تنكر شاب مسيحي في زى النقاب وملابس النساء وتمكن من صعود المصلى الخاص بالسيدات داخل مسجد أرض المحروسة الإسلامية لأجل سرقة حقائب بعض السيدات أثناء أدائهن فريضة الصلاةتحرر محضر بالواقعة يحمل رقم 85 أحوال العجوزة، وبمواجهة المتهم اعترف بالسرقة وأحيل إلى نيابة أمن الدولة بالجيزة .كان اللواء محسن حفظي مساعد أول وزير الداخلية ومدير أمن الجيزة قد تلقى إخطارا من العميد سعيد شلبي مأمور قسم شرطة العجوزة بورود بلاغ الي القسم من محمود حسن عبد الحليم 38 سنة مسئول شئون العاملين بجمعية المحروسة الإسلامية دائرة القسم بضبط سيد نجيب كامل غطاس 16 سنة مسيحي الديانة مرتديا النقاب أثناء تواجده بمصلي السيدات بالطابق الثاني من المسجد للسرقة بعدما اشتبه فيه خادم المسجد وأبلغ عنه الإدارة وتم ضبطه.
المصريون
هناك ١١ تعليقًا:
الإجرام الكتابي وغياب البعث والجزاء في الديانتين اليهودية والمسيحية - الجزء الأول
الإجرام الكتابي وغياب البعث والجزاء
في الديانتين اليهودية والمسيحية
الجزء الأول
دكتور مهندس / محمد الحسيني إسماعيل
في هذا البحث سوف نرى أن غياب فكر البعث والجزاء ـ والمطلق الأخلاقي ـ في كل من الديانتين اليهودية والمسيحية ، إلى جانب وجود طوفان من نصوص الإرهاب والنصوص العنصرية بالغة التطرف في الكتاب المقدس التي تدعو إلى إبادة الآخر ، جعلت من شعوب هاتين الديانتين ( اليهودية والمسيحية ) وحوش آدمية تمارس إبادة الآخر بغير رحمة .. وبدماء باردة إلى أبعد الحدود ..!!! وليس هذا فحسب .. بل وجعلتهم يسمونا بـ ” الإرهاب ” لمجرد قيامنا بمحاولات محدودة من جانبنا ـ نحن الشعوب الإسلامية ـ للدفاع المشروع عن وجودنا وعقيدتنا .. على الرغم من خلو القرآن المجيد تماما من أي نص يدعو إلى الإرهاب .. أو أي نص يدعو إلى التطرف .. أو عدم احترام الغير.. كما سنرى من خلال هذا البحث ..
فكما نرى ـ في الوقت الحاضر ـ أن فكر الإبادة البشرية يقع موقع القلب في الفكر الغربي وليس التاريخ خير شاهد فحسب ( سنأتي إلى بعض من هذه التفاصيل فيما بعد ) .. بل الواقع الحالي أصبح يجسد هذا الفكر متمثل في مآسي المسلمين التي تجري على أيدي الغرب .. وفي مقدمتها مأساة فلسطين ، ومسلمى البوسنة ، واحتلال أفغانستان والعراق ولبنان ، والصمت على كل ما تتعرض له الشعوب الإسلامية من مختلف أنواع القهر والإبادة والتطهير العرقي والقتل العشوائى اليومى ، عن غير وجه حق وبلا سبب إلا لأنهم مسلمون .
وبكل أسف ؛ عادة ما نتعامل ـ نحن العالم الإسلامي ـ مع الديانات الأخرى بسذاجة متناهية .. على أنها مناهج سماوية تدعو إلى مكارم الأخلاق على نحو عام حتى ولو اعتبرنا وجود بعض الخلاف في النص الديني في شكله المباشر أو حتى في واجهة تطبيقه . فلم يتخط منظورنا ـ نحن المسلمين ـ إلى الديانات الأخرى عن خبرتنا ومنظورنا إلى الديانة الإسلامية نفسها ، وبهذا لم يتجاوز فكرنا ـ عن الديانات الأخرى ـ عن الفكر المطلق لما ينبغي أن تكون عليه الديانة بصفة عامة من حتمية وجود المثالية الأخلاقية ، خلفيتنا في هذا فكر الدين الإسلامي نفسه والذي يجمله الرسول الكريم في وصفه لبعثته بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( متفق عليه ) ..
” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “
كما لم يتجاوز رؤيتنا ـ نحن العالم الإسلامي ـ للأنبياء عن رؤية المنهاج الإسلامي لهم .. فهم القدوة الأخلاقية للبشرية من جانب .. كما جاء في قوله تعالى للبشرية ..
{ لِقَدْ كَانَ لَكُم فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإنَّ اللَّـهَ هُوَ الغَنِىُّ الْحَمِيدُ (6) }
( القرآن المجيد : الممتحنة {60} : 6 )
كما هم الرحمة المهداة للبشرية ـ المختبرة ـ من جانب آخر .. على النحو الذي قـال به المولى ( عز وجل ) عن بعثته لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ..
{ …وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) }
( القرآن المجيد : الأنبياء {21} : 107 )
لتعريف البشرية بالغايات من خلقها ، وبدور الدين في حياة الإنسان ، والذي يتمثل في وجود التشريع المطلق المنزه عن الأهواء البشرية .. ووجود المطلق الأخلاقي الذي يقود البشرية إلى السلام الأرضي .. وسعادة الدنيا وحسن ثواب الآخرة . فلم يخطر ببال المسلم إطلاقا مهما بلغ حجم التحريف في الديانات ـ على الرغم من علمه بوجوده ـ أن يصل هذا الحجم إلى مثل هذا الحد من الإجرام المباشر الذي يدعو الإنسان إلى إبادة أخيه الإنسان تحت دعاوى أسطورية باطلة .. وأفكار خرافية زائفة . كما لم يخطر ببال المسلم إطلاقا أن يتجاوز سلوك الأنبياء والرسل ـ من منظور الكتاب المقدس ـ سلوك السفاحين والقتلة والزناة والخونة ..!!! ونجح الغرب ـ فعلا ـ في إخفاء حقيقة دينه وتدينه .. وخُدِعَ المسلم بحسن نواياه كناتج طبيعي من أن حركته في الحياة يحكمها رادع ديني هائل .. يتلخص في قوله تعالى ..
{ وأنَّ لَّيْسَ لِلإنسَانَ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى (41) }
( القرآن المجيد : النجم {53} : 39 - 41 )
وفي قوله تعالى .. عن البعث والثواب والعقاب ..
{ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) }
( القرآن المجيد : الزلزلة {99} : 6 - 8 )
فالمسلم يعي تماما بأن حركته في هذه الحياة يحكمها قانون الابتلاء أو الاختبار الشخصي .. وهو القانون القائم على اختبار قدرة الإنسان على عمل الخير .. ونهي النفس عن عمل الشر .. كغايات من الخلق .. كما جاء في قوله ” تعالى ” للإنسان على نحو عام ..
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَـةُ المَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالْشَّـرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) }
( القرآن المجيد : الأنبياء {21} : 35 )
[ ونبلوكم : نختبركم / فتنة : لننظر فيما تفعلون فى هذه الحياة الدنيا ]
ولهذا يضع المسلم نصب عينيه ـ دائما ـ الحديث القدسي [1] عن المولى ( عز وجل ) ..
[ ... يا عبادي إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ]
ومن هذا المنظور الديني الواضح .. أصبحت مكارم الأخلاق فطرة داخلية متوارثة أو ضمير ديني ( أخلاقي ) يحكم حركة المسلم في كل خطوة يخطوها في هذه الحياة الدنيا . كما يصبح المسلم ـ من هذا المنظور أيضا ـ ضحية لحسن نواياه وإحسانه الظن بالآخرين .. نظرا لقيمه ومبادئه التى يؤكد عليها ـ دائما ـ كل سطر من سطور كتابه العظيم .. القرآن المجيد ..
ولما كانت الإبادة التي يمارسها الغرب ـ في جميع مراحله التاريخية وحتى الوقت الحاضر ـ تتري من حولنا بصورة لا حدود لها .. وبلا ضمير ديني أو ضمير أخلاقي رادع .. لذا كان يلزم علينا البحث في الديانتين اليهودية والمسيحية .. عن الأصول التي يمكن أن تلقي الضوء على هذه الدوافع الإبادية الإجرامية والوحشية .. والتي تقع خلف تكوين الضمير الديني والأخلاقي ـ الفريد من نوعه ـ لهذا الفكر الغربي ..!!! فبديهي ؛ لا يمكن أن يوجد ما يبرر وجود مثل هذا الكم الهائل من الإجرام الذي نراه ، والذي يتسم به فكر وضمير الغرب سوي غياب المطلق الديني والأخلاقي .. وليس هذا فحسب .. بل وغياب الإله نفسه .. وغياب الحساب ..!!! كما وأن ممارسة الغرب لهذا الكم الهائل من الإبادة البشرية ـ بتلقائية شديدة الاعتياد ـ بلا ضمير أخلاقي يذكر .. ليس له مبرر آخر .. سوى عدم وضوح رؤية الغرب : لمعنى الدين .. ومعنى دور الدين في حياة الإنسان .. ومعنى وجود الغايات من الخلق .. ومعنى وجود البعث والجزاء .. ووجود الثواب والعقاب ..!!!
وبديهي أهم هذه النصوص الدينية جميعا .. والتي يمكن أن تشكل هذا الضمير الأخلاقي في الإنسان هو مفهوم ” البعث والجزاء ” .. وهو الفكر الذي يشكل ـ أيضا ـ محور أي عقيدة دينية مهما كانت بدائيتها . فوضوح هذا المعني جيدا في الفكر الإسلامي جعل من الفرد المسلم يتعامل بطريقة نمطية مع كل أحداث الحياة .. واضعا نصب عينيه المطلق الديني .. والضمير الأخلاقي الذي يستدق معه حساب النفس إلى أدق الأمور .. حتى إلى حد حساب النفس على النظرة المجردة التي لا تتسم بحسن النوايا تجاه الآخرين .. فما بال الحال مع فكر القتل .. والإبادة ..!!! بديهي لا يرد بخاطر المسلم على الإطلاق . بينما غياب هذا المعنى العام أو عدم وضوح رؤيتـه ـ على الأقل ـ في الديانتين اليهودية والمسيحية هو الذي أدى إلى مثل هذه الكوارث الإجرامية .. واللاأخلاقية التي انتهت إليها البشرية .. والتي نعاني منها جميعا الآن ..!!!
ويهدف هذا البحث بشكل مباشر إلى إلقاء الضوء على عدم وجود فكر ” البعث والجزاء “ في الديانتين اليهودية والمسيحية بشكل كامل .. وبيان أن هذا الفكر ـ حتى إن وجد ـ غير واضح المعالم بحيث يجعل من تشكيل أي ضمير ديني .. أو حتى أخلاقي معقول .. أمرا مستحيلا . بل وسوف نرى أن الديانة اليهودية ـ على وجه الخصوص ـ تكاد تكون خالية خلوا كاملا من هذه المعاني .. وهنا يصبح الرادع الديني في تشكيل الضمير الأخلاقي للفرد اليهودي غير موجود أصلا لردعه عن ارتكاب أبشع الموبقات .. وأشد المجازر هولا .. بدون الشعور بذنب ما .. يجعله يعيد النظر فيما يقدم عليه من أفعال . فإذا أضفنا إلى هذا المنظور ، منظور آخر ـ أشد بشاعة مما سبق ـ وهو أن الإبادة هي رغبة أو إرادة إلهية متأصلة .. أو .. هي دعوة وتوصية إلهية للشعب اليهودي ( والمسيحي أيضا ) لممارستها .. فلنا أن نتخيل ماذا يمكن أن يسفر عنه هذا الفكر عند تحديد الهوية اليهودية لنفسها .. وعند تحديد علاقتها بالبشرية على نحو عام ( وقد ضل عبد الوهاب المسيري ضلالا بعيدا في تحديد الهوية الدينية لليهود في موسوعته اليهودية .. وسنعود إلى نقدها في دراسة مستقلة ) ..!!!
فإذا انتقلنا إلى الديانة المسيحية ـ والمعروف أن الجزء الأول منها هو النص الكتابي للديانة اليهودية ( وهي الديانة التي لا تعترف أصلا بالديانة المسيحية .. أي أن الكتاب المقدس يحمل بين دفتيه تناقضه الذاتي [2] ) ـ فإننا سوف نجد أن مثل هذا الفكر على الرغم من تغيره بدرجة واضحة .. إلا أنه غير كاف لتشكيل ضمير ديني أو أخلاقي معقول أيضا .. نظرا لتغير مفهوم الجزاء والعقاب من جانب .. ووجود مشاكل في مكان ونوعية الأبرار ( اليهود فقط ) في الفردوس الإلهي من جانب آخر ..!!! وهكذا ؛ انحصر مفهوم الآخرة لدى الفرد المسيحي في اللحاق بالعصر الألفي السعيد الذي سوف يؤسسه المسيح ( أو الإله ) العائد إلى الأرض ( ولمدة ألف سنة سعيدة فقط ) .. بشرط أن يقوم هذا الفرد ـ أي الفرد المسيحي ـ بإبادة الشعوب الإسلامية ومحو الإسلام من الوجود ..!!! ( أنظر دراسة الكاتب السابقة : ” إبادة شعوب العالم الإسلامي .. محو الإسلام من الوجود : الشعيرة الأساسية في الديانتين اليهودية والمسيحية ” )
ودعنا نبدأ أحداث هذه الدراسة ..
فمن الأمور المتفق عليها أن فكرة خلود الإنسان ـ أصل الشرائع ـ مرتبطة ارتباطا مباشرا ببعث الإنسان وحسابه ثم جزاءه على ما قدمت يداه .. إن خيرا فخير وإن شرا فشر . ففكر ” البعث والجزاء ” .. هو فكر قديم بقدم الإنسان نفسه ، فهو يوجد في الديانات البدائية كما يوجد في الديانات الحديثة .. مما يؤكد على فطرية هذا الفكر في النفس البشرية التي خُلِقَ عليها الإنسان . وفي الواقع ؛ قد تمحورت الحضارات الأولى للإنسان حول هذا الفكر ، وربما كانت الحضارة المصرية القديمة هي خير مثال شاهد على هذا .. حيث دارت هذه الحضارة كلها في فلك مفهوم البعث والجزاء . ومن أكبر الأدلة على ذلك وجود هذا الكم الهائل من التراث الإنساني .. والوثائق والصروح المصرية القديمـة ( ومنها الأهرامات ) التي تبين مثل هذا الفكر بوضوح لا لبس فيه . هذا وقد سبق وأن بينت في كتابات سابقة .. أن مثل هذا الاتفاق الإنساني على فكرة ما .. يعتبر ” ظاهرة إنسانية ” لها نفس معنى ” الظاهرة الطبيعية ” ، والتي تمتد جذورها إلى داخـل النفس الإنسانية أو الفطرة البشرية .
فخضوع الحشود البشرية لفكر عام واحد .. يمكن أن يدرج الفكر تحت مفهوم القوانين الإحصائية على الأقل ، والتي تخضع لقانون : ” التوزيع الطبيعي : Normal Distribution” المعروف . ولهذا يمكن أن يُدْرج هذا الفكر ـ البعث والجزاء ـ تحت ما يمكن أن يسمى بـ ” قانون البعث والجزاء الفطري “ ، وهو قانون يمكن أن يضاف إلى القوانين الفطرية ( أو الغرائز ) الأخرى التى خلق عليها الإنسان . وبديهي ؛ إلى جانب وجود القانون الخاص بهذا الفكر ودلالاته المستقلة عن الديانة ذاتها ، إلا أن البرهان الخاص به يمكن أن يدرج ضمن أو يأتي تحت برهان صحة الديانة نفسها . بمعنى أن البرهان على صحة الديانة ذاتها يمكن أن يصبح برهانا ضمنيا على صحـة هذا القانون طالما وأن الديانة تحويه في داخل مضامينها الذاتية . والآن ؛ دعنا نقترب بقدر كاف لرؤية هذا الفكر في الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام .. ومدى تأثير هذا الفكر على تشكيل الضمير الديني والأخلاقي لدى الفرد في كل ديانة على حدة .
البعث والجزاء في الديانة اليهودية ( العهد القديم من الكتاب المقدس )
بديهي ؛ لكي ندرس أي فكر لابد لنا أولا من دراسة الكلمات الحاكمة وتعريفها في هذا الفكر حتى يمكننا فهم وتكوين معنى معقول عنه ( أي عن هذا الفكر ) . ومن هذا المنظور ؛ فلكي ندرس فكر ” البعث والجزاء “ في الديانات المختلفة .. كان يلزم علينا ـ بادئ ذي بدء ـ أن نبحث عن معاني الكلمات والألفاظ الحاكمة التي يمكن أن يتمحور حولها هذا الفكر . وبديهي من هذه الألفاظ أو الكلمات لابد أن تأتي ـ في المقدمة ـ الكلمات التالية :
” البعث ” .. ” يوم الحساب ” .. ” يوم الدينونة ” .. ” الجنة ” .. ” النار ” .. إلى آخره من هذه الأسماء الضرورية التي لا يمكن وصف هذا الفكر بدون اللجوء إلى فهم معانيها كما جاءت بها الديانات المختلفة . وكما هو معروف ؛ فإن العهد القديم من الكتاب المقدس يشمل : التوراة ( أسفار الشريعة أو أسفار موسى الخمسة الأولى ) .. والأسفار التاريخية ، والأسفار الشعرية ، وأسفار الأنبياء ، وهي تمثل في مجموعها النص الكتابي المعتمد لدى الديانة اليهودية . وبمحاولة تتبع أثر معاني هذه الكلمات السابقة في العهد القديم من الكتاب المقدس ، فسوف نجد أن هذا العهد يكاد يخلو تماما من هذه المعاني ..
فكلمة ” بعث “ لم يأت ذكرها على الإطلاق في العهد القديم من الكتاب المقدس [3] . أما كلمة ” اليوم الآخر “ فيأتي ذكرها في الكتاب المقدس ( العهد القديم ) في موقع واحد فقط في سياق شكوى ـ تقدمت بها إحدى النساء ـ إلى ملك بني إسرائيل ..
[ (28) ثم قال لها الملك مَالكِ . فقالت إن هذه المرأة قد قالت لي هاتي ابنك فنأكله اليوم ثم نأكل ابني غدا (29) فسلقنا ابني وأكلناه ثم قلت لها في اليوم الآخر هاتي ابنك فنأكله فخبأت ابنها ]
( الكتاب المقدس : الملوك الثاني {6} : 28 - 29 )
وبديهي هـذا السياق ـ المقدس ..!!! ـ اللامعقول .. هو أبعد ما يمكن عن معنى ومفهوم اليوم الآخر والبعث والجزاء .. الذي يمكن أن يأتي به الدين ..!!!
فإذا جئنا إلى عبارة ” يوم الدينونة “ أو ” يوم الحساب ” .. فنجد أنه لم يرد ذكرهما على الإطلاق في العهد القديم من الكتاب المقدس ..!!! أمـا كلمة ” الجنة ” فقد ورد ذكرها ” تسع ” مرات فقط ، وارتبطت فقط بمعنى الجنة الأرضية التي وضع الله ( عز وجل ) فيها ” آدم ” بعد أن خلقه .. ولم ترتبط بجنة البعث والجزاء . ومن هذا السياق السابق ، جاءت ” الجنة ” في ثلاثة مواقع ، منها .. عندما سمع آدم وحواء الإله وهو يتمشى في الجنة فاختبأ منه لعريهما ..
[ (8) وسمعا ( آدم وحواء ) الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار . فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة (9) فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت (10) فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت (11) من أعلمك أنك عريان . هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها (12) فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت ]
( الكتاب المقدس : تكوين {3} : 8 - 12 )
ويجب أن اشير هنا إلى أن استعراض مثل هذه النصوص يخدم الغرض الأساسي الذي نناقشه .. وهو غياب فكر البعث والجزاء في الفكر اليهودي والمسيحي ، إلا أن هذا العرض يعطي ـ أيضا ـ للقارئ المدقق فكرة لا بأس بها عن الوثنيات الفكرية والنصوص الخرافية الواردة في الكتـاب المقدس نفسه ، حيث أترك هذه المعاني بلا تعليق .. نظرا لوضوحها بدرجة كافية .
وهكذا لم ترد ” الجنة ” بمعنى جنة البعث والجزاء .. إنما وردت بمعني الجنة التي وضع فيها الخالق آدم بعد خلقه . وفي نصوص أخرى لم يتجاوز معنى ” الجنة ” عما تنبته الأرض من فواكه ومحاصيل .. أي الجنة الأرضية .. كما جاءت في آخر نص لها في العهد القديم من الكتاب المقدس ..
[ 11 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَكَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ تُنْبِتُ مَزْرُوعَاتِهَا ، هكَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنْبِتُ بِرًّا وَتَسْبِيحًا أَمَامَ كُلِّ الأُمَمِ . ]
( الكتاب المقدس : إشعياء {61} : 11 )
وقد كان لخلو التوراة ـ على وجه الخصوص ـ من الحديث عن البعث والجزاء أمرا مستغربا ، وجعلها مثارا للطعن فيها والجدل حولها . ومن أمثلة الاعتراضات التي أثيرت حول خلو التوراة من البعث والجـزاء ، ما ورد في كتاب ” تنقيح الأبحاث في الملل الثلاث ” لابن كمونة ( وهو اسم الشهرة لسعد بن منصور بن سعد بن الحسن الإسرائيلي الذي عاش في العراق في القرن الثالث عشر الميلادي .. في الفترة : 1215 ـ 1285م ) ، ونذكر منها الاعتراض التالي .. والرد عليه [4] :
[ إن هذه التوراة لم نجد فيها تصريحا بالثواب والعقاب الأخرويين ، وذلك من أهم ما ينبغي ذكره ، وهو الأصل الأعظم في التشريع . فلو كانت التوراة التي بأيدي اليهود منزلة من عند الله تعالى لما جاز خلوها من التصريح بذلك .. ]
ويبرر ” ابن كمونه اليهودي “ سبب خلو التوراة من الحديث عن البعث والجزاء هو معرفة بني إسرائيل بهذه العقيدة ، ولذلك فهو أمر لا يحتاج إلى تكرار . ويضيف ابن كمونه : ” إن خلو التوراة من الحديث عن البعث والجزاء جعل كثيرا من الباحثين يذهبون إلى أن اليهود لا يعتقدون بالبعث والثواب والعقاب في الآخرة ، وهذا يغاير الواقع الذي يصرح به اليهود .
ثم يحاول ( بعض ) أئمة المسيحية البحث عن فكرة البعث والجزاء في العهد القديم من الكتاب المقدس ـ بديهي ـ لأنه جزئية أساسية ومتممة لعقيدتهم ( أي العقيدة المسيحية ) .. فلا يجدوا سوى نصوص باهتة .. وتكاد تكون معدومة المعنى . ويذكر لنا منها الأنبا يوأنس [5] النص المقدس التالي ..
[19تَحْيَا أَمْوَاتُكَ ، تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا ، تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ ، وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ . 20هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ ، وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ . اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ . ]
( الكتاب المقدس : إشعياء {26} : 19 - 20 )
وهو نص مختلف على تفسيره ، فبالرجوع إلى السنن القويمة في تفسير العهد القديم نجد أن هذا النص لا يشير إلى القيامة في الآخرة ، ولكنه يشير إلى بعث اليهود بعد السبي البابلي ، أي عودتهم إلى أرض فلسطين المغتصبة مرة أخرى ، وكما هو واضح ـ أيضا ـ من النص رقم 20 . فبديهي ؛ تخصيص قيامة الأموات إلى شعب بعينة [ تحيا أمواتك .. ] .. لا يعني يوم القيامة .. لأن يوم القيامة يشمل قيامة كل البشر .. حيث لا تخصيصية فيه لشعب بعينه [6] . ويعترف أئمة الديانة ـ صراحة ـ بأن النصوص عن قيامة الأموات في العهد القديم هي نصوص غير مباشرة . ولهذا يقول ” قاموس الكتاب المقدس / ص : 748 ـ 749 ” تحت عنوان ” القيامة في العهد القديم “ [7] :
[ يظهر من الإيمان والإثابة والجزاء الوارد في أيوب ( 19 : 25 - 27 ) بأن القيامة مفهومة ضمنا ، وكذلك تذكر القيامة ضمنا في المواضع التي يعبر فيها عن رجاء الحياة الآتية مع الله وفي حضرته في المزامير ( مثلا : 16 : 9 - 11 .. ) . ويحدثنا إشعياء ( 26 : 19 .. ) عن قيامة المؤمنين ، وكذلك يعلم دانيال ( 12 : 2 ) عن قيامة البعض للحياة الأبدية ، وقيامة آخرين للعار والازدراء الأبدي ، ويصف حزقيال ( في إصحاح 37 ) نوعا من القيامة يرمز إلى نهوض شعب الله ] .
وبملاحظة كلمات هذا التفسير : ” عن رجاء الحياة الآتية مع الله وفي حضرته ” ، عن قيامة البعض للحياة الأبدية ” نجد أن القيامة ليست لكل البشر ( ويمكن ملاحظة هذا الاعتقاد في الفكر المسيحي .. عند قراءة نعي الفرد المسيحي في الصحف .. حيث يحوي النعي ـ عادة ـ على جملة : ” راقد على رجاء القيامة ” .. ) .
وهكذا نجد جميع ما ورد ذكره عن قيامة الأموات يأتي ضمنيا وليس بنصوص مباشرة ، كما يعترف بهذا قاموس الكتاب المقدس . وحتى فكرة البعث والجزاء التي وردت في سفر دانيال .. التي يشير إليها ” قاموس الكتاب المقدس ” تقول :
[2 وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ . ] [8]
( الكتاب المقدس : دانيال {12} : 2 )
وهو نص موجه أساسا للشعب اليهودي ، وحتى عند إحسان الظن بهذا النص ، فهو لا يقول ببعث كل الناس .. لقوله [ وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون .. ] .. أي أن كثيرين فقط هم الذين سيبعثون ..!!! كما لا يشير النص إلى أي أسس ـ أخلاقية مثلا ـ يمكن أن تحدد من هم الذين سيبعثون .. إلى الحياة الأبدية .. ومن هم إلى الازدراء والعار الأبدي ..؟!! كما لا يبين هذا النص وجود أي ارتباط بين الحياة الأبدية وبين الخلاص الإنساني بمعنى غفران الذنوب ووجود السعادة الأبدية ..!!!
وعموما فهذا كل ما ورد ذكره عن ” البعث والجزاء ” [9] في العهد القديم ( أي الديانة اليهودية ) ..!!! وهي ، كما نرى ، نصوص غير كافية تماما لشرح هذه المعاني . وفي أحسن أحوالها ؛ حتى إذا مثلت الاعتراف الضمني بقيامة الإنسان من بعد موته فلا يوجد في هذه المعاني ما يشير من قريب أو بعيد لأسس الحساب أو الجزاء التي تصاحب هذه القيامة ..!!! وهنا يمكن أن نصل إلى أن تشكيل الضمير الأخلاقي لدى الفرد اليهودي يمكن أن يتشكل بعيدا عن معنى البعث والجزاء تماما .. وهو ما يعكس ويفسر التوحش الكامل عند اليهود ( ومعهم الشعوب المسيحية ) في علاقتهم بالغير .. وخصوصا إبادة الشعب الفلسطيني الأعزل .
والآن إذا كان العهد القديم يمثل أساس العقيدة اليهودية .. وهو لا يحوي أي معنى يعول عليه لشرح فكرة ” البعث والجزاء “ .. فلا يبقى لديهم سوى بعض الأفكار المضطربة المستخرجة من التلمود ( الشريعة الشفهية ) .. ليس لها ما يساندها من نصوص مكتوبة في التوراة ( أسفار موسى عليه السلام ) تتعلق بمستقبلهم عند الله بعد الموت .. ولهذا يقول : “ول ديورانت ” في قصة الحضارة عن غياب هذا الفكر في العقيدة اليهودية :
[ ولم تبن فكرة البعث في خلود اليهود إلا بعد أن فقدوا الرجاء في أن يكون لهم سلطان في هذه الأرض ، ولعلهم أخذوا الفكرة عن الفرس ، أو لعلهم أخذوا شيئا منها عن المصريين القدماء ، ومن هذه الخاتمة الروحية ولدت المسيحية ] [10]
وبهذه المعاني يصبح اليهود .. أقرب ما يكونوا .. إلى أقوام .. لا بعث لهم .. ولا حساب لهم .. ولا دينونة لهم .. ولا جزاء .. ولا ثواب .. ولا جنة .. ولا نار . فالقضية ـ إذن ـ ديانة فحسب .. لم ترق حتى إلى مستوى الديانات المصرية القديمة أو حتى إلى مستوى الديانات البدائية التي تؤمن بالبعث والحساب والجزاء . فالبعث والجزاء ( متمثل في الثواب والعقاب ) هو الأمر الذي يفرض نفسه بشكل جبري ـ فيما بعد ـ على تشكيل الضمير الديني والأخلاقي لدى الإنسان .. وضرورة التمسك بصور مكارم الأخلاق .. كضرورة تحتمها فكرة نيل الخلاص [11] المأمول والسعادة الأبدية المرجوة .
من النصوص الإجرامية والوحشية في الكتاب المقدس ..
وبعد تقديم هذا البعد الديني الهام .. الخاص بعدم وضوح رؤية البعث والجزاء في الديانة اليهودية .. يمكننا أن نفهم معنى تشكيل الضمير الديني والأخلاقي .. في الفكر الغربي ( لاحظ أن : الديانة اليهودية هي الجزء الأول من الديانة المسيحية ) . فإذا أضفنا إلى ما سبق .. الأمر الإلهي المباشر ـ لكل من يؤمن بالكتاب المقدس ( أي الأمر الإلهي لكل من : اليهود والمسيحيين على حد سواء ) بإبادة البشر .. كما جاء في النص المقدس التالي ..
[10« حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، 11فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. 12وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. 13وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 15هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. 16وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا ]
( الكتاب المقدس : تثنية { 20 } : 10 - 16 )
يمكننا أن نرى أن : الإبادة .. والنهب .. والسبي .. هي جزئية أساسية من تشكيل الضمير الديني والأخلاقي لدى الفرد الغربي سواء اليهودي [12] أو المسيحي كل على حد سواء ( ما زلت أكرر بأن الديانة اليهودية هي الجزء الأول من الديانة المسيحية ) ..!!!
فكما نرى ـ من هذا النص المقدس السابق ـ أن فكرة القتال والبدء به هي حرية مشروعة يمكن أن يبدأ بها الغرب متى شاء ..وكيف شاء ..!!! وبديهي ؛ منها تبني الضربات الاستباقية والعدوان على العالم الإسلامي ..!!! فلا مرجعية لمطلق ديني أو أخلاقي .. وعدوانهم لا يخضع لقيـود ما .. بـل هو منظور نسبي فحسب . وكذلك نرى ؛ أن الإبـادة الكامـلة أو الشاملة ـ والتي تجـرى بلا رحمة وبلا إنسانية ـ هي من نصيب شعوب المناطق المجاورة لهم ..!!! أما الإبادة الجزئية والنهب والسبي ـ كما يقول بهذا الإله ـ فهي من نصيب الشعوب الأكثر بعدا عنهم ..!!!
ولا توجد لديهم أدنى رحمة أو شفقه ولا ترأف بالغير في دعوة الرب لهم في نصوصه المقدسة .. كما جاء هذا في سفر حزقيال .. على لسان الرب ..
[5وَقَالَ ( الرب ) لأُولئِكَ فِي سَمْعِي: «اعْبُرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَرَاءَهُ ( وراء القائد ) وَاضْرِبُوا. لاَ تُشْفُقْ أَعْيُنُكُمْ وَلاَ تَعْفُوا. 6اَلشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ، اقْتُلُوا لِلْهَلاَكِ. وَلاَ تَقْرُبُوا مِنْ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ السِّمَةُ ، وَابْتَدِئُوا مِنْ مَقْدِسِي». فَابْتَدَأُوا بِالرِّجَالِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ أَمَامَ الْبَيْتِ. 7وَقَالَ لَهُمْ: «نَجِّسُوا الْبَيْتَ، وَامْلأُوا الدُّورَ قَتْلَى. اخْرُجُوا». فَخَرَجُوا وَقَتَلُوا فِي الْمَدِينَةِ . ]
( الكتاب المقدس : حزقيال { 9 } : 5 - 7 )
أي لا شفقة ولا رحمة ولا عفو .. اقتلوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء ..!!! أي إبادة كاملة ..!!! وأليس هذا ما حدث عندما دخل الصليبيين بيت المقدس لأول مرة ..؟!!! عندما ذبحوا ( 70 ) ألف مسلم في يوم واحد ..!!! ومن نجى من المسلمين .. لم يكن شفقة أو رحمة بهم .. بل كان نتيجة إرهاق الصليبيين من كثرة ما مارسوا من القتل ..!!!
وكذلك نرى في النص السابق أن الكتاب المقدس هو الكتاب الديني الوحيد الذي يأمر بقتل الأطفال ..!!! ويتأكد هذا المعنى ـ أيضا ـ في أوامر موسى ( عليه السلام ) لقواد جيشه عندما نهرهم لتركهم قتل الأطفال والنساء ..
[17فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ. وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَرَفَتْ رَجُلاً بِمُضَاجَعَةِ ذَكَرٍ اقْتُلُوهَا. ]
( الكتاب المقدس : عدد { 31 } : 17 )
وهو ما جاء ـ أيضا ـ في سفر إشعياء على لسان الرب ..
[16وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ . ]
( الكتاب المقدس : إشعياء { 13 } : 16 )
وأليس هذا ما شاهدناه بتمامه في البوسنة والهرسك .. وفي فلسطين ؟! ألم يكونوا يحطمون رؤوس الأطفال بالحجارة .. وثمة وجود تسجيلات لأطفال رُضع مهشمة رؤوسهم تماما يتقاذفها الجنود الإسرائيليين فيما بينهم .. ولكن ـ وبكل أسف ـ لا يذيعها إعلامنا الخائن بكل المقاييس ..!!! وليس هذا فحسب بل ويضعون الأطفال ـ في البوسنة ـ في خلاطات الأسمنت .. ويعلقونهم بمسامير كبيرة في الأشجار ويتركونهم ينزفون حتى الموت ..!!! ثم ألم تفضح نساء المسلمين في البوسنة والهرسك أمام أعين الرجال ..؟! فقد كانوا يهتكون أعراض النساء والعذارى .. ثم يتركوهم ليعودوا إلى أهلهم وهن عاريات تماما كما ولدتهم أمهاتهم ..!!!
وأنهي هذا العرض بإعطاء مثال واحد عن معنى : ” الإبادة المثالية للمدن والقرى ” التي يحل فيها بنو إسرائيل .. والتي يوصي بها الرب ـ في كتابه المقدس ـ كل من الشعوب المسيحية واليهودية على حد سواء .. لأنهم يتقاسمون نفس التراث ..!!! فبعد أن استولى يشوع ( خليفة موسى عليه السلام )على مدينة ” أريحـا ” الفلسطينية .. ودخلها هو ومن معه .. فماذا فعلوا ..؟!!!
[21 وَحَرَّمُوا ( أي ذبحوا بلا رحمة [13] ) كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ. 22 .. .. .. 24وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا ، إِنَّمَا الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَآنِيَةُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ الرَّبِّ. 25 .. .. .. 26وَحَلَفَ يَشُوعُ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ قَائِلاً: «مَلْعُونٌ قُدَّامَ الرَّبِّ الرَّجُلُ الَّذِي يَقُومُ وَيَبْنِي هذِهِ الْمَدِينَةَ أَرِيحَا.. ]
( الكتاب المقدس : يشوع {6} : 21 - 26 )
ومن هذا النص ( المقدس ..!!! ) نرى أن الإبادة المثالية تتم : بذبح كل من وما في المدن .. من رجل وامرأة من طفل وشيخ .. حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف .. ثم إحـراق المـدن بالنـار بكل ما فيها ..!!! فهذه هي العظات الدينية للكتاب المقدس لكلا الشعبين اليهودي والمسيحي ( الذي يؤمن ـ أيضا ـ بعظات الكتاب المقدس ) ..!!! كما يبين لنا هذا النص : لماذا تنازل اليهود عن مدينة أريحا للفلسطينيين .. لأنه ملعون ـ أمام الرب ـ كل من يبني هذه المدينة ..!!!
فهذه هي تعاليم كتابهم المقدس الرهيبة .. ثم يرمونا بالإرهاب .. وهم المدارس الأولى والوحيدة للإرهاب في العالم ..!!! وأكتفي بهذا القدر .. ولمزيد من التفاصيل لرؤية حرب الإبادة الشاملة التي أجراها بنو إسرائيل على شعوب هذه المنطقة في التاريخ القديم .. على وجه الخصوص .. هذا عدا المذابح المسجلة لهم في العصر الحديث .. ومسار اتفاقيات السلام وتقييمها .. يمكن للقاريء ـ المهتم ـ الرجوع إلى مرجع الكاتب السابق : ” بنو إسرائيل : من التاريخ القديم وحتى الوقت الحاضر ” ( الطبعة الثانية ـ مكتبة وهبة ـ القاهرة / عابدين ) .
في الجزء القادم بإذن الله
نعرض مفهوم البعث والجزاء في الديانة المسيحية
وتأثيره على السلوك المسيحي عبر التاريخ
****************
هوامش المقالة :
[1] عن أبى ذر الغفاري عن النبي ( ص ) ، رواه مسلم . ” جامع الأحاديث القدسية ” ، المجلد الأول ؛ دار الريان للتراث . ص : 463 .
[2] الكتاب المقدس يتكون من جزئين : الجزء الأول : هو العهد القديم ( وعدد أسفاره 39 سفرا ، الخمسة أسفار الأولى منها توراة موسى ) ، والجزء الثاني : هو العهد الجديد ( وعدد أسفاره 27 سفرا ، الأربعة أسفار الأولى منها الأناجيل الأربعة المعروفة ) . ومن أشد الأمور غرابة أن كلا العهدين يكفر كل منهما الآخر . فالعهد القديم لا يعترف بالعهد الجديد .. بل ويكفر المؤمنين به لأنه لا يعترف بالمسيح كإله ، وكذلك العهد الجديد يكفر المؤمنين بالعهد القديم لأنهم لا يؤمنوا بالمسيح كإله ..!!! أي أن الكتاب المقدس يحوي التناقض الذاتي ، وبالتالي يحمل دليل بطلانه ( حتى بدون الدخول في تفاصيل نصوصه ) .. لأنه يجمع بين نقيضين بين دفتيه ..!!!
[3] تم استخدام النسخة الإلكترونية للكتاب المقدس ( Arabic Holy Bible with KJV, 1998 Edition, Multimedia CD-ROM ) للدكتور ماجد نبيه كامل .. وكذا ” فهرس الكتاب المقدس ” للدكتور جورج بوست .. في هذا البحث الإحصائي .
[4] ” اليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام ” ، د. فرج الله عبد الباري أبو عطا الله ، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع . ص : 140 .
[5] ” السماء ” / ص : 133 . لمثلث الرحمات نيافة الأنبا يوأنس . الطبعة الخامسة . مطبعة الأنبا رويس .
[6] يؤكد على هذا المعنى أيضا الترجمة الحديثة للكتاب المقدس .. حيث يأتي هذا النص على النحو التالي : [ (18) .. لم نُخَلِّصِ الأرض ولم يولد من يقيم فيها فتصير آهلة عامرة (19) ولكن أمواتك يحيون ، وتقوم أجسادهم . فيا سكان التراب استيقظوا واشدوا بفرح لأن طلك هو ندى متلألئ ، جعلته يهطل على أرض الأشباح ] ( إشعياء 26 : 18 - 19 ) .
[7] ” قاموس الكتاب المقدس ” ، ص : 748 - 749 . دار الثقافة . الطبعة الثانية عشرة . أنظر أيضا : ” اليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام ” ، د. فرج الله عبد الباري أبو عطا الله . دار الوفاء . ص : 147 - 148 .
[8] هذا النص موجه أساسا إلى الشعب اليهودي .. وليس إلى كل شعوب الأرض أو إلى الشعب المسيحي ، فلم يظهر السيد المسيح برسالته إلا بعد ظهور النبي دانيال ـ صاحب هذا السفر ـ بحوالي ستة قرون . ويظهر هذا التوجه جليا في سياق استكمال هذا النص : [ (3) ويضيء الحكماء ( أي شعب الله ) كضياء الجلد ، وكذلك الذين ردوا كثيرين إلى البر يشعون كالكواكب إلى مدى الدهر (4) أما أنت يا دانيال فاكتم الكلام ، واختم على الكتاب إلى ميعاد النهاية . وكثيرون يطوفون في الأرض وتزداد المعرفة ] ( الكتاب المقدس ـ كتاب الحياة : دانيال : {12} : 3 - 4 ) .
[9] يذكر نيافة الأنبا يوأنس ـ في كتابه ” السماء ” ص : 133 ـ نص ثالث فقط ( غير النصين السابق ذكرهما عاليه ) مأخوذ من ” سفر المكابيين الثاني ” وهو ليس من أسفار الكتاب المقدس ، بل هو من ” الأسفار القانونية الثانية ” التي تعرف باسم ” الأبوكريفا ” ( أو الأسفار المكذوبة ) والتي لا تعترف بها باقي الكنائس الأخرى سوى الكنيسة الأرثوذكسية ..!!!
[10] ” قصة الحضارة ” ، جـ 2 ، ص : 345 ، وانظر كذلك : ” اليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام” د. فرج الله عبد الباري أبو عطا الله . دار الوفاء . ص : 153 .
[11] ” خلاص ” : يراد بالخلاص في العهد القديم النجاة من الشر أو الخطر ( خروج 14 : 13 ، ومزمور 106 : 8 – 10 ) . أما في العهد الجديد فقد خلع عليها معنى آخر ، هو إنقاذ الخطاة بالإيمان بيسوع المسيح . وهذا هو المراد عينه بعبارات : ” يوم الخلاص ” . ( كورنثوس الثانية 6 : 2 ) . وينطوي تحت معنى الخلاص في العهد الجديد غفران الخطيئة والخلاص من ربقتها ونتائجها وتطهير النفس ( متى 1 : 21 ) . [ عن قاموس الكتاب المقدس ص : 344/ 345 ] .
[12] في تقرير لوزارة الخارجية المصرية يقول بأن عدد القتلى من الأسرى المصريين في حربي 1956 و 1967 فقط ، وصل إلى ( 65 ) ألف أسير ..!!! وأن هذا الرقم قد تم الوصول إليه من خلال (1000) وثيقة و (400) شهادة حية لقادة إسرائيليين وأمريكيين وأوروبيين . وإن من أبرز الجنرالات الإسرائيليين الذين شاركوا في ذبح هذا العدد من الأسرى المصريين : الرئيس الإسرائيلي عزرا وايزمان الذي قتل عمدا قرابة العشرين ألف أسير ، وموشيه ديان الذي مثل القاسم المشترك في كل عمليات القتل ، وديفيد ليفي ، وروفائيل إتيان ، وإسحاق رابين ، وإيهود باراك ( رئيس وزراء إسرائيل الحالي ) الذي قتل ألفي أسير مصري في عشرة دقائق .. وغيرهم من القتلة المجرمين بنص القانون والمواثيق الدولية التي تعتبر جريمة قتل الأسرى من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم ..!!!
[13] استخدمت كلمة ” حرّم ” في الكتاب المقدس مرادفة للكلمات الإنجليزية : ” smite ” أو ” utterly destroyed “ التي يأتي ذكرها في نفس النصوص المقابلة .. في الكتاب المقدس ( نسخة الملك جيمس ) ، وهي تعني : ” الذبح أو القتل بلا رحمة ” أو ” التدمير التام والكامل ” . وبديهي معنى ” حرّم ” ( أي جعل الشيء حراما على نفسه وعلى غيره ) أبعد ما يمكن معنى القتل بلا رحمة والإبادة .. ولكن المترجم إلى العربية استخدم هذا اللفظ للتخفيف من حدة إجرام النص ..!!!
الإجرام الكتابي وغياب البعث والجزاء في الديانتين اليهودية والمسيحية - الجزء الثاني
الإجرام الكتابي وغياب البعث والجزاء
في الديانتين اليهودية والمسيحية
الجزء الثاني
دكتور مهندس / محمد الحسيني إسماعيل
البعث والجزاء في الديانة المسيحية ( العهدين القديم والجديد )
والآن ؛ إذا انتقلنا إلى الديانة المسيحية ، أي إلى العهد الجديد من الكتاب المقدس ( لاحظ أن العهدين يشكلان معا النص الكتابي للديانة المسيحية ، أي الكتاب المقدس ) فربما نجد أن هذه الأمور قد تحسنت قليلا .. بمعنى أننا سوف نجد بعض النصوص تشير إلى قيامة الإنسان من بين الأموات .. نظرا لقيامة المسيح نفسه من بين الأموات .. كما نجد الربط اللازم بين معاني الخلاص ( أي الحساب والجزاء ) وبين مكارم الأخلاق ( إلى حد ما ) . ولكن سرعان ما يتبدد هذا الوضع .. وأن تنقلب الأمور رأسا على عقب .. فيصبح نيل الخلاص لا علاقة له بمكارم الأخلاق .. بل تبقى الأخلاق عثرة ضخمة تحول دون دخول الفرد المسيحي الفردوس السمائي ..!!! هذا بفرض وجود مكان له في هذا الفردوس .. حيث ما زالت مشكلة مكان الأبرار في السماء معلقة وبلا حل أمام رجال الدين المسيحي .. حتى الوقت الراهن ..!!!
وقبل البدء في شرح وتحليل هذا الفكر السابق .. دعنا ـ أولا ـ نؤكد على أن كل ما ورد ذكره في العهد القديم ـ من الكتاب المقدس ـ ويؤمن به الشعب اليهودي ، هو نص إيماني ملزم للشعب المسيحي أيضا .. لقول المسيح ..
[ (17) لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل ]
( الكتاب المقدس : متى { 5 } : 17 )
ومن هذا المنظور ـ وباتفاق جميع الكنائس ـ تصبح جميع النصوص الإبادية السابق ذكرها في الديانة اليهودية .. هي نصوص إيمانية سارية المفعول ( أو سائدة ) في الفكر المسيحي أيضا .. كما هي نصوص إيمانية سائدة في الفكر اليهودي ..!!! والآن إلى المناقشة والتحليل ..
يقول نيافة الأنبا يوأنس [14] : ” لعل من أروع ما كتب عن حقيقة قيامة الأجساد في العهد الجديد ، ما دونه معلمنا بولس الرسول في إصحاح بأكمله هو الإصحاح الخامس عشر من رسالته الأولي إلى كنيسة كورنثوس .. ” حيث يذكر لنا بولس الرسول .. في سفره هذا ..
[ (13) فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام (14) وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم (15) ونوجد نحن أيضا شهود زور لله لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه إن كان الموتى لا يقومون (16) لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام ]
( الكتاب المقدس : رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس { 15 } : 13 - 16 )
وهكذا ؛ يدل هذا النص على ضرورة الإيمان بقيامة الموتى طالما وأن المسيح ذاته ( أى الإله بعد تجسده ) قد قام من بين الأموات وانتصاره على الموت . وقصة انتصار الإله على الموت وانتزاع سلطة الموت من الشيطان هي قصة شائقة ، ويمكن الرجوع إلى ” تفاصيلها ” في مرجع الكاتب السابق [15] ، ولكن ما يعنينا هنا هو البحث وراء فكر ” البعث والجزاء ” . وهكذا نجد أن المسيحية تؤمن بالبعث .. وحسنا ما فعلوا ..
ثم نأتي إلى الربط بين مكارم الأخلاق .. وبين نيل الخلاص .. حيث يقول نيافة الأنبا يوأنس :
” لا نستطيع أن نتعرض بالشرح لكل فئة من الممنوعين من السماء على حدة ، ولكننا نتأمل بعض الآيات التي جاءت بالكتاب المقدس وفيه إشارة إلى بعض عينات من الممنوعين :
[ (9) أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله . لا تضلوا . لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ( متخنثون ) ولا مضاجعون ذكور (10) ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله ]
( الكتاب المقدس : رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس { 6 } : 9 - 10 )
ومن هذا النص المقدس نجد طائفة كبيرة من الممنوعين من ميراث ملكوت الله .. منهم الظلمة .. والزناة .. وعبدة الأوثان .. والمتخنثون .. ومضاجعو الذكور .. إلى آخره ..!!! وعلى الرغم من وجود النص المباشر بأن المتخنثين ومضاجعي الذكور لا يرثون ملكوت الله .. إلا أننا نجد بعض الكنائس تقوم بعقد قران رجل على رجل آخر [16] ، وليس هذا فحسب بل نجد أن الشذوذ الجنسي متفشي بنسبة كبيرة بين رجال الدين المسيحي .. حيث يرى بعض علماء الاجتماع الأمريكيين أن القس المسيحي الشاذ يكون قد اعـتدي ـ في المتوسط ـ على حوالي 50 طفلا على مدى 25 سنة من خدمته في سلك الكهنوت ..!!! وقد أكد أخيرا تقرير عن الكنيسة الأسقفية الأمريكيـة ـ أكـبر طـوائف الكنيسة البروتستانتينية ـ عن وجـود الشواذ والشاذات جنسيا [17] فى سلك الكهنوت ، وأن عددهم يقدر بحوالي 20 % من التعداد الكلي لرجال الدين المسيحي في الولايات المتحدة ، وإن هذا الأمر لم يعد سرا الآن ..!!!
********
ولكن التطور الجديد في الكنيسة المسيحية ـ في الوقت الحاضر / يناير 2008 ـ أن تتقدم القسيسة السحاقية ” تريسي ليند ” لترشيح نفسها لشغل منصب أسقف كنيسة شيكاغو ، وتقول لقد سبقها إلى هذا المنصب الأسقف المجاهر بشذوذه الجنسي القس ( جين روبنسون ) أسقف نيوهامبشر ، عام 2003م . وفي حال فوز هذه القسيسة فستكون الحالة الثانية لأسقف نصراني يتبوأ هذا المنصب بينما يمارس الفحش مع شخص يماثله في الجنس ولكن هذه المرة المرأة بالسحاق ..!!! وأضافت القسيسة السحاقية أن يسوع المسيح ( الإله بزعمهما ) هو من يريد لها أن تترشح لهذا المنصب حتى تخدم عمل الرب الجديد في الكنيسة ـ على حد تعبيرها ـ في اشارة ضمنية منها إلى استيعاب المزيد من الشاذين والسحاقيات في أروقة الكنائس .
والجدير بالذكر ؛ أن أبرشية نيوجرسي وأبرشية كالفورنيا قد رشحت قبلها اثنين من القساوسة الشاذين جنسياً لهذا المنصب في انتخابات كنائسية سابقة إلا أنهما لم يحظيا بالنجاح في الفوز بالمنصب . فهذه هي المسيحية ..!!!
********
والآن ؛ كيف يمكن أن يقول الكتاب المقدس بحرمان مضاجعي الذكور من ملكوت الله وتقوم الكنائس الغربية بإسباغ الشرعية على هذه المضاجعة .. إلى حد ممارسة رجال الدين أنفسهم لهذا الشذوذ ؟!!! فهل هناك شك في فهم معنى ملكوت الله أم أنه يمكن التغاضي عن مثل هذه الذنوب كما يمكن التكفير عنها ببساطة شديدة ..؟!!! وترجع أهمية الإجابة على هذا السؤال إلى كونها ـ أي الإجابة ـ تلقي الضوء على كيفية تشكيل الفكر الأخلاقي في العقيدة المسيحية نفسها .. وموقف الفرد المسيحي من ممارسة كبائر الذنوب ..
ففي الواقع ؛ يمكن تفسير هـذا الوضع المتناقض للكنيسة ، إذا علمنا بالآتي :
أولا : أن بعض نصوص الكتاب المقدس تسرد لنا أسوأ أنواع الفواحش ( ومنها زنا المحارم ) علي أنها أفعال تكاد تكون طبيعية وعادية لا غرابة فيها .. منها على سبيل المثال .. زنى لوط بابنتيه .. كما يحكي هذه القصة الكتاب المقدس ..
[ (30) وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه .. (31) وقالت البكر للصغيرة أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض (32) هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه .. (33) فسقتا أباهما خمرا تلك الليلة . ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها .. (34) وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة إني اضطجعت البارحة مع أبي . نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه . فنحي من أبينا نسلا (35) فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا . وقامت الصغيرة واضطجعت معه .. (36) فحبلت ابنتا لوط من أبيهما (37) فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب . وهو أبو الموآبيين إلى اليوم (38) والصغيرة أيضا ولدت ابنا ودعت اسمه بن عمي . وهو أبو بني عمون إلى اليوم ]
( الكتاب المقدس : التكوين {19} : 30 - 37 )
كما يأمر الرب الإله الأنبياء ببمارسة الزنا ( فما بال الرجل العادي ) .. فيأمر النبي ” هوشع بن بئيري “ بالذهاب ليعاشر زوجة زانية أو عاهرة .. ويأتي منها بأولاد زنى .. على حسب النص ( المقدس ..!!! ) التالي ..
[ 2 أَوَّلَ مَا كَلَّمَ الرَّبُّ هُوشَعَ ، قَالَ الرَّبُّ لِهُوشَعَ : « اذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلاَدَ زِنًى ، لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً الرَّبَّ » . ]
( الكتاب المقدس : هوشع {1} : 2 )
والنص بالإنجليزية كما يأتي في نسخة الملك جيمس كالآتي :
[ 2 The beginning of the word of the LORD by Hosea. And the LORD said to Hosea, Go, take unto thee a wife of whoredoms and children of whoredoms: for the land hath committed great whoredom, departing from the LORD. ] ( KJV, HOSEA 1:2 )
ثانيا : تلغى النصوص المقدسة ” المسئولية الإنسانية “ فى فكر الخلاص على نحو عام . حيث يبين لنا الكتاب المقدس أن ” الخلاص : والذي يعنى غفران الخطيئة “ فى الفكر المسيحي هو ناتج طبيعي أو ناتج تلقائي من الإيمان بالمسيح فقط ..!!! وليس له علاقة بصالح .. أو بطالح الأعمال ، بل هو هبة من الله .. حتى لا يفتخر أحد بصالح أعماله ..!!! كما قال بهذا بولس الرسول ( مؤسس المسيحية ) .. في النص المقدس التالي ..
[ 8 لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ ، بِالإِيمَانِ ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ . هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ . 9 لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ . ]
( الكتاب المقدس : رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسُس {2} : 8 - 9 )
ثالثا : الاعتراف بالذنب أو الخطيئة يمكن أن يسقط القصاص والعقاب ..!!! فمن المعروف ـ من منظور الكتاب المقدس ـ أن المسيح قد صلب ومعه لصان آخران .. وكانت الجموع المحتشدة لرؤية حادثة الصلب هذه .. تستهزئ بالمسيح .. كما كان اللصان المصلوبان معه يستهزئان به أيضا .. بل ويسخران منه كذلك ..
[ (39) وكان المجتازون ( المارة ) يجدفون عليه ( يشتمونه ) وهم يهزون رؤوسهم (40) قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك . إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب (41) وكذلك رؤساء الكهنة أيضا يستهزئون مع الكتبة والشيوخ .. .. (43) قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده . لأنه قال أنا ابن الله (44) وبذلك أيضا كان اللصان اللذان صلبا معه يعيرانه ( أي يسخران منه بمثل هذا الكلام ) ]
( الكتاب المقدس : إنجيل متى { 27 } : 39 - 44 )
ولكن يعترف أحد اللصين بذنبه .. فيكون في الفردوس السمائي مباشرة مع الرب لمجرد اعترافه .. كما جاء هذا في النص المقدس التالي ..
[ (39) وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه ( يسخر منه ) قائلا إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا (40) فأجاب الآخر وانتهره قائلا أولا أنت تخاف الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه (41) أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا . وأما هذا فلم يفعل شيئا ليس في محله (42) ثم قال ليسوع اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك (43) فقال له يسوع الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس ]
( الكتاب المقدس : لوقا { 23 } : 42 - 43 )
ومن هذا المنظور ، نرى أن مجرد الاعتراف بالذنب يكفي للعفو عن المذنب وإعفائه من القصاص .. بل ووضع اللص في الفردوس الأعلى مع الإله . وهو ما يعني أن الإيمان بالمسيح فقط .. والاعتراف بالذنب يكفيان لكي يكون الإنسان مبشرا بالجنة في الفكر المسيحي [18] ..!!!
وفي الواقع ؛ يطبق هذا الفكر في الكنائس تحت طقس : ” الاعتراف “ ( أي غفران الذنوب ) . فمجرد اعتراف المذنب للقس بذنوبه .. فإن هذا يكفي لمحو الذنوب ..!!! وليس بالسعي نحو التوبة ( بشروطها ) وطلب المغفرة من الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما في الدين الإسلامي .
وليس هذا فحسب .. بل وذهب بولس الرسول ـ مؤسس المسيحية ـ بلعن كل من يعمل بالشريعة ( أي بلعن كل من يعمل بمكارم الأخلاق ) .. كما جاء هذا في رسالته إلى أهل غلاطية ..
[ (10) أما جميع الذين على أعمال الشريعة ، فإنهم تحت اللعنة .. ]
( الكتاب المقدس ـ كتاب الحياة : غلاطية 3 : 10 )
ولم يكتف بولس بهذا .. بل ولعن الإله نفسه ( أي المسيح ) .. كما جاء هذا في رسالته إلى أهل غلاطية أيضا ..
[ (13) إن المسيح حررنا بالفداء من لعنة الشريعة ، إذ صار لعنة عوضا عنا .. ]
( الكتاب المقدس ـ كتاب الحياة : غلاطية 3 : 13 )
وهكذا ؛ صار الإله ملعون بالنيابة عن الإنسان المخطيء ..!!! فبدلا من أن يُلعن الإنسان بخطيئته .. أصبح الإله هو الملعون بخطيئة الإنسان ..!!! وهكذا ؛ كلما إزدادت خطيئة الإنسان .. كلما إزدادت اللعنة فوق راس الإله ..!!! وبديهي والحال كهذا ؛ لا حاجة للإنسان لطلب الصفح أو المغفرة من الإله .. طالما وأن اللعنة تنتقل تلقائيا من الإنسان إلى الإله .. وأن الإله يقبل بهذا ..!!!
وبأخذ ما سبق في الاعتبار ؛ يمكننا فهم ـ الآن ـ سلوك بعض باباوات الكنيسة الكاثوليكية بروما .. ومنهم من كان يعاشر بناته جنسيا ( البابا ألكسندر السادس ) ، ومنهم من كان يعاشر أمه معاشرة الأزواج ( البابا يوحنا الثاني عشر ) ..!!!
ثم ننتقل إلى النقطة الثانية من هذا التحليل .. وهي مشكلة مكان الأبرار من المسيحيين في الفردوس السمائي..!!! والإجابة على هذا السؤال يستلزم شرحه بعض الإفاضة خصوصا عندما نعلم أن الفرد المسيحي لا مكان له في هذا الفردوس السمائي أصلا ..!!! لاعتبارات كثيرة منها : أن الفرد المسيحي ليس من ضمن ” شعب الله المختار “ .. حيث يؤكد الكتاب المقدس على أن الفردوس السمائي لن يدخله سوى ( 144 ألف ) يهودي فقط .. هذا من جانب .. ومن جانب آخر ؛ ضيق مساحة الفردوس السمائي .. حيث يبيّن الكتاب المقدس أن مساحة الفردوس السمائي تبلغ حوالي 56% من مساحة الولايات المتحدة الأمريكية فقط .. وبهذا لن يستوعب أعداد البررة ( الكلاب ) من المسيحيين على مر الأزمان والأجيال [19] .. وهو ما دفع برجال الدين المسيحي إلى الاعتقاد في ضرورة أن يتكون الفردوس الإلهي من طوابق ـ على غرار الفنادق ـ في حالة نجاحهم في وجود نص مقدس يسمح للأبرار ( الكلاب .. للمرة الثانية ) بدخول هذا الفردوس الإلهي ..!!! ويمكن الرجوع إلى الدراسة السابقة : ” إبادة شعوب العالم الإسلامي ومحو الإسلام من الوجود : الشعيرة الأساسية في الديـانتين اليهودية والمسيحية ” لـرؤية بعض التفاصيل حول هذه المعاني .
وننتهي من التحليل السابق بالآتي :
1. لا يوجد بعث مؤكد للفرد اليهودي أو المسيحي ..!!! ويمكن ملاحظة هذا المعنى .. عند قراءة نعي الفرد المسيحي في الصحف .. حيث يحوي النعي ـ عادة ـ على جملة : ” راقد على رجاء القيامة ” .. وهو ما يعكس عدم تأكد الديانة المسيحية من وجود البعث بعد الموت ..!!!
2. أن الجزاء ( أو العقاب ) ـ في المسيحية ـ يمكن أن يمحى ببساطة شديدة بمجرد الاعتراف بالذنب أو بالخطيئة ..!!!
3. أن العمل بمكارم الأخلاق يعرض الفرد المسيحي للعنة ..!!! ويكفي أن يؤمن الفرد المسيحي بيسوع ( أي يؤمن بالمسيح كإله ..!!! ) لكي يحمل عنه الإله اللعنة .. ويصير الإله هو الملعون بدلا من الإنسان عند ارتكاب الإنسان لأي خطيئة ..!!!
4. لا يوجد للفرد المسيحي ـ أصلا ـ مكان في الفردوس السمائي .. لأنه ليس من شعب الله المختار ( أي ليس من الـ 144 ألف يهودي ) .. وبالتالي ليس للفرد المسيحي بعثا ..!!! هذا من جانب ، ومن جانب آخر ؛ فإن ضيق مساحة الفردوس السمائي لا تسمح ببعث الأبرار من المسيحيين .. حيث لا يوجد لهم مكان في الفردوس ..!!!
لهذا حدث بلا حرج حول تشكيل الضمير الديني والأخلاقي لدى الفرد المسيحي ..!!! أي لا دين ولا أخلاق .. ولا بعث ولا جزاء .. ولا ثواب ولا عقاب ..!!! فهذه هي الديانة المسيحية .. يفعل فيها الإنسان ما يشاء بدون حساب أو عقاب .. ويالها من ديانة ..!!! لهذا يصفهم المولى عز وجل .. بقوله تعالى ..
{ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) }
( القرآن المجيد : الفرقان {25} : 43 - 44 )
ولا بأس ـ إيضا ـ من أن تحتوي ” مسيحية المحبة “ .. ( إلى جانب احتوائها على العهد القديم والإيمان بنصوصه الإبادية الإجرامية ) على نصوصها الإبادية الخاصة بها .. والتى تسمح هي الأخرى بالذبح والإبادة .
فحقيقة الأمر أن الديانة المسيحية ـ أو مسيحية المحبة كما يدعي أهلها ـ ليست ديانة سلام على الإطلاق .. بل هي ديانة حرب وإبادة ..!!! فهي الديانة التي تسعى لتدمير السلام على الأرض وإشعال النار فيها .. بل ونشر الانقسام والتناحر بين شعوبها ..!!! كما جاء هذا في نصهم ـ المقدس ـ التالي .. حيث يقول ” إله مسيحية المحبة ” ..
[ (49) جِئْتُ لأُلْقِيَ عَلَى الأَرْضِ نَاراً ، فَلَكَمْ أَوَدُّ أَنْ تَكُونَ قَدِ اشْتَعَلَتْ ؟ (50) وَلكِنَّ لِي مَعْمُودِيَّةً عَلَيَّ أَنْ أَتَعَمَّدَ بِهَا، وَكَمْ أَنَا مُتَضَايِقٌ حَتَّى تَتِمَّ ! (51) أَتَظُنَّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُرسِيَ السَّلاَمَ عَلَى الأرْضِ ؟ أَقُولُ لَكُمْ : لاَ ، بَلْ بِالأَحْرَى الانْقِسَامَ ]
( الكتاب المقدس ـ كتاب الحياة : إنجيل لوقا : {12} : 49 – 51 )
وليس هذا فحسب .. بل يأمر ـ إله المحبة ـ شعوب العالم المسيحي بذبح كل مخالفيهم .. وذبح كل من لا يؤمن به ( أي كل من لا يؤمن ” بالمسيح كإله ” ) .. كما جاء هذا في نصهم ـ المقدس ـ التالي ..
[ (27) وَأَمَّا أَعْدَائِي أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَأَحْضِرُوهُمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي ( slay them before me ) ! ]
( الكتاب المقدس ـ كتاب الحياة : إنجيل لوقا : {19} : 27 )
وهذا النص يمثل قمة التعصب الدموي في أشقى معانيه .. فـ ” أملك عليهم .. “ يعنى أن يكون المسيح ملكا وإلها عليهم . أما الأعداء فهم أى شعب لا يرتضى فكرهم بأن يكون عيسى إلها ..!!! . فيقول السيد المسيح لأتباعه .. ” فأتوا بهم .. “ ، أى بهؤلاء ، أو بهذا الشعب الذي لا يرتضى بهذا التتويج أو هذا المنهاج ” .. واذبحوهم قدامى .. ” أى تحت قدمي في تراجم أخرى . وبديهى إن لم يكن السيد المسيح موجودا بالكيان الفيزيائي له وقت ذبح الأعداء ، فلا بأس من أن يتم الذبح أمام أى رمز أو وثن يشير إليه بشكل أو بآخر . والآن ؛ أين فكر ” قبول الآخر ” في هذا النص المقدس ..؟!!!
ولم تقتصر مسيحية المحبة على ذبح المخالفين فحسب .. بل يقرر الكتاب المقدس أيضا ؛ بأن على شعب الأبرار ـ سواء كانوا من اليهود أو المسيحيين ـ أن يغسلوا أرجلهم بدماء الأشرار ..
[ (10) يَفْرَحُ الأَبْرَارُ حِينَ يَرَوْنَ عِقَابَ الأَشْرَارِ ، وَيَغْسِلُونَ أَقْدَامَهُمْ بِدَمِهِمْ . (11) فَيَقُولُ النَّاسُ: « حَقّاً إِنَّ للِصِّدِّيقِ مُكَافَأَةً ، وَإِنَّ فِي الأَرْضِ إِلَهاً يَقْضِي » . ]
( الكتاب المقدس ـ كتاب الحياة : مزمور {58} : 10 ـ11 )
وأكرر .. إن الأشرار من منظور العالمين اليهودي والمسيحي هم شعوب العالم الإسلامي .. أكبر المخالفين ـ فكريا وعقائديا ـ لهم ..!!! وليس هذا فحسب .. بل وعلى الشعوب المسيحية لا تهدأ حتى يشربوا من دماء أعدائهم ( المسلمين ) أيضا ..
[ (24) هُوَذَا شَعْبٌ يَقُومُ كَلَبْوَةٍ ، وَيَرْتَفِعُ كَأَسَدٍ . لاَ يَنَامُ حَتَّى يَأْكُلَ فَرِيسَةً وَيَشْرَبَ دَمَ قَتْلَى » . ]
( الكتاب المقدس : عدد {23} : 24 )
وهكذا ؛ يدعو الكتاب المقدس شعوبه ـ الشعوب اليهودية والمسيحية ـ لأن تكون من شاربي دماء البشر على غرار ” مصاصي الدماء : The vampires ” ..!!! فكما نرى أن البهجة ـ كل البهجة ـ لا تتحقق .. والفرح ـ كل الفرح ـ لا يتم .. للعالمين المسيحي واليهودي معا .. إلا بغسل أرجلهم في دماء الشعوب الإسلامية الشريرة ( أكبر مخالفيهم ) وشرب دمائهم .. لأنها الشعوب التي تؤكد على كفرهم .. ولا ترتضي بأن يكون المسيح إلها لها ..!!!
فهل يوجد دعوة للإرهاب أبعد وأوضح من هذا ..!!! فالحقيقة القاطعة والساطعة ؛ أن الكتاب المقدس هو الكتاب الأول المؤسس للفكر الإرهابي .. ومدارس الإرهاب الأولى في العالم . ولهذا يقرر جون آدامز ( ثاني رؤساء الولايات المتحدة في الفترة من 1797 إلى 1801 ، بعد جورج واشنطن ) :
[ إن الانحراف في الديانتين اليهودية والمسيحية جعلهما أكثر الديانات دموية على الإطلاق ]
وكما قال أحد الكتاب الغربيين .. لم يصدق السيد المسيح في نبوءة من نبوءاته كما صدق في قوله :
[ (34) لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ . مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا .]
( الكتاب المقدس : إنجيل متى : {10} : 34 - 36 )
وأرجو أن تكون في هذه العجالة ما يكفي لكي يرى العالم حقيقة إرهاب المسيحية .. وحقيقة كتابها المقدس المؤسس الأول للفكر الإرهابي على طول التاريخ البشري ..
من ذاكرة التاريخ : الضمير الديني والأخلاقي في الفكر المسيحي ..
كما رأينا ؛ فإن التعصب الديني الدموي في أبشع معانيه هي نصوص كتابية مقدسة .. لهذا يأتي بعض باباوات الكنيسة الكاثوليكية المسيحية ( ومنهم من كان يعبد الشيطان ، ومنهم من كان يعبد وثن من الجرانيت ..!!! ) لا ليمارسوا القتل الجماعي بالجملة فحسب بل يرسوا كذلك قاعدة القتل محلل بالنسبة للكنيسة المسيحية ومن شروط خلاص النفس [20] . ونوجز ـ هنا ـ بعض الأمثلة التاريخية لـ ” إبادة الآخر ” ( وليس ” قبول الآخر ” ) كما تأتي به ” مسيحية المحبة ” ..!!!
ونبدأ هذه الأمثلة .. بالبابا أوربان الثاني [21] ، بابا الكنيسة الكاثوليكية في روما ، الذي أعلن في 27 نوفمبر عام 1095 ، بأن المسلمين كفرة يستباح دماؤهم والاستيلاء على ممتلكاتهم ..!!! وقام بدعوة العالم المسيحي إلى الحـرب المقدسة ( أى إلى الحروب الصليبية ) لاستعادة الأراضي المقدسة من بين أيدي المسلمين . وقد أعلن أوربان الثاني إنه سوف يغفر الذنوب جميعا لمن يساهم فى هذه الحروب الصليبية من منطلق التفويض الإلهي الممنوح له من السماء ..!!! ودخـلت قوات الحملـة الصليبية الأولى [22] الأراضي المقدسة ( أورشليم ) بعد ظهر يوم الجمعة 15 يوليو عام 1099 ، فى مشهد تاريخي رهيب يقول عنه المؤرخ ” جيبون ” :
[ إن خدام رب المسيحيين رأوا باعتقادهم الأعمى أن يكرموا الرب ، فقاموا بذبح 70 (سبعين) ألفا من المسلمين .. تعظيما وإجلالا وزلفى وقربانا له .. ولم يرحموا كبار السن والأطفال والنساء .. وقد استمرت هذه المذبحة ثلاثة أيام ، وأن من احتفظوا بهم من الأسرى دون أن يقتلوه ، إنما يرجع بقاؤهم على قيد الحياة إلى التعب والإجهاد الذي أصاب الصليبيين من كثرة ما قاموا به من القتل والذبح ] .
ويعجب المؤرخ لودفج .. فيقول :
[ كيف ساغ لزعماء الكنيسة والأشراف من الصليبيين بعد هذه المذبحة أن يوفوا نذرهم ، ويكشفوا رؤوسهم ، ويخلعوا نعالهم ، ليسيروا فى بحار من الدماء ، ليصعدوا إلى المرتفعات التى نصب عليها الصليب ، ويلصقوا شفاههم بقبر المسيح ، بين مختلف التراتيل والتسابيح والأناشيد والمزامير ..!!! لقد كان منظرا بشعا لا يمكن أن يتصوره أحد . فهؤلاء أراقوا دماء سبعين ألف مسلم ، وهم الآن يلتمسون الغفران وتطهير أجسادهم وأرواحهم ، ويأملون فى العفو عن خطاياهم ، بل ويستمدون البركة من الكنيسة ] [23] .
وعلى سبيل المقارنة ؛ عندما فتح الفاروق ” عمر بن الخطاب ” مدينة القدس سنة 638 ميلادية ، أي قبل إغارة هؤلاء الهمج على القدس ( سنة 1099 ) بأكثر من ( 450 ) سنة ، لم يرق دم مسيحي واحد في هذا الفتح ..!!! بل تم احترام عقيدتهم .. وتأمينهم على صلبانهم وكنائسهم .. فعندما أذن لصلاة العصر وعمر داخل كنيسة القيامة .. طلب منه القساوسة الصلاة داخل الكنيسة فرفض .. حتى لا يكون قد استن سنة الصلاة داخل الكنائس لمن بعده من المسلمين . فهذا هو الإسلام العظيم .. الذي يحترم عقيدة الآخر ـ على الرغم من وثنيتها وخرافتها ـ تحقيقا لقوله تعالى ..
{ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ .. (29) }
( القرآن المجيد : الكهف {18} : 29 )
وقوله تعالى ..
{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ .. (256) }
( القرآن المجيد : البقرة {2} : 256 )
وينبغي أن أشير ـ هنا ـ إلى أن المؤلفين والمفكرين الغربيين يجمعون على أن الهوية الأوربية ذاتها نشأت من العداء للإسلام ، وأن أوربا كانت بلا هوية ولا تجمعها ثقافة واحدة حتى الحروب الصليبية ، وأن تلك الحروب هى التى جمعت القبائل والشعوب الأوربية ذات الثقافات المختلفة والهويات على قاعدة العداء للإسلام وبدأت الهوية والثقافة الأوربية تتشكلان من خلال هذا الصراع .
كما ظهر غياب الضمير الديني والأخلاقي ـ أيضا ـ في الفكر الغربي .. عند تشكيل محاكم التفتيش [24] ، وهو تاريخ الدكتاتورية الدينية والاضطهاد الديني فى أبشع صوره ، وقتل حرية الفكر الإنساني بأبشع أداة . ومن أقذر سبل هذه المحاكم إنها حتمت أن يبلغ كل إنسان من غير تباطؤ ما يصل إليه سمعه بشأن الملحدين أو الهراطقة . والملحد هو لفظ استخدم أساسا لتعريف كل من يناهض الإيمان المسيحي .. وامتد هذا التعريف لكل من يعتنق الإسلام أو من كان مسلما ثم أجبر على التنصر وبدرت منه بادرة توحي بعدم الاقتناع بالمسيحية ، أو مارس الإسلام في الخفاء . وهددت الكنيسة من يتوانى فى التبليغ بعقوبات صارمة فى الدنيا والآخرة ، فانتشر بسببها نظام التجسس حتى بين أفراد الأسرة الواحدة .
وبهذا بدأت الإبادة المنظمة للملحدين ( المسلمين ) وجعلها البابا واجبا دينيا على كل كاثوليكي . وقد تم تنظيم محاكم التفتيش من المفتشين ، وكان أعضاؤها مقصورة على شرائح معينة من رجال الكنيسة كالدومينيكان مثلا . وكان كل شيء مباحا للمفتشين ، فهم الجناة والقضاة فى نفس الوقت ، وكانوا يستلهمون سلطتهم من البابا رأسا وهو المعصوم من الخطأ ، لذلك لم يخضعوا للقوانين المدنية أو لأي سلطة كنسية أخرى .
