَيْرَةِ وَغَارَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ نَجِسَةٌ، أَوِ اعْتَرَاهُ رُوحُ الْغَيْرَةِ وَغَارَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ لَيْسَتْ نَجِسَةً،
15 يَأْتِي الرَّجُلُ بَامْرَأَتِهِ إِلَى الْكَاهِنِ، وَيَأْتِي بِقُرْبَانِهَا مَعَهَا: عُشْرِ الإِيفَةِ مِنْ طَحِينِ شَعِيرٍ، لاَ يَصُبُّ عَلَيْهِ زَيْتًا وَلاَ يَجْعَلُ عَلَيْهِ لُبَانًا، لأَنَّهُ تَقْدِمَةُ غَيْرَةٍ، تَقْدِمَةُ تَذْكَارٍ تُذَكِّرُ ذَنْبًا.
16 فَيُقَدِّمُهَا الْكَاهِنُ وَيُوقِفُهَا أَمَامَ الرَّبِّ،
17 وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ مَاءً مُقَدَّسًا فِي إِنَاءِ خَزَفٍ، وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ مِنَ الْغُبَارِ الَّذِي فِي أَرْضِ الْمَسْكَنِ وَيَجْعَلُ فِي الْمَاءِ،
18 وَيُوقِفُ الْكَاهِنُ الْمَرْأَةَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَيَكْشِفُ رَأْسَ الْمَرْأَةِ، وَيَجْعَلُ فِي يَدَيْهَا تَقْدِمَةَ التَّذْكَارِ الَّتِي هِيَ تَقْدِمَةُ الْغَيْرَةِ، وَفِي يَدِ الْكَاهِنِ يَكُونُ مَاءُ اللَّعْنَةِ الْمُرُّ.
19 وَيَسْتَحْلِفُ الْكَاهِنُ الْمَرْأَةَ وَيَقُولُ لَهَا: إِنْ كَانَ لَمْ يَضْطَجعْ مَعَكِ رَجُلٌ، وَإِنْ كُنْتِ لَمْ تَزِيغِي إِلَى نَجَاسَةٍ مِنْ تَحْتِ رَجُلِكِ، فَكُونِي بَرِيئَةً مِنْ مَاءِ اللَّعْنَةِ هذَا الْمُرِّ.
20 وَلكِنْ إِنْ كُنْتِ قَدْ زُغْتِ مِنْ تَحْتِ رَجُلِكِ وَتَنَجَّسْتِ، وَجَعَلَ مَعَكِ رَجُلٌ غَيْرُ رَجُلِكِ مَضْجَعَهُ.
21 يَسْتَحْلِفُ الْكَاهِنُ الْمَرْأَةَ بِحَلْفِ اللَّعْنَةِ، وَيَقُولُ الْكَاهِنُ لِلْمَرْأَةِ: يَجْعَلُكِ الرَّبُّ لَعْنَةً وَحَلْفًا بَيْنَ شَعْبِكِ، بِأَنْ يَجْعَلَ الرَّبُّ فَخْذَكِ سَاقِطَةً وَبَطْنَكِ وَارِمًا.
22 وَيَدْخُلُ مَاءُ اللَّعْنَةِ هذَا فِي أَحْشَائِكِ لِوَرَمِ الْبَطْنِ، وَلإِسْقَاطِ الْفَخْذِ. فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: آمِينَ، آمِينَ.
23 وَيَكْتُبُ الْكَاهِنُ هذِهِ اللَّعْنَاتِ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ يَمْحُوهَا فِي الْمَاءِ الْمُرِّ،
24 وَيَسْقِي الْمَرْأَةَ مَاءَ اللَّعْنَةِ الْمُرَّ، فَيَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللَّعْنَةِ لِلْمَرَارَةِ.
25 وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ مِنْ يَدِ الْمَرْأَةِ تَقْدِمَةَ الْغَيْرَةِ، وَيُرَدِّدُ التَّقْدِمَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيُقَدِّمُهَا إِلَى الْمَذْبَحِ.
26 وَيَقْبِضُ الْكَاهِنُ مِنَ التَّقْدِمَةِ تَذْكَارَهَا وَيُوقِدُهُ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَبَعْدَ ذلِكَ يَسْقِي الْمَرْأَةَ الْمَاءَ.
27 وَمَتَى سَقَاهَا الْمَاءَ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَنَجَّسَتْ وَخَانَتْ رَجُلَهَا، يَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللَّعْنَةِ لِلْمَرَارَةِ، فَيَرِمُ بَطْنُهَا وَتَسْقُطُ فَخْذُهَا، فَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ لَعْنَةً فِي وَسَطِ شَعْبِهَا.
28 وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ قَدْ تَنَجَّسَتْ بَلْ كَانَتْ طَاهِرَةً، تَتَبَرَّأُ وَتَحْبَلُ بِزَرْعٍ.
29 «هذِهِ شَرِيعَةُ الْغَيْرَةِ، إِذَا زَاغَتِ امْرَأَةٌ مِنْ تَحْتِ رَجُلِهَا وَتَنَجَّسَتْ،
هل يطبق هذا الآن ؟ أو هل تسمع به ؟
هل يوجد نص يبطل هذا النص ؟
لا يوجد ، أو أنهم أدركوا أن هذا نوع من الخرافات فتركوه ، دون أن يتكلموا .
? المثال الخامس : حد القتل .
16 «إِنْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ حَدِيدٍ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ.
17 وَإِنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرِ يَدٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ.
18 أَوْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ يَدٍ مِنْ خَشَبٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ، فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ.
19 وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ. حِينَ يُصَادِفُهُ يَقْتُلُهُ.
20 وَإِنْ دَفَعَهُ بِبُغْضَةٍ أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ شَيْئًا بِتَعَمُّدٍ فَمَاتَ،
21 أَوْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ بِعَدَاوَةٍ فَمَاتَ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الضَّارِبُ لأَنَّهُ قَاتِلٌ. وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ حِينَ يُصَادِفُهُ.
وفي ذات السياق بعد هذا بقليل :
29 «فَتَكُونُ هذِهِ لَكُمْ فَرِيضَةَ حُكْمٍ إِلَى أَجْيَالِكُمْ فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ.
لاحظ يقول : فريضة أبدية ، وهم الآن لا يقتلون القاتل . أين النص الذي يبطل هذه الشريعة ؟
لم تركوه ؟
لأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم من دون الله . أحلوا لهم الحرام فأحلوه ،وحرّموا عليهم الحلال فحرّموه .
? المثال السادس : الثور النطاح .
في سفر [ الخروج : 21 : 28 ] هذا الكلام ، يقول كاتب السفر :
28 «وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرٌ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فَمَاتَ، يُرْجَمُ الثَّوْرُ وَلاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَأَمَّا صَاحِبُ الثَّوْرِ فَيَكُونُ بَرِيئًا.
29 وَلكِنْ إِنْ كَانَ ثَوْرًا نَطَّاحًا مِنْ قَبْلُ، وَقَدْ أُشْهِدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يَضْبِطْهُ، فَقَتَلَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، فَالثَّوْرُ يُرْجَمُ وَصَاحِبُهُ أَيْضًا يُقْتَلُ.
لا أجد ما أعلق به ، غير أن أقول أنه كلام فارغ ، سكتوا عنه وكتموه ، ربما حياءً وخزيا ، مع أنه ( مقدس ) !!
? المثال السابع : تطبيق الشريعة
أوصى العهد القديم بتطبيق الشريعة ،[ الأمثال : 28 : 4 ] " 4 تَارِكُو الشَّرِيعَةِ يَمْدَحُونَ الأَشْرَارَ، وَحَافِظُو الشَّرِيعَةِ يُخَاصِمُونَهُمْ.
في سفر [ التثنية : 29 :29 ] ، وبعد سرد عدد من الشرائع يقول كاتب السفر : 29 السَّرَائِرُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا، وَالْمُعْلَنَاتُ لَنَا وَلِبَنِينَا إِلَى الأَبَدِ، لِنَعْمَلَ بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هذِهِ الشَّرِيعَةِ.
وهي آخر فقرة في السفر ، وهذا يعني أنه تأكيد على ما مضى من شرائع ، ومعناها عندنا لنا الظاهر والله يتولى السرائر .
وفي سفر [ الملوك الثاني : 17 : 37 ] " وَاحْفَظُوا الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ وَالشَّرِيعَةَ وَالْوَصِيَّةَ الَّتِي كَتَبَهَا لَكُمْ لِتَعْمَلُوا بِهَا كُلَّ الأَيَّامِ، وَلاَ تَتَّقُوا آلِهَةً أُخْرَى."
[ التثنية : 17 :18 ـ 20 ] 18 وَعِنْدَمَا يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَمْلَكَتِهِ، يَكْتُبُ لِنَفْسِهِ نُسْخَةً مِنْ هذِهِ الشَّرِيعَةِ فِي كِتَابٍ مِنْ عِنْدِ الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ.
وفي نهاية الإصحاح يختم قائلا :
" 19 فَتَكُونُ مَعَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، لِكَيْ يَتَعَلَّمَ أَنْ يَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَهُ وَيَحْفَظَ جَمِيعَ كَلِمَاتِ هذِهِ الشَّرِيعَةِ وَهذِهِ الْفَرَائِضَ لِيَعْمَلَ بِهَا."فَتَكُونُ مَعَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، لِكَيْ يَتَعَلَّمَ أَنْ يَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَهُ وَيَحْفَظَ جَمِيعَ كَلِمَاتِ هذِهِ الشَّرِيعَةِ وَهذِهِ الْفَرَائِضَ لِيَعْمَلَ بِهَا،
20 لِئَلاَّ يَرْتَفِعَ قَلْبُهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، وَلِئَلاَّ يَحِيدَ عَنِ الْوَصِيَّةِ يَمِينًا أَوْ شِمَالاً. لِكَيْ يُطِيلَ الأَيَّامَ عَلَى مَمْلَكَتِهِ هُوَ وَبَنُوهُ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ.
يأمر من يتولى الملك بتطبيق الشريعة ، ويجعل ذلك سببا في الحفاظ على الملك .
وفي [ الأمثال : 28 ] :نجد هذه الكلمات التي تحض على حفظ الشريعة وتبين مكانة حافظها :
7 اَلْحَافِظُ الشَّرِيعَةَ هُوَ ابْنٌ فَهِيمٌ، وَصَاحِبُ الْمُسْرِفِينَ يُخْجِلُ أَبَاهُ.
9مَنْ يُحَوِّلُ أُذْنَهُ عَنْ سَمَاعِ الشَّرِيعَةِ، فَصَلاَتُهُ أَيْضًا مَكْرَهَةٌ.
وفي [ الأمثال : 29 : 18 ] : 18 أَمَّا حَافِظُ الشَّرِيعَةِ فَطُوبَاهُ.
وفي [ إشعيا : 8 : 20 ] 0 إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!
وفي [ إشعيا : 24 : 5 ] وَالأَرْضُ تَدَنَّسَتْ تَحْتَ سُكَّانِهَا لأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا الشَّرَائِعَ، غَيَّرُوا الْفَرِيضَةَ، نَكَثُوا الْعَهْدَ الأَبَدِيَّ.
وفي [ زكريا 7 : 12 ] 12 بَلْ جَعَلُوا قَلْبَهُمْ مَاسًا لِئَلاَّ يَسْمَعُوا الشَّرِيعَةَ وَالْكَلاَمَ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّ الْجُنُودِ بِرُوحِهِ عَنْ يَدِ الأَنْبِيَاءِ الأَوَّلِينَ. فَجَاءَ غَضَبٌ عَظِيمٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْجُنُودِ.
وفي [ صفنيا : 3 : 4 ] أَنْبِيَاؤُهَا مُتَفَاخِرُونَ أَهْلُ غُدْرَاتٍ. كَهَنَتُهَا نَجَّسُوا الْقُدْسَ، خَالَفُوا الشَّرِيعَةَ.
وفي [ ملاخي 2 : 9 ] 9 فَأَنَا أَيْضًا صَيَّرْتُكُمْ مُحْتَقَرِينَ وَدَنِيئِينَ عِنْدَ كُلِّ الشَّعْبِ، كَمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَحْفَظُوا طُرُقِي بَلْ حَابَيْتُمْ فِي الشَّرِيعَةِ».
أسأل لِمَ لمْ يحفظو الشريعة ؟
أين النص الناسخ لهذا النص ؟!
ولا نقبل الإجابة بأن هذا في العهد القديم ، فالمسيح يقول في موعظته الشهيرة على الجبل : 17 «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.
18 فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ.
19 فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.
20 فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ. [ متى : 5 : 17ـ 20 ]
? ثالثا : نسخ تعاليم المسيح عليه السلام !!
?المثال الأول : تحريم الختان
أمر الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ بالختان ، هو وذريته ، أمراً أبدياً ، كما يقول كاتب سفر التكوين [ 17 : 13] : " يختتن ختاناً وليد بيتك والمبتاع بفضّتك فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً".
وبقي هذا الأمر كما هو حتى رفع الله المسيح ـ عليه السلام ـ ثم جاء بولس ونسخ حكم الله الأبدي بالاختتان .. حَرَّمَ عليهم الختان ، في رسالته إلى غلاطية [ 5 : 2،6 ]:
2هَا أَنَا بُولُسُ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ خُتِنْتُمْ، لاَ يَنْفَعُكُمُ الْمَسِيحُ شَيْئاً. ....
6فَفِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ ، لاَ نَفْعَ لِلْخِتَانِ وَلاَ لِعَدَمِ الْخِتَانِ ، بَلْ لِلإِيمَانِ الْعَامِلِ بِالْمَحَبَّةِ."
? تدرج بولس في تحريم الختان :
أحد العقلاء من العلماء ـ هو الشيخ رفاعي سرور حفظه الله ـ تتبع كلام بولس في الختان محللا ومعلقا ، فخرج بنتيجة مفادها أن العقلية اليهودية تؤمن بأن الذين يرثون الأرض من بعد أهلها هم الذين يختـتـنون ، لذا تسللوا للنصرانية وما زالوا بها حتى حرموا فيها الختان ، وها هم اليوم يحاولون مع الأمة الإسلامية كي لا تختتن وبالتالي يتخلف عنها وعد الله بالتمكين في الأرض ، هذا هو الطريق العام الذي سار فيه ( بولس ) بالأمس وهو يحرّف في النصرانية ويحرم فيها حكم الله الأبدي بالختان ، وهو ذات الطريق الذي يسير فيه الثائرون على الختان من المُعَمَمِين الغافلين ، والمغرضين الشهوانيين الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، ولاحَظَ الشيخ رفاعي سرور ـ حفظه الله ـ أن بولس تدرج في تحريم الختان ، ولم يحرمه مرة واحدة . ودعني استرسل هنا قليلا ، وأعرض عليك ـ بتصرف بسيط ـ ملاحظات هذا الذكي التقي ـ أحسبه والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً من خلقه ـ فأنا أحتاج إليها في بحثي هذا فليس ثم خروج عن الموضوع : يقول الشيخ رفاعي سرور ـ حفظه الله ـ :
1ـ في البداية فسر بولس الختان بأنه العهد الذي أعطاه الله لإبراهيم :
ففي رسالته لرومية الإصحاح الرابع ما نصه :
11وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ خَتْمًا لِبِرِّ الإِيمَانِ الَّذِي كَانَ فِي الْغُرْلَةِ، لِيَكُونَ أَبًا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْغُرْلَةِ، كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضًا الْبِرُّ.
12وَأَبًا لِلْخِتَانِ لِلَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْخِتَانِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يَسْلُكُونَ فِي خُطُوَاتِ إِيمَانِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي كَانَ وَهُوَ فِي الْغُرْلَةِ.
2ـ ثم غيّر هذا التفسير فقال :
13فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ.
14لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الَّذِينَ مِنَ النَّامُوسِ هُمْ وَرَثَةً، فَقَدْ تَعَطَّلَ الإِيمَانُ وَبَطَلَ الْوَعْدُ
3 ـ ثم راح بولس يبرر ختان إبراهيم و المسيح ـ عليهما السلام ـ فقال :
1فَمَاذَا نَقُولُ إِنَّ أَبَانَا إِبْرَاهِيمَ قَدْ وَجَدَ حَسَبَ الْجَسَدِ؟
2لأَنَّهُ إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ تَبَرَّرَ بِالأَعْمَالِ فَلَهُ فَخْرٌ، وَلكِنْ لَيْسَ لَدَى اللهِ) [رومية : 4 : 1 ـ 2 ]
ويفسر ختان المسيح نفسه فيقول في رسالته إلى أهل رومية [ رومية: 8 : 15 ]
15 وَأَقُولُ: إِنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ قَدْ صَارَ خَادِمَ الْخِتَانِ ، مِنْ أَجْلِ صِدْقِ اللهِ، حَتَّى يُثَبِّتَ مَوَاعِيدَ الآبَاءِ.
4 ـ ثم كانت الخطوة التي بدأها بولس بعد ذلك للقضاء على الختان هي التسوية بين الختان والغرلة ، يحاول ذلك مستغلا تأخر إبراهيم في الختان ومدعيا أنه كان بارا بغير الختان كما كان بارا بالختان ، يقول في رسالته لأهل رومية الإصحاح الرابع : العدد 9 ، 10 .
9أَفَهذَا التَّطْوِيبُ هُوَ عَلَى الْخِتَانِ فَقَطْ أَمْ عَلَى الْغُرْلَةِ أَيْضًا؟ لأَنَّنَا نَقُولُ: إِنَّهُ حُسِبَ لإِبْرَاهِيمَ الإِيمَانُ بِرًّا
10 فَكَيْفَ حُسِبَ؟ أَوَ هُوَ فِي الْخِتَانِ أَمْ فِي الْغُرْلَةِ ؟ لَيْسَ فِي الْخِتَانِ، بَلْ فِي الْغُرْلَةِ!
5 ـ ثم يغلب حفظ وصايا الناموس على الختان في رسالته إلى كروننيوس الإصحاح السابع ما نصه: 19 : (( لَيْسَ الْخِتَانُ شَيْئًا، وَلَيْسَتِ الْغُرْلَةُ شَيْئًا، بَلْ حِفْظُ وَصَايَا اللهِ ))
ـ ويقول في رسالته إلى أهل رومية الإصحاح الثاني العدد 25 ، وما بعده ما نصه (
25فَإِنَّ الْخِتَانَ يَنْفَعُ إِنْ عَمِلْتَ بِالنَّامُوسِ. وَلكِنْ إِنْ كُنْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ، فَقَدْ صَارَ خِتَانُكَ غُرْلَةً! 26إِذًا إِنْ كَانَ الأَغْرَلُ يَحْفَظُ أَحْكَامَ النَّامُوسِ، أَفَمَا تُحْسَبُ غُرْلَتُهُ خِتَانًا؟
27وَتَكُونُ الْغُرْلَةُ الَّتِي مِنَ الطَّبِيعَةِ، وَهِيَ تُكَمِّلُ النَّامُوسَ، تَدِينُكَ أَنْتَ الَّذِي فِي الْكِتَابِ وَالْخِتَانِ تَتَعَدَّى النَّامُوسَ؟
28لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيًّا، وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَانًا،
29بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ، وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ، الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ)
6 ـ ثم في مرحلة متطورة إعتبر الختان مجرد صورة جسدية :
[رومية : 28 ـ 29 ] :
28لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيًّا، وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَانًا
29بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ، وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ، الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ)
ويقول في رسالته إلى أهل أغلاطية [ أغلاطية :6 :12ــ 15 ] :
12 جَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا مَنْظَرًا حَسَنًا فِي الْجَسَدِ، هؤُلاَءِ يُلْزِمُونَكُمْ أَنْ تَخْتَتِنُوا، لِئَلاَّ يُضْطَهَدُوا لأَجْلِ صَلِيبِ الْمَسِيحِ فَقَطْ.
13لأَنَّ الَّذِينَ يَخْتَتِنُونَ هُمْ لاَ يَحْفَظُونَ النَّامُوسَ، بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ تَخْتَتِنُوا أَنْتُمْ لِكَيْ يَفْتَخِرُوا فِي جَسَدِكُمْ.
14وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ.
15 لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ ، بَلِ الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ.)
7 ـ ثم في مرحلة أخرى تكلم بولس عن ( الختان القلبي)
( يَا قُسَاةَ الرِّقَابِ، وَغَيْرَ الْمَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ! أَنْتُمْ دَائِمًا تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُسَ. كَمَا كَانَ آبَاؤُكُمْ كَذلِكَ أَنْتُمْ! ) [ أعمال الرسل :52 :7]
8 ـ ثم كان الهجوم على بطرس وبرنابا من أجل الختان الجسدي يقول في رسالته إلى أهل أغلاطية الإصحاح الثاني العدد الثامن وما بعده يقول :
8فَإِنَّ الَّذِي عَمِلَ فِي بُطْرُسَ لِرِسَالَةِ الْخِتَانِ عَمِلَ فِيَّ أَيْضًا لِلأُمَمِ.
9 فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ، أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ، وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ.
10غَيْرَ أَنْ نَذْكُرَ الْفُقَرَاءَ. وَهذَا عَيْنُهُ كُنْتُ اعْتَنَيْتُ أَنْ أَفْعَلَهُ.
11وَلكِنْ لَمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنَّهُ كَانَ مَلُومًا.
12لأَنَّهُ قَبْلَمَا أَتَى قَوْمٌ مِنْ عِنْدِ يَعْقُوبَ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الأُمَمِ، وَلكِنْ لَمَّا أَتَوْا كَانَ يُؤَخِّرُ وَيُفْرِزُ نَفْسَهُ، خَائِفًا مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ.
13 وَرَاءَى مَعَهُ بَاقِي الْيَهُودِ أَيْضًا، حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضًا انْقَادَ إِلَى رِيَائِهِمْ!
14 لكِنْ لَمَّا رَأَيْتُ أَنَّهُمْ لاَ يَسْلُكُونَ بِاسْتِقَامَةٍ حَسَبَ حَقِّ الإِنْجِيلِ، قُلْتُ لِبُطْرُسَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ:«إِنْ كُنْتَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ تَعِيشُ أُمَمِيًّا لاَ يَهُودِيًّا، فَلِمَاذَا تُلْزِمُ الأُمَمَ أَنْ يَتَهَوَّدُوا؟»
15نَحْنُ بِالطَّبِيعَةِ يَهُودٌ وَلَسْنَا مِنَ الأُمَمِ خُطَاةً، ))
9 ـ ثم كانت الخطوة الأخيرة وهي الهجوم على الختان الجسدي وتحريمه.يقول :
في رسالته إلى أهل أغلاطية الإصحاح الخامس العدد 2 (2 هَا أَنَا بُولُسُ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِنِ اخْتَتَنْتُمْ لاَ يَنْفَعُكُمُ الْمَسِيحُ شَيْئًا! ) انتهى كلام الشيخ حفظه الله .
? لماذا هذا الاسترسال .. لماذا ذكر تدرج بولس هذا في تحريم الختان ؟
أمر الختان عظيم ، فهو حكم أبدي صريح في العهد القديم ، وقد اختتم الأنبياء كلهم ومنهم المسيح ـ عليه السلام ـ وتحريمه يمثل نقلة قوية للمخاطبين من معتنقي النصرانية ، لن يقبلوها بسهولة ، وربما ثاروا على من تكلم بها ، ولذا كان لابد من التدرج ، حتى يقبل الناس الأمر . وهنا يمكن القول أن كلام بولس المتأخر ناسخ لكلامه المتقدم . أليس كذلك ؟
هو كذلك .
هذه واحدة .
والثانية : أن التدرج في التشريع موجود عندهم .. يعرفوه .. ولا أدري لماذا يعترضون عليه عندنا ؟!
بولس وهو يغير الشريعة ، راع حال الناس ، فتدرج معهم ، وهدفه النهائي ( تحريم الختان ) كان معلوما عند نفسه من البداية ، ومثل هذا في الشريعة عندنا ، كثير من التشريعات جاءت بالتدريج ، مراعاة لحال الناس ، وليس جهلا من المشرِّع سبحانه وعز وجل .
فلا أدري لم قبلوا تدرج بولس في باطله ، وكرهوا تدرج الشريعة عندنا ؟!
المثال الثاني : إباحة الخمر
الخمر : اللاويين [ 10 :9 ]
9 «خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ
وبولس يقول في رسالته الأولى إلى تيموثوس [ 5 : 23]
23 لاَ تَكُنْ فِي مَا بَعْدُ شَرَّابَ مَاءٍ، بَلِ اسْتَعْمِلْ خَمْرًا قَلِيلاً مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ وَأَسْقَامِكَ الْكَثِيرَةِ.
إباحة أكل الخنزير
بولس هو الذي أباح لحم الخنزير ، وقبله لم يكن لحم الخنزير مباحا . فنصوص الكتاب ( المقدس ) بالعهد القديم تنص بوضوح على تحريم أكل لحم الخنزير يقول كاتب سفر اللاويين [11 : 7 – 8] : " والخنزير . لأنه يشق ظلفاً ويقسمه ظلفين لكنه لا يجتر . فهو نجس لكم . من لحمها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا . إنها نجسة لكم ").
ثم جاء بولس ورفع نجاسة الخنزير ومن ثم أبيح أكله ، يقول في رسالته إلى تيطس [ 1 : 15] " عِنْدَ الطَّاهِرِينَ، كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ. أَمَّا عِنْدَ النَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا مِنْ شَيْءٍ طَاهِرٍ، بَلْ إِنَّ عُقُولَهُمْ وَضَمَائِرَهُمْ أَيْضاً قَدْ صَارَتْ نَجِسَةً . "
وفي رسالته الأولى إلى أهل كرونثوس [ 6 : 12 ]، و [ 10 : 23 ] نجد هذه الجملة : «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»،
وفي رسالته إلى أهل كولوسي [ 2 :16 ] 16 فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ"
فهذا بولس يحل ويحرم من عند نفسه . وينسخ الأحكام برأيه .
قد يقول قائل أن بولس لا يتكلم من عند نفسه كما تدعي عليه ، وإنما من عند المسيح ، فهو عالم من المسيح كما يصرح في النصَّ أعلاه .
أقول هذا هو ، بولس رفع المسيح إله ونصبَّ نفسه رسولا إليكم ، فهو رسولكم الحقيقي ، وما أنتم عليه هو دين بولس لا دين المسيح عليه السلام ، وقد دخل مع بولس رسل أخرى جاءوا بعد ذلك ، أحلوا وحرموا باسم ( الرب ) . تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
أحكام من عند أنفسهم لا دليل عليها :
ـ ميراث المرأة ليس له وجود في الكتاب المقدس. اللهم التي مرت بنا ونحن نتكلم عن بنات صلفاد ، وليست هي التي يعملون بها اليوم .