وقد كثر صرعى هذا النظام ، ولم يكن الغرض من التنكيل بالملحدين ـ والذين لم يكونوا سوى المسلمين أو من أجبر منهم على التنصر ـ هو مجرد إعدامهم والتخلص منهم ، بل كان الهدف هو إثارة الفزع فى نفوس الذين يوسوس لهم الشيطان بالمروق أو الانحراف عن الديانة المسيحية . ولم يكن الإعدام يجرى على وجـه السرعة ، بل جرت العادة بأن يحرق الملحدون ( المسلمون ) أحياء ، وبأن تكون النار بطيئة بحيث لا تأتى على ضحيتها مرة واحدة ..!!! وكانوا يبررون إطالة العذاب على هذا النحو ، لأنه يبيح للمتهم فسحة من الوقت ، لكي يستطيع فيها أن يعلن توبته ..!!! وكان الإحراق بالنار تسبقه مراحل من التعذيب بالكي بالنار ونحوه ، لكي يختبروا صلابة الفرد وعمق إيمانه وقوة إرادته ، لانتقاء أنسب أسلوب لحرقه . ومن الغريب أن هذا الأسلوب فى اختبار قدرة المتهمين قبل حرقهم ، قد حدده أمر بابوي أصدره إينوسنت الرابع ، وأعاد توكيده كليمان الرابع فى أمر بابوي آخر [25] .
وترى قمة الاختلال النفسي والعقلي فى ذلك الوقت لأعضاء محاكم التفتيش ، عندما يعلن القاضي الإكليركي أن السجين ملحد ( مسلم .. أو مسلم متنصر وغير مقتنع بالمسيحية ) ، ولا أمل فى توبته . ثم يسلمه للسلطات الدنيوية .. ويلتمس عندها التزام الرحمة والرفق فى معاقبته .. وهو يعلم أن السلطة الدنيوية لا تملك إلا إعدام المتهم بالهرطقة فى مدة لا تتجاوز ستة أيام ، وإلا أتهمت هى ـ نفسها ـ بالعمل على ترويج الإلحاد ..!!!
وهكذا غرقت أوربا فى بحور من دماء المسلمين أو المسلمين الذين أجبروا على التنصر على يد محاكم التفتيش . وهكذا فرضت المسيحية على المسلمين بالتعذيب .. وبالنار .. ثم يتهمونا بأن الإسلام انتشر بالسيف ..!!! أما الأعداد التى أعدمت فأكثر من أن تحصى ، وحسبنا أن نسوق هنا بعض الأرقام للدلالة على بشاعة هذا الاضطهاد الديني الدامي ، معتمدين فى هذا على “ لورنتي : Lorente “.. سكرتير التفتيش فى أسبانيا ( الأندلس ) والمؤرخ فى نفس الوقت لتصفية الإسلام والمسلمين ، والذي أتيح له البحث بمطلق الحرية فى ” أرشيفات ” محكمة التفتيش فى أسبانيا [26] فقط . حيث يقول ـ لورنتي ـ أن محكمة تفتيش أسبانيا ( الأندلس ) قدمت وحدها إلى النار أكثر من واحد وثلاثين ألف نفس ، من عام 1790 إلى 1792 ، وأصلت أكثر من مائتين وتسعين ألفا عقوبات أخرى تلي الإعدام فى صرامتها ، وهذا الرقم لا يشمل الذين أودت بحياتهم فروع هذه المحكمة ـ الأسبانية ـ فى مكسيمو وليما بأمريكا الجنوبية وقرطاجنه وجزر الهند الغربية وصقلية وسردينيا ، وأوران ومالطة .. وجميعها موجه أساسا إلى استئصال الإسلام وللمسلمين ..!!!
وقد كان من أشهر المفتشين فى أسبانيا هو ” توماس الطرقماوى “ ، الذى إستمر فى منصبه لمدة خمسة عشر عاما ، وكان له ( 114.000 ) ضحية تم إحراق ( 10.220 ) منهم . وعندما غزا نابليون أسبانيا عام 1808 ، اعتصم القساوسة الدومينيكان [27] بديرهم فى مدريد ، وعندما اقتحمه نابليون عنوة أنكر القساوسة الدومينيكان وجود أى حجرات للتعذيب . ولكن عند البحث والتنقيب وجـدها جنود نابليون تحت الأرض .. ممتدة لمسافات كبيرة تحت الدير .. وكلها مليئة بالمساجين .. وكلهم عرايا وكثير منهم معتوه من آثار التعذيب [28] . ورغم أن القوات الفرنسية لم تكن تتميز برقة الشعور إلا أن هذا المنظر قد أثار شعور جنودها ، فأخرجوا المساجين وفجروا الدير بأكمله .
وهكذا نرى أن الذبح والقتل والتعذيب في أبشع صوره ومعانيه يمكن أن يتم داخل الصوامع الدينية .. وأديرة التعبد والرهبنة في مسيحية المحبة .. في صورة هي ـ بالقطع ـ صورة تعبدية ..!!! إذن هي نصوص كتابية .. تسقط العباءة السوداء عن مصاصي الدماء .. الذين يمارسون القتل والذبح وأعمال التعذيب الجنونية والوحشية .. تحت المزاعم الدينية الخرافية ..!!! وبديهي ؛ بعد هذا العرض الموجز يمكننا الآن ، أن نفهم ولو قليلا .. معنى تشكيل الضمير الديني والأخلاقي في الفكر المسيحي الغربي بصفة عامة ..!!!
من مشاهد الإبادة في العصر الحديث ..
في الواقع ؛ لقد وقفت طويلا عاجزا أمام كتابة هذه الفقرة ..!!! فكيف اختصر ـ في فقرة واحدة ـ مجلدات .. وموسوعات كاملة .. من الإرهاب والإجرام .. والإبادة الكاملة التي يقوم بها العالم المسيحي ( متمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ) لحضارات وشعوب العالم في العصر الحديث ..؟!!! فقد كدت أنسحب من هذا العبء .. وأعلن عجزي عن عدم مقدرتي كتابة هذه الفقرة .. واكتفي بالإشارة إلى بعض المواقع والكتب والمراجع التي تعرض لهذا الإجرام والوحشية في علاقة العالم المسيحي واليهودي بالآخر ..!!! ولكني تراجعت وفضلت عرض مقتطفات من هذه المجلدات والموسوعات الإجرامية لعلها تفي بالغرض بالنسبة للقاريء المتعجل ..!!! ومن يريد مزيد من التفصيل فالإنترنت تموج بهذه المعلومات عن هذا الإجرام العقائدي المتوارث في كل من الديانتين اليهودية والمسيحية على النحو السابق تقديمه في هذه الدراسة ..!!!
ونبدأ هذه الفقرة بالباحث في العلوم الإنسانية ” منير العكش ” الذي أكد في كتابه : ” أمريكا والإبادات الجماعية ـ حق التضحية بالآخر” ذكر فيه أن عدد الهنود الحمر الأمريكان كان ( 112 ) مليون إنسان .. وصل هذا العدد بعد عمليات الإبادة خلال 3 قرون إلى ( 4.1 ) مليون فحسب !!! ووصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة ..!!!
كما خاضت أمريكا في إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق 93 حرباً جرثومية شاملة وتفصيل هذه الحروب أورده الكاتب الأمريكي : ” هنرى دوبينز : Henry Dobyns “ في كتابه : ” أرقامهم التي هزلت “ [29] .. في الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التي أبيد بها الهنود الحمر بـ 41 حرباً بالجدري ، و4 بالطاعون ، 17 بالحصبة ، و10 بالأنفلونزا ، و25 بالسل والديفتريا والتيفوس والكوليرا . وقد كان لهذه الحروب الجرثومية آثاراً وبائية شاملة إجتاحت المنطقة من فلوريدا في الجنوب الشرقى إلى أرجون في الشمال الغربي ..!!!
ووصل الأمر إلى تباهى الأمريكان بهذه الوحشية والدموية .. حيث يقول وليم برادفورد حاكم مستعمرة ” بلايتموت ” : ” إن نشر هذه الأوبئة بين الهنود هو عمل يدخل السرور والبهجة على قلب الإله ، ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت ..!!! إن على المؤمنين أن يشكروا الإله على فضله هذا ونعمته .. لأن يموت 950 هندى من كل ألف ( أي 95% منهم ) ، وتتراكم جثثهم فوق الأرض وتنفق .. دون أن يجدوا من يدفنهم ..!!!
وفي عام 1730 أصدر البرلمان الأمريكي للمسيحيين البروتستانت الأطهار ( Puritans ) تشريعا يبيح إبادة الهنود الحمر ، وتقديم مكافأة مقدارها 100 جنيه مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر ، و50 جنيه مقابل فروة رأس امرأه أو فروة رأس طفل ..!!!
ومنذ هذا التاريخ صار قطع رأس الهندى وسلخ فروة رأسه من الرياضات المحببة في أمريكا ، بل إن كثيراً منهم كان يتباهى بأن ملابسه وأحذيته مصنوعة من جلود الهنود ، وكانت تنظم حفلات خاصة يدعى إليها علية القوم لمشاهدة هذا العمل المثير ( سلخ فروة رأس الهندى ) حتى أن الكولونيل جورج روجرز كلارك .. أقام حفلة لسلخ فروة رأس 16 هندي .. وطلب من الجزارين أن يتمهلوا في الأداء وأن يعطوا كل تفصيل تشريحي حقه لتستمتع الحامية بالمشاهد ( راجع اليوميات في Michigan pioneer and historical colloction العدد 9 ، 1886م ، صـ501، 502 ) .. وما يزال كلارك إلى الآن رمزاً وطنياً أمريكياً وبطلاً تاريخياً وما يزال من ملهمى القوات الخاصة في الجيش الأمريكي .
ومع تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليداً مؤسساتياً رسمياً فعند استعراض الجنود أمام وليم هاريسون ( الرئيس الأمريكي فيما بعد ) بعد انتصار 1811م على الهنود .. للتمثيل بالضحايا ثم جاء الدور على الزعيم الهندى ” تكوميسه ” وهنا تزاحم صيادوا الهنود .. وطالبي التذكارات على انتهاب ما يستطيعون سلخه من جلد هذا الزعيم الهندى أو فروة رأسة ، ويروى جون سجدن في كتابه عن ” تيكوميسه ” كيف شرط الجنود المنتشون سلخ جلد الزعيم الهندى من ظهره حتى فخذه .
وكان الرئيس أندريه جاكسون ـ الذى تزين صورته ورقة العشرين دولار ـ من عشاق التمثيل بالجثث وكان يأمر بحساب عدد قتلاه بإحصاء أنوفهم المجدوعة وآذانهم المصلومة ، وقد رعى بنفسه حفلة التمثيل بالجثث لـ 800 هندى يتقدمهم الزعيم : “مسكوجى” .. وقام بهذ المذبحة القائد الامريكي جون شفنجنتون وهو من أعظم أبطال التاريخ الامريكي وهناك الآن أكثر من مدينة وموقع تاريخي تخليداً لذكراه ولشعاره الشهير : ” اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم ، لا تتركوا صغيراً أو كبيراً ، فالقمل لا يفقس إلا من بيض القمل ” .
بل إن الأمر وصل كما يقول الجندى الأمريكي ” أشبري” إلى حد التمثيل بفروج النساء ويتباهى الرجل بكثرة فروج النساء التى تزين قبعته وكان البعض يعلقها على عيدان أمام منزله .
ثم اكتشف أحد صيادى الهنود أمكانية أستخدام الأعضاء الذكرية للهنود كأكياساً للتبغ ، ثم تتطورت الفكرة المثيرة من هواية للصيادين إلى صناعة رائجة وصار الناس يتهادونه في الأعياد والمناسبات ، ولم تدم هذه الصناعة طويلاً بسبب قلة عدد الهنود حيث وصلوا في عام 1900 إلى ربع مليون فقط ( لمزيد من التفاصيل راجع stand hoig في كتاب the sand creek massacres ) .
وليس هذا من الأمور المستغربة .. فهي من تعاليم وطقوس الكتاب المقدس ..!!! فعندما أراد داود ( عليه السلام ) أن يصاهر الملك شاول ( أول ملوك بني إسرائيل ) ، طلب ” شاول ” من داود أغـرب مهر ( عرفه التاريخ الإنساني ) لابنته .. إذ طلب منه ” مائة غلفة ( والغلفة هي الزائدة الجلدية الموجودة على رأس العضو الذكري والتي تستأصل بالختان ) من غلف الفلسطينيين ” لتكون مهرا لابنته ..!!! وأعطى شاول داود مهلة شـهرا للتنفيذ .. واستحسن داود الفكرة .. فانطلق في قتل الفلسطينيين وقطع غلفهم ..!!! وهاك النص المقدس ..
[ (25) فقال شاول لهم ( أي لعبيده ) : " هذا ما تقولونه لداود : إن الملك لا يطمع في مهر ، بل في مائة غلفة من غلف الفلسطينيين .. (26 ) .. فراقه الأمر ( أي راق لداود الأمر ) ولا سيما فكرة مصاهرة الملك . وقبل أن تنتهي المهلة المعطاة له (27) انطلق ( داود ) مع رجاله وقتل مائتي رجل من الفلسطينيين ، وأتي بغلفهم وقدمها كاملة لتكون مهرا لمصاهرة الملك . فزوجه شاول من ابنته ميكال ]
( الكتاب المقدس ـ كتاب الحياة : صموئيل الأول {18} : 25 - 27 )
وهكذا يبين لنا هذا النص المقدس .. أن قطع الأعضاء الذكرية للأغيار ( الآخر غير المسيحي ) للتهادي بينهم هو أمر مشروع .. وطقس ديني . كما نرى أن داود قد ضاعف من قيمة المهر المطلوب منه ..!!! حيث قام بقتل مائتين من الفلسطينيين بدلا من مائة فقط .. وأحضر أعضاؤهم الذكرية للملك شاول ..!!! وذلك تعبيرا على كرمه الزائد في خدمة الملك ومصاهرته من جانب ، وتأكيدا على أن نظرته للفلسطينيين لا تتجاوز النظرة للحشرات وليس للحيوانات من جانب آخر ..!!! فربما كانت النظرة إلى الحيوانات تستلزم بعض الرأفة .. حيث لا لزوم لقتل حيوان دون ضرورة ما ( أي كان علي داود الاكتفاء بقتل مائة فلسطيني فحسب ) ..!!! فهذه هي بعض مكارم الأخلاق في الديانتين اليهودية والمسيحية .. وهذه هي الاخوة الإنسانية .. من المنظور التوراتي ..!!!
وهكذا ؛ فعندما نرجع إلى الوثائق الأمريكية لوصف مذابح مخيمات الهنود الحمر .. فإننا نصف مذابح مخيمات الفلسطينيين والمدن الفلسطينية ، فقاتل الهندي الأمريكي القديم .. هو نفس قاتل الفلسطيني في صبرا وشاتيلا .. وهو نفس القاتل في المذابح التي تجريها إسرائيل في الوقت الحاضر ـ فبراير 2008 ـ في مدن غزة والضفة الغربية .. وهو وريث ذلك القاتل الهندي . والصور هي ذاتها نفس الصور .. الأم الهندية التي ما زال طفلها يرضع من ثديها رغم أنها ميتة ، هي صورة الطفل الفلسطيني الذي يرضع من ثدي أمه الفلسطينية الميته في صبرا وشاتيلا .. وفي مدن غزة والضفة الغربية ..!!! فشارون ورؤساء إسرائيل كانوا في مخيم الهندي الأمريكي .. قبل أن يكونوا في مخيم صابرا وشاتيلا .. وفي المدن الفلسطينية ..!!! ورؤساء أمريكا تضع صواريخ الإبادة في أيدي الصهاينة لإبادة الكنعانيين الفلسطينيين هنود القرن العشرين ..!!!
ودعنا نعرج إلى كتابات الأب الفرنسسكاني : ” بارتولومي دى لاس كازاس ” الذي رافق الغزاة الأسبان للاشتراك في عمليات التبشير في أمريكا .. والذي حاول الدفاع عن الهنود الحمر ( في كتاباته : ” اقتلاع الأمريكتين ” والتي ظلت ممنوعة من النشر لمدة ثلاثة قرون .. إلى أن تم نشرها بالأسبانية عام 1986 ، ثم تمت ترجمتها إلى الفرنسية في ثلاثة أجزاء ، وتم نشرها عام 2002 عن دار النشر الفرنسية : ” Steuil ” ) .. فنجده يقول :
” بدأ المسيحيون المجازر وأعمال العنف البشعة بأحصنتهم وسيوفهم وحرابهم ضد الهنود . كانوا يدخلون القرى ولا يتركون فيها حيا لا أطفال ولا مسنين ولا نساء حوامل أو مرضعات إلا وبقروا بطونهم ومزقوهم إربا ، وكأنهم يهاجمون قطيع من الخراف المختبئة فى حظائرهم . وكانوا يتراهنون على من منهم يمكنه شق رجل بضربة سيف واحدة ، أو أن يقطع عنقه بضربة سيف ، أو يدلق أمعاؤه بطعنة واحدة ..!!! وكانوا ينزعون الأطفال وهى ترضع ويمسكونها من أقدامها ويهشمون رؤسهم على الصخور . كتعاليم الكتاب المقدس بالضبط ..!!!
وكانوا يلقون الأطفال فى النهر وهم يضحكون ، وعندما يسقط الطفل فى الماء يصيحون : ” إرتعض أيها الغبى !” . وكانوا يخرقون الأطفال وإمهاتهم وكل من معهم بالسيوف . ويقيمون المشانق الطويلة ويعلقون عليها جماعات مكونة من ثلاثة عشر شخصا ، تحية للمسيح وحوارييه ، ويشعلون نيرانا خافتة تحتهم حتى يحترقون ببطء وهم أحياء .
ولكى يطعم الإسبان كلابهم كانوا يأخذون معهم فى الطريق الكثير من الهنود الموثقين بالسلاسل ويسيرون كقطيع الخنازير . وكان الإسبان يقتلون منهم ويقيمون مجزرة علنية من اللحم البشرى ، ويقول أحدهم للآخر : إقرضنى ربع من أحد هؤلاء الأغبياء لأطعم كلابى إلى أن أذبح آخرا ..!!! وكأنهم يتبادلون أرباع من الخنازير أو من الخراف ” .
فهذه هي الوحوش البشرية .. الأحط من الوحوش الحقيقية .. ودينها الوثني الذي يؤكد على إبادة الآخر .. وهذه هي تعليمات إلههم وكتبهم المقدسة ..!!!
ثم نعرج قليلا على ” تجارة الرقيق “ .. التي مارسها رجل الغرب المؤمن بالمسيحية .. ولأكثر من ثلاثة قرون في الفترة ( 1518 ـ 1870 ) . حيث بدأت هذه التجارة عندما أصدر الملك شارل الأول ( ملك أسبانيا ) مرسوما ملكيا بتصدير العبيد من أفريقيا إلى المستعمرات الأمريكية . ومنذ هذا التاريخ ؛ بدأ رجل الغرب المسيحي في اصطياد وتصدير عشرة ملايين أسير أفريقي ـ على أقل تقدير ـ إلى الأمريكتين وأوربا ( عن موسوعة الإنكارتا لعام 1997 ) . فإذا أخذ في الاعتبار أن ” اصطياد الأسير الأفريقي ” كان يقابله حوالي ” عشرة قتلى ” في المتوسط .. فيكون معنى هذا .. أن رجل الغرب ـ المؤمن بالمسيحية ـ قد قام بإبادة نحو مائة مليون أفريقي في هذه التجارة . وهو عدد يذوب رقة وتواضعا بجوار مذابح جنكيزخان الوحشية .. والتي أتاحت له بناء أهرام من بضعة آلاف من الجماجم البشرية فقط ..!!! وقد كان رجل الغرب المسيحي .. يقوم بإلقاء الأسير الأفريقي في المحيط لأسماك القرش .. إذا مرض في أثناء نقله إلى أمريكا ..!!!
ويموج مسرح الأحداث العالمية ـ في الوقت الحاضر ـ بصور كثيرة من الإرهاب والإجرام الأمريكي ـ لا يمكن حصرها ـ في كل أرجاء العالم .. وبصورة في غاية من التردي لهذه الحضارة الأمريكية العفنة ..!!! فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ، والتي قاموا بتمثيلها وإخراجها بسيناريو غبي وأبله .. ومفضوح أمام العالم كله ( راجع مقالة الكاتب : أحداث الحادي عشر من سبتمبر والاستهزاء بعقول العالم ) ..!!! وفي عهد الرئيس الحالي ( وقت نشر المقالة ) جورج دبليو بوش .. شنت الولايات المتحدة حربين ضد بلدين مسلمين هما أفغانستان والعراق شملتا ” حرب إبادة نووية ” .. بكل ما في الكلمة من معنى ( راجع كتابات الكاتب تحت عنوان سيناريو إبادة شعوب العالم الإسلامي ) ، كما ساعدت وتساعد في إبادة شعبين مسلمين في فلسطين ولبنان . هذا غير التهديدات الأميركية الحالية هي ضد دولتين مسلمتين هما إيران وسوريا .
ومن مآثر غزو الولايات المتحدة لأفغانستان ؛ وعقب محاصرة القوات الأمريكية لمدينة قندوز الأفغانية وقبول قوات طالبان تسليم المدينة بشرط أن يعود المقاتلون إلى بيوتهم وقراهم ، كشفت مجلة ” نيوزويك الأمريكية ” في نوفمبر 2001 ، بأن القوات الأمريكية قامت باقتياد 800 من المقاتلين ـ بعد استسلامهم ـ إلى قلعة ” جانجي ” حيث قامت الطائرات الأمريكية ” إف 18 ” بقصفها بالقنابل الحارقة ـ تحت زعم تمرد المقاتلين ـ مخلفة بذلك مئات الجثث المتفحمة لرجال كان كثير منهم مقيد اليدين .
كما قامت القوات الأمريكية ـ بعد ذلك ـ بقتل نحو 3000 ( ثلاثة آلاف ) أسير آخر ( خليط من أفغان وعرب وشيشان وباكستانيين ) بوضعهم في حاويات مغلقة ـ تحمل كل حاوية من 200 إلى 300 أسير ـ بعد أن تم تقييد أيدهم وتعصيب أعينهم ، وقيل لهم أنهم سيتوجهون بهم إلى سجن ” شبرقان “ ومنه إلى مدنهم وقراهم . وبعد مضي عدة ساعات عرف ركاب الحاويات أن القوات الأمريكية غدرت بهم وأنهم سيقتلون بطرق رخيصة .. بتركهم في هذه الحاويات أو هذه العلب المغلقة لعدة أيام .. بلا ماء ولا هواء ..!!!
وبعد عدة ساعات قام الأسرى بالصراخ طلبا للماء والهواء .. ولكن بلا جدوى . وبعد مضي 24 ساعة بلا ماء ولا هواء بدأ كل أسير يلعق عرق جسد الآخر ، وبمضي الوقت بدأ الأسرى في الترنح وفقدان الوعي .. وفتحت الحاويات بعد أربعة أو خمسة أيام فاندلعت الجثث المخلوطة بالبول والدم والغائط والقيء واللحم المتعفن ..!!!
وتقول مجلة نيوزويك : إن ما حدث في مدينة قندوز هو أحد الأسرار الصغيرة للحرب القذرة على أفغانستان ..!!! فهذه هي الولايات المتحدة .. التي كشفت عورة الحضارة الغربية القبيحة .. وهذه هي هويتها الدينية .. وهذا هو ضميرها الإنساني الممسوخ ..!!!
المسلمون فئران تجارب لبحوث الأسلحة النووية .. وبحوث الأسلحة الحديثة ..
في عجالة ؛ ذكر الباحث الفرنسي المتخصص في التجارب النووية الفرنسية ” برينو باريلو “ أن سلطات الاستعمار الفرنسية استخدمت 42 ألف جزائري كـ ” فئران تجارب” في تفجيرها لأولى قنابلها النووية في صحراء الجزائر في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1960 و27 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه . وقالت الدراسة التي اعدها باريلو إن فرنسا أجرت التجربتين المذكورتين في بلدة الحمودية وجبل عين عفلى التابعتين لمنطقة رقان ( في أقاصي الجنوب الجزائري ) .
وقال الباحث الفرنسي في ندوة في العاصمة الجزائرية .. أن القنبلة النووية تم تفجيرها على 42 ألف شخص من السكان المحليين وأسرى جيش التحرير الجزائري ، وهو ما يمثل أقسى صور الإبادة والهمجية التي ارتكبها المحتل الفرنسي في حق الجزائريين الذين يطالبون اليوم باحترام واجب الذاكرة قبل الاندراج في أي مخطط صداقة ، وذلك وفقا لما ذكرت صحيفة ” الخليج ” الإماراتية .
وعرض الباحث صور مختلفة لحجم الدمار الذي أحدثته تفجير القنبلتين على البيئة والمكان وصور لمجاهدين الجزائريين وهم مصلوبين على أعمدة يلبسون أزياء عسكرية مختلفة , وما آلت أليه المعدات العسكرية المختلفة , وأوضح الباحث الفرنسي أن الفرنسيين تعمدوا بشكل واضح إلى الإكثار من ضحايا التجربة النووية وتنويع الألبسة , للوقوف على مستوى مقاومة البشر للإشعاعات النووية على مسافات مختلفة وبأماكن معينة لغرض الحصول على النتيجة النهائية ..!!!
ومن جانب آخر ؛ كشف الشريط المصور الذي بثته القناة الرسمية ” راي نيوز 24 ” الإيطالية ، والذي أعده الصحفي الإيطالي ” سيج فريدو ” ، عن استخدام القوات الأمريكية لأسلحة جديدة وغير معروفة ضد مدنيين ومسلحين عراقيين في حربها الأخيرة على العراق .. من بينها سلاح جديد يعمل بالليزر .. حيث أظهر الشريط صورا لجثت محروقة ومشوهة لضحايا من المدنيين العراقيين أصيبوا بهذا السلاح الجديد الذي يعتقد أنه استخدم في الحرب على نظام طالبان بأفغانستان . ونقل الشريط شهادة طبيب عراقي أكد من خلالها على أنه وجد بداخل حافلة نقل عمومي تعرضت لأشعة هذا السلاح الفتاك ، جثت مدنيين عراقيين وكأنها وضعت في فرن ميكروويف حيث تعرضت كل أعضائهم للذوبان والتشوه لتبقى المواد الأخرى غير العضوية التي تواجدت بالباص سليمة ولم تتعرض إلى تشويه .
فهذا هو الغرب المسيحي .. وهذا هو اتهامه لنا بالإرهاب ..!!! وهو مدارس الإرهاب الأولى والوحيدة في العالم .. بفضل تربيتهم الدينية الوثنية ..!!!
معسكر يسوع / أو معسكرات الحقد والإبادة الدينية ..
لم يكتف الغرب بنصوص الإبادة التي يموج بها الكتاب المقدس .. بل كان عليه أن يربي أجيال جديدة تمارس الإبادة بمزيد من الإجرام والوحشية .. وبعدم الرحمة بالآخر وخصوصا الفرد المسلم ..!!! ويتم هذه التنشأة ـ في الوقت الحاضر / 2008 ـ في : ” معسكر يسوع أو المسيح : Jesus Camp “ في الولايات المتحدة الأمريكية ..!!!
هكذا توحد الغرب تحت راية الصليب لإبادة الإسلام
وهكذا يتم تنشأة أطفالهم على كراهية الإسلام والمسلمين
ومعسكر يسوع هي معسكرات تخضع للكنيسة الإنجيلية ولفكر المحافظين الجدد وهي القوى المسيطرة على الولايات المتحدة والغرب .. وهي تعمل لزرع الحقد على العالم الإسلامي في نفوس الأطفال البريئة ، وكيف ( يتم صهينتهم ) ويعطونهم المطارق والشواكيش لتحطيم الأكواب الفخارية الجميلة في هستيريا تحفيزًا لهم على تكسير رؤوس مخالفيهم أعداء يسوع ( وبديهي في مقدمتهم الشعوب الإسلامية ) ..!!! ويتم زرع العدوانية والحقد في نفوس أبنائهم بطريقة علمية تربوية مدروسة ومنظمة ومخيفة ، حيث يدفعون الأطفال إلى التشنج والعنف وكراهية الرحمة واللين إرضاء للرب يسوع ، حتى يرضى عليهم يسوع ويطعمهم ويسقيهم ويقويهم ويحميهم من أعدائهم . والرابط التالي لتحميل ومشاهده مقاطع من الفيديو ـ مترجم ـ الخاص بهذه المعسكرات :
http://www.zshare.net/video/jc-wmv-mcm.html
وفي الفيلم أتوا لهم بصورة بالحجم الطبيعي للرئيس لبوش الابن وقالوا لهم : هذا رئيسنا ، هذا خادم بلادنا ، هذا محقق أحلامنا في العالم ، هذا بعثه يسوع ليخلصنا من غير المسيحيين أعداء الله يسوع . وعلينا تغيير صورة العالم ، وجعل أمريكا موحدة تحت راية المسيح وسلطة يسوع ورئيسنا المطيع ليسوع ..!!!
ويقول الأطفال : ” نحن الجيل الذي سوف يشهد عودة يسوع ” .. ومثل هذه الكلمات والاعتقاد لا تمثل سوى إبادة شعوب العالم الإسلامي بمعركة الأرماجدون .. ومحو الإسلام من الوجود ..!!!
والغريب أن يقولوا للأطفال .. أن الفلسطينيين يدربون أولادهم على إمساك القنابل اليدوية والموت في سبيل الدين الإسلامي .. ولذلك يجب علينا أن نحذوا حذوهم .. وننشيء أجيال تضحي بنفسها في سبيل يسوع ( أي المسيح ) .. ويتعاموا في جميع الأحوال بأنهم الظلمة الذين يقومون بإبادتنا .. أما نحن ـ المظلومين ـ فإننا ندافع عن وجودنا .. وعن أوطاننا وعن أرضنا .. وإننا لا نعتقد في أساطير وخرافات تحتم علينا إبادتهم .. كما يعتقدوا هم في خرافات وأساطير العقيدة الألفية السعيدة التي تحتم عليهم إبادتنا ..!!!
هوامش المقالة :
[14] ” السماء ” / ص : 139 . لمثلث الرحمات نيافة الأنبا يوأنس . الطبعة الخامسة . مطبعة الأنبا رويس .
[15] ” الحقيقة المطلقة .. الله والدين والإنسان ” لنفس مؤلف هذا الكتاب . يطلب من مكتبة وهبة .
[16] شاهدت ذلك بنفسي في أثناء تواجدي بهولندا ، وكان أحد الرجلين يترك شعره الطويل مرسلا ، كما لو كان امرأة ، بينما الرجل الآخر قد حلق رأسه بالموسى تماما ، وبشكل مقزز ليدل على إنه الرجل . وقد أجرى القس جميع مراسم الزواج داخل الكنيسة ، كما هو الحال عند زواج الرجل بالمرأة . وعقب إتمام الزواج تبادل الرجلان القبلات من الفم بشكل كريه ومقزز للغاية ، كما لو أنهما رجلا وامرأة حقيقية . وفى زواج حديث من هذا النوع تم فى سويسرا ـ حيث كان محرما فيها من قبل ـ قال القس ” كلاوس بوملين ” يصف حفل الزواج : ” إنه بادرة تعويض بسيطة حيال مثيلي الجنس الذين رفضتهم الكنيسة ولاحقتهم طوال قرون ” .
[17] يقدر القس الأمريكي ( سابقا ) والكاتب حاليا ( ريتشارد سيبه ) بأنه يوجد 10 آلاف من 53 ألف رجل دين أمريكي … شاذين جنسيا . أى أن نسبة الشواذ بين رجال الدين فى الولايات المتحدة تبلغ حوالي 20% من التعداد الكلى لهم . وكذلك يقدر عالم الاجتماع الكنسي ( آندرو جريلين ) أن القس الشاذ ، على مدى 25 سنة من وظيفته ، يكون قد اعتدى تقريبا على 50 طفلا ، أى بمعدل طفلين فى السنة ، ولا يستبعد ( جريلين ) بأن يكون الرقم الحقيقي هو ستة أضعاف هذا العدد . ويشارك القساوسة فى الولايات المتحدة بحوالي من 2% إلى 3% من نسبة جرائم الاغتصاب السنوية فى الولايات المتحدة . فإذا ما أخذ نسبة عدد الرهبان إلى العدد الكلى للسكان بالولايات المتحدة ، فيكون حجم ما يسببه القس الأمريكي هو حوالي 50 ضعفا من حالات الاغتصاب أكثر من الفرد الأمريكي العادي . ولا ننسى فى هذا الصدد ، اتهام رئيس أساقفة فيينا ( الكردينال جرور : Groer ) بالشذوذ الجنسي ، بعد أن قام ضحاياه بالاعتراف عليه ، مما دفع هذا ببابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني ( في ذلك الوقت ) بتعيين آخر إلى جانبه ، ولكن لم يقيله .
[18] بديهي سوف يذهب فكر المسلم مباشرة إلى مقارنة شخصية هذا اللص المبشر بالفردوس السمائي ( أي بالجنة ) وشخصية العشرة المبشرون بالجنة في الإسلام .. مثل : أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان .. وعلى ابن أبي طالب .. إلى أخره .. وما كانوا عليه من قمة قمم العلم .. وقمة القمم في مكارم الأخلاق ..!!!
[19] يأتي وصف المؤمنين بالمسيح بالكلاب بالنسبة إلى بني إسرائيل ( اليهود ) في النص المقدس التالي :
[21ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». 23فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24فَأَجَابَ وَقَالَ:« لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ ». 25فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً:«يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» 26فَأَجَابَ وَقَالَ :« لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب ». 27فَقَالَتْ : «نَعَمْ ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». 28حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. ]
( الكتاب المقدس : إنجيل متى {15} : 21 - 28 )
[20] ” الحقيقة المطلقة .. الله والدين والإنسان ” ، لرؤية بعض الأمثلة التاريخية الدالة على ذلك .
[21] البابا أوربان الثاني : هو الراهب أودو دى لاجرى ( 1042 - 1099 ) وتسمى باسم أوربان الثاني بعد اعتلائه لعرش البابوية سنة 1088م . ولد بالقرب من مدينة شاتيون على نهر المادن فى فرنسا . وقد جاء من أسرة نبيلة ، وتلقى تعليما جيدا . وابتدأ سلك الرهبنة والكهنوت من مراحله الأولى حتى أصبح بابا الكاثوليك فى سنة 1088 . ومات البابا أوربان الثاني سنة 1099 ، بعد أسبوعين من استيلاء الصليبيين على مدينة القدس ، دون أن تبلغه أنباء هذا النصر الكبير .
[22] فى الحقيقة كانت هذه الحملة هى الحملة الصليبية الثانية ، فعقب دعوة البابا أوربان الثاني لإنقاذ الأراضي المقدسة من أيدي المسلمين ، تم تأليف جيش قوامه مائتا ألف مقاتل . يقول عنهم المؤرخون : إنهم من المرتزقة وقطاع الطرق والأفاقين تحت قيادة ” جوتيه المعدم ” ، واتخذ هذا الجيش ” عـنزة وإوزة ” شعار له ، كانتا على حد قول المؤرخين مهبط الوحي الإلهي لهم . وكانت الطقوس الدينية التى تباشرها هذه القوات ، خليطا من العبادة والعربدة .. من الصلاة والسكر والانحلال الخلقي .. وكانت الحملة فى زحفها لا تعدو عن أن تكون عصابة كبيرة دأبت طول الطريق على السطو والقتل . فثارت حفائظ أهل البلاد التى مروا بها . وتجمعوا للدفاع عن أموالهم وأعراضهم وأنفسهم … وانقضوا على هذا الجيش وشتتوا شمله . ففر رجاله ، وكان بطرس الناسك فى طليعة الفارين . ثم عادت فلول الجيش فتجمعت من جديد ، وواصلت المسير حتى بلغت القسطنطينية حيث أمر الإمبراطور البيزنطي ” ألكسيس ” بإبعادهم ، ونقلهم إلى البر الآسيوي للبوسفور .. إلى أن لاقاهم الأتراك بالقرب من مدينة ” نيقية ” فى معركة انتهت بهزيمة الصليبيين . وانتهت الحملة التى كان شعارها : “هكذا إرادة الله ” .
وكانت كارثة الحملة الصليبية درسا لم ينسه الغرب ولا الكنيسة ، حينما شرعا فى تنظيم حملتهما التالية ، فأطلقوا عليها ـ كما هو معروف تاريخيا ـ ” الحملة الصليبية الأولى ” وذلك تبرءا من سابقتها .
[23] في المقابل عندما استرد الناصر صلاح الدين ” القدس ” مرة أخرى ( في 2 أكتوبر 1187 ) ، .. نادى البعض بهدم كنيسة القيامة ومعاملة أهل المدينة بمثل ما عاملوا به المسلمين من قبل ، فرفض صلاح الدين هذا الطلب بحزم ، بل ونهر كل من نادى به ، كما أمر باحترام الأماكن المسيحية المقدسة ونادى بالتزام روح التسامح تجاه المسيحيين . ولم يكتف صلاح الدين بهذا ، بل قام برد الأماكن التي سلبت منهم ، كما كافأهم لتعاونهم معه بأن قام بإهداء دير السلطان لهم ( وهو مبنى بناه أحد السلاطين السابقين لصلاح الدين ليكون استراحة لعماله ) . يوجد تفاصيل أخرى في الفصل السابع من هذا الكتاب .
[24] يعتبر الميلاد الحقيقي لمحاكم التفتيش جاء فور اعتلاء البابا جريجورى التاسع عرش البابوية فى عام 1227 ، وذلك حين أصدر كتابا بأن يحرق جميع المشعوذين والملحدين أو من يحذو حذوهم . والمشعوذ أو الملحد ليس له تعريف محدد فى الفكر الكنسي ، حتى قيل : ” أن المسيح نفسه كان سيعتبر مشعوذا لو كان حيا فى عصر محاكم التفتيش ” .
[25] ” قصة الاضطهاد الديني فى المسيحية والإسلام ” د. توفيق الطويل ، ص 84 وما بعدها . وانظر كذلك ” مقارنة الأديان ـ 2. المسيحية ” د. أحمد شلبي ، ص 67 وما بعدها .
[26] ” قصة الاضطهاد الديني فى المسيحية والإسلام ” د. توفيق الطويل ، ص 87 وما بعدها . و ” تاريخ الكنيسة الأسود ” ، القس اللاهوتي بيتر دى روزا ، الترجمة ( عن الألمانية ) : آسر حطيبة ، الدار المصرية للنشر والإعلام . ص : 120 - 122 .
[27] الرهبنة الدومينيكانية ؛ وهى الرهبنة التى أسسها القديس دومينيك عام 1215 ، ويلقب المنخرطون فيها باسم ” الأخوة الوعاظ ” . وقد بدأت نشاطها أول ما بدأته فى مدينة تولوز بفرنسا ، وهى أول رهبنة كاثوليكية أخذت على عاتقها التبشير بالعقيدة المسيحية . وقد تميز الدومينيكانيون الأولون بثقافة تخطت اللاهوت ، وإلى محاولة للتوفيق بين اللاهوت والفلسفة . ولكن كانت دعوتهم تتميز بالتعصب الديني ، حيث قاموا بدور إيجابي فى تشكيل أعضاء محاكـم التفتيش .
[28] من آلات التعذيب التي وجدت .. حجرات صغيرة رأسية وأفقية في حجم جسم الإنسان .. يوضع فيها الملحد ( أي المسلم .. أو المسلم المتنصر ظاهريا ) ليظل واقفا فيها أو راقدا حتى الموت . كما وجد آلات لسحق عظام الجسم البشري تبدأ بالأقدام وتنتهي بالرأس .. وصناديق صغيرة بحجم رأس الإنسان توضع فيها رأس الملحد (المسلم) بعد أن يتم تقييد يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة .. ثم يتم وضعه تحت خزان تقطر منه المياه بانتظام على الرأس حتى يصيبه الجنون .. هذا غير توابيت تثبت في داخلها سكاكين حادة يوضع فيها الملحد ( المسلم ) لتقفل عليه فيتمزق جسده ( وهو طقس يهودي .. يعرف بالصندوق الإبري لتصفية دم الضحية .. حتى يمكن جمعه .. وتقديمه كقربان مذبح في صور مختلفة ) .. كما عثر على كلاليب تغرز في أثداء النساء وتسحب بعنف حتى تتقطع الأثداء وتبتر بالسكاكين .. وسياط من الحديد الشائك يضرب به المارق عن دينهم .
[29] اسم المرجع بالإنجليزية هو :
Dobyns, Henry F. 1983. Their Number Became Thinned: Native American Population Dynamics in Eastern North America. Knoxville: University of Tennessee Press. Analyzes population trends in North America from 1492 to the late 20th Century الإجرام الكتابي وغياب البعث والجزاء في الديانتين اليهودية والمسيحية - الجزء الثالث
الإجرام الكتابي وغياب البعث والجزاء
في الديانتين اليهودية والمسيحية
الجزء الثالث
دكتور مهندس / محمد الحسيني إسماعيل
البعث والجزاء .. في الفكر الإسلامي
وننتقل بعد هذه السياحة في المجازر الصهيو/ مسيحية السابقة إلى الفكر الإسلامي . ونبدأ هذه الفقرة ؛ بالقول بأنه على النقيض من كل ما سبق ذكره في الديانتين اليهودية والمسيحية نجد الإسلام يعرض لفكر ” البعث والحساب والجزاء ” بوضوح لا لبس فيه . فالموت والبعث والحساب والجزاء .. كلها أمور ساطعة المعاني في الدين الإسلامي . الجزاء وأشكاله وصوره مُعرّف بدقة بالغة .. النعيم وأشكاله وصوره معرف بدقة تتناهى إلى ما وراء العلم البشري المحدود .
فالموت في الفكر الديني المطلق ( أي الدين الإسلامي ) هو مجرد تغير مناظر بانوراما الوجود فحسب .. فالاتصالية قائمة .. بين هذه الحياة .. وبين حياة فيما وراء الموت . فالموت لن يعنى لنا أكثر من الحدث الانتقالي فى سيناريو الوجود من كون إلى أكوان أخرى موازية .. ولن يزيد معناه عن دخول الإنسان فى أبعاد لانهائية تحكمها قوانين فيزيائية مغايرة ، إن جاز لنا استخدام هذه الألفاظ التى توحي بتناظر المعاني ، وعلينا تحقيق هذه القوانين . فالموت هو مجرد حدث تغير المناظر فى فاصل التنقل بين فصول المسرحية الواحدة .. مسرحية نحن أبطالها ..!!! فالموت يسدل الستار على أحداث فصل سابق .. ويرفع الستار عن أحداث فصل تالي ..!!! ولسنا ـ البشرية ـ متفرجين فى مسرحية كونية ننصرف عقب عرضها .. ببلاهة .. لنتمطى .. ونتثاءب ..!!! بل نحن أبطال الرواية ذاتها .. وسيسدل الستار عن مأساة حقيقية مالم نجيد فهم حقيقة أدوارنا ..!!! ويمكن للقاريء المهتم بالتفاصيل الذهاب إلى دراسة الكاتب السابقة : ” الأكوان الموازية : نهاية حياة الإنسان .. ورحلته مع الموت ” .
فإننا يمكن أن نشير إلى البعث في إيجاز ، إذا علمنا أن هذه الكلمة ومشتقاتها وردت في القرآن المجيد في ( 68 ) موقع من آياته .. من هذه المواقع البلاغ التالي الصادر عن الله ( سبحانه وتعالى ) للبشرية جمعاء والتي تتشكك .. وتشكك في فكر البعث .. كما جاء في قوله تعالى ..
{ يَا أيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرَ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنَقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ [30] إِلَى أجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلى أرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأنَّ اللَّـهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ (7) }
( القرآن المجيد : الحج {22} : 5 - 7 )
وهي آيات صريحة .. وتبين بوضوح تام فكر البعث بأسلوب علمي مقارن يحسب من الإشارات العلمية المعاصرة للقرآن المجيد ، كما بينا ذلك في التذييل رقم 30 . وكما سبق وأن ذكرت أن كلمة “البعث “ ومشتقاتها وردت في القرآن المجيد في ( 68 ) موقعا .. وسوف نقتصر على الموقع السابق فقط . أما حول تشكيل الضمير الديني والأخلاقي .. فإن المسلم يستدق معه حساب النفس على ما قدمت يداه من خير أو شر لتصل إلى مثقال الذرة .. كما جاء في قوله تعالى ..
{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) }
( القرآن المجيد : الزلزلة {99} : 7 - 8 )
وهكذا يعلم الفرد المسلم يقينا .. بأن .. { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ .. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } .. فأنى له بالقتل ـ إذن ـ والإبادة ..!!! وهناك كتب كثيرة تعالج مشاهد القيامة والحساب والجزاء .. إلى آخره .. من خلال النصوص القرآنية ، ولكننا نكتفي بهذا القدر ، ويمكن للقارئ الرجوع إلى مصادر أخرى للاستزادة .
أما ربط البعث بالحساب والجزاء .. فيتعرض القرآن المجيد لها في أماكن كثيرة على طول القرآن المجيد .. نذكر منها فقط الآيات الجامعة التالية ..
{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْـفِرَةٍ مِن رَّبـِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتـَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنـُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنـُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهَم يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّـغْفِرَةٌ مِّن رَّبـِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنـِعْمَ أجْرُ العَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبةُ المُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلمُتَّقِينَ (138) }
( القرآن المجيد : آل عمران {3} : 133 - 138 )
[ التفسير : لاحظ .. بداية أن الآيتين : 134 ، 135 هما تعريف " للمتقين " . وسبق التعرض لتفسير هذه الآيات الكريمة فى مرجع الكاتب السابق ... " الحقيقة المطلقة : الله والدين والإنسان " ؛ لنفس مؤلف هذا الكتاب / قد خلت : قد مضت / سنن : طرائق الكفار ]
كما يجب ذكر أن الضمير الديني والأخلاقي للفرد المسلم مقيد بقيود صارمة من مكارم الأخلاق في كل حركته في الحياة .. حتى في القتال .. فهو مقيد أيضا بمكارم الأخلاق .. بل ومثقل بهذه المعاني . فالقتال في الإسلام لم يؤذن به للفرد المسلم إلا لرد العدوان فقط .. كما جاء في قوله تعالى ..
{ …أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتـَلُونَ بِأنـَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) }
( القرآن المجيد : الحج {22} : 39 )
وكما نرى من هذه الآية الكريمة .. أن الإذن بالقتال كان للرد على قتال الكفار للمسلمين { …أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتـَلُونَ .. } فقتال المسلمين حاضر في الآية الكريمة .. ولأنهم ظلموا كذلك .. وأن الله ( عز وجل ) هو القادر على نصرهم . أي أن المسلم لا يبدأ بالقتال على الإطلاق .. ولم يؤمر به إلا لرد العدوان والدفاع عن النفس فحسب . ثم ماذا لو توقف الآخرون عن قتال المسلمين .. فهذا هو النص الإلهي ..
{ .. فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُم وَألْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) }
( القرآن المجيد : النساء {4} : 90 )
أى إذا لم يقاتلوكم ومالوا إلى السلم { .. فَمَا جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } أى ليس هناك مبرر لقتالهم أو أن يكون لكم عليهم سلطة ما .. تحت أى إسم أو دعوى . أما الذين لم يقاتلوا المسلمين ولم يبادروهم بالعدوان ، فيقول عنهم المولى ، عز وجل :
{ عَسَى اللَّـهُ أن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتـُم مِّنـْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّـهُ قَدِيرٌ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) }
( القرآن المجيد : الممتحنة {60} : 7 )
بل وأكثر من هذا :
{ لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتـُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) }
( القرآن المجيد : الممتحنة {60} : 8 )
[ تبروهم : تصلوهم بالمودة / تقسطوا إليهم : تعدلوا معهم / المقسطين : العادلين ]
فالنهى ( أى القطيعة ) لا يحق للمسلمين فقط إلا فى حالة قتال الآخر لهم ، أو عند إخراج الآخر لهم من ديارهم . فهذا هو القتال وبعض من أحكامه في الديانة الإسلامية .. ( ولمزيد من التفاصيل حول أحكام القتال .. وانتشار الإسلام .. أنظر مرجع الكاتب السابق : ” البعد الديني في الصراع العربي الإسرائيلي ” / مكتبة وهبة ـ القاهرة ـ عابدين )
وأخيرا ؛ كان لابد من الإشارة هنا إلى الافتراءات التي يقوم بها محرفوا الكتب السماوية عند هجومهم على الدين الإسلامي عندما يقومون بالاستشهاد بآيات مقطوعة عن سياقها القرآني ليبثوا فيها ما يشاءوا من سمومهم .. ومنها قول الله تعالى ( المقطوع عن سياقه القرآني ) ..
{ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ .. (191) }
( القرآن المجيد : البقرة {2} : 191 )
حيث يقوموا بتأويل هذه الآية الكريمة بأن الدين الإسلامي يدعو إلى الإرهاب وسفك دماء الغير ..!!! وبالرجوع إلى معنى كلمة ” ثقفتموهم ” .. نجد أن مصدر هذه الكلمة هو ” ثقف ” أي هو معنى مرتبط بثقافة القوم وعقيدتهم . أي أن ثقافتهم وعقيدتهم تستلزم قتالنا وإبادتنا . ولبيان هذا المعنى .. دعنا ـ أولا ـ نضع النص الكريم السابق في سياقه الكامل في القرآن المجيد .. كما يأتي في قوله تعالى ..
{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191) }
( القرآن المجيد : البقرة {2} : 190 - 191 )
وكما نرى فإن الإسلام يطلب منا قتال الذين يقاتلونا .. أي أن قتالهم لنا حاضر في هذه الآية الكريمة .. ومع ذلك يرفض الإسلام الاعتداء بشكل مطلق ( ويشمل الاعتداء الضربات الاستباقية التي يمارسها الغرب وإسرائيل مع شعوب العالم الإسلامي ..!!! ) .. والقتال ـ كما نرى في هذا النص ـ من أجل إخراجهم من حيث أخرجونا .. أي هم المعتدون في جميع الأحوال باحتلالنا ..!!! وهذا هو الوضع القائم بالفعل مع إسرائيل ـ في الوقت الحاضر ـ واحتلالها الاستيطاني الإحلالي لفلسطين .. وقيامها بإبادة الشعب الفلسطيني الأعزل ..!!!
ونتابع المعاني .. فنجد أن المصدر ” ثقف ” ورد ذكره في القرآن المجيد ست مرات .. جميعها مرتبطة بقتالنا من خلال عقيدة راسخة تدعو إلى إزالتنا من الوجود .. كما جاء في قوله تعالى ..
{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) }
( القرآن المجيد : الأنفال {8} : 55 - 57 )
وكما نرى من هذا النص الكريم تكرارية نقض العهد { .. الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } ـ كما هو الحال مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية .. باستخدام حق الفيتو لحرمان تأمين الشعب الفلسطيني من الإبادة ـ .. أي الإصرار على إزالتنا من الوجود .. وهنا يصبح لا مناص من تشريدهم في الحرب أي تفريقهم حال قتالهم لنا .. على النحو السابق ذكره .. وعقابهم حتى يتعظ من خلفهم ومن تبعهم .. ولكن في جميع الأحوال ينهى المولى ( سبحانه وتعالى ) عن الاعتداء والبدء بالقتال .. على النحو السابق ذكره في الآيات الكريمة السابقة .
ثم نأتي على الآية الكريمة التي ذكر فيها لفظ الإرهاب .. وهي كما جاءت في قوله تعالى ..
{ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (61) وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (62) }
( القرآن المجيد : الأنفال {8} : 61 - 62 )
وأردد ـ هنا ـ للجهلة وفاقدي الرشد أن قوله تعالى : .. تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ .. } هي دعوة للسلام وليست دعوة للحرب .. فتوازن القوى لا يعني سوى دعوة للسلام .. وإرهاب العدو ليس سوى دعوة ـ بدون حرب ـ لوقف نزيف دماء الغير .. قبل دماء المسلمين .. الذي يجري ـ في الوقت الحاضر ـ على أيدي وتدبير الغرب ( المسيحي ) وإسرائيل ( اليهودية ) ..!!!
وهكذا ننتهي مما سبق ؛ بأن الفارق .. بين الضمير الديني والأخلاقي في الفكر الإسلامي .. وبين الضمير الديني والأخلاقي في الفكر اليهودي أو الفكر المسيحي .. هو فارق أضخم من أن يحسب .. فهو أكبر من الفارق .. بين الحضارة والمدنية .. وحضارة عصور ما قبل التاريخ ..!!! أو هو أكبر من الفارق .. بين الإنسانية .. وبين وحشية متناهية لم تعرفها حتى الوحوش الضارية ..!!!
دور الأنظمة العربية الحاكمة في التآمر على إبادة شعوبها .. ومحو الإسلام من الوجود ..
كما رأينا من العرض السابق أن الإبادة الشاملة لشعوب العالم الإسلامي ، ومحاولة محو الإسلام من الوجود ، تجري على قدم وساق من جانب العالم المسيحي ..!!! فهي حرب صليبية حقيقية كما صرح بهذا الرئيس الأمريكيي ” جورج بوش ” في أكثر من مرة .. وكما صرح بهذا برلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي السابق ..!!!
والآن ما موقف أنظمتنا الحاكمة ( وإعلامنا الخائن بكل المقاييس .. والمسيطر عليه أنظمتنا الطاغوتية الحاكمة ..!!! ) من هذه الإبادة التي تجري علينا في الحاضر كما كانت تجري علينا في الماضي ..!!!
فالحقيقة التي لا تقبل الجدل ؛ أن هذه الأنظمة عقدت صفقة حقيقية مع الشيطان .. ومع الغرب ” اليهودي/المسيحي ” .. على إبادة شعوب العالم الإسلامي .. ومحو الإسلام من الوجود ..!!! وبكل أسف فإنها غير متنبه إلى أنها أول من يباد في هذه الصفقة الخاسرة .. وتاريخ الأندلس خير شاهد ..!!! والسبيل الوحيد لنهضة هذه الأمة هي قيام الشعوب الإسلامية ـ شعوب العار في الوقت الحالي ـ بانتزاع حق وجودها وحق أولادها وأحفادها في الحياة من هذه الأنظمة الطاغوتية الحاكمة ..!!!
أما فيما يتعلق بمصير أموال العرب من الثروات الهائلة التي وهبها الله ( عز وجل ) لهم .. فتبددها الأنظمة الحاكمة في :
• إفساد المجتمعات الإسلامية .. في محاولة لتفشي الرذيلة فيها .. بهدف هدم الدين الإسلامي ..!!!
• التعاقد مع الغرب على صفقات أسلحة فاسدة ( أنظر كتابات الكاتب السابقة ) .. وهي الصفقات التي تعقدها الأنظمة الحاكمة لدعم اقتصاد الغرب في القيام بإبادتنا .. ومحو الإسلام من الوجود .. وذلك في مقابل بقائها في السلطة وتوريثها للأولاد والأحفاد ..!!!
ودعنا نلقي نظرة عن قرب على هذه المعاني ..
ففي تقرير لصحيفة therun الفنية الاسكتلندية أن أكثر من ( 320 ) قناة على القنوات الفضائية الأوروبية على الأقمار : hot bird و fulel sat و astra و kopernikus مملوكة لرجال أعمال عرب باستثمارات تفوق 460 مليون يورو . وأكدت الصحيفة أن هناك 270 قناة من الـ 320 يستثمر أصحابها أموالهم في القنوات الجنسية الموجهة إلى الشعوب العربية وأمريكا اللاتينية ، مشيرة إلى أن المصريين واللبنانيين والقطريين والجزائريين في مقدمة هؤلاء الذين يستثمرون أموالهم في تجارة الجنس من خلال العرض والحديث عبر الهاتف .
وأضافت الصحيفة أن رجال الأعمال العرب الذين أقاموا قنوات جنسية على الأقمار الصناعية الأوروبية جنوا مكاسب تخطت المليار يورو خلال سبع سنوات فقط، وأشارت إلى أنهم لم يكتفوا بالعرض من خلال الشاشة فقط بل أنشأوا مواقع على شبكة الانترنت باسم قنواتهم للترويج ، كما استخدموا التقنيات الحديثة في إرسال مشاهد فيديو عن طريق الموبايل وإرسال صور جنسية لمن يريد .
أما عن صفقات الأسلحة الفاسدة فيمكن للقاريء الرجوع إلى دراسة الكاتب السابقة : ” من سيناريو إبادة شعوب المنطقة العربية ( الجزء الثاني ) : كارثة صفقات الأسلحة الفاسدة / وتجريد الدول العربية من كل نظم التسليح ـ الحديثة ـ للدفاع عن نفسها “
وهكذا تنفق أموال العرب .. وأموال العالم الإسلامي .. ليس في الدفاع عن وجودنا وبقاء أجيالنا القادمة .. بل تنفق في سبيل إبادة شعوب العالم الإسلامي .. ومحو الإسلام من الوجود ..
وتذرف العيون الدماء .. على السفه في تبديد أموال المسلمين ..
ولا يقتصر الحزن على تبديد أموال المسلمين ، بل وجعلت صفقات الأسلحة الفاسدة ـ أيضا ـ من الأمة العربية والمسلمين أكبر مسخرة تاريخية .. فهم يقومون بإبادتنا .. ونحن ندفع لهم ثمن الأسلحة التي نباد بها ..!!! وليس هذا فحسب .. بل وتدفع أنظمتنا الحاكمة للولايات المتحدة الأمريكية ثمن كل طلقة تقتل بها ـ الولايات المتحدة ـ مواطنا عراقيا أو طفلا فلسطينيا .. أو مسلما في جميع أنحاء العالم الإسلامي ..!!! فهذه هي الحقيقة التي انتهينا إليها ..!!!
الخلاصة ..
ننتهي من الدراسة السابقة ؛ أن التراث الديني اليهودي والمسيحي ( المتمثل في الكتاب المقدس ) جعل من هذه الشعوب ذئاب بشرية .. لا ترحم ولا تبقي ولا تذر .. ولهذا يحذرنا المولى عز وجل من أن يظفروا بنا ـ نحن العالم الإسلامي ـ بقوله تعالى ..
{ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12) }
( القرآن المجيد : التوبة {9} : 8 - 12 )
[ التفسير : بداية كما نرى ـ من الآيات الكريمة ـ فإن الدين لديهم عبارة عن تجارة / ( كيف ) : يكون لهم عهد / ( وإن يظهروا عليكم ) : يظفروا بكم / ( لا يرقبوا فيكم إلا ) : لن يراعوا فيكم عهدا لو ظهروا عليكم ( أي لو ظهر ـ المشركين ـ على المسلمين وأديلوا عليهم فلن يبقوا ولن يذروا ) / ( ولا ذمة ) : عهداً / ( يرضونكم بأفواههم ) بكلامهم الحسن / ( وتأبى قلوبهم ) الوفاء به ( وأكثرهم فاسقون ) ناقضون للعهد . كما تقطع الآية الكريمة التاسعة بشرك أهل الكتاب ( كما يدل هذا من سياق الحدث للنص القرآني ) . وكذلك تقطع هذه الآية الكريمة ـ إلى جانب المتاجرة بالدين ـ بتحريف نصوص الكتب المقدسة السابقة على الإسلام .. لأنها تنتهي بالصد عن سبيل الله ..!!! / ( وقاتلوا أئمة الكفر ) : ويشمل هذا أيضا المواجهة الفكرية معهم ـ أولا ـ لعلهم ينتهون ]
فحركتهم في الحياة هي حركة دهرية ( فهم دهريون ) بمعنى أنهم ينكرون المعاد .. والبعث والجزاء .. كما جاء في قوله تعالى ..
{ وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) }
( القرآن المجيد : الأنعام {6} : 29 )
ومن المفيد أن أذكر هنا .. قوله تعالى في وصف أهل الكتاب ـ في إحكام مذهل ـ وموقفهم من القضية الدهرية ـ في الآخرة ـ نظرا لأهميته ..
{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (32) }
( القرآن المجيد : الأنعام {6} : 22 - 32 )
[ التفسير : نحشرهم : نجمعهم في يوم الحساب / اين شركاؤكم : من رجال الدين / لم تكن فتنتهم : أي معذرتهم / أكنة : أغطية / وقر : صمما أي لا يسمعوه / ينأون : يتباعدون ]
ولهذا يصف المولى ـ عز وجل ـ حركتهم في الحياة الدنيا .. بقوله تعالى ..
{ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) }
( القرآن المجيد : الشعراء {26} : 128 - 132 )
[ التفسير : أية (128) تتعلق باستثمار الأموال في " العبث " .. أي في كل ما يتعلق بالملاهي والسينما ، والفن الهابط بجميع صوره / آية (129) تتعلق بجميع البحوث المتعلقة بإطالة عمر الإنسان .. كما يدخل من ضمنها بحوث الطب والبيولوجي .. وكل ما يتعلق بحياة الإنسان / وآية (130) تعكس وحشية الإنسان في بطشه بأخيه الإنسان .. كما في حروب الولايات المتحدة الأمريكية على العالم الإسلامي وغيره / وآية (132) تفيد بأن جميع صور علم الإنسان ونتائج بحوثه هي هبة من الله ـ سبحانه وتعالى ـ للإنسان وأن الله هو مصدرها .. وبالتالي على الإنسان اتقاء غضب الله عليه ]
وتكون أمانيهم أن نكفر مثلهم ..
{ وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء .. (89) }
( القرآن المجيد : النساء {4} : 89 )
وينبهنا المولى ( عز وجل ) إلى أننا لن نحظى برضاء اليهود والنصارى إلا باتباعنا ملتهم .. ثم يحذرنا من غضبه عند اتباع أهواءهم .. بعد الذي جاءنا من العلم .. كما جاء في قوله تعالى ..
{ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) }
( القرآن المجيد : البقرة {2} : 89 )
ثم يعرض لنا .. أن فتح الله ( عز وجل ) عليهم لا يعني رضاءه عليهم .. بل هو استدراج ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر .. وهم آيسون من كل رجاء في المغفرة .. كما جاء في قوله تعالى ..
{ وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) }
( القرآن المجيد : الأنعام {6} : 42 - 45 )
[ التفسير : آية(42) : (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) رسلا فكذبوهم (فأخذناهم بالبأساء) شدة الفقر (والضراء) المرض (لعلهم يتضرعون) يتذللون فيؤمنوا / آية(43) : (فلولا) فهلا (إذ جاءهم بأسنا) عذابنا (تضرعوا) أي لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضي له (ولكن قست قلوبهم) فلم تلن للإيمان (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) من المعاصي فأصروا عليها ..
آية(44) : (فلما نسوا) تركوا (ما ذكروا) وعظوا وخوفوا (به) من البأساء والضراء فلم يتعظوا (فتحنا) بالتخفيف والتشديد (عليهم أبواب كل شيء) من النعم استدراجا لهم (حتى إذا فرحوا بما أوتوا) فرح بطر (أخذناهم) بالعذاب (بغتة) فجأة (فإذا هم مبلسون) آيسون من كل خير / آية(45) : (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) أي آخرهم بأن استؤصلوا (والحمد لله رب العالمين) على نصر الرسل وإهلاك الكافرين . ]
وهذه هي النهاية المحتومة ـ إن شاء الله تعالى ـ للولايات المتحدة الأمريكية وأسرائيل .. ومن والاهما من الغرب والشرق ..!!!
الجهاد فى شرعة الإسلام:
لما استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسس حكومته النبوية بها ، بعد ثلاثة عشر عاماً من الدعوة إلى الله وتحمل الأذى والعذاب فى سبيل ذلك تخللتها ثلاث هجرات جماعية كبيرة ـ هاجت ثائرة قريش وحقدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحرزه من استقرار ونجاح لهذه الدولة الوليدة ـ دون ظلم أو استبداد أو سفك للدماء ـ ولذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم مقصوداً بالقتل ، إذ ليس معقولاً أن تنام أعينهم على هذا التقدم والنمو ، ومصالحهم قائمة على الزعامة الدينية فى جزيرة العرب ، وهذه الدولة الجديدة قائمة على أساس دينى ربما يكون سبباً فى زوال هذه الزعامة الدينية الوثنية الموروثة. وإذا كان الإسلام ديناً بلغت الميول السلمية فيه مداها فى قوله تعالى: (فاصفح عنهم وقل سلام ) (53) إلا أن الميول السلمية لا تتسع لمنع القائمين بهذا الدين الجديد من الدفاع عن أنفسهم وعن دينهم الذى أنزله الله للإنسانية كافة ، فى عالم يضيع فيه الحق والعدل إن لم يكن لهما قوة تحميهما، فكان لا مناص من السماح للمسلمين بحماية أنفسهم ودينهم بالسلاح الذى يشهره خصومهم فى وجوههم ، ولذلك كان التعبير بقوله تعالى:(أُذِنَ للذين يُقَاتَلُونَ بأنهم ظُلِمُوا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ) (53).
أقول: كان التعبير بالإذن الذى يدل على المنع قبل نزول الآية يدل على طروء القتال فى الإسلام وأنه ظل ممنوعاً طيلة العهد المكى وبعضاً من العهد المدنى.
" هذا ولم يغفل الإسلام حتى فى هذا الموطن ـ موطن الدفاع عن النفس والدين ـ أن ينصح لأتباعه بعدم العدوان ؛ لأن الموضوع حماية حق لا موضوع انتقام ولا شفاء حزازات الصدور ، وهذا من مميزات الحكومة النبوية ، فإن القائم عليها من نبى يكون كالجراح يضع مشرطه حيث يوجد الداء لاستئصاله ، مع عدم المساس بالأعضاء السليمة ، ومقصده استبقاء حياة المريض لا قتله ، والعالم كله فى نظر الحكومة النبوية شخص مريض تعمل لاستدامة وجوده سليماً قوياً.. إن طبيعة هذا العالم مبنية على التدافع والتغالب ليس فيما بين الناس فحسب ، ولكن فيما بينهم وبين الوجود المحيط بهم ، وبين كل فرد والعوامل المتسلطة عليه من نفسه ، ولا أظن أن قارئاً من قرائنا يجهل الناموس الذى اكتشفه دارون وروسل ولاس ودعوه ناموس تنازع البقاء وبنوا عليه كل تطور أصاب الأنواع النباتية والحيوانية والإنسان أيضاً " (54).
" ألم تر كيف تصدى خصوم الدين النصرانى للمسيح ، وما كان يدعو إلا للصلاح والسلام حتى إنهم استصدروا أمراً بصلبه فنجاه الله منهم ، وما زالوا بالذين اتبعوه يضطهدونهم ويقتلونهم حتى مضت ثلاثة قرون وهم مشردون فى الأرض لا تجمعهم جامعة ، إلى أن حماهم من أعدائهم السيف على يد الإمبراطور قسطنطين الذى أعمل السيف فى الوثنيين من أعدائهم.. أفيريد مثيرو هذه الشبهة أن يقوم دين على غير السنن الطبيعية فى عالم مبنى على سنن التدافع والتنازع واستخدام القوة الحيوانية لطمس معالم الحق ودك صروح العدل " ؟
" يقول المعترضون: وماذا أعددتم من حجة حين تجمع الأمم على إبطال الحروب وحسم منازعاتها عن طريق التحكيم ، وهذا قرآنكم يدعوكم إلى الجهاد وحثكم على الاستبسال فيه ؟
نقول: أعددنا لهذا العهد قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) (55).
" هذه حكمة بالغة من القرآن ، بل هذه معجزة من معجزاته الخالدة ، وهى أدل دليل على أنه لم يشرع الحرب لذاتها ، ولكن لأنها من عوامل الاجتماع التى لابد منها ما دام الإنسان فى عقليته ونفسيته المأثورتين عنه ، غير أنه لم ينف أن يحدث تطور عالمى يتفق فيه على إبطال الحرب فصرح بهذا الحكم قبل حدوثه ليكون حُجة لأهله من ناحية ، وليدل على أنه لا يريد الحرب لذاتها من ناحية أخرى ، ولو كان يريدها لذاتها لما نوه لهذا الحكم " (56).
ثانياً: نظرة تحليلية لغزوات النبى صلى الله عليه وسلم:
إذا تتبعنا هذه الغزوات وقسمناها حسب الطوائف التى ضمتها ، أمكننا التعرف على القبائل التى حدثت معها هذه المعارك وهى كالآتى:
(1) قريش مكة:
وهى القبيلة التى ينتمى إليها النبى صلى الله عليه وسلم ، حيث أن قريش هو فهر بن مالك ، وقيل النضر بن كنانة ، وعلى كلا القولين فقريش جد للنبى صلى الله عليه وسلم ، وكانت معهم الغزوات: سيف البحر ـ الرابغ ـ ضرار ـ بواط ـ سفوان ـ ذو العشيرة ـ السويق ـ ذو قردة ـ أحد ـ حمراء الأسد ـ بدر الآخرة ـ الأحزاب ـ سرية العيص ـ سرية عمرو بن أمية ـ الحديبية ـ سيف البحر الثانية 8هـ ـ فتح مكة.
(2) قبيلة بنو غطفان وأنمار:
غطفان من مضر ، قال السويدى: " بنو غطفان بطن من قيس ابن عيلان بن مضر ، قال فى العبر: وهم بطن متسع كثير الشعوب والبطون " (57) ، قال ابن حجر فى فتح البارى: " تميم وأسد وغطفان وهوازن جميعهم من مضر بالاتفاق " (58) ، أما أنمار فهم يشتركون فى نفس النسب مع غطفان ، قال ابن حجر: " وسيأتى بعد باب أن أنمار فى قبائل منهم بطن من غطفان " (59) ، أى أن أنمار ينتسبون إلى مضر أيضاً ونسبهم كالتالى: أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر (60).
والغزوات التى ضمتها هى: قرقرة الكدر ـ ذى أمر ـ دومة الجندل ـ بنى المصطلق ـ الغابة ـ وادى القرى ـ سرية كرز بن جابر ـ ذات الرقاع ـ تربة ـ الميفعة ـ الخربة ـ سرية أبى قتادة ـ عبد الله بن حذافة (61).
(3) بنو سليم:
قال السويدى: " بضم السين المهملة قبيلة عظيمة من قيس عيلان والنسبة إليهم سلمى ، وسليم من أولاد خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر (62) ، والغزوات التى خاضها صلى الله عليه وسلم مع بنى سليم هى: بئر معونة ـ جموم ـ سرية أبى العوجاء ـ غزوة بنى ملوح وبنى سليم (63).
(4) بنو ثعلبة:
ثعلبة هو ابن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر (64) ، نسبه الدكتور على الجندى إلى مر بن أد هكذا: ثعلبة بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر (65) ، والغزوات التى غزاها صلى الله عليه وسلم معهم هى: غزوة ذى القصة ـ غزوة بنى ثعلبة ـ غزوة طرف ـ سرية الحسمى (66).
(5) بنو فزارة وعذرة:
قال فى سبائك الذهب: " بنو فزارة بطن من ذبيان من غطفان ، قال فى العبر: وكانت منازل فزارة بنجد ووادى القرى ، ونسب فزارة: فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر.
أما بنو عذرة: بنوه بطن من قضاعة ، ونسبهم هكذا: عذرة بن سعد بن جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافى بن قضاعة (67). ونسبهم إلى قضاعة أيضاً الدكتور على الجندى معتمداً على أنساب ابن حزم هكذا: عذرة بن سعد بن أسلم بن عمران بن الحافى بن قضاعة (68) ، وعلى هذا فبنو عذرة ليسو من مضر وإنما كانوا موالين لبنى فزارة وهم من مضر. وكان معهما الغزوات والسرايا الآتية:
سرية أبى بكر الصديق ـ سرية فدك ـ سرية بشير بن سعد ـ غزوة ذات أطلح (69).
(6) بنو كلاب وبنو مرة:
أما بنو كلاب فهم: بنو كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، وبنو مرة هم أبناء كعب بن لؤى فيكون كلاب بطن من مرة ، وهذه نفس سلسلة النسب التى ذكرها الدكتور على الجندى معتمداً على أنساب ابن حزم (70) ، والغزوات التى كانت معهم: غزوة قريظة ـ غزوة بنى كلاب ـ غزوة بنى مرة ـ سرية ضحاك (71).
(7) عضل والقارة:
قال فى سبائك الذهب: "عضل بطن من بنى الهون من مضر" ، ونسبهم هكذا: عضل بن الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، وأما القارة فلم يذكرها السويدى فى السبائك ولا الدكتور الجندى ، إلا أن الأستاذ الشيخ محمد الخضرى نسبها إلى خزيمة بن مدركة ، وذكر الفارة بالفاء الموحدة لا بالقاف المثناة (72) وقد غزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوة واحدة هى غزوة الرجيع (73).
(8) بنو أسد:
قال السويدى: " بنو أسد حى من بنى خزيمة ، ونسبهم هكذا: أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر (74) ، والغزوات التى غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هى: سرية قطن ـ سرية عمر مرزوق ـ غزوة ذات السلاسل (75).
(9) بنو ذكوان: قال السويدى: " بنو ذكوان بطن من بهتة من سليم ، وهم من الذين مكث النبى صلى الله عليه وسلم شهراً يقنت فى الصلاة يدعو عليهم وعلى رعل (76) ونسبهم هكذا: ذكوان بن بهتة بن سليم بن منصور بن عكرمة خصفة بن قيس عيلان بن مضر (77) ، ولم يغزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غزوة واحدة هى غزوة بئر معونة.
(10) بنو لحيان:
من المعروف أن بنى لحيان من هذيل ، وهذيل هو: ابن مدركة بن مضر(78)، وغزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوة واحدة هى:غزوة بنى لحيان (79).
(11) بنو سعد بن بكر:
نسبهم: سعد بن بكر بن هوازن بن سليم بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس عيلان بن مضر (80) ، وقد أرسل لهم النبى صلى الله عليه وسلم سرية واحدة هى سرية فدك.
(12) بنو هوازن:
بنو هوازن بطن من قيس عيلان ، ونسبهم هكذا: هوازن بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر (81)، وقد غزاهم صلى الله عليه وسلم غزوة ذات عرق.
(13) بنو تميم:
بنو بطن من طابخة ، قال فى العبر: " وكانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنالك على البصرة واليمن ، ونسبهم هكذا: تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر " (82).
(14) بنو ثقيف:
بنو ثقيف بطن من هوازن اشتهروا باسم أبيهم ثقيف ، ونسبهم: ثقيف بن منبه بن بكر بن بهتة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر (83) ، وقد غزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوتين هما: غزوة حنين ـ غزوة الطائف.