ـ والمسيحة اليوم لا تعترف بالتعدد ، وهذه من رأسها ، لا نعرف لها أصلا في الكلام المنسوب للمسيح ـ عليه السلام ـ أو حتى في العهد القديم .
ـ والصيام الذي يصوموه أين دليلهم عليه من الكتاب ( المقدس ) ؟ لا يوجد .
ـ تحريم الزواج على الرهبان .
ـ التثليث ، تحديداً ألوهية المسيح ـ عليه السلام ـ ، والروح القدس ، ظهر أول ما ظهر على يد ترتليان ، في القرن الثالث الهجري ، وأصبح عقيدة رسمية في عام 381 م ، وليس له ذكر حتى في قرارات مجمع نيقية 325 م .
النسخ في الأحكام
النسخ في الأحكام موجود عند أهل الكتاب في العهد القديم والعهد الجديد ، وهذه بعض الأمثلة.
المثال الأول : إباحة زواج الأخت في أبناء آدم الأُول ثم تحريمه بعد ذلك .
وهو موجود عندنا كما هو موجود عند النصارى أيضا ، ولم يحرم زواج الأخ من الأخت عندهم إلا في عهد موسى عليه السلام ـ بزعمهم ـ فقد تزوج إبراهيم ـ عليه السلام ـ من أخته سارة ـ ، كما في سفر [ التكوين 20 : 12] يقول كاتب السفر على لسان موسى عليه السلام : " وَهِيَ بِالْحَقِيقَةِ أُخْتِي، ابْنَةُ أَبِي، غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ابْنَةَ أُمِّي فَاتَّخَذْتُهَا زَوْجَةً لِي ) .
وتم تحريم نكاح الأخت في شريعة موسى عليه السلام فجاء في ( اللاويين 18 : 9 " لاَ تَتَزَوَّجْ أُخْتَكَ بِنْتَ أَبِيكَ، أَوْ بِنْتَ أُمِّكَ، سَوَاءٌ وُلِدَتْ فِي الْبَيْتِ أَمْ بَعِيداً عَنْه)
وجاء في نفس السفر في مكان آخر [ 20 : 17 ] يقول كاتب السفر : " إِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ أُخْتَهُ، ابْنَةَ أَبِيهِ أَوِ ابْنَةَ أُمِّهِ، فَذَلِكَ عَارٌ، وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَأْصَلاَ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ أَبْنَاءِ شَعْبِهِ،)
المثال الثاني : الجمع بين الأختين كان مباحا عندهم ، وقد تزوج يعقوب عليه السلام ـ وهو إسرائيل ـ من أختين ، جاء ذلك في سفر التكوين [29 : 15- 35] وحرّم بعد ذلك ، كما في سفر اللاويين[ 18 :18 ] ، يقول كاتب السفر : " لاَ تَتَزَوَّجِ امْرَأَةً عَلَى أُخْتِهَا لِتَكُونَ ضَرَّةً مَعَهَا فِي أَثْنَاءِ حَيَاةِ زَوْجَتِكَ.").
المثال الثالث : أباح الله الطلاق في شريعة موسى ـ عليه السلام ـ ، وأباح للمطلقة أن تتزوج . في سفر [ التثنية 24 : 1-3 ] يقول كاتب السفر : " إِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْ فَتَاةٍ وَلَمْ تَرُقْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لأَنَّهُ اكْتَشَفَ فِيهَا عَيْباً مَا، وَأَعْطَاهَا كِتَابَ طَلاقٍ وَصَرَفَهَا مِنْ بَيْتِهِ، 2فَتَزَوَّجَتْ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَتْ طَلِيقَةً، 3ثُمَّ كَرِهَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي وَسَلَّمَهَا كِتَابَ طَلاقٍ وَصَرَفَهَا مِنْ بَيْتِهِ"
وقد نسخ السيد المسيح ـ بزعمهم ـ الطلاق إلا بعلّة الزنا ، وأعلن أن من يتزوج مطلقة فقد زنى !! ، هذا وهم يقولون أن المسيح ـ عليه السلام ـ جاء متمم للعهد القديم ، ولم يأت ناقض له .
والشاهد أن هذه حالة من النسخ لشرائع وأحكام العهد القديم .
في [ متى 5 : 31ـ 32 ] يقول الكاتب : " وَقِيلَ أَيْضاً: مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، فَلْيُعْطِهَا وَثِيقَةَ طَلاَقٍ. 32أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لِغَيْرِ عِلَّةِ الزِّنَى، فَهُوَ يَجْعَلُهَا تَرْتَكِبُ الزِّنَى. وَمَنْ تَزَوَّجَ بِمُطَلَّقَةٍ، فَهُوَ يَرْتَكِبُ الزِّنَى."
وفي [ متى : 19] يقول الكاتب : " 7فَسَأَلُوهُ: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى بِأَنْ تُعْطَى الزَّوْجَةُ وَثِيقَةَ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ؟» ,8 أَجَابَ: «بِسَبَبِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ، سَمَحَ لَكُمْ مُوسَى بِتَطْلِيقِ زَوْجَاتِكُمْ. وَلَكِنَّ الأَمْرَ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا مُنْذُ الْبَدْءِ. 9وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الَّذِي يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ لِغَيْرِ عِلَّةِ الزِّنَى، وَيَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ يَرْتَكِبُ الزِّنَى. وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ، يَرْتَكِبُ الزِّنَى». )
ومن النص السابق يتضح أن الطلاق لم يكن موجودا"في البداية , ثم تم إقراره أيام موسى عليه السلام , ثم تم إلغاؤه بأقوال السيد المسيح !!. نسخ على نسخ .
المثال الرابع : لم يدعُ المسيح ـ عليه السلام ـ إلا اليهود فقط ، وكان يقول « لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ» ([ متى 15 : 24] ، وأمر المسيح ـ عليه السلام ـ من أرسلهم من الحواريين أن لا يدعوا إلا بني إسرائيل فقال :
" هَؤُلاَءِ الاِثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6 بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّة " [متى 10 : 5 ـ 6 ]
والذين جاءوا من بعده نسبوا إليه القول بأن النصرانية ديانة لجميع الأمم ،وذلك قولهم على لسان متى [ 28 : 19 ] " فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأمم "
وما يعنينا هنا هو أن الأحكام تنسخ .. تتغير . وهذا واحد منها .
المثال الخامس : عقوبة من تمسه الشياطين
[ اللاويين : 20 : 27 ] : «وَإِذَا كَانَ فِي رَجُل أَوِ امْرَأَةٍ جَانٌّ أَوْ تَابِعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. بِالْحِجَارَةِ يَرْجُمُونَهُ. دَمُهُ عَلَيْهِ»."
ما ذنبه ؟ لا أدري ، ولا إخالهم يدرون .
ونجد في العهد الجديد أن يسوع ( المسيح ) نسخ هذا الحكم وكان يخرج الشياطين .
المثال السادس رجم الزاني : في العهد القديم ( شريعة موسى ) أن العهد الزاني المحصن يرجم ، وهم يقولون أن المسيح جاءوا له بامرأة وقالوا له إنها زانية فعفى عنها ولم يقم عليها حد الرجم :
[ يوحنا 8 :4، وما بعدها ]
4 قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ
5 وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» .......َقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» ...... فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً».
فهنا نسخ لحكم الله في الزاني المحصن .
وشيء آخر : قد مرّ بنا أن الزاني المحصن يحرق ، وهنا يقولون يرجم ، ولا ندري أنسخ أم لخبطة من الكَتَبَةِ . وكلامهما يشهد بصحة ما نقول وزيادة .هذا ما يعنينا هنا في هذا المقام .
وأختم بهذا المثال ، وبداية أعتذر نيابة عن الكتاب المقدس لما ورد فيه من ( قرف )
المثال السابع : أمر ( الرب ) شعب إسرائيل ومعهم حزقيال النبي ـ عليه السلام ـ بأن يأكلوا خراء الإنسان ثم بعد أن توسل واعتذر حزقيال ـ عليه السلام ـ نسخ ( الرب ) الحكم وأمره بأن يأكل هو ـ دون بني إسرائيل ـ خراء البقر ، وهذا الكلام صريح في سفر حزقيال الإصحاح الرابع ، يقول كاتب السفر :
12 وَتَأْكُلُ كَعْكاً مِنَ الشَّعِيرِ. عَلَى الْخُرْءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ تَخْبِزُهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ». 13وَقَالَ الرَّبُّ: هَكَذَا يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ خُبْزَهُمُ النَّجِسَ بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهِمْ». 14فَقُلْتُ: آهِ يَا سَيِّدُ الرَّبُّ, هَا نَفْسِي لَمْ تَتَنَجَّسْ. وَمِنْ صِبَايَ إِلَى الآنَ لَمْ آكُلْ مِيتَةً أَوْ فَرِيسَةً, وَلاَ دَخَلَ فَمِي لَحْمٌ نَجِسٌ».
15فَقَالَ لِي: اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ لَكَ خِثْيَ الْبَقَرِ بَدَلَ خُرْءِ الإِنْسَانِ فَتَصْنَعُ خُبْزَكَ عَلَيْهِ».)
وهذا نسخ في الأحكام .
?وهذه جملة أحكام أخرى كانت ثم نسخت :
?ـ أُبيحَ لنوح عليه السلام بعد خروجه من السَّفينة أكل جميع الحيوانات ثم نُسِخ حِلُّ بعضها .
?ـ أُمِرَ إبراهيم بذبح ولده إسماعيل ثم نسخ قبل الفعل .
?ـ كان السبت معظما ، ثم ترك تعظيمه المسيح ـ عليه السلام ـ وعظم النصارى الأحد .
? الأعياد التي في النصرانية ، ومنها عيد ميلاد المسيح لا دليل عليها ، ولا إشارة لها في كتابهم
?قبول شهادة الرجل لنفسه ، وهذا ضد الناموس ، وضد ما تكلم به المسيح ، ومعلوم مشهور أن بولس لم يشهد له أحد ، وإنما تكلم من عند نفسه
?النسخ في العقائد
وهنا أضرب بعض الأمثلة .
المثال الأول : نسخ العهد القديم :
اشتد المسيح ـ عليه السلام ـ في الأخذ على يد أتباعه أن يحفظوا العهد القديم ولا يضيعوه ، وتكلم في أكثر من مكان بذلك ، منها في [ متى : 5 : 17 ] 17 «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.
ومنها في : [ متى : 23 : 1ـ 3 ] حِينَئِذٍ خَاطَبَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَتَلاَمِيذَهُ
2 قَائِلاً:«عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ،
3 فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ.
ومنها في : لوقا [ 10 : 25 ـ 28 ] :
25 وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً:«يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟»
26 فَقَالَ لَهُ:«مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟»
27 فَأَجَابَ وَقَالَ:«تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ».
28 فَقَالَ لَهُ:«بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا».
ويأتي بولس ويخالف المسيح ـ عليه السلام ـ ويبطل هذا كله :
في رسالته إلى العبرانيين [ 8 : 13 ]، تكلم في سياق أن الله شرّع لبني إسرائيل ( عهدا جديدا لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ) يقول : 13 فَإِذْ قَالَ «جَدِيدًا» عَتَّقَ الأَوَّلَ. وَأَمَّا مَا عَتَقَ وَشَاخَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الاضْمِحْلاَلِ.
العبرانيين [ 7 : 18 ] يقول : 18 فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضَعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا،
وفي رسالة بولس لأهل رومية [ 7 :6 ] 6 وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ النَّامُوسِ"
وفي العبرانيين [ 10 :9 ] 9 يَنْزِعُ الأَوَّلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ الثَّانِيَ. ، والأول هنا هو العهد القديم والثاني العهد الجديد .
وبعضهم يبهت حين تواجهه بهذا الكلام ،وبعضهم ( يتفلسف ) ويتكلم من تلقاء نفسه قائلا بأن بولس رفض شرائع العهد القديم فيما يتعلق بالذبائح فقط دون أن يرفضه جملة ؟
وهذا الكلام مرفوض ، ذلك أن بولس كما تقدم تطاول على العهد القديم ككل (يَنْزِعُ الأَوَّلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ الثَّانِيَ ) (وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ النَّامُوسِ") (إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضَعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا ) .
وإن سلمنا جدلا بأن بولس فقط رفض شرائع العهد القديم فيما يتعلق بالذبائح ، فهذا أيضا لا يقال ، ذلك لأن المسيح ـ عليه السلام ـ أقر شريعة موسى في الذبائح ، وأمر بها ، في
مرقص [ 1 :44 ]على لسان المسيح عليه السلام : وَقَالَ لَهُ:«انْظُرْ، لاَ تَقُلْ لأَحَدٍ شَيْئًا، بَلِ اذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُمْ».
ورفض الشرائع في حد ذاته تعني التطاول على العهد القديم ، ويعني أن بولس نسخ العهد القديم أو نسخ في العهد القديم ، وهذه وتلك تكفي للدلالة على ما نحن بصدده ، وهو بيان أن عندهم ناسخ ومنسوخ في الأحكام بل وفي العقائد كما هو في هذا المثال .
.
المثال الثاني : رسالة المسيح كانت لبني إسرائيل .
أرسل المسيح عليه السلام ـ فقط لبني إسرائيل ، والذي عمم النصرانية وجعلها لجميع الأمم هو بولس ( شاول ) .
وَرَدَ في أكثر من مكان من الإنجيل على لسان المسيح ـ عليه السلام ـ أنه لم يرسل إلا لخراف بني إسرائيل الضالة . واسمع :
أمر المسيحُ ـ عليه السلام ـ التلاميذَ بأن لا يبشروا إلا في بني إسرائيل فقط ؛ في متى[ 10 : 5 ، 6 ] 5 هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً:«إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6 بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ.
وفي [ متى : 15 : 21 ، 24 ] 21 ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22 وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». 23 فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24 فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ».
ولاحظ أن هذا من إمرأة من مدينة صور وصيدا ,وهي من أرض الشام ، وليست من بعيد .
وفي [ متى : 1 : 21 ] 21 فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ».
وفي يوحنا [ 1 :11 ] نصٌ آخر صريح : "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ"
ثم جاء بولس بعد ذلك ونسخ هذا الحكم ، وجعلها دعوة للأمم جميعا.
في أعمال الرسل [ 26 : 15 ـ 18 ] ، وهو يحكي قصة ظهور المسيح ـ عليه السلام له ـ وهي قصة مكذوبة ـ يقول :
15 فَقُلْتُ أَنَا: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ: أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ.
16 وَلكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ،
17 مُنْقِذًا إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ،
18 لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِينَ.
.
وهكذا بكل هذه البساطة تحولت المسيحية من ديانة خاصة ببني إسرائيل إلى ديانة لجميع الأمم .
المثال الثالث : النجاة بالأعمال أم بالإيمان ؟
واضح جداً من تعاليم المسيح عليه السلام أن النجاة كانت بالأعمال ، في متى [ 23 :3 ] 3 فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ.
وفي يوحنا [ 5 : 28، 29 ]
28 لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ،
29 فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ.
ومرَّ بنا أن المسيح عليه السلام ـ أمر أحدهم أن يذبح ويفعل ما كان يأمر به الناموس كي يتبرر من إثمه . مرقص [ 1 :44 ]: وَقَالَ لَهُ:«انْظُرْ، لاَ تَقُلْ لأَحَدٍ شَيْئًا، بَلِ اذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُمْ».
ثم جاء بولس بعد ذلك وجعل النجاة على الإيمان لا على الأعمال ، في رسالة بولس إلى غلاطية الإصحاح الثالث ، يحاول بولس من تلقاء نفسه بلا دليل ، وبكلام مرسل يبرهن لمن يسمع له أن الناموس تعمل به كلية وإن فرطتَّ في شيء منه لحقتك لعنة ، وحيث أن الكل مفرط فإن كل من هم تحت الناموس ملعونين ، وبالتالي جاء المسيح ـ عليه السلام وصار لعنة من أجلهم ـ قبحه الله بكذبه وافترائه ـ وافتداهم من لعنة الناموس ـ التي تأتي بسبب تفريط في واحدة من أحكامه ـ وبالتالي صار البر والخلاص بالإيمان بيسوع المسيح ـ عليه السلام ـ . هكذا يتكلم بولس . ويختم الإصحاح بهذه النتيجة
24 إِذًا قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ.
25 وَلكِنْ بَعْدَ مَا جَاءَ الإِيمَانُ، لَسْنَا بَعْدُ تَحْتَ مُؤَدِّبٍ.
وهذا يعني صراحة ً إلغاء الناموس ، وبدء العمل بالإيمان . هذا المعنى صريح جداً .وجاء في السياق جملة خبرية تقريرية صريحة تؤيد هذا المعنى : ( أَنَّ اللهَ بِالإِيمَانِ يُبَرِّرُ الأُمَمَ )
وبهذا تحولت النصرانية من ديانة تعبد الناس لله رب العالمين إلى عدد من المفاهيم والتصورات يعتقدها المرء ثم هو من الفائزين يوم القيامة .
هذه هي قضية الرسالة الأولى .. النجاة من النار ، ينسخها بولس ، ويعدل فيها على المسيح .
تعليق على الناسخ والمنسوخ
من يعبد النصارى ؟
قضية التحليل والتحريم .. الأمر والنهي .. النسخ والإقرار .. لازم من لوازم الألوهية ، فحق الله على عباده أن يطيعوه ، وحق من خلق ورزق ومن يحي ويميت ويحاسب أن يأمر فيأتمر الناس بأمره ، وينهى فينتهي الناس عما نهاهم عنه . والعبادة المحبة التي تورث الانقياد التام ، العبادة هي الاتباع . العبادة هي التزام الأمر والنهي .
حق الله على عباده أن يعرفوه فيحبوه ، ثم يمتثلوا أوامره ويجتنبوا نواهيه . والعبادة مرحلة من مراحل المحبة ، فمن عرف أحبَّ ـ أو كره ـ ومن أحب سعى في رضا محبوبه ولا بد ، من أحب أحداً أو شيئاً فإنه يحرص على فعل ما يرضيه ، والبعد عن ما يبغضه ، وإلا فهو مدعي للمحبة . وليس محبا على الحقيقة . هذه من بديهيات العقل ، وما أجمل ما قال ابن المبارك .
تعصي الإله وأنت تُظهر حبَّه * * * هذا لعمري في الفعال بديعُ
لو كان حبك صادقا لأطعته * * * إن المحب لمن يحب مطيعُ
في كل يوم يبتديك بنعمة منه وأنت لشكر ذاك مضيع
والذي حصل في النصرانية أن المسيح ـ عليه السلام ـ مات ولم يقل للناس اعبدوني من دون الله ، ولم يعبده أحدٌ ممن عاصره وعايشه ، ثم جاء بولس ( الرسول ) وفي قصة تتضارب حولها الآراء ادعى بولس أن المسيح ـ عليه السلام ـ أرسله للناس رسولاً .
رفع بولس المسيح لدرجة الألوهية ، وجعل نفسه رسولاً يتكلم للناس باسم ( رب المجد يسوع ) ، وراح بولس بهذه الدعوى يحل ويحرم ، عدّل تعاليم المسيح كلها ، العقائدية ، والتشريعية ، وأن كل ما في النصرانية هو من بولس ، أقول : جاء بولس بعد المسيح بأيام ، أكان المسيح ـ عليه السلام ـ في حاجة لأن يأتي ببولس يعلم الناس نيابة عنه ؟
لم لم يتكلم هو بهذه التعاليم ؟
ولم تكلم هو وعارضه بولس باسمه ؟
أو دعني أتسائل تنزلا لم غيّر يسوع كلامه الذي تكلم به وهو حي بين الناس على لسان بولس بعد ذلك ؟
فمن يعبد النصارى ؟ من يطيعون ؟ من يحلل ويحرم لهم ؟ من هو الذي يشرع لهم ؟
إنهم هم ، يعبدون الأحبار والرهبان من دون الله ، وهذا صريح عندنا . في كتاب ربنا علام الغيوب سبحانه وتعالى وعز وجل . قال الله : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[التوبة:31].
وفسر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ العبادة هنا بأنها الطاعة .. أن يحلو لهم الحرام فيحلونه ، ويحرموا عليهم الحلال فيحرمونه ، والحديث عند أحمد ، وأورده بن كثير في تفسير الآية .
.
1ـ الناسخ والمنسوخ في الشريعة الإسلامية أمارة على حكمة المشرّع ،وأنها من لدن حكيم عليم .
2ـ الله في كتابه أو على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، كل المسلمون على هذا ، أما النصارى فكما رأيت المسيح ينسخ شريعة من قبله ـ وهم يقولون أنه جاء ليتمم لا لينقض ـ وبولس ينسخ أحكام المسيح ـ عليه السلام ـ ، ومَن بعده يتجاهلون ما ورد في الكتاب ( المقدس ) ويشرعون من عند أنفسهم .
3 ـ الآمر الناهي حقيقة في كتب النصارى هو الأحبار والرهبان ( رجال الدين ) ، فالشريعة شريعتهم هم وليست شرع الله ، يشهد على هذا ما سبق من أن كل ما ورد من أحكام إنما مصدره الذين جاءوا بعد المسيح ، ولا زال التشريع .. التحليل والتحريم .. النسخ .. مستمرا ، فنحن نرى اليوم مكسيموس الأول يعترض على الكنيسة ويخرج بحلال وحرام آخر .
4 ـ من هذا العرض يتضح لك كذب بطرس اللئيم ومن يقول بقوله في هجومه على الإسلام . ونقول ما أقبح الكذب . ونقول لهم دونكم كتابكم .
5 ـ تكلمت بالمعلوم المشهور ،وما لايمكن رده لصراحته في الدلالة .
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ما يخفيه زكريا بطرس عن مستمعيه
في هذا المبحث :
ـ أول من آمن به أهل بيته.
ـ يسكن في غرفاتٍ من طين .
ـ مناجاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لربه .
لا يعرف التاريخ أحد كُتب عنه ثناءً ومدحاً كالنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، يمدحون خُلُقه وخلقته وكل شيء ، ولم يعرف التاريخ أحد أحيط بهالة من التعظيم والتبجيل في حياته وبعد مماته كالنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولم يعرف أحد مدحه أعدائه كما مدح أعداء رسولِ الله رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهذا الأمر صنفت فيه مصنفات مشهورة ومعروفه . ولم يعرف التاريخ أحد تطاول على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كهذا الخنزير بطرس . ش
ومدح الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرفت به المصنفات الكبيرة ، وشرف به المختصون في جميع الفنون والعلوم .
ووالله كلماتي ترد خجلى وهي تحكي عن الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمهما كتبتُ لا أجد نفسي قد وفيت شيئا . ولكن أراعي المقام وأضع خطوطا رئيسية تبين كذب من يتكلم عنه من الحاقدين أمثال بطرس الكذاب .
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيته .
لماذا النبيُ ـ صلى الله عليه وسلمَ ـ في بيته ؟؟ لماذا ألقي الضوءَ على رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيته ؟
الرجل في بيته يكونُ على حقيقته ، لا يتكلفُ أمام أهلهِ وأولادهِ ، فإن تجملَ خارج البيت ، فإنه لا يستطيع أبدا أن يتصنع أمام أهله ، ولذا آثرت أن القي الضوءَ على شيءٍ من حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيته ، ليعلمَ من جهل أي الرجال كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . وأنه ما كان جبارا ولا كان شهوانيا يقضي الليل مع النساء كما يفترون عليه صلى الله عليه وسلم .
أول من آمن به أهل بيته
أول من آمن بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هم أهل بيته ، زوجتُه السيدةُ خديجةُ ـ رضي الله عنها ـ وعلي بن أبي طالبٍ الذي كان في بيته ،وزيدُ بنُ حارثة ، وبناتُه ـ صلى الله عليه وسلم ، وكذا أخصُّ أصحابه أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
لم يتخلف أحدٌ من خواص محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، بل لم يتلكأ منهم أحد ، كلهم آمنوا به وصدقوه فور سماعهم خبرَ نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
يقولُ أحدُهم " إن إيمانَ أهلِ بيت محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهِ دليلٌ على صدقه ، فأعرف الناس بالرجل أهلُ بيته وخاصتُه ".
وصدق . فإن أحدنا قد يُخفي على الناس عيبه ، لا يُظهرُ عيبَه في الشارعِ ولا في المجالس العامة ، ولكنه ينبسط في بيته أمام زوجته وأبناءه ، وينبسط بين خاصّة أصحابه والمقربين منه فتبدوا سريرتُه فلولا أنهم يعرفون منه الخير ما اتبعوه ولاتهموه في خبره وكذبوه وما صدَّقوه .أليس كذلك ؟!
أقول : وأن يحبَ الرجلَ زوجتُه وأبناءُه فهذا أمر طبعي ، أما أن يحبَّه خادمُه وعبدُه الذي يملكُه فهذا لا يكون كثيرا . وأن يفضّل الرجلُ العبوديةَ والغربةَ مع شخصٍ ، على الحريةِ في وطنه مع أبيه وأمه وأعمامه وأخواله وإخوانه ، وهو بعدُ شابا صغيرا ، فهذا لم نسمع به إلا مع النبي محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
كان زيدُ بن حارثةَ حرا أخذته اللصوصُ وهو غلام فباعوه عبدا بالشام ، واشتراه حكيمُ بن حزامٍ من الشام وحملهُ إلى مكةَ وانتهى به المطافُ مولا عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ورحل حارثةُ ـ أبو زيد ـ بين أحياء العرب يبحث عن ابنه الذي أخذته اللصوص واسترقُّوه ، وهو حرٌ ذو نسب ... خرج يطوف البلدان وهو يقول :
بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ *** أَحَيّ فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دُونَهُ الْأَجَلْ
فَوَاَللّهِ مَا أَدْرِي وَإِنّي لَسَائِلٌ *** أَغَالَكَ بَعْدِي السّهْلُ أَمْ غَالَك الْجَبَلْ
ُتذَكّرْنِيهِ الشّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا *** وَتَعْرِضُ ذِكْرَاهُ إذَا غَرْبُهَا أَفَلْ
وَإِنْ هَبّتْ الْأَرْوَاحُ هَيّجْنَ ذِكْرَهُ *** فَيَا طُولَ مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ
سَأُعْمِلُ نَصّ الْعِيسِ فِي الْأَرْضِ جَاهِدًا * * * وَلَا أُسْأَمُ التّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الْإِبِلْ
حَيَاتِي أَوْ تَأْتِي عَلَيّ مَنِيّتِي * * * فَكُلّ امْرِئٍ فَانٍ وَإِنْ غَرّهُ الْأَمَلُ
خرج هذا الأب المفجوع يقطع الصحاري بحرها ، ووجد ولده عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فراح يناشده أن يَبِيعَهُ ولدَه بما شاء . . يعرض على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يشتري منه ولده بما يشاء من ثمن . فأجابه النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما لم يتوقعه . قال لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ــ يخاطب زيدا ـ إنْ شِئْتَ فَأَقِمْ عِنْدِي ، وَإِنْ شِئْت فَانْطَلِقْ مَعَ أَبِيك ، فأجاب زيد : بَلْ أُقِيمُ عِنْدَك .يقيم عند من ؟
عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . اختار زيدٌ البقاء عبدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على الرجوع حرا مع أبيه . ماذا رأى زيدٌ من محمدٍ صلى الله عليه وسلم ــ كي يختار العبودية معه في مكة بعيدا عن أهله وداره ، على الحرية مع أبيه وبين أمه وإخوانه وهو بعد صغير السن ؟
لك أن تتخيلَ ما كان من حسن عشرة وطيب خلق جعلت زيدا لا يرحل من دار الغربة والعبودية .إلى أبيه وأمه . واسمع :
قَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا زَيْدُ أَتَخْتَارُ الْعُبُودِيّةَ عَلَى الْحُرّيّةِ وَ عَلَى أَبِيك وَأُمّك وَبَلَدِك وَقَوْمِك ؟
فَقَالَ زيدٌ : إنّي قَدْ رَأَيْت مِنْ هَذَا الرّجُلِ شَيْئًا ، وَمَا أَنَا بِاَلّذِي أُفَارِقُهُ أَبَدًا .
وأنشد يقول :
أَحِنّ إلَى أَهْلِي ، وَإِنْ كُنّ نَائِيًا *** بِأَنّي قَعِيدُ الْبَيْتِ عِنْدَ الْمَشَاعِرِ
فَكُفّوا مِنْ الْوَجْدِ الّذِي قَدْ شَجَاكُمْ *** وَلَا تُعْمِلُوا فِي الْأَرْضِ نَصّ الْأَبَاعِرِ
َإِنّي بِحَمْدِ اللّهِ فِي خَيْرِ أُسْرَةٍ *** كِرَامِ مَعَدّ كَابِرًا بَعْدَ كَابِرِ
لم ينته الأمر عند هذا الحد .
تجمَّل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما هو خيرٌ من ذلك .فأخذ بيدِ زيدٍ وقام إلى الملأ من قريش ينادي فيهم : " اشْهَدُوا أَنّ هَذَا ابْنِي ، وَارِثًا وَمَوْرُوثًا " فَطَابَتْ نَفْسُ أَبِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ .ولم ينته الأمر عند ذلك أيضا .بعد أن رحل أبوه تجمل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما هو أكثر من ذلك أيضا ، تجمل بما هو أكثر من عتقه ، وبما هو أكبر من تبنيه ، فقد زوجه من بنت عمته زينبَ بنتَ جحشٍ ـ رضي الله عنها ـ . ومن يعرف عادات العرب في الزواج يعرف حجم هذا الكرم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . أرأيتم أكرمَ من هذا ؟!
لا . والله .
فما له لا يؤمن به ، وهذا حاله معه ؟ !
مشهد آخر
جاء الْمَلَكُ لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غار حراء فأخذه وضمَّه ضما شديدا حتى بلغ منه الجَهَدَ ثم أرسله، وقال له أقرأ والحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجيب ما أنا بقارئ .ثم أخذه ثانية وضمه ضما شديدا حتى بلغ منه الجهد وناداه اقرأ يا محمد ، والحبيب يجيب : ما أنا بقارئ . فأخذه الثالثة وضمه ضما شديدا وناده اقرأ يا محمد ، والحبيب يجيب : ما أنا بقارئ . فقال الملكُ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ .ورَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بيته يَرْجُفُ فُؤَادُهُ . ودَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها ينادي : زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. . . . غطوني بالفراش . فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ .وجلس يحدث زوجته بما رأى يقول لها :َ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي . فَقَالَتْ ، وهذا محل الشاهد ، : كَلَّا وَاللَّهِ . . . لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبدا . والله إنك لتصل الرَّحِمَ . . . وتَصْدُقُ الحديث . . . وَتَحْمِلُ الْكَلَّ . . . وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ . . . وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ .
هكذا وصفتهُ زوجتُه وهو بعد لم يوحى إليه ، كريم شهمٌ هينٌ لين ، قريب يجيب .هذا حاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما تصفه زوجته . وهو بعد لم يوحى إليه .. هذا حاله في الجاهلية .
يا من له الأخلاق ما تهوى * ** العلا منها ويتعشق الكبراء زانتك في الخلق العظيم شمائل * * * يغرى بهن ويولع الكرماء فإذا سخوت بلغت بالجود المدى * * * وفعلت ما لا تفعله الأنواء وإذا رحمت فأنت أم أو أب * * * هذان في الدنيا هم الرحماء وإذا عفوت فقادرا ومقتدرا * * * لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق * * * لا ضغن ولا بغضاء
وإذا رضيت فذاك في مرضاته * * * ورضا الكثير تحلم ورياء وإذا بنيت فخير زوج عشرة * * * وإذا ابتنيت فدونك الآباء
وحين أخبر أبا بكر ، وهو صاحبه في الجاهلية بأن الله أوحى إليه ، أسلم ابو بكر من فوره وما نظر ولا تردد . لماذا ؟
أعرف الرجل بالرجل صاحبه . فلولا أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ يعرف من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخير ما أقبل هكذا . ولتردد ولقال وأسمع .
وآمن بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كل من كان في بيته ، علي بن أبي طالب وأم أيمن وزوجته وبناته وغلامه زيد بن حارثه لم يتخلف منهم أحد .
الدائرة التي تحيط بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتتعامل معه يوميا هي أول الناس إيمانا به . وكما سبق معنا أن في هذا دِلالة واضحة على صدقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهم لو لم يعرفوا منه الصدق ما آمنوا من فروهم هكذا .
بل شهد له من حاربوه بالصدق والأمانة ، ولقبوه بالصادق الأمين ، ولم نسمع أن أحدا ممن عاصره ذكره بسوء . . . لا يوجد أحد ممن رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى من قاتلوه وأخرجوه من داره ، تكلم في خلقه بشيء ، كلُّهم أجمعوا على صدقه وأمانته وحسن خلقه ، وهذه الجعجعة حادثة أتت بعد ألف وأربعمائة عام .
وقفة تَزيد الأمر وضوحا :
اتخذ القرآن من حال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجاهلية بين أهله وأصحابه دليلا على صدقه في دعوى النبوة ، فمعلوم أن قريشا كذَّبت النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كحال بني إسرائيل مع المسيح ـ عليه السلام ـ ، وكحال كل الأمم التي بعث الله إليها نبيا من أنبياءه .
وفي مواجهة هذا التكذيب ، وفي إطار التدليل على صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في دعوى النبوة ، اتخذ القرآنُ الكريم من حال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بين أهله وأصحابه دليلا على صدقه . قال تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }[ الأعراف : 184 ]
وقال تعالى :{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }[ سبأ :46 ] ، وقال تعالى :{ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى }[ النجم :2 ] وقال تعالى :{وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ } [ التكوير : 22]
ما وجه الدليل في ذلك ؟
يقول أهلُ العلمِ : ذِكرُ لفظِ الصاحب هنا دون غيره ، إذ قال صاحبكم ولم يقل محمد ولا النبي، ليذكرهم بأن هذا صاحبهم ، لازمهم أربعين عاما ، ويعرفوه معرفة الصاحب بصاحبه . جلس بينهم أربعين عاما . لم يخرج النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من مكة ، إلا مرة أو مرتين ، وكان ـ في خروجه هذا ـ بين أهل مكة . فهو إذا لم يتعامل مع غير أهل مكة .
والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اتخذ من حاله بين قومه دليلا على صدقه في دعوى النبوة ، وقف على الصفا ينادي لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغيرَ عليكم أكنتم مصدقي ؟
قالوا نعم . ما جربنا عليك إلا صدقا . قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . [ هذه رواية البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ]
فهذا حاله صلى الله عليه وسلم في بيته وبين أهله في الجاهلية . اتخذها القرآنُ دليلا على صدقه صلى الله عليه وسلم .
يسكن في غرفات من طين
قالوا : كان جبارا لا همَّ له إلا القتل ، والزواج ، قلنا : لو كان كذلك لاتخذ القصور وجمع الأموال ، وقضى الليل مع النساء ، ولكن ما كان هذا حاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
حين هاجر إلى المدينة اتخذ بيتا من طين ( لبن ) سقفه من الجريد يطاله الرجل بيديه . بيت كل واحدة من نسائه عبارة عن غرفة من طين ، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينام على الحصير حتى يؤثرَ في جنبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند الترمذي من حديث عبد الله بنِ مسعود رضي الله عنه قال : ( نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً فَقَالَ مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا َكرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ) وفي رواية أخرى عند أحمد من حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : ( مالي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها ) يقول : ثم راح وتركها ، أي أنه لم يمكث حتى يتحول عنه الظل بل قام هو وترك الظل .
ودخلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رضي الله عنه ـ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نائم على حصير قد أثر الحصير في جنبه ، وجالت عينُ عمرٍ في بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، يقول عمر : فإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ ( حفنة أو حفنتين ) وَقَرَظٍ ( نوع من ورق الشجر يدبغون به الجلود ) فِي نَاحِيَةٍ فِي الْغُرْفَةِ وَإِذَا إِهَابٌ مُعَلَّقٌ .
هذا كل ما في بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حصير ينام عليه ، وحفنه من شعير ووسادة معلقة بالجدار .
فبكى عمر مما رأى . وحُقَّ له .
وناداه الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ : مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟
يقول عمر : فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَالِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى وَذَلِكَ كِسْرَى وَقَيْصَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ وَأَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ
قَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ : أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمْ الدُّنْيَا ؟
فقال عمر : بَلَى .
هذا هو همّهُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الآخرة . لا حاجة له في الدنيا .
وعن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( مَا أَمْسَى فِي آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعُ تَمْرٍ وَلَا صَاعُ حَبٍّ . وَإِنَّ عِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ )
وعند مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ يسأل عن شيء يضيفه به ، ثم أرسل إلى الثانية والثالثة وإلى كل نسائه وكلهم يجيب : والذي بعثك بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ .
ليس في بيته إلا الماء .
وعند البخاري من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ ) ، فقيل لها : ما كَانَ يُعِيشُكُمْ . قَالَتْ الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهِمْ فَيَسْقِينَا .
تمر وماء ، والمنحة لبن .
وفي الصحيحين وغيرهما عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها قالت ـ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ ) .
ومشهور أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مات وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ .
وعند البخاري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم مات وما ترك درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمه إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها ، وسلاحه ، وارضا جعلها لابن السبيل صدقة .
أجبارٌ هذا ؟
لا والله .
جاء في قصة إسلام عُدي بن حاتم الطائي ـ رضي الله عنه ـ وكان نصرانيا . أنه دخل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ، المسجد فسلم عليه ، ثم قام معه إلى بيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، يقول عُدي : فَانْطَلَقَ بِي إلَى بَيْتِهِ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَعَامِدٌ بِي إلَيْهِ إذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ فَاسْتَوْقَفَتْهُ فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلّمُهُ فِي حَاجَتِهَا ; يقول عُدي : فقُلْت فِي نَفْسِي : وَاَللّهِ مَا هَذَا بِمَلِكٍ .
ثُمّ مَضَى بِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا دَخَلَ بِي بَيْتَهُ تَنَاوَلَ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوّةً لِيفًا ، فَقَذَفَهَا إلَيّ ،فَقَالَ : اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ . قُلْت : بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا ، فَقَالَ بَلْ أَنْتَ . يقول عدي : فَجَلَسْتُ عَلَيْهَا ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْأَرْضِ ، قَالَ قُلْت فِي نَفْسِي : وَاَللّهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ .نعم لم يكن ملكا ظالما غشوما ... كان يجلس على الأرض ، ويقف للعجوز طويلا وهو أعظم الناس مسئولية وأكثرهم شغلا . ويسكن في غرفات من طين .
يقول ابن كثير في البداية والنهاية معلقا على ما ورد في البخاري ، من أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مات وما ترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة يقول ، وقد جعلَهُ عنوانَ بابٍ يقول : فإن الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده - كما هي عند الله - من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثا، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين .
ولم يكن ضيق العيش ، وقلة المتاع في بيته ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فترة من الزمن فقط ، بل كان هذا حاله حتى توفاه ربه .
ولم يكن ضيق العيش وقلة المتاع في بيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ جبراً عنه ، بل باختياره ، فقد كان زاهدا في الدنيا . راغبا عنها . يقول ما لي وما للدنيا .
لما فتح الله على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خيبر ، وأتت الغنائم ، اجتمع حوله نسوتُه يريدون سعةَ في العيش ، فخيرهم بين أن يبقون معه على هذه الحال وأن يطلقهن . ونزل قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً . وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }[ الأحزاب : 29] ، وكلهن اخترن البقاء معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذه الحال .
وفي هذا دليل أيضا على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن مضطرا لهذا ، فقد كان عنده سهمه من الغنائم ، ولو شاء لصارت الجبال معه ذهبا ، بل كانت رغية عن الدنيا ، كما قال هو ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ( مالي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها ) ،وفي هذه القصة أيضا بيان لمحبة نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للنبي وحبهم للبقاء معه على هذه الحال ، كانوا يحبونه أشد من حبهم لآبائهم وأمهاتهم ، عائشة تقول أفيك أستأمر أبوي يا رسول الله ؟! وحبيبة ترفض أن يجلس أبوها وهو سيد قريش يومها على فراش رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقول له أنت مشرك نجس لا تجلس على فراش رسول الله .صلى الله عليه وسلم ـ .
وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقضي ثلث الليل أو نصفه أو يزيد عن ذلك في الصلاة ، يقوم حين يسمع الصارخ .. الديك .. ويصرخ الصارخ في منتصف الليل أو قبله أو بعده بقليل .. يقف بين يدي ربه يقرأ قرآنه ويسجد له داعيا وشاكرا ، قال الله {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ }[ المزمل : من الآية 20 ] .
لم يترك صلاة الليل أبدا .
وعند مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ . . . ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا ـ أي متهملا ومُرتلا ـ إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ . ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ . فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ "
وروى الشيخان من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ . قُلْنَا وَمَا هَمَمْتَ ؟ قَالَ هَمَمْتُ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
يقول بن حجر معلقا على هذا الحديث وقد كان بنُ مسعود ـ رضي الله عنه ـ قويا محافظا على الاقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وما همَّ بالعقود إلا بعد طولٍ ما اعتاد عليه .
وجاء من وصف صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيته ليلا : عن الْمُغِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟
يقضي ليله يناجي ربه ، وهذه بعض أقواله :
مناجاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه
وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ .
إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ .سُبْحَانَكَ .أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ . . . . أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ . . . وَلَا مَنْجَا وَلَا مَلْجَأَ إِلَّا إِلَيْكَ . . . . أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ .
خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ .لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ .لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ .قَوْلُكَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ .اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ لِي غَيْرُكَ .
اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ .
اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفرَ لي وترحمَني ، وإذا أردتَ فتنة قوم فتوفني غير مفتون ، وأسألك حُبَّك ، وحبَّ من يحبُّكَ ، وحب عمل يقربني إلى حبك .
وكان إذا آوى إلى فراشه يقول بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ " .
ينام ذاكرا ويستيقظ ذاكرا .
تقول أمُّ المؤمنين عائشةُ ـ رضي الله عنها ـ فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ . . . تبحث عنه بيدها ... تقول .. : فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ [ المصلى ] وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ .
منازلٌ كانت للصلاةِ وللتقى * * * وللصومِ والتطهيرِ والحسناتِ
ديارٌ عفاها جورُ كلِّ منابذٍ * * * ولمْ تعفُ للأيام والسنواتِ
إلى الله أشكو لوْعةُ عند ذكرهِمْ * * * سقتني بكأسِ الثكلِ والفظعاتِ
فما العدو إلا حاسدٌ ومكذبٌ * * * ومضغنٌ ذو إحنةٍ وتراتِ
فياربِّ زدني من يقيني بصيرةَ * * * وزدْ حٌبَّهم يا ربِّ في حسناتي
سأذكرهم ما حج لله راكبٌ * * * وما ناحَ قمريٌ على الشجراتِ
فينام ورأسه في حجرها ، تدبروا .هذا حال المُجهد الذي ما أن يستكينُ على الأرض حتى يغلبه النعاس وينام . وفي حجر زوجته يقرأ القرآن .
وكان حسن العشرة مع زوجاته يقول ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) . لا يفضل واحدة منهن على الأخرى في القسم ، ويطوف كل يوم عليهن يسأل عن أخبارهن ، ثم يبيت عند التي هو في نوبتها .
متواضعا حليما ، يرقع ثوبه ويخصف نعله ، بساما ضحاكا ، كما تصفه زوجته ، يقول صاحب الرحيق المختوم ، كان أشد الناس حياء وإغضاء ، وإذا كره شيئا عرف في وجهة . وكان لا يُثْبِتْ نظرُه في وجه أحد ، خافض الطرف . نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلُّ نظره الملاحظة، لا يشافه أحدا بما يكره حياء وكرم نفس، وكان لا يسمي رجلا بلغ عنه شيء يكرهه، بل يقول . ( ما بال أقوام يصنعون كذا ) . ، ولَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصفحُ .لا يضرب ولا يسب ، ولا يغضب إلا إن انتهكت حرمة من حرمات الله . ولا يعيب الطعام ... إن اشتهاه أكله وإلا تركه . يستيقظ من نومه جائعا فيسأل عن طعام فلا يجد فينوي الصيام إلى الليل .
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه فيما رواه أحمد : " خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ . لَا وَاللَّهِ مَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ وَلَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ لِمَ فَعَلْتَهُ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ أَلَّا فَعَلْتَهُ .
يقول هند بن أبي هالة ـ رضي الله عنه ـ : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت ) انتهى كلامه رضي الله عنه .
أقول : ليس هذا حال من يحب النساء ، فالأنوثة لا تظهر مع التقشف ، والعيش على التمر والماء بين جدران الطين . فمَن لا همَّ له إلا النساء لا يقضي شبابَه كلَّه مع إمرأة واحدة عجوز تكبره بخمسة عشرة سنة ، وقد تزوجت برجلين قبله وأنجبت أكثر من مرة . ليس هذا حال من يعشق النساء . من لا همَّ له إلا النساء لا يتزوج بإمرأة عجوز ثبطة ... ثبطة تعني ثقلية متينة . . بدينة .. تمشي كأنها مقيدة ، أم أولاد يبكون ويصيحون ليل نهار عند رأسه ...ذلكم سودة رضي الله عنها ، ثاني من تزوج الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ماتت خديجة رضي الله عنها وهي قد تجاوزت الستين من عمرها .. بل قاربت السبعين من عمرها ، ثم مكث رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعدها لا يفكر في الزواج حتى أشارت عليه إحداهن بأن يتزوج فهو أبٌ عنده بنين وبنات ، وتزوج من ؟
تزوج سودة رضي الله عنها ... إمرأة كبيرة .. بدينة .. بطيئة الحركة تمشي الهوين كأنها مقيدة .. أم أولاد ، وظلت معه وحدها ثلاث سنوات . أي حتى بلغ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سن الثلاثة والخمسين من عمره .
من لا همَّ له إلا النساء لا ينخلع من فراش أحب الناس إليه ويطيل السجود لله . يدعو ربه خوفا وطمعا . من لا همَّ له إلا النساء لا ينخلع من فراش أحب الناس إليه ويذهب للمقابر يزور الموتى ويدعوا لهم . من لا هم له إلا النساء .. لا يقوم من الليل حتى ترم قدماه أو ساقاه ، وقد آذنه ربه بالمغفرة على ما تقدم من ذنبه وما تأخر . ولا ذنب له وإنما هو الشعور بعظمة المعبود وتقصير العبد .
من الصعب جدا أن يقتنع عاقل بأن هذا حال شهوانيٍ يحب النساء ، أو ملكٍ ظلوم سفاك لا همَّ له إلا القتل .
إنها حالة من الوقار ، والسكينة ، والاتصال بالله عز وجل .
إنه قلب معلق بما عند ربه ، وجسم قد أنهكته علو الهمة وسمو الطلب .
كلمني أحدهم ـ من المسلمين ـ بكلام بطرس اللعين ، يقول كان النبي ـ شهوانيا ، وكان وكان ، فأجبته : أنت متزوج ؟ قال نعم ، فقلت كيف بالبيت حين يكون غرفة واحدة ويكون أبنائك كثيرون ومستيقظون ، بل كيف بالبيت إن كان به غير أبنائك .. يضج بالأبناء والضيوف ، وجداره بجدار المسجد ، هل تستطيع أن تأخذ فيه راحتك ؟ قال : أبدا . . أبدا .
قلت هذا حال النبي ، كان بيته كل واحدة من نسائه غرفة ضيقة .. من الطين ... سقفها بالجريد ، ملاصقة للمسجد .. إن أراد أن يسجد وكز زوجته لتوسع له مكانا للسجود ، وإن رفع يديه رفع سقف الغرفة ، وإن خرج من باب الغرفة وجد عددا من الأطفال من أبنائه وأحفاده .
بالله عليك : أهذا بيتٌ يستمتع فيه بالنساء ؟!
أهذا حال من يريد المتعة بالنساء ؟ !
أفي مثل هذا البيت تظهر الأنوثة وتنتعش ؟!
وتابعت : بطرس يكذب ، سله عن بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعن ليل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كيف كان يقضيه ، وعن مطعم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وملبسه ؟
إنه كذّاب لئيم .
فأجاب : حقا إنه كذّاب لئيم .
يبقى يجيش بصدر كثيرين ، ويتكلم به النصارى وكأنه كان شغل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
هذا الشيء هو ما ورد من أخبار صحيحة عن أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يواقع من تتزين له من زوجاته حتى ولو على فراش غيرها ، وهي قصة حدثت مرة ، كما جاء في سبب نزول الآيات الأول من سورة التحريم . وأنه صلى الله عليه وسلم ربما طاف على زوجاته في ليلة واحدة .
وكل هذا صحيح .
ولكنه أبدا لم يكن هذا هو السياق العام الذي كان يعيش فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمعنى لم يكن حاله أنه يطوف كل ليله على نسائه ، ولم يكن حاله أن يذهب يبحث عن المتجملة منهن ويواقعها . لم يكن هذا أبدا حاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ بل كان حاله كما قدمنا ، زاهدا في الدنيا ، متقشفا في عيشه ، يدعو ربه : اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا . اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين .كان حاله أنه لم يتزوج إلا امرأة واحدة عجوز في الأربعين من عمرها وقضى معها ربع قرن من الزمن لم يتزوج عليها ، وبدأ التعدد بعد البعثة بثلاثة عشر عاما أو يزيد ، وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد تجاوز الخمسين من عمره. وكل زواج كان بسبب . فكيف هذا ؟
حبُّ النساء فطرة خلقها الله في الرجال ، كل الرجال إلا المريض نفسيا أو بدنيا ، وهو شاذ لا يقاس عليه . ومعاشرة النساء لها ارتباط قوي برباطة الجأش . . . الشجاعة ، فالضعيف الذي يهتم لأي مشكلة لا يستطيع أن يذهب لأهله ، كلما جاءته مصيبة أو لاحت في الأفق ذهبت بعقله وبات ليلتَه يفكر فيما كان وفيما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، ويذهل عن أهله وإن كانت متجملة متزينة ، أما صاحب الشجاعة والبأس ، فلا تأخذه المشاكل ، وحين يرى امرأتَه متزينة تذهب كل الهموم ، فهي صغيرة في حسه مهما كبرت ، ويجتمع عليه شمله ، ومن ثمَّ ينتفع به أهله .وهذه النوعية من الرجال ورسولنا سيدهم تكون حسنة العشرة في الغالب . لماذا ؟
لأن من هذا حاله يستعلي على مشاكل البيت الصغيرة التي تثيرها المرأة . يستعلي على عدد من النقود تنفق هنا أو هناك . ولا يتقصى صغار الأمور . وكما قيل : ما استقصى كريمٌ قط .
وقد رأينا خالدا مثلا يتزوج حيث ينتصر ، وقد قال له أبو بكر مرة حين تزوج من بني حنيفة بعد أن هزمهم وقتل رجالهم : أنت امرؤ فارغ القلب . يتزوج ممن هزمهم ، ولا بد أن عروسه هذه قُتل أبوها أو أخوها . يتزوج ولا يلتفت لهذا كله . يتزوج وهو في دار عدوه لم يرحل بعد . وهذا حال أرباب الحزم والعزم والشجاعة من يوم كانوا ، وسل تعلم .
أما مريض القلب ... الضعيف ، فهو كالطفل تأخذه النظرة كل مأخذ ، وإن ضحكت له امرأة أجلسته عن كل شيء وأخذت بخواطره . وأقامت عنده الخاطرات ولم ترحل .
حال الضعيف أنه لا يذهب لأهله إلا في أوقات محددة ويستعين على ذلك بالدواء ، ويجلس يخطط لذلك أياما . وغالبُ من هذا حاله يكون أمره بيد أهله . فإن غضبت عليه أركبت الهمومَ على ظهره وساقته حيث شاءت . وإن رضيت عنه وتدللت سحبته حيث شاءت ، وأولئك ليسوا من خيار الرجال .ومن هذا حاله ، مع حبه للنساء وأنه لو استطاع لتزوج كل يوم ، تجده مع هذا يتعجب ويتساءل : كيف يجمع الرجل بين امرأتين فضلا عن ثلاث أو أربع أو تسع . كيف يجمع بينهم مع هموم الوظيفة والحياة ؛ يقول لك ، واحدة وتفعل بي كذا وكذا ، فما بال ذي التسعة ؟!
يتعجب . والعجب من حاله هو .
نقول له : لأصحاب العزائم حديث آخر .
حلف البخيل ليأتين بمثله ** * حنثت يمينك يا بخيلُ فكفرِ
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
لهذا قتلهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .( رؤية في تشريع الجهاد )
في هذا المبحث :
ـ الناس فريقان ( ملأ ) و ( عامة ) .
ـ وهذا حالهم فما العمل معهم . ؟
ـ الجهاد في الإسلام وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله ؟
ـ هل نقتل النساء ؟
ـ الرق في الإسلام .