ونستطيع من خلال هذا التتبع أن نقول:
إن هذه القبائل كانت جميعها تنتسب إلى مضر وهو جد النبى صلى الله عليه وسلم أو من والاهم ، وبالمعنى الأدق كانت نتيجة غضب إخوته من أجداده ، أما اليهود فقد كانوا مع قريش حسب معاهدتهم معهم ، وبذلك ظهر جلياً أن الغزوات والسرايا التى خاضها أو أرسلها النبى صلى الله عليه وسلم ، كانت موجهة فى نطاق ضيق هو نسل مضر ، فلا يمكن أن يقال حينئذ: أن النبى صلى الله عليه وسلم قد أشعل نار الحرب ضد العرب جميعاً ، أو أنه خاض الحروب لإكراه الناس على اعتناق الإسلام ، ولو كان الأمر كما يقولون لوقعت حرب عدوانية أو دفاعية ضد أى قبيلة من مئات القبائل العربية ، وهذه الحقيقة تحتاج إلى مزيد من التعمق والتحليل فى بعض خصائص القبائل العربية ؛ إذ قد يقول قائل أو يعترض معترض: إن هذا الذى توصلنا إليه بالبحث ـ ألا وهو انحصار القتال مع المضريين ـ لم يحدث إلا اتفاقاً ، والأمور الاتفاقية لا تدل على شىء ولا يستخرج منها قانون كلى نحكم به على جهاد النبى صلى الله عليه وسلم ، إذ كان من الممكن أن يقاتل النبى صلى الله عليه وسلم ربيعة بدلاً من مضر ، أو يقاتل ربيعة ومضر معاً ، أو يقاتل القحطانية بدلاً من العدنانية أو يقاتلهما معاً ، وهكذا.
ذلك المتوقع أن تزيد الألفة والمودة بين أفراد وقبائل الجد الواحد لا أن تشتعل نار الحرب والقتال بينهم ، فما الذى عكس هذا التوقع وقلب الأمر رأساً على عقب ؟!
وللإجابة على هذه الشبهة نقول:
كان من أشهر الأمثلة العربية المثل المشهور " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " وقد كان العرب يطبقون هذا المثل تطبيقاً حرفياً ـ دون هذا التعديل الذى أضافه الإسلام عليه ـ فكانوا ينصرون إخوانهم وبنى أعمامهم نصراً حقيقياً على كل حال فى صوابهم وخطئهم وعدلهم وظلمهم ، وإذا دخلت قبيلتان منهم فى حلف كان لكل فرد من أفراد القبيلتين النصرة على أفراد القبيلة الأخرى ، وهذا الحلف قد يعقده الأفراد وقد يعقده رؤساء القبائل والأمر واحد فى الحالين.
بينما هم كذلك فى بنى أبيهم وفى حلفائهم ، إذ بك تراهم حينما تتشعب البطون قد نافس بعضهم بعضاً فى الشرف والثروة ، فنجد القبائل التى يجمعها أب واحد كل واحدة قد وقفت لأختها بالمرصاد تنتهز الفرصة للغض منها والاستيلاء على موارد رزقها ، وترى العداء قد بلغ منها الدرجة التى لا تطاق ، كما كان بين بطنى الأوس والخزرج ، وبين عبس وذبيان ، وبين بكر وتغلب ابنى وائل ، وبين عبد شمس وهاشم ، 000 إلخ ، فكانت روح الاجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة ، تزيدها العصبية حياة ونمواً ، وكانت مفقودة تماماً بين القبائل المختلفة ؛ فكانت قواهم متفانية فى قتالهم وحروبهم ونزاعاتهم.
وقد علل الشيخ محمد الخضرى بك هذه الحقيقة العجيبة بأمرين:
الأمر الأول:
التنافس فى مادة الحياة بين بنى الأب الواحد ، إذ أن حياتهم كانت قائمة على المراعى التى يسيمون فيها أنعامهم ، والمناهل التى منها يشربون.
الأمر الثانى:
تنازع الشرف والرياسة ، وأكثر ما يكون ذلك إذا مات أكبر الإخوة وله ولد صالح لأن يكون موضع أبيه ، فينازع أعمامه رياسة العشيرة ولا يسلم أحد منهما للآخر ، وقد يفارق رئيس أحد البيتين الديار مضمراً فى نفسه ما فيها من العداوة والبغضاء ، وقد يبقيا متجاورين ، وفى هذه الحالة يكون التنافر أشد كما كان الحال بين الأوس والخزرج من المدينة ، وبين هاشم وأمية من مكة ، وبين عبس وذبيان من قيس ، وبين بكر وتغلب من ربيعة. ومتى وجد النفور بين جماعتين أو بين شخصين لا يحتاج شبوب نار الحرب بينهما إلى أسباب قوية ، بل إن أيسر النزاع كاف لنشوب نار الحرب وتيتم الأطفال وتأيم النساء ؛ لذلك كانت الجزيرة العربية دائمة الحروب والمنازعات (84).
هذه الحقيقة التى توصلنا إليها ـ وهى أن نار الحرب سريعة النشوب بين أبناء الأب أو الجد الواحد ـ تدعم ما توصلنا إليه من أن الحرب إنما كانت نتيجة غضب إخوته من أجداده ، وإذا كان الخلاف محصوراً فى السببين السابقين ، فأى سبب هو الذى أجج نار الغيرة والحقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هل السبب هو التنافس فى مادة الحياة الدنيا ، أم الخوف من انتزاع الشرف والسيادة التى تؤول إلى النبى صلى الله عليه وسلم إذ هم أذعنوا له بالرسالة والنبوة ؟
أما عن السبب الأول فليس وارداً على الإطلاق ، فلقد ضرب كفار مكة حصاراً تجويعياً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بنى هاشم وبنى عبد المطلب ، فانحازوا إلى شعب أبى طالب ثلاث سنوات كاملة ، عاشوا فيها الجوع والحرمان ما لا يخطر ببال ، حتى إنهم من شدة الجوع قد أكلوا ورق الشجر وكان يسمع من بعيد بكاء أطفالهم وأنين شيوخهم ، ومع ذلك فقد التزم النبى صلى الله عليه وسلم الصبر والثبات ، ولم يأمر أصحابه أن يشنوا حرباً أو قتالاً لفك هذا الحصار ، والخبير يعلم ما الذى يمكن أن يفعله الجوع بالنفس البشرية ، إن لم يصحبها نور من وحى أو ثبات من إيمان.
كان السبب الثانى إذن كفيلاً بإشعال هذه النار فى قلوب هؤلاء وعلى حد تعبير الأستاذ العلامة محمد فريد وجدى: " كان مقصوداً بالقتل من قريش ، وليس يعقل أن تغمض قريش عينها ، ومصلحتها الحيوية قائمة على زعامة الدين فى البلاد العربية ، وعن قيام زعامة أخرى فى البلاد كيثرب يصبح منافساً لأم القرى ، وربما بزها سلطاناً على العقول ، وكر على قريش فأباد خضراءها وسلبها حقها الموروث " (85) ، والذى يؤيد هذا ويقويه ذلك الحوار الذى دار بين الأخنس بن شريق وبين أبى جهل ؛ إذ قال له الأخنس: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ ـ يعنى القرآن ـ فقال ما سمعت ؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكنا كفرسى رهان قالوا منا نبى يأتيه الوحى من السماء ، فمتى ندرك هذا ؟! والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه.
ليست الصدفة إذن ولا محض الاتفاق هما اللذان دفعا النبى صلى الله عليه وسلم لقتال أبناء أجداده من مضر دون ربيعة أو غيرها من العرب ، بل الطبيعة العربية المتوثبة دائماً ، لمن ينازعها الشرف والسيادة من أبناء الأب الواحد ـ على ما بيناه آنفاً ـ كانت هى السبب الرئيسى لاشتعال هذه الحروب ولولاها لما اضطر صلى الله عليه وسلم للقتال بعد ثلاثة عشر عاماً من الدعوة والصبر تخللها من المشاق والعنت ما الله به عليم ، ومع ذلك فقد كان هجيراه ـ بأبى هو وأمى ـ " اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون ".
وثمة أمر آخر ينبغى الإشارة إليه ، يتعلق بالآثار الناجمة عن هذا القتال ، من حيث أعداد القتلى التى نجمت عن هذه الغزوات والجدول الآتى يعطينا صورة بيانية عن هذه الآثار كالآتى:
الغزوة / شهداء المسلمين / قتلى المشركين / الملاحظة
بدر / 14 / 70 /
أُحد / 70 / 22 /
الخندق / 6 / 3 /
بنو المصطلق / ـ / 3 /
خيبر / 19 / لم يدخل اليهود فى هذه الإحصائية لأن لهم حكم آخر بسبب خيانتهم ، فهم قُتلوا بناء على حكم قضائى ، بسبب الحرب.
بئر مونة 69 / ـ /
مؤتة / 14 / 14 /
حنين / 4 / 71 /
الطائف / 13 / ـ /
معارك أخرى / 118 / 256 /
المجموع / 317 / 439 / 756 من الجانبين.
وبعد فقد بدا للناظرين واضحًا وجليًا أن الإسلام متمثلاً فى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد ما يكون عن حمل الناس على اعتناق الإسلام بالسيف ، وهو الذى قال صلى الله عليه وسلم لأعدائه بعدما قدر عليهم: " اذهبوا فأنتم الطلقاء " هكذا دون شرط أو قيد ، أقول حتى دون اشتراط الإسلام.
والنتائج الحقيقية:
(1) تحويل العرب الوحوش إلى عرب متحضرين ، والعرب الملحدين الوثنيين إلى عرب مسلمين موحدين.
(2) القضاء على أحداث السلب والنهب وتعزيز الأمن العام فى بلاد تفوق مساحتها مساحة فرنسا بضعفين.
(3) إحلال الأخوة والروحانية محل العداوة والبغضاء.
(4) إثبات الشورى مكان الاستبداد (86).
هذا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضوابط وقيود كان من شأنها أن تحدد وظيفة الجهاد فى نشر الإسلام فى ربوع المعمورة ، دون سفك للدماء ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً .
ومن هذه الضوابط قوله تعالى: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ) (87).
فإن كان بين المسلمين والكفار عهد أو أمان فلا يجوز للمسلمين الغدر حتى ينقضى الأمد ، فإن خاف المسلمون من أعدائهم خيانة بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم ، فحينئذ يخبرهم المسلمون أنه لا عهد بيننا وبينكم حتى يستوى علم المسلمين وعلم أعدائهم بذلك.
ودلت الآية على أنه إذا وجدت الخيانة المحققة من الأعداء لم يحتج أن ينبذ إليهم عهدهم ، لأنه لم يخف منهم بل علم ذلك.
ودل مفهوم الآية أيضاً على أنه إذا لم يخف منهم خيانة بأن يوجد منهم ما يدل على عدم الخيانة ، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم ، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته (88).
انتشار الإسلام
أ ـ معدلات انتشار الإسلام:
الذى يؤكد على الحقيقة التى توصلنا إليها ـ وهى أن انتشار الإسلام كان بالدعوة لا بالسيف ـ أن انتشار الإسلام فى الجزيرة العربية وخارجها ، كان وفق معدلات متناسبة تماماً من الناحيتين الكمية والكيفية ، مع التطور الطبيعى لحركة الدعوة الإسلامية ، ولا يوجد فى هذه المعدلات نسب غير طبيعية أو طفرات تدل على عكس هذه الحقيقة ، والجدول الآتى يوضح هذه النسب:
السنوات بالهجرى / فارس / العراق / سورية / مصر / الأندلس
نسبة المسلمين مع نهاية أول مائة عام / 5%/ 3%/ 2%/ 2%/أقل من 1%
السنوات التى صارت النسبة فيها 25% من السكان/ 185/ 225/ 275/ 275/ 295
السنوات التى صارت النسبة فيها 50% من السكان/ 235/ 280/ 330/ 330/ 355
السنوات التى صارت النسبة فيها 75% من السكان/ 280/ 320/ 385/ 385/ 400
* حسبت السنوات منذ عام 13 قبل الهجرة عندما بدأ تنزيل القرآن الكريم.
وتوضح معلومات أخرى أن شعب شبه الجزيرة العربية كان الشعب الأول فى الدخول فى الإسلام ، وقد أصبح معظمهم مسلمين فى العقود الأولى بعد تنزيل القرآن الكريم.
وهكذا كان عدد العرب المسلمين يفوق عدد المسلمين من غير العرب فى البداية ، ومهدوا الطريق للتثاقف الإسلامى والتعريب من أجل المسلمين غير العرب ، ولم يمض وقت على هؤلاء فى أصولهم من أديان ومذاهب متعددة من كل الأمم والحضارات السابقة.
كان على هؤلاء جميعاً أن يوظفوا بشكل موحد عمليات توأمية للتقليد والابتكار فى وقت واحد وذلك حسب خلفياتهم الأصلية تحت التأثير الثورى والمتحول الأكثر عمقاً للفكر الإسلامى ومؤسساته ، وقاموا عن طريق عملية التنسيق المزدوجة بتنقية تراثهم من علوم وتكنولوجيا وفلسفات عصر ما قبل القرآن الكريم وذلك إما بالقبول الجزئى أو الرفض الجزئى ، وقاموا كذلك بالابتكار من خلال انطلاقهم من أنظمتهم الفكرية الحسية وتراثهم فى ضوء القرآن الكريم والسنة.
ومن هنا ولدت العلوم الإسلامية والتكنولوجيا الإسلامية والحضارة الإسلامية الحديثة متناسبة مع الأيدولوجية والرؤية الإسلامية الشاملة (89).
خصائص ذلك الانتشار:
ـ عدم إبادة الشعوب.
ـ جعلوا العبيد حكاماً.
ـ لم يفتحوا محاكم تفتيش.
ـ ظل اليهود والنصارى والهندوك فى بلادهم.
ـ تزاوجوا من أهل تلك البلاد وبنوا أُسراً وعائلات على مر التاريخ.
ـ ظل إقليم الحجاز ـ مصدر الدعوة الإسلامية ـ فقيراً إلى عصر البترول فى الوقت الذى كانت الدول الاستعمارية تجلب خيرات البلاد المستعمرة إلى مراكزها.
ـ تعرضت بلاد المسلمين لشتى أنواع الاعتداءات (الحروب الصليبية ـ الاستعباد فى غرب إفريقيا ـ إخراج المسلمين من ديارهم فى الأندلس وتعذيب من بقى منهم فى محاكم التفتيش) ونخلص من هذا كله أن تاريخ المسلمين نظيف وأنهم يطالبون خصومهم بالإنصاف والاعتذار ، وأنهم لم يفعلوا شيئاً يستوجب ذلك الاعتذار حتى التاريخ المعاصر.
1 ـ سرية سيف البحر ـ رمضان 1 هجرية ـ 30 راكب ـ حمزة بن عبد المطلب ـ 300أبو جهل ـ انصرف المسلمون بدون قتال ـ بعثت هذه السرية لدراسة أحوال مكة ووجد الأعداء أن المسلمين منتبهون فانصرفوا عنهم.
2 ـ سرية الرابغ ـ شوال سنة 1 هجرية ـ 60 ـ عبيدة بن الحارث ـ 200 عكرمة بن أبى جهل أو أبو صيان ـ انصرف المسلمون بدون قتال ـ بعثت هذه السرية لتفقد أحوال أهل مكة فرأت جمعاً عظيماً من قريش بأسفل ثنية المرة.
3 ـ سرية ضرار ـ فى ذى القعدة سنة 1 هجرية ـ 80 سعد بن أبى وقاص ـ خرج حتى بلغ الجحفة ثم رجع ولم يلق كيداً.
4 ـ غزوة ودان وهى غزوة الأبواب ـ صفر 2 هجرية ـ 70 ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ عاهد عمرو بن مخثى الضمرى على ألا يعين قريش ولا المسلمين.
5 ـ غزوة بواط ـ ربيع الأول 2 هجرية ـ 200 ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ 100 ـ أمية بن خلف ـ بلغ إلى بواط ناحية رضوى ثم رجع إلى المدينة لقى فى الطريق قريشاً وأمية ـ رضوى اسم جبل بالقرب من ينبع.
6 ـ غزوة صفوان أو بدر الأولى ـ ربيع الأول 2 هجرية ـ 70 ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ كرز بن جابر الفهرى ـ خرج فى طلب العدو حتى بلغ صفوان فلم يدركه ـ كان كرز بن جابر قد أغار على مواشى لأهل المدينة.
7 ـ غزوة ذى العشيرة ـ جمادى الآخرة 2 هجرية ـ 150 ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ وادع بنى مذلج وحلفائهم من بنى ضمرة ـ ذو العشيرة موضع بين مكة والمدينة من بطن ينبع.
8 ـ سرية النخلة ـ فى رجب 2 هجرية ـ 12 ـ عبد الله بن جحش ـ قافلة تحت قيادة بنى أمية ـ أطلق الأسيران وودى القتيل ـ أرسلوا لاستطلاعن قريش فوقع الصدام.
9 ـ غزوة بدر الكبرى ـ رمضان 2 هجرية ـ 313 ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ 1000 ـ أبو جهل ـ 22 ـ 70 ـ 70 ـ انتصر المسلمون على العدو ـ بين بدر ومكة سبعة منازل وبين بدر والمدينة ثلاثة منازل لما علم بخروج قريش إلى المدينة ارتحل دفاعاً عن المسلمين.
10 ـ سرية عمير بن العدى الخطمى ـ فى رمضان 2 هجرية ـ 1 ـ عمير ـ 1 ـ عصماء بن مروان ـ 1 ـ قتل عمير اخته التى كانت تحض قومها على الحرب ضد المسلمين.
11 ـ سرية سالم بن عمير الأنصارى ـ فى شوال 2 هجرية ـ 1 ـ سالم ـ 1 ـ الخطمية أبو عكفة ـ كان أبو عكفة اليهودى يستفز اليهود على المسلمين فقتله سالم.
12 ـ غزوة بنى قينقاع ـ فى شوال 2 هجرية ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ قبيلة بنى قينقاع ـ تم إجلائهم ـ أتوا بالشر فى المدينة حين كان المسلمون فى بدر فأجلوا لذلك.
13 ـ غزوة السويق ـ فى ذى الحجة 2 هجرية ـ 200 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ 200 ـ أبو سفيان ـ خرج النبى صلى الله عليه وسلم فى طلبه فلم يدركه ـ بعث أبو سفيان من قريش إلى المدينة فأتوا ناحية منها فحرقوا فى أسوال من نخل ووجدوا بها رجلين فقتلوهما.
14 ـ غزوة قرقرة الكدر أو غزوة بنى سليم ـ محرم 2 هجرية ـ 70 ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ كرز بن جابر الفهرى ـ 1 ـ خرج العدو يغزو المدينة فانصرف حين رأى جمعاً من المسلمين ـ أسر عبد اسمه يسار فأطلق سراحه.
15 ـ سرية قررة الكدر ـ 2 هجرية ـ 1 ـ غالب بن عبد الله الليثى ـ قبيلة بنى غطفان وبنى سليم ـ 3 ـ قتل من الأعداء وفر الباقون ـ بعثت هذه السرية إكمالاً إذ اجتمع الأعداء مرة أخرى.
16 ـ سرية محمد بن مسلمة ـ ربيع الأول ـ 3 هجرية ـ محمد بن مسلمة الأنصارى الخزرجى ـ 1 ـ كعب بن الأشرف اليهودى ـ 1 ـ 1 ـ كان كعب بن الأشرف يحرض القبائل من اليهود ضد المسلمين ودعا قريشاً للحرب فوقعت غزوة أحد.
17 ـ غزوة ذى أمر أو غزوة غطفان أو أنمار ـ فى ربيع سنة 3 هجرية ـ 450 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثعلبة وبنو محارب ـ اجتمعت بنو ثعلبة وبنو محارب للإغارة على المدينة فانصرفوا حين رأوا جمعاً من المسلمين ـ خرج النبى صلى الله عليه وسلم فى أصحابه حتى بلغ نجد وهنا أسلم وعثود الذى هم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
18 ـ سرية قردة ـ فى جمادى الآخرة سنة 3 هجرية ـ 100 ـ زيد بن حارثة ـ أبو سفيان ـ 1 ـ خرج زيد بن حارثة فى بعث فتلقى قريشاً فى طريقهم إلى العراق ـ أسر فراء بن سفيان دليل القافلة التجارية فأسلم.
19 ـ غزوة أُحد ـ شوال 3 هجرية ـ 650 راجل ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ 2800 راجل ـ 200 راكب أبو سفيان الأموى ـ 40 ـ 70 ـ 30 ـ لحقت خسارة فادحة بالمسلمين ولكن فشل الكفار نتيجة لرعب أصابهم ـ بين أحد والمدينة ثلاثة أيمال كانوا الأعداء زحفوا من مكة إلى أُحد.
ـ غزوة حمراء الأسد ـ فى 7 من شوال المكرم سنة 3 هجرية ـ 540 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ 2790 ـ أبو سفيان ـ 2 أبو عزة ومعاوية بن المغيرة ـ خرج النبى صلى الله عليه وسلم مرعباً للعدو ـ لما آن الغد من يوم أُحد خرج المسلمون إلى معسكر العدو لئلا يغير عليهم ثانية ظاناً بهم ضعفاً ، أسر رجلان ، وقتل أبو عزة الشاعر لأن كان وعد فى بدر بأنه لا يظاهر أبداً على المسلمين ثم نقض عهده وحث المشركين على المسلمين.
21 ـ سرية قطن أو سرية أبى سلمة المخزومى ـ فى غرة محرم الحرام سنة 4 هجرية ـ 150 أبو سلمة المخزومى ـ طلحة وسلمة ـ لم يتمكنوا من الإغارة على المدينة بمظاهرة قام بها المسلمون ـ هو رئشيس قطاع الطريق أراد الإغارة على المدينة ولكن المسلمين تظاهروا فوصلوا إلى قطن وهو مسكنه فتفرق جمعه.
22 ـ سرية عبد الله بن أنيس ـ فى 5 من محرم الحرام سنة 4 هجرية ـ 1 ـ عبد الله بن أنيس الجهنى الأنصارى ـ 1 ـ سفيان الهذيلى ـ 1 ـ سمع عبد الله بأن سفيان استنفر قوماً ضد المسلمين بعرفى فوصل عليها وقتل بها أبا سفينان.
23 ـ سرية الرجيع ـ فى صفر 4 هجرية ـ 10 عاصم بن ثابت ـ 100 ـ من عضل والقارة ـ 10 ـ استشهاد عشرة قراء.
24 ـ سرية بئر معونة ـ 70 ـ منذر بن عمر ـ جماعة كبيرة ـ عامر بن مالك ـ 1 ـ 69.
25 ـ سرية عمر بن أمية الضميرى ـ ربيع الأول 4 هجرية ـ 1 ـ عمر بن أمية الضمرى ـ 2 قبيلة بنى كلاب.
26 ـ غزوة بنى النضير ـ ربيع أول 4 هجرية ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ قبيلة النضير ـ تم إجلائهم بأنهم هموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم.
27 ـ غزوة بدر الأخرى ـ ذى القعدة 4 هجرية ـ 1510 النبى صلى الله عليه وسلم ـ 2050 أبو سفيان ـ لم تحدث مواجهة ـ خرج أبو سفيان فى أهل مكة حتى نزل بناحية الظهران أو عسفان ولما علم النبى صلى الله عليه وسلم خرج إليه فرجع أبو سفينان رجع النبى أيضاً.
28 ـ غزوة دومة الجندل ـ سنة 5 هجرية ـ 1000 النبى صلى الله عليه وسلم ـ أهل الدومة ـ رجع الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليها ولم يلق كيداً.
29 ـ غزوة بنى المصطلق ـ 2 شعبان 5 هجرية ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ الحارث بن ضرار سيد بنى المصطلق ـ 19 ـ 10 ـ انهزم العدو وأطلق الأسرى كلهم.
30 ـ غزوة الأحزاب أو الخندق ـ شوال 5 هجرية ـ 3000 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ 10000 أبو سفيان ـ 6 ـ 10 ـ انقلب العدو خاسراً.
31 ـ سرية عبد الله بن عتيك ـ ذى القعدة 5 هجرية ـ 5 ـ عبد الله بن عتيك الأنصارى ـ 1 ـ سلام بن أبى الحقيق ـ 1.
32 ـ غزوة بنى قريظة ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو قريظة ـ 4 ـ 200 ـ 400 ـ من الأعداء من قتل ومنهم من أسر ـ قتلهم كان حكماً قضائياً بسبب الخيانة وكان هذا الحكم موافقاً لنصوص التوراة التى كانوا يؤمنون بها.
33 ـ سرية الرقطاء ـ 30 ـ محمد بن مسلمة ـ 30 ـ ثمامة بن آثال ـ 1 ـ أثر ثمالة فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كان ثمامة سيد نجد ، وأسلم بعد أن أطلق سراحه من الأسر.
34 ـ غزوة بنى لحيان ـ 6 هجرية ـ 200 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو لحيا من بطون هذيل ـ تفرق العدو حين علم بمقدم المسلمون إليه ـ كانت الغزوة لتأديب أهل الرجيع الذين قتلوا عشرة من القراء.
35 ـ غزوة ذى قردة ـ 6 هجرية ـ 500 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ خيل من غطفن تحت قيادة عيينة الفزارى ـ امرأة واحدة ـ 3 ـ 1 ـ أغاروا على لقاح لرسول الله فخرج المسلمون ولحقوا بهم.
36 ـ سرية عكاشة محصن ـ 40 ـ عكاشة بن محصن الأسدى ـ بنو أسد ـ تفرق الأعداء ولم تحدث مواجهة ـ كان بنو أسد قد أجمعوا الإغارة على المدينة فبعثت إليهم هذه السرية.
37 ـ سرية ذى القصة ـ 6 هجرية ـ 10 ـ محمد بن مسلمة ـ 100 بنو ثعلبة ـ 1 جريح ـ 9 ـ استشهد تسعة من الدعاة وأصيب محمد بن مسلمة بجرح ـ كان عشرة من القراء ذهبوا للدعوة وبينما هم نائمون قتلهم بنو ثعلبة وذو القصة اسم موضع.
38 ـ سرية بنى ثعلبة ـ 6 هجرية ـ 40 ـ أبو عبيدة بن الجراح ـ بنو ثعلبة ـ 1 ـ انصرف العدو وغنم المسلمون ما كان لهم من متاع.
39 ـ سرية الجموم ـ 6 هجرية ـ زيد بن حارثة ـ بنو سليم ـ 10 ـ أسر مجموعة رجال وأطلقهم النبى صلى الله عليه وسلم.
40 ـ سرية الطرف أو الطرق ـ 6 هجرية ـ 15 ـ زيد بن حارثة ـ بنو ثعلبة ـ هرب الأعداء وأصاب المسلمون عشرين بعيراً ـ بعثت هذه السرية لمعاقبة المجرمين بذى القصة.
41 ـ سرية وادى القرى ـ 12 ـ زيد بن حارثة ـ سكان وادى القرى ـ 1 جريح ـ 9 ـ قتل من المسلمين تسعة رجال وجرح واحد ـ كان زيداً ذاهباً للجولة فحملوا عليه وعلى أصحابه.
42 ـ دومة الجندل ـ 6 هجرية ـ عبد الرحمن بن عوف ـ قبيلة بنى كلب ـ الأصبغ بن عمرو ـ تحقق نجاح ملموس فى مجال الدعوة ـ أسلم الأصبغ بن عمرو وكان نصرانياً وأسلم معه كثير من قومه.
43 ـ سرية فداك ـ 6 هجرية ـ 200 ـ على بن أبى طالب ـ بنو سعد بن بكر ـ هربت بنو سعد وأصاب المسلمون مائة بعير وألفى شاة ـ بلغ النبى صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون أن يمدوا يهود خيبر فقام علىّ رضى الله الله عنه بالمظاهرة عليهم.
44 ـ سرية أم فرقة ـ 7 هجرية ـ أبو بكر الصديق رضى الله عنه ـ بنو فزارة تحت قيادة أم قرفة ـ 2 ـ انهزم العدو ـ كانت بنو فزارة قد أغاروا على قافلة زيد بن حارثة.
45 ـ سرية عبد الله بن رواحة ـ 6 هجرية ـ 30 ـ عبد الله بن رواحة ـ 30 ـ أسير بن رزام اليهودى ـ 1 ـ 30 ـ وقع اشتباك لسوء فهم الفريقين فقتل اليهود جميعاً.
46 ـ سرية العرنيين ـ 6 هجرية ـ 20 ـ كرز بن جابر الفهرى ـ رجال من عكل وعريننة ـ 1 ـ 8 ـ قتلوا الراعى واستاقوا الإبل فأسروا ومثل بهم ـ استوخموا المدينة فشربوا من ألبان الإبل وأبوالها فصحوا ثم قتلوا يسارا راعى النبى صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل.
47 ـ سرية عمرو بن أمية الضمرى ـ 6 هجرية ـ 1 ـ عمرو بن أمية الضمرى ـ كان عمرو قد جاء إلى مكة ليقتل النبى صلى الله عليه وسلم ثم أسلم من حسن خلقه الشريف ثم ذهب إلى مكة يدعو أهلها.
48 ـ غزوة الحديبية ـ 6 هجرية ـ 1400 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ أهل مكة ـ سهيل بن عمرو القرشى ـ تم الصلح بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين ريش عشر سنوات ـ كان النبى قد خرج معتمراً فصدته قريش عن البيت فى الحديبية.
49 ـ غزوة خيبر 7 هجرية ـ 100 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ 10000 ـ يهود خيبر كنانة بن أبى الحقيق ـ 50 جريحاً ـ 18 ـ 93 ـ فتح الله للمسلمين فتحاً مبيناً ـ كان اليهود قد قاتلوا المسلمين فى أُحد والأحزاب ونقضوا عهدهم مع النبى صلى الله عليه وسلم فأفسد خططهم العدوانية.
50 ـ غزوة وادى القرى ـ المحرم 6 هجرية ـ 1382 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ اليهود من وادى القرى.
51 ـ غزوة ذات الرقاع ـ 7 هجرية ـ 400 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو غطفان وبنو محارب وبنو ثعلبة وبنو أنمار ـ تفرق العدو ـ كانت بنو عطفان قد جمعوا جموعاً من القبائل للإغارة على المسلمين فلما قام المسلمون بحشودهم تفرقوا جميعاً.
52 ـ سرية عيص ـ فى صفر 7 هجرية ـ 72 ـ أبو جندل وأبو بصير ـ قافلة قريش ـ 9 ـ أخذ أموال العدو ثم ردها إليهم بأمر النبى صلى الله عليه وسلم.
53 ـ سرية الكديد ـ صفر 7 هجرية ـ 60 ـ غالب بن عبد الله الليثى ـ بنو الملوح ـ 1 ـ وقع اشتباك ـ كانت بنو الملوح قد قتلوا أصحاب بشير بن سويد فبعثت إليهم هذه السرية للتوبيخ.
54 ـ سرية فدك ـ فى صفر سنة 7 هجرية ـ غالب بن عبد الله الليثى ـ أهل فدك ـ قتل ناس من العدو.
55 ـ سرية حسمى ـ فى جمادى الآخرة 7 هجرية ـ 500 ـ زيد بن حارثة ـ 102 ـ الهنيد بن عوض الجزرى ـ 100 ـ 2 ـ انتصر المسلمون وقتل الهنيد مع ابنه وأطلق الباقون بعد توبتهم ـ كان دحية الكلبى محملاً ببعض الهدايا من قيصر فقابله الهنيد فى ناس وقطع عليه الطريق.
56 ـ سرية تربة ـ فى شعبان سنة 7 هجرية ـ عمر بن الخطاب ـ أهل تربة ـ تفرق العدو ـ بين تربة ومكة منزلان كان أهل تربة قد اصطلحوا مع بنى غطفان فقام المسلمون بالمظاهرة فى محالهم.
57 ـ سرية بنى كلاب ـ فى شعبان 7 هجرية ـ أبو بكر الصديق رضى الله عنه ـ بنو كلاب ـ انتصر المسلمون سبى من الأعداء جماعة وقتل آخرون ـ كانوا أجمعوا الهجوم على المسلمين مع بنى محارب وبنى أنمار.
58 ـ سرية الميفعة ـ رمضان 7 هجرية ـ غالب بن عبد الله الليثى ـ أهل الميفعة ـ وقع اشتباك ـ كانوا حلفاء أهل خيبر.
59 ـ سرية خربة ـ فى رمضان 7 هجرية ـ أسامة بن زيد ـ أهل خربة ـ بينما أسامة وأصحابه يمشون فى الطريق إذ هبط إليهم رجل من الجبل فقتله أسامة بعد أن قال لا إله إلا الله.
60 ـ سرية بنى مرة ـ شوال 7 هجرية ـ 30 بشير بن سعد ـ بنو مرة بالقرب من فدك ـ وقع اشتباك كانوا حلفاء أهل خيبر.
61 ـ سرية بشير بن سعد الأنصارى ـ فى شوال 7 هجرية ـ 30 بشير بن سعد ـ بنو فزارة وعذرة ـ جرح جميع المسلمين وأسر منهم رجلان ـ كانت بنو فزارة وعذرة قد ساعدوا اليهود فى خيبر فبعثت إليهم هذه السرية للترويع.
62 ـ سرية ابن أبى العوجاء ـ 7 هجرية ـ 50 ـ ابن أبى العوجاء ـ بنو سليم ـ 1 ـ 49 ـ أصيب ابن أبى العوجاء بجرح واستشهد الباقون ـ قام المسلمون بحشد قواهم فى محالهم لأنهم كانوا يجمعون للإغارة على المدينة.
63 ـ سرية ذات أطلح ـ 8 هجرية ـ 15 ـ كعب بن عمير الأنصارى ـ أهالى ذات أطلح بنو قضاعة ـ 14 ـ استشهد المسلمون جميعاً وبرأ واحد منهم ـ كانوا يجمعون فى عدد كبير للإغارة على المسلمين فبعث إليهم كتيبة لتخوفيهم فاستشهد المسلمون جميعاً.
64 ـ سرية ذات عرق ـ فى ربيع الأول 8 هجرية ـ 25 ـ شجاع بن وهب الأسدى ـ بنو هوازن أهالى ذا عرق ـ كانت هوازن قد مدّوا يد المعونة لأعداء المسلمين مراراً ثم اجتمعوا على مشارف المدينة فاحتشد المسلمون لتخويفهم.
65 ـ سرية مؤنة ـ فى جمادى الأولى سنة 8 هجرية ـ 3000 ـ زيد بن حارثة ـ مائة ألف ـ شرحبيل الغسانى ـ 12 ـ لم نعرف عدد المفقودين ـ انتصر المسلمون ـ كان شرحبيل قد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعت لذلك الحرب وهزم ثلاثة آلاف مائة ألف.
66 ـ سرية ذات السلاسل ـ جمادى الآخرة 8 هجرية ـ 500 ـ عمرو بن العاص القرشى ـ بنو قضاعة ساكنوا السلاسل ـ هرب الأعداء بمظاهرة المسلمين ـ كانت قضاعة قد تجمعت للإغارة على المدينة.
67 ـ سرية سيف البحر ـ فى رجب 8 هجرية ـ 300 ـ أبو عبيدة ـ قريش ـ أقام المسلمون على الساحل أياماً ثم انصرفوا ـ كان الغرض من هذه السرية تشتيت همم قريش.
68 ـ سرية محارب ـ فى شعبان 8 هجرية ـ 15 ـ أبو قتادة الأنصارى ـ بنو غطفان ـ هرب العدو خائفاً وأصاب المسلمون أنعاماً ـ تجمع بنو غطفان بخضرة فأرسلت إليهم سرية مكونة من خمسة عشر رجلاً للاستطلاع.
69 ـ غزوة فتح مكة ـ رمضان 8 هجرية ـ 10000 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ قريش مكة ـ 2 ـ 12 ـ انتصر المسلمون ـ لم يتعرض للمسلمين أحد إلا كتيبة واحدة ثم دخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة وجعل الناس كلهم طلقاء ولا تثريب عليهم.
70 ـ سرية خالد ـ فى رمضان 8 هجرية ـ خالد بن الوليد ـ الصنم العزى ـ كانت العزى صنم بنى كنانة فحطمها خالد رضى الله عنه.
71 ـ سرية عمرو بن العاص ـ 8 هجرية ـ عمرو بن العاس ـ الصنم سواع ـ كانت سواع صنم بنى هذيل فحطمها عمرو بن العاص رضى الله عنه.
72 ـ سرية سعد الأشهلى ـ رمضان 8 هجرية ـ سعد بن زيد الأشهلى الأنصارى ـ الصنم مناة ـ كانت مناة صنماً للأوس والخزرج فهدمها سعد الأشهلى رضى الله عنه.
73 ـ سرية خالد بن الوليد ـ شوال 8 هجرية ـ 350 ـ خالد بن الوليد ـ بنو جذيمة ـ 95 ـ قتل خمسة وتسعون رجلاً من بنى جذيمة ممن كانوا أسلموا فكره الرسول صلى الله عليه وسلم قتلهم وودى بهم الدية ـ كان خالد بن الوليد بعث داعياً وكانت بنو جذيمة قد أسلموا من قبل فشك خالد فى إسلامهم وقتل منهم رجالاً.
74 ـ غزوة حنين أو أوطاس أو هوازن ـ شوال 8 هجرية ـ 12000 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثقيف وبنو هوازن وبنو معز وبنو أحسم ـ 6 ـ 6000 ـ 71 ـ انتصر المسلمون ـ أطلق النبى صلى الله عليه وسلم سراح جميع الأسرى وأعطاهم الكسوة كذلك.
75 ـ غزوة الطائف ـ شوال 8 هجرية ـ 12000 ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثقيف ـ جمع كثير ـ 13 ـ جمع كثير ـ رجع النبى صلى الله عليه وسلم بعد محاصرة دامت شهراً ـ لما رفع النبى صلى الله عليه وسلم عنهم الحصار قدموا عليه وأسلموا.
76 ـ سرية عيينة بن حصن ـ فى محرم 9 هجرية ـ 150 ـ عيينى بن حصن الفزارى ـ قبيلة بنى تميم ـ 62 ـ تم القضاء على الثورة ـ قامت هذه القبيلة بإغراء القبائل التابعة لها ومنعتها عن أداء الجزية ولما خرج إليهم عيينى أسر منهم 11 رجلاً و21 امرأة و 20 ولداً فأطلقهم النبى صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه سيدهم.
77 ـ سرية قطبة بن عامر ـ فى صفر 9 هجرية ـ 20 ـ قطبة بن عامر ـ قبيلة خثم ـ أكثر من النصف ـ أكرهم ـ تفرقوا وانتشروا ـ كانوا يدبرون مؤامرة ضد المسلمين فجاء قطبة ببعضهم أسيراً فأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
78 ـ سرية الضحاك ابن سفيان الكلابى ـ ربيع أول 9 هجرية ـ الضحاك رضى الله عنه ـ قبيلة بنى كلاب ـ بعث المسلمون إلى بنى كلاب داعين فاعترض لهم الكفار فوقع اشتباك.
79 ـ سرية عبد الله بن حذافة ـ ربيع أول 9 هجرية ـ 300 ـ عبد الله بن حذافة القرشى السهمى ـ القراصنة من الخثعميين ـ هربوا ـ كانوا قد اجتمعوا فى ساحل جدة يريدون الإغارة على مكة فتفرقوا حين رأوا هذه السرية.
80 ـ سرية بن طىء ـ 9 هجرية ـ 150 ـ على رضى الله عنه ـ بنى طىء ـ أسرت سفانة بنت حاتم وغيرها من الناس.
81 ـ غزوة تبوك ـ 9 هجرية ـ 3000 ـ الرسول صلى الله عليه وسلم ـ هرقل قيصر الروم ـ قام النبى صلى الله عليه وسلم بالتجمع مع أصحابه وأرهب الأعداء ثم رجع إلى المدينة.
82 ـ سرية دومة الجندل ـ 420 ـ خالد بن الوليد ـ أكيدر أمير دومة الجندل ـ أسر أكيدر وقتل أخوه ـ أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح أكيدر وعقد الحلف مع حكومات نصرانية أخرى.
000000000000000000
(1) الأنبياء: 107.
(2) آل عمران: 71.
(3) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص 166 ط الهيئة المصرية العامة للكتاب.
(4) غوستاف لوبون حضارة العرب ص 128 ، 129 ط الهيئة المصرية للكتاب.
(5) البقرة: 190-191.
(6) البقرة: 192، 193.
(7) البقرة: 216.
(8) البقرة: 217.
(9) آل عمران: 146.
(10) آل عمران: 169.
(11) آل عمران: 195.
(12) ، (13) النساء: 74 ، 75.
(14) النساء: 90.
(15) الأنفال: 7ـ8.
(16) الأنفال: 17.
(17) الأنفال: 39.
(18) الأنفال: 47.
(19) الأنفال: 61.
(20) الأنفال: 70.
(21) التوبة: 5ـ6.
(22) التوبة: 111.
(23) الحج: 39-40.
(24) رواه مسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب فضل الجهاد والخروج فى سبيل الله.
(25) رواه أبو داود فى سننه ـ كتاب الخراج والإمارة والفئ ـ باب ما جاء فى خبر الطائف.
(26) رواه الحاكم فى مستدركه ـ كتاب معرفة الصحابة رضى الله عنهم ـ ذكر إسلام أمير المؤمنين على ـ رضى الله عنه ـ.
(27) رواه البخارى ـ كتاب التفسير ـ باب قول الله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة (.
(28) مصنف عبد الرازق ـ كتاب الجهاد ـ باب الرجل يغزو وأبوه كاره.
(29) الحج: 40.
(30) القرطبى ج 12 تفسير سورة الحج.
(31) تاريخ ابن خلدون 1 / 226 فصل فى الحروب ومذاهب الأمم فى ترتيبها.
(32) سفر العدد ـ الإصحاح الثالث عشر ـ الآيات: 26-29.
(33) سفر صموئيل الأول ـ الإصحاح الخامس والعشرون آية 10-14.
(34) سفر الملوك الثانى ـ الإصحاح الثالث ، الآيات 4 ـ 8.
(35) سفر حزقيال ـ أصحاح 21 آيات 1 ـ5.
(36) سفر يوشع ـ الإصحاح الثالث والعشرون ـ الآيات 3ـ5.
(37) سفر القضاة ـ الإصحاح الثامن عشر ـ الآيات 27ـ30.
(38) سفر صموئيل الأول ـ الإصحاح الرابع ، الآيات 1ـ4.
(39) سفر التكوين ـ الإصحاح الرابع والثلاثون ـ الآيات 25ـ29.
(40) سفر التكوين ـ الإصحاح الرابع عشر ـ الآيات 14 ـ 16.
(41) سفر العدد ـ الإصحاح الواحد والعشرون الآيتان 34ـ35.
(42) سفر العدد ـ الإصحاح الخامس والعشرون الآية 16.
(43) الإصحاح الثالث والثلاثون الآيات 50ـ53.
(44) سفر صموئيل ـ الإصحاح السابع عشر الآيات 45ـ47.
(45) سفر صموئيل الأول ـ الإصحاح الثالث والعشرون الآية 6.
(46) سفر المزامير ـ المزمور الثامن عشر الآيات 35-41.
(47) سفر حزقيال الإصحاح الواحد والعشرون آية 5.
(48) إنجيل متى ـ الإصحاح العاشر آية 34-36.
(49) رواه أحمد وأبو داود.
(50) سبائك الذهب 443.
(51) شرح المعلقات السبع للزوزنى ص 83 ، ط مصطفى الحلبى.
(52) الزخرف: 89.
(53) الحج: 39-40.
(54) السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة لمحمد فريد وجدى ص 164 ، 163 بتصرف.
(55) الأنفال: 61.
(56) السيرة النبوية لمحمد فريد وجدى 165 ، 166.
(57) سبائك الذهب ص 120 ط دار الكتب العلمية ، موسوعة القبائل العربية لمحمد سليمان الطيب 1 / 51 دار الفكر العربى.
(58) فتح البارى 6 / 543 دار المعرفة ـ بيروت.
(59) فتح البارى 7 / 424.
(60) تاريخ الأدب الجاهلى د. على الجندى 472.
(61) رحمة للعالمين للمنصور فورى ص 462.
(62) فى تاريخ الأدب الجاهلى 473.
(63) رحمة للعالمين للمنصور فورى ص 462.
(64) سبائك الذهب 8.
(65) تاريخ الأدب الجاهلى ص 470.
(66) رحمة للعالمين المنصور فوزى ص 462.
(67) سبائك الذهب 87.
(68) تاريخ الأدب الجاهلى ص 466.
(69) رحمة للعالمين للمنصور فورى ص 463.
(70) سبائك الذهب 295 ، تاريخ الأدب الجاهلى ص 467.
(71) رحمة للعالمين ص 463.
(72) تاريخ الدولة الأموية للشيخ محمد الخضرى ص 156.
(73) رحمة للعالمين ص 463.
(74) سبائك الذهب ص 256 ، تاريخ الأدب الجاهلى ص 467.
(75) رحمة للعالمين ص 463.
(76) سبائك الذهب ص 127.
(77) سبائك الذهب ص 126.
(78) تاريخ الأدب الجاهلى ص 467.
(79) رحمة للعالمين ص 463.
(80) سبائك الذهب ص 148 ، تاريخ الأدب الجاهلى ص 473.
(81) سبائك الذهب ص 124 ، وتاريخ الأدب الجاهلى ص 473.
(82) سبائك الذهب ص 85 ، 86 ، تاريخ الأدب الجاهلى ص 470.
(83) سبائك الذهب رقم 147 ، 148 ، تاريخ الأدب الجاهلى ص 473.
(84) تاريخ الدولة الأموية الشيخ محمد الخضرى بك ص 32 ، 33 ، ط دار القلم ، بيروت.
(85) السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة الأستاذ محمد فريد وجدى ص 162 ، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب.
(86) رحمة للعالمين ص 469.
(87) الأنفال: 58.
(88) تفسير ابن كثير 2 / 321.
(89) الفكر الإسلامى فى تطوير مصادر المياه والطاقة ، د. سيد وقار أحمد حسينى ـ عالم زائر فى جامعة ستانفورد 71-75 ، ترجمة د. سمية زكريا زيتونى طبعة: فصلت للدراسات والترجمة والنشر.
and m rg nc of a Muslim Soci ty in Richard W. bulli t, Conv rsion of Islam M i r & d. N h mia L vtzion (N w York Holm s Iran in Conv rsion to Islam, (Publ., Inc, 1979) Pp. 30-51, p31 for fig 1.1
اضحك واتسلي ببلاش مع زكازيكو حرامي العلقة؟؟؟هاهاها :::خيبة الله مرة ثانية عليك يا زكازيكو! أتظن أن الناس كلهم كتلك البنت المسكينة التى نَجَحْتَ فى خداعها لبعض الوقت أنت والعيال أمثالك بمثل هذه الصبيانيات، والتى ألومها أشد اللوم أَنِ استطاع هذا البغل الأسترالى أن يثير شكوكها فى دينها، وهى التى تخرجت من الجامعة! لقد كان ينبغى أن تتلاعب هى به وتجعل منه مُسْخَةً لكل رائحٍ وغادٍ شأن أى واحد أو واحدة من أتباع النبى الكريم، لكن أوضاع التعليم وكسل الطلاب والطالبات قد أثمرا هذه الثمرات العطنة. ومع
ذلك فقد كشف الله للفتاة المخدوعة الغطاء عن حقيقة هذا القَذِر قبل فوات الأوان وردها ردا جميلا إلى دين التوحيد، وإلا لهلكت وثنية كافرة، والعياذ بالله! أما أنتِ يا أمة محمد يا من تناشدين هذا وذاك من أمثال بغلنا الزنيم أن يتدخلوا لثَنْيه عن سبّ النبى، فلعنة الله عليك من أمة منحطة وصل بها الحال إلى هذا الدرك الأسفل من المذلة والهوان، إذ جعلتِ أعداءك الذين تستنجدين بهم يضحكون منك ملء أردانهم فى تَشَفٍّ وتلذذٍ! إن محمدا ليبرؤ من كل ذليل يهون على نفسه وعلى الآخرين، ويُطْمِع العدوَّ فيه ويعطيهم الفرصة ليضحكوا منه وعليه! أَوَمِثْل زيكو هذا يستحق أن يُنَاشَد أحد لإسكاته؟ أليس فى رِجْل البُعَداء صَرْمَةٌ قديمةٌ يقذفونه بها فى فمه المنتن؟ يا رسول الله، إنى أعتذر إليك مما فعلته هذه الأمة، وأستميحك العفو!
ولا يكتفى الكذاب بهذا، بل يضيف كذبة أخرى قائلا إن عيسى عليه السلام، طبقا لما يقول القرآن، سوف يكون شفيعا فى الدنيا والآخرة. وقد استشهد على هذه الكذبة المنتنة نتانة فمه وسوأته بقوله تعالى عن ابن مريم عليه السلام مخاطبا أمه على لسان الملائكة: "يا مريم، إن الله يبشّرك بكلمةٍ منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين ". وهذا نص كلامه: "شفيعاً فى الدنيا والآخرة : (1) سورة ( آل عمران 3 : 45) " اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين". (2) [ابن كثير ج1 ص 283] "وفى الدار الآخرة يشفع عند الله ..."، ثم يختم كالعادة بالسؤال التالى: "وماذا عن محمد؟". والملاحظ أولا أن القرآن الذى يستشهد به هذا الأفاق لم يذكر الشفاعة لعيسى بل لم يشر إليها مجرد إشارة، وكل ما قاله أنه سيكون "وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين". إنما قال ذلك ابن كثير، وهو مجرد اجتهاد من عنده لا يُلْزِمنا بشىء ما دام لم يَسُقْ لنا الحيثيات التى أقام عليها هذه الدعوى. إن فى القرآن كلاما عن ابن مريم يوم القيامة يصوره عليه السلام وهو واقف أمام ربه يسأله عما أتاه أتباعه من بعده من تأليههم له سؤال الرب للعبد الخائف الراجف الذى يعرف حدوده جيدا، فهو يسارع بالتنصل من هذا الكفر الشنيع وممن قالوه. وحتى لو كانت له عليه السلام فى ذلك الموقف شفاعة، فما الذى فى هذه المكرمة مما يشنَّع به على محمد عليه الصلاة والسلام؟
إن محمدا عليه الصلاة السلام لهو صاحب الشفاعة العظمى حسبما نَصَّ على ذلك كثير من الأحاديث النبوية. روى البخارى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُحْبَس المؤمنون يوم القيامة حتى يهمّوا بذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا. فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس. خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلَّمك أسماء كل شيء. لِتَشْفَعْ لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. قال: فيقول: لستُ هُنَاكم، قال: ويذكر خطيئته التي أصاب: أكْله من الشجرة وقد نُهِيَ عنها، ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتون نوحا فيقول: لستُ هُنَاكم، ويذكر خطيئته التي أصاب: سؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن. قال: فيأتون إبراهيم، فيقول: إني لست هُنَاكم، ويذكر ثلاث كلمات كَذَبَهُنّ، ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلَّمه وقرَّبه نَجِيًّا. قال: فيأتون موسى، فيقول: إني لستُ هُنَاكم، ويذكر خطيئته التي أصاب: قَتْله النفس، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته. قال: فيأتون عيسى، فيقول: لستُ هُنَاكم، ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأستأذن على ربي في داره فيؤذَن لي عليه، فإذا رأيته وقعتُ ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل يُسْمَعْ، واشفع تُشَفَّعْ، وسَلْ تُعْطَ. قال: فأرفع رأسي فأُثْنِي على ربي بثناء وتحميد يعلِّمنيه، ثم أشفع فيحدّ لي حدًّا، فأخرج فأُدْخِلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأَخْرُج فأُخْرِجهم من النار وأُدْخِلهم الجنة ثم أعود الثانية فأستأذن على ربي في داره فيؤذَن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يُسْمَعْ، واشفع تُشَفَّعْ، وسَلْ تُعْطَ. قال: فأرفع رأسي فأُثْنِي على ربي بثناء وتحميد يعلِّمنيه. قال: ثم أشفع فيحدّ لي حَدًّا فأخرج فأُدْخِلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذَن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وقل يُسْمَعْ، واشفع تُشَفَّعْ، وسَلْ تُعْطَه. قال: فأرفع رأسي فأُثْنِي على ربي بثناءٍ وتحميدٍ يعلّمنيه. قال: ثم أشفع فيحدّ لي حدًّا فأخرج فأُدْخِلهم الجنة. قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأَخْرُج فأُخْرِجهم من النار وأُدْخِلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود. قال: ثم تلا هذه الآية: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. قال: وهذا المقام المحمود الذي وُعِدَه نبيكم صلى الله عليه وسلم"، وهو ما يدل على أنه لا شفاعة لابن مريم فى ذلك الموقف، بل ستكون الشفاعة لسيدنا محمد عليه السلام وحده من دون الأنبياء والرسل. وهذه إحدى المكرمات التى اخْتُصَّ بها سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم، وإن كان هذا لا ينال من عيسى ولا غيره من المرسلين فى شىء، فتقديم أحد الأنبياء على سائر إخوانه لا يسىء إليهم فى قليل ولا كثير، فكلهم مكرَّمون معظَّمون بفضل الله، لكنه يدل على أن صاحب التقديم قد اخْتُصَّ بمزيد من التكريم والتعظيم. وهذا هو وضع المسألة دون طنطنات ولا سخافات فارغة من تلك التى يبرع فيها أحلاس الجهل والحقد والكفر، أخسأ الله كل جاهل حاقد كفور!
أما ما نقله الكذَّاب المدلِّس عن ابن كثير فقد عبث به كعادته ليبلغ غاية فى نفسه، إذ أخذ منه ما يريد وحَذَف ما لا يريد، لكن الله لم يتركه يهنأ بتلك الغاية، إذ ذهب العبد لله إلى ابن كثير فألفيتُه يقول فى تفسير قوله تعالى عن المسيح بن مريم عليه السلام: "وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ": "أَيْ لَهُ وَجَاهَة وَمَكَانَة عِنْد اللَّه فِي الدُّنْيَا بِمَا يُوحِيه اللَّه إِلَيْهِ مِنْ الشَّرِيعَة وَيُنْزِلهُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا مَنَحَهُ اللَّه بِهِ وَفِي الدَّار الآخِرَة يَشْفَع عِنْد اللَّه فِيمَنْ يَأْذَن لَهُ فِيهِ فَيَقْبَل مِنْهُ أُسْوَة بِإِخْوَانِهِ مِنْ أُولِي الْعَزْم صَلَوَات اللَّه وَسَلامه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ". ومعنى هذا، لو أخذنا بتفسير ابن كثير، أن عيسى لن تكون له هنا أية ميزة استثنائية، سواء بالنسبة لرسولنا محمد خصوصا أو بالنسبة للأنبياء كلهم عموما، فالشفاعة ستكون للجميع، وليس لعيسى وحده كما أراد هذا الأُبَيْلِيس أن يوهمنا كذبًا وزورًا. بَيْدَ أن الشفاعة العظمى إنما هى من نصيب سيد الأنبياء والمرسلين كما ورد فى الحديث الآنف الذكر. أما الشفاعة النصرانية التى تكلم عنها سفر "رؤيا يوحنا" (تلك الرؤيا التى حلم بها وهو يعانى من قرصات الجوع المؤلمة المربكة للعقل فجعلت هذا الخروف يتخيل ربه خروفا مثله) فهى شفاعةٌ خِرْفانيةٌ لا يليق بالآدميين المتحضرين المثقفين أن يناقشوها، فلنتركها للخروف زيكو عابد الخروفومن ادعاءاته الطفولية قوله إن عيسى قد أُصْعِد إلى السماء حيا، فماذا عن محمد؟ والجواب هو أن محمدا قد عُرِج به إلى السماوات العلا حتى بلغ سدرة المنتهى كما ذكر القرآن الذى تُحَاجِجُنا به. هذه واحدة، والثانية هى أن النص القرآنى ليس قاطع الدلالة فى موضوع صعود عيسى عليه السلام بالجسد ولا صعوده حيًّا، إذ تقول الآية الكريمة: "إذ قال الله: يا عيسى، إنى متوفيك ورافعك إلىَّ" (آل عمران/ 55). وليس فيها على سبيل القطع الذى لا تمكن المماراة فيه أنه
سبحانه قد أصعده إلى السماء حيًّا بجسده. إن من المسلمين من يفهم تلك الآية كما فهمها القُمّص، لكن هناك أيضا من المسلمين من يقولون بالوفاة العادية ورِفْعَة المكانة لا الجسد. وعلى أية حال هل هناك فرق كبير بين قوله سبحانه عن السيد المسيح وبين قوله عن إدريس عليهما السلام: "واذْكُرْ فى الكتاب إدريس، إنه كان صِدِّبقًا نبيًّا* ورفعناه مَكانًا عَلِيًّا" (مريم/ 56- 57)؟ ثم إن الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى ذكر كذلك أن إيليّا قد رفعه الله إليه أيضا بالمعنى المادى، أى أصعد جسده إلى السماء: "وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ. وَكَانَ أَلِيشَعُ يَرَى وَهُوَ يَصْرُخُ: «يَا أَبِي، يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا». وَلَمْ يَرَهُ بَعْدُ" (ملوك 2/ 2/ 11- 12). إننى، كما قلت من قبل، لا أبغى أبدا التقليل من شأن سيدنا عيسى عليه السلام، على الأقل لأننا نحن المسلمين نَعُدّ أنفسنا أتباعه الحقيقيين ونرى أن أولئك الذين يدّعون أنهم أتباعه قد كفروا به وضلّوا عن سواء السبيل وأشركوا بالله ما لم ينزِّل به سلطانا. كل ما هنالك أننا نحاول أن نقدم صورة منطقية ومستقيمة وصحيحة فى المقارنة بين النبيين العظيمين: محمد وعيسى عليهما السلام، صورة تُظْهِرهما فى أبعادهما الصحيحة على أساس أن عيسى هو من محمد بمثابة الأخ الأصغر: سنًّا وإنجازًا وأثرًا. وهذا كل ما هنالك. وفى النهاية نقول: فلنفترض أن عيسى قد أُصْعِد فعلا بجسده إلى السماء وأنه هو وحده الذى حدث له ذلك، فالسؤال حينئذ هو: وماذا بعد؟ وما الفائدة التى عادت على الدعوة من جراء هذا؟ لقد انحرف أتباعه أضلّ انحراف بسبب هذا الصعود وغيره وأشركوه مع الله، وهو البشر الضعيف العاجز الفانى! كذلك جاء فى كلام القُمّص الأرعن الأحمق أن عيسى عليه السلام سيأتى حَكَمًا مُقْسِطًا بدليل الحديث التالى الذى أورده البخارى: "لن تقوم الساعة حتى ينزل فيكم (أى بينكم) ابن مريم حكمًا مقسطًا (أى عادلا)"، والذى يفسر غبيُّنا لفظَ "المقسط" فيه بأنه اسم من أسماء الله الحسنى، بما يفيد أن عيسى هو الله أو على الأقل ابن الله، إذ ذكر أن "المعجم الوسيط" قد شرح "المقسط" بأنه اسم من أسماء الله الحسنى. ثم ختم كلامه قائلا: "وماذا عن
محمد؟". وهذا الكلام هو تخبيص فى تخبيص! إنه شغل عيال بكل معنى يمكن، أيها القارئ، أن يخطر فى بالك لكلمة "العيال"!
أتدرى لماذا؟ لأن هذا الحديث وأمثاله من الآثار التى تتحدث عن عودة المسيح عليه السلام إلى الدنيا إنما تؤكد ما يَسُوء وجهَ هذا المنافق ويكشف سوأته المنتنة، تلك السوأة التى لا تعرف النظافة لأن صاحبها واحد من الأقذار الذين يَسْخَرون من شعائر الطهارة الموجودة فى دين سيد الأنقياء محمد عليه الصلاة والسلام. ذلك أن تلك الأحاديث إنما تتحدث عن رجوع المسيح ليكسر الصلبان ويحطم أوعية الخمور ويقتل الخنزير ويدعو الناس بدعوة التوحيد التى أتى بها نبينا عليه السلام وضلّ عنها من يزعمون أنهم أتباع عيسى عليه السلام وينسخ التثليث الذى انحرف إليه القوم ويتبرأ منهم على رؤوس الأشهاد. لكن الماكر الخبيث، وإن كان خبثه مع هذا خبثًا عياليًّا، يقتطع من هذه الأحاديث جملة ينتزعها من سياقها ظانًّا أنه يمكن أن يُجْلِب بها على العقول ويمضى فى سبيله دون أن يعقب عليه أحد ويهتك ستر سوأته المنتنة ليراها الناس على حقيقتها من القبح والتدويد ويشموا نتنها فيلعنوها هى وصاحبها لعنة تصل إلى السماء السابعة وتستجاب فى الحال!
نقرأ مثلا فى "صحيح البخارى": "حدثنا إسحاق أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيَّب سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ليُوشِكَنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا عَدْلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها". ويقول صاحب "فتح البارى بشرح صحيح البخارى" فى تعليقه على هذا الحديث: "روى مسلم من حديث ابن عمر في مدة إقامة عيسى بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين. وروى نعيم بن حماد في "كتاب الفتن" من حديث ابن عباس أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض ويقيم بها تسع عشرة سنة، وبإسناد فيهم مبهم عن أبي هريرة: يقيم بها أربعين سنة. وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مثله مرفوعا. وفي هذا الحديث "ينزل عيسى عليه ثوبان ممصران فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، وتقع الأَمَنَة في الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل وتلعب الصبيان بالحيّات. وقال في آخره: ثم يُتَوَفَّى ويصلي عليه المسلمون". وروى أحمد ومسلم من طريق حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة: "لَيُهِلَّنّ ابنُ مريم بفجّ الروحاء بالحج والعمرة" الحديث. وفي رواية لأحمد من هذا الوجه: ينزل عيسى فيُقْتَل الخنزير ويُمْحَى الصليب وتُجْمَع له الصلاة ويُعْطَى المال حتى لا يُقْبَل ويضع الخراج، وينزل الروحاء فيحجّ منها أو يعتمر أو يجمعهما". ولكى يعرف القراء الكرام مدى الخبث الخائب الذى يلجأ إليه زيكو العبيط أسوق إليهم كاملا نص الحديث الذى اقتطع منه المحتال الدجال الذى يُفْعَل فيه ما يُفْعَل بالعيال ما اقتطع. جاء فى "صحيح البخارى": "حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لَيُوشِكَنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا مُقْسِطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد". ويشبهه ما جاء فى "مسند أحمد بن حنبل": "حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة يبلغ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم: يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا مُقْسِطًا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد"، وكذلك ما جاء فى "سنن الترمذى": حدثنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا مُقْسِطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد". ثم إن الأحاديث التى وردت فى هذا الموضوع تسمِّى كلُّها السيدَ المسيح: "ابن مريم"، أى أنه مولود لمريم، على حين أن القرآن الكريم ينفى نفيا قاطعا أن يكون الله قد وَلَدَ أو وُلِدَ، وهو ما يعنى أن الله لا يكون أبا أو ابنا، لكن البكّاش الهجّاس يتجاهل هذا كله ويريد أن نتخلى عن عقولنا وديننا وتوحيدنا ونجرى وراءه إلى العقائد الوثنية!
أما التحايل المتهافت الذى يتخابث به تافهنا من خلال الاستشهاد بــ"المعجم الوسيط" على أن "المقسط" هو اسم من أسماء الله الحسنى، فنفضحه بالإشارة إلى أن النبى الكريم قد وُصِف هو أيضا (وفى القرآن لا فى الحديث) بأنه رؤوف رحيم وكريم وحق وشهيد، وهى من أسماء الله الحسنى أيضا، كما وُصِف خُلُقه بأنه "عظيم"، وهو اسم آخر من تلك الأسماء الكريمة. كما أُمِر الرسول بأن يكون من المقسطين، و"المقسط" من أسماء الله الحسنى حسبما نقل التافه الغليظ العقل عن "المعجم الوسيط". قال تعالى: "لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم"، "إنه (أى القرآن) لَقَوْلُ رسولٍ كريمٍ" (الحاقة/ 40)، "وشهدوا أن الرسول حق" (آل عمران/ 86)، "لتكونوا شهداء على الناس ويكونَ الرسول عليكم شهيدا" (البقرة/ 143)، "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم" (القلم/ 4)، "وإن حَكَمْتَ فاحكم بينهم بالقِسْط، إن الله يحب الـمُقْسِطين" (المائدة/ 42). وبناءً على هذا المنطق العيالى فالرسول محمد هو إله أو ابن الإله! وسلم لى على المنطق !
إنه قلّما كان اسم من أسماء الله إلا أمكن استخدامه للبشر، إلا أنه بالنسبة إلى الله يكون مطلقا، أما فى حالة البشر فهو مقيَّد محدود. كذلك فقد قال الحديث إن "ابن مريم" (لاحظ: "ابن مريم" لا "ابن الله" ولا "الله" ذاته) سوف ينزل "حَكَمًا مٌقْسِطا"، بتنكير كلمة "حَكَم"، وكأنه فرد فى مجموعة من جنسه، مع أنه سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد، الذى ليس كمثله أحد. كما أن الله لا ينزل من رَحِم امرأة وفَرْجها ويخالط الناس ويمشى وسطهم ويأكل ويشرب ويتبول ويتبرز ويتقايأ وتصيبه الأمراض والمخاوف مثلهم حسبما تقول عقيدة القوم، ودعنا الآن من صلبه وقتله وطعنه بالرمح فى جنبه وكسر رجليه وشتمه وإهانته وصراخه من الألم والعذاب طالبا النجدة (النجدة ممن، إذا كان الله نفسه هو الذى يُضْرَب ويُقْتَل ويهان؟)، فضلا عن أن يُتَوَفَّى ويُصَلَّى عليه (يُصَلَّى"عليه" لا "له")، تعالى الله عن أن يُتَوَفَّى أو يُصَلِّىَ عليه أحد! وأخيرا فــ"المعجم الوسيط" (وغير الوسيط أيضا بطبيعة الحال) لا يعنى أن معنى "المقسط" ينحصر فى أنه اسم "من أسماء الله الحسنى" وحَسْب، بل يذكر ذلك على أنه معنى من المعانى التى تُسْتَخْدَم فيها الكلمة، وإلا فقد ورد هذا اللفظ فى القرآن عدة مرات منسوبا للبشر كما هو معروف، إذ قال عَزّ شأنه مثلا: "إن الله يحب المقسطين" (المائدة/ 42، والحجرات/ 9، والممتحنة/ 8)، إلا أن البكّاش النتّاش يسوق الكلام وكأنه لا معنى لهذا اللفظ غير ما قال؟؟؟ومما يظن الأحمق أنه يستطيع الشغب به على المسلمين قوله إن عيسى كان مبارَكا، أما محمد فلا. ولا أدرى من أين له بأن عيسى وحده هو الذى بورك دون الأنبياء جميعا. لقد ذكر القرآن، الذى يعتمد عليه أحمقنا فى محاولة التنقص من سيد الرسل والنبيين، أن البركة قد أُنْزِلَتْ على أشياء وأشخاص كثيرين، لا على عيسى وحده، كما أن البركة فى غير حالة عيسى عليه السلام قد تُذْكَر بلفظ آخر، أو يُذْكَر ما يزيد عليها فى الإكرام والمحبة. فبعض أجزاء الأرض قد باركها
الله: "وأورثْنا القومَ الذين كانوا يُسْتَضْعَفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركْنا فيها" (الأعراف/ 137)، والمسجد الأقصى بارك الله حوله: "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله" (الإسراء/ 1)، والموضع الذى رأى موسى فيه النار فى سيناء قد بارك الله حوله أيضا: "فلما جاءها نُودِىَ أنْ بُورِكَ مَنْ فى النار ومَنْ حولها" (النمل/ 8)، وإبراهيم وإسحاق قد بارك الله عليهما: "وباركنا عليه وعلى إسحاق" (الصافات/ 113)، وهناك نوح والأمم التى كانت مع نوح، وقد بارك الله عليه وعليهم حسبما جاء فى كلامه سبحانه له: "يا نوح، اهبط (أى من السفينة بعد انحسار الطوفان) بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك" (هود/ 48)، وهناك البيت الحرام، وقد باركه الله: "إن أول بيت وُضِع للناس لَلّذِى ببَكَّةَ مباركا وهدى للعالمين" (آل عمران/ 96)، وكذلك القرآن الكريم، وقد جعله الله مباركا أيضا: "وهذا ذِكْرٌ مباركٌ أنزلناه، أفأنتم له منكرون؟" (الأنبياء/ 50)، كما أن الليلة التى أُنْزِلَ فيها هذا الذكر هى أيضا ليلة مباركة: "إنا أنزلناه فى ليلة مباركة" (الدخان/ 3).
أما بالنسبة لنبينا، عليه وعلى كل الأنبياء الكرام أفضل الصلوات وأزكى التسليمات، فقد جاء فى القرآن أنه عز وجل يريد أن يُذْهِب الرِّجْس عن أهل بيته جميعا ويطهِّرهم تطهيرا: "إنما يريد الله لِيُذْهِب عنكم الرِّجْس أهل البيت ويطهِّركم تطهيرا" (الأحزاب/ 33) ، كما أثنى المولى عليه أعطر الثناء، وذلك فى قوله: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم" (القلم/ 4) ، وقوله: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء/ 107)، وقوله: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ" (التوبة/ 128)، وقوله: "رسولاً يتلو عليكم آياتِ الله مبيِّناتٍ ليُخْرِج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور" (الطلاق/ 11)، وقوله: "من يُطِعِ الرسولَ فقد أطاع الله" (النساء/ 80)، وقوله: "إن الله وملائكته يصلّون على النبى. يا أيها الذين آمنوا َصَلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما" (الأحزاب/ 56). والحق أن ما قاله سبحانه وتعالى فى تكريم حبيبه محمد فى هذه الآيات وغيرها لم ينزل مثله فى أى نبى آخر، وإن لم يكن مقصدنا هنا المقارنة بينه صلى الله عليه وسلم وبين إخوانه الكرام، اللهم إلا ردا على ذلك الأحمق الذى يريد أن يثيرها نعرة جاهلية رعناء. ولقد بلغ من عظمة نفسه عليه السلام ونبل أخلاقه أنْ نَهَى أتباعه عن تفضيله على أى من إخوانه الكرام كما يتبين من الأحاديث التالية: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: استبَّ رجلان: رجل من المسلمين ورجل من اليهود. قال المسلم: والذي اصطفى محمدا على العالمين. فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين. فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيِّروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبل أو كان ممن استثنى الله". وعن أبي هريرة أيضا قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم. قال: ولو لبثتُ في السجن ما لبث يوسف ثم جاءني الرسول أجبتُ. ثم قرأ: فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن". وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى".
ولم نكن لنحبّ أن ندخل فى هذا المضيق، إلا أن للضرورة أحكاما، إذ لم يكن متصوَّرا أن يهبّ الوثنيون فى هذا العصر فيتطاولوا على سيد الأنبياء جهارا نهارا، فكان لا مناص من إلجامهم بلجام الخَرَس حتى يعرفوا حدودهم ويلزموها فلا يُقِلّوا أدبهم عليه، أخزى الله كل وثنى حقير. وبالمناسبة فتكملة الآية الكريمة التى جاء فيها على لسان المسيح أن الله قد جعله مباركا هى "وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا" (مريم/ 31). أى أنه عبد له سبحانه وتعالى لا ربٌّ مثله ولا ابنٌ له كما يدَّعى القوم، ولذلك أمره الله بالصلاة والزكاة ما دام حيا، إذ الرب لا يُؤْمَر ولا يُنْهَى، بل الذى يُؤْمَر ويُنْهَى هو العبد. لكن القُمّص البكاش الذى سيحرقه الله فى نار جهنم التى خلقت له ولأمثاله ما لم يَتُبْ ويؤمن بمحمد كما فعل كثير من القساوسة والأساقفة والقمامصة والشمامسة الذين كانوا يحاربون الله ورسوله ثم كتب الله لهم الهداية فيُقِرّ بالحقيقة التى يعرفها لكنه، ككل بكاش مثله، يكتمها فى قلبه من أجل حظوظ الدنيا وما يجنيه من مال حرام سوف يكويه فى جوفه يوم القيامة ويُشْوَى به جنباه ووجهه وظهره، هذا القُمّص البكاش يتجاهل هذا ولا يستشهد به حتى لا تنكشف فضيح؟؟؟أما قول الغبى المحتال المختال زعيم العيال والأنغال إن عيسى عليه السلام يتميز عن سيد الأنبياء والمرسلين بأنه "قد خَلَتْ من قبله الرسل"، فهو ما لم أفهم مقصده منه، إذ إنه صلى الله عليه وسلم قد خلت الرسول من قبله هو أيضا. ألم يسبقه عيسى ويحيى وزكريا والْيَسَع وموسى وهارون وشُعَيْب وسليمان وداود ويعقوب وإسحاق وإسماعيل ولوط وإبراهيم وهود وصالح ونوح وغيرهم؟ اللهم إلا إذا كان المأفون لم يفهم معنى "خَلَتْ"، وهو ما أرجحه. بل ما من
نبى إلا خلت من قبله الرسل ما عدا أول نبى بطبيعة الحال. بَيْدَ أنى، رغم ذلك، لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يكون هذا ميزة لأحد من الأنبياء على أحد! أترى أول نبى كان يقل عمن جاءوا بعده لا لشىء إلا لأنه لم يَخْلُ قبله أحد من الرسل؟ أما إذا أصر المأفون على ما يهرف به بجهله الغليظ فإن محمدا عليه السلام يزيد على عيسى من هذه الناحية بدرجة، إذ إن عدد من خلا قبله من الرسل يزيد على من خلا قبل عيسى برسول هو عيسى نفسه. أليس كذلك؟ لا بل إن محمدا هو الذى يَفْضُل عيسى من هذه الناحية، فعيسى مَحُوطٌ بالمرسلين من قبل ومن بعد، أما الرسول الكريم فكان خاتم النبيين، وهو أمر لم يُكْتَب لأحد من إخوانه الكرام، فهو الختام الِمْسك الذى بلغت على يديه الكريمتين ظاهرة النبوة أسمق مستوياتها، ولم يعد هناك من جديد يمكن أن يضاف إليها، وبخاصة أن الكتاب الذى أتى به ما زال باقيا على حاله الأول غَضًّا نضرًا لم تمتد يد التضييع أو التزييف والعبث إليه على عكس الكتب السابقة عليه، وبالذات كتابا عيسى وموسى. أعتقد أن الأمر واضح، وأن مأفوننا لا عقل لديه ولا فهم، وأنه يردد كالمعاتيه كلاما لا يعنى شيئا!