ـ الجزية في الإسلام .
الناس فريقان ، عامة وخاصة ، أو ملأ ( أشراف وسادة ) ومستضعفون ( عامة الناس ) ، أو ( متبوعين ) و ( أتباع ) ، أو ( مستكبرين ) و ( مستضعفين ) كما يسميهم القرآن . أو ( الكَذَبَة ) و ( الغافلين ) كما ينطق لسان الحال ، المجتمع الكافر يتركب من هاذين الفصيلين من خلق الله .
من هم الملأ ؟ ومن هم المستضعفون ؟ ولم هؤلاء غافلون وأولئك كاذبون ؟ وما علاقة ذلك بالرد على بطرس ؟
أولا : من هم الملأ ؟
الملأ في اللغة هم الأشراف من الناس كأنهم ممتلئون شرفا . قال الزجاج سمّوا بذلك لأنهم ممتلئون مما يحتاجون إليه . والملأ أيضا حسن الخلق ومنه الحديث ( أحسنوا الملأ فكلكم سيَرْوى ) خرَّجَهُ مسلم ) .
والشرع خصص المعنى وجعله دِلالة على نوعية معينة من أشراف القوم وسادتهم وهم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ، من جحدوا أو عندوا ظلما وعلوا . الذين يتولون الدفاع عن الجاهلية ضد الإسلام وأهله ، وفي التنزيل : ( قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) ( الأعراف :60 ) ، ( قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) ( الأعراف : 66 ) ، ( وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ) ( ص : 6 ) وهؤلاء قريش مَن بُعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال عن قتلى المشركين يوم بدر ( أبو جهل ، وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة .. ) ( أولئك الملأ ) .
هذا الصنف من الناس يعرف الحق جيدا ثم يقلب الحقائق للناس ، يبذل قصارى جَهده ليصد الناس عن دين الله . وهذه بعض المشاهد تصف حالهم .
المشهد الأول :
الوليد بن المغيرة يسمع القرآن ويصفهُ بأحسن الأوصاف ، إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه .
يقول هذا في نادي قومِه ، ويحسب القوم أن الوليدَ أسلم ، فمن قبله عدا عمرُ بنُ الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ليقتله وعاد من عنده مسلما .
ولكن الوليد لم يسلم .
ماذا حدث ؟
لمَ يقول الوليد هذا الكلام ؟!
الحج قد قرب ، وستأتي العربُ إلى مكة ويسمعون لكلام محمدٍ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذي هذا وصفه ، فاتفقوا على قولةٍ واحدةٍ تقولوها في محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا تختلفوا فيظهر كذبِكم . هذا قوله .
جلس هو وأمثالُه من المعاندين المستكبرين الحاقدين على الإسلام والمسلمين ... جلسوا يلفقون تهمة ًللإسلام ولنبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ . . جلسوا يتشاورون .. يتفقون على كذبه يضحكون بها على عوام الناس . ويعرضون آرائهم والوليد كبيرهم في مجلسهم . .. وهو كبير قريش كلِّها يومها ، نقول ساحر .. نقول شاعر .. نقول كاهن .. نقول كاذب .. والوليد لا يجد الوصف مناسباً فيردُه . ويُسند إليه الأمر : قُل أنت يا أبا عبد شمس نسمع .
ويصمت الوليد .. يجولُ بفكره .. يحاول أن يجد نقيصة في الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو في منهجه ، [ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ]( المدثر : 18-23 ) .
يحاول . . ويحاول .. وأنّى له ؟ ! فالرجل هو الصادق الأمين ، ومنهجه هو هو الذي وصفه منذ قليل بأن له حلاوة وعليه طلاوة ...الخ .
ويعجز الوليد عن أن يأتي بنقيصة في محمد أو في دينه ، ويعود إلى بعض آرائهم التي قالوها هُم وردها هو من قبل ، يقول : قولوا ساحر ، ثم يُدَلل على قوله وهو كاذب عند نفسه وعند من يسمعونه : ألا ترون أنه يفرق بين الرجل وزوجه ، والابن وأبيه ( فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ البَشَرِ ) ( المدثر : 24-25 ) .
ما ذا يحدث في هذا المجلس ؟
الوليد مقتنعٌ بالقرآن ، وكذا رفقائهُ ، ويجلس هو وهم يلفقون كذبه للرسول وللقرآن كي يصدوا بها عوام الناس عن الدين الإسلامي .
إنهم الملأ .. يعرفون وينكرون .
المشهد الثاني
يقسم الملأ من قريش أن ما يأتي به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو من عند الغلام الأعجمي الذين يبيع ويشتري عند الصفا ، ثم يُجاء بهذا الغلام فإذا به أعجمي لا يتكلم العربية
( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) ( النحل : 103 ) .
والسؤال : هؤلاء القوم وهم يقسمون على أن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأتي بالوحي من عند هذا الغلام أليسوا كانوا كاذبين عند أنفسهم ؟
بالطبع . هم كانوا كاذبين عند أنفسهم ، ولكنهم فقط يبحثون عن حجة يطفئون بها نور الله ، والله متم نوره ولو كره الكافرون .
إنهم الملأ لا همَّ لهم إلا محاربة الدعوة .
المشهد الثالث :
حاول أبو جهل أن يغتال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ساجد في المسجد الحرام ، فلما أحبط الله كيده ، ورده بغيظه لم ينل خيرا ، فاءَ إلى نفرٍ من سادات قريش كانوا قد وقفوا قريبا منه كي يمنعوه من بني هاشم بعد اغتيال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان بين هؤلاء النفر النضر بن الحارث ، وقف يخاطبهم قائلا : يا معشر قريش ، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم وقلتم كاهن لا والله ما هو بكاهن قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم وقلتم شاعر لا والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها : هزجه ورجزه وقلتم مجنون لا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه يا معشر قريش ، فانظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم .
فها هم أولاء وقد اجتمعوا على قتله يقرون بأنه ليس شاعرا ولا كاهنا .. ولا أيا شيء مما يرمونه به . فلم يعادونه إذا ؟
إنهم الملأ يعرفون وينكرون .
المشهد الرابع :
يدخل الملأ من قريش على أبي طالب وهو في مرضه الذي مات فيه ، وينادونه خذ لنا من ابن أخيك وخذ لابن أخيك منا حتى لا تسمع بنا العرب . ويعرضون المال ، والسلطان ، والطب ، وكل ما بأيديهم وما يستطيعونه .ويرفض النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، ثم يخرجون للناس يكلمونهم بعكس ما رأوه وسمعوه من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وفي هذا نزلت الآيات الأُول من سورة ( ص ) ، قال الله : ( وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ . أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ . وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ . مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ . أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ) ( ص : 4ـ8 )
هذه الآيات تسرد التقرير الذي قدّمه الملأ لعامة الناس بعد المفاوضات مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دار أبي طالب حين حضرته الوفاة ، ويرسم الخيالُ مشهدا . كأن ـ من يتكلم من الملأ ـ يقف على عتبة الدار يصرخ بأعلى صوته ... وكانوا جمعا .. دخل الملأ على أبي طالب يفاوضونه وبقي عامة الناس خارج البيت ينتظرون ما تؤول إليه المفاوضات . . خرج الملأ يستنفرون الناس بالصوت العالي ، وكثيرون لا يتدبرون الخطاب وإنما يسيرون مع الجلبة والصياح ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) ... خرج يصرخ في الناس متعجبا يدلل على باطله بتعجبه : أجعل الآلهة إلها واحدا ؟!
وما العجب في هذا ... بل العجب كل العجب أن جعلتم الله الذي خلقكم ورزقكم وأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم يجمع ليوم الجمع لا ريب فيه فإلى جنة أو نار .. آلهةً أخرى .
وثانية يصرخ متعجا يدلل على باطله وهو كاذب عند نفسه : أأنزل عليه الذكر من بيننا ؟!... وما العجب في هذا . .. ولو كان غيرُه ما تغير القول ...
ثم يصرخ ثالثة يدلل على باطله وهو كاذب عند نفسه ـ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ؟
وهل أتاكم من نذير من قبله ، وهل نزل فيكم كتابا من قبل وكنتم تقرءونه ؟!
ويصرخ رابعة يدلل على باطله وهو كاذبٌ عند نفسه يقلب الحقائق ويتكلم بغير ما رأى من النبي ـ صلى الله عليه وسلم داخل الدار: إن هذا لشيء يراد . أي يريد به محمدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا ... مالا أو سلطانا ... يكذب على القوم ، يكذب وهو يعلم أنه يكذب فقط ليضل قومه . النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتوه رفض كل هذا .. عرضوا عليه المال والسلطان وكل ما بأيديهم وما يستطيعونه ورفض رفضا قاطعا ، وهذا المتكلم سمع كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتوه ثم يخرج للناس يكذب عليهم .
إنهم ( الملأ ) لا همَّ لهم إلا صدِّ الناس عند دين الله .
و ( الملأ ) موجودون منذ ظهر الشرك في عهدِ نوحٍ ـ عليه السلام ـ . وفي عجالة أعرض على حضراتكم حال الملأ في القرون الأولى ، وغرضي بيان كيف أنهم يعرفون الحق وهم له منكرون .
قوم نوح يجادلون نبيهم عليه السلام فيدحض حجتهم . حتى لا يبقى لهم ما يدافعون به عن باطلهم .الطبيعي بعد هذا هو الإيمان . أليس كذلك ؟
ولكن انظر إلى كلامهم ما أعجبه ( قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) ( هود : 32 ) .جودلوا ودحضت حجتُهم ، ولم يؤمنوا ، العذاب ولا الإيمان ، والعياذ بالله .
وقومُ عاد ينادون نبيهم هوداً - عليه السلام - : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) ( الأعراف : 70 )
يفهمون الرجل ، ولا يكون ذلك إلا بإظهار الحجج والبراهين ، ثم انظر إلى موقفهم بعد هذا البيان ، وكيف أنه يطابق موقف من كان قبلهم . ( فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) أما أن يؤمنوا فلا .يرفضون الإيمان ، ويستعجلون العذاب . نعوذ بالله .
وقومُ ثمود يطلبون الآية فتأتيهم ، ثم ماذا ؟ هل آمنوا ؟ أبداً لا بل عقروا الناقة وقالوا قولة مَن قبلهم ( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ المُرْسَلِينَ ) ( الأعراف : 77 ) .
وقوم لوط ( وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ )( الأعراف : 82 )
لِمَ يا قوم ؟ [ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ]( الأعراف : 82 ) . ألهذا ؟ ! ! .
والقائلون بقول قوم لوط اليوم كثر . لا كثرهم الله .
وقومُ خليل الله إبراهيم - عليه السلام - : ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( العنكبوت : 24 ) .
وإن تعجب فمن أهل مدين قومِ شعيب - عليه السلام - نبي الله شعيب عليه السلام يبلِّغ رسالة ربه فيؤمن بعضهم ، ويكفر بعضهم ، ويأخذ الرجل بمبدأ المسالمة : ( وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ) ( الأعراف : 87 ) ، أفي هذا عيْب ؟ ينادي بحرية الاعتقاد ولم يرفع سلاحا ولم يعلن جهادا .
ولكن انظر ما ردّ الملأ :
( قَالَ المَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ) ( الأعراف : 88 ) .
الموقف من الدعوة ورجالها هو هو ، نفس المنطق يتكرر ، ولا يكاد يتغير ، يعرفون الحق ويستيقنون منه تماماً ثم لا يتبعونه .
وليت الأمر يبقي على هذا فالبلية به ـ على عظمه ـ خفيفة ، بل يقلبون الحقائق لقومهم ، يكذبون على من ورائهم .و يعلنون أنه لا هوادة ، ولا مقام مع الحق وأهله .
هذا هو منطق الملأ في كل مكان وزمان ، وفي سورة إبراهيم دليل يقطع بذلك ، في أول السورة تنقل الآيات نبأ الذين من قبلهم ـ من قبل قريش وكفار هذه الأمة ـ قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ، فلم تبق منهم أحدا ، تنقل حالهم مع رسلهم وكأنهم نفر واحد في كل الأزمنة والأمكنة ، ثم تنقل الآيات على لسان الكافرين جميعا قولة واحدة ، يقول الله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ) ( إبراهيم :من 13 ) مفاصلة تامة .
وقد قال الله عنهم في موضع آخر : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) ( الأنعام : 123)
المسألة الثانية : لماذا يكره هؤلاء الدعوة ؟
قضية الملأ هي السلطة لمن ؟
لهم بقوانينهم وأعرافهم ؟ أم لله في شكل شريعته التي يطالب بها النبي والمصلحون ؟
هذه هي قضيتهم الأولى ، ولذا هم لا يقبلون الدعوة أبدا لأنها تنزع من أيديهم السلطة ، وهذا بيِّن جدا في مواقفهم ضد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وضد أنبياء الله كلهم .وهذه بعض المشاهد كشواهد .
المشهد الأول :
في كتب السير أن عتبة بن ربيعة قال : ( يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ـ وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون ـ فقالوا : بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السِطَة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني حتى أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا الوليد اسمع قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة وررسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال له النبي صلى الله عليه وسلم : أفرغت يا أبا الوليد ؟ قال نعم قال فاسمع مني قال أفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم " حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها فلما سمع بها عتبة أنصت لها وألقى بيديه خلفه - أو خلف ظهره - معتمدا عليهما ليسمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجدها ثم قال سمعت يا أبا الوليد ؟ قال سمعت قال فأنت وذاك ثم قام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلسوا إليه قالوا ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال ورائي أني والله قد سمعت قولا ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا الكهانة يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم ) انتهت الرواية .
التعليق : القضية التي تشغل عتبة ليست الإيمان بالله وإنما الظهور والغلبة .. السيادة يقول : ( فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به ) .
المشهد الثاني :
تروي كتب السير ( أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع منه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقالوا : لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد فقال : يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها فقال الأخنس وأنا والذي حلفت به ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال : يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال: ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نسمع به أبدا ولا نصدقه فقام عنه الأخنس بن شريق ) أ . هـ
التعليق : المشكلة عن أبي جهل هي لمن تكون السيادة والشرف . ( تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نسمع به أبدا ولا نصدقه ) .والمشهد القادم يؤكد هذا الاستنباط .
المشهد الثالث :
في كتب السير أن المغيرة بن شعبة قال : ( إن أول يوم عرفت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أني كنت أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي جهل يا أبا الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله أدعوك إلى الله فقال أبو جهل يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا ؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت ؟ فنحن نشهد أن قد بلغت فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك فانصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأقبل علي فقال والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكن يمنعني شيء إن بني قصي قالوا : فينا الحجابة فقلنا نعم ثم قالوا فينا السقاية فقلنا نعم ثم قالوا فينا الندوة فقلنا نعم ثم قالوا فينا اللواء فقلنا نعم ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا منا نبي والله لا أفعل ) .
قضية الشرف والزعامة هي التي تعنيه ، وهي التي تمنعه من إتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ، ولا حظ أنه يكذب ، ولا يستحي من ذلك ، وسأعود إلى هذه بعد ذلك إن شاء الله ونحن نتكلم عن مكر الملأ .
المشهد الرابع :
تحدث الوليد بن المغيرة يوما وهو بين أصحابه قائلا : ( أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف ، ونحن عظيما القريتين فأنزل الله تعالى فيه فيما بلغني : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ . أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ الزخرف: 31 ـ 32} ،وهذا المشهد أيضا يشهد على أن قضية الملأ الأولى هي الزعامة
المشهد الخامس :
في البداية والنهاية لابن كثير ج3/65 أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أبى جهل وأبى سفيان، وهما جالسان، فقال أبو جهل: هذا نبيكم يا بني عبد شمس.قال أبو سفيان: وتعجب أن يكون منا نبي ! فالنبي يكون فيمن أقل منا وأذل. فقال أبو جهل: أعجب أن يخرج غلام من بين شيوخ نبيا !.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، فأتاهما فقال: " أما أنت يا أبا سفيان، فما لله ورسوله غضبت ولكنك حميت للأصل. وأما أنت يا أبا الحكم، فو الله لتضحكن قليلا ولتبكين كثيرا " .فقال( أبو جهل ) : بئسما تعدني يا ابن أخي من نبوتك.
التعليق : أبو جهل ينسب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبني عبد شمس ، ويعجب أن يكون النبي ( المتبوع ) ( الآمر الناهي ) غلام من بين الشيوخ ، وما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاص ببني عبد شمس ، ولكن أبا جهل قد علته العصبية القبلية وهو يجاري بني عبد شمس كلهم كما صرح بذلك في مواقف أخرى ، وأبو جهل يعجب أن يكون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غلاما ،وما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غلاما ،كان قد تجاوز الأربعين من عمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكن أبا جهل حقد عليه إذ لم تكن له الرياسة فراح يرمي بحجة . . أي حجة .
ولاحظ أن أسلوب التصغير المنطوي على الكبر في قول أبي جهل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( يا ابن أخي ) علما بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان من عمر أبو جهل
المشهد السادس :
مسيلمة الكذاب حين وفد على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل يتكلم في رحله بين قومه قائلا : إن جعل لي محمدٌ ( صلى الله عليه وسلم ) الأمر من بعده تبعته، وكتب بعد ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول له إن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم لا يعدلون .
التعليق : مسيلمة من ( الملأ ) ؛ ( سيد ) من ( سادات ) بني حنيفة ، كل ما يعنيه أن تكون له الإمارة على الناس .. أن يكون هو صاحب الأمر والنهي .( إن جعل لي محمدٌ ( صلى الله عليه وسلم ) الأمر من بعده تبعته ) .
المشهد السابع :
بعد أن كتب الله الغلبة لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفتح مكة وتوافدت عليه العرب تعلن إسلامها ، شكّل نصارى نجران وفدا من ستين رجلا ، ولما ( وجهوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من نجران جلس أبو حارثة ـ أُسقفهم وحَبْرُهُم الأول ـ على بغلة له موجها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلى جنبه أخ له يقال له كُرز بن علقمة يسايره إذ عثرت بغلة أبي حارثة فقال له كُرز تعس الأبعد يريد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فقال له أبو حارثة : بل أنت تعست .
فقال كُرز : ولم يا أخي ؟
فقال أبو حارثة : والله إنه النبي الأمي الذي كنا ننتظره .
فقال له كرز : فما يمنعك من اتباعه وأنت تعلم هذا ؟
فقال أبو حارثة : ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبوا إلا خلافه ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى .فأضمر عليها منه أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك .
القضية عند أبي حارثة هي الشرف وما فيه من نعيم الدنيا . وأبو الحارثة هذا راح يجادل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويكذبه في دعوى النبوة ، جادل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واشتد في جداله حتى قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( وددت لو أن بيني وبين أهل نجران حجابا فلا أروهم ولا يروني ) من شدة ما كانوا يمارون النبي صلى الله عليه وسلم . يجادل وكأنه صاحب حق ، يجادل وهو يعلم أنه كاذب ، يجادل عن باطل . يجادل كي يبقى على ما فيه من نعيم الدنيا .إنه الحرص على الشرف . همُّ الملأ الأول .
المشهد السابع :
المقوقس ملك مصر قال لحاطب بن بلتعة ـ رضي الله عنه ـ : ( إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب فيه ، ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى ، وسأنظر ) .
وأخذ كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه وقد علمت أن نبيا بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم وبكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام عليك ) .
وكان تحليل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحال الموقوقس هو ( ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه)
ذاتُ القضية .. المُلك .. السيادة .
المشهد الثامن:
هرقل عظيم الروم كان ممن لهم علم بالكتاب ، وكان يعلم أنه قد بقي نبي ، وأنه يخرج في هذا الزمان ، وحين وصله كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ راح يسأل ويستخبر حتى استيقن أنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال لأبي سفيان : ( إن يك ما تقول فيه حقا فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أك أظنه منكم ولو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي ) وحاول بالفعل أن يدعو قومه للإسلام ، فدعاهم وغلّق عليهم الأبواب ثم ناداهم : ( يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال ردوهم علي وقال إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه ) وحين رأى نفرتهم ( لَحَسَ ) قوله وضنَّ بملكه ، وكفر بما قد علم . فلعنة الله على الكافرين .
المشهد التاسع :
القائمون على أمر النصارى عموما ، وزكريا بطرس خصوصا من هؤلاء الذين يعرفون الحق وهم له منكرون ، ويستدل على ذلك بكذبه على قومه ، لماذا يكذب ؟ هل اشتبه عليه الأمر ؟ وإن كان ـ وهو بعيد جدا ـ فلم لا يرجع بعد أن بينا له ؟! إنه كالملأ الذين لا همَّ لهم إلا محاربة الدين . إنه كغيره ممن قال الله فيهم : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً }[ الفرقان : 31]
وأخيرا فيما يتعلق بهذه المشاهد :
بتتبع حال الملأ مع الأنبياء عليهم السلام ، تجد أن قضية الملأ واحدة لم تتغير ، فرعون وقومه :
{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ . إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ . فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } [ المؤمنون : 45 ـ 47]
القضية عند فرعون وقومه هي لمن يكون السلطان في الأرض ؟ لهما أم لبني إسرائيل ؟
يدل على هذا ما جاء في سورة يونس على لسان فرعون : { قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ }[ يونس : 78] فالكبرياء هنا تعني السلطان .
وقوم نوح { قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ }[ الشعراء : 111] والمعنى كما يقول القرطبي في تفسير الآية : ( أَنُؤْمِنُ لَك نَحْنُ وَأَتْبَاعك الْأَرْذَلُونَ فَنُعَدّ مِنْهُمْ ) ولم يكن أتباع نوح عليه السلام من الأرذلين ، وإنما هم الملأ يلقون بأي حجة كي لا يتبعون .
يقول القرطبي ـ رحمه الله ـ معللا عدم اتباع الأشراف للرسل ( قلت : الأراذل هنا هم الفقراء والضعفاء ; كما قال هرقل لأبي سفيان : أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فقال : بل ضعفاؤهم ; فقال : هم أتباع الرسل . قال علماؤنا : إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف , وصعوبة الانفكاك عنها , والأنفة من الانقياد للغير ; والفقير خلي عن تلك الموانع , فهو سريع إلى الإجابة والانقياد . وهذا غالب أحوال أهل الدنيا )
وفي جملة واحدة يقول بن كثير : ( وَالْغَالِب عَلَى الْأَشْرَاف وَالْكُبَرَاء مُخَالَفَته كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك فِي قَرْيَة مِنْ نَذِير إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُقْتَدُونَ") .و ( مترفوها ) رُؤَسَاؤُهُمْ وَأَشْرَافهمْ . . قَادَتهمْ وَرُءُوسهمْ فِي الشِّرْك .
?المسألة الثالثة : كيف يحارب هؤلاء الدعوة ؟
مما مضى تبين لنا أن الملأ هم حراس النظام ، أو هم المستفيدين من الوضع القائم قبل مجيء الدعوة الإسلامية ، وأن قضيتهم الأولى هي أن تبقى لهم السيادة .. الأمر والنهي .. الطاعة من الناس ، ولذا تجد أن الثابت عند الملأ هو الحفاظ على واقعهم .. نظامهم .. سلطانهم .. وما عدا ذلك متغير يتم تحريكه وإقصائه إن أثَّرَ سلبا على نظامهم ،فهم يستعملون كل ما بأيديهم للحفاظ على واقعهم . . نظامهم ، ولا يثورون إلا على من يسعى لتغيير واقعهم ، ولعل النقطة التالية تبين الأمر :
? حال الجاهلية مع الطيبين :
كانت الجاهلية تحب الحبيب محمدا ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ؛ تحبه وهو لا يعكف على أصنامهم ، ولا يشهد مشاهدهم ، ولا يستقسم بأزلامهم . . . تحبه وهو يفيض في الحج من عرفة لا المزدلفة مثلهم ، تحبه وهو يتعبد الليالي ذوات العدد في غار حراء . و حين قال لهم " إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . " قولوا لا إله إلى الله تفلحوا " سَبُّوه وآذوه وفي الشِّعْبِ حاصروه ، ثم أخرجوه وقاتلوه .
و( ورقة بن نوفل ) ، ونفر آخر من الحنفاء كانوا بين ظهرانيهم يتكلمون بأنهم مخطئون لا يتبعون حقا ، ولم يتعرضوا لهم بشيء اللهم ( زيد بن عمرو بن نفيل ) حين أخذ يأمرهم وينهاهم وكلوا به عمه ـ وأخيه لأمه ـ الخطاب بن نفيل ( أبو عمر رضي الله عنه ) فحبسه في إحدى الشعاب كي يكف ( أذاه ) عن قريش
وصالح عليه السلام يناديه قومُه (قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا ) (هود : 62 ) ومعلوم أن صالحا ـ عليه السلام ــ لم يكن مرجوا لمشاكلته قومه وإنما لحسن سيرته بينهم . . . أحبو صدقه وأمانته وحسن فعاله ، وحين تكلم بالرسالة راح رجاءهم وجاء تهديدهم وتكذيبهم .{ َذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ . فَقَالُوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ . أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ }[ القمر : 23 ـ 25] .
وموسى عليه السلام تربى في قصر فرعون ، وبالطبع لم يكن على دين فرعون ، وما آذاه فرعون ولا سعي في قتله حتى تكلم بالرسالة فكان ما كان .
وهذا حال الأنبياء جميعهم ، فالصحيح عند أهل العلم أن العصمة ثابتة لأنبياء الله قبل وبعد البعثة النبوية . ومع ذلك لم تبدأ العداوة بين نبي وقومه إلا بعد أن بدأ يتحرك لتغير واقع الجاهلية.
فالجاهلية ما كانت تعبأ بشخص صالح ، وإنما بشخصٍ مُصلح . بل هي تفرح بالصالحين المنشغلين بأنفسهم . . . تنظر إليهم بعين الاحترام والتوقير ... ترجوهم وتخلع عليهم أرفع الألقاب ــ الصدق والأمانة مثلا ــ أما حين يتحركون لتغير الأوضاع في المجتمع حينها تشتد الجاهلية وتتنكر لكل معروف عندها قبل غيرها . وتبذل كل جهدها في الحفاظ على مجتمعها .
فرعون ينادي في قومه " (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر : 26 ) . والدين هو الحال ُ التي يكون عليها القوم ، يقول بن كثير في تفسير الآية : ( يَخْشَى فِرْعَوْنُ أَنْ يُضِلّ مُوسَى النَّاس وَيُغَيِّرَ رُسُومَهُمْ وَعَادَاتهمْ ) .