لقد رأيت الرجل مرة فى المرناء عند أحد أقاربى الذين كانوا يسألوننى رأيى فى ذلك الكائن فطلبت منهم أن يُرُونى حلقة من حلقات برنامجه الذى يهاجم فيه الإسلام ورسوله العظيم، فوجدته ينتفش كالديك وهو يرد على ما كتبه المرحوم ديدات، وكأنه قد أُوتِىَ علم الأولين والآخرين جميعا، مع أنه (كما اتضح الآن، وكما سوف يزداد وضوحا مع كل سطر نكتبه هنا) من أجهل الجهلاء وأبلد البلداء وأغلظهم حِسًّا وأعماهم عقلاً وفهمًا! ووالله لقد حاك فى صدرى قبل أن أراه وأقرأ له أنه لابد أن يكون على شىء من الذكاء والمعرفة، فإذا بى آخذ مقلبا لم آخذه من قبل! خيَّبك الله يا زيكو خيبةً لم يَخِبْها أحد! أهذا كل ما عندك؟ لقد تيقنت الآن أنه ما فى الدنيا من قسيس واحد عليه الطلاوة فى العلم أو فى العقل! وهذا فى واقع الأمر طبيعى جدا، فإن من يؤمن بما يؤمن به هؤلاء البشر لا يمكن أن يكون ذا عقل سليم مستقيم!
إن ما قاله القرآن هنا ليجرى فى عكس الاتجاه الذى يلوى القُمّصُ الغبىُّ الآيةَ نحوه، فالقرآن يقول: "ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (المائدة/ 75)، ومعناه أن المسيح لا يمكن أن يكون إلها أو ابن إله، إنما هو واحد من الرسل الكثيرين الذين مَضَوْا من قبله، فكما كانوا بشرا فهو أيضا مثلهم بشر من البشر. وعلى أية حال فقد قيل الشىء نفسه عن محمد عليه الصلاة السلام، وبنفس التركيب، وهذا هو: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (آل عمران/ 144)، وكان ذلك حين ظُنّ فى معركة أُحُد أنه قد مات (صلى الله عليه وسلم، ومسح الأرض بكرامة من يتطاول عليه من كل كلب وثنى عابد للبشر عُتُلٍّ زنيم)، فقال الله لهم إن محمدا ليس إلا رسولا كسائر الرسل الذين سبقوه، وسيموت كما ماتوا، ولا معنى لانقلاب أحد على عقبيه بعد موته، لأن اللهَ صاحبَ الدين حىٌّ لا يموت، أما محمد فلم يكن إلا رسولا جاء ليبلغ العِبَاد دعوة الله؟؟عن سيد الأنبياء والمرسلين بأنه "قد خَلَتْ من قبله الرسل"، فهو ما لم أفهم مقصده منه، إذ إنه صلى الله عليه وسلم قد خلت الرسول من قبله هو أيضا. ألم يسبقه عيسى ويحيى وزكريا والْيَسَع وموسى وهارون وشُعَيْب وسليمان وداود ويعقوب وإسحاق وإسماعيل ولوط وإبراهيم وهود وصالح ونوح وغيرهم؟ اللهم إلا إذا كان المأفون لم يفهم معنى "خَلَتْ"، وهو ما أرجحه. بل ما من
نبى إلا خلت من قبله الرسل ما عدا أول نبى بطبيعة الحال. بَيْدَ أنى، رغم ذلك، لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يكون هذا ميزة لأحد من الأنبياء على أحد! أترى أول نبى كان يقل عمن جاءوا بعده لا لشىء إلا لأنه لم يَخْلُ قبله أحد من الرسل؟ أما إذا أصر المأفون على ما يهرف به بجهله الغليظ فإن محمدا عليه السلام يزيد على عيسى من هذه الناحية بدرجة، إذ إن عدد من خلا قبله من الرسل يزيد على من خلا قبل عيسى برسول هو عيسى نفسه. أليس كذلك؟ لا بل إن محمدا هو الذى يَفْضُل عيسى من هذه الناحية، فعيسى مَحُوطٌ بالمرسلين من قبل ومن بعد، أما الرسول الكريم فكان خاتم النبيين، وهو أمر لم يُكْتَب لأحد من إخوانه الكرام، فهو الختام الِمْسك الذى بلغت على يديه الكريمتين ظاهرة النبوة أسمق مستوياتها، ولم يعد هناك من جديد يمكن أن يضاف إليها، وبخاصة أن الكتاب الذى أتى به ما زال باقيا على حاله الأول غَضًّا نضرًا لم تمتد يد التضييع أو التزييف والعبث إليه على عكس الكتب السابقة عليه، وبالذات كتابا عيسى وموسى. أعتقد أن الأمر واضح، وأن مأفوننا لا عقل لديه ولا فهم، وأنه يردد كالمعاتيه كلاما لا يعنى شيئا!
لقد رأيت الرجل مرة فى المرناء عند أحد أقاربى الذين كانوا يسألوننى رأيى فى ذلك الكائن فطلبت منهم أن يُرُونى حلقة من حلقات برنامجه الذى يهاجم فيه الإسلام ورسوله العظيم، فوجدته ينتفش كالديك وهو يرد على ما كتبه المرحوم ديدات، وكأنه قد أُوتِىَ علم الأولين والآخرين جميعا، مع أنه (كما اتضح الآن، وكما سوف يزداد وضوحا مع كل سطر نكتبه هنا) من أجهل الجهلاء وأبلد البلداء وأغلظهم حِسًّا وأعماهم عقلاً وفهمًا! ووالله لقد حاك فى صدرى قبل أن أراه وأقرأ له أنه لابد أن يكون على شىء من الذكاء والمعرفة، فإذا بى آخذ مقلبا لم آخذه من قبل! خيَّبك الله يا زيكو خيبةً لم يَخِبْها أحد! أهذا كل ما عندك؟ لقد تيقنت الآن أنه ما فى الدنيا من قسيس واحد عليه الطلاوة فى العلم أو فى العقل! وهذا فى واقع الأمر طبيعى جدا، فإن من يؤمن بما يؤمن به هؤلاء البشر لا يمكن أن يكون ذا عقل سليم مستقيم!
إن ما قاله القرآن هنا ليجرى فى عكس الاتجاه الذى يلوى القُمّصُ الغبىُّ الآيةَ نحوه، فالقرآن يقول: "ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (المائدة/ 75)، ومعناه أن المسيح لا يمكن أن يكون إلها أو ابن إله، إنما هو واحد من الرسل الكثيرين الذين مَضَوْا من قبله، فكما كانوا بشرا فهو أيضا مثلهم بشر من البشر. وعلى أية حال فقد قيل الشىء نفسه عن محمد عليه الصلاة السلام، وبنفس التركيب، وهذا هو: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (آل عمران/ 144)، وكان ذلك حين ظُنّ فى معركة أُحُد أنه قد مات (صلى الله عليه وسلم، ومسح الأرض بكرامة من يتطاول عليه من كل كلب وثنى عابد للبشر عُتُلٍّ زنيم)، فقال الله لهم إن محمدا ليس إلا رسولا كسائر الرسل الذين سبقوه، وسيموت كما ماتوا، ولا معنى لانقلاب أحد على عقبيه بعد موته، لأن اللهَ صاحبَ الدين حىٌّ لا يموت، أما محمد فلم يكن إلا رسولا جاء ليبلغ العِبَاد دعوة العن سيد الأنبياء والمرسلين بأنه "قد خَلَتْ من قبله الرسل"، فهو ما لم أفهم مقصده منه، إذ إنه صلى الله عليه وسلم قد خلت الرسول من قبله هو أيضا. ألم يسبقه عيسى ويحيى وزكريا والْيَسَع وموسى وهارون وشُعَيْب وسليمان وداود ويعقوب وإسحاق وإسماعيل ولوط وإبراهيم وهود وصالح ونوح وغيرهم؟ اللهم إلا إذا كان المأفون لم يفهم معنى "خَلَتْ"، وهو ما أرجحه. بل ما من
نبى إلا خلت من قبله الرسل ما عدا أول نبى بطبيعة الحال. بَيْدَ أنى، رغم ذلك، لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يكون هذا ميزة لأحد من الأنبياء على أحد! أترى أول نبى كان يقل عمن جاءوا بعده لا لشىء إلا لأنه لم يَخْلُ قبله أحد من الرسل؟ أما إذا أصر المأفون على ما يهرف به بجهله الغليظ فإن محمدا عليه السلام يزيد على عيسى من هذه الناحية بدرجة، إذ إن عدد من خلا قبله من الرسل يزيد على من خلا قبل عيسى برسول هو عيسى نفسه. أليس كذلك؟ لا بل إن محمدا هو الذى يَفْضُل عيسى من هذه الناحية، فعيسى مَحُوطٌ بالمرسلين من قبل ومن بعد، أما الرسول الكريم فكان خاتم النبيين، وهو أمر لم يُكْتَب لأحد من إخوانه الكرام، فهو الختام الِمْسك الذى بلغت على يديه الكريمتين ظاهرة النبوة أسمق مستوياتها، ولم يعد هناك من جديد يمكن أن يضاف إليها، وبخاصة أن الكتاب الذى أتى به ما زال باقيا على حاله الأول غَضًّا نضرًا لم تمتد يد التضييع أو التزييف والعبث إليه على عكس الكتب السابقة عليه، وبالذات كتابا عيسى وموسى. أعتقد أن الأمر واضح، وأن مأفوننا لا عقل لديه ولا فهم، وأنه يردد كالمعاتيه كلاما لا يعنى شيئا!
لقد رأيت الرجل مرة فى المرناء عند أحد أقاربى الذين كانوا يسألوننى رأيى فى ذلك الكائن فطلبت منهم أن يُرُونى حلقة من حلقات برنامجه الذى يهاجم فيه الإسلام ورسوله العظيم، فوجدته ينتفش كالديك وهو يرد على ما كتبه المرحوم ديدات، وكأنه قد أُوتِىَ علم الأولين والآخرين جميعا، مع أنه (كما اتضح الآن، وكما سوف يزداد وضوحا مع كل سطر نكتبه هنا) من أجهل الجهلاء وأبلد البلداء وأغلظهم حِسًّا وأعماهم عقلاً وفهمًا! ووالله لقد حاك فى صدرى قبل أن أراه وأقرأ له أنه لابد أن يكون على شىء من الذكاء والمعرفة، فإذا بى آخذ مقلبا لم آخذه من قبل! خيَّبك الله يا زيكو خيبةً لم يَخِبْها أحد! أهذا كل ما عندك؟ لقد تيقنت الآن أنه ما فى الدنيا من قسيس واحد عليه الطلاوة فى العلم أو فى العقل! وهذا فى واقع الأمر طبيعى جدا، فإن من يؤمن بما يؤمن به هؤلاء البشر لا يمكن أن يكون ذا عقل سليم مستقيم!
إن ما قاله القرآن هنا ليجرى فى عكس الاتجاه الذى يلوى القُمّصُ الغبىُّ الآيةَ نحوه، فالقرآن يقول: "ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (المائدة/ 75)، ومعناه أن المسيح لا يمكن أن يكون إلها أو ابن إله، إنما هو واحد من الرسل الكثيرين الذين مَضَوْا من قبله، فكما كانوا بشرا فهو أيضا مثلهم بشر من البشر. وعلى أية حال فقد قيل الشىء نفسه عن محمد عليه الصلاة السلام، وبنفس التركيب، وهذا هو: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (آل عمران/ 144)، وكان ذلك حين ظُنّ فى معركة أُحُد أنه قد مات (صلى الله عليه وسلم، ومسح الأرض بكرامة من يتطاول عليه من كل كلب وثنى عابد للبشر عُتُلٍّ زنيم)، فقال الله لهم إن محمدا ليس إلا رسولا كسائر الرسل الذين سبقوه، وسيموت كما ماتوا، ولا معنى لانقلاب أحد على عقبيه بعد موته، لأن اللهَ صاحبَ الدين حىٌّ لا يموت، أما محمد فلم يكن إلا رسولا جاء ليبلغ العِبَاد دعوة الله؟؟عن سيد الأنبياء والمرسلين بأنه "قد خَلَتْ من قبله الرسل"، فهو ما لم أفهم مقصده منه، إذ إنه صلى الله عليه وسلم قد خلت الرسول من قبله هو أيضا. ألم يسبقه عيسى ويحيى وزكريا والْيَسَع وموسى وهارون وشُعَيْب وسليمان وداود ويعقوب وإسحاق وإسماعيل ولوط وإبراهيم وهود وصالح ونوح وغيرهم؟ اللهم إلا إذا كان المأفون لم يفهم معنى "خَلَتْ"، وهو ما أرجحه. بل ما من
نبى إلا خلت من قبله الرسل ما عدا أول نبى بطبيعة الحال. بَيْدَ أنى، رغم ذلك، لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يكون هذا ميزة لأحد من الأنبياء على أحد! أترى أول نبى كان يقل عمن جاءوا بعده لا لشىء إلا لأنه لم يَخْلُ قبله أحد من الرسل؟ أما إذا أصر المأفون على ما يهرف به بجهله الغليظ فإن محمدا عليه السلام يزيد على عيسى من هذه الناحية بدرجة، إذ إن عدد من خلا قبله من الرسل يزيد على من خلا قبل عيسى برسول هو عيسى نفسه. أليس كذلك؟ لا بل إن محمدا هو الذى يَفْضُل عيسى من هذه الناحية، فعيسى مَحُوطٌ بالمرسلين من قبل ومن بعد، أما الرسول الكريم فكان خاتم النبيين، وهو أمر لم يُكْتَب لأحد من إخوانه الكرام، فهو الختام الِمْسك الذى بلغت على يديه الكريمتين ظاهرة النبوة أسمق مستوياتها، ولم يعد هناك من جديد يمكن أن يضاف إليها، وبخاصة أن الكتاب الذى أتى به ما زال باقيا على حاله الأول غَضًّا نضرًا لم تمتد يد التضييع أو التزييف والعبث إليه على عكس الكتب السابقة عليه، وبالذات كتابا عيسى وموسى. أعتقد أن الأمر واضح، وأن مأفوننا لا عقل لديه ولا فهم، وأنه يردد كالمعاتيه كلاما لا يعنى شيئا!
لقد رأيت الرجل مرة فى المرناء عند أحد أقاربى الذين كانوا يسألوننى رأيى فى ذلك الكائن فطلبت منهم أن يُرُونى حلقة من حلقات برنامجه الذى يهاجم فيه الإسلام ورسوله العظيم، فوجدته ينتفش كالديك وهو يرد على ما كتبه المرحوم ديدات، وكأنه قد أُوتِىَ علم الأولين والآخرين جميعا، مع أنه (كما اتضح الآن، وكما سوف يزداد وضوحا مع كل سطر نكتبه هنا) من أجهل الجهلاء وأبلد البلداء وأغلظهم حِسًّا وأعماهم عقلاً وفهمًا! ووالله لقد حاك فى صدرى قبل أن أراه وأقرأ له أنه لابد أن يكون على شىء من الذكاء والمعرفة، فإذا بى آخذ مقلبا لم آخذه من قبل! خيَّبك الله يا زيكو خيبةً لم يَخِبْها أحد! أهذا كل ما عندك؟ لقد تيقنت الآن أنه ما فى الدنيا من قسيس واحد عليه الطلاوة فى العلم أو فى العقل! وهذا فى واقع الأمر طبيعى جدا، فإن من يؤمن بما يؤمن به هؤلاء البشر لا يمكن أن يكون ذا عقل سليم مستقيم!
إن ما قاله القرآن هنا ليجرى فى عكس الاتجاه الذى يلوى القُمّصُ الغبىُّ الآيةَ نحوه، فالقرآن يقول: "ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (المائدة/ 75)، ومعناه أن المسيح لا يمكن أن يكون إلها أو ابن إله، إنما هو واحد من الرسل الكثيرين الذين مَضَوْا من قبله، فكما كانوا بشرا فهو أيضا مثلهم بشر من البشر. وعلى أية حال فقد قيل الشىء نفسه عن محمد عليه الصلاة السلام، وبنفس التركيب، وهذا هو: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (آل عمران/ 144)، وكان ذلك حين ظُنّ فى معركة أُحُد أنه قد مات (صلى الله عليه وسلم، ومسح الأرض بكرامة من يتطاول عليه من كل كلب وثنى عابد للبشر عُتُلٍّ زنيم)، فقال الله لهم إن محمدا ليس إلا رسولا كسائر الرسل الذين سبقوه، وسيموت كما ماتوا، ولا معنى لانقلاب أحد على عقبيه بعد موته، لأن اللهَ صاحبَ الدين حىٌّ لا يموت، أما محمد فلم يكن إلا رسولا جاء ليبلغ العِبَاد دعوة الله
لماذا حرّم الإسلام أكل لحم الخنزير ؟
الرد على الشبهة:
1 ـ لم يكن الإسلام أول الأديان التى حرمت أكل لحم الخنزير. فالديانة اليهودية تحرِّم أكل لحم الخنزير. ولا يوجد حتى الآن يهودى فى أوروبا وأمريكا يأكل لحم الخنزير إلا فيما ندر. ولم يعب أحد على اليهود ذلك ، بل يحترم الغرب العادات الدينية لليهود. وعندما جاء السيد المسيح ـ عليه السلام ـ صرح ـ كما جاء فى الإنجيل ـ بأنه لم يأت لينقض الناموس بل ليكمله ، أى أنه لم يأت ليغير التشريعات اليهودية. ومن بينها بطبيعة الحال تحريم أكل لحم الخنزير. والأمر المنطقى بناء على ذلك أن يكون الخنزير محرمًا فى المسيحية أيضًا (1).
2 ـ عندما جاء الإسلام حرّم أيضًا أكل لحم الخنزير. وهذا التحريم امتداد لتحريمه فى الديانات السماوية السابقة. وقد نص القرآن الكريم عليه صراحة فى أربعة مواضع (2). وهناك من ناحية أخرى ـ بجانب هذا التحريم الدينى ـ أسباب ومبررات أخرى تؤكد هذا التحريم. ومن ذلك ما أثبته العلماء المسلمون من أن أكل لحم الخنزير ضار بالصحة ولا سيما فى المناطق الحارة. وفضلاً عن ذلك فإن الآيات القرآنية التى ورد فيها تحريم لحم الخنزير قد جمعت هذا التحريم مع تحريم أكل الميتة والدم. وضرر أكل الميتة والدم محقق لما يتجمع فيهما من ميكروبات ومواد ضارة ، مما يدل على أن الضرر ينسحب أيضًا على أكل لحم الخنزير.
وإذا كانت الوسائل الحديثة قد تغلبت على ما فى لحم الخنزير ودمه وأمعائه من ديدان شديدة الخطورة (الدودة الشريطية وبويضاتها المتكلسة) فمن الذى يضمن لنا بأنه ليست هناك آفات أخرى فى لحم الخنزير لم يكشف عنها بعد ؟ فقد احتاج الإنسان قرونًا طويلة ليكشف لنا عن آفة واحدة. والله الذى خلق الإنسان أدرى به ويعلم ما يضره وما ينفعه. ويؤكد لنا القرآن هذه الحقيقة فى قوله: (وفوق كل ذى علم عليم ) (3).
3 ـ يحسب الإسلام حساب الضرورات فيبيح فيها المحرمات. وفى ذلك قاعدة مشهورة تقول: " الضرورات تبيح المحظورات ". ومن هنا فإن المسلم إذا ألجأته الضرورة الملحة ـ التى يخشى منها على حياته ـ لتناول الأطعمة المحرمة ومنها الخنزير فلا حرج عليه. كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ) (4). ولكن هذه الإباحة لا يجوز أن تتعدى حدود تلك الضرورة وإلا كان المسلم آثماً.
(1) راجع: الحلال والحرام للدكتور القرضاوى ص42 ـ قطر 1978م.
(2) البقرة: 173 ، والمائدة: 3 ، والأنعام: 145 ، والنحل: 115
(3) يوسف: 76.
(4) البقرة: 173.
==============
الحدود فى الإسلام
الرد على الشبهة:
إن الدارس للإسلام وأحكامه يدرك حقائق أساسية لتشريع الحدود فى الإسلام نحاول أن نشير إلى بعضها بإيجاز:
أولاً: الحدود فى الإسلام إنما هى زواجر تمنع الإنسان المذنب أن يعود إلى هذه الجريمة مرة أخرى.
وهى كذلك تزجر غيره عن التفكير فى مثل هذه الفعلة وتمنع من يفكر من أن يقارف الذنب ، وهى أيضًا نكال " مانع " من الجريمة على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة.
ثانيًا: إن من المقرر لدى علماء الإسلام قاعدة " درء الحدود بالشبهات " أى جعل الظن والشك فى صالح المتهم.
ثالثًا: ليس المراد بالحدود التشفى والتشهى وإيقاع الناس فى الحرج وتعذيبهم بقطع أعضائهم أو قتلهم أو رجمهم.
إنما المراد هو أن تسود الفضيلة ، ومن هنا نجد الشرع الشريف ييسر فى هذه الحدود.
فإذا اشتدت الظروف فى حالات الجوع والخوف والحاجة تعطل الحدود ، كما فعل سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فى عام الرمادة.
ومن التيسير أيضًا أن الإسلام يأمر بالستر قبل الوصول إلى الحاكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ يشهد على الزنا [ لو سترته بثوبك كان خيرًا لك ] (1).
رابعًا: الشريعة الإسلامية شريعة عامة لكل زمان ومكان ، والناس مختلفون فى ضبط نفوسهم ، فلابد من وجود عقاب رادع يضبط أصحاب النفوس الضعيفة من الوقوع فى الجرائم والحدود والردة عن الإسلام حتى يسلم المجتمع من الفساد ظاهرًا وباطنًا.
خامسًا: الحدود إنما هى جزء من النظام الإسلامى العام ، فلابد من فهم النظام ككل حتى تفهم الحدود ولا يمكن تطبيق الحدود إلا مع تطبيق النظام الإسلامى ككل وإلا لا ينسجم الأمر ولا تستقيم حكمة الله من تشريعه.
سادسًا: الحدود دعوة صريحة للتخلق بالأخلاق الحسنة التى هى من مقاصد الدين وهى أيضًا طريق إلى التوبة إلى الله ، فالمذنب إذا عوقب بعقاب الشارع الذى هو منسجم مع تكوينه وواقع وفق علم الله تعالى به وبنفسيته فإن هذا يخاطب قلبه ومشاعره بوجوب الرجوع إلى ربه.
ويكفى ارتداع المسلم عن الجريمة ودخوله فى رحمة ربه معرفته بأن ربه هو الذى شرع له هذا الحكم ، فإن هذا وحده من شأنه أن يجعله يتوب وينجذب إلى ربه ويصير مؤمنًا بالله جل جلاله خاصة إذا علم أن هذا الحد يكفر عنه هذا الذنب.
سابعًا: الإسلام دين ، والحدود والتعاذير إنما هى فى كل دين بل وفى كل نظام قانونى ومن أراد على ذلك مثال فالتوراة مثلاً تأمر بحرق الزانية والزانى إذا كانت ابنة كاهن.
ذلك قولهم " وإذا تدنست ابنة كاهن بالزنا فقد دنست أباها ، بالنار تحرق [اللاويين 21: 9].
ومن النظم القانونية من يأمر بقتل الخارج على النظام إلى غير ذلك.
ثامنًا: الحدود عقوبات واعية تتناسب مع النفس البشرية والعقوبات البديلة خالية من هذه القيم.
(1) رواه أبو داود.
===================
هل صحيح أن الإسلام ضد حرية الاعتقاد ؟
الرد على الشبهة:
1 ـ لقد كفل الإسلام للإنسان حرية الاعتقاد. وجاء ذلك فى وضوح تام فى القرآن الكريم: (لا إكراه فى الدين ) (1). فلا يجوز إرغام أحد على ترك دينه واعتناق دين آخر. فحرية الإنسان فى اختيار دينه هى أساس الاعتقاد. ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيدًا لا يقبل التأويل فى قوله: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (2).
2 ـ وقد أقر النبى صلى الله عليه وسلم الحرية الدينية فى أول دستور للمدينة حينما اعترف لليهود بأنهم يشكلون مع المسلمين أمة واحدة.
ومن منطلق الحرية الدينية التى يضمنها الإسلام كان إعطاء الخليفة الثانى عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس الأمان " على حياتهم وكنائسهم وصلبانهم ، لا يضار أحد منهم ولا يرغم بسبب دينه ".
3 ـ لقد كفل الإسلام أيضًا حرية المناقشات الدينية على أساس موضوعى بعيد عن المهاترات أو السخرية من الآخرين. وفى ذلك يقول القرآن: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن ) (3). وعلى أساس من هذه المبادئ السمحة ينبغى أن يكون الحوار بين المسلمين وغير المسلمين ، وقد وجه القرآن هذه الدعوة إلى الحوار إلى أهل الكتاب فقال: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله * فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) (4). ومعنى هذا أن الحوار إذا لم يصل إلى نتيجة فلكل دينه الذى يقتنع به. وهذا ما عبرت عنه أيضًا الآية الأخيرة من سورة (الكافرون) التى ختمت بقوله تعالى للمشركين على لسان محمد صلى الله عليه وسلم: (لكم دينكم ولى دين ) (5).
4 ـ الاقتناع هو أساس الاعتقاد: فالعقيدة الحقيقية هى التى تقوم على الإقناع واليقين ، وليس على مجرد التقليد أو الإرغام. وكل فرد حر فى أن يعتقد ما يشاء وأن يتبنى لنفسه من الأفكار ما يريد ، حتى ولو كان ما يعتقده أفكارًا إلحادية. فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه ولا يؤذى بها أحدًا من الناس. أما إذا حاول نشر هذه الأفكار التى تتناقض مع معتقدات الناس ، وتتعارض مع قيمهم التى يدينون لها بالولاء ، فإنه بذلك يكون قد اعتدى على النظام العام للدولة بإثارة الفتنة والشكوك فى نفوس الناس. وأى إنسان يعتدى على النظام العام للدولة فى أى أمة من الأمم يتعرض للعقاب ، وقد يصل الأمر فى ذلك إلى حد تهمة الخيانة العظمى التى تعاقب عليها معظم الدول بالقتل. فقتل المرتد فى الشريعة الإسلامية ليس لأنه ارتد فقط ولكن لإثارته الفتنة والبلبلة وتعكير النظام العام فى الدولة الإسلامية. أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس ويثير الشكوك فى نفوسهم فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء ، فالله وحده هو المطلع على ماتخفى الصدور.
وقد ذهب بعض العلماء المحدثين إلى أن عقاب المرتد ليس فى الدنيا وإنما فى الآخرة ، وأن ما حدث من قتل للمرتدين فى الإسلام بناء على بعض الأحاديث النبوية فإنه لم يكن بسبب الارتداد وحده ، وإنما بسبب محاربة هؤلاء المرتدين للإسلام والمسلمين (6).
------------------
(1) البقرة: 256.
(2) الكهف: 29.
(3) النحل: 125.
(4) آل عمران: 64.
(5) الكافرون: 6.
(6) راجع: الحرية الدينية فى الإسلام للشيخ عبد المتعال الصعيدى ص 3،72، 73، 88 ـ دار الفكر العربى ـ الطبعة الثانية (دون تاريخ
==================
ما موقف الإسلام من الديمقراطية وحقوق الإنسان ؟
الرد على الشبهة:
1 ـ يُعد الإسلام أول من نادى بحقوق الإنسان وشدد على ضرورة حمايتها. وكل دارس للشريعة الإسلامية يعلم أن لها مقاصد تتمثل فى حماية حياة الإنسان ودينه وعقله وماله وأسرته. والتاريخ الإسلامى سجل للخليفة الثانى عمر بن الخطاب مواجهته الحاسمة لانتهاك حقوق الإنسان وقوله فى ذلك: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا " ؟.
2 ـ تنبنى حقوق الإنسان فى الإسلام على مبدأين أساسيين هما: مبدأ المساواة بين كل بنى الإنسان ، ومبدأ الحرية لكل البشر. ويؤسس الإسلام مبدأ المساواة على قاعدتين راسختين هما: وحدة الأصل البشرى ، وشمول الكرامة الإنسانية لكل البشر. أما وحدة الأصل البشرى فإن الإسلام يعبر عنها بأن الله قد خلق الناس جميعًا من نفس واحدة. فالجميع إخوة فى أسرة إنسانية كبيرة لا مجال فيها لامتيازات طبقية. والاختلافات بين البشر لا تمس جوهر الإنسان الذى هو واحد لدى كل البشر. ومن هنا فهذه الاختلافات ينبغى ـ كما يشير القرآن الكريم ـ أن تكون دافعًا إلى التعارف والتآلف والتعاون بين الناس وليس منطلقًا للنزاع والشقاق: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا * إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (1).
أما القاعدة الأخرى للمساواة فهى شمول الكرامة الإنسانية لكل البشر. وقد نص القرآن على ذلك فى قوله: (ولقد كرمنا بنى آدم ) (2). فالإنسان بهذا التكريم جعله الله خليفة فى الأرض ، وأسجد له ملائكته ، وجعله سيدًا فى هذا الكون ، وسخر له ما فى السموات وما فى الأرض. فالإنسان بذلك له مكانته ومكانه المفضل بين الخلق جميعًا. وقد منح الله هذه الكرامة لكل الناس بلا استثناء لتكون سياجًا من الحصانة والحماية لكل فرد من أفراد الإنسان ، لا فرق بين غنى وفقير وحاكم ومحكوم. فالجميع أمام الله وأمام القانون وفى الحقوق العامة سواء.
أما المبدأ الثانى الذى ترتكز عليه حقوق الإنسان فهو مبدأ الحرية. فقد جعل الله الإنسان كائنًا مكلفًا ومسئولاً عن عمارة الأرض وبناء الحضارة الإنسانية. وليست هناك مسئولية دون حرية ، حتى فى قضية الإيمان والكفر التى جعلها الله مرتبطة بمشيئة الإنسان (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (3). وهكذا تشمل الحرية كل الحريات الإنسانية دينية كانت أم سياسية أم فكرية أم مدنية.
3 ـ الحكم فى تعاليم الإسلام لابد أن يقوم على أساس من العدل والشورى. وقد أمر الله الناس فى القرآن بالعدل وألزمهم بتطبيقه (إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) (4). (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) (5). والآيات فى ذلك كثيرة. أما الشورى فهى مبدأ أساسى ملزم. وكان النبى (يستشير أصحابه ويأخذ برأى الأغلبية وإن كان مخالفًا لرأيه. وأظهر مثل على ذلك خروج المسلمين إلى غزوة أُحد. فقد كان الرسول يرى عدم الخروج ، ولكن الأكثرية كانت ترى الخروج. فنزل على رأيهم وخرج ، وكانت الهزيمة للمسلمين. ومع ذلك شدد القرآن على ضرورة الشورى فقال مخاطبًا النبى: (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر ) (6). ولا يلتفت فى هذا الصدد إلى رأى قلة من الفقهاء الذين يزعمون أن الشورى غير ملزمة. فهذا الزعم مخالف للنصوص الدينية الصريحة.
وقد ترك الإسلام للمسلمين حرية اختيار الشكل الذى تكون عليه الشورى طبقًا للمصلحة العامة. فإذا كانت المصلحة تقتضى أن تكون الشورى بالشكل المعروف الآن فى الدول الحديثة فالإسلام لا يعترض على ذلك. وكل ما فى الأمر هو التطبيق السليم مع المرونة طبقًا لظروف كل عصر وما يستجد من تطورات محلية أو دولية.
ومن ذلك يتضح مدى حرص الإسلام على حقوق الإنسان وصيانتها ، وحرصه على التطبيق السليم لمبدأ الشورى أو الديمقراطية بالمفهوم الحديث.
4 ـ الإسلام أتاح الفرصة لتعددية الآراء ، وأباح الاجتهاد حتى فى القضايا الدينية طالما توافرت فى المجتهد شروط الاجتهاد. وجعل للمجتهد الذى يجتهد ويخطئ أجرًا وللذى يجتهد ويصيب أجران. والدارس لمذاهب الفقه الإسلامى المعروفة يجد بينها خلافًا فى وجهات النظر فى العديد من القضايا. ولم يقل أحد: إن ذلك غير مسموح به. ومن هنا نجد أن الإسلام يتيح الفرصة أمام الرأى الآخر ليعبر عن وجهة نظره دون حرج مادام الجميع يهدفون إلى ما فيه خير المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره.
-----------------------
(1) الحجرات: 13.
(2) الإسراء: 70.
(3) الكهف: 29.
(4) النحل: 90.
(5) النساء: 58.
(6) آل عمران: 159
==================
ما أسباب تفرق المسلمين رغم دعوة الإسلام للوحدة ؟
الرد على الشبهة:
1 ـ لا ينكر أحد أن الشعوب الإسلامية فى عصرنا الحاضر متفرقة ومتنازعة فيما بينها ، فهذا واقع ملموس لا يحتاج إلى برهان. ولكن هذا يُعد مرحلة فى تاريخ المسلمين شأنهم فى ذلك شأن بقية الشعوب والأمم الأخرى. ولا يعنى ذلك أنهم سيظلون كذلك إلى الأبد. وكما استطاعت الشعوب الأوروبية أن تتغلب على عوامل الفرقة والتنازع فيما بينها والتى أدت إلى حربين عالميتين شهدهما القرن العشرون ـ فإن الشعوب الإسلامية سوف تستطيع فى مستقبل الأيام أن تتغلب أيضًا على عوامل الفرقة فيما بينها ، والبحث عن صيغة ملائمة للتعاون المثمر من أجل مصلحة المجتمعات الإسلامية كلها.
وهناك محاولات مستمرة فى هذا الصدد وإن كانت بطيئة وذات تأثير محدود ومتواضع مثل منظمة المؤتمر الإسلامى التى تضم كل الدول الإسلامية ، إلا أنه يمكن تطوير العمل فى هذه المنظمة وغيرها من منظمات إسلامية أخرى للوصول بها إلى مرحلة متقدمة من التعاون الأوثق. وللأمة الإسلامية فى تعاليم الإسلام فى الوحدة والتعاون والتآلف والتكافل أعظم سند يضمن لها نجاح هذه المحاولات فى مستقبل الأيام.
2 ـ فالإسلام فى مصادره الأصلية يدعو إلى الوحدة والتضامن ويحذر من الفرقة والتنازع (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ) (1) ، ويدعو إلى الشعور بآلام الآخرين والمشاركة فى تخفيفها ، ويجعل الأمة كلها مثل الجسد الواحد ـ كما يقول النبى صلى الله عليه وسلم ـ [ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ] (2). ويعتبر الإسلام رابطة العقيدة بمنزلة رابطة الأخوة: (إنما المؤمنون إخوة ) (3). وحينما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار ، فأصبحوا إخوة متحابين متضامنين فى البأساء والضراء. وآيات القرآن وأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك أكثر من أن تحصى.
3 ـ هناك أسباب خارجية كثيرة أدت إلى الانقسام والفرقة بين المسلمين فى العصر الحديث. وترجع هذه الأسباب فى قدر كبير منها إلى الفترة التى هيمن فيها الاستعمار على بلاد العالم الإسلامى. وعندما رحل ترك مشكلات عديدة كان هو سببًا فيها مثل مشكلات الحدود ، وكانت القاعدة التى على أساسها خطط لسياساته هى مبدأ: " فَرِّق تَسُد ". ومن هنا عمل على إحياء العصبيات العرقية بين شعوب البلاد المستعمَرة. وقام بنهب خيرات هذه البلاد ، وأدى ذلك إلى إفقارها وتخلفها الحضارى الذى لا تزال آثاره باقية حتى اليوم. ولا تزال معظم شعوب العالم الإسلامى تعانى من المشكلات التى خلفها الاستعمار.
4 ـ انشغل المسلمون بالمشكلات الكثيرة التى خلفها الاستعمار وغفلوا عن تعاليم الإسلام فى الوحدة والتضامن.
ولكن الشعوب الإسلامية لا تزال تحن إلى وحدة جهودها ، وتضامنها فيما بينها ، وتجميع قواها فى سبيل الخير لهذه الشعوب جميعها. ولا يزال المسلم فى أى بلد إسلامى يشعر بآلام المسلمين فىمناطق العالم المختلفة بوصفه جزءاً من الأمة الإسلامية. وهذا من شأنه أن يعمل على توفير أساس راسخ لمحاولات إعادة التضامن والوحدة بين أقطار العالم الإسلامى ، بمعنى توحيد الجهود والتكامل فيما بينها فى ميادين الثقافة والاقتصاد والسياسة والأمن ، وتبادل الخبرات والمنافع ، وكل ما يعود على المسلمين بالخير ، مما يجعلهم أقدر على القيام بدور فعّال فى ترسيخ قواعد السلام والأمن فى العالم كله.
----------------------
(1) آل عمران: 103.
(2) رواه الإمام مسلم وغيره (راجع: فيض القدير ج5 ص 514 وما بعدها).
(3) الحجرات: 10.
====================
الجنة في الإسلام هي للزواج وشرب الخمر فقط !!
إن ما يردده أعداء الإسلام عن العقيدة الإسلامية حيال موضوع الجنة وأنه نعيم بالخمر والنساء والغناء فيه قصور كبير عن الاعتقاد الصحيح حيال ذلك ، فإن نعيم الجنة ليس نعيما حسيّاً جسدياً فقط بل هو كذلك نعيم قلبي بالطمأنينة والرضى به سبحانه وتعالى وبجواره ، بل إن أعظم نعيم في الجنة على الإطلاق هو رؤية الربّ سبحانه وتعالى ، فإن أهل الجنة إذا رأوا وجهه الكريم نسوا كلّ ما كانوا فيه من ألوان النعيم ، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة يونس : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )) فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم ، ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة القيامة : (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) وفي الحديث الصحيح : (( فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزوجل )) مسلم برقم : 181
وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين ولا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ، يقول الله سبحانه وتعالى : (( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً )) الواقعة : 26
وما ذكروه من أن دخول الجنة يتحقق بترك محرمات معينة ليفوز الإنسان بها في الآخرة هو أيضا خطأ كبير بهذا الإطلاق إذ أن الإسلام دين يأمر بالعمل لا بالترك فقط فلا تتحقق النجاة إلا بفعل المأمورات وليس بترك المنهيات فقط فهو قيام بالواجبات وانتهاء عن المحرمات ، وكذلك فإنه ليس كل نعيم الجنة مما كان محرما في الدنيا على سبيل المكافأة بل كم في الجنة من النعيم الذي كان مباحا في الدنيا فالزواج مباح هنا وهو نعيم هناك والفواكه الطيبة من الرمان والتين وغيرها مباح هنا وهو من النعيم هناك والأشربة من اللبن والعسل مباح هنا وهو نعيم هناك وهكذا ، بل إن المفسدة التي تشتمل عليها المحرمات في الدنيا تنتزع منها في الآخرة إذا كانت من نعيم الجنة كالخمر مثلاً قال الله سبحانه وتعالى عن خمر الجنة : (( لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ )) فلا تُذهب العقل ولا تسبّب صداعاً ولا مغصاً ، فطبيعتها مختلفة عما هي عليه في الدنيا ، ( انظر تفسير الآية ) والمقصود أن نعيم الجنة ليس مقصورا على إباحة المحرمات الدنيوية . وكذلك مما يجدر التنبيه عليه أن هناك من المحرمات التي لا يجازى على تركها في الدنيا بإعطاء نظيرها في الآخرة سواء من ذلك المطعومات أو المشروبات أو الأفعال والأقوال فالسم مثلاً لا يكون نعيما في الآخرة مع حرمته في الدنيا وكذا اللواط ونكاح المحارم وغير ذلك لا تباح في الآخرة مع حظرها في الدنيا ، وهذا واضح بحمد الله .
وأعلم أن كل ما في الجنة من سررها وفرشها وأكوابها _ مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد ، وإنما دلنا الله بما أراناه من هذا الحاضر على ما عنده من الغائب ولذلك ليس في الدنيا شيىء مما في الجنة إلا الاسماء .
قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه : واليهود والنصارى والصابئون من المتفلسفة وغيرهم فإنهم ينكرون أن يكون في الجنة أكل وشرب ولباس وزواج ويمنعون وجود ما أخبر به القرآن .
والرد عليهم هو أن ما ورد في القرآن الكريم من وصف ملذات الجنة أن حقيقتها ليست مماثلة لما في الدنيا ، بل بينها تباين عظيم من التشابه في الأسماء ، فنحن نعلمها إذا خوطبنا بتلك الأسماء من جهة القدر المشترك بينهما ولكن لتلك الحقائق خاصية لا ندركها في الدنيا ، ولا سبيل إلي إدراكنا لها لعدم إدراك عينها أو نظيرها من كل وجه ، وتلك الحقائق على ما هي عليه ( رسالة الإكليل من مجموعة الرسائل الكبرى _ لابن تيمة 2 : 11 )
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ، ولا يتغوطون ، ولا يتمخطون ، ولا يبولون ، ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك ، يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس )) [ مسلم برقم 2835 ]
ان طعام وشراب أهل الجنة ليس لحاجة البقاء وإنما كنوع من المتعة واللذة ، مكافأةً لمن دخلها من الصالحين . والحقيقة ان إنسان الجنة كامل الخلق والتكوين ، ولكن تركيبته الكيميائية والفيزيائية مختلفة فليس له حاجة بتاتاً للجهاز الهضمي بما فيه من اجهزة لمعالجة الطعام والشراب ثم التخلص من الفضلات . .
وفي معنى قوله سبحانه وتعالى : (( ولهم فيها أزواج مطهرة )) البقرة : 21
أي لا يَبُلْنَ وَلا يَتَغَوَّطْنَ وَلا يَلِدْنَ وَلا يَحِضْنَ وَلايُمْنِينَ وَلا يَبْصُقْنَ . تفسير القرطبي
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية :
وَقَوْله تَعَالَى : (( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة )) قَالَ اِبْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس مُطَهَّرَة مِنْ الْقَذَر وَالْأَذَى. وَقَالَ مُجَاهِد مِنْ الْحَيْض وَالْغَائِط وَالْبَوْل وَالنُّخَام وَالْبُزَاق وَالْمَنِيّ وَالْوَلَد وَقَالَ قَتَادَة مَطْهَرَة مِنْ الْأَذَى وَالْمَأْثَم . وَفِي رِوَايَة عَنْهُ لا حَيْض ولا كَلَف.
ولقد جاء في الحديث الذي رواه ابو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى : (( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فأقرأوا إن شئتم : فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين )) [ البخاري برقم 3244 ] [ مسلم برقم 2824 ] والآية من سورة السجدة : 17
وإليكم الآن هذه النصوص القاطعة من كتاب النصارى التي تدل على حسية الجنة لديهم :
أولا : ماورد على لسان المسيح عليه السلام بشرب الخمر في ملكوت الله أي الجنة :
مرقس [ 14 : 25 ] : (( الحق اقول لكم اني لا اشرب بعد من نتاج الكرمة الى ذلك اليوم حينما اشربه جديدا في ملكوت الله. ))
فالمسيح وعد تلاميذه بأنه سيشرب الخمر معهم في ملكوت الله الجديد وهذا الملكوت الجديد حسب ما يعتقده المسيحيين سيتحقق بعد أن يدين الله العالم ويحاسبهم في يوم القيامة
وهذا النص كافي لبيان حسية الجنة واقامة الحجة على النصارى . . .
ثانياً : ما ورد في الانجيل على اشتمال الجنة على الأكل :
جاء في إنجيل لوقا [ 22 : 30 ] قول المسيح لتلاميذه : (( وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتاً ، لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي ، ونجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر ))
قال المسيح في إنجيل لوقا [ 14 : 12 ] : (( عِنْدَمَا تُقِيمُ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، فَلاَ تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلاَ إِخْوَتَكَ وَلاَ أَقْرِبَاءَكَ وَلاَ جِيرَانَكَ الأَغْنِيَاءَ، لِئَلاَّ يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضاً بِالْمُقَابِلِ، فَتَكُونَ قَدْ كُوفِئْتَ. 13وَلكِنْ، عِنْدَمَا تُقِيمُ وَلِيمَةً ادْعُ الْفُقَرَاءَ وَالْمُعَاقِينَ وَالْعُرْجَ وَالْعُمْيَ؛ 14فَتَكُونَ مُبَارَكاً لأَنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَمْلِكُونَ مَا يُكَافِئُونَكَ بِهِ، فَإِنَّكَ تُكَافَأُ فِي قِيَامَةِ الأَبْرَارِ؛ .15فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا أَحَدُ الْمُتَّكِئِينَ، قَالَ لَهُ: طُوبَى لِمَنْ سَيَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ! ))
وهذه النصوص كلها على خلاف معتقد النصارى . . .
ثالثاً : ما جاء على لسان المسيح من وجود النعيم الحسي في الجنة عن طريق ضربه لمثل الإنسان الفقير :
قال المسيح عليه السلام : (( كَانَ هُنَالِكَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ، يَلْبَسُ الأُرْجُوَانَ وَنَاعِمَ الثِّيَابِ، وَيُقِيمُ الْوَلاَئِمَ الْمُتْرَفَةَ، مُتَنَعِّماً كُلَّ يَوْمٍ. 20وَكَانَ إِنْسَانٌ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، مَطْرُوحاً عِنْدَ بَابِهِ وَهُوَ مُصَابٌ بِالْقُرُوحِ، 21يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ الْمُتَسَاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ. حَتَّى الْكِلاَبُ كَانَتْ تَأْتِاي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ.22وَمَاتَ الْمِسْكِينُ، وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. ثُمَّ مَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضاً وَدُفِنَ. 23وَإِذْ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَهُوَ فِي الْهَاوِيَةِ يَتَعَذَّبُ، رَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ. 24فَنَادَى قَائِلاً: يَاأَبِاي إِبْرَاهِيمَ! ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَغْمِسَ طَرَفَ إِصْبَعِهِ فِي الْمَاءِ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي: فَإِنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اللَّهِيبِ. 25وَلكِنَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: يَابُنَيَّ، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْرَاتِكَ كَامِلَةً فِي أَثْنَاءِ حَيَاتِكَ، وَلِعَازَرُ نَالَ الْبَلاَيَا. وَلكِنَّهُ الآنَ يَتَعَزَّى هُنَا، وَأَنْتَ هُنَاكَ تَتَعَذَّبُ. 26وَفَضْلاً عَنْ هَذَا كُلِّهِ، فَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةً عَظِيمَةً قَدْ أُثْبِتَتْ، حتى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ هُنَا لاَ يَقْدِرُونَ، وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَسْتَطِيعُونَ الْعُبُورَ إِلَيْنَا )) [ انجيل لوقا 16 : 19 ] ترجمة كتاب الحياة
ان هذا الكلام من المسيح حجة على النصارى ، فقد قال المسيح : (( ان إليعازر هذا في كفالة ابراهيم يتنعم ويتلذذ في الآخرة )) . كما قال : (( ان ذلك الغني كان كل يوم يتنعم ويتلذذ في دنياه )) . والذي يبتدر إلى الافهام منه التنعم بالطيبات المألوفة المعروفة ، وقد جاء ذلك في الانجيل كثيراً ولكن النصارى محجوبون بالتقليد عن النظر في أقوال الأنبياء ...
رابعاً : رؤية الله في الآخرة بالجسد :
جاء في سفر أيوب : (( أعلم أن إلهى حي ، وأنى سأقوم فى اليوم الأخير بجسدى وسأرى بعينى الله مخلّصى )) [أى 19: 25ـ27] وفى ترجمة البروتستانت: " وبدون جسدى ".
خامساً : الإتكاء والإلتقاء مع الأنبياء :
ورد في إنجيل متى [ 8 : 11 ] قول المسيح : (( وأقول لكم ان كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات.))
فهل بعد كل هذا سيستمر النصارى بدعوه أن جنتهم جنة روحيه فقط ??
===================
سؤال : كيف عالج الإسلام خطيئة آدم عليه السلام ؟
الجواب :
الحمد لله ،
لقد عالج الإسلام الخطيئة دون صلب أو قتل ، ودون التجرء على الخالق سبحانه وتعالى بالقول بأنه تجسد ليذوق العذاب والآلآم وهو معلق على الصليب . نعم أخي السائل هذا ما تقوله الكنيسة ، فلو أنك سألت اتباع الكنيسة قائلاً: ان لم يكن اللاهوت قد مات على الصليب وان من مات هو الناسوت فماذا كان دور اللاهوت وهو معلق على الصليب؟ فسيكون الجواب بأن اللاهوت تعلق على الصليب ليذوق العذاب والآلآم ، وان ماذاقه الله من ألم وعذاب على الصليب هو كفارة لنا ( تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً )
يقول البروتستانت لقد حكم الله على الخطيئة ( في أي صورة من صورها ) بأنها تستحق الموت والسبب في ذلك هو قداسة الله المطلقة غير المحدودة ، حتى أن أية خطية لا يمكن أن تظهر في محضره . لأن مقتضيات قداسته وجلاله ومقامه الإلهي واعتباره السامي تتطلب القضاء الفوري الحتمي على كل خطية . ونحن نقول : إذا كان الأمر كذلك عندكم فكيف آمنتم بتجسده وتعليقه على الصليب وتحمله العذاب والآلآم على ذاك الصليب الذي لا يعلق عليه الا الملاعين كما يقول الكتاب في سفر التثنية . فأي خطايا أعظم من هذه في حق مقام الاله السامي وقداسته وجلاله ؟! أم ان قداسته المطلقة تتطلب ان يعالج الخطأ بخطأ آخر في حقه ؟!
لقد كان الإسلام واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار فيما حدث لآدم عليه السلام فلقد أغوى الشيطان آدم قبل ان ينعم الله عليه بالنبوة فأكل وزوجته من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها . قال تعالى : (( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظالمين فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )) نعم لقد عصى آدم عليه السلام قبل ان يكون نبياً ربه ولكن ثم ماذا ؟ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى : (( ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى )) طه / 122
هكذا عالج الله عز وجل الخطيئة ، ندم آدم ، فتاب، فغفر الله له ذلك الذنب، وانتهت هذه الخطيئة بالتوبة.
جميع الأنبياء لم يذكروا توارث الخطيئة:
إن جميع الأنبياء السابقين ، ليس فيهم من ذكر خطيئة آدم وتوارثها ، ولم يسأل أي نبي الله سبحانه وتعالى أن يغفر له هذه الخطيئة التي ورثها عن آدم ، فلماذا تفرد بها بولس الطرطوسي ؟!
الجواب : لأنها ليست عقيدة من الله ، وإنما جاءت من عقائد وثنية " فكل ما قيل وسمع عن المسيح والخطيئة والصلب والخلاص والفدية ، كلما قيل موجود في الديانات الهندية القديمة ، قاله الهنود عن " فشنو" و" براهما" و"كرشنا". وقاله البوذيون عن "بوذا " ، وقاله المصريون ، والفرس ، واليونان عن آلهتهم القديمة أيضاً، يعتقد الهنود أن " كرشنا" المولود الذي هو نفس الإله " فشنو" الذي لا ابتداء له ولا انتهاء تحرك حنوّاً كي يخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه.وهذا نص دعاء هندي يتوسلون به :"إني مذنب ومرتكب الخطيئة وطبيعتي شريرة، وحملتني أمي بالإثم، فخلصني ياذا العين الحندوقية، يا مخلص المخطئين من الأثام والذنوب"
فالوثنيات القديمة هي أصل هذا الاعتقاد عند النصارى ، ولذلك نجد أن تحول كثير من أصحاب الديانات الوثنية إلى المسيحية ، كان سهلاً بسبب التشابه الكبير بين أصول تلك العقائد مع العقائد المسيحية.
أما العقائد الإسلامية فلم تجاري العقائد النصرانية الباطلة، بل حدد القرآن المواقف تحديداً واضحاً حيث نفى القول بالصلب نفياً قاطعاً ، فقال عنه : (( وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا أتباع الظن وما قتلوه يقيناً * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيما ))
ولو أن القرآن كان من عند غير الله ، لكان الأولى به والأيسر لرواج دعوته أن يقول بصلب المسيح ، باعتبار ان هذه الإشاعة التي روجها كتبة الاناجيل بعد رفع المسيح بزمن وانتشرت بين الناس. ففي تلك الحال فإنه يستميل النصارى إليه ويقلل من المشاكل والعقبات التي تعترض قبولهم الإسلام إلا ان شيئا من ذلك لم يحدث . فالقرآن : (( يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ )) الانعام / 57
====================
السؤال : التثليث عند النصارى هل له وجود في الإسلام ؟
في النصرانية يستخدمون كلمة " التثليث " على أنها الركن الأساس لذلك الدين ، فهل ورد ذكر لذلك الاعتقاد في القرآن ؟ وإذا كان ذلك اعتقاداً صحيحاً ، أفلا يندرج ذلك تحت مقدمات الشرك ؟.
الجواب :
الحمد لله نعم ورد ذكر لهذا الاعتقاد في القرآن الكريم ، ولكنه ورد ببطلانه والمناداة على صاحبه بالكفر والشرك ، قال الله تعالى : (( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )) المائدة / 17 ، وقال تعالى : (( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) المائدة / 73 ، وقال تعالى : (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ، اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )) التوبة / 31
وصار هذا من الأمور المنتشرة علمها بين المسلمين ، ولذلك أجمعوا على كفر النصارى ، بل أجمعوا على كفر من لم يكفرهم ، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام المجمع عليها : ( من لم يُكَفِّر المشركين ، أو شَكَّ في كفرهم ، أو صحّح مذهبهم كفر )
وإننا لنعجب من هذا السؤال والذي يظن صاحبه أن الشرك الذي عند النصارى له وجود في دين المسلمين ، ولذلك فإننا ننصح السائل بالقراءة في كتب العقائد والتي تبين التوحيد ومعناه وأحكامه ، وتبين أيضاً الشرك وأنواعه ، وسماع الأشرطة المفيدة في ذلك ، فإن هذا من أوجب الواجبات على العبد ، وهذا التثليث الذي يعتقده النصارى ليس من مقدمات الشرك ، بل هو الشرك بعينه ، والتثليث الذي اخترعه النصارى المتأخرون لا يستدل عليه بشيء من العقل والفطرة ولا بشيء من الكتب الإلهية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى .
قال ابن القيم :
وهذا شأن جميع أهل الضلال مع رؤسائهم ومتبوعيهم ، فجهَّال النصارى إذا ناظرهم الموحِّد في تثليثهم وتناقضه وتكاذبه قالوا : الجواب على القسيس ، والقسيس يقول : الجواب على المطران ، والمطران يحيل الجواب على البترك ، والبترك على الأسقف ، والأسقف على الباب ، والباب على الثلاثمائة والثمانية عشر أصحاب المجْمَع الذي اجتمعوا في عهد " قسطنطين " ، ووضعوا للنصارى هذا التثليث والشرك المناقض للعقول والأديان ... " مفتاح دار السعادة " ( 2 / 148 ) .
ومن حيث اللفظ فإنه لم يأت في القرآن ولا في السنة ، بل جاء لفظ " التثليث " في كلام العلماء عند كلامهم على التثليث في " الاستجمار بالحجارة ، الوضوء ، الغسل ، غسل الميت ، التسبيح في الركوع والسجود ، الاستئذان للدخول للبيت ، وغير ذلك .
والمعنى في كل ما سبق إنما هو فعل الأمر ثلاث مرات ، ولا علاقة له بتثليث النصارى ، والذي بيَّن الله تعالى أنه قولهم وأمرهم بتوحيده تعالى والاعتقاد بعيسى أنه رسول وليس بإله
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
قال تعالى : { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم } ، فذكر سبحانه في هذه الآية " التثليث والاتحاد " ، ونهاهم عنهما وبيَّن أن المسيح إنما هو { رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } ، وقال : { فآمنوا بالله ورسله } ، ثم قال : { ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم } . " الجواب الصحيح " ( 2 / 15 ) .
وقد ظن بعض النصارى ? لجهلهم ? أن ضمير الجمع الدال على التعظيم في نحو قوله تعالى : ( إنا فتحنا لك ) ، ( إنا أنزلناه ) أنه يدل على عقيدتهم الفاسدة عقيدة التثليث .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
ومذهب سلف الأمَّة وأئمَّتها وخلفها : أن النَّبي صلَّى الله عليه وسلم سمع القرآن من جبريل ، وجبريل سمعه من الله عز وجل ، وأما قوله { نتلوا } و { نقص } { فإذا قرأناه } : فهذه الصيغة في كلام العرب للواحد العظيم الذي له أعوان يطيعونه ، فإذا فعل أعوانه فعلاً بأمره قال : نحن فعلنا ، كما يقول الملك : نحن فتحنا هذا البلد ، وهزمنا هذا الجيش ، ونحو ذلك ؛ لأنه إنما يفعل بأعوانه ، والله تعالى رب الملائكة وهم لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وهو مع هذا خالقهم وخالق أفعالهم وقدرتهم ، وهو غني عنهم ، وليس هو كالملِك الذي يفعل أعوانه بقدرة وحركة يستغنون بها عنه ، فكان قوله لِما فعله بملائكته : نحن فعلنا : أحق وأولى من قول بعض الملوك .
وهذا اللفظ هو من " المتشابه " الذي ذكر أن النصارى احتجوا به على النبي صلى الله عليه وسلم على التثليث لمَّا وجدوا في القرآن { إنا فتحنا لك } ونحو ذلك ، فذمَّهم الله حيث تركوا المحكَم من القرآن أن الإله واحد ، وتمسكوا بالمتشابه الذي يحتمل الواحد الذي معه نظيره ، والذي معه أعوانه الذين هم عبيده وخلقه ، واتبعوا المتشابه يبتغون بذلك الفتنة ، وهي فتنة القلوب بتوهم آلهة متعددة ، وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم .
" مجموع الفتاوى " ( 5 / 233 ، 234 ) .
السؤال : نصراني يريد آيات وأحاديث تدل على محبة الله في الإسلام
الجواب :
أولا : الحب فى القران الكريم :
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران : (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))
ويكفي أن نقول لهذا السائل النصراني أن من أسماء الله الحسنى في القرآن أنه الودود وهو الكثير الحب لعباده يقول الله سبحانه وتعالى : (( وهو الغفور الودود )) [ البروج الآية 15]
وإليك المزيد :
1. الله في الإسلام يحب العدل :
جاء في سورة الممتحنة الآية الثامنة : (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة الآية : 87 : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )) ويقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف الآية : 55 : (( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )) ويقول الله تبارك وتعالى : (( وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) الآية التاسعة من سورة الحجرات .
ويقول المولى تبارك وتعالى : (( وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )) الآية : 57 من سورة آل عمران . ويقول جل جلاله : (( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )) الآية : 140 من سورة آل عمران .
2. الله يحب الخير وعمله :
وفي ذلك يقول المولى تبارك وتعالى : (( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ )) الآية : 205 من سورة البقرة . ويقول تعالى : (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )) الآية : 64 من سورة المائدة . ويقول : (( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )) سورة الأنعام ويقول جل جلاله : (( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )) سورة الأعراف ويقول سبحانه : (( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )) سورة القصص . ويقول سبحانه : (( وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )) سورة الشورى ويقول سبحانه وتعالى : (( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ )) سورة العاديات ويقول (( يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ )) سورة البقرة .
3.الله يحب التوابين والمتطهرين :
(( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )) سورة البقرة ويقول تبارك وتعالى : (( لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ )) سورة التوبة .
4.الله يحب المؤمنين ويغفر لهم :
وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى : (( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) الآية : 31 من سورة آل عمران . ويقول تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )) الآية : 38 من سورة الحج . ويقول تعالى : (( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ )) الآية : 45 من سورة الروم .
5. الله يحب المتقين :
وفي ذلك يقول تعالى : (( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )) الآية : 76 من سورة آل عمران . ويقول سبحانه : (( إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )) الآية : 4 من سورة التوبة . ويقول تبارك وتعالى : (( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )) الآية السابعة من سورة التوبة .
6.الله محبة ويأمر بالأخوة :
(( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )) الآية : 103 من سورة آل عمران .
7.الله يحب الصابرين :
يقول المولى تبارك وتعالى : (( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )) سورة آل عمران .
8.الله يحب المحسنين :
يقول سبحانه وتعالى : (( فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) سورة آل عمران . ويقول : (( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) سورة المائدة . ويقول ايضاً : (( الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) سورة آل عمران . ويقول سبحانه : (( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) سورة البقرة ويقول سبحانه : (( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) سورة المائدة .
9.الله يحب المتوكلين :
يقول ربنا جل جلاله : (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )) سورة آل عمران
10. الله يحب المتواضعين :
يقول الله سبحانه وتعالى : (( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا )) سورة النساء ويقول سبحانه : (( لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ )) سورة النحل ويقول سبحانه : (( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ )) (76) سورة القصص ويقول تبارك وتعالى : (( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )) (18) سورة لقمان .
11.الله يحب الأمينين :
يقول الحق تبارك وتعالى : (( وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا )) (107) سورة النساء . ويقول جل جلاله : (( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ )) (58) سورة الأنفال .
18. الله محب للخير :
يقول تبارك وتعالى : (( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا )) (148) سورة النساء . ويقول سبحانه : (( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )) (38) سورة الحج ويقول تبارك وتعالى : (( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )) (23) سورة الحديد .
ثانيا : الحب في السنة النبوية الشريفة :
1 - قال صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) .
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " ( رواه مسلم )
3 - وقال : صلى الله عليه وسلم : (( تهادوا تحابوا )) . رواه البيهقي
4 - وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب رجلا لله فقد أحبه الله. فدخلا جميعا الجنة, وكان الذي أحب لله أرفع منزلة, ألحق الذي أحبه لله". رواه الطبراني والبزار بنحوه بإسناد حسن.
5 - عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حقت محبتي للمتحابين في, حقت محبتي للمتواصين في, حقت محبتي للمتبادلين في. المتحابون في على منابر من نور, يغبطهم بمكانتهم النبيون والصديقون والشهداء". رواه الإمام أحمد وابن حبان و الحاكم والقضاعي.
وفي رواية : "حقت محبتي للذين يتناصرون من أجلي, وحقت محبتي للذين يتصادقون من أجلي". رواه الطبراني في الثلاتة وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات.
6- عن معاذ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " قال الله تبارك و تعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، و المتجالسين فيّ و المتزاورين ، و المتباذلين فيّ " (رواه مالك و غيره )
7- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي ( رواه مسلم )
8- قال عليه الصلاة و السلام : " من أحبّ أن يجد طعم الإيمان فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله ( رواه الحاكم و قال : صحيح الإسناد و لم يخرجاه و أقرّه الذهبي )
9- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان، فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله" ( رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي )
10- عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله أحبّ إليه مما سواهما ، و أن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله ، و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن يلقى في النار " (متفق عليه)
11- عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من أحبّ لله ، و أبغض لله ، و أعطى لله ، و منع لله ، فقد استكمل الإيمان " ( رواه أبو داود بسند حسن )
12- قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه " ( رواه الشيخان )
13- عن أنس بن مالك قال : مر رجل بالنبي صلى الله عليه و سلم و عنده ناس ، فقال رجل ممن عنده : إني لأحب هذا لله ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم :"أعلمته؟" قال : لا ، قال : " قم إليه فأعلمه " فقام إليه فأعلمه ، فقال : أحبّك الذي أحببتني له ثم قال ، ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بما قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم :"أنت مع من أحببت ، و لك ما احتسبت " ( رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي )
14- وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف يوضح أسباب حبِّ الناس له حيث قال "أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولئن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً، في مسجد المدينة، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام" المعجم الصغير".
15- قال صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم ،مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) رواه مسلم .
16- عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال : (( ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس )) [رواه ابن ماجة وغيره، والحديث صحيح].
17- وعن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها ، أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، بعَثَ رَجُلاً عَلَى سرِيَّةٍ ، فَكَانَ يَقْرأُ لأَصْحابِهِ في صلاتِهِمْ ، فَيخْتِمُ بـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فَلَمَّا رَجَعُوا ، ذَكَروا ذلكَ لرسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقال : ? سَلُوهُ لأِيِّ شَيءٍ يَصْنَعُ ذلكَ ؟ ؛ فَسَأَلوه ، فَقَالَ : لأنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : ? أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّه تعالى يُحبُّهُ ؛ متفقٌ عليه
18- روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (( أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرسل الله له على مدرجته ملكا ً ..... فقال إن الله قد أحبك كما أحببته فيه )) .
19- قال صلى الله عليه وسلم : (( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قلنا : يا رسول الله ! كلنا يكره الموت ؟ قال : ليس ذلك كراهية الموت ، ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله ، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه ، وإن الفاجر أو الكافر إذا حضر جاءه ماهو صائر إليه من الشر ، أو ما يلقى من الشر ، فكره لقاء الله ، فكره الله لقاءه )) صحيح التغريب بسندٍ صحيح
20- قال صلى الله عليه وسلم : قال الله تبارك وتعالى : (( إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه )) صحيح على شرط الشيخين
21- قال صلى الله عليه وسلم : (( إن رجلا زار أخا له في قرية ، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا ، فلما أتى عليه الملك قال : أين تريد ؟ قال : أزور أخا لي في هذه القرية ، قال : هل عليك من نعمة [تربها] ؟ قال : لا ، إلا أني أحببته في الله ، قال : فإني رسول الله إليك أن الله عز وجل قد أحبك كما أحببته له )) صحيح على شرط مسلم
22- قال صلى الله عليه وسلم : (( ما من رجلين تحابا في الله بظهر الغيب؛ إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حباً لصاحبه )) السلسلة الصحيح ورجاله ثقات
23- قال صلى الله عليه وسلم : (( ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبا لصاحبه )) السلسلة الصحيحة بسندٍ صحيح
24- قال صلى الله عليه وسلم : (( إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليبين له ، فإنه خير في الألفة ، و أبقى في المودة )) السلسلة الصحيحة بسندٍ حسن
25- قال صلى الله عليه وسلم : (( أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا )) السلسلة الصحيحة بسندٍ جيد
26- قال صلى الله عليه وسلم : (( ما أحب عبد عبدا لله إلا أكرمه الله عز وجل )) السلسلة الصحيحة بسندٍ جيد
27- قال صلى الله عليه وسلم : (( من سره أن يحب الله و رسوله فليقرأ في " المصحف" )) السلسلة الصحيحة بسندٍ حسن
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خاتم الرسل محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
=======================
نصراني يسأل عن موقف المسلمين من الكاثوليك والتعايش السلمي
السؤال :
لست أدري كيف هي علاقتكم بالكنيسة الكاثوليكية ، أنا من أمريكا والبلاد الإسلامية تبدو غريبة بالنسبة لي ، لا أعرف الكثير عنهم ولكن الذي يبدو أن المسلمين يعادون الدين الكاثوليكي .
هل هم منفتحين للحوار ؟ لماذا لا تؤمنون بالرب عيسى ؟ أليس الحب الأبدي لله عظيم لدرجة أنه يستطيع أن يتنزل علينا ويحفظنا من جميع الذنوب حتى نتمكن من العيش معه للأبد ؟
لماذا توجد حروب في الشرق الأوسط ؟ ألا يرى الإسلام أو يقبل بالقوة المخلصة للمسيح ، مع تعليماته بأن نحب بعضنا البعض ، هل إذا اتبعت أنا وأنت (الإسلام -التسليم الكامل) فكل شيء سيسير على ما يرام بالنسبة للبشر ؟
الجواب :
الحمد لله
العداوة في الإسلام وعند المسلمين ليست أمرا عشوائياً بل تحكمها أصول وثوابت شأنها في ذلك شأن باقي الأحكام الإسلامية الشرعية وهذه الأصول والثوابت هي من عند الله تعالى المنزّه عن النقائص الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى ومصدر الأحكام عندنا هو القرآن والسنة الصحيحة الثابتة ، والقرآن والسنة جاءا بعقيدة واضحة وهي عقيدة التوحيد المبنية على شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وإمام المرسلين ولا نشرك مع الله آلهة أخرى بل نفرده بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات ولا ندعو له صاحبة ولا ولداً ، ونوالي من والى الله ونعادي من عاداه ونُبغض من سبّه وجعل له زوجة وولداً فالله فرد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له صاحبة ولا ولد سبحانه أنّى يكون له ولد وله ما في السماوات وما في الأرض ليس له شريك وليس محتاجاً إلى ولد كما يحتاج البشر وهو خالق الوالد وما ولد ، فالمسلمون طوع أمر الله وليس عندهم اختيار في التشريع بل هم ملزمون بأحكام الله ، قال تعالى : (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا )) سورة الأحزاب
ومن هذه الأحكام الحب في الله والبغض في الله .
والمسلمون عندهم مجال واسع للحوار بل أمر الله في كتابه النبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بمحاورة أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقال سبحانه : (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )) آل عمران : 64.
ونحن نؤمن بعيسى عليه السلام نبياً مرسلاً من عند الله ، ومعاذ الله أن نجعل عيسى إلهاً ورباً كما يزعم النصارى ولا يفرّقون بين الرسول والمُرسِل ، وبين الخالق والمخلوق قال الله تعالى : (( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )) سورة المائدة ، وقال تعالى يخاطبك - أيها السائل أنت وأصحابك وستكون سعيدا إذا استجبت - : (( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً )) النساء - 171.
والإسلام دين الهدى والرحمة والمحبة ولكن أقواماً يفرضون على المسلمين قتالهم عندما يقفون في طريق إبلاغ الهدى للناس ، والمسلمون لا يقاتلون أحداً حتى يبلغوه دين الله ويخيرونه بين أمور أولها الإسلام ، وثانيها : إذا أبى الإسلام وبقي على دينه فعليه دفع الجزية للمسلمين لقاء رعايته فإذا رفض الأول والثاني فالقتال .
ونحن المسلمين إذا قاتلنا فإنما نقاتل من أجل تخليص العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العالمين وننقلهم من جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة
ونؤمن أن عيسى عليه السلام لم يمت وأن الله رفعه إليه وأنه ينزل في آخر الزمان إلى الدنيا ويحكم بالإسلام حيث قال صلى الله عليه وسلم ينزل عيسى في دمشق عند المنارة البيضاء رواه أبو داود (4/117) وصححه الألباني رحمه الله .
والإسلام ناسخ للرسالات السابقة ولا يقبل الله من أحد غيره ممن عاش وأدرك الإسلام . وإذا أسلم الناس لرب العالمين واتبعوا خير المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم وعملوا الصالحات فإن الله يرضى عنهم ويرزقهم حياة طيبة في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) سورة النحل ، نرجو أن نكون قد وفقنا في الإجابة على التساؤلات التي طرحتها ونسأل الله أن يهدينا جميعا لاتّباع الحقّ ، والسلام على من اتّبع الهدى .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
==================
الرد على من يزعمون إجحاف الإسلام للمرأة في الحقوق المالية
لا يستطيع خصوم الإسلام إنكار ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق مالية ، إلا إذا كانوا جاهلين بالإسلام وتعاليمه ، أو متجاهلين لذلك ، بقصد النيل منه ومن مبادئه والتشنيع عليه ، وذلك لأن حضارتهم التي يفخرون بها ، وبما أعطته للمرأة من حقوق في مختلف الأمور ، لا تزال إلى اليوم قاصرة عما أعطاه الإسلام للمرأة منذ أربعة عشر قرناً ، فهم لا يستطيعون إنكار شيء قائم اليوم تنص عليه قوانينهم ، ويطبقه مجتمعهم وتحميه حكوماتهم ، ففي فرنسا ? مثلاً ? ذات العراقة في الرقي والتقدم ، وصاحبة الثورة الكبرى منشئة الحريات كما يصفونها ، والتي يعتبر قانونها أساساً لقوانين كثير من الدول الأوربية وغيرها من دول العالم ، لا زالت المرأة فيها مقيدة في بعض تصرفاتها المالية بموافقة الزوج ، كما أشارت لذلك المادة (1426/ من القانون المدني الفرنسي).
وفي بلجيكا ، مازالت إلى اليوم تقيد حرية المرأة في التصرف في مالها بإذن زوجها ، وللزوج في القانون البلجيكي أن يعطي زوجته تصريحاً عاماً دائماً أو لمدة محددة عن كل أو بعض التصرفات ، بيد أن حق الزوج في سحب هذا التصريح يظل قائماً ، فهي أهلية تخضع لهيمنة الزوج وإشرافه.
هذان نموذجان لما أعطته حضارة نقاد الإسلام والعائبين عليه بخسه لحقوق المرأة المالية ? كما يزعمون ? أقول هذا أنموذجان لما أعطته حضارتهم للمرأة من حقوق مالية في القرن العشرين ، فماذا أعطى الإسلام للمرأة من حقوق مالية منذ أربعة عشر قرناً.
لقد أباح الإسلام للمرأة أن تملك كل أصناف المال من دراهم وضياع ودور وعقار وغير ذلك ، أباح لها أن تملك ذلك بكل أسباب التملك ، مستقلة في هذا التملك عن غيرها من زوج وغيره.
وأباح لها أن تنمي هذه الأموال بكل وسائل التنمية المباحة ، بأن تباشر هي ذلك إذا اضطرت أو توكل من يقوم به.
ولها كامل حق التصرف في مالها ? إذا كانت بالغة رشيدة ? بالبيع والشراء ، والإجازة والهبة والتصدق والوقف والوصية وغير ذلك من التصرفات المشروعة ، وجعل لها شخصيتها وأهليتها الكاملة المستقلة في إبرام تلك العقود ، وهي فتاة أو هي زوجة ، فلا تدخل لأبيها ولا لزوجها بعد زواجها ، ولا لأحد من أقاربها فيما تملك إلا برضاها وموافقتها ما دامت بالغة رشيدة.
ومما أعطاه الإسلام للمرأة مهرها في النكاح ، فقد ألزم الإسلام الزوج بدفع مهر لها ولا يسقط عنه بحال ، حتى لو لم يسم أثناء العقد ، وهذا المهر المدفوع من الزوج حق خالص لها ، لا يجوز لأحد أن يأخذ منه شيئاً ، ولا أن يتصرف فيه بدون إذنها ، ولها كامل الحرية في التصرف به كباقي أملاكها ، وقد تكلمنا عن ذلك في صفحة (وجوب المهر في النكاح وملكيتها له).
وقد كانت قبل الإسلام محرومة من هذا الحق ، إذ كان يأخذه والدها أو وليها من دونها.
كذلك هناك حق كانت المرأة الجاهلية محرومة منه قبل مجيء الإسلام ، فلما جاء الإسلام أعطاها هذا الحق ، ذلك هو الميراث ، فقد جعل لها الحق في أن ترث أباها وأمها وزوجها ، وبقية أقاربها ، إذا توفرت الشروط المشروطة لذلك في الشريعة ، فلها حقها من الميراث نصيباً مفروضاً ، مهما كان الميراث المخلف ، قليلاً أو كثيراً ، عقاراً أو منقولاً ، حقاً خالصاً لها وملكاً من أملاكها تتصرف فيه كيف تشاء.
أعطاها الإسلام هذه الحقوق المالية وأباح لها تنميتها ، والعمل على زيادتها بكل الوسائل المتاحة في الإسلام ، بنفسها أو بواسطة وكيل توكله هي ، كما أعطاها كامل الحرية في التصرف بها بكل أنواع التصرف المشروعة ، وجعل لها شخصيتها وأهليتها المستقلة في ذلك ، فلا سلطة ولا وصاية ولا ولاية لأحد عليها ، كما أن لها الحق في التقاضي أمام القضاء ، حماية لأموالها ، ومع كل ما أعطاها من حقوق مالية فإنه ألزم الزوج بالإنفاق عليها ، مهما كانت ثروتها ، ومهما كان مستوى الزوج المادي ، والنفقة تشمل الأكل والشرب واللباس والمسكن ، وتأثيثه كما تقدم.