فأخشى ما يخشاه فرعون هو أن تتغير عادات القوم وتقاليدهم .
وتدبر هذا الموقف من قوم نبي الله لوط ـ عليه السلام ـ حين أراد أن يغير مجتمعهم القذر أنظر بما أجابوه قال الله تعالى :{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ . أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ . فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [ النمل : 54ــ 56 ]
ونبي الله شعيب لم يحمل سلاحا ولم يعلن جهادا على الكفر وأهله بل أخذ بمبدأ المسالمة والتغيير بالكلمة " وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وطائفة لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } [ الأعراف : 87 ] .
ولكن الجاهلية لا تطيق كل محاولات التغيير حتى التي لا تتبنى مبدأ القتال سبيلا للتغير : { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ...} [ الأعراف : 88 ] .
فمنطق الجاهلية مع كل الحركات الإصلاحية الجادة : " لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا " هذا هو قول جميعهم كما يحكيه ربنا تبارك وتعالى على لسان كل الجاهليات من يوم كانوا إلى حين نزول القرآن : " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ... ) [ إبراهيم : 13] .
هذا هو منطقهم جميعهم ـ قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ـ كما نصت الآية السابقة لهذه الآية . . . لم تستثن الآية أحدا .
أردت أن أقول :
ـ إن الجاهلية مجتمع ذو عادات وسلوك ، يقوم عليه نفر من الناس .. من يسميهم القرآن الكريم بـ ( الملأ ) ، وهي تحافظ على مجتمعها وسلوكها ضد كل محاولات التغيير . وهي تتنكر لكل الأعراف والقوانين التي سنتها هي لتسير عليها حين ترى في الأفق بشائر التغيير . وفي هذا إشارة واضحة إلى أنه لا بد من المواجهة بين الجاهلية وكل حركات التغيير الجادة ، وأن ( القنوات الشرعية ) ضيقة مسدودة لا يمكن الوصول منها إلى المجتمع الصالح الذي يريده الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ فالجاهلية تقف غير بعيد تخاطب السائرين في ( القنوات الشرعية ) وغير ( الشرعية ) بما قالته كل الجاهليات من قبل " لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا " وحينها إما أن تسييس حركات ( الدعوة السلمية ) التي تسيير في قنوات الجاهلية الشرعية وبالتالي تسلك السبل التي تضلها عن الصراط المستقيم فتتبنى خطابا مَدَنِيّا ، وتراعي حق ( الآخر ) الذي لا يرضى أبدا أن يكون مواطنا من ( الدرجة الثانية ) كما أمر الله ورسوله ، والذي يطالب بمساحة واسعة من حرية إقامة الكنائس و ( التبشير ) بكفره بين أظهر المسلمين . وإما أن تتصادم مع الجاهلية وتقف في وجهها .
هذا هو ما يقوله تاريخ الصراع بين الحق والباطل منذ تحرك ركب الإيمان ... من نوح إلى محمد عليهما الصلاة والسلام .
والحال اليوم هو هو بأم عينه ، فالصالح في نفسه الذي أغلق عليه باب داره ، وترك مال كسرى لكسرى ومال لله لله ، تحمله الجاهلية على رأسها . و ( المشاكس ) الذي لا تتعدى مشاكسته ( القنوات الشرعية ) تتفهم الجاهلية أحواله ولا تصطدم معه إلا حين يخرج من ( القنوات الشرعية ) كما كان الحال مع الحنفاء ( ورقة بن نوفل ، وعبيد الله بن جحش ، وعثمان بن الحويرث ) ، وفقط يكون صدامها معه من أجل ضبطه وحمله على عدم الخروج من ( القنوات الشرعية ) .
بل أحيانا ـ وتدبر معي ـ تكون هذه النوعية من الصالحين في أنفسهم التاركين لغيرهم نوع من الدعامات أو قل من الحُلِي التي تتزين بها الجاهلية ، فهي أحيانا تدعي التسامح والحرية ومراعاة شعور ( الآخر ) وتستدل على ذلك بوجود هذا النوع من الطيبين بين أظهرها .
? يعود السؤال : كيف يحارب الملأ الدعوة ؟
الملأ يستخدمون كل وسيلة للحفاظ على واقعهم ( نظامهم ) ، ولا يتحركون ضد أحد إلا حين يتهدد نظامهم ، وهم يستعملون كل وسيلة لذلك . ويمكن إجمال الطرق التي يستعملها الملأ في محاربة الدعوة في محورين أساسيين :
المحور الأول : محور خاص بالمخالفين ( أتباع الدين الجديد ) الخارجين على نظامهم .وفي هذا المحور وسيلتين يستعملهما الملأ :
i. محور أمني ( التخويف ) .
ii. ومحور اقتصادي . ( التجويع ) .
iii. التشهير بأهل الحق وإلحاق النقائص بهم ، وهذا يشترك مع ما بعده .
iv. مجادلة بالباطل .. طرح شبهات وتساؤلات حول المذهب الجديد .
المحور الثاني : محور خاص بمن لم يتبعوا الدين الجديد ، مَن لا زالوا على كفرهم . . ( مذهبهم ) . . ( تحت نظامهم ) يأتمرون بأمرهم .
ويأتي على رأس هذه الوسائل ( المكر ) ( الكيد ) ( تزين الباطل ) للأتباع ، وباقي الوسائل المستعملة هناك مع المخالفين حاضرة ، إذْ أنها قائمة لكل من خالف أمرهم ، وخرج على سلطانهم .
أولا : المحور الأول الخاص بمن تمردوا على الملأ ورفضوا سلطانهم ، يستعملون ضدهم التجويع ( الحصار الاقتصادي ) و التخويف ( التهديد الأمني ) و ( التشهير ) بهم وإلصاق النقيصة بشخصهم إن كانوا شرفاء أصحاب جاه بين الناس ، ويقيني بأن الشواهد على هذا حاضرة في ذهن كل من يقرأ كلامي هذا ، فهذا الأمر هو الذي يلحظه كل أحد يقرأ السيرة النبوية ، وهذا هو الذي يتكلم عنه كل من أراد أن يتكلم عن الفترة المكية في البعثة المحمدية ، وأستحضر بعض الشواهد المجملة من باب التذكير .
خير شاهد على هذا قَوْلَةَ أبي جهل التي يرويها ابن هشام وغيره ، أن أبا جهل كان ( إذا سمع بالرجل قد أسلم ، له شرف ومنعة أَنّبَهُ وأخزاه وقال له تركت دين أبيك وهو خير منك ، لنسفهن حلمك ، وَلَنُفَيّلَنّ رأيك ، ولنضعنَّ شرفك ؛ وإن كان تاجرا قال والله لنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك ؛ وإن كان ضعيفا ضربه وأغرى به ) .
وعَقَدَ ابنُ هشام فصلا أسماه ( ذِكْرُ عُدْوَانِ المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة ) وقال تحته : ( ثم إنهم عَدَوْا على من أسلم ، واتبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أصحابه فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر ) أ . هـ .
ومشهور ومعلوم في السيرة النبوية أن المشركين كانوا يسخرون من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتصنعون ذلك { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً }[ الفرقان :41] ، ومن أتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولون تبعه العبيد والفقراء وغير ذلك ، وهو دأبهم في كل زمان ومكان {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ }[ الشعراء:111]
ونلاحظُ في تعاملِ الجاهليةِ مع الدعوةِ هو أن الأسلوبَ كان يتصاعدُ مع نمو الدعوةِ ، فقد كان الأمرُ في بدايتهِ إإهمالا .. لم يتلفتوا إليه وهو يتحنث الليالي ذوات العدد في الغار ، ولا حين بدأت الدعوة سرية ، ثم حين جاهرهم كان الرد كلاما ، ومحاولةً للوصولِ إلى حلٍ وسطٍ ، ، وكانوا يراعونَ الأعرافَ القبليةَ ، ثم حين لم يُغنِ هذا طوَّرت الجاهليةُ أساليبها وتنكرتْ لأعرافها ، وعذبت أبنائها بل وقاتلتْهم وقتلتهم ، وهي التي تقول ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ).!!
ولستُ هنا معنيا بتتبع الأمثلة وحصرها وإنما ببيان السياق العام الذي تتحرك فيه الجاهلية .. أبين عِلل الأفعال ، وخلفيات النفوس بما يبدوا من تحركات أصحابها .
ثانيا : بخصوص المحور الثاني الخاص بمن لم يتبعوا الدين الجديد ، من لا زالوا على كفرهم ( مذهبهم ) . . يأتمرون بأمرهم ، قلتُ أن أولى الوسائل المستعملة في صدِّ الأتباع عن دين الله هو ( المكر) ( الكيد ) ( الخديعة ) ، يمارسها الملأ في حق أتباعهم ؛ فخطاب الملأ لأتباعهم يأخذ شكل التنظير لباطلهم ، نوع من الحجج والبراهين يلقون بها لأتباعهم كي يبقونهم على ما هم عليه ، ونوع من التشهير والتشويش وإلصاق النقائص بالمخالفين الرافضين كي ينصرف الناسُ عنهم .
يدل على هذا ـ ويوضحه ـ الحوار بين الفريقين حين يلتقيان بين يدي الله عز وجل يوم القيامة ، وتدبر :
يقول الله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ . وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ سبأ : 31 ـ 33 }
الآيات تتكلم عن مكر الملأ بأقوامهم ، و( المكر أصله في كلام العرب الاحتيال والخديعة ) يحاول الملأ التبرؤ من تهمة صد أتباعهم عن الهدى بعد إذ جاءهم ، ويكون رد العوام .. الذين اتبعوا ... الذين استضعفوا .. ( " بل مكر الليل والنهار " أي بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا وتغرونا وتمنونا وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء ) ويتابع ( إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا " أي نظراء وآلهة معه وتقيموا لنا شبهاً وأشياءً من المحالِ تضلونا بها )
ويقول السعدي ـ رحمه الله ـ معلقا على قول الله تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } : ( أي: بل الذي دهانا منكم, ووصل إلينا من إضلالكم , ما دبرتموه من المكر, في الليل والنهار, إذ تحسنون لنا الكفر, وتدعوننا إليه, وتقولون : إنه الحق , وتقدحون في الحق وتهجنونه, وتزعمون أنه الباطل. فما زال مكركم بنا, وكيدكم إيانا, حتى أغويتمونا وفتنتمونا.)
فالملأ بالاحتيال والخديعة يُغرون ويُمَنُّون ويحسنون الكفر ويَدْعون الناس إليه .وهذا ما يعنيني هنا .وهو بيان أن الملأ يكذبون على قومهم ، بيان أن من أساليب الملأ في محاربة الدعوة هو التوجه بخطاب ( فكري ) لأتباعهم يصدونهم به عن الحق . وهذا واضح جدا في كل المشاهد التي يحكيها القرآن عن الأتباع والمتبوعين حين يتواجهون بين يدي الله عز وجل .
في سورة ( ص ) يقول الله تعالى : { هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ . قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ . قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ . وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ . أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَار . إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ}[ ص : 59 ـ 63 ]
فهنا الأتباع يلقون بالتبعة على ( الملأ ) ، ويقولون لهم { أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا } ( يعنون : أنتم قدمتم لنا سكنى هذا المكان , وصلي النار بإضلالكم إيانا , ودعائكم لنا إلى الكفر بالله , وتكذيب رسله , حتى ضللنا بإتباعكم , فاستوجبنا سكنى جهنم اليوم )
وفي موضع آخر ، يقول الله تعالى : {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 38]
( قالت أخراهم لأولاهم " أي أخراهم دخولا وهم الأتباع لأولاهم وهم المتبوعين لأنهم أشد جرما من أتباعهم فدخلوا قبلهم فيشكوهم الأتباع إلى الله يوم القيامة لأنهم هم الذين أضلوهم عن سواء السبيل)
وفي سورة الصافات يقول الله تعالى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ . مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ . وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُون . مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ . بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ . وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ . قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ . قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ . وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ . فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ . فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ . فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ . إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ } [ الصافات :22ـ34]
فهنا يحشر الذين ظلموا وأزواجهم ـ شبهائهم ونظرائهم ـ وما كانوا يعبدون من دون الله ، ويدور الحوار بين الأتباع والمتبوعين ، يقول الأتباع لأسيادهم { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ } أي ( من جهة النصح .. مجيء من إذا حلف لنا صدقناه )
أقول : جميع مواقف العتاب بين الأتباع والمتبوعين من الكافرين في يوم القيامة وفي النار ـ عياذا بالله ـ يتكلم فيها الأتباع عن مكرٍ مكره الملأ عليهم .. عن كيد كادوهم به ، والكلام على حقيقته لا نعلم له صارف .
والقرآنُ يتحدثُ عن أن الملأ يكيدون كيدا ، { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } [ الطارق : 15] .لاحظ يؤكد الفعل بالمفعول المطلق ، ويكيدون كيدا تعني ( يمكرون بالناس في دعوتهم إلى خلاف القرآن )
والشيطان وهو المتبوع الأول لكل من خالف الحق يقول لأتباعه يوم القيامة { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي }[ إبراهيم : من الآية 22] ، أي ( نهاية ما عندي أني دعوتكم إلى مرادي ، وزينته لكم ، فاستجبتم لي واتباعا لأهوائكم وشهواتكم )
هذا هو حال الملأ في صدهم عن سبيل الله حين يتكلمون إلى متبوعيهم ، ولعل هذا يوضح قول الله تعالى : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }[ غافر :5]
في كل أمة الكافرون يقاتلون (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) في ذات الوقت الذي يجادلون فيه بالباطل لإزالة ( دحض ) الحق (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ) .
مع المؤمنين قتال ودفع بكل ما في أيديهم ومع قومهم جدال بالتي هي أحسن ،وقد تتداخل الأساليب وتتبدل ، فتجدهم أحيانا يرهبون قومهم ليبقوا على ما هم عليه ، وتجدهم حينا يجادلون المؤمنين ليشككوهم .
? المسألة السادسة : كيف يحارب هؤلاء الدعوة ؟
الحقيقة أن ( الجماهير ) ـ العامة ـ لا تصارع ولكنها ميدان للصراع بين الحق والباطل .. بين القائمين على الحق والقائمين على الباطل ؛ فمن الثوابت التاريخية أن الجماهير لا تُسطر التاريخ ، ولا تَصنع الحدث ، وإنما يُصنع بها الحدث ، وتُساق الجماهير بالملأ ـ أو النخبة ـ لأمر قد لا تريده هي ، ويكون عكس ما تحركت إليه ، وسَرقة مجهود الجماهير ، أو سياقة الجماهير صناعة يُتقنها كثير من الـمُغرضين . وقد مرَّ التاريخ بأمثلة كثيرة على ذلك ، وجُلّها من واقعنا المعاصر
فحرب ( العامة ) للدعوة في مهدها الأول كان بتكثير سواد الكافرين ، وبطاعتهم ، هم يطيعون لشهوة في قلوبهم ، لتحقيق أغراض خاصة ، أمنية أو تتعلق بتحصيل الرزق واللذات البدنية ، وهذا أمر ليس بالهين ، فهم الذين يسخرون ، وهم الذين يروجون الشائعات ، وهم الذين تنتشر بهم الفاحشة هنا وهناك ، هم ميدان السباق وأدواته ـ والملأ هم الذين يستعملونهم ـ ؛ قد يكون الفرد من ( العامة ) لا وزن له في مجريات الأحداث ، ولكن جملة العامة وزنهم ثقيل جدا ، ولولاهم ما استطاع الملأ شيئا ، فهم كما يقول ابن القيم ( حميرهم ودوابهم ) وأنى السير الطويل بلا دواب أو حمير ؟
? وهذا حالهم فما العمل معهم ؟
مع وجود هذا الفصيل من الناس لا يمكن أبدا أن تسيرَ الدعوةُ بشكلٍ صحيح ، لا يمكن أبدا أن يفهمَ الناسُ الحق .ذلك لأنهم هم يتكلمون لقومهم بغير الحقيقة .. كما بينّا من قبل . وتكون لهم الغلبة والسيطرة على الناس ، فيمنعون عنهم الدعوة . أو يمنعون الدعوة أن تصل بمفهومها الصحيح للناس ، كما يحدث من بطرس الآن .
أسأل : وهذا حالهم فما العمل معهم ؟
من يتكلمُ بكلامٍ يعرف هو قبلَ غيره كذبه . ما العمل معه ؟
من يتكلمُ بكلامٍ غيرِ معقولٍ ما العمل معه ؟
من يكذب وهو يعلم أنه يكذب ما العمل معه ؟
نحاوره ؟ . . نبين له ؟
هو يعرف أنه كذاب . هو يتعمد الكذب . . هو يعرف وينكر .. . هو يثير الفتنة بين الناس بتساؤلاته . هذا الصنف من الناس لا يريد بيانا أصلا . هذا الفصيل من خلق الله لا دواء له إلا القتل ، ولهذا الفصيل من الناس شرّع الله الجهاد .
السياق العام الذي جاء فيه تشريع الجهاد في الإسلام .. هو إزالة العقبات من طريق الدعوة ... إزاحة الملأ من طريق الناس . ثم يضع الناسَ أمام خيار حقيقي ... يعرض عليهم الصورة كما هي .. لا كما زيفها الملأ الكذابون . يزيح الملأ ثم يخير الناس خيارا حقيقا ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) .وغالبا ما يؤمن الناس .ذلك أن عامة الناس عبيد من غلب . عامة الناس لا تتدبر الخطاب وإنما تتبع أسيادها ومن يترأس فيهم ، أو تبحث عن ثقة وتتبعه . أو تخاف على رزقها فتتبع أسيادها .
فهنا نقطتان :
الأولى : أن هدف الجهاد هو إزالة الملأ من حياة الناس . . إزالة العقبات من طريق الدعوة ثم وضع الناس أمام خيارٍ حقيقي ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . وهذا قول الله تعالى ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) ، وهذا قول الله تعالى ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) .
الثانية : أن عامة الناس عبيد من غلب ، عامة الناس لا تتدبر الخطاب الدعوي وإنما هي مع من غلب . لذلك حالَ سيطرة الملأ عليهم ، لا يتدبرون . أو يفقهون ولا يستطيعون أن يتبعون .
?الجهاد وسيلة من وسائل الدعوة
لم يكن الجهاد في الإسلام لشيء .. أي شيء غير الدعوة إلى الله .. غير إزاحة الملأ الذين استكبروا في الأرض بغير الحق ومن ثم عرض الإسلام على الناس ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . وشواهد ذلك من السيرة النبوية كثيرة ، أذكر هنا بعضها .
? النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد أن غلب سخينة ( قريش ) ماذا فعل بها ؟
منَّ عليهم بالفداء ، لماذا ؟ لأن الإبادة ليست مقصدا أبدا .
?والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن هزم هوازن وأخذ نسائهم وأموالهم رد عليهم نساءهم وأموالهم طمعا في إسلامهم وقد أسلموا بالفعل . لماذا ؟ لأن الإبادة ليست مقصداً أبدا.
? والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن هزم بني المصطلق وساقهم إلى المدينة المنورة ، منَّ عليهم بالفداء فأسلموا جميعا .الإبادة ليست مقصد أبدا .
? وثمامة بن أثال ـ سيد من سادات بني حنيفة في نجد ـ بعد أن غلبه وأسره وربطه في المسجد ولو شاء قتله . منَّ عليه بالفداء فأسلم . لماذا ؟ القتل ليس هو المقصد أبدا .
ـ وطيء بعد أن غلبهم وأخذهم ونسائهم وأموالهم وأطفالهم منَّ عليهم بالفداء ، لم ؟
المالُ والنساء ليسوا مقصدا ، والإبادة ليست مقصدا أبدا.
ـ ولمَ أسلمت هذه الشعوب بعد أن غُلِبَت ؟
رأت الأمر على حقيقته .
بنوا طيئ عادوا يقولون جئنا من عند أكرم الناس . صلى الله عليه وسلم . ، وعَدِي حين جلس مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاد يقول ما هذا بملك ؟ واستوت عنده الصورة على حقيقتها بعد أن كانت مقلوبة مشوشة .
ويلاحظ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يربط الأسرى بالمسجد أو على باب المسجد ليشاهدوا الصلاة ويسمعوا القرآن . حدث هذا مع ثمامة ، ومع بني المصطلق ، ومع أسارى طيء .وتتبع التاريخ .. تاريخ الفتوحات الإسلامية ، تجد أن الفتوحات الإسلامية ، الجهاد في الإسلام لا يستهدف إبادة الشعوب ، ولا يستهدف قتل العوام وأخذ أموال الناس ونساءهم كما يفتري النصارى وغيرُهم اليوم ، وإنما يستهدف إزالة العقبات التي تقف في وجه الدعوة الإسلامية . وعامة الناس فقط حين ترى المسلمين المستمسكين بدينهم المجاهدين في سبيله وتعاشرهم ، فإنها تسلم من فورها . تنتهي غفلتها عن هذا الدين ، وينتهي الكذب الذي يمارسه الملأ ليصدوا الناس عن دين الله . فيسلمون لله رب العالمين . والدين متين يتمكن من القلوب حين يعرض عليها .
هذا هو سياق تشريع الجهاد في الإسلام .
ونحن المسلمين نعتقد أن الإسلام رسالة يجب أن يسمعَها كلُّ الناس ، يسمعونها سماعا حقيقيا ، وأن الشريعة الإسلامية شريعة حق يجب أن تحكم كلَّ الناس .
?النصارى يدندنون دائما حول أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتل بعض الشخصيات دون قومهم .. ابن أبي الحقيق اليهودي .. كعب بن الأشرف اليهودي ، وعصماء بنت مروان .. وأم قرفة .. وعقبة بن معيط الأموي القرشي.. والنضر بن الحارث العبدري القرشي ..ومن أمر بقتلهم يوم الفتح ، من قتل منهم ومن تاب قبل أن يقتل .
نلاحظ أيها الأحبة الكرام ، أن القتل لم يكن هدفا كما قدمنا ، وإنما كانت الدعوة هي الهدف .ولم يصدر أمر بإبادة قبيلة كاملة . .ولم يصدر أمرٌ بقتل النساء والأطفال .. أبدا لم يحدث هذا ، وإنما أفراد ... فقط أفراد . هؤلاء الأفراد اشتهروا بالمحاربة .
والاشتهار بالمحاربة هي العلة التي من أجلها أهدر رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ دماءَ تسعة من المشركين في فتح مكة يوم الفتح رغم عفوه عن جميع المشركين . وهي العلة التي من أجلها قتل من قتل من رؤوس المشركين .. النضر ، وعقبة ، وكعب بن الأشرف ، وابن أبي الحقيق .
وتتبع الشخصيات التي تم قتلها تجدها من هذه النوعية . ممن اشتهروا بالمحاربة . من الذين يَعرفون ويصدون عن سبيل الله .
النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ ـ قرشي من بني عبد الدار بن قصي بن كلاب ـ أبناء عم النبي صلى الله عليه وسلم ـ يقول عنه ابن هشام كان مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ ، وكَانَ َمِمّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ، وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ . قَدِمَ الْحِيرَةَ ، وَتَعَلّمَ بِهَا أَحَادِيثَ مُلُوكِ الْفُرْسِ ، وَأَحَادِيثَ رُسْتُمَ واسبنديار . وكان النبي ـ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذا جلس مجلسا يأمر الناس فيه بعبادة الله ويذكرهم بحال من عصوا قبلهم ماذا فعل الله بهم ومن أطاعوا كيف كان حالهم يأتي هذا الشيطان ويجلس بعد النبي وينادي في الناس : أَنَا وَاَللّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْهُ فَهَلُمّو إلَيّ فَأَنَا أُحَدّثُكُمْ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِهِ . ما هذا ؟
حرب إعلامية . يذهب إلى فارس يتعلم .. ويجيء يحكي ويشوش إعلاميا على الدعوة ورجالها .
أبو جهل أقسم إن رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسجد بين ظهرانيهم أن يضرب رأسه الشريفة ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحجر.. يريد قتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ساجد .وهمَّ أبو جهل .. بل عزم وشمر عن ساقه واحتمل حجرا ضخما .وراح ينفذ ما عزم عليه .ثم إن الله منع رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وردَّ الله أبا جهل بغيظه لم ينل خيرا . هنا وقف النضر هذا الشيطان يتكلم بعد محاولة الاغتيال الفاشلة هذه . ماذا قال ؟
قَالَ : ( يَا مَعْشَرَ قُرَيْش ٍ ، قَدْ كَانَ مُحَمّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا ، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتّى إذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشّيْبَ وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ قُلْتُمْ <300> سَاحِرٌ لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ .وَقُلْتُمْ كَاهِنٌ لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ .وَقُلْتُمْ شَاعِرٌ لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ .وَقُلْتُمْ مَجْنُونٌ لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ ) .
يعرف الأمر حقيقة . ويقر بذلك بين أصحابة ، وثلاثةُ عشرة عاما وهو يسمع أيات الله تتلى فيستهزأ بها .ثم يخرج محاربا مع قريش يحمل لوائهم . ما العمل مع هذا ؟
البيان ؟
هو يعرف الحق تماما . ويصد الناس عنه .
قتله هو الدواء ، وهذا ماحدث يوم بدر . قتل صبرا .
?وعقبة بن أبي معيط .. وهو ممن يتكلم عليهم زكريا بطرس .
جارٌ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقريب منه ـ من بني أميه هو ـ وجلس للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جلوس المحب ، وسمع منه ، ثم بتحريض من صديق له تفل تجاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ت وآذاه ، واشتد في أذاه . ثم خرج مع قريش مقاتلا ؟
ما الحل مع هذا ؟...البيان ؟
يعرف .وهو يعاند .
انتهى دور البيان .
لذا كان قتله في منتهى الحكمة .
?وبنوا قريظة غدروا حين البأس .. حين القتال . وكان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهودٌ موثقه . فما العمل معهم ؟ . . .التسامح ؟
يغدرون . . لا يمسكون عهدا ، ويتطواطئون على المسلمين .
القتل هنا للغادرين أمر طبعي جدا ، بل هو العلاج القويم . مع أنه لم يقتل إلا المقاتلة فقط .ويقولون باع نسائهم وذريتهم .!!
ونقول : فعل بهم أخف الأمرين إذ لم يقتلهم كما فعل بآباءهم وأزواجهم .أو كما يأمر كتاب النصارى . فعل بهم ما يوصي به كتابهم ففي سفر التثنية : " حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح فإن أجابتك وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً، التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها تحريماً[19] أي تستأصلها استئصالاً.