كذلك لم يفرق الإسلام بينها وبين الرجل في مقدار الحقوق المالية ، إلا في المواريث ولأسباب بيناها فيما سبق بعنوان (حقها في الميراث) وسنذكر طرفاً من ذلك هنا ، أما في بقية الأموال المكتسبة بالجهد والتعب فلا تفرقة فيها بينهما ، لا في الأجر على العمل ، كما يفعل الغرب اليوم في كل دولة بلا استثناء حيث ينقص أجر المرأة عن الرجل ، ولا في ربح التجارة ، ولا في ريع الأرض .. الخ ، لأن هذه الأموال خاضعة لمقياس المساواة بين الجهد والجزاء.
أعطيت المرأة المسلمة كل هذا منذ أربعة عشر قرناً بينما المرأة الفرنسية كانت إلى سنة 1942م محرومة من حق التقاضي عن مالها ، وكما كانت محرومة من عقد التصرفات والعقود ما لم تحصل على إذن خطي من زوجها (المادة 217 من القانون الفرنسي قبل تعديله سنة 1942).
بل إنها لا زالت إلى اليوم مقيدة في بعض التصرفات المالية بموافقة الزوج كما سبق ، حتى بعد تعديل القانون الفرنسي.
كذلك نصت القوانين الغربية جميعها على أن تقدم المرأة الدوطة لزوجها عند الزواج ، والدوطة كما عرفها القانون الفرنسي هي: المال الذي تقدمه الزوجة لزوجها لتعينه على تحمل أعباء الزوجية ، وكل ما تقدمه الزوجة من مال لزوجها أو يقدمه أبوها أو جدها أو أحد أقاربها.
والزوج وحده هو صاحب الحق في إدارة الأموال التي تتكون منها الدوطة واستغلالها ما دامت العلاقة الزوجية قائمة ، كما نص على ذلك القانون الفرنسي ، هذا بينما الإسلام يلزم الزوج إلزاماً أن يقدم هو المهر لها ، ولا يمكن أن يسقط عنه بحال ، إلا إن أسقطته أو بعضه هي ولا يجوز له أن يأخذ منه شيئاً البتة ، قال تعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً ، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) ، إلا إذا تنازلت هي أو وهبته شيئاً منه.
وبينما تنص القوانين الغربية على إلزام الزوجة في الغرب على مشاركة زوجها في نفقة البيت وتحمل تبعاته ، نرى الإسلام ? كما قدمنا ? يلزم الزوج بالإنفاق عليها مهما كان ثراؤها ، وعليه أن ينفق عليها كأنها لا تملك شيئاً ، ولها أن تشكوه إذا امتنع عن الإنفاق ، أو قتر فيه بالنسبة لما يملك ، ويحكم لها الشرع بالنفقة أو بالانفصال.
فأين ما يفخرون به على الإسلام في مجال الحقوق المالية بالذات ، وكيف ساغ لهم مؤاخذة الإسلام في هذا المجال؟ والإسلام منحها من الحقوق والتكريم فيه ، ما عجزت حضارتهم حتى اليوم عن أن تصل إليها ، إن هو إلا الجهل أو التجاهل والمكابرة ، ولقد دأب أعداء الإسلام على الطعن في الإسلام ، ورميه بظلم المرأة ، حين أعطاها نصف ما أعطى الذكر من الميراث ، واتخذوا ذلك سلاحاً وذريعة للنيل منه ولتأليب المرأة وإثارتها على الإسلام ، ولم يحاول هؤلاء إما جهلاً وإما عن عمد معرفة وبيان ما بنى عليه الإسلام عمله هذا في التفرقة.
إن الأساس الذي بنى عليه الإسلام تفريقه ذلك في توزيعه الإرث ، هو توزيعه الأعباء والواجبات في الحياة بين الذكر والأنثى ، فألزم الرجل بأعباء وواجبات مالية لا تلزم بمثلها المرأة.
وقد بينا تلك الأعباء والواجبات في صفحة (حقها في الميراث) ، على أن هذه التفرقة إنما تكون في المال الموروث بلا تعب فقط ، وهو مصدر واحد من مصادر تملّك المرأة في الإسلام ، أما بقية المصادر من المال المكتسب بالتعب والجهد ، فلا تفرقة فيه بين الرجل والمرأة ، لا في الأجر على العمل ، ولا في ربح التجارة ، ولا في ريع الأرض .. الخ ، لأنه يتبع مقياساً هو المساواة بين الجهد والجزاء ، وقد كفل الإسلام ذلك للجميع وأتاح للكل الفرص.
فلا ظلم إذاً ، ولا شبهة ظلم في ذلك للمرأة ، وإنما في توزيع قائم على العدل والإنصاف على قدر الحاجة ، ومقياس الحاجة هو التكاليف المنوطة بمن حملها.
hgvzdsdi
====================
سؤال : ما هو نعيم المرأة في الجنة ؟
جواب :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . أما بعد : فإني لما رأيت كثرة أسئلة النساء عن أحوالهن في الجنة وماذا ينتظرهن فيها أحببت أن أجمع عدة فوائد تجلي هذا الموضوع لهن مع توثيق ذلك بالأدلة الصحيحة وأقوال العلماء فأقول مستعينا بالله :
فائدة (1) : لا ينكر على النساء عند سؤالهن عما سيحصل لهن في الجنة من الثواب وأنواع النعيم ، لأن النفس البشرية مولعة بالتفكير في مصيرها ومستقبلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر مثل هذه الأسئلة من صحابته عن الجنة وما فيها ومن ذلك أنهم سألوه صلى الله عليه وسلم : ( الجنة وما بنائها ؟ ) فقال صلى الله عليه وسلم : ( لبنة من ذهب ولبنة من فضة ...) إلى آخر الحديث . ومرة قالوا له : ( يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ ) فأخبرهم بحصول ذلك.
فائدة (2) : أن النفس البشرية ? سواء كانت رجلا أو امرأة ? تشتاق وتطرب عند ذكر الجنة وما حوته من أنواع الملذات وهذا حسن بشرط أن لا يصبح مجرد أماني باطلة دون أن نتبع ذلك بالعمل الصالح فإن الله يقول للمؤمنين : ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) الزخرف آية 72. فشوّقوا النفس بأخبار الجنة وصدّقوا ذلك بالعمل .
فائدة (3) : أن الجنة ونعيمها ليست خاصة بالرجال دون النساء إنما هي قد ( أعدت للمتقين ) ? آل عمران آية 133-من الجنسين كما أخبرنا بذلك تعالى قال سبحانه : ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ) ? النساء آية 124- .
فائدة (4) : ينبغي للمرأة أن لا تشغل بالها بكثرة الأسئلة والتنقيب عن تفصيلات دخولها للجنة : ماذا سيعمل بها ؟ أين ستذهب ؟ إلى آخر أسئلتها .. وكأنها قادمة إلى صحراء مهلكة ! ويكفيها أن تعلم أنه بمجرد دخولها الجنة تختفي كل تعاسة أو شقاء مر بها .. ويتحول ذلك إلى سعادة دائمة وخلود أبدي ويكفيها قوله تعالى عن الجنة : ( لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين ) ? الحجر آية48- وقوله : ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ) ? الزخرف آية 71- . ويكفيها قبل ذلك كله قوله تعالى عن أهل الجنة : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ? المائدة 119-.
فائدة (5) : عند ذكر الله للمغريات الموجودة في الجنة من أنواع المأكولات والمناظر الجميلة والمساكن والملابس فإنه يعمم ذلك للجنسين ( الذكر والأنثى ) فالجميع يستمتع بما سبق . ويتبقى : أن الله قد أغرى الرجال وشوقهم للجنة بذكر ما فيها من ( الحور العين ) و ( النساء الجميلات ) ولم يرد مثل هذا للنساء .. فقد تتساءل المرأة عن سبب هذا !؟ والجواب : 1- أن الله : ( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ) ? الأنبياء 23- ولكن لا حرج أن نستفيد حكمة هذا العمل من النصوص الشرعية وأصول الاسلام فأقول : 2- أن من طبيعة النساء الحياء ? كما هو معلوم ? ولهذا فإن الله ? عزوجل ? لا يشوقهن للجنة بما يستحين منه . 3- أن شوق المرأة للرجال ليس كشوق الرجال للمرأة ? كما هو معلوم ? ولهذا فإن الله شوّق الرجال بذكر نساء الجنة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) ? أخرجه البخاري ? أما المرأة فشوقها إلى الزينة من اللباس والحلي يفوق شوقها إلى الرجال لأنه مما جبلت عليه كما قال تعالى ( أومن ينشأ في الحلية ) ? الزخرف آية 18- 4- قال الشيخ ابن عثيمين : إنما ذكر ? أي الله عزوجل ? الزوجات للأزواج لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج .. بل لهن أزواج من بني آدم .
فائدة ( 6 ) :
المرأة لا تخرج عن هذه الحالات في الدنيا فهي :
1- إما أن تموت قبل أن تتزوج .
2- إما أن تموت بعد طلاقها قبل أن تتزوج من آخر .
3- إما أن تكون متزوجة ولكن لا يدخل زوجها معها الجنة ? والعياذ بالله ?
4- إما أن تموت بعد زواجها .
5- إما أن يموت زوجها وتبقى بعده بلا زوج حتى تموت .
6- إما أن يموت زوجها فتتزوج بعده غيره .
هذه حالات المرأة في الدنيا ولكل حالة ما يقابلها في الجنة :
1- فأما المرأة التي ماتت قبل أن تتزوج فهذه يزوجها الله ? عزوجل ? في الجنة من رجل من أهل الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما في الجنة أعزب ) ? أخرجه مسلم ? قال الشيخ ابن عثيمين : إذا لم تتزوج ? أي المرأة ? في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة .. فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم : الزواج .
2- ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة .
3- ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة . قال الشيخ ابن عثيمين : فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال . أي فيتزوجها أحدهم .
4-وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي ? في الجنة ? لزوجها الذي ماتت عنه .
5- وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة له في الجنة .
6- وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده فإنها تكون لآخر أزواجها مهما كثروا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( المرأة لآخر أزواجها ) ? سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني
ولقول حذيفة ? رضي الله عنه ? لامرأته : ( إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النبي أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة ) .
مسألة : قد يقول قائل : إنه قد ورد في الدعاء للجنازة أننا نقول ( وأبدلها زوجا خيرا من زوجها ) فإذا كانت متزوجة .. فكيف ندعوا لها بهذا ونحن نعلم أن زوجها في الدنيا هو زوجها في الجنة وإذا كانت لم تتزوج فأين زوجها ؟
والجواب كما قال الشيخ ابن عثيمين : إن كانت غير متزوجة فالمراد خيرا من زوجها المقدر لها لو بقيت وأما إذا كانت متزوجة فالمراد بكونه خيرا من زوجها أي خيرا منه في الصفات في الدنيا لأن التبديل يكون بتبديل الأعيان كما لو بعت شاة ببعير مثلا ويكون بتبديل الأوصاف كما لو قلت ك بدل الله كفر هذا الرجل بإيمان وكما في قوله تعالى : ( ويوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) ? سورة إبراهيم آية 48- والأرض هي الأرض ولكنها مدت والسماء هي السماء لكنها انشقت .
فائدة (7) : ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم للنساء : ( إني رأيتكن أكثر أهل النار ...) وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أقل ساكني الجنة النساء ) ?أخرجه البخاري ومسلم ? وورد في حديث آخر صحيح أن لكل رجل من أهل الدنيا ( زوجتان ) أي من نساء الدنيا . فاختلف العلماء ? لأجل هذا ? في التوفيق بين الأحاديث السابقة : أي هل النساء أكثر في الجنة أم في النار ؟ فقال بعضهم : بأن النساء يكن أكثر أهل الجنة وكذلك أكثر أهل النار لكثرتهن . قال القاضي عياض : ( النساء أكثر ولد آدم ) . وقال بعضهم : بأن النساء أكثر أهل النار للأحاديث السابقة . وأنهن ? أيضا ? أكثر أهل الجنة إذا جمعن مع الحور العين فيكون الجميع أكثر من الرجال في الجنة . وقال آخرون : بل هن أكثر أهل النار في بداية الأمر ثم يكن أكثر أهل الجنة بعد أن يخرجن من النار ? أي المسلمات ? قال القرطبي تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم : ( رأيتكن أكثر أهل النار ) : ( يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار وأما بعد خروجهن في الشفاعة ورحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال : لا إله إلا الله فالنساء في الجنة أكثر ) . الحاصل : أن تحرص المرأة أن لا تكون من أهل النار .
فائدة (8) : إذا دخلت المرأة الجنة فإن الله يعيد إليها شبابها وبكارتها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الجنة لايدخلها عجوز .... إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا ) .
فائدة (9) : ورد في بعض الآثار أن نساء الدنيا يكن في الجنة أجمل من الحور العين بأضعاف كثيرة نظرا لعبادتهن الله .
فائدة (10) : قال ابن القيم ( إن كل واحد محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها ) أي في الجنة . وبعد : فهذه الجنة قد تزينت لكن معشر النساء كما تزينت للرجال ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) فالله الله أن تضعن الفرصة فإن العمر عما قليل يرتحل ولا يبقى بعده إلا الخلود الدائم ، فليكن خلودكن في الجنة ? إن شاء الله ? واعلمن أن الجنة مهرها الإيمان والعمل الصالح وليس الأماني الباطلة مع التفريط وتذكرن قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ) . واحذرن - كل الحذر ? دعاة الفتنة و( تدمير ) المرأة من الذين يودون إفسادكن وابتذالكن وصرفكن عن الفوز بنعيم الجنة . ولا تُغررن بعبارات وزخارف هؤلاء المتحررين والمتحررات من الكتاب والكاتبات ومثلهم أصحاب ( القنوات ) فإنهم كما قال تعالى : ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ) . أسأل الله أن يوفق نساء المسلمين للفوز بجنة النعيم وأن يجعلهن هاديات مهديات وأن يصرف عنهن شياطين الأنس من دعاة وداعيات ( تدمير ) المرأة وإفسادها وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . [ كتبه الدكتور أبو حفص ]
يقول الدكتور أحمد عبد الكريم أستاذ الشريعة بالبوسنة :
الجنّة دار النعيم المقيم ، و من دَخَلها فقد استحقَّ من نعيمها ما يُناسب منزلته فيها ، و هذا للرجال و النساء كلٌّ بحسبه ، لأنّ ( النساء شقائق الرجال ) كما أخبر بذلك النبيّ صلى الله عليه و سلّم فيما رواه أبو داود و الترمذي و أحمد بإسناد صحيح عن أمّ المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما .
و قد جمَع الله تعالى في الذكر ، و الوعد بالأجر و الثواب بين الرجال و النساء في آياتٍ تُتلى من كتابه العزيز ؛ منها قوله تعالى : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قَاتَلُوا وَ قُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَ لأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) [ آل عمران : 195 ] .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : ( أي قال لهم مخبراً أنه لا يضيع عمل عامل منكم لديه بل يوفي كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى ، و قوله (( بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ )) أي : جميعكم في ثوابي سواء ) .
و قال تعالى : ( وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) [ النساء : 124 ] .
قال ابن كثير : في هذه الآية بيان إحسانه و كرمه و رحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذكرانهم و إناثهم بشرط الإيمان .انتهى
و الآيات الدالة على المراد غير ما ذكرنا كثيرة ، و منها ما تُعرَفُ دلالته بمعرفة سبب نزوله ، فقد روى الترمذي بإسنادٍ حسَّنَه عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إِلاّ لِلرِّجَالِ وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) الآيَةَ.
و ما دام السؤال منصبّاً على نعيم المرأة في الجنّة فنقول ، و بالله التوفيق :
إذا كان الزوجان من أهل الجنّة فإنّ الله تعالى يجمعُ بينهما فيها ، بل يزيدهُم من فضلِه فيُلحِقُ بهم أبناءهم ، و يرفع دَرجات الأدنى منهم فيُلحقه بمن فاقه في الدرجة ، بدلالة إخباره تعالى عن حملة العرش من الملائكة أنّهم يقولون في دُعائهم للمؤمنين { ... ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومَن صلح مِن آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم } [ غافر : 8 ] .
و قوله تعالى { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ... } [ الطور : 21 ].
أمّا إن كان أحد الزوجين من أهل النار فإمّا أن يكون كافراً ، فهذا يُخلَّد فيها ، و لا ينفعه كون قرينه من أهل الجنّة ، لأنّ الله تعالى قضى على الكافرين أنّهم ( خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ و لا هُمْ يُنْظَرُونَ ) [ البقرة : 162 و آل عمران : 88 ] .
و قضى تعالى بالتفريق بين الأنبياء و زوجاتهم إن كنّ كافرات يوم القيامة ، فقال سبحانه : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَ امْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) [ التحريم :10 ] ، فكان التفريق بين سائر الناس لاختلاف الدين أولى .
قال الحافظ ابن كثير [ في تفسيره : 4 / 394 ] عند هذه الآية الكريمة :
قال تعالى (كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ) أي : نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلاً ونهاراً يؤاكلانهما و يضاجعانهما و يعاشرانهما أشد العشرة و الاختلاط ، ( فَخَانَتَاهُمَا ) أي : في الإيمان لم يوافقاهما على الإيمان ، و لا صَدَقاهما في الرسالة ، فلم يُجدِ ذلك كله شيئاً ، و لا دفع عنهما محذوراً ، و لهذا قال تعالى ( فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ) أي : لكُفرهما ، و قيل للمرأتين ( ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) .اهـ .
أما إن كان للمرأة في الدنيا أكثر من زوجٍ ، فإنّ من فارقَها بطلاق حُلّ زواجه بطلاقه ، فتعيّن افتراقهما في الآخرة كما افترقا في الدنيا .
و أمّا إن مات عنها و هي في عصمته ، ثم تزوّجت غيره بعده ، فلأهل العلم ثلاثة أقوال في من تكون معه في الجنّة :
القول الأول : أنّها مع من كان أحسنَهُم خُلقاً و عشرةً معها في الدنيا . .
القول الثاني : أنها تُخيَّر فتختار من بينهم من تشاء ، و لا أعرف دليلاً لمن قال به .
و هذان القولان ذكرهما الإمام القرطبي في كتابه الشهير التذكرة في أحوال الموتى و أمور الآخرة [ 2 : 278 ] . و اختار الثاني منهما الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله ، و بعض المعاصرين .
والقول الثالث : أنها تكون في الجنّة مع آخر زوجٍ لها في الدنيا ، أي مع من ماتت وهي في عصمته ، أو مات عنها و لم تنكح بعده ، و يدلّ على هذا القول ما رواه البيهقي في سننه [ 7 / 69 ] عن حذيفة رضي الله عنه ثم أنه قال لامرأته إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لأخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة ، و حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال : ( أيما امرأة توفي عنها زوجها ، فتزوجت بعده ، فهي لآخر أزواجها ) و قد صححه العلاّمة الألباني رحمه الله [ في السلسلة الصحيحة 1281] ، و لم أقف على تصحيح أحدٍ قَبلَه له .
و إذا صح الحديث فلا يُعدَل عنه إلى غيره ، و لا يُعدَلُ به غيرُه ، فلذلك كان القول الثالث أولى الأقوال بالاعتبار ، و أرجَحَها .
أما إذا لم يكُن للمرأة زوجٌ من أهل الدنيا في حياتها ؛ فإنّ الله تعالى يزوّجها بمن تقرُّ به عينُها في الجنّة ، لأنّ الزواج من جملة النعيم الذي وُعد به أهل الجنّة ، و هو ممّا تشتهيه النفوس ، و تتطلّع إليه ، و قد قال تعالى : ( وَ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [ الزخرف : 71 ] .
و ينبغي للمسلم أن يشتغل بسؤال الله تعالى الجنّة و نعيمها على وجه الإجمال ، ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) ، و من دخَلها فحق على الله أن يُرضيه ، و الله الموفّق .
سؤال : نصراني يسأل عن حكم الجزية في الإسلام
الجواب :
الحمد لله ،
لم يكن الإسلام أول الأديان والملل تعاطياً مع شريعة الجزية، بل هي شريعة معهودة عند أهل الكتاب يعرفونها كما يعرفون أبناؤهم ، فهاهم بنو اسرائيل عندما دخلوا بأمر الرب إلى الارض المقدسة مع نبيهم يشوع أخذوا الجزية من الكنعانيين، فيقول النص في سفر يشوع 16 : 10 : (( فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين في جازر. فسكن الكنعانيون في وسط افرايم الى هذا اليوم وكانوا عبيداً تحت الجزية )) وفي سفر القضاة 1 : 1 نجد ان بنو اسرائيل سألوا الرب قائلين : (( من منّا يصعد الى الكنعانيين اولا لمحاربتهم . فقال الرب يهوذا يصعد. هوذا قد دفعت الارض ليده )) و في الأعداد 30 _ 33 نجدهم يضعون الجزية على الكنعانيين . وعلى سكان قطرون وسكان نهلول و سكان بيت شمس و سكان بيت عناة وغيرهم .
ونجد في كتابهم المقدس أيضاً ان نبي الله سليمان عليه السلام كان متسلطاً على جميع الممالك من النهر الى ارض فلسطين والى تخوم مصر. وكانت هذه الممالك تقدم له الجزية وتخضع له كل أيام حياته. ملوك الأول 4 : 21 . فيقول النص كما في ترجمة كتاب الحياة : (( فكانت هذه الممالك تقدم له الجزية وتخضع له كل ايام حياته )) وفي ترجمة الفانديك : (( كانوا يقدمون الهدايا ويخدمون سليمان كل أيام حياته ))
بل ان كتابهم المقدس فيه من الشرائع والاحكام ما هو أشد و أعظم بكثير من حكم الجزية ، فالرب مثلاً يأمر أنبيائه ان يضعوا الناس تحت نظام التسخير والعبودية بخلاف الجزية التي أهون بكثير من هذا النظام .... فعلى سبيل المثال نجد في سفر التثنية 20 : 10 أن الرب يأمر نبيه موسى قائلاً : (( حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها الى الصلح. فان اجابتك الى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. ))
ويقول كاتب سفر صموئيل الثاني 8 : 1 كما في ترجمة كتاب الحياة عن نبي الله داود : (( وقهر أيضاً الموآبيين وجعلهم يرقدون على الأرض في صفوف متراصة، وقاسهم بالحبل . فكان يقتل صفين ويستبقي صفاً . فأصبح الموآبيين عبيداً لداود يدفعون له الجزية . )) وفي العدد 15 : (( وكان الرب ينصر داود حيثما توجه ))
لقد كانت الجزية من شرائع التوراة والمسيح عليه السلام لم يذكر كلمة واحدة لإلغائها أو استنكارها . بل ان بولس قد أكد على ضرورة الالتزام بها وذلك في قوله في رسالة رومية 13 : 7 : (( فاعطوا الجميع حقوقهم . الجزية لمن له الجزية . الجباية لمن له الجباية . والخوف لمن له الخوف والاكرام لمن له الاكرام ))
وبالتالي كيف يصح لعاقل من النصارى قرأ كتابه المقدس أن يعيب ويطعن على حكم الجزية ؟! ألا يعلم المبشرون أن طعنهم على هذا الحكم هو في الحقيقة طعن على كتابهم المقدس ؟!
هذا وان الجزية في الاسلام هي ضريبة مالية تفرض على غير المسلمين الذين اجتمعت فيهم الصفات الآتية :
اولاً : لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ايماناً صحيحاً يرتضيه ربنا سبحانه وتعالى .
ثانياً : لا يحرمون ما حرم الله ورسوله فلا يتبعون شرعه، في تحريم المحرمات .
ثالثاً : لا يدينون بالدين الصحيح .
ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى : (( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ولا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ولا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ))
فهؤلاء نحاربهم حتى يسلموا أو يدخلوا تحت سلطان الاسلام بأن يبذلوا الجزية ومتى بذلوا الجزية؛ وجب قبولها منهم، وحرم قتالهم وصاروا في حماية المسلمين ورعايتهم ، (( والله يحكم لا معقب لحكمه ))
وتسقط الجزية ولا تؤخذ من الصبي منهم والمرأة والمجنون والأعمى والمريض والشيخ الكبير والفقير ونحوه?. .
قال الامام القرطبي : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : والذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من الرجال المقاتلين , لأنه تعالى قال : " قاتلوا الذين " إلى قوله : " حتى يعطوا الجزية " فيقتضي ذلك وجوبها على من يقاتل . ويدل على أنه ليس على العبد وإن كان مقاتلا , لأنه لا مال له , ولأنه تعالى قال : " حتى يعطوا " . ولا يقال لمن لا يملك حتى يعطي . وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين , وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني . أ هـ الجامع لأحكام القرآن (8/72).
وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم نماذج رائدة في التسامح مع أهل الذمة في ظل المجتمع الاسلامي فهو القائل : (( من ظلم معاهداً أو انتقصه حقاً أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه ـ أي خصمه ـ يوم القيامة )) .
هذا وقد ذهب بعض المفسرين الي ان الأمر في الآية الكريمة ليس على اطلاقه بل ان الذين تفرض عليهم الجزية من أهل الكتاب هم الذين لا زالوا ينساقون مع المشركين ضد المسلمين من نقض للعهد أو اثارة العدو ومعونته أو الإغارة على اطراف المملكة ، كما فعل النصارى في الشام ، فجاء الأمر الإلهي بقتالهم حين بدأوا الإسلام بالشر حتى يعطوا الجزية وهم صاغرون والصغار هو جريان أحكام الاسلام عليهم كما نقل عن الامام الشافعي . و قال الرافعي في أول كتاب الجزية : الأصح عند الأصحاب تفسير الصغار بالتزام أحكام الإسلام و جريانها عليهم .
?يقول الدكتور يوسف القرضاوي : ان هذه الآية لا تقرأ منفصلة عن سائر الآيات الأخرى في القرآن، فإذا وجد في أهل الكتاب من اعتزل المسلمين، فلم يقاتلوهم، ولم يظاهروا عليهم عدوا، وألقوا إليهم السلم، فليس على المسلمين أن يقاتلوهم، وقد قال الله تعالى : في شأن قوم من المشركين : (( فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً )) (النساء:90). وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "دعوا الحبشة ما ودعوكم " والحبشة نصارى أهل كتاب، كما هو معلوم.
يقول الله سبحانه وتعالى : (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ))
انظر التفسير الواضح للدكتور محمد محمود حجازي .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
=====================
إلغاء التبني
قال تعالى : الأحزاب 36
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا
روى أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن جحش ، وفي زينب أخته لأنها لم يتقبلا في البداية زواج زينب من زيد بن حارثة .
وزيد بن حارثة كان سُرق من أهله ثم بيع في السوق على أنه رقيق فاشتراه حكيم بن حزام ، ثم وهبه للسيدة خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها ، ثم وهبته بدورها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأصبح زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبينما هو في السوق ذات يوم إذ رآه جماعة من قبيلته فعرفوه وذهبوا إلى أبيه وأعمامه وقالوا لهم : إن ابنكم وجدناه في المكان الفلاني ، فلما علموا بذلك جاءوا بقضهم وقضيضهم ، وسألوا .. فدلوهم على مكانه ، فذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه القصة وقالوا له : إن ابننا هذا سُرق مبيع ولم يكن عبداً ونحن جئناك لترده إلينا ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم : خيروه فإن اختاركم فهنيئاً لكم ، وإن اختارني فما كان لي أن أسلمه ، فما كان من زيد إلا أن قال : واللهِ ما كنت لأختار على رسول الله أحداً .
فباللهِ عليكم مثل هذا التصرف كيف يكافئه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أراد أن يكرمه كما تفعل العرب بأن يتبناه فسماه { زيد بن محمد } وكان أسمه { زيداً بن حارثة } .
فلما أراد الله تعالى أن ينهي قضية التبني والتي كانت عادة من العادات السيئة في الجاهلية شاء سبحانه أن تجيء على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله قوله : الأحزاب 4 { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم }
وكان من أحكام التبني في الجاهلية (( أحكام بشرية ما انزل الله بها من سلطان )) أن زوجة المتبني لا يتزوجها أبوه المدعي وعلاج هذه المسأله يحتاج إلى شقين :
1) شق ينهي التبني
2) شق يتعلق بزواج طليقة الابن بالتبني
وهذا المسألة جاءت لتعدل نظاماً اجتماعياً فاسداً حتى وإن جاءت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالحق سبحانه وتعالى يعالج القضية علاب رب لإنفاذ الأمر في نصرة حبيب له هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يشوه عمله ولكن يقول : { ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله } فكأنه سبحانه يقول له : إن كنت يا محمد تكافئ زيد لاختياره لك على أبيه وعشيرته بأن تتبناه وتجعله زيد بن محم فهذا عدل منك في حقه ، ولكن الله عنده عدل أفضل من هذا ، فأنت يامحمد عملت القسط بعرف البشر لكن حكم رب البشر أقسط من حكمك ، وحين يرد الله حكمك إلى حكمه ويعطيك هذا الشرف بأنك مقسط فهذا تكريم لك ؛ ولذلك قال : { هو أقسط عن الله } .
فكأن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان قسطاً وعدلاً ،ولكن بقانون البشر ، ولكن الله تعالى أرسله ليغير قوانين البشر بقوانين رب البشر .
هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبنى زيد لأنه فضله واختاره على أبيه ، ولكن بعد أن كان زيد بن محمد ، عاد ليصبح زيد ابن حارثه ، فكأن الله تعالى يكرمه بشيء يعوضه عن ذلك ، ولهذا تجد أن العَلم الوحيد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكر في القرآن بنصه وفصه هو زيد بن حارثه ... قال تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا... الأحزاب 37 } ، فإذا كان الله تعالى حرمه من شرف الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جعل اسمه يُتعبد بتلاوته إلى أن تقوم الساعة .
هنا الآية تبين الحكمة من كل هذه القصة في قوله سبحنه وتعالى : { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا } الأحزاب 37
فكان لا بد من حدوث هذا الأمر حتى ينهي الله التبني وما يترتب عليه من أحكام وعادات الجاهلية ثم نقول : هب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له اختيار في هذه العملية ولم تكن مسبقة أو أراد الله بها شيئاً وقد حدث فرضاً ، فهل نزع الله منه الرسالة أم جعله رسولاً كما هو ؟
ظل رسولاً لله يتنزل عليه وحيه .
إذن .. فلا شيء فيها ، وهذا مثل الذين يقولون عن نبي الله يوسف عليه السلام : كيف همت به وهم بها وهو نبي وابن نبي ؟ كأنهم يغارون أكثر من الله مع أنهم لو عرفوا ملابسات الموقف لما قالوا هذا لأن هذا فضول لا أصل له .
يقول الحق سبحانه : الأحزاب 38
{ مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا }
ما دام الله هو الذي فرضها فمن أين يأتي الحرج ، فالله فرض فرضاً ونفذه رسوله لأنه مأمور بتنفيذ أوامر الله فلا شيء عليه ، وهذه مثل مسألة الإسراء تماماً حينما قالوا : أتدعي يامحمد أنك أتيت بيت المقدس في ليلة ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً ؟! وهذا غباء منهم ، لكنه أفادنا نحن الآن إذ ناقشنا الكلام نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل : { إني أسريت إلى بيت المقدس في ليلة } وإنما قال : { أُسري بي } ، من الذي أسرى به ؟ الذي أسرى به هو الله سبحنه جل شأنه .
إذن المسشألة منتهية ولا مشكلة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليبس له دخل بالموضوع ، وفعله لا علاقة له بالقضية لأن الفاعل هو الل ، فمادام الله هو الذي أسرى به ، فلماذا نشكك في الأمر ؟ .
ومع ذلك فهذه القضية نفعتنا الآن لنعلم أن الغباء يؤدي بصاحبه إلى عكس ما قصده ، فهم حين قالوا : أتدعي أنك أتيت بيت المقدس في ليلة ، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل في شهر ... باللله عليكم لو أن الرسول كان قد قال لهم : { إنه رأى بيت المقدس في المنام } هل كانوا سيكذبونه أو يردون عليه هذا الرد ؟
إذن هم فهموا وعرفوا أنه ذهب ‘لى بيت المقدس بشحمه ولحمه بحسده وروحه ، بدليل أنهم قارنوا بين سفره وسفرهم الذي يظل شهراً وهو لم يستغرق ليلة واحدة ، فهذه نفعتنا في الرد على الذين يقولون : { إن الإسراء كان بالرؤيا أو بالروح دون الجسد }
ومعنى : { ما كان على النبي من حرج } أي من إثم أو ملامة فيما فرض الله له ، وقوله : { سنة الله في الذين خلوا من قبل } الذين خلوا من قبل إخوانه من الرسل ، كان عندهم كذا وكذا ، أو فيما قبل الإسلام كان التعدد شائعاً ويملأ الدنيا فبم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاً من الرسل .
وهنا نلاحظ كلمة : { فيما فرض الله له } ولم يقل { فيما فرض الله عليه } أي فرض الله في صالحه .
ثم يقول تعالى : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ } الأحزاب 39
كأن الله سبحانه أراد أن يتكلم عن موضوع { وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } الأحزاب 37 .
فبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل لا يخشون في البلاغ عن الله شيئاً فنفى عنه أن تكون الخشية في البلاغ ، إنما الخشية في الاستحياء أو مخافة أن تلوكه الألسن إنما هم لا يملكون له شيئاً ، هنا يلاحظ أن الخبر محذوف ولإلا فمن هم الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً غيره ؟ وتقديره أن هؤلاء الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ، لا يمكن أن يتهموا بأنهم خشوا الناس من أجل البلاغ ، والذي سيحاسبهم هو الله ؛ ولذلك قال تعالى : { وكفى بالله حسيباً } الأحزاب39
====================
هل يوجد خلاص فى الإسلام
السلام عليكم
سئل احد النصارى عن الخلاص فى الإسلام . وكيف ينال المسلم وهل يضمن له الإسلام الخلاص من الخطيه ؟
وللرد انقل له ولكم رد جميل للدكتور السيد العربى
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.......وبعد:
* حقيقة التوبة:
* لغة: التَّوْبةُ: الرُّجُوعُ من الذَّنْبِ. وتابَ إِلى اللّهِ يَتُوبُ تَوْباً وتَوْبةً ومَتاباً: أَنابَ ورَجَعَ عن المَعْصيةِ إِلى الطاعةِ، ورَجل تَوَّابٌ: تائِبٌ إِلى اللّهِ. وتاب العبد: رجع إلى طاعة ربه وعبد تواب: كثير الرجوع إلى الطاعة وأصل التوبة الرجوع يقال: تاب وثاب وأب وأناب: أى رجع.
واللّهُ تَوّابٌ: يَتُوبُ علَى عَبْدِه. وتابَ الله عليه: وفَّقَه للتَّوبةِ، أو رجَعَ به من التَّشْدِيد إلى التَّخْفيفِ، أو رَجَعَ عليه بِفَضْلِهِ وقبوله، وهو تَوَّابٌ على
عبادِه ، واسْتَتَبْتُ فُلاناً: عَرَضْتُ عليهِ التَّوْبَةَ مما اقْتَرَف أَي الرُّجُوعَ والنَّدَمَ على ما فَرَطَ منه. واسْتَتابه: سأَلَه أَن يَتُوبَ.
* ومعناها شرعا:
أَصلُ تابَ عادَ إِلى اللّهِ ورَجَعَ وأَنابَ. وتابَ اللّهُ عليه أَي عادَ عليه بالمَغْفِرة. وقوله تعالى: "فتاب عليه" أي قبل توبته، أو وفقه للتوبة. وقوله تعالى: وتُوبُوا إِلى اللّه جَمِيعاً؛ أَي عُودُوا إِلى طَاعتِه وأَنيبُوا إِليه. واللّهُ التوَّابُ: يَتُوبُ على عَبْدِه بفَضْله إِذا تابَ إِليهِ من ذَنْبه.
والتوب: ترك الذنب على أجمل الوجوه... وهو أبلغ وجوه الاعتذار، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه: إما أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، أو فعلت وأسأت وقد أقلعت، ولا رابع لذلك، وهذا الأخير هو التوبة،... والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة، فالعبد تائب إلى الله، والله تائب على عبده... والتواب: العبد الكثير التوبة، وقد يقال ذلك لله تعالى لكثرة قبوله توبة العباد... ولا يجوز أن يقال في حق الله تعالى: تائب اسم فاعل من تاب يتوب , فليس لنا أن نطلق عليه من الأسماء والصفات إلا ما أطلقه هو على نفسه أو نبيه عليه السلام أو جماعة المسلمين، وإن كان في اللغة محتملا جائزا , قال الله تعالى "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار" [التوبة: 117] وقال: "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" [التوبة: 104] وإنما قيل لله عز وجل تواب، لمبالغة الفعل وكثرة قبوله توبة عباده لكثرة من يتوب إليه...... وقوله: {ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} (الفرقان/71)، أي: التوبة التامة، وهو الجمع بين ترك القبيح وتحري الجميل. {عليه توكلت وإليه متاب} (الرعد/30)،
* شروط التوبة:
التوبة في الشرع:
1- ترك الذنب لقبحه.
2- والندم على ما فرط منه.
3- والعزيمة على ترك المعاودة.
4- وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالأعمال بالإعادة. فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كملت شرائط التوبة.
* قال القرطبى :ولا يكفي في التوبة عند علمائنا قول القائل: قد تبت، حتى يظهر منه في الثاني خلاف الأول، فإن كان مرتدا رجع إلى الإسلام مظهرا شرائعه، وإن كان من أهل المعاصي ظهر منه العمل الصالح، وجانب أهل الفساد والأحوال التي كان عليها، وإن كان من أهل الأوثان جانبهم وخالط أهل الإسلام، وهكذا يظهر عكس ما كان عليه.
* قال سفيان بن عينه: التوبة نعمة من الله أنعم الله بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم وكانت توبة بني إسرائيل القتل.
** أحكام التوبة:
* حكم التوبة:قال القرطبى:..{ اية النساء..17-18}
اتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين؛ لقوله تعالى: "وتوبوا إلى الله جميعا آيه المؤمنون". [النور: 31]. وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا "{ التحريم:8 } أمر بالتوبة وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان.... وتصح من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه خلافا للمعتزلة في قولهم: لا يكون تائبا من أقام على ذنب. ولا فرق بين معصية ومعصية - هذا مذهب أهل السنة... وليس على الإنسان إذا لم يذكر ذنبه ويعلمه أن يتوب منه بعينه، ولكن يلزمه إذا ذكر ذنبا تاب منه.... ومثاله رجل كان يتعاطى بابا من أبواب الربا ولا يعرف أنه ربا فإذا سمع كلام الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله" [البقرة: 279] عظم عليه هذا التهديد، وظن أنه سالم من الربا، فإذا علم حقيقة الربا الآن، ثم تفكر فيما مضى من أيامه وعلم أنه لابس منه شيئا كثيرا في أوقات متقدمة، صح أن يندم عليه الآن جملة، ولا يلزمه تعيين أوقاته،... وهكذا كل ما واقع من الذنوب والسيئات كالغيبة والنميمة وغير ذلك من المحرمات التي لم يعرف كونها محرمة، فإذا فقه العبد وتفقد ما مضى من كلامه تاب من ذلك جملة، وندم على ما فرط فيه من حق الله تعالى،
* التوبة النصوح:
* قال القرطبى:...{اية التحريم:8}
وأصل التوبة النصوح من الخلوص؛ يقال: هذا عسل ناصح إذا خلص من الشمع. وقيل: هي مأخوذة من النصاحة وهي الخياطة. وفي أخذها منها وجهان: أحدهما: لأنها توبة قد أحكمت طاعته وأوثقتها كما يحكم الخياط الثوب بخياطته ويوثقه. والثاني: لأنها قد جمعت بينه وبين أولياء الله وألصقته بهم؛ كما يجمع الخياط الثوب ويلصق بعضه ببعض.
اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا:
1- هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع.
2- وروي عن عمر وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم. ورفعه معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: النصوح الصادقة الناصحة.
3- وقيل الخالصة؛ يقال: نصح أي أخلص له القول. وقال الحسن: النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره.
4- وقيل: هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وجل منها.
5- وقيل: هي التي لا يحتاج معها إلى توبة.
6- وقال الكلبي: التوبة النصوح الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والاطمئنان على أنه لا يعود.
7- وقال الكلبي: التوبة النصوح الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والاطمئنان على أنه لا يعود.
8- وقال سعيد بن المسيب: توبة تنصحون بها أنفسكم.
9- وقال القرظي: يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، وإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيء الخلان.
10- وقال سفيان الثوري: علامة التوبة النصوح أربعة: القلة والعلة والذلة والغربة.
11- وقال الفضيل بن عياض: هو أن يكون الذنب بين عينيه، فلا يزال كأنه ينظر إليه.
12- ونحوه عن ابن السماك: أن تنصب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعد لمنتظرك.
13- وقال أبو بكر الوراق: هو أن تضيق عليك الأرض بما رحبت، وتضيق عليك نفسك؛ كالثلاثة الذين خلفوا.
14- وقال أبو بكر الواسطي: هي توبة لا لفقد عوض؛ لأن من أذنب في الدنيا لرفاهية نفسه ثم تاب طلبا لرفاهيتها في الآخرة؛ فتوبته على حفظ نفسه لا لله.
15- وقال أبو بكر الدقاق المصري: التوبة النصوح هي رد المظالم، واستحلال الخصوم، وإدمان الطاعات.
16- وقال رويم: هو أن تكون لله وجها بلا قفا، كما كنت له عند المعصية قفا بلا وجه.
17- وقال ذو النون: علامة التوبة النصوح ثلاث: قلة الكلام، وقلة الطعام، وقلة المنام.
18- وقال شقيق: هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة، ولا ينفك من الندامة؛ لينجو من آفاتها بالسلامة.
19- وقال سري السقطي: لا تصلح التوبة النصوح إلا بنصيحة النفس والمؤمنين؛ لأن من صحب توبته أحب أن يكون الناس مثله.
20- وقال الجنيد: التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فلا يذكره أبدا؛ لأن من صحت توبته صار محبا لله، ومن أحب الله نسي ما دون الله.
21- وقال ذو الأذنين: هو أن يكون لصاحبها دمع مسفوح، وقلب عن المعاصي جموح.
22- وقال فتح الموصلي: علامتها ثلاث: مخالفة الهوى، وكثرة البكاء، ومكابدة الجوع والظمأ.
23- وقال سهل بن عبدالله التستري: هي التوبة لأهل السنة والجماعة؛ لأن المبتدع لا توبة له؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب). وعن حذيفة: بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه.
* قبول الله للتوبة:قال القرطبى:..{ اية النساء..17-18}
إذا تاب العبد فالله سبحانه بالخيار إن شاء قبلها، وإن شاء لم يقبلها. وليس قبول التوبة واجبا على الله من طريق العقل كما قال المخالف؛ لأن من شرط الواجب أن يكون أعلى رتبة من الموجب عليه، والحق سبحانه خالق الخلق ومالكهم، والمكلف لهم؛ فلا يصح أن يوصف بوجوب شيء عليه، تعالى عن ذلك، غير أنه قد أخبر سبحانه وهو الصادق في وعده بأنه يقبل التوبة عن العاصين من عباده بقوله تعالى: "وهو يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات" [الشورى: 25].
وقوله: "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده" [التوبة: 104] وقوله: "وإني لغفار لمن تاب" [طه: 82] فإخباره سبحانه وتعالى عن أشياء أوجبها على نفسه يقتضي وجوب تلك الأشياء. والعقيدة أنه لا يجب عليه شيء عقلا؛ فأما السمع فظاهره قبول توبة التائب. قال أبو المعالي وغيره: وهذه الظواهر إنما تعطي غلبة ظن، لا قطعا على الله تعالى بقبول التوبة. قال ابن عطية: وقد خولف أبو المعالي وغيره في هذا المعنى. فإذا فرضنا رجلا قد تاب توبة نصوحا تامة الشروط فقال أبو المعالي: يغلب على الظن قبول توبته. وقال غيره: يقطع على الله تعالى بقبول توبته كما أخبر عن نفسه جل وعز. قال ابن عطية: وكان أبي رحمه الله يميل إلى هذا القول ويرجحه، وبه أقول، والله تعالى أرحم بعباده من أن ينخرم في هذا التائب المفروض معنى قوله: "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" [الشورى: 25] وقوله تعالى: "وإني لغفار" [طه: 82]... وإذا تقرر هذا فاعلم أن في قوله "على الله" حذفا وليس على ظاهره، وإنما المعنى على فضل الله ورحمته بعباده. وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (أتدري ما حق العباد على الله) ؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: (أن يدخلهم الجنة). فهذا كله معناه: على فضله ورحمته بوعده الحق وقوله الصدق. دليله قوله تعالى: "كتب على نفسه الرحمة" [الأنعام: 12] أي وعد بها.
* شروط التوبة:قال القرطبى:..{ اية النساء..17-18..وال عمران: 135..والتحريم:8}
وهي أربعة: الندم بالقلب، وترك المعصية في الحال، والعزم على ألا يعود إلى مثلها، وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى لا من غيره؛ فإذا اختل شرط من هذه الشروط لم تصح التوبة. وقد قيل من شروطها: الاعتراف بالذنب وكثرة الاستغفار... ولا يكفي في التوبة عند علمائنا قول القائل: قد تبت، حتى يظهر منه في الثاني خلاف الأول، فإن كان مرتدا رجع إلى الإسلام مظهرا شرائعه، وإن كان من أهل المعاصي ظهر منه العمل الصالح، وجانب أهل الفساد والأحوال التي كان عليها، وإن كان من أهل الأوثان جانبهم وخالط أهل الإسلام، وهكذا يظهر عكس ما كان عليه.. والذنوب التي يتاب منها إما كفر أو غيره، فتوبة الكافر إيمانه مع ندمه على ما سلف من كفره، وليس مجرد الإيمان نفس توبة، وغير الكفر إما حق لله تعالى، وإما حق لغيره، فحق الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك؛ غير أن منها ما لم يكتف الشرع فيها بمجرد الترك بل أضاف إلى ذلك في بعضها قضاء كالصلاة والصوم، ومنها ما أضاف إليها كفارة كالحنث في الأيمان والظهار وغير ذلك، وأما حقوق الآدميين فلا بد من إيصالها إلي مستحقيها، فإن لم يوجدوا تصدق عنهم، ومن لم يجد السبيل لخروج ما عليه لإعسار فعفو الله مأمول، وفضله مبذول؛ فكم ضمن من التبعات وبدل من السيئات بالحسنات. قال العلماء: الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو، إما أن يكون حقا لله أو للآدميين. فإن كان حقا لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها. وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزكاة. وإن كان ذلك قتل نفس بغير حق فأن يمكن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوبا به. وإن كان قذفا يوجب الحد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبا به. فإن عفي عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص. وكذلك إن عفي عنه في القتل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجدا له، قال الله تعالى: "فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" [البقرة: 178]. وإن كان ذلك حدا من حدود الله كائنا ما كان فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه. وقد نص الله تعالى على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم. وفي ذلك دليل على أنها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم؛ حسب ما تقدم بيانه. وكذلك الشراب والسراق والزناة إذا أصلحوا وتابوا وعرف ذلك منهم، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم. وإن رفعوا إليه فقالوا: تبنا، لم يتركوا، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غلبوا. هذا مذهب الشافعي. فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه - عينا كان أو غيره - إن كان قادرا عليه، فإن لم يكن قادرا فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه. وإن كان أضر بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتى، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه، ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له، فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه. وإن أرسل من يسأل ذلك له، فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه - عرفه بعينه أو لم يعرفه - فذلك صحيح. وإن أساء رجل إلى رجل بأن فزعه بغير حق، أو غمه أو لطمه، أو صفعه بغير حق، أو ضربه بسوط فآلمه، ثم جاءه مستعفيا نادما على ما كان منه، عازما على ألا يعود، فلم يزل يتذلل له حتى طابت نفسه فعفا عنه، سقط عنه ذلك الذنب. وهكذا إن كان شانه بشتم لا حد فيه...ولايصر العبد على الذنب... والإصرار هو العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع عنه. ومنه صر الدنانير أي الربط عليها؛ وقال قتادة: الإصرار الثبوت على المعاصي؛
قال سهل بن عبدالله: الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصر هالك، والإصرار هو التسويف، والتسويف أن يقول: أتوب غدا؛ وهذا دعوى النفس، كيف يتوب غدا لا يملكه!. وقال غير سهل: الإصرار هو أن ينوي ألاّ يتوب فإذا نوى التوبة النصوح خرج عن الإصرار.
* ومما يعين على التوبة وعدم الإصرار:
* قال القرطبى:...{اية..135ال عمران}
قال علماؤنا: الباعث على التوبة وحل الإصرار إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفار، وما ذكره الله سبحانه من تفاصيل الجنة ووعد به المطيعين، وما وصفه من عذاب النار وتهدد به العاصين، ودام على ذلك حتى قوي خوفه ورجاؤه فدعا الله رغبا ورهبا؛ والرغبة والرهبة ثمرة الخوف والرجاء، يخاف من العقاب ويرجو الثواب، والله الموفق للصواب. وقد قيل: إن الباعث على ذلك تنبيه إلهي ينبه به من أراد سعادته؛ لقبح الذنوب وضررها إذ هي سموم مهلكة. قلت: وهذا خلاف في اللفظ لا في المعنى، فإن الإنسان لا يتفكر في وعد الله ووعيده إلا بتنبيهه؛ فإذا نظر العبد بتوفيق الله تعالى إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيئات اقترفها، وانبعث منه الندم على ما فرط، وترك مثل ما سبق مخافة عقوبة الله تعالى صدق عليه أنه تائب، فإن لم يكن كذلك كان مصرا على المعصية وملازما لأسباب الهلكة. قال سهل بن عبدالله: علامة التائب أن يشغله الذنب على الطعام والشراب؛ كالثلاثة الذين خُلِّفوا.
* وعلى العبد ان يتوب من قريب:
قال القرطبى:..{ اية النساء..17-18}
ومعنى من قريب كما قال تعالى:" إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب" قال ابن عباس والسدي: معناه قبل المرض والموت. وروي عن الضحاك أنه قال: كل ما كان قبل الموت فهو قريب. وقال أبو مجلز والضحاك أيضا وعكرمة وابن زيد وغيرهم: قبل المعاينة للملائكة والسوق، وأن يغلب المرء على نفسه.... قال الهروي وقيل: المعنى يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار. والمبادر في الصحة أفضل،وقوله تعالى:" وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار" نفى سبحانه أن يدخل في حكم التائبين من حضره الموت وصار في حين اليأس؛ كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان؛ لأن التوبة في ذلك الوقت لا تنفع، لأنها حال زوال التكليف. وبهذا قال ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين. وأما الكفار يموتون على كفرهم فلا توبة لهم في الآخرة،... وقد قيل: إن السيئات هنا الكفر، فيكون المعنى وليست التوبة للكفار الذين يتوبون عند الموت، ولا للذين يموتون وهم كفار. وان كانت السيئات ما دون الكفر؛ فالمعنى ليست التوبة لمن عمل دون الكفر من السيئات ثم تاب عند الموت، ولا لمن مات كافرا فتاب يوم القيامة... وقوله:"حتى إذا حضر أحدهم الموت" يعني الشرق والنزع ومعاينة ملك الموت. "قال إني تبت الآن" فليس لهذا توبة.
* هل على التائب غسل:
ليس على التائب غسل لا على الوجوب ولا الاستحباب الا اذا كان كافرا مشركا ثم اسلم فمن المشروع ان يغتسل واختلفوا هل هذا الغسل واجب ام مندوب...ففى الحديث عن قيس بن عاصم: (أنه أسلم فأمره النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يغتسل بماء وسدر).{ رواه الخمسة إلا ابن ماجه وأخرجه أيضاً ابن حبان وابن خزيمة وصححه ابن السكن }... وعن أبي هريرة: (أن ثمامة أسلم فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل)...{ رواه أحمد وأخرجه أيضاً عبد الرزاق والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان وأصله في الصحيحين وليس فيهما الأمر بالاغتسال وإنما فيهما أنه اغتسل}
وهذه الأحاديث تدل على مشروعية الغسل لمن أسلم. وقد ذهب إلى الوجوب مطلقاً أحمد بن حنبل... وذهب الشافعي إلى أنه يستحب له أن يغتسل فإن لم يكن جنباً أجزأه الوضوء...ولعل هذا فى حق الكافر الصلى وليس المرتد.
* هل تكرار الذنب يمنع التوبة:
* قال القرطبى:...{اية..135ال عمران}
قوله تعالى: "وهم يعلمون".. فيه أقوال.. وقال الحسن بن الفضل: "وهم يعلمون" أن لهم ربا يغفر الذنب. قلت: وهذا أخذه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: (أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي - فذكر مثله مرتين، وفي آخره: اعمل ما شئت فقد غفرت لك) أخرجه مسلم. وفيه دليل على صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب؛ لأن التوبة الأولى طاعة وقد انقضت وصحت، وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني إلى توبة أخرى مستأنفة، والعود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه؛ لأنه أضاف إلى الذنب نقض التوبة، فالعود إلى التوبة أحسن من ابتدائها؛ لأنه أضاف إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم، وإنه لا غافر للذنوب سواه. وقوله في آخر الحديث (اعمل ما شئت) أمر معناه الإكرام في أحد الأقوال؛ فيكون من باب قوله: "ادخلوها بسلام" [الحجر: 46]. وآخر الكلام خبر عن حال المخاطب بأنه مغفور له ما سلف من ذنبه، ومحفوظ إن شاء الله تعالى فيما يستقبل من شأنه. ودلت الآية والحديث على عظيم فائدة الاعتراف بالذنب والاستغفار منه، قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه) أخرجاه في الصحيحين.
وصدق من قال قال:
يستوجب العفو الفتى إذا اعترف بما جنى من الذنوب واقترف
وقال آخر:
أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزه إن الجحود جحود الذنب ذنبان
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم). وهذه فائدة اسم الله تعالى الغفار والتواب،
* هل التوبة تسقط الحد:قال القرطبى:..{ اية النساء..17-18}
ولا خلاف فيما أعلمه أن التوبة لا تسقط حدا؛ ولهذا قال علماؤنا: إن السارق والسارقة والقاذف متى تابوا وقامت الشهادة عليهم أقيمت عليهم الحدود.
* متى لايقبل الله التوبة:
* روى الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر). قال: هذا حديث حسن غريب. ومعنى ما لم يغرغر: ما لم تبلغ روحه حلقومه؛ فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به.
* وأما قوله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون}.( سورة آل عمران. الآية: 90)
* قال القرطبى:
قال قتادة وعطاء الخراساني والحسن: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته "ثم ازدادوا كفرا" بإقامتهم على كفرهم...
وقوله: "لن تقبل توبتهم" مشكل لقوله: "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات" [الشورى: 25] فقيل: المعنى لن تقبل توبتهم عند الموت. قال النحاس: وهذا قول حسن؛ كما قال عز وجل: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن" [النساء: 18].... وقيل: "لن تقبل توبتهم" التي كانوا عليها قبل أن يكفروا؛ لأن الكفر قد أحبطها. وقيل: "لن تقبل توبتهم" إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر؛ وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الإسلام... وقال قطرب: هذه الآية نزلت في قوم من أهل مكة قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون، فإن بدا لنا الرجعة رجعنا إلى قومنا. فأنزل الله تعالى: "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم" أي لن تقبل توبتهم وهم مقيمون على الكفر؛ فسماها توبة غير مقبولة؛ لأنه لم يصح من القوم عزم، والله عز وجل يقبل التوبة كلها إذا صح العزم.ا.هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* السبت, 16 جمادى الثانية, 1423هـ,,,,{ 24 / 08 / 2002 م 04:39:40 ص}
جمعه ورتبه وكتبه الفقير
د/ السيد العربى بن كمال
منقول من الأخ حليمو
هل لله روح ؟
هذا السؤال حديث وورد للشيخ محمد بن صالح المنجد - وذكرنى هذا بنقاش موضوع احد الأعضاء بخصوص روح الله ، وقد أجاب وأورد بعض الآيات كدليل لفهمه او فهم احد المفسرين ، وهذا تفسير آخر وهو الأدق ربما فى ضوء عقيدة أهل السنة :
السؤال:
أجادل مسيحيا فيقول لي : إن لله روحا . فسؤالي هل لله روح ؟ ( روح كروح الإنسان والملائكة وسائر الخلق ) وهل الروح شئ مخلوق أم ماذا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
ليس لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا أحد أعلم بالله من الله تعالى ، ولا مخلوق أعلم بخالقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى : ( قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ) البقرة/140. ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء/36 .
والروح ليست من صفات الله تعالى ، بل هي خلق من مخلوقات الله تعالى . وأضيفت إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافة ملك وتشريف ، فالله خالقها ومالكها ، يقبضها متى شاء ، ويرسلها متى شاء .
فالقول في الروح ، كالقول في (بيت الله) و (ناقة الله) و (عباد الله) و (رسول الله) فكل هذه مخلوقات أضيفت لله تعالى للتشريف والتكريم .
ومن النصوص التي أضيفت فيها الروح إلى الله : قوله تعالى : ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِه ) السجدة/9 . وهذا في حق آدم عليه السلام .
وقال سبحانه وتعالى عن آدم أيضاً : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) الحجر/29 .
وقال تعالى : ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً ) مريم/17- 19 .
فالروح هنا هو عبد الله ورسوله جبريل الذي أرسله إلى مريم . وقد أضافه الله إليه في قوله (رُوحَنَا) فالإضافة هنا للتكريم والتشريف ، وهي إضافة مخلوق إلى خالقه سبحانه وتعالى .
وفي حديث الشفاعة الطويل : ( فَيَأْتُونَ مُوسَى ، فَيَقُولُ : لَسْتُ لَهَا ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى ، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ ) رواه البخاري (7510) ومسلم (193) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له ، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق ، كقوله تعالى (بيت الله) و (ناقة الله) و(عباد الله) بل وكذلك روح الله عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم . ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره مثل كلام الله وعلم الله ويد الله ونحو ذلك كان صفة له " انتهى من "الجواب الصحيح" (4/414) .
وهذه القاعدة ذكرها شيخ الإسلام في مواضع ، وحاصلها أن المضاف إلى الله نوعان :
1- أعيان قائمة بذاتها ، فهذه الإضافة للتشريف والتكريم ، كبيت الله وناقة الله ، وكذلك الروح ، فإنها ليست صفة ، بل هي عين قائمة بنفسها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب الطويل في وفاة الإنسان وخروج روحه : ( فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ) ( فَيَأْخُذُهَا (يعني يأخذ ملك الموت الروح ) فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا (يعني الملائكة) فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ ) (وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا ) . انظر روايات الحديث في "أحكام الجنائز" للألباني (ص 198) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ) رواه مسلم (920) أي : إذا خرجت الروح تبعها البصر ينظر إليها أين تذهب . فهذا كله يدل على أن الروح عين قائمة بنفسها .
2- صفات لا تقوم بنفسها ، بل لا بد لها من موصوف تقوم به ، كالعلم والإرادة والقدرة ، فإذا قيل : علم الله ، وإرادة الله ، فهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف .
قال ابن القيم رحمه الله في كتاب "الروح" :
" المسألة السابعة عشرة : وهي هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة ؟
ثم قال : فهذه مسألة زل فيها عالَمٌ ، وضل فيها طوائف من بنى آدم ، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين ، والصواب المستبين ، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبَّرة ، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث ، وأن معاد الأبدان واقع ، وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له " ثم نقل عن الحافظ محمد بن نصر المروزي قوله : " ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم كلها مخلوقة لله ، خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) الجاثية/13 "
انتهى من "الروح" (ص144) .
وربما أشكل على بعض الناس قوله سبحانه في شأن عيسى عليه السلام : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) النساء/171 . فظنوا كما ظنت النصارى أن (مِِْن) للتبعيض ، وأن الروح جزء من الله . والحق أن (مِِْن) هنا لابتداء الغاية ، أي هذه الروح من عند الله ، مبدأها ومنشأها من الله تعالى ، فهو الخالق لها ، والمتصرف فيها
قال ابن كثير رحمه الله :
" فقوله في الآية والحديث : ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) كقوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) أي من خلقه ومِنْ عنده ، وليست (مِنْ) للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة ، بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى ، وقد قال مجاهد في قوله : (وروح منه) أي ورسول منه ، وقال غيره : ومحبة منه ، والأظهر الأول ، وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة . وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف ، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله : ( هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ ) الأعراف/73 ، وفي قوله : ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ) الحج/26 . وكما روي في الحديث الصحيح : ( فأدخل على ربي في داره ) أضافها إليه إضافة تشريف ، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/784) .
وقال الألوسي رحمه الله : : حكي أن طبيبا نصرانيا حاذقا للرشيد ناظر على بن الحسين الواقدى المروزى ذات يوم فقال له : إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى ، وتلا هذه الآية : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) فقرأ الواقدي قوله تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) الجاثية/13 . فقال : إذاً يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءاً منه سبحانه وتعالى علوا كبيرا ، فانقطع النصراني فأسلم ، وفرح الرشيد فرحا شديدا " .
وقال رحمه الله : " لا حجة للنصارى على شيء مما زعموا في تشريف عيسى عليه السلام بنسبة الروح إليه ؛ إذ لغيره عليه السلام مشاركة له في ذلك ، ففي إنجيل لوقا : قال يسوع لتلاميذه : إن أباكم السماوي يعطي روح القدس الذين يسألونه .
وفى إنجيل متى : إن يوحنا المعمداني امتلأ من روح القدس وهو في بطن أمه .
وفى التوراة : قال الله تعالى لموسى عليه السلام : اختر سبعين من قومك حتى أفيض عليهم من الروح التي عليك .
وفيها في حق يوسف عليه السلام : يقول الملك : هل رأيتم مثل هذا الفتى الذي روح الله تعالى عز وجل حال فيه .
وفيها أيضا : إن روح الله تعالى حلت على دانيال . . . إلى غير ذلك " انتهى من "روح المعاني" (6/25) .
وجاء في إنجيل لوقا (1/41) : ( وامتلأت الياصبات من الروح القدس ) .
وقوله (1/25، 26) : ( وكان في أورشليم رجل صالح تقي اسمه سِمعان ، ينتظر الخلاص لإسرائيل ، والروح القدس كان عليه ، وكان الروح القدس أوحى إليه أنه لا يذوق الموت قبل أن يرى مسيح الرب . فجاء إلى الهيكل بوحي من الروح ) فهذا صريح في أن الروح ملَك يأتي بالوحي ، وصريح أيضا في أن عيسى عليه السلام (مسيح الرب) فهو عبد لله تعالى ، والله هو الذي مسحه ، وجعلها مسيحا .
منقول عن :
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
====================
هل الإسلام يمدح الرهبانية ؟
قال تعالى : " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون "
فهل نفهم من هذه الآية أن الإسلام يمتدح الرهبانية .. لان الرهبانية قرنت بالرأفة والرحمة ؟
فنضع رد شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه النقطة مع قليل من التصرف من قبلى .. قال : ان هذه الآية لا مدح فيها على الاطلاق للرهبانية .. بل هى مذمة لهم واستنكار عليهم هذه البدعة التى لم ينزل الله بها من سلطان .. وانما فيه مدح لمن اتبع عيسى عليه السلام بما جعل الله في قلوبهم من الرحمة والرأفة .. حيث يقول " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة " ثم قال " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " .. اى وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم وهذه الرهبانية لم يشرعها الله ولم يجعلها مشروعة لهم .. بل نفى جعله عنها .
وهذا الجعل المنفى عن ’’البدع‘‘ هو الجعل الذي اثبته للمشروع بقوله تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " وقوله " لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه " فالرهبانية ابتدعوها النصارى ولم يشرعها الله
وقال علماء اللغة :
فى قوله ’’ورهبانية‘‘ قولان : أحدهما أنها منصوبة يعني ابتدعوها إما بفعل مضمر يفسره ما بعده أو يقال هذا الفعل عمل في المضمر والمظهر .. كما هو قول ’’الكوفيين‘‘ حكاه عنهم ابن جرير وثعلب وغيرهما ونظيره قوله " يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما " وقوله " فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " وعلى هذا القول فلا تكون الرهبانية معطوفة على الرأفة والرحمة .
والقول الثانى إنها معطوفة عليها فيكون الله قد جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة والرهبانية المبتدعة .. ويكون هذا جعلا خلقيا كونيا .. والجعل الكوني يتناول الخير والشر كقوله تعالى " وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار " .
وعلى هذا القول فلا مدح للرهبانية بجعلها في القلوب .. فثبت على التقديرين أنه ليس في القرآن مدح للرهبانية ثم قال " إلا ابتغاء رضوان الله " .. أى لم يكتب عليهم إلا ابتغاء رضوان الله وابتغاء رضوان الله بفعل ما أمر به .. لا بما يبتدع وهذا يسمى استثناء منقطعا كما في قوله " اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه " وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا " وقوله تعالى " لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى " وقوله تعالى " فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون " وقوله تعالى " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما " وقوله " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ " وهذا أصح الأقوال في هذه الآية كما هو مبسوط في موضع آخر .
ولا يجوز أن يكون المعنى أن الله كتبها عليهم ابتغاء رضوان الله .. فإن الله لا يفعل شيئا ابتغاء رضوان نفسه ولا أن المعنى أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوانه كما يظن هذا وهذا بعض الغالطين كما قد بسط في موضع آخر .. وذكر أنهم ابتدعوا الرهبانية وما رعوها حق رعايتها .. وليس في ذلك مدح لهم بل هو ذم ثم قال تعالى " فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم " وهم الذين آمنوا منهم بمحمد وكثير منهم فاسقون .. ولو أريد الذين آمنوا بالمسيح أيضا فالمراد من اتبعه على دينه الذي لم يبدل .. وإلا فكلهم يقولون إنهم مؤمنون بالمسيح وبكل حال فلم يمدح سبحانه إلا من اتبع المسيح على دينه الذي لم يبدل .. ومن آمن بمحمد لم يمدح النصارى الذين بدلوا دين المسيح ولا الذين لم يؤمنوا بمحمد .. فإن قيل قد قال بعض الناس إن قوله تعالى ورهبانية ابتدعوها عطف على رأفة ورحمة وإن المعنى أن الله جعل في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية أيضا ابتدعوها وجعلوا الجعل شرعيا ممدوحا قيل هذا غلظ لوجوه :
منها أن الرهبانية لم تكن في كل من اتبعه بل الذين صحبوه كالحواريين لم يكن فيهم راهب .. وإنما ابتدعت الرهبانية بعد ذلك بخلاف الرأفة والرحمة فإنها جعلت في قلب كل من اتبعه .
ومنها أنه أخبر أنهم ابتدعوا الرهبانية بخلاف الرأفة والرحمة .. فإنهم لم يبتدعوها وإذا كانوا ابتدعوها لم يكن قد شرعها لهم فإن كان المراد هوالجعل الشرعي الديني لا الجعل الكوني القدري فلم تدخل الرهبانية في ذلك .. وإن كان المراد الجعل الخلقي الكوني فلا مدح للرهبانية في ذلك .
ومنها أن الرأفة والرحمة جعلها في القلوب والرهبانية لا تختص بالقلوب .. بل الرهبانية ترك المباحات من النكاح واللحم وغير ذلك .. وقد كان طائفة من الصحابة رضوان الله عليهم هموا بالرهبانية فأنزل الله تعالى نهيهم عن ذلك بقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " وثبت في الصحيحين أن نفرا من أصحاب النبي قال أحدهم أما أنا فأصوم لا أفطر وقال آخر أما أنا فأقوم لا أنام وقال آخر أما أنا فلا أتزوج النساء وقال آخر أما أنا فلا آكل اللحم .. فقام النبي خطيبا فقال ما بال رجال يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني .
وفي صحيح البخاري أن النبي رأى رجلا قائما في الشمس فقال ما هذا قالوا هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه .
وثبت في صحيح مسلم عن النبي أنه كان يقول في خطبته خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وفي السنن عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة .. قال الترمذي حديث حسن صحيح .. وقد بينت النصوص الصحيحة أن الرهبانية بدعة وضلالة وما كان بدعة وضلالة لم يكن هدى .. ولم يكن الله جعلها بمعنى أنه شرعها كما لم يجعل الله ما شرعه المشركون من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام .
فإن قيل قد قال طائفة معناها ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله .. وقالت طائفة ما فعلوها أو ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله .. قيل كلا القولين خطأ والأول أظهر خطأ فإن الرهبانية لم يكتبها الله عليهم .. بل لم يشرعها لا إيجابا ولا استحبابا ولكن ذهبت طائفة إلى أنهم لما ابتدعوها كتب عليهم إتمامها .. وليس في الآية ما يدل على ذلك فإنه قال " ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها " فلم يذكر أنه كتب عليهم نفس الرهبانية ولا إتمامها ولا رعايتها .. بل أخبر أنهم ابتدعوا بدعة وأن تلك البدعة لم يرعوها حق رعايتها .
فإن قيل قوله تعالى " فما رعوها حق رعايتها " .. يدل على أنهم لو رعوها حق رعايتها لكانوا ممدوحين .. قيل ليس في الكلام ما يدل على ذلك بل يدل على أنهم مع عدم الرعاية يستحقون من الذم ما لا يستحقونه بدون ذلك فيكون ذم من ابتدع البدعة ولم يرعها حق رعايتها أعظم من ذم من رعاها وإن لم يكن واحد منهما محمودا بل مذموما مثل نصارى بني تغلب ونحوهم ممن دخل في النصرانية ولم يقوموا بواجباتها بل أخذوا منها ما وافق أهواءهم فكان كفرهم وذمهم أغلظ ممن هو أقل شرا منهم والنار دركات كما أن الجنة درجات .
وأيضا فالله تعالى إذا كتب شيئا على عباده لم يكتب ابتغاء رضوانه بل العباد يفعلون ما يفعلون ابتغاء رضوان الله .. وأيضا فتخصيص الرهبانية بأنه كتبها ابتغاء رضوان الله دون غيرها تخصيص بغير موجب .. فإن ما كتبه ابتداء لم يذكر أنه كتبه ابتغاء رضوانه فكيف بالرهبانية .. وأما قول من قال ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله فهذا المعنى لو دل عليه الكلام لم يكن في ذلك مدح للرهبانية .. فإن من فعل ما لم يأمر الله به بل نهاه عنه مع حسن مقصده غايته أن يثاب على قصده لا يثاب على ما نهى عنه ولا على ما ليس بواجب ولا مستحب فكيف والكلام لا يدل عليه فإن الله قال " ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله " ولم يقل ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله .. ولا قال ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله .. ولو كان المراد ما فعلوها أو ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله لكان منصوبا على المفعولية ولم يتقدم لفظ الفعل ليعمل فيه ولا نفي الابتداع بل أثبته لهم .. وإنما تقدم لفظ الكتابة فعلم أن القول الذي ذكرناه هو الصواب وأنه استثناء منقطع فتقديره وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله فإن إرضاء الله واجب مكتوب على الخلق وذلك يكون بفعل المأمور وبترك المحظور .. لا بفعل ما لم يأمر بفعله وبترك ما لم ينه عن تركه والرهبانية فيها فعل ما لم يؤمر به وترك ما لم ينه عنه .
هذه المشاركه بقلم الأخ ابن القيم
==================
الخلط بين الإسلام وغيره من الأديان - إبطال نظرية
أما بعدُ: ففي الوقت الذي يجري فيه صريف الأقلام الجهادية من علماء المسلمين في شتى فجاج أرض الله، بالدعوة إلى الله، والتبصير في الدين، ومواجهة موجات الإلحاد والزندقة، ورد دعاوى الجاهلية القديمة والمعاصرة: القومية. البعثية. . . . . الماركسية. العلمنة. الحداثة . . . . وصد عاديات التغريب والانحراف، والغزو والمعنوي بجميع أنواعه وضروبه، وأشكاله، بدت محنة أخرى في ظاهرة هي أبشع الظواهر المعادية للإسلام والمسلمين؛ إذ نزعت في المواجهة نزعا عنيفا بوقاحة، وفراهة؛ كيداً للمسلمين، وطعناً في الدين، وليّاً بألسنتهم؛ لإفساد نزعة التدين بالإسلام، والدخول فيه، وتذويب شخصيته في معترك الديانات، ومطاردة التيار الإسلامي، وكبت طلائعه المؤمنة، وسحب أهله عنه إلى ردةٍ شاملة.
وكل ذلك يجري على سنن الصراع والتقابل والتدافع، كما قال أبو العلاء المعري:
يجنى تزايد هذا من تناقض ذا كالليل إن طال غال اليوم بالقصر
وأعلى من ذلك وأجل قول الله -تعالى-: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا} [البقرة/ 217].
وقوله -سبحانه-: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} [النساء/ 89].
وذلك فيما جهرت به اليهود والنصارى، من الدعوة الجادة إلى:
"نظرية الخلط بين الإسلام وبين ما هم عليه من دين محرف منسوخ" وزرع خلاياهم في أعماق الإسلام في كل صقع ودار، وصهر المسلمين معهم في قالب واحد فلا ولاء، ولا براء، ولا تقسيم للملأ إلى مسلم وكافر أبدا، ولا لتعبدات الخلائق إلى حق وباطل. ونصبوا لذلك مجموعة من الشعارات وصاغوا له كوكبة من الدعايات، وعقدوا له المؤتمرات، والندوات، والجمعيات، والجماعات، إلى آخر ما هنالك من مخططات وضغط، ومباحثات ظاهرة، أو خفية، معلنة، أو سرية، وما يتبع ذلك من خطوات نشيطة، ظهر أمرها وانتشر وشاع واشتهر.
وهم في الوقت نفسه في حالة استنفار، وجد ودأب في نشر التنصير، وتوسيع دائرته، والدعوة إليه، واستغلال مناطق الفقر، والحاجة، والجهل، وبعث النشرات عبر صناديق البريد.
من هنا اشتد السؤال ، ووقع كثيراً من أهل الإسلام عن هذه " النظرية " التي حلت بهم ، ونزلت بساحتهم ، ما الباعث لها ، وما الغالية التي ترمي إليها ، وما مدى مصداقية شعاراتها ، وعن حكم الإسلام فيها، وحكم الاستجابة لها من المسلمين ، وحكم من أجاب فيها ، وحكم من دعا إليها ، ومهد السبيل لتسليكها بين المسلمين ، ونشرها في ديارهم ، ونثر من أجلها وسائل التغريب ، وأسباب التهويد ، والتنصير في صفوف المسلمين .