مع أن هناك فارق كبير من جهتين ، أن كتاب اليهود يأمرهم بقتل المدن والغدر بها حال القدرة عليها ، بل بالخديعة أيضا ( استدعها للصلح فإن أجابتك ... ) ، ونحن لا نفعل ذلك ، من صالحنا صالحناه ووفينا له ، ومن أبدى لنا العداوة نبذنا له على سواء فإن الله لا يحب الخائنين .
ومن كبر في صدرة ذبح مقاتلة بني قريظة عليه أن يتذكر كيف كان الحال لو أنهم تمكنوا من المسلمين بمساعدة الأحزاب .. اتجهوا بالفعل للنساء والأطفال كي يبدؤوا بهم .
ومن يكثر الكلام من دعاة الإنسانية حول قتل بني قريظة عليه أن يراجع الدساتير الحالية وكيف قولها مع الخائنين لأوطانهم حين البأس .
ومن يقول أسرى وذبحهم كذب ، ليسوا بأسرى ، لم يكونوا مقاتلين بل غادرين .
?حتى من قتل من النساء ، كانت العلة في قتله هو الاشتهار بالمحاربة . وما كان للنساء أن يخرجن من بيوتهن ، ما كان لهن أن يقاتلن كالرجال .
أم قرفة . عندها خمسين فارسا من محارمها ويُضرب بها المثل في المنعة وتجهز رجالها لقتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة ؟ ما العمل معها ؟
كان تجهيز سرية لها في منتهى الحكمة على أنه لم يفعل بها ما يردده الأفاك الأثيم زكريا بطرس . من قلبها على رأسها وشقها بجملين . هذا كله مما لا يصح وهو من رأس زكريا بطرس .بل قيل أنها قتلت في حروب الردة . والسرية كانت لرجالها ولم تكن لشخصها ، وهي إمرأة غجرية ثائرة تركت بيتها ووقفت خلف الرجال ، تشحذ الهمم . . تعرضت للسيوف فأخذتها السيوف .
وهند بنت عتبة يوم أحد خلف الرجال تضرب بالدف وتشجع ، وأثناء المعركة تأكل كبد الرجال ، وبعد المعركة على الصخرة ترتجز وتفتخر ،ويوم فتح مكة فرَّ الرجال وخرجت هي تضرب الخيل بخمارها وثيابها !! أي إمرأة هذه ؟! ما العمل معها ؟
ما كان لها أن تقف هذا الموقف ، ومن وقف هذا الموقف وفعل هذا الفعل فقد تعدَّ حاله البيان وطالب بالسنان .
وعصماء بنت مروان ، تولول في بيتها بين رجالها ، وتنظم الشعر تسب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتحرض قومها على قتلهم ، وتحريض النساء يذهب بعقل الرجال . لك أن تتخيل إمرأة تعير زوجها أو أبنائها بالرجولة ( عدم الرجولة يعني ) ، ماذا سيفعل ؟ ، وسبُّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا نطيقه ، لأننا لا نجد له مبررا ألبته .
هذه النوعية من النساء تؤجج حربا . أشد من الرجال . وقتلهن يريح الناس من شر كثير . فلولا قتل بنت مروان لقتل من حرضتهم على قتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وربما انتصر لهم غيرهم وقتل معهم ، ناهيك عما تحدثه مثل هذه الأفعال من بلبلة بين الناس تذهب بالوقت والجهد .
? هل نقتل النساء ؟
أبدا ، لا نعرف هذا أبدا . لا النساء ولا الأطفال ولا من لا يقاتل من الرجال . وليس في ديننا أمر بذلك ، في الحديث : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا )
الحرص على إسلامهم ، لا على قتلهم وأخذ أموالهم ونسائهم .
هل أبادت جيوش المسلمين في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شعبا أو قبيلة ؟
أبدا . ولو كان شيء من ذلك ما كان أحد بين أظهرنا اليوم .
? الرق في الإسلام
يجمل هنا أن نقف مع قضية الرق في الإسلام ، وهنا نبين أمور :
ـ الرق كان موجودا قبل الإسلام ، وخاصة الرومانية النصرانية وظلَّ موجودا بعد الإسلام وإلى وقت قريب . فلم يبتدعه الإسلام .
ـ كانت أسباب الرق كثيرة ، وأسباب الحرية ـ للرقيق ـ قليلة أو شبه معدومة . في كل العالم ، قبل الإسلام ، فجاء الإسلام وحرم كلَّ أسباب الرّق عدا ما كان من الأسرى في الحرب ، مع الأخذ في الاعتبار أن الحرب في الإسلام وسيلة من وسائل الدعوة ، وليست للإبادة ولا للاسترقاق فهي خيار ثالث بعد الإسلام والجزية ، وشرع عددا من المصارف لتحرير العبيد ، منها المكاتبة وكفارة اليمين وكفارة الظهار ، والتصدق بالعتق بلا سبب . وغير ذلك مما هو موجود في شريعة الإسلام .
ـ الرق في الإسلام مظهر من مظاهر الرحمة في الشريعة الإسلامية . وذلك أن الذي يسترق هو الذي يقتل ، فالرق بديل للقتل . وبهذا تعلم أن وضع الرق رحمة وليس نقمة كما يصورونه .
ـ الرقيق في الإسلام ليس كغيره ، ففي الإسلام توصية على الرقيق ، في التنزيل {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }[ النساء : 36] ، وصى بهم بجوار توصيته بعبادة الله وبر الوالدين . وفي الحديث حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ قَالَ سَمِعْتُ (( إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ)) . حتى مجرد النطق بالاسم ( عبد أو أمة ) نهى عنه الإسلام ، وعند مسلم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ (( لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي فَكُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ فَتَايَ وَلَا يَقُلْ الْعَبْدُ رَبِّي وَلَكِنْ لِيَقُلْ سَيِّدِي )) وتسامح الإسلام مع العبيد ومراعاته لإنسانيتهم مشهورة معروفة .
ففيم الاحتجاج على الرق في الإسلام ؟
وفيم الاحتجاج على الرق والنصرانية تعرفه ، ولك أن تراجع رسالة بولس أوفسس الاصحاح السادس عدد 5 وهو يأمر العبيد أن يطيعوا أسيادهم كما يطيعون المسيح . جعل السيد للعبد كما المسيح للحر . ، وفي لوقا الإصحاح الثاني عشر ،العدد45 وما بعده كلام شديد عن العبيد منه 47 وَأَمَّا ذلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيرًا. ) ، وهو مثال ينقله دون أن يذمه .
? الجزية في الإسلام
ـ الجزية تضرب في الإسلام على من قهرناه ، على من لو شئنا قتلناه ،على من لو شئنا طردناه . ومن نضرب عليه الجزية يكون له ما لنا وعليه ما علينا في بلادنا وخارج بلادنا . وإن لم نستطع أن نحميهم فلا جزية لنا عليهم .
ـ والجزية تفرض على القادر عليها ، وهي مبلغ زهيد مقارنة بما كان يدفعه هؤلاء إلى حكامهم .
وسياقها العام والخاص لا يشي من بعيد ولا من قريب أنها نوع من الظلم والذل لأهل الكتاب .
وغير القادر منهم نتكفل به ، وننفق عليه .فله كفالة اجتماعية بيننا .
ـ ومن قال بأن الجزية للحماية ، وأنهم إن دخلوا في الجيش أو تولوا حماية أنفسهم سقطت عنهم الجزية فقوله لا نعرفه .
ـ ومن أراد أن يناقش الجزية في الوضع الحالي فلا ننصت إليه ، ذلك أن الجزية تأتي في سياق سيطرة الإسلام بمفاهيمه وتصوراته وعسكره .
ـ ومن أراد إسقاط الجزية وجعلها من الموروث الثقافي ، ويدعونا لعدم التحدث فيها إلا من باب التاريخ ، فهذا ليس منا وإن انتسب إلينا .
ـ ومن كَبُرَ في صدره أمر الجزية فعليه أن يتذكر حال عباد الصليب حين يَغلبون ، عليه أن يستحضر نصوص كتابهم ( المقدس ) ، وأفعالهم في بيت المقدس والأندلس وفلسطين والعراق وأفغانستان وغير ذلك ويقارنا حالنا حين نغلب وحالهم حين يَغْلبون . عندها سيعلم أننا حقا أصحاب رسالة سماوية .. ملئها الرحمة للبشرية .
علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالجن
محمد جلال القصاص
mgelkassas@hotmail.com
في هذا المبحث نتناول في نسقٍ واحد :
ـ علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالجن .
ـ سحر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ـ قصة الغرانيق العلا .
ـ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله .
ـ تسلط الشياطين على المسيح عليه السلام ، وعلى أنبياء العهد القديم .
أولا : علاقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجنِّ .
يتكلم بطرس ، ويتكلم غيره ، بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت له علاقة خاصة بالشياطين ، وأن مَلك الوحي ، جبريل عليه السلام ، الذي ظهر للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الغار ولازمه بعد ذلك يتنزل عليه بالقرآن كان شيطاناً .!
يدلل على ذلك الكذابُ اللئيم زكريا بطرس بأن للجنِّ سورةً كاملة في القرآن ، وأن الجنَّ ذكروا أكثر من مائة مرة في القرآن العظيم ، وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قضى ليلة مع الجنِّ يعرفها علماء المسلمين بـ ( ليلة الجنِّ ) ، وكان له قرين من الجنِّ . وأن شيطانا أبيضاً كان يتصدى للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويتكلم له على أنه جبريل .
وكلُّه كذب . وقلبٌّ للحقائق . وتدليسٌ على الناس .
أين الخلل ؟
الخلل عند بطرس ومن قال بقوله .فهم الذين قلبوا الحقائق ، وذلك بالكذب المباشر تارة ، وبِبَتر النص من سياقه العام ثم تفسيره بما يحلو لهم تارة أخرى ، وباعتماد الضعيف والشاذ وما لا يصح من الأحاديث تارة ثالثة . وهاأنذا أفند لك آرائهم وأكشف لك قولهم لتعلم أنهم ما صدقوا فلا تتبعهم .
ـ يروي اختبار السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ للوحي فيقول : جاء في كتاب (السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص 230): قال ابن إسحاق : "عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله: أي ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ قال نعم ، فجاءه جبريل عليه السلام، فقال رسول الله لخديجة يا خديجة هذا جبريل قد جاءني ، قالت قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى ; فقام رسول الله فجلس عليها، قالت هل تراه؟ قال نعم قالت: فتحول واجلس على فخذي اليمنى; فتحول رسول الله فجلس على فخذها اليمنى. فقالت هل تراه؟ قال نعم. قالت: فتحول واجلس في حجري، فتحول رسول الله فجلس في حجرها. قالت هل تراه؟ قال نعم. [وفي رواية أخرى] أدخلت رسول الله بينها وبين درعها، ثم ألقت خمارها عن وجهها، ورسول الله جالس في حجرها، ثم قالت له هل تراه؟ قال لا، فذهب عند ذلك جبريل. فقالت يا ابن عم: اثبت وأبشر فو الله إنه لملك وما هذا بشيطان )
هكذا يروي القصة ، ثم يعلق قائلا : ( كان هدف خديجة أن هذا الذي ظهر لمحمد لو كان ملاكا لخجل من فخذيها ودرعها ... إلخ ) ، ويتساءل :( كيف أن ملاكا لا يخجل من أعضاء المرأة: لا فخذها ولا حجرها ولا درعها، ولكنه يخجل من وجهها؟ ، وكيف تُعَلِّمُ إمرأةٌ نبيَّ الله الذي تجلى له الوحي. فَتَعْلَم هي ما لم يعلمه هو؟ ، ثم كيف يؤخذ بشهادة امرأة، والمرأة في الإسلام ناقصة عقل وناقصة دين ؟ ، وكيف اعتبرت شهادة امرأة واحدةٍ شهادةً شرعية ، والشهادة المقبولة في الإسلام امرأتين ورجل؟ ثم كيف تأكدت أنه ملاك وليس بشيطان ، والشيطان يستطيع أن يغير شكله إلى شبه ملاك نور. ويؤكد هذا الرأي ما جاء في ( تفسير الرازي لسورة الحج 52 وسورة التكوير 20 ) " إن الشيطان المُسمَّى الأبيض تصدّى لمحمد وجاءه في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي) .
هذا نص كلامه .
التعليق :
كذب على مستمعيه حين ادعى أن هذا حديث صحيح ، وهو لا يثبت .
وكذب على مَن يسمعه حين ادعى أن السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ كشفت عن فخذيها وحجرها ولم ينصرف الملك إلا حين كشفت عن وجهها ، ليس هذا في النص الذي أورده هو ـ لاحظ ـ ولا في النص الأصلي الذي حذف بعضه ، وإنما قالت له اجلس على فخذي .فقد حذف من النص الذي ينقل عنه هذه الجملة ( فتحسرت وألقت خمارها ) ، والخمار هو غطاء الرأس ، من خمَّرتُ الشيء إذا غطيته ، وهو غير الحجاب ، و ( تَحَسَّرَتْ ) تعني كشفت عن شيء ، وهو ما يغطيه غطاء الرأس ( الخِمَارُ ) ، وكانت بثيابها ترتدي درعا بدليل الرواية الثانية التي أدخلها بطرس في السياق ( فأدخلته في درعها ) ، عندها ذهب الملك ، ذهب من ماذا ؟
من كشف الرأس والرقبة وأعلى الصدر ، وليس كما يقول الكذاب اللئيم بطرس ، أن الملك بقي حين كشفت فخذها ، وحجرها وانصرف حين كشفت وجهها . ليس في النصِّ كشفُ فخذٍ ولا حجرٍ ، وإنما فقط تحسر بإزالة ما تضعه على رأسها رضي الله عنها وأرضاها .
إذا بمقاييسه هو ، هو ملكٌ ، استحى من كشف القليل وانصرف ، وهي ـ رضي الله عنها ـ كانت تظنه ملكا وبالفعل رأته ( علمته ) ملكاً .إذ لو كان شيطانا ما استحى حتى من ما هو أبعد من الرقبة وأعلى الصدر .
وكذب على مَنْ يسمعه حين ادعى أن ليس عند المسلمين دليل على الوحي إلا هذه القصة ، أو إلا شهادة السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ في هذه القصة ، فهي قصة في بطون بعض كتب السيرة وليس كل كتب السيرة ، وكتب السيرة عندنا وإن تواطئت على روايةٍ ما فإنا لا نأخذ بها إلا استئناسا حتى يصححها أهلُ الحديث ، وأهلُ الحديث . . . وأهلُ الفقه . . وأهلُ الاعتقاد ..ومن يحاور النصارى اليوم في البالتوك والمنتديات وغيرهما ..بل وكلُّ المسلمين لم يتكلم أحد منهم بأن ما فعلته السيدة خديجة في هذه القصة هو دليل الوحي ، أو هو دليل الوحي الوحيد عندنا ، فعندنا مصنفات في دلائل نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بشارات السابقين وأخبارِ المعاصرين له ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مسلمين وكافرين ، حتى مقاييس الكذّاب اللئيم زكريا بطرس التي وضعها هو كدليل على النبوة تنطبق تماما على رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد ناقشت هذا في الجزء الأول .
ـ وكذب في القول بأن الشيطان قد يتحول إلى شبه ملاك من نور . فمادة الملكِ غير مادة الشيطان ، الملكُ من نور ، والشيطان من نار ، الملك للخير والشيطان للشر .الملك رسول من رب العالمين لعبادة المتقين .. الأنبياء وبعضِ الصاحين ، والشيطان عدو للمتقين والصالحين المصلحين ، وعونٌ للأفَّاكين الكذابين .
وكذب وهو ينقل عن الفخر الرازي جاء في ( تفسير الرازي لسورة الحج 52 ، وتفسيره للتكوير20) . يَذكر ( بطرس ) أن الفخر الرازي تكلم عن شيطان أبيض كان يأتي للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هيئة جبريل ويوحي إليه ، ولا أدري كيف يتجرأ على الكذب هكذا ؟! وكأن تفسير الفخر الرازي في كوكب تاني لن يستطيع أحد أن يذهب إليه ويستوثق منه ؟ وكأن كل من يسمع سيثق بقوله ولن يراجعه فيه ؟
الفخر الرازي في سورة الحج وفي سياقه نفيه الشديد لقصة الغرانيق العلى والرد على كل من قال بها ، في هذا السياق ذكر رواية تقول ( بأن شيطانا يقال له الأبيض أتاه على صورة جبريل عليه السلام وألقى عليه هذه الكلمات فقرأها ) ثم يعلق الفخر الرازي على هذه الرواية قائلا : ( وهذا القول لا يرغب فيه مسلم البته لأنه يقتضي أنه عليه السلام ما كان يميز بين الملك المعصوم والشيطان الخبيث ) .
وفي سورة ( التكوير ) ، جاء ذكر الشيطان الأبيض في سياق مختلف ، وهو يتكلم عن قوة جبريل ـ عليه السلام ـ يقول : ذكر مقاتل أن شيطانا يقال له الأبيض صاحب الأنبياء قصد أن يفتن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدفعه جبريل دفعة رقيقة وقع بها من مكة إلى أقصى الهند )
ـ ويقول ( ورسول الله جالس في حجرها .. أبو أربعين سنة قاعد في حجرها ) ويشير بيديه ويحرِّك جسده مستخفا ومستهزءاً . ويقول حَراء والمذيع يسأله بتنقيط أم بدون تنقيط ؟! ( خراء ) . ويستحضر للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يتكلم عن حديث ( ما منكم من أحد إلا وله قرين ) فيفي عبد ومسرحية ( حزّمني يا ) ، ويختم الحلقة ( 142) من برنامج أسئلة عن الإيمان بجملة من السخرية والاستهزاء بـ ( الراكعين والراكعات ) ، وهو حال الأراذل الأوساخ .
أقول ولهذا الفعل وهذا الكلام صارخ في القلب لن يهدأ حتى يشفي صدره من بطرس ومن عاونه ، ولن يُنقِص هذا من قدر نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنبينا صلى الله عليه وسلم ـ جبلٌ أشم ، له الكمال في الخِلْقة والخُلٌق . طولا ، وجمالا ، وهيبة .صلى الله عليه وسلم .لم يستهزأ به أحد ممن حضره أو عاصره ، وما واجهه أحد بشيء يكرهه هيبة وإجلالا، وكان تحته تسعة من النساء غير ما قام به من أعظم أثر في حياة الناس ، وغيره لا يستطيع أن يسوس بيته . . فقط بيته بل قد تغلبه امرأته .
ـ وفي إطار تدليله على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت له علاقة خاصة بالجنِّ ، وأن أحدهم هو الذي ظهر له في الغار وكان يتنزل عليه بالقرآن بعد ذلك ، وبالتالي فإن القرآن قول الشياطين ، في هذا الإطار يستحضر ( ليلةَ الجنّ ) مدللا بها على ما يفتريه على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، يقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم ـ قضى ليلة كاملة مع الجن عند غار حراء هذا نص كلامه : ( جاء في (سنن ابن داود كتاب الطهارة حديث 85) "عن علقمة قال: قلت لابن مسعود: هل صحب أحد منكم النبي ليلة الجن ؟ قال: ما صحبه منا أحد ، ولكن افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة ، ولم نجده، فقلنا: اغتيل، أو استطير، ماذا فُعِلَ به ؟ حتى إذا أصبحنا إذا نحن به آتيا من جهة حراء. فقال لنا: أتاني داعي الجن، فأتيتهم، فقرأت عليهم القرآن. ثم انطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم )
ثم يعلق متسائلا متعجبا ومستدلا : ( ما هو مدلول هذه الحادثة؟ أليس أن محمدا كانت له علاقة بالجن؟
وليس في سنن أبي داود شيء مما ذكر ، تحت هذا الرقم ، ولا في هذا الباب ، ولا في غيره ، والذي عند أبي داود هو : عن علقمة قال قلت لعبد الله بن مسعود من كان منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ فقال : ما كان معه منا أحد " وليس عند أبي داود شيء مما ذكر ، فهو يكذب أو ينقل عن كذّاب آخر . وكله سواء . بل زيادة في القبح إن كان . فهو ناقل وليس باحث كما يدعي .
هذه الأولى .
والثانية ...
دعني أبدأ من الخلف قليلا كي تتضح لك الأمور ، وترى الصورة على حقيقتها ، وسأختصر مقالي وأدلل على قولي ، فلا تعجلني .ولا تستثقلني .
ـ ( كان فاشياً بين العرب في الجاهلية أن للجن سلطانا في الأرض ، فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر ، لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض ، فقال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه .. ثم بات آمنا ! . كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب وتخبر به الكهان فيتنبئون بما يتنبئون . وفيهم من عبد الجن وجعل بينهم وبين الله نسبا ، وزعم له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة !.ولا تزال الأوهام والأساطير من هذا النوع تسود بيئات كثيرة إلى يومنا هذا !!)
وفي الجاهلية .. قبل البعثة النبوية ، كانت الشياطينُ تصعد قريبا من السماء فتسترق السمع وتوحي به إلى أوليائها من الإنس ، وهم الكهنة والمشعوذون ، وكانوا ( الكهنة والمشعوذون ) منتشرين في الجزيرة العربية معروفين بأعيانهم يقصدهم الناس في بعض شأنهم ، وحين بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وابنُ هشام في السيرة النبوية .. في المجلد الأول . . . في ذات المكان الذي ينقل منه ( بطرس ) عقد بابا أسماه ( قذف الجن بالشهب وآية ذلك على مبعثه صلى الله عليه وسلم ) ونص على ذلك البخاري في صحيحه .
وحين حيل بين الجن وخبر السماء احتاروا في أمرهم ، وعلموا أن شيئاً ما حدث على الأرض حال بينهم وبين الصعود في السماء ، فطافوا الأرض يلتمسون الخبر ، فوجدوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ القرآن في الصلاة ، فاجتمعوا يسمعون ،وعادوا إلى قومهم يتحدثون ، والقصة في البخاري ومسلم وفي كتب التفسير ، في تفسير سورة الجنِّ .وهذه هي الرواية من صحيح البخاري ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ ) .
الجنُّ رأت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلى فكادت تكون عليه لبدا { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً }[ الجن : 19] والجنُّ سمعت القرآن فتعجبت ووعَتْ الخطاب ومن ثمَّ آمنت وأسلمت ، وراحت تتكلم عن ما فيه كانت ، عن غفلتها ، وعن ضعفها ، وجهلها بما كان وبما سيكون ، وعن الضالين وقد خافوا منها فستعاذوا بها فزادتهم رهقا ، والسياق آخَّاذ لا يقدر علي صياغته جنٌّ ولا بشر ، واقرأ وتدبر : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً . وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً . وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً . وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً . وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً . وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً . وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً . وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً . وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً . وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً . وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً . وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً . وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً . وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً . لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً . وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً . وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً . قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً . قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً . قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً . إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً .حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً . قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً . عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً . لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً][ الجنّ :1ـ 28] .
يقول الكذاب اللئيم زكريا بطرس جعل للجن سورة كاملة من ثمان وعشرين آية ، وأن هذا يعكس اهتمام محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجن .!
وأقول : هذه هي سورة الجنّ ليس فيها تمجيد للجن كما يدعي الكذاب اللئيم زكريا بطرس ، بل إخبار عن حالهم قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ، وحالِهم بعد أن سمعوا به وبما يتلوه من كتاب ربه ، وهذا خبرٌ لا يعلم به إلا ربهم الذي أرسل إلينا وإليهم محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو من جملة أخبار الغيب الدالة على نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ من كان يعلم هذا عن الجنّ ويخبر به إلا من علَّمه ربه ؟!.
وفي موضع آخر الجن تسمع القرآن وتعود إلى قومها ، وتدبر قولها : ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ . قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ . يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [ الأحقاف : 29 ـ 32 ]
يقولون الجن توحي إليه ، وها هي الجنُّ تتكلم بلسانها بأنها لم تكن تعلم شيئا عن القرآن حتى سمعته وحين سمعته رحلت مدهوشةً تتحدث بإعجابٍ وتفصيلٍ عن هذا النبأ العظيم ، تدعوا قومها للإيمان به .
و ( ليلة الجنّ ) التي يتكلم عنها ( بطرس ) نعرفها وخبرها صحيح ، ونصُّه ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ قَالَ فَقَالَ عَلْقَمَةُ أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ قَالَ لَا وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَقُلْنَا اسْتُطِيرَ أَوْ اغْتِيلَ قَالَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ قَالَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَقَالَ أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ قَالَ فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ ) .
ومن كذبه ـ قبَّحه الله ـ أنه يذكر ليلة الجن ، ولم يذكر ما دار فيها بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والجنّ ، سوى أنه أراهم أثار نارهم .ويحيل لرواية أبي داود ، والتي لم تذكر تفصيل ما حدث ، فقط يريد من المستمع أو القارئ أن يعرف أن كانت هناك ليلة للجن ، ثم بعد ذلك يفسر ما حدث هو في تلك الليلة من أمِّ رأسه .
والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الجن في ( ليلة الجن ) يقرأ عليهم القرآن ، ويُعلمهم ما لهم وما عليهم ، ما أُحلَّ لهم وما حُرِّم عليهم ، يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ ) .
والجن تسأله عن ما أحل لهم من الطعام فيخبرهم بأنه العظم إذا ذكر اسم الله عليه وكلُّ بعرةِ علفٍ ، وهؤلاء هم المؤمنون من الجن ، الذي يأتمرون بأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإلا فالعصاة يأكلون مما لم يذكر اسم الله عليه ، ولا يأتون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألون .وقد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فصلا بعنوان (بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الإنس والجن ) .
ويحاول أن يربط بين غارِ حراء وحراء ، غارُ حراء الذي كان يتحنث فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وظهر له فيه جبريل ـ عليه السلام ـ ، وحراء التي التقى فيها الجن في ( ليلة الجن ) ، ليقول أن حراء والجن قرينان ، فكل ما في حراء جنٌّ ، وليس في حراء سوى الجنِّ . وهو كلام بعيد لا تبصره عين في كتاب ولا في واقع ، فالجن لم يكونوا في مكان واحد أبدا ، وجبريل ـ عليه السلام ـ ظهر في حِراء وفي غير ( حراء ) ، فلو كان جنّا ولو كانت حراء للجن والجن لحراء ما أتاه جبريل ثانية في غير حراء .