حتى بلغت الحال ببعضهم إلى فكرة : " طبع القرآن الكريم ، والتوراة والإنجيل في غلاف واحد ؟
وحتى بلغ الخلط والدمج مبلغه ببناء " مسجد ، وكنسية ، ومعبد " في محل واحد ، في : " رحاب الجامعات " و " المطارات " و " الساحات العامة " ؟
فما جوابكم يا علماء الإسلام ؟؟
بين يدي الجواب :
لا شك أن الوضع قائم مشهور ، والسؤال وارد مطلوب ، والجواب واجب محتوم ، على كل من آتاه الله علماً ، وبصيرة في دين الله ، وهذا من بعض حق الله على كل عبد مسلم ؛ لتبصير المسلمين في أمر دينهم ، وكشف الحقيقة عما يحل بهم ، حتى يصيروا على بصيرة من أمرهم ، وحراسة الشريعة برد كل مكيدة توجد إليهم ، وإلى دينهم : " دين الإسلام " وتطعن في الله ، وفي كتابه ، وفي رسوله ، وسنته ، وهو باب عظيم من أبواب مجاهدة الكافرين ودفع مكايدهم ، وشرورهم عن المسلمين ، وهي تكون بالحجة والبيان ، والسيف والسنان ، والقلب والجنان ، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان . قال الله تعالى : { كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } [ آل عمران / 79 ] .
وقد رأيت أن أكتب الجواب عن هذا السؤال ، مبيناً له بالحجة ، والبيان ، والدليل والبرهان ، مرتباً له في مقامات ثلاثة :
المقام الأول : المسرد التاريخي لهذه النظرية ، وتشخيص وقائعها وخطواتها في الحاضر والعابر ؛ ليحصل تمام التصور لمحل السؤال .
المقام الثاني : في الجواب على سبيل الإجمال .
المقام الثالث : في الجواب على طريقة النشر والتفصيل ، بتشخيص الأصول العقدية الإسلامية التي ترفض هذه النظرية وتنابذها .
المقام الأول
المسرد التاريخي لهذه النظرية وتشخيص وقائعها
إنها نظرية اليهود والنصارى ، وهي حديثة بصنع شعاراتها ، والعمل من أجلها على كافة المستويات - كما سيأتي - لسَحب المسلمين من إسلامهم ، لكنها قديمة عند اليهود ، والنصارى ، في كوكبة تدابيرهم الكيدية ومواقفهم العدائية للإسلام ، والمسلمين .
وبتتبع مراحلها التاريخية ، وجدتها قد مرت في حقب زمانية أربع هي :
1- مرحلتها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم :
قد بين الله - سبحانه - في محكم كتابه ، أن اليهود ، والنصارى في محاولة دائبة ؛ لإضلال المسلمين عن إسلاميهم ، وردهم إلى الكفر ، ودعوتهم المسلمين إلى اليهودية أو النصرانية فقال - تعالى - : { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شئ قدير } [البقرة / 109] .
وقال - تعالى - : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [ البقرة / 111 ، 112 ] .
وقال - تعالى - : { قالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين } [ البقرة / 135 ] .
وهكذا في عدد من آيات الله ، يتلوها المسلمون في كتاب الله ؛ ليحذروا الكافرين من اليهود ، والنصارى ، وغيرهم ، فخمدت حيناً من الدهر حتى انقراض القرون المفضلة .
2- مرحلة الدعوة إليها بعد انقراض القرون المفضلة :
ثم بدت محاولاتهم مرة أخرى تحت شعار صنعوه ، وموهوا به على الجهال ، وهو : أن الملل : اليهودية ، والنصرانية ، والإسلام . هي بمنزلة المذاهب الفقهية الأربعة عند المسلمين كل طريق منها يوصل إلى الله - تعالى - . (2)
وهكذا فيما يثيرونه من الشبه ، ومتشابه القول ، وبتر النصوص ، مما يوهمون به ، ويستدرجون به أقواماً ، ويتصدون به آخرين ، من ذوي الألقاب الضخمة هنا وهناك ؟
ثم تلقاها عنهم دعاة : " وحدة الوجود " و " الاتحاد " و " الحلول " وغيرهم من المنتسبين إلى الإسلام من ملاحدة المتصوفة في مصر ، والشام ، وأرض فارس ، وأقاليم العجم ، ومن غلاة الرافضة وهي من مواريثهم عن التتر ، وغيرهم حتى بلغ الحال أن بعض هؤلاء الملاحدة يجيزون التهود ، والتنصر ، بل فيهم من يرجح دين اليهود والنصارى على دين الإسلام .. وهذا فاشٍ فيمن غلبت عليهم الفلسفة منهم ، ثم انتقلوا إلى أن أفضل الخلق عندهم هو : " المحقق " وهو : الداعي إلى الحلول ، والاتحاد . وقد كشفهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مواضع من كتبه (3) .
وقد قُمِعَت هذه الدعوة الكفرية بمواجهة علماء الإسلام لها ، والمناداة عليها ، وعلى منتحليها ، بأنها كفر وردة عن الإسلام .
وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - مواقف إسلامية مشهورة خالدة ، ولغيره من علماء المسلمين الذين ردوا على هؤلاء الغلاة، مثل الحلاج : الحسين بن منصور الفارسي ، المقتول على الردة 309 (4) ، وابن عربي محمد بن علي الطائي ، قدوة السوء للقائلين بوحدة الوجود ، في كتابه : الفصوص ، المتوفى سنة 638 ، وابن سبعين . ت سنة 699 ، وغيرهم كثير (5) .
3- مرحلة الدعوة إليها في النصف الأول من القرن الرابع عشر :
وقد خمدت حيناً من الدهر محتجرة في صدر قائليها ، المظهرين للإسلام ، المبطنين للكفر والإلحاد ، حتى تبنتها " الماسونية " (6) وهي : " منظمة يهودية للسيطرة على العالم ، ونشر الإلحاد والإباحية " . تحت غطاء الدعوة إلى وحدة الأديان الثلاثة ، ونبذ التعصب بجامع الإيمان بالله ، فكلهم مؤمنون . وقد وقع في حبال دعوتهم : جمال الدين بن صَفدَر الأفغاني ، ت سنة 1314 بتركيا (7) وتلميذه الشيخ محمد عبده بن حسن التركماني . ت سنة 1323 بالإسكندرية (8) .
وكان من جهود محمد عبده ، في ذلك ، أن ألف هو ، وزعيم الطائفة ميرزا باقر الإيراني ، الذي تنصر ، ثم عاد إلى الإسلام ، ومعهم ممثل جمال الأفغاني ، وعدد من رجال الفكر في : " بيروت " ألفوا فيه جمعية باسم : " جمعية التأليف والتقريب " موضوعها التقريب بين الأديان الثلاثة . وقد دخل في هذه الجمعية بعض الإيرانيين ، وبعض الإنجليز ، واليهود ، كما تراه مفصلاً في كتاب : " تاريخ الأستاذ الإمام : 1 / 817 - 829 " تأليف محمد رشيد رضا . المتوفى سنة 1354 .
ومن جهود محمد عبده في ذلك ، مراسلات بينه ، وبين بعض القساوسة ، كما في كتاب : " الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده : 2 / 363 - 368 " جمع محمد عمارة .
وقد جالت مطارحات في هذه النظرية ، بين عدد من المؤيدين ، والمعارضين ، بين محمد عبده ، ومحمد حسين هيكل ، والطبيب حسن الهراوي ، وعبد الجواد الشرقاوي ، وذلك في مجلة : " السياسة الأسبوعية بمصر " في الأعداد / 2821 لشهر صفر عام 1351 ، وما بعده .
وفي : " صحيفة الهلال " في الأعداد / 484 ، 485 لعام 1357 ، 1358 ، مقالات بعنوان : " هل يمكن توحيد الإسلام والمسيحية ؟ " بين كل من / محمد فريد وجدي ، ومحمد عرفة ، وعبد الله الفيشاوي الغزي ، وبين القساوسة ، وكان الحوار ، وكانت المراسلات جارية في هذه المقالات في الجواب على هذا السؤال : هل يمكن التوحيد بين الإسلام والمسيحية من جهة الأسلوب الروحي فقط ، أو من جهة الأمور المادية ، وكان النصراني إبراهيم لوقا يستصعب توحيد الإسلام والمسيحية في كلا الأمرين جميعاً ، ولكنه استسهل الجمع بين المسلمين والنصارى في مصالح الوطن ، ثم قال :
" لا سبيل إلى الوحدة الكاملة إلا بأن تعتنق إحداهما مبادئ الأخرى ، فإما إيمان بلاهوت المسيح ، وتجسده ، وموته ، وقيامه ، فيكون الجميع مسيحيين ، وإما إيمان بالمسيح كواحد من الرسل النبيين ، فيصبح به الجميع مسلمين " .
4- مرحلة الدعوة إليها في العصر الحاضر :
في الربع الخير من القرن الرابع عشر هجري ، وحتى عامنا هذا 1416 . وفي ظل " النظام العالمي الجديد " : جهرت اليهود ، والنصارى ، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم ، وبين المسلمين ، وبعبارة أخرى : " التوحيد بين الموسوية ، والعيسوية ، والمحمدية " باسم :
" الدعوة إلى التقريب بين الأديان ". " التقارب بين الأديان " . ثم باسم : " نبذ التعصب الديني ".
ثم باسم : " الإخاء الديني " وله : فتح مركز بمصر بهذا الاسم (9) .
وباسم : " مجمع الأديان " وله فتح مركز بسيناء مصر بهذا الاسم (10) .
وباسم : " الصداقة الإسلامية المسيحية " .
وباسم : " التضامن الإسلامي المسيحي ضد الشيوعية " .
ثم أخرجت للناس تحت عدة شعارات :
* " وحدة الأديان " . " توحيد الأديان " . " توحيد الأديان الثلاثة " . " الإبراهيمية " . " الملة الإبراهيمية " . " الوحدة الإبراهيمية " . " وحدة الدين الإلهي " . " المؤمنون " . " المؤمنون متحدون " . " الناس متحدون " . الديانة العالمية " . " التعايش بين الأديان " . " المِلّيُون " . " العالمية وتوحيد الأديان " (11) .
ثم لحقها شعار آخر ، هو " وحدة الكتب السماوية " . ثم امتد أثر هذا الشعار إلى فكرة طبع : " القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل " في غلاف واحد .
ثم دخلت هذه الدعوة في : " الحياة التعبدية العملية " (12) ؛ إذ دعا " البابا " إلى إقامة صلاة مشتركة من ممثلي الأديان الثلاثة : الإسلاميين والكتابيين ، وذلك بقرية : " أسِيس " في : " إيطاليا " . فأقيمت فيها بتاريخ : 27 / 10 / 1986 م .
ثم تكرر هذا الحدث مرات أخرى باسم : " صلاة روح القدس (13) .
ففي : " اليابان " على قمة جبل : " كيتو " أقيمت هذه الصلاة المشتركة ، وكان - واحسرتاه - من الحضور ممثل لبعض المؤسسات الإسلامية المرموقة .
وما يتبع ذلك ، من أساليب بارعة للاستدراج ، ولفت الأنظار إليها والالتفاف حولها ، كالتلويح بالسلام العالمي ، ونشدان الطمأنينة والسعادة للإنسانية ، والإخاء ، والحرية ، والمساواة ، والبر والإحسان . وهذه نظيرة وسائل الترغيب الثلاثة التي تنتحلها الماسونية : " الحرية ، والإخاء ، والمساواة " أو : " السلام ، والرحمة ، والإنسانية " وذلك بالدعوة إلى " الروحية الحديثة " القائمة على تحضير الأرواح ، روح المسلم ، وروح اليهودي ، وروح النصراني ، وروح البوذي ، وغيرهم ، وهي من دعوات الصهيونية العالمية الهدامة ، كما بين خطرها الأستاذ محمد محمد حسين - رحمه الله تعالى - في كتابه : " الروحية الحديثة دعوة هدامة / تحضير الأرواح وصلته بالصهيونية العالمية " .
آثار هذه النظرية على الإسلام والمسلمين :
وعلى إثر هذا الدور العملي الجريء حصل مجموعة من الآثار :
* فمن آثارها : اقتحام العقبة ، وكسر حاجز الهيبة من المسلمين من وجه ، وكسر حاجز النفرة من الكافرين من وجه آخر .
* ومن آثارها : أن قدم : " البابا " نفسه إلى العالم ، بأنه القائد الروحي للأديان جميعاً ، وأنه حامل رسالة : " السلام العالمي " للبشرية .
* ومن آثارها : أن " البابا " اعتبر : يوم : 27 / 10 أكتوبر عام 1986 م عيداً لكل الأديان ، وأول يوم من شهر يناير ، هو : " يوم التآخي " .
* ومن آثارها : اتخاذ نشيد ، يردده الجميع ، أسموه : " نشيد الإله الواحد رب ، وأب " .
* ومن آثارها : أنه انتشر في العالم ، عقد المؤتمرات لهذه النظرية ، وانعقاد الجمعيات ، وتأليف الجماعات الداعية لوحدة الأديان ، وإقامة الأندية ، والندوات فكان منها :
1- أنه في تاريخ 12 - 15 / 2 فبراير 1987 م : عقد " المؤتمر الإبراهيمي " في قرطبة ، بمشاركة أعداد من اليهود والنصارى ، ومن المنتسبين للإسلام من القاديانيين والإسماعيليين . وكان انعقاده باسم : " مؤتمر الحوار الدولي للوحدة الإبراهيمية " . وافتتح لهذا الغرض معهد باسم : " معهد قرطبة لوحدة الأديان في أوربا " . أو : " المركز الثقافي الإسلامي " . أو : " مركز قرطبة للأبحاث الإسلامية " .
وكان متولي ذلك : النصراني : روجيه جارودي . وكانت أهم نقطة في انعقاده ، هي : إثبات الاشتراك واللقاء بين عدد من المنتسبين إلى الأديان (14) .
2- وفي تاريخ : 21 / 3 مارس / 1987 م تأسست الجماعة العالمية للمؤمنين بالله ، باسم : " المؤمنون متحدون " .
3- وفي صيف هذا العام - أيضاً - تأسس " نادي الشباب المتدين " .
4- وفي شهر إبريل ، منه - أيضاً - تأسست جمعية باسم : " الناس متحدون " .
5- عمل لهذه المؤسسات ، لوائح ، وأنظمة داخلية ركزت على إذابة الفوارق بين الإسلام ، واليهودية ، والنصرانية ، وتجريد الشخصية الإسلامية من هويتها : " الإسلام ناسخ لما قبله " و " القرآن ناسخ لجميع الكتب قبله ومهيمن عليها " وذلك باسم : " وحدة الأديان " .
6- رأس مال جماعة : " المؤمنون متحدون " وهو : " 000 , 800 دولار " .
7- في حال حلها تعود أموالها إلى : " الصليب الأحمر " ومؤسسات الصدقات الكنسية .
8- من اعتبارات هذه الجمعية الرموز الآتية :
* " رمز الإحسان " هو : مؤسس الصليب الحمر .
* " رمز التطور " هو : دارون .
* " رمز المساواة " هو : كارل ماركس .
* " رمز السلام العالمي للبشرية و " الإخاء الديني " هو : البابا .
9- اتخذت هذه الجمعية " راية " عليها الشعارات الآتية : " شعار الأمم المتحدة " و " قوس قزح " (15) ورقم " 7 " - رمز النصر عندهم - وهو أيضاً اسم أول سفينة اكتشفت القارة الأمريكية ، وحملت رسالة النصرانية إلى هذه القارة .
10 - تتابع عقد المؤتمرات لوحدة الأديان في : " نيويورك " و " البرتغال " ، وغيرهما .
* ومن آثار هذه النظرية : أنه فضلاً عن مشاركة بعض من المنتسبين إلى الإسلام في هذه اللقاءات - على أراضي الدول الكافرة - في المؤتمرات ، والندوات ، والجمعيات وإقامة الصلوات المشتركة ، مدفوعين كانوا أو مختارين - وأمرهم إلى الله تعالى - فإنه ما كادت شعارات هذه النظرية تلوح في الأفق ، وتصل إلى الأسماع ، وإلا وقد تسربت إلى ديار الإسلام ، فطاشت بها أحلام ، وعملت من أجلها أقلام ، وفاهت بتأييدها أفمام ، وانطلقت بالدعوة إليها ألسن من بعد أخرى ، وعلى الدعوة بها سدة المؤتمرات الدولية ، وردهات النوادي الرسمية ، والأهلية .
وكان منها في : " مؤتمر شرم الشيخ بمصر " في شهر شوال عام 1416 ، تركيز كلمات بعض أصحاب الفخامة !!!! من المسلمين !!!! على الصفة الجامعة بين المؤتمرين ، وهي : " الإبراهيمية " وهو مؤتمر يجمع لفيفاً من المسلمين ، واليهود ، والنصارى ، والشيوعيين .
ومنها أنه بتاريخ : 1416 / 10 / 10 . أعلن بعضهم عن إصدار كتاب يجمع بين دفتيه : القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل " (16) .
وفي بعض الآفاق صدر قرار رسمي بجواز تسمية مواليد المسلمين ، بأسماء اليهود المختصة بهم ؛ وذلك إثر تسمية مواليد المسلمين باسم : " رابين " (17) .
وهكذا ينتشر عقد التهويد ، والتنصير ، بنثر شعاراتهم بين المسلمين ، ومشاركة المسلمين لهم في أفراحهم ، وأعيادهم ، وإعلان صداقتهم ، والحفاوة بهم ، وتتبع خطواتهم وتقليدهم ، وكسر حاجز النفرة منهم بذلك ، وبتطبيع العلاقات معهم (18) .
وهكذا في سلسلة يجر بعضها بعضاً في الحياة المعاصرة .
هذه خلاصة ما جهرت به اليهود ، والنصارى ، في مجال نظرية توحيد ديانتهم مع دين الإسلام ، وهي بهذا الوصف ، من مستجدات عصرنا ، باختراع شعاراتها ، وتبني اليهود ، والنصارى لها على مستوى الكنائس ، والمعابد ، وإدخالها ساحة السياسة على ألسنة الحكام ، والتتابع الحثيث بعقد المؤتمرات ، والجمعيات ، والجماعات ، والندوات ؛ لبلورتها ، وإدخالها الحياة العملية فعلاً . وتلصصهم ديار المسلمين لها ، من منظور : " النظام الدولي الجديد " (19) . مستهدفين قبل هيمنة ديانتهم ، إيجاد ردة شاملة عند المسلمين عن الإسلام .
وكان منشور الجهر بها ، وإعلانها ، على لسان النصراني المتلصص إلى الإسلام : روجيه جارودي (20) ، فعقد لهذه الدعوة : " المؤتمر الإبراهيمي " ثم توالت الأحداث كما أسلفت في صدر هذه المقدمة .
ولا يعزب عن البال ، وجود مبادرات نشطة جداً من اليهود والنصارى ، في الدعوة إلى : " الحوار بين أهل الديان " (21) وباسم " تبادل الحضارات والثقافات " و " بناء حضارة إنسانية موحدة " و " وبناء مسجد ، وكنيسة ، ومعبد " في محل واحد ، وبخاصة في رحاب الجامعات وفي المطارات .
وكان من مداخل السوء المبطنة لتمهيد السبيل إلى هذه النظرية ، وإفساد الديانة ، إجراء الدراسات المقارنة في الشرعيات ، بين الديان الثلاثة ، ومن هنا يتبارى كل في محاولة إظهار دينه على الدين كله ، فتذوب وحدة الدين الإسلامي ، وتميزه ، وتسمن الشبه ، وتستسلم لها القلوب الضعيفة . . .
وكنت أشرت إلى خطر ذلك في بعض ما كتبت ، ثم رأيت كلاماً حسناً في مقدمة ترجمة الأستاذ / محمد خليفة التونسي ، لكتاب : " بروتوكولات حكماء صهيون " : ص / 78 فقال ما نصه :
" وقل مثل ذلك في علم مقارنة الأديان ، التي يحاول اليهود بدراسة تطورها ، ومقارنة بعض أطوارها ببعض ، ومقارنتها بمثلها في غيرها ، أن يمحوا قداستها ، ويظهروا الأنبياء ، مظهر الدجالين " انتهى .
هذا عرض موجز عن تاريخ هذه النظرية : " وحدة الأديان " وتدرجها في فتراتها الزمنية الثلاث المذكورة وبيان بعض آثارها التآمرية على الإسلام والمسلمين ، ويأتي في آخر الجواب الإجمالي تفصيل ما تستهدفه هذه النظرية في الإسلام والمسلمين .
المقام الثاني
في الجواب على سبيل الإجمال
إن الدعوة إلى هذه النظرية الثلاثية : تحت أي من هذه الشعارات : إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ لما قبله من الشرائع ، مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما بين النسخ والتحريف ، هي أكبر مكيدة عُرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة : " بغض الإسلام والمسلمين " . وغلفوها بأطباق من الشعارات اللامعة ، وهي كاذبة خادعة ، ذات مصير مروع مخوف . فهي في حكم الإسلام : دعوة بدعية ، ضالة كفرية ، خطة مأثم لهم ، ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام ؛ لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد ، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات ، وتبطل صدق القرآن ، ونسخه ما قبله من الكتب ، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع ، وتبطل ختم نبوة محمد والرسالة المحمدية - عليه الصلاة والسلام - فهي نظرية مرفوضة شرعاً ، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من كتاب وسنة ، وإجماع ، وما ينطوي تحت ذلك من دليل ، وبرهان .
لهذا : فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، الاستجابة لها ، ولا الدخول في مؤتمراتها ، وندواتها ، واجتماعاتها ، وجمعياتها ، ولا الانتماء إلى محافلها ، بل يجب نبذها ، ومنابذتها ، والحذر منها ، والتحذير من عواقبها ، واحتساب الطعن فيها ، والتنفير منها ، وإظهار الرفض لها ، وطردها عن ديار المسلمين ، وعزلها عن شعورهم ، ومشاعرهم والقضاء عليها ، ونفيها ، وتغريبها إلى غربها ، وحجرها في صدر قائلها ، ويجب على الوالي المسلم إقامة حد الردة على أصحابها ، بعد وجود أسبابها ، وانتفاء موانعها ، حماية للدين ، وردعاً للعابثين ، وطاعة لله ، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وإقامة للشرع المطهر .
وأن هذه الفكرة إن حظيت بقبول من يهود ، ونصارى ، فهم جديرون بذلك ؛ لأنهم لا يستندون إلى شرع منزل مؤبد ، بل دينهم إما باطل محرف ، وإما حق منسوخ بالإسلام ، أما المسلمون فلا والله ، لا يجوز لهم بحال الانتماء إلى هذه الفكرة ؛ لانتمائهم إلى شرع منزل مؤبد كله حق ، وصدق ، وعدل ، ورحمة .
وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة : أنها فلسفية النزعة ، سياسية النشأة ، إلحادية الغاية (22) تبرز في لباس جديد لأخذ ثأرهم من المسلمين : عقيدة ، وأرضاً ، وملكاً ، فهي تستهدف الإسلام والمسلمين في:
1- إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام ، والبلبلة في المسلمين ، وشحنهم بسيل من الشبهات ، والشهوات ؛ ليعيش المسلم بين نفس نافرة ، ونفس حاضرة .
2- قصد المد الإسلامي ، واحتوائه .
3- تأتي على الإسلام من القواعد ، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه ، ووهن المسلمين ، ونزع الإيمان من قلوبهم ، وَوَأدِه .
4- حل الرابطة الإسلامية بين العالم الإسلامي في شتى بقاعه ؛ لإحلال الأخوة البلدية اللعينة : " أخوة اليهود والنصارى " .
5- كف أقلام المسلمين ، وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم ، ممن كفرهم الله ، وكفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم - إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام ، ويتركوا ما سواه من الأديان .
6- وتستهدف إبطال أحكام الإسلام المفروضة على المسلمين أمام الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر ممن لم يؤمن بهذا الإسلام ، ويترك ما سواه من الأديان .
7- وتستهدف كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام : الجهاد في سبيل الله ، ومنه : جهاد الكتابيين ، ومقاتلتهم على الإسلام ، وفرض الجزية عليهم إن لم يسلموا .
والله - سبحانه وتعالى - يقول: { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [ التوبة / 29 ] .
وكم في مجاهدة الكافرين ، أعداء الله ، ورسوله ، والمؤمنين ، من " إرهاب " لهم ، وإدخال للرعب في قلوبهم ، فينتصر به الإسلام ، ويذل به أعداؤه ، ويشف الله به صدور قوم مؤمنين
والله - تعالى - يقول : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } [ الأنفال / 60 ] .
فوا عجبا من تفريط المسلمين ، بهذه القوة الشرعية ؛ لظهور تفريطهم في مواقفهم المتهالكة : موقف : اغتيال الجهاد ، ووأده . وموقف : تأويل الجهاد للدفاع ، لا للاستسلام على كلمة الإسلام أو الجزية إن لم يسلموا . موقف : تلقيب الجهاد باسم : " الإرهاب " للتنفير منه ؛ حتى بلغت الحال بالمسلمين إلى تآكل موقفهم في فرض الجزية على الكافرين في تاريخهم اللاحق ؟
وإن فرض الجزية على اليهود ، والنصارى ، إن لم يسلموا : عزة للمسلمين ، وصغار على الكافرين ؛ لهذا كانت لهم محاولات منذ القرن الرابع الهجري لإبطال الجزية ، وإسقاطها عنهم ، وكان أول كتاب زوره اليهود في أوائل القرن الرابع الهجري ، فعرضه الوالي على العلماء ، فحكم الإمام المفسر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 - رحمه الله تعالى - بأنه مزور موضوع ؛ لأن فيه شهادة معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وهو إنما أسلم عام الفتح بعد عام خيبر سنة 7 ، وهم يزعمون أن هذا الكتاب ، وضع عنهم الجزية عام خيبر ، وفيه شهادة سعد بن معاذ - رضي الله عنه - وقد توفي عام الخندق قبل خيبر . فثبت تزويره .
وما زال اليهود يخرجونه من وقت إلى آخر ، وفي كل مرة يحكم العلماء بتزويره ، فكان في عصر الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 فأبطله .
وأخرجوه في القرن السابع في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728 - رحمه الله تعالى - فأبطله ، وهكذا ، وشرح ذلك مبسوط في كتاب : " أحكام أهل الذمة : 1 / 5 - 8 " لابن القيم المتوفى سنة 751 - رحمه الله تعالى - .
وزور النصارى " وثيقة سانت كاترين " المعلقة في : " دير طور سيناء " : " سانت كاترين " و " كاترين " اسم زوجة أحد الرهبان ، وقد سميت كنيسة دير الطور باسمها ؛ لأنها دفنت فيها في القرن التاسع .
وهي وثيقة مكذوبة وضعها النصارى .
وفي : " مجلة الدارة " العدد / 3 لعام 1400 . ص / 124 - 130 . بحث مهم في بيان بعض الوثائق التي زورها اليهود ، والنصارى ، ومنها هذه الوثيقة . والكاتب هو عبد الباقي فصه . الجزائر . جامعة قسنطينة .
ويزاد عليه : أن من أدلة تزويرها ، ذكر شهادة أبي هريرة - رضي الله عنه - عليها ، وهو إنما أسلم عام خيبر سنة 7 ، وهي مؤرخة في العام الثاني من الهجرة .
وانظر عن : " دير طور سيناء " ، والذي سمي في القرن التاسع باسم : " دير سانت كاترين " : " الموسوعة العربية الميسرة : 1 / 830 " و : " المنجد " مادة : " دير طور سيناء " . و " المنجد في الأعلام . ص / 295 " .
8- وتستهدف هدم قاعدة الإسلام ، وأصله : " الولاء والبراء " و " الحب والبغض في الله " ، فترمي هذه النظرية الماكرة إلى كسر حاجز براءة المسلمين من الكافرين ، ومفاصلتهم ، والتدين بإعلان بغضهم وعداوتهم ، والبعد عن موالاتهم ، وتوليهم ، وموادتهم ، وصداقتهم .
9- وتستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة الديان ، وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته ، وعزل شريعته في القرآن والسنة عن الحياة ، حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل الفكر ، والأخلاقيات الهدامة ، مفرغاً من كل مقوماته ، فلا يترشح لقيادة أو سيادة ، وجعل المسلم في محطة التلقي لِمَا عليه أعدائه ، وأعداء دينه ، وحينئذٍ يصلون إلى خسة الغاية : القفز إلى السلطة العالمية بلا مقاوم .
10- وتستهدف إسقاط جوهر الإسلام ، واستعلائه ، وظهوره وتميزه ، بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل ، في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف منسوخ ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى .
11- وترمي إلى تمهيد السبيل : " للتبشير بالتنصير " والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين ، وإخماد توقعات المقاومة من المسلمين ؛ لسبق تعبئتهم بالاسترخاء ، والتبلد .
12- ثم غاية الغايات : بسط جناح الكفرة من اليهود ، والنصارى ، والشيوعيين ، وغيرهم على العالم بأسره ، والتهامه ، وعلى العالم الإسلامي بخاصة ، وعلى الشرق الأوسط بوجه خاص ، وعلى قلب العالم الإسلامي ، وعاصمته : " الجزيرة العربية " بوجه أخص ، في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر وتتحرك من خلاله ؛ لغزو شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ : الفكري ، والثقافي ، والاقتصادي ، والسياسي ، وإقامة سوق مشترك ، لا تحكمه دولة الإسلام ، ولا سمع فيه ، ولا طاعة لخلق فاضل ولا فضيلة ، ولا كسب حلال ، فيفشو الربا ، وتنتشر المفسدات ، وتدجن الضمائر ، والعقول ، وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة ، وشريعة مستقيمة . وما " مؤتمر السكان والتنمية " المعقود بالقاهرة في : 29 / 3 / 1415 و " المؤتمر العالمي للمرأة " المعقود في بكين عام 1416 . إلا طروحات لإنفاذ هذه الغايات البهيمية .
هذا بعض ما تستهدفه هذه النظيرة الآثمة ، وإن من شدة الابتلاء ، أن يستقبل نزر من المسلمين ، ولفيف من المنتسبين إلى الإسلام هذه " النظرية " ويركضوا وراءها إلى ما يُعقد لها من مؤتمرات ، ونحوها ، وتعلو أصواتهم بها ، مسابقين هؤلاء الكفرة إلى دعوتهم الفاجرة ، وخطتهم الماكرة ، حتى فاه بعض المنتسبين إلى الإسلام بفكرته الآثمة :
" إصدار كتاب يجمع بين دفتيه : " القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل " .
وإنا لنتلوا قول الله - تعالى - : { إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي بها من تشاء } [ الأعراف / 155 ] .
ومن المعلوم أن " باب التأويل والاجتهاد " باب واسع قد يؤول بصاحبه إلى اعتقاد الحلال حراماً ، والحرام حلالاً (23) ، هذا إذا كان في أصله سائغاً فكيف إذا كان غير سائغ ، بل هو اجتهاد آثم ؛ لمصادمته أصول الدين المعلومة منه بالضرورة ، وعلى كلا الحالين فلا يجوز ترك بيان السنة والهدى ، ويجب رد الاجتهادات والتأويلات الخاطئة ، فضلا عن الفاسدة أصلاً ، بل يجب البيان لحفظ هذا الدين ، وكف العدوان عليه . وهذا من إعطاء الإسلام حقه ، والوفاء بموجب العلم والإيمان .
إن هذه الدعوة بجذورها ، وشعاراتها ، ومفرداتها ، هي من أشد ما ابلي به المسلمون في عصرنا هذا ، وهي أكفر آحاد : " نظرية الخلط بين الإسلام والكفر ، والحق والباطل ، والهدى والضلالة ، والمعروف والمنكر ، والسنة والبدعة ، والطاعة والمعصية " .
وهذه الدعوة الآثمة ، والمكيدة المهولة ، قد اجتمعت فيها بلايا التحريف ، والانتحال ، وفاسد التأويل ، وإن هذه الأمة المرحومة ، أمة الإسلام ، لن تجتمع على ضلالة ، ولا يزال فيها - بحمد الله - طائفة ظاهرة على الحق ، حتى تقوم الساعة ، من أهل العلم والقرآن ، والهدى والبيان ، تنفي عن دين الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، فكان حقاً علينا وعلى جميع المسلمين : التعليم ، والبيان ، والنصح ، والإرشاد ، وصد العاديات عن دين الإسلام . ومن حذر فقد بشر .
هذا جواب على سبيل الإجمال يطوّق هذه النظرية الخطرة ويكشف مخططاتها القريبة ، والبعيدة في الهدم ، والتدمير ، وقفزهم إلى السلطة بلا مقاوم .
وخلاصته : " أن دعوة المسلم إلى التوحيد دين الإسلام مع غيره من الشرائع والأديان الدائرة بين التحريف والنسخ بشريعة الإسلام :
ردة ظاهرة ، وكفر صريح ؛ لما تعلنه من نقض جرئ للإسلام أصلاً ، وفرعاً ، واعتقاداً ، وعملاً ، وهذا إجماع لا يجوز أن يكون محل خلاف بين أهل الإسلام " . وإنها دخول معركة جديدة مع عباد الصليب ، ومع أشد الناس عدواة للذين آمنوا . فالأمر جد وما هو بالهزل .
والآن أقيم الأدلة مفصلة على هذه الخلاصة الحكمية ، لأن النفوس تطمع بإقامة الدليل ، وإظهار البراهين ، وتوضيح الحجة للسالكين ، فإلى البيان مفصلاً حتى لا تخفى الحال على مسلم يقرأ القرآن ، ولتنقذه من التيه في ضباب الشعارات الكاذبة ونقول لكل مسلم : { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون } [ الجاثية / 6 ] .
المقام الثالث -في الجواب مفصلاً
وهو يتجلى بإقامة الأصول ، والمسلمات العقدية الآتية :
الأصل العام : دين الأنبياء واحد ، وشرائعهم متعددة ، والكل من عند الله -تعالى - .
من أصول الاعتقاد في الإسلام : اعتقاد توحد الملة والدين في : التوحيد ، والنبوات ، والمعاد ، والإيمان الجامع بالله ، وملائكته ، وكتبه ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، وما تقتضيه النبوة والرسالة من واجب الدعوة ، والبلاغ ، والتبشير ، والإنذار ، وإقامة الحجة ، وإيضاح المحجة ، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، بإصلاح النفوس ، وتزكيتها ، وعمارتها بالتوحيد ، والطاعة ، وتطهيرها من الانحراف ، والحكم بين الناس بما أنزل الله .
واعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها في الأحكام ، والأوامر والنواهي .
وهذا الأصل هو : " جوهر الرسالات كلها " .
وتفصيل هذا الأصل العقدي بشقيه كالآتي :
أما توحد الملة والدين في دعوة جميع الأنبياء والمرسلين :
فنعتقد أن أصل الدين واحد ، بعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين ، واتفقت دعوتهم إليه ، وتوحدت سبيلهم عليه ، وإنما التعدد في شرائعهم المتفرعة عنه ، وجعلهم الله - سبحانه - وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم بذلك ، ودلالتهم عليه ؛ لمعرفة ما ينفعهم ، وما يضرهم ، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ، ومعادهم :
بُعثوا جميعاً بالدين الجامع الذي هو عبادة لله وحده لا شريك له ، بالدعوة إلى توحيد الله ، والاستمساك بحبله المتين .
وبعثوا بالتعريف في الطريق الموصل إليه .
وبعثوا ببيان حالهم بعد الوصول إليه .
فاتحدت دعوتهم إلى هذه الأصول الثلاثة :
* الدعوة إلى الله - تعالى - في إثبات التوحيد ، وتقريره ، وعبادة الله وحده لا شريك له ، وترك عبادة ما سواه ، فالتوحيد هو دين العالم بأسره من آدم إلى آخر نفس منفوسة من هذه الأمة .
* والتعريف بالطريق الموصل إليه - سبحانه - في إثبات النبوات وما يتفرع عنها من الشرائع ، من صلاة ، وزكاة ، وصيام ، وجهاد ، وغيرها : أمراً ، ونهياً في دائرة أحكام التكليف الخمسة : الأمر وجوباً ، أو استحباباً ، والنهي : تحريماً ، أو كراهة ، والإباحة ، وإقامة العدل ، والفضائل ، والترغيب ، والترهيب .
* والتعريف بحال الخليقة بعد الوصول إلى الله : في إثبات المعاد ، والإيمان باليوم الآخر ، والموت ، وما بعده من القبر ، ونعيمه ، وعذابه ، والبعث بعد الموت ، والجنة والنار ، والثواب والعقاب .
وعلى هذه الأصول الثلاثة ، مدار الخلق والأمر ، وإن السعادة والفلاح لموقوفة عليها لا غير
وهذا مما اتفقت عليه جميع الكتب المنزلة ، وبعث به جميع الأنبياء والرسل ، وتلك هي الوحدة الكبرى بين الرسل ، والرسالات ، والأمم .
وهذا هو المقصود من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا معشر الأنبياء أخوة لِعَلاّت أمهاتهم شتى ودينهم واحد " متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
وهو المقصود في قول الله - تعالى - : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب } [ الشورى / 13 ] . وهذه الأصول الكلية هي ما تضمنته عامة السور المكية من القرآن الكريم .
وإذا تأملت سر إيجاد الله لخليقته وهو عبادته ، كما في قول الله - تعالى - : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [ الذاريات / 56 ] . عرفت ضرورة توحد الملة ، والدين ، ووحدة الصراط ولهذا جاء في أم القرآن ، فاتحة الكتاب الله - عز وجل - : { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } ثم أتبع ذلك بأن اليهود والنصارى ، خارجون عن هذا الصراط ، فقال - سبحانه - { غير المغضوب عليهم والضالين } .
وبهذا تدرك الحِكَمَ العظيمة مما قصه الله - تعالى - علينا في القرآن العظيم من قصص الأنبياء وأخبارهم مع أممهم ؛ لأخذ العبرة ، والتفكر ، وتثبيت أفئدة الأنبياء وإثبات النبوة والرسالة ، وجعلها موعظة وذكرى للمؤمنين ، وأخبار الأمم المكذبة لرسلهم وما صارت إليه عاقبتهم ، وأنها سننه - سبحانه - فيمن أعرض عن سبيله .
والدين بهذا الاعتبار : هو : " دين الإسلام " بمعناه العام ، وهو : إسلام الوجه لله ، وطاعته ، وعبادته وحده ، والبراءة من الشرك ، والإيمان بالنبوات ، والمبدأ ، والمعاد .
ولوحدة الدين بهذا الاعتبار في دعوة جميع الأنبياء والمرسلين ، وحد - سبحانه - : " الصراط " و " السبيل " في جميع آيات القرآن الكريم .
وهذا الدين " دين الإسلام " بهذا أي باعتبار : وحدته العامة ، وتوحد صراطه ، وسبيله ، هو الذي ذكره الله في آيات من كتابه عن أنبيائه : نوح ، وإبراهيم ، وبنيه ، ويوسف الصدّيق ، وموسى ، ودعوة نبي الله سليمان ، وجواب بلقيس ملكة سبأ ، وعن الحواريين ، وعن سحرة فرعون ، وعن فرعون حين أدركه الغرق .
ودين الإسلام بهذا الاعتبار : هو دين جميع الأنبياء والمرسلين وملتهم بل إن إسلام كل نبي ورسول يكون سابقاً لأمته ، وهو محل بعثته إلى أمته ، وما يتبع ذلك من شريعته .
كما قال الله - تعالى - : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } [ النحل / 36 ] .
وقال - سبحانه - : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } [ الأنبياء / 25 ] .
وإنما خص الله - سبحانه - نبيه إبراهيم - عليه السلام - بأن : " دين الإسلام " بهذا الاعتبار العام هو ملته ، في مثل قوله تعالى : { قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً } [ آل عمران / 95 ] لوجوه :
أولها : أنه - عليه السلام - واجه في تحقيق التوحيد ، وتحطيم الشرك ، ونصر الله له بذلك ما قص الله خبره ، أمراً عظيماً .
ثانيها : أن الله - سبحانه وتعالى - جعل في ذريته النبوة والكتاب ؛ ولذا قيل له : " أبو الأنبياء " ؛ ولذا قال الله تعالى : { ملة أبيكم إبراهيم } [ الحج / 78 ] وهو - عليه السلام - تمام ثمانية عشر نبياً سماهم الله في كتابه من ذريته ، وهم : ابنه إسماعيل ، ومن ذريته من محمد عليهما الصلاة والسلام ، وابنه إسحاق ومن ذريته : يعقوب بن إسحاق ، ويوسف ، وأيوب ، وذو الكفل ، وموسى ، وهارون ، وإلياس ، واليسع ، ويونس ، وداود وسليمان ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى - عليهم السلام - .
ثالثهما : لإبطال مزاعم اليهود، والنصارى في دعواهم أنهم على ملة إبراهيم - عليه السلام - فقد كذبهم الله - تعالى - في قوله : { أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون } . [ البقرة / 140 ] .
ورد الله عليهم محاجتهم في ذلك بقوله : { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون . ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون . ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين } [ آل عمران / 65 - 67 ] .
ثم بين - سبحانه - أن أولى الناس بإبراهيم هم الذين على ملته وسنته ، فقال - تعالى - : { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين } [ آل عمران / 68 ] .
وبين - سبحانه - أن هذه المحاولة الكاذبة البائسة من أهل الكتاب جارية في محاولاتهم مع المسلمين ؛ لإضلالهم عن دينهم ، ولبس الحق بالباطل ، فقال تعالى : { وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين . قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون . فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ، وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } [ البقرة / 135 - 137 ] .
وهكذا يجد المتأمل في كتاب الله - تعالى - التنبيه في كثير من الآيات إلى أن هذا القرآن ما أنزل إلا ليجدد دين إبراهيم ؛ حتى دعاهم بالتسمية التي يكرهها اليهود والنصارى : " ملة إبراهيم " فاقرأ قول الله - تعالى - : { وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس } [ الحج / 78 ] .
والخلاصة :
أن لفظ : " الإسلام " له معنيان ، معنى عام : يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من أنبياء الله الذي بعث فيهم ، فيكونون مسلمين، حنفاء على ملة إبراهيم بعبادتهم لله وحده واتباعهم لشريعة من بعثه الله فيهم ، فأهل التوراة قبل النسخ والتبديل ، مسلمون حنفاء على ملة إبراهيم ، فهم على " دين الإسلام " ، ثم لما بعث الله نبيه عيسى - عليه السلام - فإن من آمن من أهل التوراة بعيسى ، واتبعه فيما جاء به فهو مسلم حنيف على ملة إبراهيم ، ومن كذب منهم بعيسى - عليه السلام - فهو كافر لا يوصف بالإسلام ؛ ثم لما بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - وهو خاتمهم ، وشريعته خاتمة الشرائع ، ورسالته خاتمة الرسالات ، وهي عامة لأهل الأرض وجب على أهل الكتابين ، وغيرهم ، اتباع شريعته ، وما بعثه الله به لا غير ، فمن لم يتبعه فهو كافر لا يوصف بالإسلام ولا أنه حنيف ، ولا أنه على ملة إبراهيم ، ولا ينفعه ما يتمسك به من يهودية ، أو نصرانية ، ولا يقبله الله منه ، فبقي اسم : " الإسلام " عند الإطلاق منذ بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، مختصاً بمن يتبعه لا غير . وهذا هو معناه الخاص الذي لا يجوز إطلاقه على دين سواه ، فكيف وما سواه دائر بين التبديل والنسخ . فإذا قال أهل الكتاب للمسلمين : " كونوا هوداً ، أو نصارى " فقد أمر الله المسلمين أن يقولوا لهم : " بل ملة إبراهيم حنيفاً ، ولا يوصف أحد اليوم بأنه مسلم ، ولا أنه على ملة إبراهيم ، ولا أنه من عباد الله الحنفاء إلا إذا كان متبعاً لما بعث الله به خاتم أنبيائه ورسله محمداً - صلى الله عليه وسلم - .
وأما تنوع الشرائع وتعددها : فيقول الله - تعالى - : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } [ المائدة / 48 ] .
شرعة : أي شريعة وسنة . قال بعض العلماء : سميت الشريعة شريعة ، تشبيهاً بشريعة الماء ، من حيث أن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة ، رَوَى وتطهر .
ومنهاجاً : أي طريقاً ، وسبيلاً واضحاً إلى الحق ؛ ليعمل به في الأحكام ، والأوامر ، والنواهي ؛ ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه .
ويقول - سبحانه - : { لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدىً مستقيم } [ الحج / 67 ] .
منسكاً : متعبداً هم ناسكوه : متعبدون به .
وقال - تعالى - في حق نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم : { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها } [ الجاثية / 18 ] .
وقد علمنا الأصول التي تساوت فيها الملل ، وتوطأت دعوة أنبياء الله ورسله إليها : إلى دين واحد ، وملة واحدة في تقرير العبودية لله - سبحانه - لا شريك له وتوحيده ، وتقرير النبوة ، والمعاد ، ووحدة التشريع من عند الله - تعالى - فهذه لا تتغير ولا تتبدل ، ولا يدخلها نسخ فهي محكمة غير منسوخة ، ولا تقبل الاجتهاد ، ولا التخصيص .
أما الشرائع ، فهي ، مختلفة ، متنوعة ، ومتنوعة ، ويعترضها النسخ ، فكل شريعة رسول تخالف الأخرى في كل أو بعض أمور التشريع :
فهناك حكم تعبدي في شريعة رسول ينتهي بانتهاء شريعته ببعثة رسول آخر ، فينسخه .
وهناك حكم يغير في بعض جزئياته في وقته ، أو كيفيته ، أو مقداره ، أو حكمه من التشديد إلى التخفيف ، وبعكسه .
وهناك حكم يكون في شريعة لاحقة دون السابقة ، أو عكسه .
وهكذا ، من تنوع التشريع في الأحكام العملية والقولية ، من الأوامر والنواهي ، حسب سابق علم الله - تعالى - وحكمته في تشريعه وأمره ، بأوضاع كل أمة ، وأزمانها ، وأحوالها وطبائعها من قوتها ، وضعفها ، وحسب أبدية التشريع ، أو تغييره ونسخه .
وهذا يكاد ينتظم أبواب التشريع في العبادات ، والمعاملات ، والنكاح ، والفرق ، والجنايات والحدود ، والأيمان والنذور ، والقضاء ، وغير ذلك من الفروع التي ترجع إلى وحدة الدين والملة .
ولذا فإن شريعة الإسلام ، وهي آخر الشرائع ، باينت جميع الشرائع في عامة الأحكام العملية ، والقولية ، والأوامر والنواهي ؛ لما لها من صفة الدوام ، والبقاء ، وأنها آخر شريعة نزلت من عند الله ، ناسخة لما قبلها من شرائع الأنبياء .
والآن إلى بينان تحقيق الإيمان الجامع بالله ، وكتبه ، ورسله ، بيان نقض الكتابيين لهذا الأصل العقدي العام ، وكفرهم به ، وما هم عليه من نواقض لهذه الأركان الثلاثة :
الإيمان بالله تعالى :
الأصل في بني آدم هو : " التوحيد " وهو المقصود الذي خلقوا له فيما أمرهم الله به على ألسنة أنبيائه ورسله : { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } .
وقد كان الناس على هذا الأصل : كلهم على الإسلام والتوحيد ، والإخلاص ، والفطرة ، والسداد ، والاستقامة : الأمة واحدة ، والدين واحد ، والمعبود واحد .
وذلك من أبينا أبي البشر نبي الله آدم - عليه السلام - إلى قبيل عهد رسول الله نوح - عليه السلام - كلهم على الهدى ، وعلى شريعة من الحق ؛ لاتباعهم النبوة .
أول وقع الشرك في قوم نوح من الغلو في القبور :
ثم كان من مكايد الشيطان أن اختلفوا بعد ذلك بتركهم اتباع الأنبياء فيما أمروا به من التوحيد والدين ، ووقعوا في الشرك بسبب تعظيم الموتى ، عندئذٍ انقسموا : موحدين ، ومشركين .
هكذا نفذ الشيطان إلى قلوبهم بإدباب الخلاف بينهم بترك اتباع الأنبياء ، وكادهم بتعظيم موتاهم حتى عكفوا على قبورهم ، ثم كادهم بتصوير تماثيلهم ، ثم كادهم بعبادتهم ، فكان هؤلاء المشركون في قوم نوح هم أول صنف من المشركين وشركهم هذا : " تعظيم الموتى " هو الشرك الأرضي ، وهو أول شرك بالله ، طرق العالم ، وكان نوح - عليه السلام - هو أول رسول بعث إلى المشركين .
قال غير واحد من السلف في قول الله - تعالى - : { وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً } [ نوح / 23 ] : " إن هذه أسماء قوم صالحين كانوا فيهم ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم ، ثم بعد ذلك عبدوهم ، وذلك أول ما عبدت الأصنام ، وأن هذه الأصنام صارت إلى العرب . . . " ابتدعوا الشرك ، وابتدعوا عبادة الأوثان ، بدعة من تلقاء أنفسهم بشبهات زينها الشيطان لهم بالمقاييس الفاسدة ، والفلسفة الحائدة .
قال البخاري في : " صحيحه " عن ابن عباس - رضي الله عنهما - " هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يدعون أنصاباً ، وسموها بأسمائهم ففعلوا ، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ، ونسخ العلم : عبدت " . عندئذٍ لما عبدت الأصنام ، والطواغيت ، وشرع الناس في الضلالة والكفر ، بعث الله رحمة بعباده أول رسول إلى أهل الأرض وهو : رسول الله نوح - عليه السلام - وهو : نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ - وهو نبي الله إدريس عليه السلام - بن يرد بن مهلايبل من قينن بن أنوش بن نبي الله شيت - عليه السلام - ، بن آدم أبي البشر - عليه السلام - .
وكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام كما في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - .
ومكث نوح - عليه السلام - في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً . يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وينهاهم عن عبادة ما سواه فلما أعلمه الله أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن أهلكهم الله بالغرق بدعوته . وجاءت الرسل من بعده تترى . سَمّى الله منهم في القرآن العظيم :
هوداً - عليه السلام - وهو : هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ابن نوح - عليه السلام - وهو أول نبي من نسل العرب ، بعثه الله في الأحقاف بحضر موت وهم قومه : عاد الأولى ، وهم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان ، كما فصل الله ذلك في سورة الأعراف : [ 65 - 72 ] . وفي سورة هود : [ 50 - 60 ] . وفي سورة المؤمنون : [ 31 - 41 ] . وفي سورة الشعراء : [ 123 - 140 ] وفي سورة : ( حم السجدة ) : [ 15 - 16 ] . وفي سورة الأحقاف : [ 21 - 25 ] . وغيرها من سور القرآن الكريم .
ونبي الله صالحاً - عليه السلام - وهو : صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح .
وهو ثاني نبي من نسل العرب بعثه الله في قومه ثمود ، بعد نبي الله هود في عاد . وقد ذكر الله في القرآن العظيم من خبرهم مع نبيهم ، وخبر الناقة وإصرارهم على عبادة الأصنام ، في عدة سور من القرآن ، في السور المذكورة ، وفي سورة الحجر ، وغيرها .
أول وقوع الشرك في الأرض في قوم إبراهيم من عبادة الكواكب :
حتى إذا عم الأرض الشرك من طراز جديد من دين الصابئة في حران ، والمشركين من عبدة الكواكب والشمس والقمر في كابل ، وعبدة الأصنام في بابل ، لما كانت النماردة ، والفراعنة ملوك الأرض شرقاً وغرباً ، وهذا هو الصنف الثاني " عبادة الكواكب " وهو " الشرك السماوي " من المشركين بعد مشركي قوم نوح ، عبدة القبور ، وكان كل من على وجه الأرض كفاراً سوى إبراهيم الخليل - عليه السلام - وامرأته سارة ، وابن أخيه لوط - عليه السلام - بعث الله رسوله : إمام الحنفاء ، وأبا الأنبياء ، وأساس الملة الخالصة ، والكلمة الباقية : إبراهيم خليل الرحمن من أرض بابل وهو :
إبراهيم بن آزر - وهو تارخ - بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن فالغ بن عاير بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح - عليه السلام - .
وكان الخليل - عليه السلام - هو الذي أزال الله به تلك الشرور ، وأبطل به ذلك الضلال ، فإن الله - سبحانه - آتاه رشده في ضغره ، وابتعثه رسولاً ، واتخذه خليلاً في كبره .
وقد قص الله - تعالى - خبره مع أبيه ، وقومه في عدد من سور القرآن ، وفي سورة إبراهيم ، في إنكاره عليهم عبادة الأوثان ، وحقّرها عندهم ، وتنقصها ، وتكسيره لها ، ومناظرته - عليه السلام - لملك بابل النمرود بن كنعان ، ومحاجته له ، حتى اهلك الله النمرود ببعوضة فهاجر إبراهيم - عليه السلام - إلى أرض الشام ، ثم إلى الديار المصرية ، وتزوج بهاجر ، وكان الولدان المباركان والنبيان الكريمان : إسماعيل من هاجر القبطية المصرية ، وإسحاق من سارة ابنة عمه .
ولما وقع بين سارة وهاجر من غيرة النساء ما وقع ، هاجر إبراهيم بهاجر ، وابنها إسماعيل إلى مكة - حرسها الله تعالى - فكان ما كان من أمرهم في البلد الحرام من نبوع زمزم ، وبناء البيت الحرام وغيرها من الأمور العظام .
وكان لوط بن هارون بن تارخ قد بعثه الله نبياً ، فاتفقت بعثته مع بعثة عمه الخليل إبراهيم - عليه السلام - بن تارخ - آزر - في زمن واحد وكان من خبره مع قومه في أرض سدوم بالشام قرب الأردن ما قصه الله في كتابه من دعوته لهم إلى عبادة الله ، وترك عبادة الأوثان ، وما ابتدعوه من فعل الفاحشة ، فأهلكهم الله ، وأنجاه هو وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين .
ثم بعث الله نبيه شعيباً خطيب الأنبياء - عليه السلام - إلى مدين أصحاب الأيكة - وهي شجرة كانوا يعبدونها - وهو قوم من العرب ، يسكون مدين في أطراف الشام ، وهو :
نبي الله : شعيب بن مكيل بن بشجن بن مدين بن إبراهيم ، وقيل غير ذلك في نسبه .
وهكذا تتابع الأنبياء من ذرية إبراهيم - عليه السلام - في ذرية ابنيه النبيين الكريمين : الذبيح إسماعيل أبو العرب ، ثم إسحاق - عليها السلام - .
* وكان إسماعيل - عليه السلام - قد بعثه الله في جُرهُم والعماليق ، واليمن ، وغيرهم من أهل تلك الناحية في الحجاز واليمن من جزيرة العرب . وكان من ذريته خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم .
* وكان إسحاق عليه السلام - قد بعثه الله نبياً في الشام وحران وما والاها . وكان من ذريته العيص ، ومن سلالته : نبي الله أيوب - عليه السلام - بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام - .
ومن سلالة إسحاق : ذو الكفل ، قال ابن كثير : وزعم قوم أنه ابن أيوب . ثم استظهر ابن كثير أنه نبي .
وأيوب ، وذو الكفل أرسلا إلى أهل دمشق في الشام .
وكان من ذريته نبي الله يعقوب - وهو إسرائيل - ، وإليه تنسب بنو إسرائيل وتتابعت من بني إسرائيل : يوسف ، وموسى ، وهارون ، وإلياس ، واليسع ، ويونس ، وداود ، وسليمان ، ويحيى ، وزكريا ، وعيسى - عليهم السلام - .
أول وقوع الشرك من النوعين في العرب وغيرهم وبعثة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم
هكذا تتابع أنبياء بني إسرائيل ، وكان آخرهم المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - وعلى حين فترة من الأنبياء والرسل ، وكان الشرك من الصنفين : عبادة القبور والكواكب قد انتشر في الأرض ، وكانت العرب على إرث من ملة أبيهم إبراهيم في جزيرة العرب ، ولكن كان عمرو بن لحي الخزاعي في رحلته المشؤومة إلى الشام رآهم بالبلقاء لهم أصنام يستجلبون بها المنافع ويستدفعون بها المضار ، فجلب مثل ذلك إلى مكة في وقت كانت ولاية البيت لخزاعة قبل قريش وكان هو سيد خزاعة ، فكان برحلته المشؤومة هذه ، هو أول من غير دين إسماعيل ، وانحراف عن ملة إبراهيم ، فَنَصَبَ الأوثان في البيت الحرام ، وسيب السائبة ، وبحر البحيرة ، ووصل والوصيلة ، وحمى الحامي .
من هنا اتخذت العرب الأصنام ، وكان أقدمها : " مناة " وكان على ساحل البحر بقديد بين مكة والمدينة ، ثم " اللات " بالطائف وهي صخرة مربعة يُلت عندها السويق ، ثم " العزى " وهي بوادي نخلة بعد : " الشرائع " للخارج من مكة شرقاً .
ثم تعددت الأصنام في جزيرة العرب ، وكان لكل قبيلة صنم من شجر أو حجر ، أو تمر ، وهكذا ، حتى كان منها حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً ، بل اتخذ أهل كل دار صنماً لهم في دارهم .
ولا تسأل عن انتشار الأصنام ، وعبادة النار والكواكب في فارس ، والمجوس ، والصابئة ، وأمم سواهم منهم من يعبد الماء ، ومنهم من يعبد الحيوان ، ومنهم من يعبد الملائكة .
ومنهم من قال : الصانع اثنان ، هم الوثنية من المجوس ، وهم شر من مشركي العرب ، وعظموا النور ، والنار ، والماء ، والتراب ، وهكذا في أمم سواهم من : الصابئة ، والدهرية والفلاسفة ، والملاحدة ، فصل ابن القيم - رحمه الله تعالى - فيهم وفي مذهبهم ، ومعبوداتهم : القول في : " إغاثة اللهفان : 2 / 203 - 320 " .
بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم :
لما كانت أمم الأرض كذلك من الشرك ، والوثنية ، بعث الله النبي الرسول الخاتم لجميع الأنبياء والمرسلين ، المبشر به من المسيح ، ومن قبله من الأنبياء والمرسلين ، داعياً إلى ملة إبراهيم ، ودين المرسلين قبل إبراهيم وبعده داعياً إلى : " التوحيد الخالص " ونبذ الشرك أرضيه ، وسماويه ، وسد ذريعة هذا وهذا ، فَنَهى عن اتخاذ القبور مساجد ، ونهى عن الصلاة عليها ، وإليها ، وعن تشريفها ؛ وهذا لسد ذرائع الشرك الأرضي الآتي من : " تعظيم الموتى " في قوم نوح - عليه السلام - ونهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها ؛ لسد ذرائع " الشرك السماوي " الآتي من : " عبادة الكواكب " في قوم إبراهيم - عليه السلام - (24) .
والخلاصة :
أن الإيمان بالله - تعالى - ، الذي هو المطلوب من جميع الثقلين ، لا يتم تحقيقه إلا بالاعتقاد الجازم بأن الله - تعالى - رب كل شئ ، ومليكه ، وأنه متصف بصفات الكمال والجلال ، وأنه - سبحانه - هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له ، والقيام بذلك ، علماً ، وعملاً ، ولا يتحقق ذلك إلا باتباع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم لا كما يظن المتجاهلون ، أن الإيمان بالله يتحقق بالإيمان بوجوده ، وربوبيته ، دون الإيمان بأسمائه وصفاته ، وتوحيده في عبادته ، ودون المتابعة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، مما جعلهم ينادون بالاتحاد بين الإسلام الحق ، القائم على التوحيد الكامل وبين كل دين محرف مبدل ، فيه من نواقض هذا الإيمان ما تقشعر منه جلود الذين آمنوا .
ومن هذه النواقض ما يأتي :
نواقض الإيمان بالله لدى اليهود :
إن " اليهود " قبحهم الله ، هم بيت الإلحاد ، والتطاول الخطير - تعالى الله - عما يقولون علواً كبيراً .
وهذا بعض ما في القرآن الكريم من عقائدهم الإلحادية ، وكفرهم بالله - عز وجل - :
قال الله - تعالى - : { وقالت اليهود عزير ابن الله } [ التوبة / 30 ] .
وقال الله - تعالى - عن اليهود : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } [ آل عمران / 181 ] .
وقال - سبحانه - :
{ وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يُحب المفسدين } [ المائدة / 64 ] .
وقال - سبحانه - :{ إن الذين يكفرون بالله ورسله ، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً } [ النساء / 150 - 151 ] .
نواقض الإيمان بالله لدى النصارى :
إن النصارى هم : المثلثة ، عباد الصليب ، الذين سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر . وقد فضحهم الله في القرآن العظيم .
قال الله - تعالى - : { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون . اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح عيسى ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } [ التوبة / 30 ، 31 ] .
وقال تعالى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم . . . } [ المائدة / 73 ] .
وقال سبحانه : { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة . . . } [ المائدة / 73 ] .
وقال جل وعز : { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً } [ النساء / 171 ] .
الإيمان بالكتب المنزلة :
من أركان الإيمان ، وأصول الاعتقاد : الإيمان بجميع كتب الله المنزلة على أنبيائه ورسله . وأن كتاب الله : " القرآن الكريم " هو آخر كتب الله نزولاً ، وآخرها عهداً برب العالمين ، نزل به جبريل الأمين ، من عند رب العالمين ، على نبيه ورسوله الأمين محمد . وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل : الزبور ، والتوراة ، والإنجيل وغيرها ، ومهيمن عليه ، فلم يبق كتاب منزل يتعبد الله به ، ويتبع سوى " القرآن العظيم " . ومن يكفر به فقد قال الله تعالى في حقه : { ومن يكفر من الأحزاب فالنار موعده } [ هود / 17 ] .
ومن الحقائق العقدية ، المتعين بيانها هنا : أن من الكتب المنسوخة بشريعة الإسلام : " التوراة والإنجيل " وقد لحقهما ، التحريف ، والتبديل ، بالزيادة والنقصان والنسيان ، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله - تعالى - منها عن : "التوراة " قول الله - تعالى - :
{ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين } [ المائدة / 13 ] .
وقال - سبحانه - عن " الإنجيل " : { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون } [ المائدة / 14 ] .
وأن ما في أيدي اليهود ، والنصارى اليوم من التوراة والأناجيل المتعددة ، والأسفار ، والإصحاحات ، التي بلغت العشرات ، ليست هي عين التوراة المنزلة على موسى عليه السلام ، وعين الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام ؛ لانقطاع أسانيدها ، واحتوائها على كثير من التحريف ، والتبديل ، والأغاليط ، والاختلاف فيها ، واختلاف أهلها عليها ، واضطرابهم فيها ، وأن ما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام ، وما عداه فهو محرف مبدل ، فهي دائرة بين النسخ والتحريف .
ولهذا فليست بكليتها وحياً ، ولا إلهاماً ، وإنما هي كتب مؤلفة من متأخريهم بمثابة التواريخ ، والمواعظ لهم ، وحاشا لله ، أن يكون ما بأيدي اليهود من التوراة هو عين التوراة المنزلة على نبي الله موسى - عليه السلام - وأن يكون ما بأيدي النصارى من الأناجيل هو عين الإنجيل المنزل على نبي الله عيسى - عليه السلام - .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غَضِبَ حينما رأى مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صحيفة فيها شئ من التوراة وقال صلى الله عليه وسلم : " أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ ألم آت بها بيضاء نقية ؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي " رواه أحمد والدارمي ، وغيرهما .
نواقض الإيمان بهذا الأصل لدى اليهود والنصارى :
لم يسلم الإيمان بهذا الأصل العقدي ، والركن الإيماني إلا لأهل الإسلام ، وأما أمة الغضب : اليهود ، وأمة الضلال : النصارى ، فقد كفروا به ؛ إذ لا يؤمنون بالقرآن ، ولا بنسخه لما قبله ، وينسبون ما في أيديهم من بقايا التوراة والإنجيل مع ما أضيف إليهما من التحريف ، والتبديل ، والتغيير ، إلى الله - تعالى - بل فيهما من الافتراء نسبة أشياء من القبائح إلى عدد من الأنبياء - حاشاهم عن فرى الأفاكين - وانظر الآن الإشارة إلى طرف من هذه النصوص المفتراة في نواقض إيمانهم بجميع الأنبياء والرسل وما جاءوا به :
* فقد نسبت اليهود الردة إلى نبي الله سليمان - عليه السلام - وأنه عبد الأصنام كما في سفر الملوك الأول . الإصحاح / 11 / عدد / 5 .
* ونسبت اليهود إلى نبي الله هارون - عليه السلام - صناعة العجل ، وعبادته له كما في الإصحاح / 32 عدد / 1 من سفر الخروج .
وإنما هو عمل السامري ، وقد أنكره عليه هارون - عليه السلام - إنكاراً شديداً ، كما في القرآن الكريم .
* وقد نسبت اليهود إلى خليل الله إبراهيم - عليه السلام - أنه قدم امرأته سارة إلى فرعون لينال الخير بسببها .
كما في الإصحاح / 12 العدد / 14 من سفر التكوين .
* وقد نسبت اليهود إلى لوط - عليه السلام - شرب الخمر حتى سكر ، ثم زنى بابنته .
كما في سفر التكوين . الإصحاح / 19 العدد / 30 .
* ونسبت اليهود : الزنى إلى نبي الله داود - عليه السلام - فولدت له سليمان - عليه السلام - .
كما في سفر صموئيل الثاني . الإصحاح / 11 العدد / 11 .
* ونسبت النصارى - قبحهم الله - إلى جميع أنبياء بني إسرائيل أنهم سراق ولصوص ، كما في شهادة يسوع عليهم .
إنجيل يوحنا . الإصحاح / 10 / العدد / 8 .
* ونسبت النصارى - قبحهم الله - جد سليمان ، وداود : فارض ، من نسل يهوذا بن يعقوب ، من نسل الزنى .
كما في : إنجيل متى . الإصحاح / 1 العدد / 10 .
فهذه أمة الغضب ، وهذه أمة التثليث والضلال يرمون جمعاً من أنبياء الله ورسله بقبائح الأمور التي تقشعر منها الجلود ، وينسبون هذا إلى كتب الله المنزلة : التوراة والإنجيل - وحاشا لله - .
إن هذا كفر بالله من جهتين : جهة نسبته إلى الوحي ، ومن جهة الكذب على الأنبياء والرسل بذلك .
فكيف يدعى إلى وحدة المسلمين الموحدين ، والمعظمين لرسل الله وأنبيائه مع هذه الأمم الكافرة الناقضة للإيمان بالكتب المنزلة والأنبياء والرسل .
ومن هنا : كيف لا يستحي من المنتسبين إلى الإسلام من يدعو إلى طبع هذه الأسفار والإصحاحات المحرفة المفترى فيها مع كتاب الله المعصوم : " القرآن الكريم " .
إن هذا من أعظم المحرمات ، وأنكى الجنايات ، ومن اعتقده صحيحاً فهو مرتد عن الإسلام .
الإيمان بالرسل :
من أركان الإيمان ، وأصول الاعتقاد ، " الإيمان بالرسل " إيماناً جامعاً ، عاماً ، مُؤتَلِفاً ، لا تفريق فيه ولا تبعيض ، ولا اختلاف ، وهو يتضمن تصديقهم ، وإجلالهم ، وتعظيمهم كما شرع الله في حقهم ، وطاعتهم فيمن بعثوا به في الأمر ، والنهي ، والترغيب ، والترهيب ، وما جاءوا به عن الله كافة .
وهذا أصل معلوم من الدين بالضرورة ، فيجب الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله ، جملةً وتفصيلاً ، من قص الله - سبحانه - علينا خبره ومن لم يقصص خبره .
وأن عِدّة الأنبياء ، كما جاءت به الرواية من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - وغيره : " مائة ألف وعشرون ألفاً " وعدة الرسل منهم : " ثلاثمائة وخمسة عشر جماً غفيراً " . وسمى الله منهم في القرآن الكريم ، خمسة وعشرين ، فأول نبي هو : آدم - عليه السلام - وقيل : بل هو نبي رسول . وأول نبي رسول نوح - عليه السلام - وآخر نبي رسول هو محمد صلى الله عليه وسلم . وكان عيسىبن مريم قبله ، ولم يكن بينهما نبي ولا رسول .
وقد ذكر الله منهم في مواضع متفرقة من القرآن : سبعة ، هم : آدم ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ، وإدريس ، وذو الكفل ، ومحمد - صلى الله عليهم أجمعين - .
وذكر ثمانية عشر منهم في موضع واحد ، في أربع آيات متواليات من سورة الأنعام : ( 83 - 86 ) وهم : إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ونوح ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط .
ومن هذا العدد : خمسة هو أولو العزم من الرسل ، وهم الذين ذكرهم الله - سبحانه - بقوله : { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم } [ الأحزاب / 7 ] .
ومن هذا العدد المبارك : أربعة من العرب ، وهم : هود ، وصالح ، وشعيب ، ومحمد - صلى الله عليهم وسلم أجمعين - (25) .
وذكر الله - سبحانه - ولد يعقوب باسم : " الأسباط " ولم يذكر اسم أحد منهم سوى : يوسف - عليه السلام - وهم اثنا عشر ابناً ليعقوب - عليه السلام - ليس فيهم نبي سوى يوسف - عليه السلام - وهو الذي قواه ابن كثير - رحمه الله تعالى - في " تاريخه " . وقيل : بل كانوا جميعهم أنبياء .
والآيات التي يرد فيها ذكر : " الأسباط " المراد بهم شعوب بني إسرائيل ، وما كان يوجد فيهم من الأنبياء ، وقد ثبت في السنة تسمية نبيين هما : شيت بن آدم ، ويوشع بن نون - عليهم السلام - .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوحاً ، وشعيباً ، وهوداً ، وصالحاً ، ولوطاً ، وإبراهيم، وإسحاق ، ويعقوب ، وإسماعيل ، ومحمداً صلى الله وسلم عليهم أجمعين " .
وكل الأنبياء والرسل : رجال ، أحرار ، من البشر ، من أهل القرى والأمصار ، ليس فيهم امرأة ، ولا ملك ، ولا أعرابي ، ولا جني .
وكلهم على غاية الكمال في الخِلقة البشرية ، والأخلاق العلية ، مصطفون من خيار قومهم ، الذين بعثهم الله فيهم ، وبلسانهم ، من خيارهم خِلقة ، وخُلُقاً ، ونسباً ومواهب ، وقدرات ، معصومون في تحمل الرسالة ، وتبلغيها ، ومن كبائر الذنوب ، واقترافها ، وإن وقعت صغيرة فلا يقرون عليها ، بل يسارع النبي إلى التوبة منها ، والتوبة تغفر الحَوبَة .
وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة إلا محمداً - صلى الله عليه وسلم - فبعثته عامة إلى الثقلين .
وكل نبي يبعث بلسان قومه .
وقد يبعث الله -سبحانه - نبياً وحده ، أو رسولاً وحده ، وقد يجمع الله بعثة نبيين اثنين ، أو نبي ورسول ، أو أكثر من ذلك في زمن واحد ، ومن ذلك :
أن الله - سبحانه - بعث نبيه ورسوله إبراهيم - عليه السلام - وبعث في زمنه : لوطاً - عليه السلام - وهو ابن أخيه .
وبعث الله - سبحانه - إسماعيل، وإسحاق - عليهما السلام - ، في زمن واحد .
وبعث الله - سبحانه - يعقوب ، وابنه يوسف - عليهما السلام - في زمن واحد . وبعث الله - سبحانه موسى ، وأخاه هارون - عليهما السلام - في زمن واحد ، قيل : وشعيب - عليه السلام - الذي أدركه موسى ، وتزوج ابنته . وهو غلط ، كما قرره المفسرون منهم ابن جرير - رحمه الله تعالى - في : " الجواب الصحيح : 2 / 249 - 250 " .
وبعث الله - سبحانه - داود وابنه سليمان - عليهما السلام - في زمن واحد .
وبعث الله - سبحانه - زكريا ، ويحيى - عليهما السلام - في زمن واحد .
وقال - تعالى - في سورة " يس " : { واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث } [ إلى آخر الآيات / 13 - 17 من سورة يس ] .
وقد اختار ابن كثير - رحمه الله - أنهم ثلاثة رسل من رسل الله - تعالى - .
وكلهم بعثهم الله مبشرين ، ومنذرين ، ولتحقيق العبودية لله - سبحانه - وتوحيده ، وأدى كل واحد منهم - عليهم السلام - الأمانة ، وبلغ ، وبشر ، وأنذر ، وقد أيدهم الله بالمعجزات الباهرات ، والآيات الظاهرات .
والرسل أفضل من الأنبياء ، وقد فضل الله - سبحانه - بعضهم على بعض ، ورفع بعضهم درجات ، وأفضلهم جميعاً : خمسة هم أولو العزم من الرسل .
وأفضل الجميع على الإطلاق ، بل أفضل جميع الخلائق : هو خاتمهم نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه لا نبي بعده ، وان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين عامة .
وكلهم متفقون على وحدة الملة والدين : في التوحيد ، والنبوة والبعث ، وما يشمله ذلك من الإيمان الجامع بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشَره ، وما في ذلك من وحدة العبادة لله - تعالى - لا شريك له ، فالصلاة والزكاة ، والصدقات ، كلها عبادات لا تُصرف إلا لله - تعالى - .
وشرائعهم في العبادات في صورها ، ومقاديرها ، وأوقاتها ، وأنوعها ، وكيفيتها ، متعددة .
حتى جاءت الرسالة الخاتمة ، والنبوة الخالدة ، فنسخ الله بها جميع الشرائع فلا يجوز لبشر ، كتابي ولا غير كتابي ، أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن تعبد الله بغير هذه الشريعة الخاتمة ، فهو كافر ، وعمله هباء : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } [ الفرقان / 23 ] .
فواجب على كل مكلف الإيمان ، بان نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ولو كان أحد من أنبياء الله حياً لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا يسع الكتابيين إلا ذلك ، كما قال الله تعالى : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } [ الأعراف / 157 ] .
وأن بعثته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الثقلين ، والناس أجمعين : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولن أكثر الناس لا يعلمون } سبأ / 28 ] .
وقال - تعالى - : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً } [ الأعراف / 158 ] .
وقال - تعالى - : { وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } [ الأنعام / 19 ] .
وقال -يسبحانه - : { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ } [ آل عمران / 20 ] .
من نواقض هذا الأصل :
من كفر بنبي واحد ، أو رسول واحد ، أو آمن ببعض وكفر ببعض ، فهو كمن كفر بالله وجحده ، وقد فرق بين الله ورسله ، ولا ينفعه إيمانه ببقية الرسل ؛ ذلك أن الرسل حملة رسالة واحدة ، ودعاة دين واحد ، وإن اختلفت شرائعهم ، ومرسلهم واحد ، فهم وحدة يبشر المتقدم منهم بالمتأخر ، ويصدق المتأخر المتقدم .
قال تعالى : { إن الذين كفروا بالله ورسله ، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقاً } [ النساء / 150 - 151 ] .
ولهذا : فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، وأنه خاتم الأنبياء والرسل ، وأن شريعته ناسخة لجميع ما قبلها ، وأنه لا يسع أحداً من أهل الأرض اتباع غير شرعه : فهو كافر مخلد في النار كمن كفر بالله وجحده رباً معبوداً .
وقد بين الله - سبحانه - كفر اليهود والنصارى ؛ لإيمانهم ببعض الرسل ، وكفرهم ببعض ، كما قال - تعالى - : { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم } [ البقرة / 91 ] .
{ وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم } [ البقرة / 91 ] . .
فاليهود لا يؤمنون بعيسى ابن مريم ، ولا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم { فباؤوا بغضب على غضب } [ البقرة / 90 ] غضب بكفرهم بالمسيح عيسى ابن مريم ، وغضب بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والنصارى : لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم فَأتوا من كفرهم به . .
لهذا : فهم بكفرهم هذا كفار مخلدون في النار ، فكيف ينادون بوحدتهم مع دين الإسلام . .
وانظر إلى حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق والنار حق : أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " متفق عليه . .
فقوله : " وأن عيسى عبد الله ورسوله " تعريض باليهود وتعريض بالنصارى - أنفسهم - في قولهم بالإيمان به مع التثليث وهو شرك محض ؛ وبه تعرف السر في تخصيص ذكر عيسى - عليه السلام - في هذا الحديث العظيم الجامع . .
ألا : لا وحدة بين مسلم يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله ويهودي أو نصراني : لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله - سبحانه - : .
{ فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } [ البقرة / 137 ] . .
نسبة القبائح ، والكبائر إلى الأنبياء كصناعة الأصنام ، والردة ، والزنا ، والخمر ، والسرقة ،
فمن نسب أي قبيحة من تلك القبائح ، ونحوها إلى أي نبي أو رسول فهر كافر مخلد في النار ، مثل كفره بالله ، وجحده له . .
وقد كان لليهود ، والنصارى - قبحهم الله وأخزاهم - أوفر نصيب من نسبة القبائح إلى أنبياء الله ورسله - عليهم السلام - كما تقدم ذكر بعض منها . .
ومن نواقض هذا الأصل : .
نفي بشرية أحد من الأنبياء ، أو تأليه أحد منهم . .
وقد نقض اليهود ، والنصارى هذا الأصل العظيم بافترائهم ، وكذبهم ، وتحريفهم ، كما فضحهم الله في آيات من : " القرآن العظيم " وحكم بكفرهم ، وضلالهم . .
فقال - سبحانه - عن اليهود والنصارى : { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون } [ التوبة / 30 ] . .
وقال - سبحانه - عن النصارى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } [ المائدة / 72] . .
وقال - سبحانه - عن النصارى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد } [ المائدة / 73] . .
ومن ونواقض هذا الأصل :
عدم الإيمان بعموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع أهل الأرض عربهم ، وعجمهم ، إنسهم ، وجنهم . .
ومنه أن العيسوية من اليهود وفريقاً من النصارى آمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم للعرب خاصة ، وأنكروا عموم رسالته . وإنكار عموم رسالته صلى الله عليه وسلم ، كفر ، يناقض صريح القرآن : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [ سبأ / 28 ] . .
والآيات بهذا المعنى كثيرة ، وفي صحيح مسلم : " أرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون " . .
النتيجة :
* يجب على كل المسلمين : الكفر بهذه النظرية : " وحدة كل دين محرف منسوخ مع دين الإسلام الحق المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل الناسخ لما قبله " . وهذا من بدهيات الاعتقاد والمسلمات في الإسلام .
وأن حال الدعاة إليها من اليهود ، والنصارى مع المسلمين هم كما قال الله - تعالى - : { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } [ آل عمران / 119 ] .
* ويجب على أهل الأرض اعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها وأن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع ، ناسخة لكل شريعة قبلها ، فلا يجوز لبشر من أفراد الخلائق أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة الإسلام .
وإن هذا الأصل لم يسلم لأحد إلا لأهل الإسلام ، فأمة الغضب : اليهود ، كافرون بهذا الأصل ؛ لعدم إيمانهم بشريعة عيسى - عليه السلام - ولعدم إيمانهم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمة الضلال : النصارى ، كافرون بهذا الأصل ؛ لعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبشريعته ، وبعموم رسالته .
والأمتان كافرتان بذلك ، وبعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ومتابعته في شريعته ، وترك ما سواها ، وبعدم إيمانهم بنسخ شريعة الإسلام لما قبلها من الشرائع ، ، وبدعم إيمانهم بما جاء به من القرآن العظيم ، وأنه ناسخ لما قبله من الكتب والصحف .
{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } [ آل عمران / 58 ] .
* ويجب على جميع أهل الأرض من الكتابيين وغيرهم : الدخول في الإسلام بالشهادتين ، والإيمان بما جاء في الإسلام جملة وتفصيلاً ، والعمل به ، واتباعه ، وترك ما سواه من الشرائع المحرفة والكتب المنسوبة إليها ، وأن من لم يدخل في الإسلام فهو كافر مشرك ، كما قال الله - تعالى - : { يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون } [ آل عمران / 70 ] .
* يجب على أمة الإسلام : " أمة الاستجابة " ، " أهل القبلة " : اعتقاد أنهم على الحق وحدهم في : " الإسلام الحق " وأنه آخر الأديان ، وكتابه القرآن آخر الكتب ، ومهيمناً عليها ، ورسوله آخر الرسل وخاتمهم ، وشريعته ناسخة لشرائعهم ، ولا يقبل الله من عبد سواه . فالمسلمون حملة شريعة إلهية خاتمة ، خالدة ، سالمة من الانحراف الذي أصاب أتباع الشرائع السابقة ، ومن التحريف الذي داخل التوراة والإنجيل مما ترتب عليه تحريف الشريعتين المنسوختين : اليهودية والنصرانية .
* ويجب على : " أمة الاستجابة " لهذا الدين إبلاغه إلى " أمة الدعوة " من كل كافر من يهود ونصارى ، وغيرهم ، وان يدعوهم إليه ، حتى يسلموا ، ومن لم يسلم فالجزية أو القتال .
قال الله - تعالى - { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [ التوبة / 29 ] .
* ويجب على كل مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً : أن يدين الله - تعالى - بِبُغضِ الكفار من اليهود والنصارى ، وغيرهم ، ومعاداتهم في الله - تعالى - وعدم محبتهم ، ومودتهم ، وموالاتهم ، وتوليهم ، حتى يؤمنوا بالله وحده رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً .
قال الله - تعالى - : { يا أيها الذين آمونا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } [ المائدة / 51 ] . والآيات في هذا المعنى كثيرة .
ولهذا صار من آثار قطع الموالاة بيننا وبينهم ، أنه لا توارث بين مسلم وكافر أبداً .
* يجب على كل مسلم اعتقاد كفر من لم يدخل في هذا الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم ، وتسميته كافراً ، وأنه عدو لنا ، وأنه من أهل النار .
قال الله - تعالى - : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } [ الأعراف / 158 ] .
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ، ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " .
ولهذا : فمن لم يكفر باليهود والنصارى فهو كافر ، طرداً لقاعدة الشريعة : " من لم يكفر الكافر فهو كافر " .
ونقول لأهل الكتاب كما قال الله - تعالى - : { انتهوا خيراً لكم } [ النساء / 171 ] .
* ولا يجوز لأحد من أهل الأرض اليوم أن يبقى على أي من الشريعتين : " اليهودية والنصرانية " فضلاً عن الدخول في إحداهما ، ولا يجوز لمتبع أي دين غير الإسلام وصفه بأنه مسلم ، أو أنه على ملة إبراهيم ، لما يأتي :
1- لأن ما كان فيهما - أي اليهودية والنصرانية - من شرع صحيح فهو منسوخ بشريعة الإسلام فلا يقبل الله من عبد أن يتعبده بشرع منسوخ .
2- ولأن ما كان منسوباً إليهما من شرع محرف مبدل ، فتحرم نسبته إليهما ، فضلاً عن أن يجوز لأحد اتباعه ، أو أن يكون دين أحد من الأنبياء لا موسى ولا عيسى ، ولا غيرهما .
3- ولأن كل عبد مأمور بأن يتبع الدين الناسخ لما قبله ، وهو بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم دين الإسلام الذي جاء به ، بعبادة الله وحده لا شريك له ، وتوحيده بالعبادة ، فمن كان كذلك كان عبداً حنيفاً ، مسلماً ، على ملة إبراهيم ، ومن لم يؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين ، ويخص نبيه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالاتباع دون سواه فلا يجوز وصفه بأنه حنيف ، ولا مسلم ، ولا على ملة إبراهيم ، بل هو كافر في مشاقة وشقاق .
قال الله تعالى : { وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وأما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } [ البقرة / 135 - 137 ] .
فبطلت بهذه نظرية الخلط بين دين الإسلام الحق ، وبين غيره من الشرائع الدائرة بين التحريف والنسخ ، وأنه لم يبق إلا الإسلام وحده ، والقرآن وحده ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده ، وأن شريعته ناسخة لما قبله ، ولا يجوز اتباع أحد سواه .
* وأنه لا يجوز لمسلم طباعة التوراة ، والإنجيل ، وتوزيعهما ، ونشرهما ، وأن نظرية طبعهما مع القرآن الكريم في غلاف واحد ، من الضلال البعيد ، والكفر العظيم ، لما فيها من الجمع بين الحق : " القرآن الكريم " والباطل : في التوراة والإنجيل من التحريف والتبديل ، وأن ما فيهما من حق فهو منسوخ .
* وأنه لا يجوز الاستجابة لدعوتهم ببناء " مسجد ، وكنيسة ، ومعبد " (26) في مجمع واحد لما فيها من الدينونة والاعتراف بدين يعبد الله به سوى الإسلام ، وإخفاء ظهوره على الدين كله ، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة على أهل الأرض التدين بأي منها ، وأنها على قَدَم التساوي ، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله ، وهذه المردودات السالبة ، فيها الكفر والضلال ، ما لا يخفى ، فعلى المسلمين بعامة ، ومن بسط الله يده عليهم خاصة ، الحذر الشديد ، من مقاصد الكفرة من اليهود والنصارى في إضلال المسلمين ، والكيد لهم فإن بيوت الله في أرض الله هي : " المساجد " وحدها : { قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين } [ الأعراف / 29 ] .
وهذه المساجد من شعائر الإسلام ، فواجب تعظيمها ، ورعاية حرمتها ، وعمارتها ، ومن تعظيمها ورعايتها عدم الرضا بحلول كنائس الكفرة ، ومعابدهم في حرمها ، وفي جوارها ، وإقرار إنشائها في بلاد الإسلام ، ورفض مساجد المضارة بالإسلام ، والضّرار بالمسلمين في بلاد الكافرين .
فإن " المسجد " والحال هذه ، مسجد مُضَارّة للإسلام ، ولا يجوز إقراره ، ولا الصلاة فيه ، ويحب على من بسط الله يده من ولاة المسلمين هدم هذا المجمع ، فضلاً عن السكوت عنه ، أو المشاركة فيه ، أو السماح به ، وإن كان - والحال ما ذكر - في بلاد كفر ، وجب على المسلمين إعلان عدم الرضا به ، والمطالبة بهدمه ، والدعوة إلى هجره .
وانظر ، كيف تشابهت أعمال المنافقين ، ومقاصدهم ، في قديم الدهر وحديثه ؛ إذ بني المنافقون مسجداً ضراراً بالمؤمنين ، أما عملهم اليوم ، فهو : أشد ضراراً بالإيمان ، والمؤمنين ، والإسلام والمسلمين ، وقد أنزل الله - سبحانه - قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة ، فقال الحكيم الخبير سبحانه وتعالى - : { والذين اتّخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون . لا تقيم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المُطَهرين . أفمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جنهم والله لا يهدي القوم الظالمين . لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم } [ التوبة / 107 - 110 ] .
ثم رأيت الفرق الباطنية ، التي أسست من قِبَلِ الاستعمار الروسي ، والإنجليزي ، واليهودية العالمية ، منسوبة إلى الإسلام ظلماً ؛ لهدمه ، والعدوان عليه ، ومنها :
" البابية " نسبة إلى : المرزا علي محمد الشيرازي ، الملقب : " باب المهدي " المولود سنة 1235 والهالك سنة 1265 .
و " البهائية " نسبة إلى البهاء حسين ابن الميرزا المولود بإيران سنة 1233 ، والهالم سنة 1309 .
و " القاديانية " نسبة إلى : مرزا غلام أحمد القادياني الهالك سنة 1325 .
المحكوم بكفرها - أي هذه الفرق - بإجماع المسلمين ، وقد صدرت بكفرها قرارات شرعية دَولية .
هذه الفِرق تدعو إلى هذه النظرية : " نظرية الخلط " .
ومنها قول بهاء المذكور (27) :
" يجب على الجميع ترك التعصبات ، وأن يتبادلوا زيارة الجوامع والكنائس مع بعضهم البعض ؛ لأن اسم الله في جميع هذه المعابد مادام الكل يجتمعون لعبادة الله ، فلا خلاف بين الجميع ، فليس منهم أحد يعبد الشيطان ، فيحق للمسلمين أن يذهبوا إلى كنائس النصارى ، وصوامع اليهود ، وبالعكس يذهب هؤلاء إلى المساجد الإسلامية " انتهى .
ما أشبه الليلة بالبارحة ، فإن عمل منافقي اليوم ضِرار بالإيمان والمؤمنين بوجه أشد نكاية وأذى للإسلام والمسلمين .
* ألا أنه واجب على المسلمين ، الحذر والتيقظ من مكايد أعدائهم .
* وواجب على المسلمين ، الحذر من ارتداء الكفرة مُسُوحَ الحوار ، وجَلب الشخصيات المتميعة ونحو ذلك من أساليبهم ، التي هي بحق : " رجس من عمل الشيطان " .
* وليعلم كل مسلم ، أنه لا لقاء بين أهل الإسلام والكتابيين وغيرهم من أمم الكفر إلا وفق الأصول التي نصبت عليها الآية الكريمة : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } [ آل عمران / 64 ] . وهي توحيد الله تعالى ونبذ الإشراك به وطاعته في الحكم والتشريع واتباع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي بشرت به التوراة والإنجيل .
* فيجب أن تكون هذه الآية شعار كل مجادلة بين أهل الإسلام وبين أهل الكتاب وغيرهم وكل جهد يُبذل لتحقيق غير هذه الأصول فهو باطل . . باطل . . باطل .
* وإن إفشال تلك المؤتمرات التي هي في حقيقتها : " مؤامرات " على المسلمين ، مؤكد بوعد الله - تعالى - للمسلمين في قوله جل وعز : { لن يضروكم إلا أذى } [ آل عمران / 111 ] .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة " .
وثبت - أيضاً - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدواً من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها " . الحديث .
* ولكن هذا - وأيم الله - لا بد له من موقفين : موقف رفع راية الجهاد ، وتوظيف القدرات بصد العاديات ، وموقف للبناء وتحصين المسلمين بإسلامهم على وجهه الصحيح
* ولا تلتفت أيها المسلم إلى غلط الغالطين ، ولا إلى من خدعتهم دعوة إخوان الشياطين ، ولا إلى المأجورين ، ولا إلى أفراد من الفرق الضالة من المنتسبين إلى الإسلام ، للمناصرة ، والترويج لهذه النظرية ، فيتسنمون الفتيا وما هم بفقهاء ، ولا بصيرة لهم في الدين ، وإنما حالهم كما قال الله تعالى : { وإن منهم فريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } [ آل عمران / 78 ] .
اللهم إني قد بينت ونصحت في هذا كل مسلم قدر نفسه حق قدرها مؤمناً بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، فأذعن للحق ، اللهم فاشهد .
نسأل الله - سبحانه - أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يذب عنهم البأس ، وأن يصرف عنهم كيد الكائدين ، وأن يثبتنا جميعاً على الإسلام حتى نلقاه إنه على كل شئ قدير .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
تحريراً
في 8 / 5 / 1417
بقلم بكر بن عبد الله أبو زيد
________________________________________
هوامش
(1) ما جاء بين القوسين من: " هداية الحيارى " لابن القيم. وهكذا في المواضع بعده من هذه المقدمة.
(2) الفتاوى : 4 / 203 .
(3) الفتاوى : 4 / 203 - 208 ، 14 / 164 - 168 ، 28 / 523 . الصفدية : 1 / 98 - 100 ، 268 . الرد على المنطقيين : ص / 282 - 283 .
(4) لا أستعمل الرمز " هـ " إشارة إلى التاريخ الهجري ؛ لأنه ليس لدينا في الإسلام سواه ، والتاريخ الميلادي ليس قسيماً له وعند وروده منقولاً أرمز له بحرف : " م " .
(5) تنبيه : عظمت الفتنة في عصرنا بمدح الملاحدة المنتسبين إلى الإسلام والافتخار بهم ، وإظهار مقالاتهم ، وساعد على ذلك طبع المستعمرين - المستشرقين - لكتبهم ، ونشرها ، وكل هذه مخاطر يجب الحذر منها ، وعلى من بسط الله يده أن يكف أقلام أصحابها ، وألسنتهم ، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم - في نصرة هذا الدين ، وحماية لأهله من شرورهم .
(6) الموسوعة الميسرة : ص / 449 - 454 .
(7) انظر : كتاب : " صحوة الرجل المريض " لموفق بني المرجه : ص / 345 . وكتاب : " جمال الدين الأفغاني في الميزان " .
(8) المراجع السابقة .
(9) في كتاب محمد البهي : " الإخاء الديني ، ومجمع الأديان / سياسة غير إسلامية " . ص / 3 قال ما نصه : " الإخاء الديني : جماعة تمارس نشاطها المشترك بين المسلمين والمسيحيين في المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين بالقاهرة . . . . " .
(10) في المرجع السابق : " مجمع الأديان : مبني يقام في وادي الراحة بسيناء للعبادات الثلاثة " .
(11) العالمية : مذهب معاصر ، يدعو إلى البحث عن حقيقة واحدة يستخلصها من ديانات العالم المتعددة ، وحقيقته نسف للإسلام انظر : معجم المناهي اللفظية ص / 270 - 371 .
(12) من هنا حتى الفقرة العاشرة ، مستخلص من : سلسلة تقارير المعلومات بوزارة الأوقاف الكويتية تحت الوثيقة رقم / 61334 بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية . بالرياض .
(13) لم يفصح لنا الخبر إلى أي القبلتين صلى بهم البابا . . . وهل كانت الصلاة في بيت رحمة - المسجد - أم في بيت عذاب : الكنيسة ، والمعبد . وهذه أول صلاة يؤم فيها كافر مسلماً . . . ؟؟!!
(14) انظر كتاب : " الجارودي ووثيقة إشبيلية " لسعد ظلام . وكتاب : " الإسلام والأديان " لمحمد عبد الرحمن عوض .
(15) جاء في الإصحاح التاسع من سفر التكوين " ما يفيد - قبحهم الله ما أكذبهم - أن الله جعل " قوس قزح " علامة تذكره أن لا يعود إلى إهلاك أهل الأرض مرة أخرى كما كان مع قوم نوح ، فهو علامة ميثاق بين الله وبين أهل الأرض : " أنه إذا رأى الله : " قوس قزح " تذكر حتى لا يتورط مرة أخرى في طوفان آخر . قاتل الله اليهود ما أكذبهم ، وعليهم لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة " . وانظر : " قذائف الحق " للغزالي ( ص / 24 - 25 ) .
(16) نشر في وسائل الإعلام المختلفة ، ومنها في : جريدة الرأي . في العدد رقم / 9316 ، ص / 1 بتاريخ 13 / 10 / 1416 .
(17) نشر الخبر في وسائل الإعلام ، وفي الصحافة العالمية . منذ شهر رمضان عام 1416 .
(18) تطبيع العلاقات : مصطلح دولي معاصر ، وهو اتفاق ، أو معاهدة ثنائية بين بلدين ، تهدف إلى جعل العلاقات بينهما طبيعية ، ومتكيفة مع الوضع الجديد للبلدين ، ويشمل التطبيع عدة نواح ، وليس مقصوراً على الناحية السياسية فقط ؛ إذ يشمل العلاقات الاقتصادية ، والتمثيل الدبلوماسي والتبادل التجاري ، والتعاون الإعلامي ، وفتح المجال للسياح من البلدين . " كتاب كلمات غريبة : 148 " .
(19) ويقال : " النظام العالمي الجديد " و "النظام العالمي المعاصر " وحقيقته من خلال القوى العاملة في : " المؤسسات الدولية " : نظام استعماري غربي من وجه جديد ضد أمم وحضارات ديانة الجنوب وفي مقدمتها " الملة الإسلامية " يهدف إلى سلب الدين والخلاق ، وفرض التقليد والتبعية لهم في خصوصيات حضارتهم في الدين والأخلاق .
(20) انتشر إعلامياً حال هذا التقييد ، إعلان جارودي ، أنه لم يتخل عن النصرانية ، وأخذ يرمي بآراء جديدة في الإسلام ، منها أن الصلوات المفروضات ثلاث وليست خمساً وأنه يدعو إلى عقيدة دينية جديدة تخلط بين الإسلام والنصرانية والشيوعية ، إلى آخر كفرياته ، كما نشر في : " مجلة المجلة " هذا العام 1416 . وقد رد عليه شيخ الأزهر جاد الحق - رحمه الله تعالى - قبيل وفاته ، ورد عليه الشيخ عبد العزيز ابن عبد الله بن باز المفتي العام للملكة العربية السعودية في : " مجلة البعث الإسلامي لعدد / 6 ربيع الأول عام 1417 ص / 24 - 31 " . ومثل هذا الرجل وانكشاف حقيقته بعد سنين ، يعطي المسلمين درساً بالتثبيت والتبين قبل الاندفاع ، فإن المسلمين قد أكبروه ، وشهروه ، ثم صارت حقيقة حاله ما ذكر ، فإلى الله المشتكى ، وهو المستعان .
(21) وكان آخرها : " مؤتمر الإسلام والحوار الحضاري بين الأديان " المنعقد في القاهرة في شهر ربيع الأول عام 1417 . وفي : " مجلة الإصلاح " الإماراتية في العدد / 351 في 1 / 4 / 1417 تقرير عنه ، وكشف حقائق مزعجة على لسان بعض المشاركين من المسلمين ؟!
(22) انظر كتاب : " الإيمان " لعثمان عبد القادر الصافي . ص / 117 .
(23) الفتاوى : 21 / 62 - 65 .
(24) انظر : مجموع الفتاوى : 28 / 12 - 613 .
(25) جمعهم بعضهم بقوله : " شهصم " .
(26) انظر حاشية / 23 ، وهذه صورة مشروع لهذه الفكرة المراد تنفيذها لمسجد وكنائس في بعض دول شرق آسيا.
(27) كتاب : أهمية الجهاد في الإسلام للشيخ علي العلياني : ص / 508 -
يؤمن " "المسيحيون" عُباد المسيح الأرثوذكس أن المسيح بن مريم هو الله .. نعم هو الله نفسه الذي تأنس و تجسد وأخذ صورة إنسان عبد .. فلقد خطط الرب الإله في نفسه و قرر
.. ووضع خطة ليخلص الإنسان من اللعنة التي ورثها من ابيه آدم نتيجة خطيئة آدم وأكله من الشجرة التي نهاه الرب عن الأكل منها. وكانت الخطة أن يكون الإله إنسانا يدخل في رحم إمرأة هي السيدة مريم .. لقد اختار الرب الإله مريم ابنة الكاهن ليدخل في رحمها .. الصبية ذات الاثني عشر ربيعا .. ولكن هناك مشكلة لأن الشريعة تقول إذا تدنست ابنة الكاهن بالزنا تحرق بالنار .. الحل موجود حتى لاتُقتل مريم .. فلتكن مريم مخطوبة لرجل يدعى يوسف النجار الذي تعطيه الأناجيل أنساب مختلفة تماما عن بعضها البعض فإنجيل لوقا يقول أن أباه كان اسمه هالي" يوسف بن هالي"بينما إنجيل متى يقول أن أبوه اسمه يعقوب" يعقوب ولد يوسف رجل مريم" و ليكون الرب الإله جنينا و ليتلوث بالدم استعدادا لأن يُصفع ويُبصق في وجهه .. و يُصلب ويقتله حفنة من اليهود والرومان حتى يشعر بما يشعر به الإنسان من الألم والعذاب حتى يستطيع أن يغفر خطيئة آدم"اللعنة الأزلية" بأكله من الشجرة التي نهاه عن الأكل منها .. تلك اللعنة التي اخترعها بولس وقال لقد ورثها كل بنو آدم من أبيهم آدم مع أن الكتاب يقول "كل واحد يموت بذنبه "
- أي أن إله عُباد المسيح في معتقدهم لم يكن ليغفر للإنسان إلا إذا تجسد الاقنوم الابن و سُمرت يداه ورجلاه وقُتل وتعذب .. وحينئذ فقط يستطيع أن يغفر الذنوب بعد أن عانى من العذاب وتحمل الخزي .. مع أن المسيح عليه السلام لم يذكر حتى اسم آدم مرة واحدة على لسانه وطوال مدة رسالته التي استمرت ثلاث سنوات فقط في الكتاب المقدس بل والكتاب المقدس يقول عن آدم "آدم ابن الله" وكلمة ابن الله لايعطيها كتبة الكتاب المقدس إلا للبار المؤمن بالله .. فكيف يعطونها لمن هو اساس اللعنة؟ .. و ليحمل إله عباد المسيح الابن المتجسد حسب معتقدهم تلك اللعنة الأزلية بدلا من بني آدم من عُباد المسيح وليكفر ايضا عنهم خطيئتهم .. وليصبح إله عباد المسيح ملعونا بعد أن كان مباركا كما قال لهم بولس ذلك .. المهم .. عندما يجد يوسف مريم حاملا بالجنين الإله القديم الأزلي .. يفكر في أن يترك مريم ويفارقها فهو لا يعرف من أين أتت بهذا الإله الجنين؟ .. إلا أن ملاك الرب يأتي ليوسف في المنام ليخبره أن مريم قد حبلت من الله الروح القدس"الأقنوم الثالث في الثالوث الأقدس" وبالفعل يترك يوسف أفكاره ويسير مع مريم لمدة خمسة عشرة سنة .. ينام معها ويصاحبها في منامها ويقظتها ويشرب معها ويأكل معها .. دون زواج .. حتى إننا نجد في الكثير من الترجمات الانجليزية لإنجيل متى الإصحاح الأول العدد 25 أن يوسف النجار كان يُجامع مريم ويُضاجعها مُضاجعة الأزواج لمدة 21 سنة بلا زواج .. ولذلك انتشرت فكرة الخلائل والخليلات والأصدقاء والصديقات الممارسين للزنا والفواحش بين عباد يسوع في كل أنحاء الأرض ولم تعد تلك الممارسات تمثل لهم أدنى حرج.
- و أخيرا يخرج الطفل الإله من بطن أمه في زريبة بقر طفلا في المزود الذي تأكل فيه الماشية .. لتُقمطه أمه و ليمسك ثدييها بيديه التي صنعت السماوات والأرض ليرضع من لبنها .. ومن المعروف أن من يرضع يحتاج إلى طعام و لابد أن يُخرج ماأكله وشربه في دورات المياه .. و في اليوم الثامن من ميلاده وحسب شريعة موسى يُختن الطفل الإله لتلقى قطعة من جسده ليأكلها الدود .. وبعد أربعين يوما من الولادة وبعد أن تطهرت أمه من النجاسة التي يصف بها الكتاب المقدس الوالدة التي تضع طفلا .. تأخذه مريم مع يوسف رجلها للهيكل حسب شريعة موسى لتقدمه للرب بعد أن قدمت فرخي يمام وليمة قربانا للرب .. و خوفا من أن يقتل هيرودس الرب الإله يهرب به يوسف النجار و مريم على حمار إلى مصر .. ويعود الاثنان بالرب بعد أن يموت هيرودس .. وكان الرب الإله مع أمه مريم وأبيه يوسف يزورون الهيكل كل عام .. وفي إحدى المرات وهو صبي يتوه الرب الإله لمدة ثلاثة أيام من أمه وأبيه يوسف ثم يجدانه في الهيكل فتعاتب أم الرب الإله ابنها وتقول له يا بني لقد كنا نبحث عنك متعبين أنا وأبيك يوسف .. وكان الصبي الرب الإله ينمو ويتقوى في الجسم والعلم وكانت نعمة الله عليه "كانت نعمة الله على الله؟" ثم تختفي عنا في الأناجيل قصة حياة الصبي الرب الإله حتى يبلغ الثلاثين عاما وتختفي معه حكايات يوسف النجار أبوه و رجل أمه للأبد ولم تعد تخبرنا الأناجيل عنه شيئا .. و قبل الثلاثين لم يكن الرب الإله الإنسان قد أعُطي الروح القدس بعد بالرغم من أن أمه حبلت به من الروح القدس .. فالروح القدس هو أبوه"الروح القدس هو ابو الصبي الرب الإله" ولا أدري كيف يتركه ثلاثين عاما هكذا ..ثم كيف يكون الرب الإله على الأرض بدون روح وأنتم ياعباد المسيح تقولون أن الإله لا يمكن أن يوجد بدون روح وهو سبب حياته؟ .. وحينما أعُطي الروح للرب الإله الإنسان بدأ في صُنع المعجزات .. وكانت أول معجزة يصنعها الرب الإله الإنسان تحويل الماء إلى خمر معتقة ذي لذة .. للمدعوين في عرس قانا حيث كان الخمر قد نفذ .. فدعته أمه ليحول الماء إلى خمر .. ثم بعد ذلك يتعرف الرب الإنسان على إمرأة خاطئة تسمى مريم المجدلية .. كان الرب الإله الانسان الذي على الأرض قد دعا الله الذي في السماوات أن يساعده على إحياء أخيها الميت منذ أربعة أيام .. فرفع الرب الإله الإنسان عينيه إلى السماء وقال لله الذي في السماوات "أعلم أنك تسمع لي في كل حين ولكن قلت ليؤمنوا انك أرسلتني" وتحدث المعجزة ويقوم الميت العازر أخو مريم ومارثا .. لتصاحب مريم يسوع بعد ذلك في حله وترحاله .. ولتضرب لنا مثلا لم نعهده من قبل في كيفية التوبة .. فقد أخذت قارورة عطر ثمنها يزيد على الثلاثمائة دينار .. كانت قد جمعت ثمنها من فعل الخطيئة لتعطر بها رأس و جسد يسوع وتدلك قدميه بشعرها .. مع أن الله قد حرم أن تدخل بيته أجرة زانية أو ثمن كلب في الكتاب المقدس .. ليقول لها يسوع بعد ذلك مغفورة لك خطاياك حينما رأى باقي تلاميذه مغتاظين من تلكم الأفعال الجديدة التي لم يروها من قبل في كيفية التوبة .. ويُجري الله على يدي يسوع بعض المعجزات كما يقول سمعان بطرس في أعمال الرسل"يسوع الناصري رجل أقامه الله بينكم بمعجزات أقامها الله بيديه" و كان أنبياء بني اسرائيل قد سبقوا المسيح بن مريم عليه السلام إليها بل وأجروا معجزات أعظم منها بمراحل كثيرة .. فهذا موسى عليه السلام يحول العصا إلى حية عظيمة يهزم بها فرعون وسحرته .. ويضرب بها البحر فيصبح طريقا ممهدا يمر فيه بنو إسرائيل وليغرق فرعون وقومه في اليم .. ولقد أحيا موسى سبعين رجلا من قومه بعد موتهم لما أخذتهم الصاعقة .. بل ويُنزل الله له ولبني إسرائيل من السماء خبزا وعسلا ولحما مشويا لمدة أربعين سنة كاملة .. وهذا إليشع "اليسع" يحيي موتى ويشفي مرضى بل وعظامه بعد موته تحيي ميتا بإذن الله .. وهذا ايليا "الياس" يحيي موتى ويضرب بردائه البحر فيشق طريقا يمشي فيه هو وتلميذه اليشع على البحر .. ويرفعه الله حيا بعد أن أراد القوم قتله لما قتل عبدة بعل .. وهذا اخنوخ "إدريس" يرفعه الله حيا .. وهذا حزقيال يحيي ثلاثين ألفا من الموتى .. وحينما يرى الناس معجزات يسوع وكلامه الصادق يؤمنوا أنه نبي الله "قالت الجموع هذا يسوع النبي" .. إلا أن عباد المسيح قالوا بل هو الرب الإله الإنسان ابن الإنسان.
ب - يعتقد عباد المسيح أن المسيح بن مريم نبي مثل موسى ومع ذلك فهو الرب الإله الانسان النبي الذي مثل موسى! فإن يسوع الناصري نفسه تكلم مع بني إسرائيل بأن موسى كتب عنه أنه هو النبي الذي مثل موسى وقد أرسله الله .. نعم لقد قال موسى في سفر التثنية 18 : 18 – 22 إن الله سيقيم لبني اسرائيل نبيا مثل موسى ويقول لهم الله إنهم إذا أرادوا أن يفرقوا بين النبي الصادق الذي يتكلم من عند الله وبين النبي الكاذب الذي يتكلم من عند نفسه .. فإن النبي الذي يتجبر ويتكلم من عند نفسه بما لم يأمره به الله أو من عن نفسه فإن ذلك النبي سيُقتل لامحالة .. ولذلك فنحن المسلمون نقول أن المسيح بن مريم عليه السلام لم يقُتل لأنه نبي ورسول صادق من عند الله .. بينما عباد المسيح يقولون بأنه قُتل وأنه الإله المصلوب المقتول على أيدي حفنة من اليهود والرومان .. حتى يغفر لهم خطاياهم بدمه المسفوح كالخروف المذبوح .. وبذلك فعباد يسوع يصدقوا على قول اليهود بأن المسيح بن مريم نبي كاذب من حيث لايشعرون .. لأنه من علامات النبي الكاذب أنه يُقتل تبعا لنبوءات الكتاب المقدس .. كما حدث مع حنانيا ومسيلمة الكذاب والأسود العنسي الأنبياء الكذبة.
ج- وللهروب من الكثير من الأسئلة الكثيرة التي تكشف خطأ معتقد عباد يسوع .. فقد اخترعوا أن يسوع إنسان كامل "ناسوت" بداخله الله الكامل "اللاهوت" و لذلك فهو هو الرب الإله المتجسد المتأنس الإنسان ابن الإنسان .. ويعتقدون بأن اللاهوت لم يفارق الناسوت طرفة عين .. فإذا قلت لهم يسوع قبل أن يرفعه الله يقول إني صاعد إلى إلهي .. فكيف لم يفارق اللاهوت الناسوت طرفة عين وهو يقول أن الله في السماء وهو على الأرض .. كذبوا ودلسوا .. وإذا قلت لهم هذا يسوع ينادي الله ويقول "إلهي إلهي لماذا تركتني" .. يقولون هذا هو الناسوت ينادي اللاهوت وهو بداخله .. وإذا قلت لماذا لايعرف يسوع ميعاد اثمار التين وهو الله المتجسد يقولون هذا هو الناسوت ذو العلم المحدود .. وإذ قلت هذا المسيح قد بُصق في وجهه وصُفع وضُرب بالقصبة على رأسه و قُتل والله لايموت قالوا بل هو الناسوت الذي مات .. وإذا قلت لهم فما هو دور اللاهوت؟ يقولون دوره ظاهر حينما أحيا المسيح ثلاثة من الموتى فهذا هو اللاهوت .. فهو الله .. فإذا قلت لهم ها هم كثير من الأنبياء قد أحيوا موتى من قبله و أكثر منه فلماذا لا تقولون أنهم آلهة؟ .. يسكتوا! .. وإذا قلت لهم يسوع يقول الآب أعظم من الكل .. وأبي أعظم مني .. يقولوا إنه يتكلم بلسان الناسوت! .. وإذا قلت لهم الكتاب المقدس يقول إن مريم وُجدت حبلى من الروح القدس فلماذا لم يدعو يسوع الروح القدس بقوله أنت أبي الروح القدس؟ .. صمتوا.
د- وللهروب اكثر من الحق فقد اخترعوا الثالوث الأقدس .. فقالوا إن الله يتكون من ثلاثة أقانيم .. الأقنوم الأول آب في السماء لم يره أحد ولايستطيع أن يراه أحد الذي وحده له عدم الموت .. والأقنوم الثاني الإبن المتجسد يسوع الذي كان يتعمد عاريا في نهر الأردن من يوحنا المعمدان يحيى بن زكريا والذي اختتن وهو الله المتجسد الذي صُلب وقٌتل وأقامه الله الآب من الأموات في اليوم الثالث .. مع أن بولس قال لهم"ليس إلا إله واحد هو الآب "وقال لهم " الذي وُضع قليلا عن الملائكة يسوع "وقال عنه يوحنا اللاهوتي في سفر الرؤيا 1:6 "جعل منا مملكة من الكهنة لإلهه" الترجمة العالمية الجديدة والترجمة الكاثوليكية .. والأقنوم الثالث الروح القدس الحمامة الناطق في الأنبياء التي يعطيها الله الآب لمن يشاء .. مع أن الكتاب يقول عن يسوع وعن الروح القدس "يسوع الناصري كيف مسحه الله بالروح القدس".. أي أن الله هو الذي مسح يسوع وجعله مسيحا "رسولا" بالروح القدس .. وهم يعتقدون أن هذه الثلاثة أقانيم ليست واحد فهم مختلفون كل منهم عن الآخر ولكنهم أزليون متساوون في المجد .. الآب إله والإبن إله والروح القدس إله .. ومع أن الأقانيم الثلاثة مختلفين فإن الله واحد .. لأن هؤلاء الثلاثة متحدون في جوهر اللاهوت الواحد .. ولكنهم يظهروا كأقانيم منفصلة وبأشكال مختلفة .. فواحد في السماوات لايراه أحد ولايموت والثاني عاري في نهر الأردن ويموت والثالث حمامة كان فوق النهر إلا انهم الثلاثة واحد.
ذ- يؤمن عباد المسيح أن ربهم خروف وذلك كما أخبرهم يوحنا اللاهوتي في سفر الرؤيا" والخروف يغلبهم لانه رب الارباب وملك الملوك" سفر الرؤيا 17: 14 .. و" الخروف الذي في وسط العرش" سفر الرؤيا 7: 17
ر- يؤمن عباد المسيح أن ربهم قد نزل ليصارع يعقوب ليلا ولم يستطع ربهم أن يصرع يعقوب فأمسكه يعقوب وحبسه حتى طلوع الفجر .. وقال له الرب اطلقني فقال له لن أطلقك حتى تباركني .. فباركه فأطلقه يعقوب "ولما رأى انه لا يقدر عليه ضرب حقّ فخذه.فانخلع حقّ فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال اطلقني لانه قد طلع الفجر.فقال لا اطلقك ان لم تباركني"
ز- يؤمن عباد المسيح أن ربهم في الكتاب المقدس كالسوسة وكالعتة "فانا لافرايم كالعث ولبيت يهوذا كالسوس" وأنه زوج الزانية اسرائيل وأنه طلقها" فرأيت انه لاجل كل الاسباب اذ زنت العاصية اسرائيل فطلقتها واعطيتها كتاب طلاقها لم تخف الخائنة يهوذا اختها بل مضت وزنت هي ايضا وكان من هوان زناها انها نجست الارض وزنت مع الحجر ومع الشجر" وأنه كاللبوة" وآكلهم هناك كلبوة" وأنه يتكلم بأفحش الألفاظ حين يغضب" حاكموا امكم حاكموا لانها ليست امرأتي وانا لست رجلها لكي تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها" .. "وكشفت زناها وكشفت عورتها فجفتها نفسي" وأنه كالسكير المعيط من شرب الخمر" فاستيقظ الرب كنائم كجبار معّيط من الخمر " وأنه يولول وينوح ويمشي عريانا "من اجل ذلك انوح واولول.امشي حافيا وعريانا"
حين انضم (الأقباط) إلى النصرانية حاربهم الرومان الكاثوليك، وقتلوهم أشد القتل.. حرَّقوا الرجال وهم أحياء، وأحرقوا القرى بما فيها ومن فيها؛ كانوا عازمين على إبادتهم إبادة شاملة (1)، يقولون ليسوا مسيحيين إنهم وثنيون يعبدون الفراعنة.
ولم تتغير نظرة الرومان إلى النصارى إلى يومنا هذا، فكنيسة الكاثوليك من يومين أو ثلاث تعلن على الملأ أنها هي (كنيسة الرب) وغيرها ليس بشيء.
وقد دفع هذا الأمر نفراً من الباحثين للتأمل في حال (الأقباط) هل هم مسيحيون... يعبدون المسيح بن مريم كما يدَّعون؟ أم أنهم حقاً وثنيون يعبدون الفراعنة كما يصفهم إخوانهم في الكفر من الكاثوليك؟
الإجابة تشير بوضوح إلى أن نصارى مصر (الأقباط) خليط من النصرانية المحرفة والفرعونية القديمة، والدلائل على ذلك كثيرة (2).
أبرزها أن مستمسكون بأسماء آلهة الفراعنة القديمة، ويشتهر هنا كدليل (مينا البراموسي أو مينا المتوحد) وهو بطريرك الأقباط السابق (3) ـ قبل شنودة الثالث الموجود حالياً ـ ؛ و (مينا) أسقف جرجا الذي لم يعترف بشنودة الثالث حين نُصِّب بطريركاً، وأمهله شنودة ثم عدا عليه حين تمكن منه وشلحه(4)، ويشتهر بين عامة نصارى مصر كاسم يتسمون به (رمسيس) و (بيشاي) و (شنودة) (5)، وأسماء الشهور التي يستعملها النصارى الأقباط هي أسماء آلهه فمثلا (أمشير) مشتق من اسم إله الزوابع، و (برمهات) مشتق من اسم إله الحرب، و (برمودة) مشتق من اسم إله الموت، و (بؤونة) مشتق من اسم إله المعادن، و (أبيب) مشتق من اسم إله الفرح، و (توت) مشتق من اسم إله العلم، و (طوبة) مشتق من اسم إله الطبيعة.. وهكذا، ونسأل كيف يعظمون الفراعنة وهم الذين أخرجوا موسى ـ عليه السلام ـ من مصر، كيف يعظموهم وكتابهم ـ في العهد القديم ـ يلعنهم؟!
إنها إحدى العجائب أن يعظم قومٌ قوماً يعتقدون كفرهم، وإنها لإحدى الدلائل على وثنيتهم وعبادتهم للفراعنة.
ويشهد على ذلك أن أديرتهم تقام على مقابر ومعابد الفراعنة القديمة، وبعضهم يدافع عنهم فيقول أقيمت الأديرة على المعابد الفرعونية القديمة من أجل سرقتها وإخراج الذهب منها، وهو ما حصل بالفعل منذ جاء شنودة الثالث، وهو ما يعلل سيطرتهم على تجارة الذهب في مصر إذ أن ما أُخرج من ذهب من قبور الفراعنة مئات الكيلو جرامات، وهو ما يفسر وجود نسبة كبيرة من الآثار المصرية خارج مصر، وخاصة في دول أوروبا. ولكن هذا الرد لا يمكن قبوله ذلك أن أديرتهم أقيمت على المعابد من قبل أن يصبح للآثار قيمة بين الناس، فهي منشأة على المعابد من قديم، وهم كإخوانهم في الكفر (الكاثوليك) في هذا الشأن فقد أقام الكاثوليك أديرتهم على معابد الحضارات الوثنية القديمة(6).
ويشهد على أنهم يعبدون الفراعنة مع المسيح أنهم حافظوا على اللغة القبطية القديمة.. لغة الفراعنة، وهم الآن يحاولون إحياءها كي يستعمولها في حياتهم اليومية، ولو كانوا حقاً مسيحيين يدينون بالمسيح لأحيوا الآرمية لغة المسيح ـ عليه السلام ـ أو اليونانية ـ لغة الآباء الأولين ـ وإنما هواهم مع الفراعنة.
ولهم تاريخ خاص، يبدأ من عام 282 هـ، ويكتبونه بجوار التاريخ الميلادي، وهو المعتمد عندهم، ولو كان تعظيمهم للمسيح لما ارتضوا غير ميلاده ـ عليه السلام ـ تاريخاً لهم.
هم يعظموه نعم ولكن تعظيماً أقل من تعظيمهم لتاريخهم الخاص بهم الذي هو خليط من النصرانية المحرفة واليهودية .
والحقيقة أن نصارى مصر كيانٌ خاص، مختلف تماماً عن كل النصارى في العالم، في المعتقد فهم لا يقبلون أي طائفة أخرى، وفي التحرك فهم يحافظون على (رعاياهم) داخل مصر وخارجها من استراليا إلى أمريكا الجنوبية، وقد بدءوا في الانتشار في البلاد العربية، وهذا الاستقلال الفكري عن (النصرانية) الأم بدأ يترسخ في حس الأقباط منذ قدوم جماعة (الأمة القبطية) المتطرفة إلى الكنيسة من عهد كيرلس السادس وشنودة الثالث البطريرك الحالي.
ولا يسعني أن أترك (الأقباط) عبّاد البشر (الفراعنة والمسيح) قبل أن أؤكد على أن كل فئات النصارى كالأقباط.. وثنيون في حقيقتهم، فالنصرانية وثنية متطورة، خليط من دين (بولس) و (أديان الوثنية) ومن شاء أن يعرف فليبحث عن معتقداتهم من أين لهم بها؟ وشعائرهم من أين لهم بها؟
وليس هذا قولي، ولا قول علماء المسلمين المختصين بدراسة النصرانية فقط وإنما قول الباحثين النصارى، وأشهر ما يرشد إليه في ذلك ما كتبه (اندريه نايتون) و (إدغار ويند) و (كارل غوستاف يونغ) وهو منشور في موقع (ابن مريم) تحت عنوان (الأصول الوثنية للمسيحية).
====================
(1) وهذه هي تعاليم النصرانية تأمر بها أتباعها حين يتمكنون من مدينة أو قرية.. قتلُ كل من فيها من الرجال والنساء والأطفال بل والمواشي . انظر إن شئت سفر إشعيا [13: 16] ، وسفر العدد (31: 1ـ 18)، وسفر التثنية (20: 16).
(2) ذهب (أندرية نايتون) المؤرخ الفرنسي الشهير في مقدمة كتابه (المفاتيح الوثنية للمسيحية) إلى تعميم هذا الأمر فهو يقول نصاً (إن المسيحية بوجهها العام تبدو تلفيقية وثنية، وإنها برغم تنقيحها تبقى تلفيقية) مقدمة كتاب (المفاتيح الوثنية للمسيحية).
(3) تسمى بـ (كيرلس السادس) بعد أن نصِّّّّّّّب بطريركاً، وكيرلس إسم يوناني يعني سيدي.
(4) الشلح: تعبير سرياني يقصد به التجريد والطرد من السلك الكهنوتي.
(5) شنودة اسم قبطي مركب من كلمتين (شي نوتي) (شي) ابن و (نوتي) الإله، والمعنى ابن الإله. هكذا تقول مواقعهم.
(6) تكلم عن هذا وأفاض في الحديث عالم مقارنة الأديان الفرنسي (أندرية نايتون) المؤرخ الفرنسي الشهير في مقدمة كتابه (المفاتيح الوثنية للمسيحية).
رأوا ربهم فكفرواتعكفْ القنواتُ الفضائيةُ المختصةُ بالتنصيرِ وغرفُ البالتوكِ التنصيريةِ على إبراز من تسميهم ( متنصرين ) ، ونسميهم نحن مرتدين ؛ وقمتُ بتتبع قرابة المائة حالة من هذه الحالات ، وأحببت أن أسجل هنا بعض الملاحظات على هذه الحالات أكشف شيئا مما يحدث ..
سأغض الطرف عن محاولة مَنْ يُبرزون هذه الحالات التحريضَ على الحكومات بالقول بأن أجهزة الدولة في مصر والسعودية خصوصاً وغيرهما عموماً تعتقل من يرتد عن الإسلام وتعذبهم أشد التعذيب . هم حريصون على إبراز هذا الأمر جيداً مع أنه لا يحدث !!، والكل يعرف هذا ، لن أتكلم عن هذا الأمر في هذا المقام ، ولن أتكلم عن أن هذا الكلام يراد منه التغطية على ما تمارسه الكنيسة من ضغط على من يُسلم من رعاياها . ولن أتكلم عن أن كثيراً ممن يدّعون أنهم مرتدون عن الإسلام كشف الله أمرهم وبان للناس كذبهم فهم نصارى من يومهم لم يسلموا قط ، ولن أتكلم عن قلة عددهم ، وأن الأصوات تتكرر ، وأن الكذب عندهم حلال ، قد أحله ( بولس ) رسولهم ، وحمله على رأسه اليوم ( زكريا بطرس ) كبيرهم وجعله له شعاراً فهو لا يصدق ، لن أتكلم عن شيء من هذا ، سأفترض أنهم حقاً كانوا مسلمين ، وأقوم الآن برصد بعض الأمور الخاصة بهؤلاء المرتدين :
الأمر الأول : أجمعوا على رؤية ( الله ) ـ الذي هو المسيح عندهم ـ ، وسماعِ صوته . منهم من يزعم رؤيته ومنهم من يؤكد على سماع صوته فقط .
إحداهن ـ ناهد متولي ـ تقول بينما هي نائمة ـ وتصف ثياب نومها ولا أدري لم ؟! ـ إذا بشابٍ حسن الهيئة جميل المنظر يدخل عليها من نافذة الغرفة ( الشباك ) ويهز السرير فيوقظها ثم يقول لها أنه هو ( رب المجد يسوع ) جاء ليخلصها من الإسلام !! .
ولا أدري كيف رأته دخل من النافذة وقد كانت نائمة لم تستيقظ إلا بعد أن أيقظها بهزّ سريرها ، وقد كشف الله أمرها وبان أنها لم تكن يوماً مسلمة .
وآخر يقول أن بابَ السماء فُتِحَ له وصعد فيه ، ورأى في السماء ( ربَّ المجد يسوع ) بشحمه ولحمه ـ كما يعبر هو ـ ،وأنه لا زال إلى اليوم يصعد للسماء ويرى ( الرب ) ويسمع صوته ، بل ويستعمل هو ( الربَّ ) في معرفة ما دقَّ وجلَّ من الأشياء ، وقد تَسَمَّى بـ ( باب السماء ) ، وهو مشهور معروف . ويكذب كثيراً في غير هذا ، وكذباته تملأ الشبكة العنكبوتية ، وتقام عليها جلسات السمر .
وآخر كان متعباً يمشي هائماً ، وفجأة وقفت سيارة ، فركب فيها ، ومشت به إلى باب بيته فنزل ، ثم تذكر أن السيارة عرفت عنوانه دون أن يخبر سائقها بالعنوان ، فاستدار ليشكره ويسأله كيف عرف البيت دون أن يخبره ، فلم يجد شيئاً .. يقول .. لم أجد السيارة ، ولم أجد أثراً للكاوتش ( الإطار ) ، يقول : من يومها عرفت أنه ( رب المجد يسوع ) . !! ومن ثمَّ ترك الإسلام من فوره و ( آمن ) بالمسيح !!
ذاك (الدجال ) الذي يرافق زكريا بطرس في برامجه ، ويقال له ( الأخ أحمد ) .
وآخر يقسم أنه كان يمشي في العراق جائعاً ومرَّ على صليبٍ منصوب فإذا به يرى المسيح ـ عليه السلام ـ معلقاً على الصليب .. يقسم على هذا .. وإذا بـ ( المسيح ) ينزل من على الصليب ويعطيه ( ساندوتش ) في يديه فيأكل ويشبع !!
ـ وأحدهم رأى المسيح نازلاً من السماء راكباً الغمام ، في الثالثة صباحاً ( قبل الفجر) ، فسأله المذيع ، كنت نائماً أم يقظاناً ؟ فسكت قليلا ثم قال بين النائم واليقظان ) !! ؛ يقول : وهذه الرؤية غيرت حياته بالكامل .. جعلته يترك الإسلام ويتحول للنصرانية !!
ـ وأحدهم اشتد به الكرب في الجزيرة العربية فربط طرفاً من ( شماغه ) في مروحة السقف وطرفاً آخر حول رقبته ، كي يخنق نفسه ويموت منتحراً ، فجاءه ( رب المجد يسوع ) وفك خناقه وكلمه ومن ثم ارتد من فوره .
ويؤكد كبير من كبرائهم أن ( رب المجد يسوع ) يظهر للناس في الأحلام ويظهر للناس في المسجد .
وكثيرون يتكلمون بأنهم سمعوا صوت الرب يكلمهم في يقظتهم ومنامهم .
ـ الأمر الثاني : أن كثيراً ممن تنصر ، بل يكاد يكون كلهم ممن يترددون على ( الكنيسة ) ، بأن تكون لهم صداقات مع نصارى أو من باب الفضول .
الأمر الثالث : ويلاحظ أنهم جميعاً في فترة ما قبل الردة مباشرة يجدون بغضاً شديداً للدين وخاصة القرآن ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وحباً شديداً للكنيسة ومَنْ حولهم من النصارى حتى أنه يشتاق للكنيسة .. قلبه معلقٌ بها . . لا يصبر على فراق أصحابه من الكافرين .
قلت : وهذا فِعْلُ السحرُ .
النصارى يستعملون السحر في جذب الناس إليهم ، ويستعملون السحر في تبغيض الإسلام إلى الناس ، وما يرونه ويكلمونه هو الشيطان .. الذي دخل أجسادهم بالسحر ، يُخيَّلٌ إليهم من سحرهم أن المسيح ـ عليه السلام ـ على الصليب ، أو يركب الغمام ، أو أن صوتاً يناديهم ويكلمهم ببعض الجُمَلْ من الإنجيل ، ويعرف هذا جيداً من ابتلاه الله بالسحر ، وهم كُثر ـ شفى الله كلَّ مريض ـ فالشيطان يبرز للمسحور بعدة أشكال ويتكلم إليه .. . يبرز إليه حقيقة ويراه دون مَن حوله ويتكلم إليه ، وربما يلمسه ( مداعباً ) أو مؤذياً .
نعم هو السحر ويشهد على ذلك شواهد :
منها شهودُ عيانٍ ممن عادوا إلى الإسلام وثبت أن ما كانوا فيه سببه الرئيس هو السحر ، والشهود موجودون يتكلمون لمن شاء أن يستيقن أو يستزيد . وبعضهم أدلى بشهادته في المواقع الإسلامية بالصوت والصورة .
ـ ومن الشواهد على كذبهم في دعوى رؤية الله أو سماع صوته أن كتاب النصارى يقص عليهم أن الله لا يُرى ولا يُسمع صوته .. أكد المسيح ـ عليه السلام ـ على هذا إذ قال : (( والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته )) إنجيل يوحنا [ 5 : 37 ] ، فلا أدري كيف يرونه وكتابهم ينفي رؤية الله ؟!
إنه ليس الله . إنه الشيطان .
وإن قيل أن الذي يرونه هو الله متجسداً ( المسيح ) كما يزعمون ، فهذا الأمر مستحيل .مستحيلٌ من وجهة نظر العقيدة النصرانية فضلا عن العقيدة الإسلام . ولو قالوا به فإنهم بهذا ينسفون عقيدتهم ، إذ أن ( الله ) مات من أجلهم .. مات وانتهت القصة .. مات من زمن .. فلا يمكن أن يجيء ثانية .. التجسد كان لهدفٍ ما ـ حسب العقيدة النصرانية ـ وهو الفداء ، وقد مات ( الرب ) وانتهت القصة من الفي عام تقريباً ، فلا أدري كيف عاد ثانية ؟!
إن هذا الزعم مما لا تقبله العقيدة النصرانية نفسها .
ومن الشواهد على كذبهم في رؤية الله الذي هو المسيح عندهم أن ليس في ( الإنجيل ) أن المسيح ـ عليه السلام ـ هو الله أو ابن الله ـ بنوة نسب ـ ، لم يتكلم المسيح ـ عليه السلام ـ بشيٍ من هذا ألبته ، ولم يعبده أحد حتى التلاميذ ، كان يقول عن نفسه أنه رسول من عند الله ، و كل من عاصروه ما عرفوا عنه سوى أنه رسول من عند الله .
كان يقول لمن خالفه وحاول قتله " ولكنكم الآن تطلبون ان تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله. [ يوحنا 8 :40] .
وفي الإنجيل أن المسيح ـ عليه السلام ـ كان دائم الصلاة والتضرع لله ، الإنجيل في كل صفحاته يشهد بذلك . في لوقا ( 5/16 ) " وأما هو ـ أي عيسى ـ فكان يعتزل في البراري ويصلي ، وفي إنجيل متى ( 26 : 39 ) " ثم تقدم قليلاً وخرَّ على وجهه وكان يصلي قائلا : يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ".وأكثرَ كتبةُ ( الأناجيلِ ) في الكلامِ عنْ صلاةِ المسيحِ للهِ ( مرقص : 1: 35 ) ، ( لوقا : 6:12 ) ، ( لوقا : 9 : 18 ) ، ( لوقا :11 : 1 ) ، ومتى ( 26 : 39 ـ 44 ) .
فليت شعري إذا كان هو الله فلمن كان يصلي ، أيصلي الله لله ؟!
تعالى الله .
ومن عاصروه ما كانوا يعرفون عنه إلا أنه نبي ؛ دخل ـ عليه السلام ـ مرة أورشليم فارتجت المدينة كلها ـ حسب قول متى [ 21 : 10 ، 11 ] ـ وسألت من هذا ؟ فكانت الإجابة من الجموع الغفيرة من المؤمنين والتلاميذ الذين دخلوا مع المسيح مدينة القدس هي : ((هذا يسوع النبـي من ناصرة الجليل )) .
وحين بشر به موسى ـ عليه السلام ـ بشر به على أنه نبي ، والمتكلم بهذا ( بولس ـ شاول ) مؤسس النصرانية ، يقول في أعمال الرسل [ 3 : 22 ] على لسان موسى ـ عليه السلام ـ (( إن نبيـاً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم . )) .
وحين أحيا الميت بإذن الله ما كان من الحضور ( تلاميذ المسيح وعامة الناس ) إلا أن مجدوا الله وقالوا "قد قام فينا نبي عظيم وتفقد الله شعبه" [ لوقا : 7/ 16 ] ؛ والأعمى الذي شفاه بإذن الله قال عنه أنه نبي .. ما فهم الأعمى غير ذلك ( يوحنا : 9 : 17)
وإلوهية المسيح ـ المزعومة ـ جاءت بعد أن مات المسيح ـ عليه السلام ـ ولم تأتِ من تلاميذه ، بل من ألد أعدائه .. أتت من ( بولس) ، والفداء تكلم به ( بولس ) ، والصلب تكلم به ( بولس ) ، والختان ألغاه ( بولس ) ، والعهد القديم ( الشريعة ) ألغاه ( بولس ) ، ولم تستقر تلك العقائد إلا في القرن الخامس الميلادي بعد أن سيطر الوثنيون ، وهذه الكتب التي بين أيديكم ( الأناجيل ) ، لم يقل أصحابها أنهم يكتبون وحياً من عند الله ، وإنما كانوا يكتبون رسائلاً لأصحابهم ، والذي أعطاها صفة القداسة وجعلها أناجيل هم أهل المجامع ( المقدسة ) . أي أنها أخذت صفة القداسة من البشر وليس من الله .
فكيف يقال أن المسيح هو الله ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ ، وأنه يظهر للناس . من أين لهم بهذا ؟!
إن كتابهم لا يقر بهذا .
ـ ومن الشواهد على كذبهم أنهم يستحلون الكذب !!
نعم يستحلون الكذب ، أباحه لهم ( بولس ) ، كان يكذاب ولا يستحي ، ويسجل كذباته على أنها ( كلام مقدس ) . وهذا أمر مشهور معروف ، وهو يفسر تماديهم في الكذب دون حياء .
ـ ويشهد على أن رؤية ( المسيح ) ، من السحر ، هو أن ( المسيح ) لا يظهر إلا للأقباط ومن تبع الكنيسة المصرية ، ولم يكن يظهر في القديم ، وإنما ظهر بعد أن سيطرت جماعة الأمة القبطية على النصارى ، ومعروف ومشهور أنهم استعملوا السحر ، وكان كبيرهم ( كيرلس السادس ) ساحر ، ومن شاء يراجع كتاب ( لعنة جماعة الأمة القبطية )
ـ ويشهد على أن ما هم به من أثر السحر ، أو أنه ليس الحقيقة وإنما مرض في القلوب ـ نسأل الله العافية ـ جوابهم حين يسألون عن سبب تركهم للإسلام ، أو ما يأخذونه على الإسلام ، تجدهم يرددون أكاذيب النصارى ، وهذا يعني بداهةً أنهم لم يعرفوا الإسلام إلا من أفواه النصارى . مثلا يقولون لأن الإسلام دين الإرهاب .. دين لا يعرف إلا القتل ، وهذا كذب ، وأمارة كذبه هو أن النصارى وغيرهم بين أظهرنا إلى اليوم ، فلو أننا نقتل الكافرين حين نقدر عليهم ما بقي منهم أحد بيننا . وقامت الدعوة الإسلامية ولم يقتل عشر ما قتله ( شاول ) من الفلسطينيين .
وإحداهن ـ هي أفصح من يتكلم وأشدهم جدالاً لنا ـ تقول أنها تركت الإسلام لما عرفته عن نبي الإسلام ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم ، تقول كان يُغيِّر في النساء كما يغير في ( جلاليبه ـ ثيابه ) ، وتستدل بقول الله تعالى : { لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا } [ الأحزاب : 52 ]
ولم تكن عنده جلاليب ، عاش فقيراً معدماً ، يمر عليه اليوم واليومان والثلاث لا يجد شيئا يأكله ، ويربط على بطنه الحجر والحجرين والثلاث من شدَّة الجوع ، ويسكن في غرفات من طين سقفها الجريد ، إن رفع الواقف يده لمس سقفها ، وجدار البيت هو جدار المسجد ، فإن على الصوت بالبيت سمع مَن بالمسجد ، وينام على الأرض ، لم ينم على سرير قط .. ينام على الحصير حتى يُعَلِّمَ في جنبيه . ولم يُطلِّق زوجةً ويستبدل بها أخرى ، كما تفتري عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والآية فيها إظهار لفضل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونسائه ، ولها قصة يحكيها أهل السنن والتفاسير ، قصة تشهد على زهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدنيا وأنه ما كان ملكاً جباراً ، ولا لاهياً يعبث مع النساء أو بالنساء . ولكنه كذب الكنيسة يردده هؤلاء المسحورون .
والمقصود هو أن هؤلاء المرتدين حين يتكلمون عن الإسلام لا يتكلمون إلا بأكاذيب النصارى ، ولا يسمعون لنا ،ومن يسمع منهم يعود من فوره ، وهي أمارة على أن القوم مسحورون ، أو أنها قلوب مريضة تتبع أهواءهم لما في أيديهم .
أقول : هذا ما عند النصرانية .. هذه هي بضاعتهم التي يعرضونها على الناس ، كذب ودجل ، اقبل المسيح .. المسيح يأتيك يعطيك ( ساندوتش ) أو يفك عنك الشماغ ...الخ هذه الحكايات التي لا تنطلي على الصبيان فضلا عن العقلاء من الرجال .جناية زكريا بطرس على النصرانيةمن قريب كانت المواجهة مع النصرانية وخاصة الفكرية مع الكاثوليك منهم ، وباقي ملل النصارى لا يراهم إلا من يدقق النظر وفي أماكن محدودة جداً ، وكانت المواجهة مع النصرانية تأخذ ثلاث محاور .
المحور الأول : ( التبشير ) بالنصرانية في أطراف العالم الإسلامي ، عن طريق إرساليات ( التنصير ) المنتشرة كالجراد في أفريقيا وشرق أسيا ، وكان لهذه الإرساليات وجوداً محدوداً في داخل العالم الإسلامي ، مقارنة بوجودها في أطراف العالم الإسلامي.
المحور الثاني : الحوار مع المسلمين من أجل الوصول إلى ثوابت مشتركة ، يتم فيها الاعتراف بالنصرانية ويتم فيها تعديل الكثير من الثوابت الإسلامية ، وعلى رأسها ( الجهاد ) و ( اعتقاد كفر النصارى ) كي لا يكون الإسلام عدواً للنصرانية .
المحور الثالث : القتال ، أو بالأحرى هو تكسير عظام المسلمين المتسمسكين بدينهم ، وإجهاض أي محاولة لقيام دولة ذات صبغة إسلامية حتى ولو كانت في أقصى الشرق .
وهو حال الذين كفروا في كل زمانٍ ومكان ، يقاتلون وفي ذات الوقت يجادلون . يحاربون الموحدين على محورين ، محورٌ فكري ومحورٌ عملي ( حركي ) ، قال الله تعالى : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }[ غافر : 5] ، ولاحظ أن الآية تتكلم عن كل الأمم (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ ) .
ـ كانت المحاور الثلاث مُخْتَبئة ... تتلفع بثيابٍ من ( الشرعية ) ، فكان الحوار يتم مع ( علماء ) المسلمين من الصحويين والرسميين ، وحملات التنصير لا يعرف أخبارها إلا المختصين ، والحرب ترفع شعارات لا دينية ، وإن كانت ضد كل مَن اصطبغ بصبغة إسلامية .
حتى جاء بطرس ومن معه ، أو بالأحرى الأرثوذكس .. الأقباط منهم خاصة ، علماً بأن الأرثوذكس اليوم أذلة ، ولولا أن أذن الله بأن يُمدَّ إليهم حبلاً من الناس .. الأمريكان تحديداً ، ما سمعنا صوتاً واحداً منهم لا في مصر ولا في غيرها . ويقينا ستنتهي كل هذه الجعجعة حال انقطاع هذا الحبل ، وربما قبله بأن يطمع الأمريكان ( البروتوستانت ) في شعب الأقباط ويحدث ( تبشير ) داخل القبط أنفسهم أو مساندة للمنشقين كما حدث مع ماكسيموس الأول ، ووقتها لن يجد القبط إلا المسلمين ينقذوهم من بني ملتهم البروتوستانت أو الكاثوليك تماماً كما فعل أسلافهم من قبل .
والمقصود أنه في ظلِّ ظروف سياسية ظهر زكريا بطرس ومن معه من أقباط مصر الأرثوذكس بهذا الكم من الحقد والغل على الإسلام والمسلمين ، فهدموا كل ما فعله الكاثوليك في مائة عام فبعد أن كاد الكاثوليك أن يصلوا إلى ثوابت مشتركة بين ( المسلمين ) و النصارى ، وبعد أن أخذوا اعترافاً من ( علماء ) المسلمين بأن دينهم دين من عند رب العالمين ـ وكذب من قال بهذا ـ وبعد أن تلاقت جهود العلمانيين مع المُنصرين والمنهزمين من ( علماء ) المسلمين في القول بأن الكل ( مؤمن ) والله يفصل بيننا يوم القيامة . خرج على الناس الكذاب اللئيم زكريا بطرس فهدم كلَّ هذا .
ماذا فعل بطرس ؟
1 ـ أعاد المواجهة بين الإسلام والنصرانية إلى مواجهة صريحة ، إما إسلام وإما نصرانية ، فهو يتكلم بأن الإسلام ليس بالدين ، ويتكلم بأن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس برسولٍ من عند رب العالمين ، ويتكلم بأن من لم يقبل المسيح ـ عليه السلام ـ إلى الجحيم ، يصرح بهذا ، ولا مناصفة عنده ، ولا يقبل حتى العلمانيين من أمثال ( هالة سرحان ) ، أو مَن دونها . لا بد عنده من قبول التعميد .
2 ـ استحضر العامة للصراع ، وهي مصيبة ، فالملاحظ أن الكذاب اللئيم زكريا بطرس يتكلم للعامة ، فهو لا يتبنى خطاباً علمياً ، وإنما تسطيحاً فكرياً ، ويتوجه بالأساس ـ هو ومن على قوله ـ إلى عامة المسلمين وعامة النصارى . واستحضار العامة للصراع مصيبة قد تأتي على أقباط مصر كلهم ، وخاصة أن زكريا بطرس كذَّاب . وأضرب الأمثال ليتضح المقال.
لو جئت في قرية مثلا من قرى مصر وبها عدد قليل من الأقباط كما هو الحال في أغلب القرى ، وناديت في عامة الناس أو أشعتُ بينهم أنهم ـ أي النصارى ـ يقولون أن موسم الحج يُعقد من أجل الإخصاب والسفاح ، وأن ( مِنَى ) من مَنِيِّ الرجال ، وأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس ابن أبيه ، وأن القرآن ليس كلام الله ... ماذا سيكون رد العامة ؟
هل سيطلبون الدليل ؟!
وإن أضاف محدثهم بأن هذا الكلام محض كذب ، وبيّن قليلاً من كذب من يتكلم . وأننا رددنا عليهم ووضحنا لهم ولم يرجعوا عن قولهم .. فهي حربٌ إذا على الإسلام . تُرى ماذا ستفعل العامة ؟
كما فعلت ( يوم الإسكندرية ـ 21 رمضان /1427 هـ ) تهيج ولن تسكن حتى تقضي على من تكلم بهذا الكلام .
ظنَّ بطرس أن سيسبقنا للناس ، وأننا غافلون عن بيان كذبه ، وغرّه أن استجاب نفرٌ لقوله ، وفرح بمن التف حوله ممن هم مثله ، واتخذ سكوت المسلمين عنه دليلاً على صحة قوله . وهي سطحية في التحليل ، فالناس سكتوا لأن الخطاب لم يصل للجميع ، إذ ليست كل البيوت تحمل على رأسها ( دش ) ، وأهل العلم ـ من المسلمين ـ لا يصدقون ما يحدث .. يقولون سفيه .. يتكلم بكلام من لا عقل له .. ولن يجد من يسمعه . . فهم ينظرون لأثر الفعل وإن ثم أثر فلن يسكت له أحد ، ولن يرجع الناس عنهم أحد ، فلسنا ممن يقبل التعدي على دينه ،ولسنا ممن يُؤتى من قِبَل دينه ، والتاريخ شاهد على أننا ننتفض حين يمس ديننا ، وحين يرفع الصليب على رأسنا .
والمقصود أن استحضار العامة من الكذاب اللئيم بطرس ومن الكنيسة القبطية في غاية الحماقة .
ـ يَرد سؤال على الخاطر : هل يغفل زكريا بطرس عن ذلك ؟ هل يغفل من سكتوا عن الكذاب اللئيم زكريا بطرس وشجعوه في مصر وخارج مصر عن ذلك ؟
يقيناً لا يغفلون عن ذلك ، وهناك تسجيلات بصوت أحد أعضاء المجلس المِلِّي عندهم يتكلم على لسان جميعهم بأنهم خائفون وَجِلُون من ثورة العامة عليهم في مصر وفي الخليج العربي ، ولكن ـ كما يقول هذا المتحدث ـ قد سلكوا طريقا ً يحسبون أنهم سيخدعون الجميع به .
فهم قد أصدروا بياناً بشلح ( عزل ) زكريا بطرس ، واحتفظوا بهذا البيان ،أو وزعوه على نطاقٍ ضيق جداً ، وقرروا الآن أن يقفوا موقفاً محايداً من زكريا بطرس ومن معه من أقباط المهجر وجماعات التنصير بالداخل ، ويبقى دعمهم لهم خفي ، فإن غلب بطرس ومن على شاكلته المسلمين ـ ولن يكون بحول الله وقوته ـ فهم معهم ، وإن غلبهم المسلمون يقولون قد تبرأنا منهم من قبل ، ولا نعرفهم . ويبرزون لنا تلك الورقة التي لم يكد يقرأها أحد سواهم .!!
ويضحكون على أنفسهم .
فلسنا أغبياء ، وكل ناطق صغر أو كبر عقله يعلم أن الساكت المقر كالفاعل ، وهم سكتوا عنه وقد طالبناهم بالوقوف في وجهه ووجه من يقول بقوله ، ونطالبهم الآن بذلك ، أو ببيان موقفهم منه ، وهم أعانوه ، فقد أرسل شنودة الثالث مندوباً على البالتوك يدافع . وبطرس رفض دعوى شلحه علناً في أحد برامجه وصرح بأنه استقال ولم يُشلح . ولم نسمع منهم تكذيباً لهذا الكلام وهو ما يشبه الإقرار .
فما يحدث الآن يسئل عنه الجميع ، وليس بطرس وحده ، ولا أقباط المهجر وحدهم .
3 ـ وجنى بطرس على النصرانية حين دعى الناس إليها ، وطالبهم بالدخول فيها . . . جنى على النصرانية حين عرضها على الناس .
نعم تلك جناية وأي جناية . النصرانية لا تصلح للعرض على الناس ، والنصرانية لم تأخذ مرّة الأتباع عن طريق الدعوة منذ جاء الإسلام ، وإنما بعصى السلطان . أو بالمال .. تغري من ابتلاهم الله بالفقر مع الجهل وانقطعت عنهم أسباب الدعوة إلى الله .. وهو بلاء لهم ولمن استطاع أن يصل إليهم وما حاول .
أما النصرانية فلم تقف يوماً جريئة تعرض ما عندها على الناس وتقول هلمّو إليّ هذا هو الدين الصحيح .[1] إلا هذه المرة على يد بطرس الكذاب ، راح يدعو للنصرانية .. يدَّعي أنها هي الدين الصحيح ، وهذه توريطة أخرى للنصرانية .
كيف ؟
أبيّنُ كيف ؟
لا يمكن أبداً عرض النصرانية كدين إلا عن طريق الكذب ، كما فعل بطرس ، أو عن طريق البتر ( القص ) بإبداء القليل وإخفاء الكثير . كما فعل بطرس أيضاً ، فهو خصوصاً وهم عموماً ـ أعني من يواجهوننا اليوم مواجهة مباشرة ـ حين يتكلمون عن دينهم يكذبون ، ويبدون كثيراً ويخفون قليلا .
والجناية على النصرانية هنا تتمثل في أننا سنأتي خلفهم ونبين للناس كذبهم في قولهم ، ونظهر للناس حقيقة النصرانية التي يخفونها عنهم . وهاأنذا فعلت متخذاً الكذاب اللئيم زكريا بطرس نموذجاً في العرض . وفعل غيري ، وهي أثار هذه الأفعال بدأت تؤتي أكلها ، فكبير من كبرائهم يقول نفقد كل يوم ما بين الثمانين إلى المائة والعشرين فرداً في مصر وحدها . هذا ولم يصل الخطاب لكل الناس .
إن أمة القبط ظلمت نفسها حين تطاولت على رسول ربها ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن الله الذي دافع عن نبيه في قصة ( المغافير ) ووعد نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بان يكفيه المستهزئين لن يترك عرض نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهؤلاء يتطاولون عليه ليلاً ونهاراً . وأرى القبط قد عصوا ربهم فأذن في عقابهم ، وما هي إلا أسباب ظاهرة تجري ليأتي وعيد ربك ، وما كان ربك نسيا.مساء السبت 12 / 4 / 2008
بقلم / محمد جلال القصاالتطاول على الحبيب -صلى الله عليه وسلم- رؤية أعمق وأشملبسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظ
جذور المشكلة:
التعدي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ينبع من عبّاد الصليب، هم المستنقع الآسن الذي يغرف منه من يتطاولون، وعندهم النفق المظلم الذي يتآمر فيه الحاقدون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ما حدث هو أن النصارى أعادوا قراءة (التراث الإسلامي) -كما يسمونه- من جديد، وأعادوا صياغة المفاهيم الإسلامية، وكانوا جادين في هذا الأمر، فأخرجوا (دائرة المعارف الإسلامية) وهي عمل ضخم يعطي تصورًاً مغلوطًاً عن كثير من مفاهيم الإسلام بل كل مفاهيم الإسلام، وشخصياته، وأحداثه التاريخية، وخاصة في القرن الأول الهجري.