ونعم لكل واحد منا قرين من الجن ، يأمره بالسوء ، حتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ له قرين إلا أن الله أعانه عليه فأسلم . في الحديث ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ )
ولك أن تتعجب من هذا ـ أُكلِّمُ من يقرأ من النصارى ـ وليس لك أن تقول بقول ( بطرس الكذَّاب ) .. ليس لك أن تقول بأن قرين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، كان يوحي إليه ويعلمه ، فهذا لا دليل عليه ، ولا نجده في شريعتنا . بل نجد أن القرين يأمر بالسوء ، وقرينَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسلمَ فلم يعد يأمره بسوء ، وها هو نص الحديث بين يديك .
وقد كان الكفرة من الجن ( وهم الشياطين ) يكرهون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويعادونه كما يعاديه الكفرة من الإنس ، وكانوا في صفّ الكافرين ضد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين . .في كل المواقف كانت الشياطين في صفِّ الكافرين .
صفُّ المخالفين لله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التصور الإسلامي يتكون من الإنس والجن معا ، وهم يجادلون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه ومن تبعه ، وهم يقاتلون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه ومن تبعه ، هذا المعنى صريحٌ في القرآن العظيم ، قال تعالى : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [ الأنعام :من121] ، قال تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }[ الأنعام :112] ، وأخبر الله تعالى أن الكافرين اتخذوا الشياطين أولياء { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }[ الأعراف : من 30 ] ، وأن الشياطين تؤزُّ الكافرين { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً }[ مريم : 83] .
وفي كل الأحداث الكبرى حضرت الشياطين مع الكافرين ضد المؤمنين ، في يوم ( بيعة العقبة الثانية ) حاول الشيطان إفشال البيعة ونادى قريشاً فتأخرت ولو أنها تعجلت لأفسدت ، و كبيرهم إبليس هو الذي حرَّض قريش وشجعها وما زال بها حتى خرجت يوم بدر تقاتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قال الله تعالى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [ الأنفال : 48] ، وحضر الشيطان يوم أحد يؤز الكافرين ويخدع المؤمنين وخبره مشهور معروف ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }[ آل عمران :155] .
بل تجرأ أحدهم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يصلي فحاول أن يفسد عليه صلاته ، في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) .
والشيطان إذا سمع الآذان ولى هاربا وكذا عند الإقامة ، والشيطان يكره صلاتنا ، يغتاظ منها ويبذل كلَّ جهده كي يصرفنا عنها ويليهنا فيها ، في الحديث ( إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى ) ، ويبذل الشيطان كلَّ جهده ليفسد علينا الصلاة التي هي عماد الدين عندنا ، فيأتي أحدنا ويخيل له وكأن شيئا خرج من دبره حتى ينصرف عن الصلاة ، ونحن نستعيذ بالله من الشيطان حين نقرأ القرآن قال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }[ النحل : 98]، ونسمي الله على كل شيء كي لا يشاركنا فيه الشيطان حين ندخل البيت لنطرد الشيطان ، ونسمي الله حين نأكل الطعام كي لا يأكل معنا الشيطان ، ونسمي الله حين يخلو أحدنا بزوجته كي لا ينظر إليها ويجامعها معه الشيطان وطلبا للذرية الصالحة ، والتسمية عندنا على كل شيء .
وأخبر سبحانه وتعالى أن الكافرين والشياطين لهم نفس المصير بعد الموت ، ولهم نفس الجزاء ، فهي جبهة مشتركة في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً }[ مريم:68] ، وقال تعالى مخاطبا إبليس كبير الشياطين :{ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص :85 ] ، { قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }[الأعراف: 18] ، وقال تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }[ السجدة : 13] وقال تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : من الآية119] .
فمن الشياطين الكافر ، ومن الشياطين المؤمن ، وكافرُ الشياطين عدو مبين ، نستعيذ بالله منه ، ونلعنه صباحا ومساءً وفي كل حين ، ومؤمنُ الشياطين متبع لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا أنه هو الذي أوحى لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ. هذا ما نعرفه ، وهذا ما تتكلم به كتبنا ، وغير ذلك هو من تدليس المدلسين وكذب الكذّابين .
ـ والاستدلال بحال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين نزول الوحي عليه ، بأن الذي يأتيه جني أساسه كذبهم في الرواية ، فزكريا بطرس ـ أو من ينقل عنه وجل ما يتكلم به كلامه هو ـ أضاف لهيئة النبي صلى الله عليه وسلم ـ حين نزول الوحي أنه يكون سكرانا .. يرغي ويزبد ويرمى في الأرض حين يتنزل عليه الوحي ، وهذا كلامه هو ، وقد بينت ذلك في الجزء الأول من هذا البحث ، فلم يكن شيء من هذا يحدث لنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين نزول الوحي عليه .
ويدل على ما سبق من قولي أشياء حدثت في الإسلام وحدثت في النصرانية ، منها :ـ
سحر النبي صلى الله عليه وسلم .
قصة الغرانيق العلى ، وآيات سورة الحج .
اختبار الشيطان للمسيح عليه السلام .
تسلط الشياطين على أنبياء العهد القديم.
أولا : سحر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
في سحر الشياطين للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمارة على ما قدمت لك ، إذ أنه لو كان رسول الشيطان .. لو كان يتكلم بما تملي عليه الشياطين .. لما سحروه وآذوه . أليس كذلك ؟
ألا ترى أنه عجب أن يقال أن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسول الشيطان ثم يقال سُحِرَ ؟
ليس عجبا فقط ، وإنما أمارة على التخبط والكذب .
يقولون نبي مسحور ، ويقولون تسلطت الشياطين عليه فتملكت منه وسحرته ، وكله مبالغات وكذبات كسيحات لا تبرح مكانها فتُفرح حبيبها أو تغيظ عدوها .
نعم سُحرَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والحديث في البخاري ـ وهذا نصّه عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : ( سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ قَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ قَالَ فِيمَا ذَا قَالَ فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ قَالَ فَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَقُلْتُ اسْتَخْرَجْتَهُ فَقَالَ لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ )
وكانت مدة سحره أياما وليست شهورا ولا سنين ولا طيلة حياته كما يقولون ، الثابت أنها كانت أياما قليلة ، وأنها لم تَطَلْ جانب الرسالة في شخص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنما غاية ما حدث أنه كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله .. يخيل أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ، أي يُخيل إليه أنه يستطيع أن يأتي النساء وحين يأتيهن لا يجد قوة على ذلك ، وهذا حال المسحور المعقود عليه ، لا يجد انتشارا حين يقرب النساء .
ولم يطل السحر شيئا من الوحي ، لم يؤثر السحر على الوحي ، فلم يُروَ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم هذي ـ ( من الهذيان ) أو قال شيئا من الوحي ثم اعتذر عنه بعد أن رُفع عنه السحر . فلم يؤثر السحر إلا على بدنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يدرِ أحد بسحره إلا أهل بيته ، بمعنى لم يتوقف تلق الصحابة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعاليمهم ، أو توقف هو عن الصلاة بالناس ، لم يحدث هذا ، كان نوع من المرض ، شعر به أهل بيته ، كما هو حال المربوط اليوم ، لا يدري به إلا أهل بيته .أو كما هو حال المسحور سحرا ما ، فليس كل من سحر يعرف الناس بسحره ، أو يؤثر سحره على سلوكه ؟ يكون السحر لشيء ما .. لمنعه من إتيان أهله ، أو لمنعة من مذاكرة درسه ، أو لمنعه من محبة فلان وجبره على محبة فلان . ولا يعلم به أحد إلا قريب معاشر ، فالسحر لا يعني ذهاب العقل .. نوع من المرض ، وهو ما حدث مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وفي سحر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمارات على النبوة :ـ
ـ منها طريقة الشفاء نفسها . خرَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لربّه ساجدا ،يناجي ربه ويسأله الشفاء فشفاه بملكين جاءاه وأخبراه عن مَنْ سَحره وأين دفن سحره وكيف يحل السحر . وهذه أمارة أخرى على نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلجأ إلى ربه ويشفيه ربه ، إذ أنه شُفي من أثر الشيطان بدعاء ربه وليس بشيطانٍ آخر .
ـ ومنها علمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمرٍٍٍٍٍ مغيبٍ عنه ، وهو مَن سحره وأين وضع السحر .
ـ وظهر حسن خلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين دفن البئر ولم ينتقم من ساحره .
وهي مشيئة الله أن يبتلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشتى أنواع البلاء من مغالبة الشياطين .. السحر ومن مغالبة الإنس في الحروب والخروج من بلده مهاجرا إلى ربه ، ومن الأمراض التي تصيب الأبدان ، ومن مجانبة الصواب في بعض الأمور أحيانا مثل ـ كما في أسرى بدر ـ ليعلم الناس أنه بشر ، وليزداد ثوابه ، وتعظم منزلته عند الله بما يتحمل في سبيل تبليغ رسالات الله . إلا أن اجتهادات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما يحدث له من العوارض الدالة على بشريته لا تطال الوحي ، فالوحي معصوم . فلا يكبر في صدر أحد من المسلمين أن يصاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشيء من هذا ، فهو بشر ، وليس إلهاً ، والعصمة للوحي ، لما يبلغ عن ربه .
وفي قرآن أن موسى عليه السلام خُيِّل إليه من سحر السحر أن عصيهم تسعى قال تعالى : { قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى }[طه:66] فها هو موسى أصابه سحر السحرة ـ سحر التخيل ـ فهل قيل أنه مسحور؟ هل يقدح هذا في نبوته ـ عليه السلام ـ ، وأيوب عليه السلام : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }[ص:41]
والعجب كل العجب من أهل الكتاب وهم يستمسكون بما يفهمونه خطئا من مرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سحره ، ويحاولون أن ينفون النبوة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه ؛ أيقدح عندهم في نبوة النبي أن يزني النبي بحليلة جاره وقائد جيشه كما يتكلمون عن داود ـ عليه السلام ـ ؟
أوَ يقدح عندهم في نبوة النبي أن يزني ببناته كما يتكلمون عن نوح ولوط ـ عليهما السلام ؟
أو يقدح عندهم في نبوة النبي أن تتسلط عليه الشياطين ؟! لا يقدح وقد تسلط الشيطان على عدد من الانبياء منهم المسيح وأيوب وغيرهما ـ عليهم السلام ـ ، وسيأتي في نهاية هذا الفصل مزيد بيان .
إن ما يتكلمون به ـ على فرض حدوثه جدلا وهو لم يحدث لا نسلم بحدوثه أبدا ولكن من باب التنزل في الخصومة ـ لا ينافي النبوة عندهم في دينهم ، فأمرُّ منه ـ وهو الزنى والعري وغير ذلك ـ لا يذهب بنبوة النبي عندهم . فلا ندري لم يقفون هنا ؟ ولا ندري لم يحاكموننا إلى ما لا يصح في ديننا ؟ ولا ندري لم يتغافلون عن أن مقاييس النبوة التي وضعوها هم تنطبق على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ! ألا ترى أنها نفوس مريضة تبحث عن شيء تصد به الناس عن دين الله ؟
قصة الغرانيق العلى ؟
يدعي ( بطرس ) أن هذه القصة وضعت القرآن في محنة كبيرة ، وأنها دلت على تحريف القرآن ، بل وكذبه ، ذلك أن القرآن تحدى الإنس والجن على أن يأتوا بمثله { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }[ الإسراء : 88] ،يقول وقد أتى الشيطان بمثله في قصة الغرانيق العلى .!!
ويستدل بالقصة على مداهنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبدة الأوثان من مشركي مكة ، ويستدل بالقصة على تسلط الشياطين على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أنها تتكلم بلسانه ، ويستدل بالقصة على أن القرآن وحي الشيطان وليس وحي الله .!!
ويستدل على القصة بأنها وردت في كل كتب المسلمين ويحكي إجماع الأمة على قصة الغرانيق وأن علماء الإسلام شهدوا بأن الشيطان قد أتى بسورة من القرآن ، يذكر صراحة النسفي والألباني في كتابه ( نصب المجانيق ) ، ووالله لا أدري كيف يتجرأ على الكذب هكذا ؟
كتاب الألباني الذي يشير إليه ( نصب المجانيق ) صنفه الشيخ من أجل إثبات عدم صحة قصة الغرانيق ، والشيخ الألباني محدث العصر ، واسم الكتاب كاملا ( نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق ) . وعلماء الإسلام الذين نعرفهم والذين يسميهم هو اشتد نكيرهم على القصة متنا وسندا .
أرأيت أكذب من بطرس ؟!
لا يعنيني هنا إثبات كذبه فقد فرغت منه في الجز الأول ، ولكن استوقفتني هذه الجرأة العجيبة على الكذب ، فلم أستطع غض الطرف عنها ، والمرور من جانبها دون الوقوف عليها .
القصة لا تصح لا متنا ولا سندا وقد أكثر علماء المسلمين في التكلم عن عدم صحة هذه القصة أنكروها سندا ، وأنكروها متنا .ولم يقل أحد أبدا أن الشياطين تكلمت على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، غير المرتدين والكافرين .
الإشكال يأتي من ضم آية الحج {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ الحج :52] إلى قصة الغرانيق المفتراة هذه .
هم يقولون أن قصة الغرانيق سبب لنزول هذه الآية ، وابن كثير والقرطبي والطبري والشوكاني والشنقيطي وابن حزم والفخر الرازي كلهم ينكرون ، ويشتدون في النكير على من قال بقصة الغرانيق العلى أو قال بأنها سبب لنزول هذه الآية .
وإن سلمنا جدلا أن قصة الغرانيق ثابتة ، وأنها سبب في نزول هذه الآية ، و أن الشيطان ألقى في أمنية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماذا في هذا ؟!
أفي هذا شيء؟ ، أفي هذا دليل على أي شيء مما يستنتجونه ؟!
أبدا .
الإشكال في الفهم الخاطئ لكلمة (أُمْنِيَّتِه ) الواردة في آية الحج ، (أُمْنِيَّتِه ) تعني قراءته ، ولذا تجد من أورد الرواية أورد فيها أن المشركين هم الذين سمعوا هذه الكلمات ( تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي ) ، أما المسلمون فلم يسمعوها ، فالشيطان يلقي في أسماع أوليائه من المشركين حين يتكلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .وفي هذا دليل بيَّن على عداوة الشيطان للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحرصه الشديد على النكاية بالدعوة الإسلامية . وفي نسخ ( محو ) ما تكلم به الشيطان في أسماع الكافرين أمارة على أن الدين محفوظ ، وأن شيئا من الخطأ لم يقر . وأن شريعة نقية ؛ وأمارة أخرى على صدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما يبلغ عن ربه ( فإذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن نفسه إن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ وإن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك كان أدل على اعتماده للصدق وقوله الحق ، وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها : لو كان محمد كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) ألا ترى أن الذي يُعظم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كلَّ ما قاله ولو كان خطأَ فبيان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الله أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان هو أدلُّ على تحريه للصدق وبراءته من الكذب ، وهذا هو المقصود بالرسالة فإنه الصادق المصدوق ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولهذا كان تكذيبه كفرا محضا بلا ريب )
وأريد أن أقف هنا وقفه تحت هذا العنوان :
ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله .
نصوص الشريعة بعضها مُحكم ، يعرف معناه دون الرجوع لغيره ، وهو الكثير الغالب في القرآن الكريم ، قال الله تعالى : { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ }[ آل عمران : من الآية 7 ] وبعضها متشابه إضافي ( ويقال له أيضا محكم إضافي ) لا يعرف معناه إلا بغيره مثل المطلق مع مقيدة والمجمل مع مفصله والعام مع مخصصه والمنسوخ مع ناسخة ، وبعضها متشابه حقيقي لا سبيل للوصول إلى معناه وهو قليل نادر ، لا يتعلق به حكم شرعي ، وليست فيه أخبار عن السابقين ولا اللاحقين ، مثل الحروف المقطعة في فواتح بعض السور .
وقريب من هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ) .
فهناك أمور حدثت وأمور شرعت وأخبار تُلِيَتْ متشابه تحتاج لبيان أو لا تتضح مع البيان ، ومنها إلقاء الشيطان في قراءة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والعلة في ذلك مذكورة في ذات السياق { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } [ الحج 53 ـ 54 ] .
أي أن هذا يحدث ليُظهر الله للناس الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم .. الظالمين .. الذين هم في شقاق بعيد .ويحدث هذا ليظهر الله للناس إيمان المؤمنين المخبتين الذين هداهم الله إلى صراطه المستقيم .
وتجد هذه العلة دائرة مع ذكر المتشابه في القرآن الكريم ، في سورة البقرة بعد أن نص على أن من القرآن المحكم ، وأنه أم الكتاب ، وأن منه المتشابه ، أخبر أن الذين في قلوبهم زيغ هم الذين يتبعون المتشابه ، قال تعالى : { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }[ آل عمران : 7 ] وتلا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الآية ثم قال ( فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فإولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم ) . فلاحظ أن الذين يتبعون المتشابه هم الذين في قلوبهم مرض ، وسبب ذلك ـ كما تنص الآية ـ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله
وسألت يهود رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن خزنة النار ، يريدون حديثا عن غيب ، كي يعرفوا أنه نبي يوحى إليه ، فأجابهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما يوافق ما في أيديهم من الكتاب . ونزل القرآن يهدد الوليد بن المغيرة ـ الذي فكر وقدر وقال إن هذا إلا سحر يؤثر واغتر بالبنين الشهود والمال الممدود ـ ويجيب اليهود: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَر . لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ . لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ . عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) { المدثر : من الآية 26 ـ 30}
سمع أبو جهل الآيات فعَمِي عن أنها (لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ) ، وعَمِي عن أن العدد بلا تميز ، وهو أسلوب ترهيب وتهويل ، وأخذته الجهالة فظن أنهم بشر مثله ، ونادي في قومه : يا معشر قريش ما يستطيع كل عشرة منكم أن يغلبوا واحدا من خزنة النار وأنتم الدَّهْم ؟ فصاحبكم يحدثكم أن عليها تسعة عشر . ؟
وتَحَمَّسَ كِلْدَة الْجُمَحِيّ (أبو الْأَشَدّ ) ، وقال : يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين وأنا أكفيكم سبعة عشر .!!
وجاءت الآيات تبين أن ذكر العدد ـ بلا تميز هكذا ـ جاء ليفضح الله به أصحاب القلوب المريضة ، وليستيقن اليهود من أن هذا نبي يوحى إليه ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا . قال الله : {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } [المدثر: 31]
ولم يَرُقْ لمجموعة من المنافقين ذكرُ الذباب والعنكبوت في القرآن الكريم فقالوا متعجبين : ما بال الله يتكلم بهذا الكلام لو كان القرآن من عند الله لما ذكر فيه مثل هذه الأشياء ــ الذباب والعنكبوت ــ فأنزل الله {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ }[ البقرة : 26] .
فذكر الذباب والعنكبوت يضل الله به كثيرا ويهدي به كثيرا . ولكن من يُضل ؟ إنهم الفاسقون .
ومثله : {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }[ الإسراء:60]
وفي القرآن شواهد كثيرة تبين أن الله سبحانه وتعالى ينزل من الآيات ويشرع من الأحكام ما يُظهر به فساد القلوب الفاسدة أصلا التي لا تظهر إلا بهذه الآيات و تلك الأحكام .
وشيء آخر ، هو أن الذين في قلوبهم مرض ليس فقط يتبعون المتشابه بل يفتعلونه إن لم يجدونه ، فمذهبهم ( الاعتقاد ثم الاستدلال ) ، ويفتعلون المتشابه ، عن طريق بتر النص ، أو بعدم الجمع بين أطراف الأدلة ، أو إهمال الدليل المضاد ، أو استخدام مقدمات عقلية أو عرفيه لفهم النصوص مستغلين في ذلك جهالة المستمع . وهذا بيِّن جدا في الكذاب اللئيم زكريا بطرس ، ومن لفَّ لفه .
لماذا هذا الاسترسال ؟
يضيق صدر بعضهم ببعض الأمور التي لم يأت فيها الشرع ببيان شافٍ ، مثل قصة الغرانيق العلى ، ومثل ( سحر النبي ) ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعض الأحكام في الشريعة ، وود أنها لم تكن ... أن نزل فيها بيانا شافيا ، ونقول لهؤلاء أرح قلبك وعقلك ، ولا عليك سوى بيان الحق للناس ، فالأمر مرده للقلوب لا للنصوص .. الخلل في النفوس وليس في النصوص ، وقد كانت نفس الآيات تتلى على الجمع الواحد فيهتدي بها قوم ويضل بها قوم ، ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) [ التوبة : 124ـ 125 ) .
وإذا كان الأمر مرده للقلوب ، وإذا كانت هناك نفوس مريضة لا تزداد على سماع الحق إلا ضلالا وعمى فعلينا أن نبين الحق ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . قال الله "كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [ الأعراف : 2] ، وعلينا أن نشير لكل من جادل في المتشابه أو افتعله ، من الكافرين أو الفاسقين ، بأن الله قد نبأنا من أخبارهم وأنهم هم الذين في قلوبهم زيغ . الذين يجادلون ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله .
ثالثا : أنبياء الله والشيطان في الكتاب المقدس .
هكذا حال الأنبياء مع الشيطان من يوم كان ، فهو عدو مبين لكل المصلحين ، ونجد في الكتاب المقدس ( لوقا : 4 ) أن المسيح ـ عليه السلام ـ لم يَسْلَمْ هو الآخر من كيد الشيطان ، ففي الكتاب ( المقدس ) أن الشيطان تملك من المسيح وصار به أربعين يوما في البرية يصعد به جبالا وينزل به أودية ، ويدخل به ( أورشليم ) ويخرج به للبرية ، ويأمره بالسجود له ( للشيطان ) ويُمَنْيه بممالك العالم ، أربعين يوما ، ولم نجد مثل هذا مع النبي ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ فحين تفلت عليه وأراد أن يقطع عليه الصلاة .. فقط أراد أن يقطع عليه الصلاة أخذه وربطه ، ثم تركه تكرما منه وتفضلا ، وتجملا مع نبي الله سليمان عليه السلام .
فهذا المسيح يتعرض له الشيطان ، ليس فقط للحظات بل يقتادته ويسرح به حيث شاء أربعين يوما أو يزيد ، أسر كامل من الشيطان للمسيح ـ عليه السلام ـ ، ويقولون إله !!.
ونسأل كيف يأمر الشيطان الرب بأن يسجد له ؟
وليس فقط المسيح ـ عليه السلام ـ بل ونفر كثير من أنبياء الله في الكتاب المقدس ، تعرض لهم الشيطان ولم ينتصروا عليه بل أغواهم . على سبيل المثال لا الحصر:
دواد عليه السلام : جاء في سفر أخبار الأيام الأولى [ 21 : 1 ] :( وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ )
وجاء في سفر أيوب الإصحاح الأول والثاني أمر في منتهى العجب ، الشيطان يفد بين يدي الرب مع عباده ، والرب يسلم أيوب للشيطان ، والنص يقول في العدد 12 من سفر أيوب الإصحاح الأول : ( فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ ) ، وفي الإصحاح الثاني من ذات السفر ـ سفر أيوب ـ العدد الثالث نجد أن الشيطان يهيج الرب على أيوب 3 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ».
.وفي الفقرة السابعة نجد أن الشيطان يصيب أيوب بمرض من قدمه إلى رأسه اسمع : (7 فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ ) كما يقول كاتب السفر.
وفي سفر زكريا الإصحاح الثالث نقرأ أن الشيطان كان بجوار نبي الله ( يهوشع ) وهو يخاطب الملاك ويقاومه ، يقول كاتب السفر : (1 وَأَرَانِي يَهُوشَعَ الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ قَائِمًا قُدَّامَ مَلاَكِ الرَّبِّ، وَالشَّيْطَانُ قَائِمٌ عَنْ يَمِينِهِ لِيُقَاوِمَهُ) .
وهذا بخلاف ما فعله الأنبياء من معاصي ـ بزعم الكتاب ( المقدس ) ـ بإغواء الشيطان لهم من زنى وتطاولٍ على رب العالمين . وغير ذلك مما ذكرتُ في الفصل الأخير من الجزء الأول من هذا البحث .
وفي لوقا 22: 3 ، دخل الشيطان في يهوذا الاسخريوطي ، وهو من جملة التلاميذ الإثنى عشر ، وكيف يكون هذا ، وهو ممتلئ بروح القدس ( اقنوم الله الثاني ) هل يستطيع الشيطان ان يطرد الروح القدس ؟
التّثـليــــــث
رغبة في الاختصار ونفورًا من التّطويل لم أشأ الدّخول في متاهات شديدة الوعورة والظّلمة ترتبط بموضوع التّثليث، ومن تلك المتاهات ألوهيّة المسيح وبنوّته، وطبيعة الله اللاّهوتيّة والنّاسوتيّة .. إلخ، رغم أهمّيّة تلك المواضيع وعلاقتها الوطيدة بعقيدة التّثليث، وعدم رغبتي في دخول تلك المتاهات هو لشعوري أنّ البحث حينها سيطول جدًّا، وسيتشعّب ممّا يخرجه عن الهدف من وضعه؛ ذلك أنّ الهدف من كتابي ليس أن يصنّف ضمن الدّراسات العلميّة المتقدّمة، فيكون في متناول الباحثين المتخصّصين فقط، وإنّما الغاية منه أن يكون رسالة إعلاميّة سريعة يصل إليها النّصرانيّ العاديّ، ورجل الشّارع، دون أن يثقل كاهله كتابي إضافة إلى مشاغله اليوميّة، ومن ثمّ فضّلت التّعبير عن مناقضة التّثليث للعقل ومصادمته لكلّ منطق وعلم وتفكير بشريّ ببعض هذه الخواطر، وأعترف للقارئ أنّي وجدت صعوبة بالغة في اختياري النّقطة التي أنطلق منها في حديثي عن التّثليث، فمن أين أبدأ؟
التّثليث أهمّ اعتقاد يؤمن به النّصارى، فلا خلاص ولا غفران ولا دخول للجنّة إلاّ بالإيمان بأنّ الله هو ثلاثة أقانيم: الأب، الابن، الرّوح القدس، وهؤلاء الثّلاثة – في نظر النّصارى – ليسوا ثلاثة بل هم واحد، فالأب إله تامّ، والابن إله تامّ، و الرّوح القدس إله تامّ، لكنّ هؤلاء الآلهة التّامين ليسوا ثلاثة آلهة بل هم إله واحد تامّ!!
أنا أعلم أنّك – أيّها القارئ – لا تفهم شيئًا ممّا أقوله، لكن اعذرني فهذا قول القساوسة، هم ثلاثة آلهة… لكن يستدركون فيقولون لكنّهم واحد، وهو إله واحد، لكن يستدركون فيقولون لكنّهم ثلاثة آلهة، ثلاثة في الواحد وواحد في الثّلاثة!
وإذا كان من واجبي كباحث في هذا الموضوع أن أشرح لك هذا الكلام، فأعتذر إليك مسبقًا بقولي: "إنّ فاقد الشّيء لا يعطيه"؛ لأنّي كسائر علماء اللاّهوت ورجال الدّين والفلاسفة والمفكّرين لم أصل لغاية السّاعة لشرح أو فهم لذلك الكلام !
والتّثليث عند المسلمين كفر بالله لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة وما من إله إلاّ إله واحد وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الذين كفروا منهم عذاب أليم المائدة 73.
وهي عند الفلاسفة والمفكّرين أكبر خرافة في هذا الكون، جاء في مجلّة التّايم عدد 4 سنة 1966، ص 57، "إنّ الكتاب المقدّس – بما فيه من خطيئة وكفّارة وتثليث – هو أكبر مجموعة من الخرافات في تاريخ الحضارة الغربيّة ".
وهي عند المؤرّخين وعلماء مقارنة الأديان حلقة من حلقات الوثنيّة التي بدأت منذ فجر التّاريخ.
أمّا عند القساوسة والكنيسة فهي سرّ ولغز مقدّس! لا يمكن فهمه في هذه الدّنيا ولا تصوّره على حقيقته، جاء في أحد المجامع الكنسيّة، وهو مجمّع لاتيران، الذي عقد سنة 1315 م [ إنّنا نؤمن إيمانًا جازمًا من أعماق قلوبنا بأنّ هناك إلهًا واحدًا خالدًا لا نهائيًّا لا يحول ولا يزول، إلهًا لا نفهمه، عظيمًا لا يمكن التّعبير عنه: الأب والابن وروح القدس ..] ويقول القسّ بوطر بعد استعراضه عقــيدة التّثليث: » قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا ونرجو أن نفهمه فهمًا أكثر جلاء في المستقبل، حيث ينكشف لنا الحجاب عن كلّ ما في السماوات والأرض، وأمّا في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه الكفاية«.
ولننتقل الآن إلى تعريفات النّصارى للثّالوث وما هو المفهوم الذي يولونه لهذا المصطلح؛ يقول القسّ سامي حنا غابريال في كتابه (الله واحد أم ثالوث؟): » المسيحيّة تعلم أنّ الله الذي لا شريك له هو واحد في الجوهر موجود بذاته، ناطق بكلمته، حيّ بروحه، و يمكن أن نقول إنّ الله واحد في ثلاثة أقانيم والثّلاثة هم واحد، هم الله، دون انفصال أو تركيب، متساوون، إنّهم جميعًا الله، وكلّ أقنوم منهم هو الله، وهو ما تعلنه المسيحيّة بوضوح، الله موجود بذاته "الأب"، الله ناطق بكلمته "الابن" الله حيّ بروحه "الرّوح القدس"… والأقانيم الثّلاثة: الأب والابن والرّوح القدس واحد في الجوهر متساوون في كل شيء، في السرمدية ( الأزلية والأبدية ) وفي القدرة وفي كل ما يخص الله الواحد«.
يقول الأب بولس إلياس اليسوعي في كتابه ( يسوع المسيح ): من الناس من يقولون لماذا يا ترى إله واحد في ثلاثة أقانيم؟ أليس من الأفضل أن يقال إله واحد وحسب؟ لكننا إذا اطلعنا على كنه الله لا يسعنا إلا القول بالتثليث، وكنه الله محبة، ولا يمكن إلا أن يكون محبة، ليكون الله سعيدا، فالمحبة هي مصدر سعادة الله، ومن طبع المحبة أن تفيض وتنتشر على شخص آخر فيضان الماء وانتشار النور، فهي إذن تفترض وجود شخصين على الأقل يتحابان، وتفترض مع ذلك وحدة تامة بينهما، وليكون الله سعيدا، ولا معنى لإله غير سعيد، وإلا انتفت عنه الألوهية، كان عليه أن يهب ذاته شخصا آخر يجد فيه سعادته ومنتهى رغباته، ويكون بالتالي صورة ناطقة له.
ولهذا ولد اللهُ الابن منذ الأزل نتيجة لحبه إياه ووهبه ذاته، ووجد فيه سعادته ومنتهى رغباته وبادل الابنُ الأب هذه المحبة ووجد فيه هو أيضا سعادته ومنتهى رغباته، وثمرة هذه المحبة المتبادلة بين الأب والابن كانت الروح القدس، هو الحب إذن يجعل الله ثالوثا وواحدا معا…ولا يصح أن يكون هذا الكائن الذي حبس اللهُ الأبُ محبته عليه إلا الابن، ولو كان غير الابن، ولو كان خليقة غير محدودة، بشرا أو ملاكا، لكان الله بحاجة إلى من دونه كمالاً، وعُدّ ذلك نقصًا في الله والله منزّه عن النّقص، فتحتّم إذًا على الله والحالة هذه أن يحبس محبّته على ذاته فيجد فيها سعادته؛ لهذا يقول بولس الرّسول: إنّ الابن هو صورة الله غير المنظور… ليس الله إذًا كائنًا تائهًا في الفضاء، منعزلاً في السّماء، لكنّه أسرة مؤلّفة من أقانيم ثلاثة تسودها المحبّة، وتفيض منها على كلّ الكون براءته، وهكذا يمكننا أن نقول إنّ كنه الله يفرض هذا التّثليث «.
إنّ هذا التّفكير وإن كان يثير السّخريّة إلاّ أنّه منتشر جدًّا بين رجال الكنيسة، فهم يرون أنّ الله يجب أن يكون كائنًا مركّبًا حتّى يستطيع ممارسة صفاته الأزليّة كالسّمع والبصر والمحبّة وغيرها؛ أي أنّ الله قبل خلق العالم لم تكن صفاته معطّلة، لأنّه كان يمارس تلك الصّفات مع نفسه أو مع ابنه، لذلك وُجد الثّالوث كضرورة، لأنّه لو قلنا إنّ الله لم يكن يمارس صفاته وأفعاله قبل خلق العالم ثمّ مارسها بعد خلق العالم لحكمنا على صفات الله وأفعاله بأنّها كانت معطّلة، وعلى الله بالتغيّر من حالة إلى حالة، وهذا مستحيل لأنّ الله لا يتغيّر.
يقول القسّ سامي غابريال: » إذا كان الله محبًّا، سميعًا، عليمًا.. ناطقًا.. وأنّه غير متغيّر فماذا عن قبل الخلق؟ هل كانت صفات الله موجودة؟ نعم فهو غير متغيّر … وإن كان الله ناطقًا محبًّا، قبل أن يخلق.. فمع من كان يمارس صفاته وأعماله؟ هل كانت عاطلة… قبل خلق العالم… ثمّ صارت عاملة بعد الخلق؟ كلاّ و لو أنّ الله مطلق الوحدانيّة في الجوهر؛ فقبل أن يخلق ما معنى إذا سميع.. ناطق.. محبّ.. إذًا لا يمكن أن تكون وحدانيّة الله وحدانيّة مطلقة، مجرّدة، بل لا بدّ أن يكون الله الواحد في الجوهر جامعًا في وحدانيته، وبذلك يمارس صفاته بينه وبين نفسه لا بالوحدانيّة المجرّدة بل بوحدانيّته الجامعة الشّاملة الواحدة، وحيث أنّ صفات الله لا يمكن أن تكون قائمة في ممارستها إلاّ بين كائنين، أو أكثر أو بين عاقلين أو أكثر… وبما أنّ الله مع وحدانيّته وتفرّده بالأزليّة وعدم وجود تركيب فيه… كان يمارس الصّفات الإلهيّة بينه وبين ذاته… إذًا فوحدانيّة الله مع عدم وجود تركيب فيها هي وحدانيّة ليست مجرّدة، بل وحدانيّة من نوع لا مثيل لها في الوجود يمكن أن نسمّيها الوحدانيّة الشّاملة أو الجامعة «. وهي ما دعاها هذا القسّ وسمّتها الكنيسة وحدانيّة الثّالوث.
لقد أوردت كلام القساوسة السّابقين على طوله ليعرف النّصارى وغيرهم مقدار تفكير القسس والحجج التي يستندون إليها لتجويز الاعتقاد بالثّالوث، وإنّ هذا الاحتجاج السّخيف جدًّا ينقلب ضدّ القسس وضدّ الكنيسة وضدّ عقيدة التّثليث؛ إذ لو اعتقدنا أنّ صفات الله وأفعاله يجب أن تكون موجودة قبل خلق العالم وأنّ تلك الصّفات تمارس بين الأقانيم الثّلاثة وجب علينا إذًا أن لا نقتصر على الأمثلة التي يضربها القساوسة عن الصّفات الإلهيّة بل وجب التّعميم على جميع الصّفات والأفعال الإلهيّة، وهنا أتساءل أليست من صفات وأفعال الله الخلق وأنّ الله خالق؟ ستقولون بلى، وأقول هل كانت صفة الخلق معطّلة قبل خلق العالم ؟، ستقولون كلاّ.
وسأقول فإذن مع من كان يمارس صفة الخلق؟
لا شكّ وفق تفكيركم السّابق أنّ الله كان يمارسها مع نفسه أو ابنه أو مع الثّالوث 'الوحدانيّة الشّاملة كما يسمّيها القسّ غابريال'، فهل يمكن أن تشرحوا لنا كيف كان يمارس الله صفة وفعل الخلق مع نفسه أو ابنه أو ثالوثه، هل كان الله يخلق ذاته؟ فإذًا الله مخلوق ! هل خلق الله الابن؟!، لكنّ الكتاب المقدّس يقول عن الابن مولود غير مخلوق !، ماذا كان الله يخلق قبل خلق العالم حتّى يقال عنه خالق، وإنّه يملك صفة الخلق العاملة المعطّلة! ؟ أرأيتم أنّكم أيّها القساوسة تتورّطون في دفاعات متخبّطة عشوائيّة توقعكم في ورطات لا مخرج منها؟ وهذا مثال واحد عن صفة واحدة ضربته لكم فكيف بعشرات، بل بمئات الصّفات والأفعال التي تُنسب إلى الله؟
نعود الآن إلى الأقانيم الثّلاثة، ما معنى كلمة أقنوم؟
يقول النّصارى إنّ "الأقنوم" كلمة سريانيّة تعني كلّ ما تميّز عن سواه دون استقلال، وفي موضوع الثّالوث تعني وجود ثلاثة أشخاص متّحدين دون امتزاج ومتميّزين دون انفصال.
نسأل النّصارى هل لكم أن تضربوا لنا مثالاً واحدًا في هذا الكون "غير الثّالوث" يصدق عليه مصطلح الأقنوم،… لن تستطيعوا ذلك لأنّ المعنى 'المفبرك' الذي أضفيتموه على مصطلح الأقنوم لا تقبله العقول؛ لذا لا يصدق على أيّ مثال واقعيّ مادّيّ أو معنويّ، ثمّ لماذا يرد هذا المصطلح الفريد من نوعه بالسّريانيّة دون اللّغات الأخرى كالعبريّة مثلاً وقد كانت لغة العهد القديم؟ ألم يكن لذلك المصطلح وجود حينها؟ ثمّ لماذا لم يرد هذا المصطلح في العهد الجديد؟!
وأخاطب الآن نصارى العرب، ما هي ترجمة مصطلح أقنوم إلى العربيّة؟ ستقولون عجزت اللّغة عن إيجاد مصطلح مطابق للمعنى الذي ورد بالسّريانيّة، فيا سبحان الله ! اللغة العربيّة الغنيّة بمصطلحاتها والثّريّة بمترادفتها تعجز أمام السّريانيّة !، اللغة العربيّة التي تحتوي على عشرات المفردات المترادفة لمعنى واحد عاجزة أن تجد كلمة تعبّر بها عن أهمّ شيء في هذا الكون وهو الله أو أحد أجزائه !
مع ذلك نرى في بعض كتب النّصارى محاولات لترجمة قريبة، مع كونها منتقدة من النّصارى أنفسهم لإيحائها بالشّرك؛ فممّا قيل عن الأقانيم أنّها: خواصّ، صفات، أجزاء، أشخاص، أعضاء، أطراف، أقسام، أشياء، عناصر، تعينات … إلخ.
ولمّا استعصى فهم مصطلح الأقانيم راح رجال الكنيسة يضربون للثّالوث الأمثال ليقربوا معناه للأفهام، فقال بعضهم إنّ الثّالوث كالشّمس متكوّنة من ثلاثة أجزاء: القرص، الحرارة، الشعاع، لكن هل القرص هو الشعاع؟ وهل القرص هو الحرارة ؟ و هل الشّعاع هو الحرارة؟ فالمثال لا ينطبق على الثّالوث لأنّ الأب هو الابن، والابن هو ذاته الرّوح القدس، والأب هو عينه روح القدس، وبعضهم يمثّل الثّالوث بالتفّاحة، لأنّها متكوّنة من شكل وطعم ورائحة، وهل الرّائحة هي التفّاحة كاملة، وهل الشّكل هو التفّاحة كاملة، وهل الطّعم هو التفّاحة كاملة؟ ولا شكّ أنّ هذا المثال يلحق بسابقه.
ويضرب سانت أغسطين مثالاً معقّدًا، وهو 'أنّ الثّالوث يشبه الدّماغ، فالدّماغ يعلم بوجود ذاته، وأداة العلم هي الدّماغ نفسه، فالعلم هو الدّماغ، والمعلوم هي الدّماغ، وأداة العلم هي الدّماغ فهي إذن ثلاث صفات لشيء واحد، لكن لا يقال إنّ الدّماغ ثلاثة'، وهذا المثال لا يستقيم؛ لأنّ الدّماغ المذكور واحد في الحقيقة وتثليثه اعتباريّ ليس حقيقيًّا، في حين أنّ النّصارى يؤمنون في الإله بالتّوحيد الحقيقيّ والتّثليث الحقيقيّ، والدّماغ كعالم ليس كائنًا متميّزًا ولا منفصلاً ولا مستقلاً عن الدّماغ كمعلوم، ولا عن الدّماغ كأداة علم؛ في حين أن أقانيم الثّالوث منفصلة عن بعضها، فالأب كائن متميّز ومستقلّ عن الابن، والابن كائن متميّز ومستقلّ عن الرّوح القدس، وروح القدس كائن متميّز ومستقلّ عن سابقيه.
وقد انتقد بعض رجال الكنيسة كلّ هذه التّمثيلات والتّشبيهات، وقالوا بعدم جواز ضرب الأمثال مهما كانت، لأنّ تلك الأمثال مخلوقة يمكن إدراكها بالعقل، أمّا الثّالوث فهو كائن غير مخلوق لذا لا يمكن إدراكه بالعقل، وأيّ تمثيل أو تشبيه هو تمثيل وتشبيه مع الفارق.
قال البوصيريّ في فضح التّثليث:
ليت شعري هل الثّلاثة في الوا
أإله مركّب!، وما سمعنا
أتراهم لحاجة واضطرار
أهو الرّاكب الحمار فيا عجز
أم جميع على الحمار لقد جلّ
أم سواهم هو الإله فما نسبة
أم أردتم بها الصّفات فلمّا
أم هو ابن الإله ما شاركته
قتلته اليهود فيما زعمتم
حدّ نقص في عدّكم أم نماء؟
بإله، لذاته أجزاء
خلطوها وما بغى الخلطاء
إله يمسّه الإعياء
حمار يجمعهم مشّاء
عيسى إليه والانتماء؟
خُصّت ثلاث بوصفه وثناء؟
في معاني النبوّة الأنبياء
ولأمواتكم به إحياء
هل ورد ذكر الثّالوث والأقانيم الثّلاثة في العهد القديم، أو على لسان الأنبياء و الرّسل الذين سبقوا المسيح؟
لم يحدث ذلك إطلاقًا ! فأسفار العهد القديم خالية من أيّ تثليث ولم تشر إلى أنّ الله مكوّن من ثلاثة أقانيم أو أجزاء، ولم يُعلم أو يُسمع أنّ الله أخبر نوحًا أو إبراهيم أو موسى أو داود أنّه إله واحد في ثلاثة آلهة؛ وإذا تصفّحت بإمعان أسفار العهد القديم فلا يمكن أبدًا أن تقع عينك على كلمة ثالوث أو على صيغة الأب والابن والرّوح القدس، كما يعتقد بها النّصارى اليوم، أليس غريبًا حقًّا ! أنّ عقيدة مثل هذه، وبهذه الأهمّيّة والخطورة، يتوقّف عليها هلاك النّاس أو نجاتهم لا نرى لها أيّ إشارة في التّوراة وكتب الأنبياء لا تصريحًا ولا تلميحًا، فلماذا؟
ألم يكن الله قد قرّرّ بعد إخبار البشر بها، أم أنّ البشر لم يكونوا في ذلك الوقت قادرين على استيعابها وإدراكها مثلما لم يستوعبها أحد حتّى الآن !؟
وإنّ الإنسان ليزداد حيرة وتعجّبًا إذا وقعت عيناه في أسفار العهد القديم المقدّسة على تفاصيل زنى داود بزوجة قائد جيشه، وتفاصيل زنى لوط بابنتيه، وتفاصيل جسد المرأة في نشيد الإنشاد لسليمان، وزنى يهوذا بكنته، وإنّ الإنسان ليملّ من تفاصيل الأعداد والأرقام والأحجام والأوزان والمسافات التي تقدّمها أسفار العهد القديم عن قبائل اليهود وأنسابهم وأملاكهم وأحصنتهم وحميرهم، ثمّ تفاصيل أبعاد هيكل سليمان.. حتّى إنّك إذا اطّلعت على بعض الأسفار وجدتها أقرب إلى دفتر الحسابات منها إلى كتاب هداية، كلّ هذه التّفاصيل ذكرت حسب النّسخة الموجودة عندي الآن في 1358 صفحة، وضاق العهد القديم فلم يفسح مجالاً لجملة واحدة عن الثّالوث يقول فيها الله مثلاً: 'أنا ثالوث مكوّن من ثلاثة أقانيم: أب وابن و روح قدس'، أليس هذا غريبًا حقًّا !؟
وفي مقابل ذلك نعثر على مئات الآيات في العهد القديم التي تصف الله بالوحدانيّة وتقرّر تفرّده بالألوهيّة والرّبوبيّة.
(اسمع يا إسرائيل الربّ إلهنا ربّ واحد)( ).
(فاعلم اليوم وردّد في قلبك أنّ الربّ هو الإله في السّماء من فوق وعلى الأرض من أسفل ليس سواه)( ).
(انظروا الآن أنا أنا هو وليس إله معي)( ).
(أنا الربّ وليس آخر، لا إله سواي)( ).
(أليس أنا الربّ ولا إله آخر غيري، إله بارّ ومخلص ليس سواي التفتوا إلي وأخلصوا يا جميع أقاصي الأرض لأنّي أنا الله وليس آخر)( ).
والآيات كثيرة وكلّها تتّفق على وحدانيّة الله، بلا ثالوثيّة أو أقنوميّة، أمّا ما يذهب إليه بعض رجال الدّين بأنّ العهد القديم لمّح إلى التّثليث في بعض الآيات فهو غير صحيح، وما يفعلونه هو لَيُّ أعناق الآيات لتطابق هواهم، لكن هيهات هيهات، وأكبر دليل على غياب التّثليث في العهد القديم هو موقف اليهود – أصحاب العهد القديم- من المسيح إذ اعتبروا أقوال المسيح الغامضة حول البنوّة والألوهيّة تجديفًا وكفرا ولذلك عارضوه أشدّ المعارضة فصلبوه في زعم الإنجيل.
أمّا في العهد الجديد فالآيات التي ذكرت عن الثّالوث قليلة جدًّا جدًّا خاصّة في الأناجيل الأربعة، ولعلّ أكثر الآيات المصرّحة بالتّثليث، والتي يعتمدها القساوسة كأساس لذلك الاعتقاد هو ما جاء في رسالة يوحنّا الأولى (فإنّ الذين يشهدون في السّماء هم ثلاثة الأب والكلمة والرّوح القدس، وهؤلاء الثّلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الرّوح والماء والدم والثّلاثة هم في الواحد)( ).
إنّ هذه الآية لغز غامض! هل تعلم أيّها القارئ النّصرانيّ أنّ هذه الآية مزيّفة 'مفبركة' ملحقة بالنصّ الإنجيليّ، الأصلي وليست منه، فقد حكم كبار علماء النّصارى على هذه الآية بأنّها إلحاقيّة منهم هورن وجامعو تفسير هنري وسكات وآدم كلارك في تفسيره وغيرهم، والأسباب هي:
- أنّها لا توجد في نسخة من النّسخ اليونانيّة التي كُتبت قبل القرن
السّادس عشر للميلاد.
- أنّها لا توجد في أيّ ترجمة من التّراجم القديمة غير اللاّتينيّة.
- أنّها لا توجد في معظم النّسخ القديمة اللاّتينيّة.
- لم يتمسّك بها أحد من القدماء ومؤرّخي الكنيسة.
- إنّ البروتستانت أسقطوا الآية من كتبهم ووضعوا عليها علامة
الشكّ.
- إنّ الكاثوليك والأرثودكس بدأوا ينزعونها من الإنجيل شيئًا فشيئًا.
ولذلك اختلفت طبعات الكتاب المقدّس حول إثبات أو حذف هذه الآية فبعضها يثبتها والبعض الآخر يحذفها، نجد الآية مثلاً في الكتاب المقدّس، طبعة دار الكتاب المقدّس بالقاهرة سنة 1970: (فإنّ الذين يشهدون في السّماء هم ثلاثة: الأب والكلمة والرّوح القدس وهؤلاء الثّلاثة هم واحد)، وجاء في الكتاب المقدّس، طبعة دار الكتاب المقدّس في الشّرق الأوسط سنة 1988، (فإنّ الذين يشهدون في السّماء هم ثلاثة: الأب والكلمة والرّوح القدس وهؤلاء الثّلاثة هم واحد).
والآية ذكرت في طبعة العهد الجديد الثّانية 1980 والثّالثة 1984، وعلى طاولتي الآن ثلاث طبعات أخرى للعهد الجديد حُذفت منها الآية المذكورة منها الطّبعة الرّابعة للعهد الجديد إصدار اتّحاد جمعيّات الكتاب المقدّس سنة 1993، وكذلك طبعة 1994، للنّاشر نفسه حيث جاء في الآية: (والذين يشهدون هم ثلاثة الرّوح والماء والدم وهؤلاء الثّلاثة هم في واحد)، ونلاحظ هنا – أخي القارئ – أنّ اتّحاد جمعيّات الكتاب المقدّس الذي أشرف على طباعة العهد الجديد، وحذف الآية الدّالّة على التّثليث هو نفسه الذي أشرف على الطّبعات السّابقة التي وردت فيها الآية !.
جاء في الكتاب المقدّس العهد الجديد، منشورات دار المشرق، بيروت، الطّبعة الحادية عشرة: وهي نسخة كاثوليكيّة (والذين يشهدون ثلاثة: الرّوح والماء والدم وهؤلاء متّفقون)، وورد تعليقً على ذلك في هامش الصّفحة في بعض الأصول ما يلي: "الأب والكلمة والرّوح القدس، وهؤلاء الثّلاثة هم واحد، لم يرد ذلك في الأصول اليونانيّة المعوّل عليها، والأرجح أنّه شرح أُدخل إلى المتن في بعض النّسخ، والرّوح: الرّوح القدس، والماء: المعموديّة، الدم: دم المسيح ".
وجاء في طبعة الإنجيل كتاب الحياة ترجمة تفسيريّة للعهد الجديد، صدرت سنة 1973، (فإنّ هنالك ثلاثة شهود: الرّوح والماء والدم وهؤلاء الثّلاثة هم في الواحد)، وهناك طبعات عديدة للبروتستانت تضع الآية المذكورة بين هلالين موضّحة أنّ ما داخل الهلالين غير موجود في الأصل.
وبين يديّ الآن نسخة للكتاب المقدّس باللّغة الفرنسيّة من منشورات الاتّحاد العالميّ للكتاب المقدّس، 1982 ورد في الصّفحة الأولى لهذه الطّبعة ما يلي: Traduction oecumenique de la bible.
وفي مقدّمة هذه النّسخة جاء فيها شرح كلمة oecumenique بأنّها تعني نسخة متّفق عليها من قبل الكاثوليك والأرثودكس والبروتستانت، وقد اطّلع على النّسخة قبل طبعها عشرات المتخصّصين من الطّوائف الثّلاثة وأقرّوا جميع ما فيها، وعند بحثنا عن الآية التي نحن بصددها في رسالة يوحنّا الأولى 5: 7 نجدها قد حُذفت، وباتّفاق الطّوائف الثّلاثة وحُذفت كذلك في النّسخة الأخيرة باللّغة الإنجليزيّة!
وإن تعجب فعجبك من طبعة جديدة للإنجيل باللّغتين العربيّة والفرنسيّة، نُشرت سنة 1995، وطُبعت بحيث تكون كلّ آية باللّغة العربيّة تقابل أختها بالفرنسيّة، إلاّ أنّني ذهلت عندما وجدت الآية "المشكلة" أُثبتت بالعربيّة بين هلالين [ ] في حين لم أجد ما يقابلها بالفرنسيّة، أي حُذفت بالمرّة، فلو كان القارئ لا يفهم اللّغتين المذكورتين لما تنبّه لذلك، ولتتأكّد بنفسك أضع لك صورة عن تلك الآية المحيّرة!
وضعت الآية بين هلالين دلالة على عدم وجودها في الأصول، و الغريب أنّها في التّرجمة المقابلة بالفرنسيّة محذوفة نهائيا.
هكذا بعد قرون طويلة، بعدما كانت هذه الآية تُقرأ كجزء مُوحي به من الله يتّفق رجال الكنيسة على حذفها من الكتاب المقدّس!، إنّها أهمّ آية في التّثليث، ومع ذلك فقد توصّل الجميع إلى الاتّفاق على حذفها، ألم يقل بولس في رسالته إلى تيموثاوس (كلّ الكتاب موحى به من الله)( )، لقد تبين لكل ذي عقل أنه ليس كل الكتاب موحى به من الله، والآن بعد حذفها، هل الله هو الذي أمر بذلك! ؟.
هل الله هو الذي أمر بوضعها بين قوسين أو هلالين !؟.
هل الله هو الذي أمر بوضع الحواشي والهوامش التي تشير إلى إلحاقيّتها و"فبركتها " !؟.
ويتساءل أستاذنا أحمد عبد الوهّاب البهيدي عن المسؤول عن مصائر الملايين من النّصارى الذين هلكوا، وهم يعتقدون أنّ عقيدة التّثليث التي تعلموها تقوم على نصّ صريح في كتابهم المقدّس، بينما هو نصّ زائف دخيل؟!.
إرسال تعليق