أو الأحداث التي ترتبط بالعقيدة الإسلامية (الفرق والمذاهب).
كان عملا جادًا دؤوبًا بدأ في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، ولا زال مستمرًاً إلى اليوم.
وتم تسريب هذه المفاهيم، أو بالأحرى تم تسريب فكرة إعادة قراءة السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وأحكام الإسلام إلى نفر من (المسلمين) ذوي الخلفيات الفكرية الغربية، وبالفعل نشط قوم -جاهلون أو حاقدون أو باحثون عن ذواتهم- يقرءون التاريخ الإسلامي بمفاهيم ما ننكره فيها أكثر مما نعرفه، والشر إن خُلط بالخير وتعذر فصله هو شر جديد وقد يكون أشد كونه يلتبس على عامة المسلمين، فظهرت كتابات كثيرة تقرأ السيرة بمنظور جديد، أخفها يفسر النور الذي أضاء الدنيا على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام -رضوان الله عليهم- بأنه كان بعبقرية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعبقرية عمر وأبي بكر وعلي وخالد وغيرهم -رضي الله عن الجميع-، يسند النصر للأشخاص لا للمنهج، ولولا أن أضاء المنهج هذه الصدور ما فعلت شيئًا.
وهو فكر يعطي جملة مفادها، أن النصر كان بهؤلاء العباقرة، فابحثوا عن مثلهم. أو فامدحوهم هم .
وظهرت كتابات أخرى تعيد قراءة (التراث الإسلامي)، كانت أكثر جرأة على دين الله، من أمثال (نحو أفاق إسلامية أوسع) لأبكار السقاف، ثم كانت موجة من المنهزمين، الذين قرءوا الشريعة بعين الغرب. وهو أمر بيّن يعلمه الجميع.
ثم ظهرت موجة أشد وهي التي تضربنا الآن، كَتَبَ النصارى بأيديهم عن الوحي، وعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقولون علمته خديجة، ويقولون ملكًا يطلب ملك أبيه، ويقولون حكايات يهود شربها جدّه عبد المطلب ثم سقاه إياها فنبت نبيًا. ويقولون كان تطورًا طبيعيًا للبيئة وقتها .
وهذا قول النصارى المارونيين، مشى بيننا على ظهر (خليل عبد الكريم) -هلك من سنوات قليلة- و (سيد القمني) -لا زال حيا- يتكلم. ثم عاد هذا الكلام ثانية على يد زكريا بطرس، يتلوه على الناس على أنه قول المسلمين!!
فكان آثار هذه الحملة التي اشتد سعيرها بدخول النصارى مع المنحرفين، مستخدمين كل الوسائل المتاحة من حوار تلفزيوني ومقال كتابي، وعرض سينمائي الخ أن:-
1- ثارت الجماهير، وتبلبل فكرها، وارتد نفر منهم. وهو أمر يسمع به الداني والقاصي.
2- نشط (القرآنيون) بدعوى الدفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ينكرون السنة، ويتطاولون على البخاري ومسلم. ويقدمون أنفسهم على أنهم مدافعون عن الإسلام !!
3- تجرأ الملحدون على جناب النبي الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى كتبت هذه المجرمة كتابها ونشرته بيننا، وهي آمنة مطمئنة من أن يراجعها أحد بلسانه أو بقلمه أو بيده.
4- ثارت بعض القضايا الفكرية على الساحة الدعوية، مثل (رضاع الكبير)، (مدة الحمل)، (حد الردة)، (الجهاد)، (أهل الذمة).
فهذه كلها مصدرها النصارى الذين يتطاولون على الحبيب -صلى الله عليه وسلم- وعلى الدين.
5- تم النبش على المنحرفين من تحت ركام الأيام، وإخراجهم للناس، فمن كان سيعرف (خليل عبد الكريم) أو (أبكار السقاف) أو غيرهم. و (دائرة المعارف الإسلامية)... الخ.
6- دخل أهل الفن والرقص، ومن لا نعرف له سندًا إلى أهل العلم، ولم نسمع منه متنًا صحيحًا -الدعاة الجدد- يتكلمون، ويجدون من يسمعهم ..
فهم الآن يجلسون على ضفة نهرنا الصافية، ويعكرون صفو مائنا بأحجارٍ يلقونها من الحين للحين، فصرنا وراء الحدث، ندفعه أو نحكيه ونحلله، وليت شعري متى نكون أمامه نقوده ونوجهه.
فرصة سانحة:
- يمسك الزمام الآن المتطرفون من النصارى والملحدين، من أمثال زكريا بطرس، وسيد القمني وهذه المرأة الوضيعة التي تجرأت على جناب الحبيب -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وقد ساقوا قومهم إلى حتفهم، إذ أصبحت المواجهة الآن صريحة بين النصرانية وبين الإسلام، هم يدعون الناس للكفر لأن الإسلام لا يصلح أن يكون هو الدين، ويدعون الناس لرفض سنة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يكن على خلق عظيم -بزعمهم وهم كاذبون- ويدعون الناس إلى الكفر -أو الفسوق- كونه الصراط المستقيم، ومواجهة من هذا الشأن يمكن حسمها في أيام، لو أن من يدافع عن ديننا ممن يسمع له، وممن يعرفه الناس ويثقون فيه... أشير إلي من منَّ الله عليهم بالتحدث للناس في القنوات الفضائية، والكاسيت من شيوخنا حفظهم الله.
فشمروا واشتدوا فقد ألقت إليكم النصرانية بزمامها، وجاءت بكل عزيز عليها، ووالله ما هو إلا أن تدور رحاها ساعة حتى تكون العزة لله ورسوله وعباده المؤمنين. وهو عز الدنيا والآخرة .
أيها الكرام!
التاريخ أصم أو يكاد.. يرى الفعال، ولا يسمع الكلمات .
والتاريخ يختزل عُمْرَ أحدنا في مواقفه وأفعاله، خيرًا أو شرًا، ومن لا مواقف له لا تاريخ له.
والرُتَبْ في الإسلام بالأفعال لا بالأقوال: «ربح البيع أبا يحيى» «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» «نصرت الله ورسوله يا عمير» ...
والمقصود:
- المشكلة (التطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم) عميقة، وما يحدث ثمرة لشجرة خبيثة زرعت من قرن أو يزيد من الزمن، ويجب قلعها من جذورها.
- القضية ليست شخصية تتعلق بشخص امرأة أو رجل، وإنما هو توجه عام، أو فكر عام تم بثه بين الناس ويظهر آثاره بين حين وحين على يد هذا أو هذه.
- القضية شرعية بالدرجة الأولى، ويمكن معالجتها بعيدًا عن الاحتكاك بالساسة، ومن يرهبون الناس حفاظًا على أمن دولتهم –زعموا-.
- الجماهير الآن فقدت الثقة في ساستها، وأفلس منظروا القومية والوطنية وغيرها، وزمامها خَلِيّ، شربت كل الكؤوس حتى ملّت، وأصبح الخطاب الديني هو المقبول عندها، فهي الآن تحت أرجلكم قد ضفرت شعرها، ولبست ما عندها، ومدت يدها، وبرقت عينها لهفا على ودّكم، فأنتم أنتم!!
ـ ويتبع هذا القولُ بأن (الدعاة الجدد) خطر، بشكل أو بآخر، فهم يدُ المنهزمين الآن لقطع الطريق على الجادين، أو لإدخال الأمة في طريق ملتوي، أو لفتح دوامات فكرية أقل نتائجها استقطاب الجهد وتفريق الصف.
والحمد لله أن كان عندنا (الجرح والتعديل).
ولا يخفى على حضراتكم أن الانحرافات العقدية ثبتت واستقرت في الأمة بأهل (الوسطية) وخاصة إذا كان معهم السلطان.
كان الإرجاء وكان أهل السنة في وجوههم، ثم جاء أهل الكلام كحل وسط بين هؤلاء وهؤلاء -هكذا قالوا- فقبلتهم الجماهير بعد أن كلَّت وملّت، أو قبلتهم باعتبار أن (الوسطية) مقبولة عند عامة المثقفين. وأدخلوا الأمة في تيه طويل حتى جاء شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المجددين، والدعاة المودرن الآن يشكلون الوسطية بين السلفية الثائرة على عادات المجتمع الغربية الغريبة، وبين العلمانيين.
وأخرى:
النصارى -وهم سبب كل ما يحدث- لا يتحملون حديثًاً يتكلم عن ما في كتابهم من خرافات، وبذاءات، وأحكام كأن مشرعها صبي أو سفيه، وأراه دون ذلك.
أعرف أن حديثًا عن النصرانية لا نستطيع التحدث به في قنوات فضائية، خشية أن يقال (نثير الفتنة) ولكن يكفي أن يشار إلى طلبة العلم بأن تعلموا شيئًا عن النصرانية. أو أن يتحدث عن النصرانية في المواسم، أو شرائط الكاسيت من باب المقارنة، ولن يكونوا أجرأ منا، وقد رأينا من حالهم ونحن ننازلهم أن لا شيء يؤلمهم أكثر من التحدث عن الكتاب (المقدس)، وماذا قال عن أنبياء الله، وعن الله، وعن المرأة، وغير ذلك من أحاديث.
مقترحات عملية:
1- تقوم القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت بعرض برامج فلاشية أو دروس صوتية أو حوارية أو غير ذلك عن المصادر الفاسدة التي يتكلم هؤلاء منها، كدائرة المعارف الإسلامية، وكتب خليل عبد الكريم، وسيد القمني، وأبكار السقاف، والعقاد، وغيرهم.
2- نقوم بعمل إضاءة على كتب التراث الإسلامي، وبث ثقافة عامة في علم الحديث وعلم التاريخ، كي يعرف الناس ما يأخذون وما يتركون، وتبرز الشخصيات الإسلامية كنموذج يحتذى به.
3- نقوم بعرض برنامج للرد على الشبهات المثارة حول الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، وتتناول شبهات النصارى صراحة، دون تسمية أشخاص، أو بتسميتهم إن كانت تطيق.
4- لي كتاب بعنوان (الكذاب اللئيم زكريا بطرس -دراسة بحثية تحليلية نقدية مختصرة لمصادره وأكاذيبه وبعض ما يخفيه من دينه)، وقد عرضته على نفر غير قليل من أهل العلم، ووافقوا عليه وزكوه، ومن ثم تمت طباعته ونفدت الطبعة الأولى في شهر أو أقل.
ولي بحث آخر أرد فيه على الكذاب اللئيم زكريا بطرس -مصدر كل شر الآن- كدت أنتهي منه، فمن يرى تزكيته أو طباعته، ولا أبحث عن ربح، فالحمد لله ميسور الحال.
5- رسم إستراتيجية عامة للدعوة، يكون محورها الأساسي الدفاع عن الدين ككل، والتصدي للأفكار والأشخاص الهدامة، يعلوها –الاستراتيجية- الانتصار للحبيب -صلى الله عليه وسلم-.
كتبت لأقول إن للمشكلة جذورًا عميقة، وشجرتها لا زالت تجد من يسقيها، ولا زالت تثمر، وأنها فرصة سانحة لتقديم مشروع دعوي تاريخي يتصدى لكل أعداء الأمة، وهي فرصة لتجميع الأمة تحت شعار نصرة الحبيب -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فأن نجتمع على نصرة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، خير من أن نجتمع على الجاهل فريق يعذره وفريق لا يعذره، أو على المبدل والمنحي للشريعة نلحقه بالمرتدين أم بالفاسقين؟
محمد جلال القصاص من هو زكريا بطرس وما ذا يريد ؟ة على أنّه أرثوذكسي مبتدع [1]. اشتكى منه الأقدمون والمعاصرون .. رئيس الأقباط السابق كرولوس السادس عشر ورئيسهم الحالي شنودة الثالث ونائبه بيشوي، حاولوا جميعا تأديبه بالعزل مرات ثم الطرد للمهجر، ولم يتأدب، إذ ما زال يتكلم ببدعته الكنسية، وأبناؤه مثله يثيرون القلاقل في أستراليا ضد الكنيسة القبطية إلى اليوم، فهي نفسية ولُوعٌة بالمغامرة والخروج على المألوف [2]، وهذا يفسر لك فرحه الشديد حين يعلم أنّ كلامه يثير جدلا بين النّاس وقد يؤدي إلى فتنه أو اشعال المظاهرات، بل يطلب ذلك صراحة، يطلب أن تثور الجماهير على أقواله وأطروحاته كما فعلت مع بنديكت السادس! [3]
يتكلم هذا القس المتمرد على فضائية الحياة وفي غرف البالتوك وفي عدة مواقع على الإنترنت في أمور تتعلق أساسا بشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خصوصا والدين الإسلامي عموما، ومواضيعه ـ كما يُعرِّفها هو ـ هي طرحُ تساؤلاتٍ حول العقيدة الإسلامية وطلب إجابات عليها [4].
وهو لا ينفك يزعم أنّه يتساءل بعقلانية وعلمية مجردة ولا يجد من يجيبُ بمحاضرةٍ أو التقدم للمناظرة أو حتى كتابةِ كُتيب ـ فقط كتيب ـ بل لا يجد هو وغيره من المعترضين على شرائع الإسلام وشعائره إجابة إلّا عن طريق المظاهرات والعنف [5]. ويشتد في كبره ويقول إنّهم تظاهروا ضد غيره ـ يعني بندكت السادس عشر بابا الكاثوليك ـ وسكتوا عنه فلم يردوا بحجة أو مظاهرة، ويتساءل لم ؟ ويجيب نفسه قائلا : لأنّه لا حجة يدافع بها المسلمون على ما يلقيه هو من شبهات أو كما يسميها حقائق مخفية فقط يستخرجها من كتب المسلمين، وأنّ شيوخ المسلمين اكتفوا بالانزواء كي لا يشتهر أمره بين المسلمين، وينادي على المسلمين أن يجيبوه وأن يخرجوا دفاعا عن دينهم !! [6]
والسؤال :
أحقا لا يجد من يجيبه ؟
أحقا سكت علماء المسلمين عن زكريا بطرس وغيره ولم تعد في أيديهم حيلة سوى الانزواء ومحاولة كتمان أمره كي لا يهتدي الناس لطريقه ؟!
أحقا ليس عندنا سوى الإرهاب والهمجية في الرد على المخالف ؟!
الحقيقة أنّ هذا الادعاء قلبٌ للحقائق، فهناك ردود على زكريا بطرس منشورة على الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت )، وقد أرسل له أكثر من واحد من شيوخ المسلمين وعلى رأسهم الأخ وسام عبد الله [7] الأخ وسام عبدالله - من المتخصصين في هذا المجال ومن أصحاب الصوت العالي فيه - ، والدكتور منقذ السقار [8] وهو أستاذ في علم مقارنة الأديان بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وله حضور قوي جدا على البالتوك حيث يوجد زكريا بطرس، وتهرب وما استجاب، تهرب بدعوى أنّ المناظرة في النصرانية حرام وردد قول بولس ـ رسول النصرانية ـ " أمّا المباحثات الغبية فاجتنبها لأنّها تولد الخصومات ". [9] وسمى المناظرات مباحثات غبية، والعجيب أنّ قول بولس هذا يرفعهُ حين يكون المناظر قويا، أمّا حين يكون المناظر حديث عهد بالعلم الشرعي فإنّه يسارع لمناظرته.
وأرسل له غير واحد يطلب منه ذات الطلب، وهو لا يجيب، ثم يكرر دائما على شاشة الفضائيات : أين المسلمين يناظرونني ؟!!
فهو كمن أشهر سيفه في غرفة نومه وراح يجعجع وينادي : أين الرجال .. مالي لا أرى رجلا ؟!
يتعجبُ والعجب كل العجب من حاله، يتعجب ربّما ليغري العامة والبسطاء ممن يصدقون كلَّ من تكلم.
وها نحن نبدأ بحول الله وقوته ردا عليه . وليس ردا فقط وإنّما كشف لهذه الحالة الغريبة من أكثر من زاوية، والله أسأل أن يبارك لي في كلماتي هذه، وأن ينفع بها من كتب ومن نشر ومن قرأ.
*************************************
[1] وبدعته يقال لها عندهم ( الخلاص في لحظة )، وقد ألف شنودة الثالث كتابا للرد عليه يسمى (بدعة الخلاص في لحظة) واتهمه الأنبا بيشوى بأنّه بروتستنتي خمسيني مندس في الكنيسة الأرثوذكسية. أنظر ـ إن شئت ـ فضيحة زكريا بطرس لوسام عبد الله منشور بموقع ابن مريم.
[2] تكلم بهذا شنودة الثالث في محاضرة، والأنبا بيشوى انظر فضيحة زكريا بطرس لوسام عبد الله.
[3] انظر حديثه في مقدمة الحلقة الرابعة من برنامج في الصميم وهو يتكلم عن مظاهرات الإسكندرية على مسرحية (كنت أعمى) تجد وكأن يستجدي النّاس ليهبوا ويتظاهروا على كلامه.
[4] من تعليقات على تصريحات البابا بنديكت السادس الدقيقة الخامسة. وكرر ذلك في الحلقة الثانية من برنامج سؤال جريء د/35.
[5] محاضرة بنديكت السادس عشر د /12، وكرر هذا الكلام في اللقاء الرابع من ( في الصميم ) د /4 وما بعدها ، وفي بداية الحلقة الرابعة عشر من الصميم أيضا، وفي بداية الحلقة 37 من ( أسئلة عن الإيمان ) د/3
[6] تعليقات على محاضرة بنديكيت د / 48، وكرر ذات الكلام في الدقيقة 39 من المحاضرة.
[7] من مشاهير البالتوك، وهو القائم على غرفة Muslim Christian Dialog الحوار الإسلامي المسيحي، وله صفحة خاصة في موقع طريق الإسلام. قسم الصوتيات.
[8] للشيخ صفحة خاصة في موقع طريق الإسلام islamway.net. وهو من أشهر المناظرين للنصارى على البالتوك. ويمكن الوصول لطلبه المناظرة من زكريا بطرس وتهرب زكريا منه من خلال البحث في الـ (youtube) بعنوان ( الهروب الكبير لزكريا بطرس).
[9] من رسالة بولس إلى تيطس[ 3:9] ورسالة بولس إلى تيموثاوس زكريا ودين يُخَجِل أتباعهتساءل الكذاب اللئيم زكريا بطرس عدّة مرات على سبيل الإنكار والتعجب قائلا : أي دين هذا الذي يخجّل أتباعه؟ !
وأعرض على حضراتكم هذه المباحث الثلاث، أعرض فيها شيئا من دين النصارى ، فقط لتعلموا أي دين هو الذي يُخجل أتباعه . ولتعلموا أنه كذاب لئيم . يبدي قليلا ويخفي كثيرا .
الأولى : أهذا كتاب مقدس؟
الثانية : هكذا تكلموا عن رسل الله.
الثالثة : هكذا تكلموا عن الله سبحانه وتعالى.
أولا : هذا كتابهم المقدس [2].
هناك ثلاثة محاور أساسية حين تتناول من خلالها كتاب النصارى ( المقدس ) ترفضه ولا تقبله.
المحور الأول : شهادة القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة على هذا الكتاب بالتحريف، وهو معلوم من الدين بالضرورة . فليس عندنا من هو أصدق من الله قيلا، ولا نشك في صدق رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لحظة واحدة .
المحور الثاني : يشكك كثير من الباحثين في كَتَبِة الأناجيل ( العهد الجديد ) مثل يوحنا ومَتَّى مثلا، وكذا في كتبة ( العهد القديم )، ويتكلمون في سيرتهم بأشياء تجعل خبرهم مردود غير مقبول، أضف إلى ذلك أنّه (وصل إلى أيدينا ثلاث نصوص مختلفة للتوراة، ولا نتحدث هنا عن ثلاث ترجمات، بل نعني أنّه توجد نصوص ثلاثة يستقل بعضها عن بعض ) [3]، والنصارى أنفسهم مختلفون في عدد الأسفار فمنهم من يرفض أسفاراً بكاملها ويقول أنّها غير قانونية ( أي غير مقدسة )، وبعضهم يعتبر ذات الأسفار التي يرفضها أخوه في الملة وحيُّ من الله، وفي داخل الأسفار اختلافات كثيرة.
المحور الثالث : وهو محتوى ( الكتاب المقدس )، هم يقولون أنّ الكتاب المقدس كتبه الأنبياء والقديسون بوحيٍ من الله، حلّ فيهم روح القدس ـ الذي هو أقنوم [4] الله الثالث بزعمهم ـ فأملاه عليهم، فهو عين كلام الله ـ بزعمهم ـ.
ونحن نقول أنّه كلام بشر، فيه من مشكاة النبوة إلّا أنّه لا يمكن أن يكون ـ بهيئته هذه ـ كلام الله، فهناك أعداد مكررة الذكر متناقضة، وهناك كلام جنسي فاضح تخجل من ذكره حتى البغي، وهناك كلام أشبه ما يكون بحكاوي القهاوي.
وسأقتصر على تناول الفقرة الأخيرة – حكاوي القهاوي - ، وأنقل للقارئ العزيز بعض الفقرات من الكتاب ( المقدس ) ليعلم أنّ هذا الكتاب لا يمكن أن يكون كلام الله.
كلام فارغ في الكتاب ( المقدس ).
ورد في سفر صموئيل الأول: " فبادرت أبيجال وأخذت مائتي رغيف خبز وزقي خمر، وخمسة خرفان مهيئة، وخمس كيلات من الفريك ومائتي عنقود من الزبيب، ومائتي قرص من التين، ووضعتها على الحمير" [5].
" كان طعام سليمان لليوم الواحد ثلاثين كرّ سميذ، وستين كرّ دقيق، وعشر ثيران مسمنة، وعشرين ثوراً من المراعي، ومائة خروف عدا الأيائل واليمامير والأوز المسمن " [6].
وجاء في سفر الملوك الثاني: " سألَها: ما بِكِ؟ أجابَت: قالَت لي هذِهِ المرأةُ: هاتي ابنَكِ فنَأْكُلَهُ، وغدًا نأْكُلُ ابني. فطَبَخنا ابني وأكلْناهُ، وقُلتُ لها في اليومِ الثَّاني: هاتي إبنَكِ لِنَأكُلَهُ فأخفَتْهُ " [7].
لا أجد ما أعلق به : يتفقان على أكل ولديهما. بالله أهذا كلام ؟
وفي سفر نشيد الإنشاد : " لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ ليس لها ثديان، فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمِ خِطْبَتِهَا ؟ " [8]
وجاء في سفر القضاة : " فَأَوْصَوْا بَنِي بَنْيَامِينَ قَائِلِينَ: انْطَلِقُوا إِلَى الْكُرُومِ وَاكْمِنُوا فِيهَا. وَانْتَظِرُوا حَتَّى إِذَا خَرَجَتْ بَنَاتُ شِيلُوهَ لِلرَّقْصِ فَانْدَفِعُوا أَنْتُمْ نَحْوَهُنَّ، وَاخْطِفُوا لأَنْفُسِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَةً وَاهْرُبُوا بِهِنَّ إِلَى أَرْضِ بَنْيَامِينَ " [9].
ونسأل :أين القداســة في هذا الكلام ؟
يقول بولس (مؤسس النصرانية الحقيقي) في رسالته الثانية إلى صديقه تيموثاوس : "سلم على فرسكا وأكيلا وبيت أنيسيفورس. أراستس بقي في كورنثوس. وأمّا تروفيمس فتركته في ميليتس مريضاً. بادر أن تجيء قبل الشتاء. يسلم عليك أفبولس وبوديس ولينس وكلافدية والإخوة جميعا" [10].
ويقول بولس لصديقه تيطس: " حينما أرسل إليك ارتيماس أو تيخيكس بادر أن تأتي إليَّ إلى نيكوبوليس لأنّي عزمت أن أشتي هناك " [11] .
ونسأل: هل أصبح السلام على فرسكا وإخوانه، ودعوى أحد للحضور في المكان الذي سيُشتي فيه بولس وحي من عند الله يتعبد بتلاوته؟؟!!
وفي أسفار الحكمة والشعر ... التي هي للحكمة تجد هذا العبث: " لكل أمر تحت السماوات وقت، للولادة وقت، وللموت وقت، للغرس وقت، ولقلع المغروس وقت، للبكاء وقت، وللضحك وقت، وللنوح وقت، وللرقص وقت، لتفريق الحجارة وقت، ولجمع الحجارة وقت، للمعانقة وقت، وللانفصال عن المعانقة وقت، للتمزيق وقت، وللتخييط وقت، للسكوت وقت، وللتكلم وقت، للحب وقت، وللبغض وقت، للحرب وقت، وللصلح وقت" [12].
( شمشون المقدس )
قصة شمشون الجبار مصدرها الكتاب ( المقدس ).
ومن أعاجيب شمشون في الكتاب ( المقدس ) أنّه بينما هو يمشي " إذ بشبلِ أسدٍ يزمجر للقائه، فحل عليه روح الرب، فشقه كشق الجدي، وليس في يده شيء " ( القضاة 14/5 - 6 ).
وبعد هذا الكلام بصفحتين وفي نفس السِفر يحكي لنا الكتاب ( المقدس ) أنّ شمشون الجبار زنا بعاهرة فأين روح الرّب ؟ هل كانت معه وهو يضاجعها ؟؟
وأيضاً لما ربطه قومه وسلموه للفلسطينيين موثقاً " فحل الوثاق عن يديه، ووجد لحي حمار طرياً، فمد يده، وأخذه، وضرب به ألف رجل. فقال شمشون: بلحيّ حمار كُومَةً كومَتَيْن (هكذا)، بلحيِ حمار قتلتُ ألف رجل " [13]، ووالله كأنّي بـ ( أبي لمعة ) قد ارتوى من هنا. ولا تضحك فما قصدت ذلك. وشر البلايا ما يضحك.
ومن غرائب شمشون وعجائبه أنّه أحضر ثلاثمائة من الثعالب وربط ذيول بعضها ببعض، ثم أشعل فيها النّار، وأطلقها في حقول الفلسطينيين، فأحرقوها انتقاماً من زوجته الفلسطينية التي هجرته[14].
والسؤال : كيف جمع هذه الثعالب! وكيف ربطها جميعاً!، وكيف أشعل في ذيولها النّار، وكيف سارت في المسار الذي أراده بعد أن أُشعلت النّار في ذيولها ؟ قصة جِدُّ غريبة.
كلام جنسي فاضح
وفي كتاب النصارى كلام جنسي فاضح، ولك أن تراجع نشيد الإنشاد [ 7: 1 ـ 9 ]. غزل بكلام يعف عنه السفلة من النّاس، ولا أستطيع نقل شيء منه هنا، ولكن لك أن تراجعه.
وأنقل لك ما هو أخف من نشيد الإنشاد قليلا لتعلم أنّه كلام بغايا وليس كلام الله.
في سفر الأمثال زانية متزوجة تخون فراش زوجها وتخاطب صاحبها بهذه الكلمات : " بالديباج فرشت سريري بموشّى كتان من مصر. عطرت فراشي بمرّ وعود وقرفة. هلم نرتو ودّا إلى الصباح. نتلذذ بالحب. لأنّ الرجل ليس في البيت " [15].
وفي سفر حزقيال يصف العضو الذكري، وحجم الماء الذي يخرج منه [16].
وفي الكتاب المقدس قصص كثيرة لعمليات الزنا بالمحارم، الأب يزني بابنته ( لوط مع بناته )، والابن يزني بأخته ( ابن داود مع بنت داود )، والابن يزني مع حليلات أبيه ( ابن يعقوب مع سريّة أبيه ) .. الخ هذا الهراء.
ويا أهل الكتاب أهذا كلام مقدس ؟
وأين هذا من الذكر الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. يقول الله تعالى : {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ( 130 ) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( 131 ) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ( 132 ) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ( 133 ) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ( 134 ) قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ( 135 )} [طه:130-135].
هذا هو كلام الله.
ثانيا : هكذا تكلموا عن رسل الله
الحديث عن أنبياء الله في ( الكتاب المقدس ) حديث أشبه بأحاديث الخيال، حديثٌ لا يكاد يصدق، إلّا أنّه حقيقة في كتاب النصارى ( المقدس )، يعترفون بها ولا ينكرونها. وهاك بعض ملامحها. وفي هذا المقال لا أقوم بِبَتْرِ النَّص وإنّما أنقل سياقا كاملا.
نـــوح ( عليه السلام )
في كتابهم أنّه شرب من الخمر فسكر وتعرى، ورأى ابنه عورته فلعنه ولعن ابنه ـ أي حفيد نوح عليه السلام- !!!!!
في سفر التكوين : " وَابْتَدَا نُوحٌ يَكُونُ فَلَّاحا وَغَرَسَ كَرْما. وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ. فَابْصَرَ حَامٌ ابُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أبِيهِ وَأخْبَرَ أخَوَيْهِ خَارِجا. فَأخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إلَى وَرَاءِ وَسَتَرَا عَوْرَةَ أبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إلَى الْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أبِيهِمَا. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نُوحٌ مِنْ خَمْرِهِ عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ فَقَالَ: مَلْعُونٌ كَنْعَانُ. عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإخْوَتِهِ. وَقَالَ: مُبَارَكٌ الرَّبُّ إلَهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدا لَهُ. لِيَفْتَحِ اللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي مَسَاكِنِ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدا لَهُمْ " [17].
ونسأل : نبي ويشرب الخمر ؟!
نبي يسكر ويتعرى ؟!
نبي ويلعن حفيده الذي لا ذنب له ؟! ويجعله عبدا لأعمامه على جرم لم يقترفه ؟؟
لــوط ( عليه السلام )
قالوا عنه: شرب خمرا وسكر ثم زنى بابنتيه وأنجب منهما ولدين موآب وعمون!!!
التكوين : " وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ وَابْنَتَاهُ مَعَهُ لأنَّهُ خَافَ أنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ. وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: أبُونَا قَدْ شَاخَ وَلَيْسَ فِي الأرض رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأرض. هَلُمَّ نَسْقِي أبَانَا خَمْرا وَنَضْطَجِعُ مَعَهُ فَنُحْيِي مِنْ أبِينَا نَسْلا. فَسَقَتَا أبَاهُمَا خَمْرا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أبيها وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلا بِقِيَامِهَا. وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: إنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أبِي. نَسْقِيهِ خَمْرا اللَّيْلَةَ أيْضا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ فَنُحْيِيَ مِنْ أبِينَا نَسْلا. فَسَقَتَا أبَاهُمَا خَمْرا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أيْضا وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلا بِقِيَامِهَا. فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أبِيهِمَا. فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنا وَدَعَتِ اسْمَهُ ( مُوابَ ) - وَهُوَ أبُو الْمُوابِيِّينَ إلَى الْيَوْمِ. وَالصَّغِيرَةُ أيْضا وَلَدَتِ ابْنا وَدَعَتِ اسْمَهُ ( بِنْ عَمِّي ) - وَهُوَ أبُو بَنِي عَمُّونَ إلَى الْيَوْمِ " [18].
إسرائيل ( يعقـــوب عليه السلام )
قالوا عنه:
ـ مكر بأبيه إسحق وسرق البركة من أخيه عيسو [19].
ـ صارع الرب وكاد يغلبه [20].
ـ لطم الخدود وشق الجيوب وكفر بقضاء الله حين سمع بخبر أكل الذئب ليوسف ـ عليه السلام ـ [21].
ـ واتهموا بناته بالزنا [22].
ـ ويذكر الكتاب المقدس بعد ذكر قصة زنا بنت يعقوب (دِينَةُ ابْنَةُ لَيْئَةَ ) أنّ أبناء يعقوب قاموا بقتل كل الذكور ونهبوا البلدة بعدما أمنوهم على أنفسهم ـ أي غدروا بهم ـ وذلك لأنّ شكيم قد زنى بأختهم [23].
ـ ويقولون أنّ واحدا من أبناءه ـ عليه السلام ـ زني بسرّية أبيه، والسرية في حكم الزوجة عندنا وعندهم أيضا [24].
وكلّه كلام ( مقدس ) يحتويه ( الكتاب المقدس ) !!
وعندنا : {وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف : 18 ].
موســـى ( عليه السلام )
قالوا عنه:
ـ خان الله عز وجل هو وهارون عليهما السلام ـ ولم يقدسا الله تبارك وتعالى بين شعب إسرائيل كما أمرهما [25].
ـ ويسيء الأدب مع الله وهو يخاطبه. إذ يقول بزعمهم : " فَرَجَعَ مُوسَى إلى الرَّبِّ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ لِمَاذَا أسَأتَ إلَى هَذَا الشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أرْسَلْتَنِي؟. فَإنَّهُ مُنْذُ دَخَلْتُ إلَى فِرْعَوْنَ لأتكلم بِاسْمِكَ أسَاءَ إلَى هَذَا الشَّعْبِ. وَأنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ " [26].
واقرأ هذه :
فَقَال مُوسَى لِلرَّبِّ: "لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلى عَبْدِكَ وَلِمَاذَا لمْ أَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى أَنَّكَ وَضَعْتَ ثِقْل جَمِيعِ هَذَا الشَّعْبِ عَليَّ؟ [27] .
هـــارون ( عليه السلام )
نسبوا إليه هو صناعة العجل لبني إسرائيل كي يعبدوه من دون الله [28].
داود ( عليه السلام )
قالوا عنه:
ـ زنا بزوجة جارة أوريا الحثي وحبلت منه. جاء في سفر صموئيل الثاني: " وَكَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدّاً. . فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: أَلَيْسَتْ هَذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟ [29]. فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: إِنِّي حُبْلَى ".
ـ وقالوا أنّه أردف ذلك بتدبير مؤامرة لزوج هذه المرأة وقتله وضم هذه المرأة لنسائه وأنجب منها سليمان عليه السلام [30] ـ من سفاح ـ قطع الله لسانهم.
ـ يرقص "بكل قوته" أمام الرب ويتكشّف فتحتقره امرأته[31].
ـ يحضن فتاة عذراء غريبة عنه لتدفئه[32].
ـ ابنه أمنون يزني ببنته ثامار ـ ابن داود وبنت داود ـ ولا يقيم عليه الحد[33].
ـ يقتل 200 فلسطيني ويقطع غلفهم ـ حشفة الذكر ـ مهرا لميكال بنت شاول[34].
ـ قالوا عنه ينشر شعوبا كاملة أطفالا ونساء ورجالا [35].
سليــــمان بن داود ( عليهما السلام )
قالوا عنه:
تزوج من نساء أجنبيات مخالفا الشريعة وأملن قلبه حتى كفر بالله وعبد الأصنام وأقام لهن معبدا [36].
أشعيـــــــاء ـ شعيب ـ ( عليه السلام )
قالوا عنه:
مشي عريان وحافيا ثلاث سنوات[37] !!!
وعندهم من الأنبياء من مات منتحرا، ومن اتخذ امرأة زنا بأمر ( الرب ) وقتل الأطفال وشق بطون الحوامل، ومن تعصب مع الرب وتطاول عليه. ونبي يكذب، ونبي يذهب لعرَّافة كي تحضِّر له روح نبي آخر، ونبي يتسبب في قتل صاحبه. ونبي أحمق يمنعه من الحماقة ( حِمَارٌ أَعْجَمُ نَاطِقاً بِصَوْتِ إِنْسَانٍ ).
وكله كلام ( مقدس ) !!
وبعد :
هكذا يتكلم النصارى ومعهم اليهود على أنبياء الله. وليس معصوما عندهم سوى الأحبار والرهبان.
أنبياء الله كذبة وزناة وأولاد حرام وقليلو الأدب مع ربّهم، والأحبار و الرهبان معصومون من الخطأ. تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وختاما أخاطبكم بما خاطب به رب العزّة جلّ جلاله يقول الله تعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} [المائدة : 77 ].
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة : 15].
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة : 19].
والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
الثالثة : هكذا تكلموا عن الله سبحانه وتعالى وتقدس
الله عند النصارى إنسان
يتحدث كتاب النصارى بأنّ الإنسان نسخة من الله عز وجل. ففي سفر التكوين : " وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا " [38].
وفي أكبر كنائس الكاثوليك في روما ( كنيسة " سانت بيتر") رسم الرسام مايكل أنجلو صورة لله تشبه البشر.
وقد وردت تفاصيل جسم الرب في أماكن متفرقة من العهد القديم أنقها لك وهي:
أنّ له رأساً، شعره أبيض " شعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه لهيب نار [39].
وله عينان وأجفان " عيناه تنظران، أجفانه تمتحن بني آدم [40].
وله شفتان، شفتاه ممتلئتان سخطاً، ولسانه كنار آكلة، ونفخته كنهر غامر يبلغ إلى الرقبة [41].
وله رجلان [42]، و لما صعد موسى وهارون وناراب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل رأوا إله إسرائيل، وتحت رجليه حلية من العقيق الأزرق الشفاف، كالسماء في النقاء، ولكنّه لم يمد يده إلى أشراف إسرائيل [43].
وأيضاً له فم وأنف يخرج منهما دخان ونار، صعد دخان من أنفه، ونار من فمه [44].
وألوهيته وعظمته لا تمنع من ركوبه الملائكة في تنقلاته، كما لا تمنع أن يكون له أذنان، وإلى إلهي صرخت، فسمع من هيكله صوتي، وصراخي دخل أذنيه، فارتجت الأرض وارتعدت، أسس السماوات ارتعدت وارتجت، لأنّه غضب، صعد دخان من أنفه، ونار من فمه أكلت، جمر اشتعلت منه، طأطأ السماوات ونـزل، وضباب تحت رجليه، ركب على كروب [45]، وطار، ورئي على أجنحة الريح... [46]
وقد تكرر ركوبه على الكروبيم، ومجد إله إسرائيل صعد عن الكروب الذي كان عليه إلى عتبة البيت [47].
ولما أصبح ركوبه على الكروبيم فعلاً معتاداً له ـ جلّ وعز ــ، ناجاه الملك حزقيا مثنياً عليه بهذا الفعل: "صلى حزقيا أمام الرب، وقال: أيّها الرب إله إسرائيل، الجالس فوق الكروبيم، أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض، أنت صنعت السماء والأرض" (الملوك (2) 19/15). [48]
أفعال الإله البشرية
وتحكي أسفار العهد القديم عن أفعال بشرية تنسبها إلى الله، وهي فرع من عقيدتهم المجسِّمة لله، ومن ذلك أنّ الله يمشي، ولكن على شوامخ الجبال " فإنّه هو ذا الرب يخرج من مكانه، وينـزل ويمشي على شوامخ الأرض.. كل هذا من أجل إثم يعقوب " [49].
ومنه حديث الأسفار عن مشي الله في الجنّة، وسماع آدم لوقع خطواته: "وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنّة عند هبوب ريح النهار... فنادى الربُّ الإلهُ آدمَ، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنّة، فخشيت لأنّي عريان، فاختبأت. فقال: من أعلمك أنّك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟"[50].
ويزور الربُ إبراهيمَ - تعالى الله عن ذلك - ويأكل عنده زبداً ولبناً " وظهر له الرب عند بلوطات ممرا، وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار، فرفع عينيه، وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه، فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض ... ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذي عمله، ووضعه قدامهم، وإذ كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا ... وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم " (التكوين 18/1 - 23 ).
وفي موضع آخر تذكر الأسفار أنّ الرب ظهر ليعقوب، وصارعه حتى الفجر: فدعا يعقوب اسم المكان: فينئيل قائلاً : " لأني نظرت الله وجهاً لوجه، ونجيت نفسي " ( التكوين 32/30 ).
ولما أغضبه مريم وهارون " فنـزل الرب في عمود سحاب، ووقف في باب الخيمة....فقال اسمعا لكلامي.. فماً إلى فم، وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز " ( العدد 12/5 - 8 ).
ويذكر سفر التكوين أنّ الله رضي عن نوح وقومه بعد أن شم رائحة شواء المحرقات التي قدمها نوح على المذبح " وبنى نوح مذبحاً للرب، وأخذ من كل البهائم الطاهرة، ومن كل الطيور الطاهرة، وأصعد محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا.... " [51].
وعندهم أن الله يتعب ويحتاج للراحة [52].
ويشبهونه حين يستيقظ بعربيد سكير استفاق لتوه من سكْرته، في المزمور [53] ( فاستيقظ الرب كنائم كجبار معيط من الخمر يصرخ عالياً من الخمر ).
وعندهم أنّ الربّ ينوح ويولول كالنساء، ويمشي عريانا
هذا نص كلامهم يرونه على لسان ربّهم. في سفر ميخا [ 1: 8 ] أنّ الله سبحانه وتعالى يقول عن نفسه : " لِهَذَا أَنُوحُ وَأُوَلْوِلُ وَأَمْشِي حَافِياً عُرْيَاناً، وَأُعْوِلُ كَبَنَاتِ آوَى، وَأَنْتَحِبُ كَالنَّعَامِ ".
وعندهم أنّ الرب يصفق بيديه
. في سفر حزقيال [54] ينسب الكاتب للرب قوله: " وأنا أيضاً أصفق كفي على كفي وأسكن غضبي، أنا الرب تكلمت ".
وعندهم أنّ داود ـ عليه السلام ـ وجميع الشعب يجرون التابوت والرب جالس فيه يتفرج عليهم وهم يرقصون حوله. جاء في سفر صموئيل الثاني [55] : أن داود وجميع الشعب أخذوا تابوت الله الذي يسمى رب الجنود الجالس على الكروبيم، وجروا التابوت على عجلة والرب جالس في التابوت يتفرج عليهم، وهم يرقصون فرحاً بعودته من الأسر من عند الفلسطينيين بعد أن ضربهم الرب بالبواسير. وكان الرب جالساً في التابوت طوال الوقت. ونبي الله داود وكل الشعب يرقص ويغني ويلعب بالرباب، وينفخ بالمزمار، ويضرب بالدفوف والجنوك، ابتهاجاً بالنصر وبعودة رب الجنود الجالس على الكروبيم!
وعندهم أن الله يغار من الإنسان [56]
ونقرأ في رؤيا حزقيال أنّ الله دخل الهيكل من باب، وأمر بإغلاقه إلى الأبد. فقال لي الرب : " هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح، ولا يدخل منه إنسان، لأنّ الربّ إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً " [57].
من صفات الله عند النصارى ( البداءة )
و تعني : أي أنّه بدا له ما لم يكن يعلم فعلمه ـ تعالى الله عما يقولون علوا عظيما ـ أو أنّ الله يغير رأيه لأمر بدا له لم يكن بادياً له من قبل [58].
فالربّ عندهم يندم، والربّ عندهم تصبه الحسرة على أشياء كان قد شرَّعها من قبل، ولازم هذا كله أنّ الله يجهل الأشياء ولا يعلمها إلّا حين ظهورها. وهذا مذكور في طيات ( الكتاب المقدس ) بنصوص صريحة وسياق طويل كامل، وليس جملة واحدة مجتزئة. والقوم يقرون بهذا ولا ينكرونه. وإليك شيء من التفاصيل بما يسمح به المقام.
الكتاب المقدس ينسب لله صفة الندم والحزن !!
الإله في الكتاب المقدس يتخذ القرارات بسرعة ودون رَِويِّة، مما يدفعه إلى إعلان الندم أحياناً، وأحياناً أخرى يَقْبَل التوبيخ والزجر من أنبياءه ورسله.
وكثيرة هي حالات ندم( الإله ) وأسفه وحزنه في ( الكتاب المقدس )، وهاك بعضها :
قال كاتب سفر التكوين [59] : " ورَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ فِكْرِ قَلْبِهِ يَتَّسِمُ دَائِماً بِالإِثْمِ، فَمَلأَ قَلبَهُ الأَسَفُ وَالْحُزْنُ لأَنَّهُ خَلَقَ الإِنْسَانَ . وَقَالَ الرَّبُّ: أَمْحُو الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالزَّوَاحِفِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي خَلَقْتُهُ ".
وعندنا كانت رؤية الربّ وأهدافه من خلق الإنسان واضحة من البداية، ويعلم ماذا سيفعل هذا الإنسان لأنّ ربنا عليم قدير حكيم مريد . ففي التنزيل : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [ البقرة : 30 ].
وفي سفر صموئيل الأول [60]، أنّ الربّ يقول للنبي صموئيل : " لَقَدْ نَدِمْتُ لأَنِّي جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكاً، فَقَدِ ارْتَدَّ عَنِ اتِّبَاعِي وَلَمْ يُطِعْ أَمْرِي ".
والأمر الذي ارتد عنه ( شاؤول ) ولم ينفذه هو أنّ الربّ أمره بقتل النساء والأطفال والرجال والمواشي، فقتل الكل وأمسك عن الخراف. وهو مذكور في بقية الإصحاح لمن أراد أن يطلع عليه.
أرأيت ؟! يعطي قرارا وحين يرى أثره في النّاس يندم.
أي ربّ هذا الذي يجهل مآلات الأمور، ولا يعرف الشر من الخير ؟
وندمُ الرب في ( الكتاب المقدس ) ليست صفة عابرة، ولا نص مبتور، وإنّما هي إصحاحات كاملة تحكي ندمة، وأحاديث بين الإله ورسله يخطئونه في أحكامه ويردون عليه أمره، ولك أن تطالع سفر ( إرميا ) لتجد أنّ نسبة صفة الندم لله سبحانه وتعالى تكررت أكثر من عشر مرات في نفس السفر.
بل ينسبون صفة الجهل الحقيقي لله عز وجل. فعندهم أنّ الله ـ وتعالى ربّنا وتقدس ـ أمر الله موسى ومن معه قبل خروجهم من مصر أن يلطخوا أبوابهم والعتبة العليا بالدم والقائمتين بالدم حتى يكون الربّ على بينة منها حين يقوم بتدمير بيوت المصريين، وحتى لا تمتد يده إلى بيوت بني إسرائيل ! [61].
وهذا في سفر الخروج [62] يقول كاتب السفر: " لأَنَّ الرَّبَّ سَيَجْتَازُ لَيْلاًَ لِيُهْلِكَ الْمِصْرِيِّينَ. فَحِينَ يَرَى الدَّمَ عَلَى الْعَتَبَةِ الْعُلْيَا وَالْقَائِمَتَيْنِ يَعْبُرُ عَنِ الْبَابِ وَلاَ يَدَعُ الْمُهْلِكَ يَدْخُلُ بُيُوتَكُمْ لِيَضْرِبَكُمْ ".
وكثرت الشكوى من سدوم وعموره ــ قرى لوط عليه السلام ــ . فنزل الربّ ليتحقق من صدق الشكوى !!
اسمع : في سفر التكوين [63] يقول كاتب السفر: " وَقَالَ الرَّبُّ: لأَنَّ الشَّكْوَى ضِدَّ مَظَالِمِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَتْ وَخَطِيئَتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدّاً أَنْزِلُ لأَرَى إِنْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ مُطَابِقَةً لِلشَّكْوَى ضِدَّهُمْ وَإِلاَّ فَأَعْلَمُ ".
وأرح أذنك صاحبي قليلا واستمع إلى قول ربّنا تبارك وتعالى فيما أنزل على رسولنا صلى الله عليه وسلم : {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس : 61 ].
وعندهم تشبيهات مقززة للرب، منها:
ـ يشبهونه بالدب واللبؤة ( أنثى الأسد ) [64].
ـ ويشبهون ربهم بالخروف [65].
ـ ويقول ( الكتاب المقدس ) أنّ قوة الربّ تبارك وتعالى كقوة الثور الوحشي ! [66]
وأنقل لك أخي القارئ الكريم بعض من مناجاة رسل بني اسرائيل لربهم من ( الكتاب المقدس ) لتعلم كيف هي صورة هذا الربّ في ذهن الأنبياء فضلا عن العامة والرعاع .
إيليا ( إلياس ) النبي يخاطب الله بقوله : " وصرخ إلى الربّ وقال : أيّها الربّ إلهي، أأيضاَ إلى الأرملة التي أنا نازل عندها أسأت بإماتتك ابنها " [67].
وفي سفر الخروج [68] : " فرجع موسى إلى الربّ وقال يا سيد لماذا أسأت إلى هذا الشعب. لماذا أرسلتني. فإنّه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إلى هذا الشعب. وأنت لم تخلّص شعبك ".
وعندنا: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} [الأعراف: 155].
وفي مزمور داود[69] يناجي ربه بقوله : " يا رَبُّ: لماذا تقف بعيداً؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟ ".
وعندنا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وعندنا: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]
وفي مزمور [70] : "يا رب إلى متى تنتظر.. لا يشمت بي الذين هم أعدائي باطلاً استيقظ وانتبه إلى حكمي ".
وعندنا: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].
وعندنا: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
ونحن نسأل : أي ربّ هذا الذي يخاطب بهذه الوقاحة من أعرف النّاس به ... أنبيائه ورسله.
وختاما !!
إنّه ليس لله عز وجل شيء في عقيدة النصارى أمر ونهي، كل ما يعرفونه عن ربّهم هو أمور نظرية، ومصدر التحليل والتحريم في النصرانية . . . مصدر كل الشرائع عندهم هم ( رجال الكنيسة )، أو ما يقولون عنه ( كتابات الآباء ).
فهم يعبدون هؤلاء على الحقيقة، كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة : 31 ].
وأمّا الله عز وجل فهذه صورته في كتاب النصارى المحرف، والحمد لله على نعمة الإسلام.
***********************************************
[2] الكتاب المقدس عبارة عن قسمين العهد القديم والعهد الجديد، العهد القديم يتكون من عدة أجزاء : الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى عليه السلام، وهي ما يقال لها عند المسلمين التوراة مجازا، و الأسفار التاريخية منسوبة لعدد من الأنبياء الذين عاصروا هذه المرحلة، و أسفار الشعر والحكمة، والأسفار النبوية، وأسفار الأبوكريفا ـ وهي محل خلاف عندهم ـ ويطلق النصارى لا اليهود على هذا الأجزاء الأربعة اسم العهد القديم، وتسمى أيضا الكتب والناموس، ويطلق اسم التوراة على الأجزاء الثلاثة الأخيرة تجوزا.
و العهد الجديد هو مجموعة الأناجيل الأربعة والرسائل الملحقة بها، وينسب إلى ثمانية من المحررين ينتمون إلى الجيل الأول والثاني من النصرانية، وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا أصحاب الأناجيل، ثم بولس صاحب الأربع عشرة رسالة، ثم بطرس ويعقوب ويهوذا، تلاميذ المسيح الذين تنسب إليهم القليل من الرسائل.
وهؤلاء الكتبة الثمانية بعضهم تتلمذ على يد السيد المسيح (متى – يوحنا – بطرس – يعقوب - يهوذا)، بعضهم تنصر بعد المسيح ولم يلقه (بولس ومرقس تلميذ بطرس)، وبعضهم تنصر على يد من لم يلق المسيح (لوقا تلميذ بولس) . راجع إن شئت ـ هل العهد الجديد كلمة الله ؟! وهل العهد القديم كلمة الله ؟! للشيخ الدكتور منقذ محمود السقار.
[3] من ( هل العهد القديم كلمة الله ) للدكتور منقذ محمود السقار صـ 9 . وقد جمع الشيخ صور كثيرة من الاختلاف بين النصوص الموجودة في العهد القديم، وذكر أحداث ذكرتها التوراة ( الأسفار الخمس ) وهي حدثت بعد موسى عليه السلام، مما يدل أنّ التوراة كتبت بعد موسى ـ عليه السلام ـ ودخل فيها ما لم يكن في عهد موسى عليه السلام ثم تناول باقي الأسفار والمزامير الموجودة في العهد القديم، وأبطل صحة نسبتها إلى من كتبوها، فليرجع إلى كتابه من أراد أن يستزيد، وراجع أيضا للدكتور منقذ السقار كتاب ( هل العهد الجديد كلمة الله ).
[4] كلمة أقنوم كلمة يونانية الأصل تعني بالعربية شخص.
[5] صموئيل الأول [ 25/18 ].
[6] ( الملوك (1) 4/22 - 23).
[7] الإصحاح السادس الفقرة الثامنة والعشرون وما بعدها.
[8] سفر نشيد الأنشاد [ 8 : 8 ].
[9] سفر القضاة [ 21 : 20 ].
[10] تيموثاوس [ 4: 19].
[11] [تي 3: 12].
[12] (الجامعة 3/1-8).
[13] (القضاة 15/14-16).
[14] (انظر القضاة 15/4-6).
[15] سفر الأمثال 7 : 16.
[16] حزقيال [ 23: 19 ].
[17] سفر التكوين [إصحاح 9 : العدد20ـ 28 ].
[18] التكوين [19 : 30ـ 39 ].
[19] سفر التكوين [ 27 : 18 ـ 40 ].
[20] سفر التكوين : [ 32 : 24 ـ 33 ].
[21] سفر التتكوين [37 : 32 ـ 38 ].
[22] سفر التكوين [34: 1 ـ 5 ].
[23] راجع ـ إن شئت ـ سفر التكوين [34/ 20ـ 29 ].
[24] راجع سفر التكوين [35 : 21 ـ 23 ].
[25] سفر التثنية [32 : 48-51].
[26] سفر الخروج [5 : 22ـ 24].
[27] وفي سفر الخروج أيضا [11 : 11].
[28] سفر الخروج [32 : 1-6].
[29] صموئيل الثاني [11 : 2- 6 ].
[30] سفر صموئيل : [11 : 14 ـ 19 ].
[31] صموئيل الثاني :[ 6 : 14 ـ 21 ].
[32] الملوك الأول [1 : 1 ـ 5 ].
[33] صموئيل الثاني [13 : 21وما بعدها ].
[34] صموئيل الأول [18 : 25- 29 ].
[35] سفر أخبار الأيام الأول [20 : 3- 5].
[36] لملوك الأول [11: 1-12 ]
[37] سفر أشعيا [ 20 : 2ـ 5 ].
[38] ( التكوين 1/26 ).
[39] ( دانيال 7/9 ).
[40] ( المزمور 11/4 ).
[41] (إشعيا 30/27 - 28 ).
[42] ( المزمور 18/9 ).
[43] ( الخروج 24/9 - 11).
[44] ( المزمور 18/9).
[45] الكروب كما في قاموس الكتاب المقدس هم نوع من الملائكة، وقد ذكر سفر حزقيال أن لكل واحد منهم وجهان أحدهما على شكل وجه إنسان والآخر على شكل وجه شبل (انظر حزقيال 41/18).
[46] ( صموئيل (2) 22/7 - 11 ).
[47] (حزقيال 9/6).
[48] هل العهد القديم كلمة الله للشيخ الدكتور / منقذ محمود السقار . صـ 46، وما بعدها.
[49] ( ميخا 1/3 - 5 ).
[50](التكوين 3/8) لا حظ الربّ لا يعرف أين آدم ولا يعرف أنّه أكل من الشجرة وتعرى.
[51] ( التكوين 8/20 - 21).
[52] سفر الخروج [ 31 : 17 ]
[53] [ 78 : 65 ].
[54] [ 21 : 17 ].
[55] [ 6 : 12 _ 16 ].
[56] راجع ـ إن شئت ـ سفر التكوين [ 11 : 1 ـ 9 ).
[57] (حزقيال 44/2). ) وللمزيد من صور رؤية الله انظر (إشعيا 6/1 – 11).
[58] الناسخ والمنسوخ / خطاب المصري. المقدمة.
[59] ( الإصحاح6 : العدد 5ـ 8 ).
[60] [ 15 : 11 ].
[61] وقد مر بنا أنّ الله كان يبحث عن آدم عليه السلام في الجنّة، وفوجئ بأنّه أكل من الشجرة وتعرى!!
[62] [12 : 23 ].
[63][ 18 : 20 ].
[64] سفر العدد [ 24 : 9 ].
[65] سفر رؤيا يوحنا [ 17 : 14 ].
[66] سفر العدد [ 24 : 8].
دراسة بحثية تحليلية مختصرة لمصادر زكريا بطرس التي يعتمد عليها :
يعتمد على كتب النصارى التي تتكلم عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وكتب الشيعة والملحدين و( التنويريين ) في إثبات قضاياه، وحين يأتي بمصدر صحيح كالقرآن العظيم وصحيح السنة النبوية فإنّه يبتر النص ليخرجه عن سياقه الحقيقي. وأعرض على حضراتكم مصادره التي يستقي منها أقواله حول الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
وقد قسمت هذا الفصل لعدة مباحث :
الأول : المصادر الأساسية التي يعتمد عليها في إثبات قضاياه.
الثاني : المصادر الفرعية.
الثالث : كيف يستدل بالكتب الصحيحة ؟
الرابع : تعليق على مصادر زكريا بطرس، وهذا المبحث بمثابة تلخيص لبعض النقاط المهمة المتعلقة بمصادرة التي يستدل بها.
أولا : المصادر الأساسية التي يعتمد عليها في إثبات ما يتكلم به، وهي :
1.دائرة المعارف الإسلامية.[1] (Encyclopaedia of Islam)
هذه أهم المصادر التي يعتمد عليها زكريا بطرس فيما يفتريه على الإسلام، وكلَّ حينٍ يضعها أمام الشاشة، ويقول أنّه حين بدأ يستدل بها أو منها صادرها المسلمون من السوق وقالوا عنها أنّها محرفة، تُرى ما حقيقة هذه الموسوعة التي يعتمد عليها زكريا بطرس كليا وجزئيا ؟ وهل هي حقا مصدر إسلامي كما يدعي أنّه يعتمد على مصادر إسلامية، وأنّ كل ما يقوله هو من كتب المسلمين.
في عام 1998 أي قبل أن يدخل زكريا بطرس إلى قناة الحياة أو قبل أن تبدأ قناة الحياة بثها صدرت رسالة دكتوراه حول ( دائرة المعارف الإسلامية ) بعنوان ( دائرة المعارف الإسلامية ـ أضاليل وأكاذيب ) للدكتور إبراهيم عوض، ورسالة دكتوراه أخرى بعنوان ( العقيدة الإسلامية في دائرة المعارف الإسلامية ) للدكتورخالد بن عبد الله القاسم [2]، وصدر عن غيرهما كتابات أخرى في ذات الموضوع، فالمسلمون يرفضونها قبل أن يدري بها زكريا بطرس نفسه. لا أنّهم رفضوها بعد أن استدل بها.
والسؤال : لماذا يرفض المسلمون دائرة المعارف الإسلامية كمصدر يُستدل به على الإسلام ؟
تصدر دائرة المعارف الإسلامية.(Encyclopaedia of Islam) عن دار نشر هولندية تسمى بريل[3] BRIL. وليست دار نشر إسلامية، ظهرت أول طبعة منها بين عامي 1913 و 1938 بعدة لغات ثم ظهرت نسخ مختصرة منها عام 1953. ثم بدأ العمل في الطبعة الثانية عام 1954 و اكتملت عام 2005.
و قد ذكر ستيفن همفري [4] (Humphreys Stephen) أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة كاليفورنيا - سانتا باربارا في كتابه ( التاريخ الإسلامي: إطار البحث ) Islamic History: A Framework for Inquiry ما نصه :
" دائرة المعارف الإسلامية مؤلفة بالكامل من قبل باحثين أوروبيين و هي لا تعبر إلّا عن النظرة و المفهوم الأوروبي للحضارة الإسلامية. و تناقض هذه المفاهيم و تختلف اختلافا كبيرا عن المفاهيم التي يؤمن بها و يتبعها المسلمون أنفسهم. و ما ذكر في هذه الموسوعة لا يتوافق مع التعاليم و المبادئ الإسلامية للمراجع الإسلامية كالأزهر بل يتناقض معها ".
القائمون على هذه الدائرة هم مجموعة من المستشرقين النصارى واليهود المعروفين بحقدهم على الإسلام والمسلمين مثل المستشرق الهولندي أرند جان فنسنك A. J. Wensinck و هو من أشد المتعصبين ضد الإسلام وقد كان عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة و فُصل منه نتيجة مؤلفاته التي هاجمت الإسلام والقرآن والرسول صلى الله عليه و سلم، وهذا المستشرق المتعصب هو المشرف على الطبعة الأولى.
و شارك أيضا في إعداد هذه الموسوعة المنصر و المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون Louis Massignon و هو رائد الحركة التبشيرية في مصر. و قد اشتهر بالعمل على تنصير الأميين من خلال خداعهم بتحوير آيات القرآن الكريم لإيهامهم بموافقتها النصرانية [5].
و قد اشترك أيضا كثير من اليهود في تحريرها مثل جوزيف شخت Joseph Schacht المستشرق الهولندي و إجناس جولذيهر Ignaz Goldziher المستشرق المجري و جورجيو ليفي دلا فيدا Giorgio Levi Della Vida، والمستشرق الايطالي و برنارد لويس Bernard Lewis المستشرق الامريكي. و برنارد لويس هذا من أشد المناصرين لإسرائيل و هو صاحب مصطلح ( صراع الحضارات ) الذي أعلنه عام 1990 و قصد به الصراع بين الغرب و الإسلام كعدو قادم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. و كل كتبه عن الإسلام تدعوا إلى محاربته بشتى الطرق.
واشترك في كتابتها قساوسة و علماء لاهوت و منصرون مثل القس دافيد صموئيل مرجليوث David Samuel Margoliouth وكان قسا بالكنيسة الانجليزية وعرف عنه التعصب ضد الإسلام. وكذلك عالم اللاهوت والمستشرق هنري لامنس Henry Lammans وقد عمل بالتنصير في بيروت وعرف عنه الحقد الشديد على الإسلام. و كذلك المستشرق ج. كريمرز J. H. Kramers وكتاباته تركز على التنصير. ودانكن بلاك ماكدونلد Duncan Black Macdonald وهو منصر أمريكي عرف بحقده الشديد على الإسلام وتتركز مؤلفاته حول تنصير المسلمين وأنشأ معهد متخصص لهذا الغرض. و أدوين كالفرلي Edwin Calverley وهو منصر أمريكي متعصب رأس تحرير مجلة العالم الإسلامي التنصيرية و التي تهتم بتنصير المسلمين.
هذه فقط مجرد أمثلة للقائمين على ( دائرة المعارف الإسلامية ) التي يستدل بها زكريا بطرس، وكل من أراد أن يهاجم الإسلام في الشرق والغرب.
أقول : ولذلك تجد زكريا بطرس لا يذكر مؤلف الدائرة ولا الدار التي تقوم على نشرها كما يفعل مع بعض المصادر الأخرى التي يجلبها، يكتفي فقط باسمها، وهذا من كذبه وتدليسه على المشاهدين.
2.رسالة ماجستير عن بحيرى الراهب [6]، من جامعة برمنجهام بانجلترا 1983م
اعتمد زكريا بطرس على هذه الرسالة في إحدى قضاياه الكبرى وهي القول بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تتلمذ على يد بحيرة الراهب، أو تأثر به تأثرا كبيرا، أو أنّ بحيرة الراهب هو الذي خطط لنبي الله صلى الله عليه وسلم وعلمه كل شيء حتى القرآن، وسآتي على هذا الكلام إن شاء الله تعالى حين مناقشة مصدر الوحي عند زكريا بطرس ومن قال بقوله أو قال بقولهم، وما يعنيني هنا، هو بيان أنّ هذه الرسالة نصرانية، قام بها أحد الطلبة النصارى واعتمد في بحثه على مصادر نصرانية، فالباب الثالث من هذه الرسالة على حسب ما نقله زكريا بطرس هو : ( لقاء بحيرة ومحمد وفقا للتراث المسيحي )، لا حظ وفقا للتراث المسيحي. والباب الرابع : تقييم تاريخي ثيولوجي ( لاهوتي ) لقصة بحيرة الراهب.
فلاحظ .. مصادر نصرانية . . كاتب نصراني .. تقييم نصراني للرسالة.
وحين تَعَرَّضَ صاحب الرسالة للمصادر الإسلامية ذكر أنّها ـ أي المصادر الإسلامية ـ لم تذكر أنّ بحيرة التقى النبي صلى الله عليه وسلم إلّا مرتين [7]، الأولى في سن الثانية عشر من عمره، وقد تعرف عليه بحيرة من خاتم النبوة، وما وجد اللئيم زكريا بطرس ردا على هذا سوى الاستهزاء والسخرية ودعوى أنّها كانت ( وحْمِه ) في كتفه صلى الله عليه وسلم، والثانية بين العشرين والخمسة والعشرين من عمره، ولم يكلمه بحيرة بل أشار إليه وقال هذا رسول رب العالمين الذي سوف يرسله الله بالسيف المسلول والقتال الشديد فمن أطاعه نجا ومن لم يطعه هلك. هذا على حد قول الرسالة على لسان بطرس.
فالرسالة التي قام بها هذا الطالب النصراني وفي جامعة نصرانية وتحت إشراف أساتذة نصارى لا تتكلم بأنّ بحيرة في المرة الأولى أو الثانية تكلم للنبي صلى الله عليه وسلم بشيء أي شيء. بل تقول أنّ اللقاء الأول كان دقائق تعرَّف فيها بحيرة على الرسول صلى الله عليه وسلم وأقرَّ له بالنبوة، وأنّ الثاني كان فقط كلام من سطرٍ واحد ومن طرفٍ بحيرة لا من طرف النبي صلى الله عليه وسلم. وغير ذلك مما يردد كلُّه من كلام النصارى الذي ليس له مصدر في كتب المسلمين .. هذا باعترافهم هم [8].
أقول : اعترفوا بأنّه لا يوجد في كتب المسلمين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس لبحيرة ولو ساعة واحدة، ولا أنّه التقاه وتكلم إليه. فمن أين لهم كل هذا الكلام ؟
إنّه قولهم هم. من مصادرهم هم. لا نعرفه. ولا نلتزم به. هذا فقط ما أردت الإشارة إليه بخصوص قصة بحيرة الراهب .. فقط أردت أن ألقي الضوء على مصدر ما يردده زكريا بطرس في هذه القصة على لسانه هو.
يبقى أن أشير إلى شيء ما تتكلم به المصادر الإسلامية فيما يتعلق بهذا الأمر، وهو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج من مكة قط، إلّا مرتين الأولى وهو غلام صغير في الثانية عشر من عمره، وهي التي التقى فيها بحيرة الراهب، وعاد من الطريق، ولم يخالط غير قريش فقد كان بينهم وحين عاد عاد مع أحدهم، والثانية وهو في الرابعة والعشرين من عمره ولم تتكلم المصادر الإسلامية بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم التقى بحيرة الراهب فضلا عن أن يكونا التقيا وتكلما وتتدارسا، وإنّما فقط " نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال له: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ قال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم؛ فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلّا نبي " [9] هذا قول ابن هشام، والسهيلي في الروض الأُنُف يزيد على هذا بأنّ الراهب لم يكن بحيرة وإنّما راهب آخر[10].
3.مخطوطة سريانية من جامعة مانشستر ببريطانيا للبروفيسور Richard Gottheil
كل ما عرضه زكريا بطرس برهانا على هذه الوثيقة هو غلاف كتاب كُتب عليه اسم ( الوثيقة ) و اسم مَن تبناها، وفي هذه الوثيقة أنّ الراهب بحيرة حين التقى النبي صلى الله عليه وسلم في المرتين ـ وكان اللقاءان في دير الراهب بحيرة في بصرى الشام على طريق القوافل ـ وجد في النبي محمد صلى الله عليه وسلم ضالته فبدأ يعلمه بقوله أنّه استشف به علامات النبوة فانتقل إلى مكة وتابع تعليمه والقس ورقة كذلك.
سأناقش هذا الهراء بعد إن شاء الله تعالى وأنا أتكلم عن مصدر الوحي، ولكن فقط أريد أن أثبت أنّها وثيقة نصرانية .. مصدر نصراني .. من جامعة نصرانية، لا يعتمد على المصادر الإسلامية في شيء. وأنّ الكلام الذي بها يناقض الكلام الذي ذكره صاحب رسالة الماجستير ـ المصدر السابق ـ إذ أنّ
صاحب رسالة الماجستير يؤكد أنّ بحيرة لم يتكلم للنبي صلى الله عليه وسلم في اللقاءين وإنّما كان حوارا عابرا لم يستغرق دقائق ـ هذا على حد قوله، فلا ندري أيّهم نصدق صاحب رسالة الماجستير ( الموثقة ) أم صاحب الوثيقة التي لا نعلم لها مصدرا ؟
وعلى كلٍ هو من قول النصارى ومن مصادرهم. تكلم من كتبها من أم رأسه. يكفيني هذا هنا الآن.
4.شعراء النصرانية [11]
وهذا الكتاب ركز عليه جدا ونادي على حامل الكاميرا أن يصوره للجمهور، وهو أحد مصادره الأساسية في القول بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم نقل كثيرا من آيات القرآن من شعراء الجاهلية، الذين يدعي أنّهم كانوا يدينون بالنصرانية من أمثال أمية بن أبي الصلت وورقة بن نوفل وامرئ القيس وغيرهم.
وكتاب شعراء النصرانية كتاب شهير لواحد من أشهر الحاقدين على الإسلام والمسلمين وهو القس ( لويس شيخو اليسوعي ) واسمه كاملا هو : رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح بن يعقوب بن شيخو اليسوعي. 1859 بالعراق وتوفى في 1927م في بيروت.
يقول صاحب رواد النهضة الحديثة عن لويس هذا ما نصه: " ولم يكن تعصبه لنصرانيته معتدلا ولا مستورا، بل كان تعصبا عاليا عنيفا مجاهرا به، مما جعل أبناء ملته يلومونه على ذلك ويعدونه من أخطائه " [12].
ومن آثار تعصبه أنّه جعل جمهور الشعراء الجاهليين نصارى، مخالفا بذلك كل من كتب عن شعراء الجاهلية بل عن الجاهلية التي سبقت الإسلام.
وقال مارون عبود متعجبا أو ساخرا من ابن مِلَّتِه لويس شيخو الذي يستدل به بطرس اللئيم : " سمعنا بكتاب شعراء النصرانية فاستقدمناه، فإذا هو لهذا العلامة الجليل لويس شيخو وإذا كل من عرفناهم من شعراء جاهلين قد خرجوا من تحت سن قلمه نصارى. كان التعميد بالماء فإذا به قد صار بالحبر " [13].
ومن ملامح تعصب شيخو أنّه حين كتب تاريخ الآداب العربية جعل يبرز أدباء النصارى ولم يذكر أحدا من مشاهير الأدب المسلمين وكأنّهم غير موجودين اللّهم إلّا النذر اليسير [14].
5.أبو موسى الحريري وكتاب قس ونبي [15]
وهذا كتاب نصراني لقس نصراني، يُدعي جوزيف قذي أخذ علي عاتقه إبان الحرب الأهلية اللبنانية أن يوصل أفكار المستشرقين وأراء طائفته حول الإسلام والمسلمين في كتب أربعه هي: قس ونبي، ونبي الرحمة، وعالم المعجزات، وأعربي هو؟. وما زال هذا القس على قيد الحياة إلى الآن. اعتمد عليه في القول بأنّ ورقة بن نوفل هو الذي علَّم النبي صلى الله عليه وسلم وأنّه هو الذي زوج النبي صلى الله عليه وسلم على النصرانية، وبالتالي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وزوجته السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ كانا على النصرانية !!
وكما ترى فإنّ كاتب الكتاب قس نصراني على مِلة زكريا بطرس، ومُدلِّس مثله تماما يختفي وراء اسم مستعار يبدو وكأنّه إسلامي.
ولم يستشهد زكريا بطرس بما كتبت يد أبي موسى الحريري أو جوزيف قذي إلّا مرة واحدة وعلى عجالة، وأحسب أنّه تعجل في الاستدلال به، وقد قدمته كواحد من أهم مصادره لأمر آخر. أذكره لحضراتكم بعد قليل إن شاء الله تعالى.
6.سيد القِمْني وكتابيه ( الإسلاميات ) و( الأسطورة في التراث ).
يمتدح شخص ( سيد القمني ) ويقول أنّ من أفضل من حلل فترة البعثة الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فترة الجاهلية، ويوصي كثيرا باقتناء كتبه [16].
فمن هو سيد القمني ؟
كاتب مصري ماركسي، يعتقد أنّ الإسلام مجرد "إفراز " أفرزته " القواعد الماضوية" يعني بها الجاهلية، وليس وحيا من عند الله. وكل جهده في إثبات أنّ الرسالة النبوية كانت تطور لبعض المفاهيم الرامية لإقامة دولة عربية قرشية هاشمية. وقارورة الزجاج الهشة حين يرمي بها قوي على حجر أملس أشدُّ تماسكا من حجج القمني وأمثاله، وسنضعه إن شاء الله تعالى بجوار بطرس ومن قال بقولهم ونرد عليهم جميعا بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
والمراد بيانه هنا أنّ هذا هو الذي يستدل به زكريا بطرس، واحد يحمل اسما إسلاميا ولا يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم نبيا ولا بالقرآن كتابا من عند الله.
7.خليل عبد الكريم وكتابيه ( فترة التكوين في حياة الصادق الأمين ) [17] و (الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية [18] )
وهو يثني على هذا الكاتب جدا، ويلقبه بالشيخ خليل عبد الكريم، ويؤكد مرارا على أنّه شيخ من الأزهر الشريف.
وخليل عبد الكريم ماركسي .. يساري، هو فقط الذي يطلق على نفسه لقب شيخ، ولص لم يأتِ بجديد، فكتابه الذي يستدل به زكريا بطرس كثيرا عبارة عن نسخة مشوهة من كتاب القس اللبناني الماروني ( أبو موسى الحريري أو جوزيف قذى ) الموسوم بـ ( قس ونبي )، وحججه التي ساقها ـ نقلا عمن سرق منه أفكاره ـ قبيحة كسيحة لا يقبلها الدون من النّاس، وسنأتي بها في حينها ونعرضها على حضراتكم، لترو كيف قبحها وسوء حالها، فصبرا.
لماذا قدمتُ أبا موسى الحريري ( جوزيف قذى ) على سيد القمني وخليل عبد الكريم ؟ [19]
لأمور ثلاث :
الأول : أنّ ذات الأفكار التي تكلم بها خليل عبد الكريم، وسيد القمني مأخوذة بأم عينها من كتابات القس اللبناني أبو موسى الحريري أو جوزيف قذى، فالكلام كله الذي يستدل به بطرس مَردّه للنصارى وإن بدى على لسان بعض المنتسبين للملة.
الثاني : أنّ الكتب التي حملت اسم ( أبو موسى الحريري) صدرت تحت مجموعة بعنوان ( الحقيقة الصعبة )، وبقليل من التدبر يمكن القول بأنّ مؤلف هذه الكتب ليس فردا واحدا وإنّما فريق من الباحثين المتمكنين، ومن تتبع مساحة انتشار الكتبِ وغضِّ الطرف عن سرقة ما بها من أفكار بل وتعمد تسريب الأفكار للصوص الكلمة وتعمد إخفاء من قاموا بها حين صدروها أو التمويه باسم إسلامي يعلم أنّ هناك من يريد أن يضل النّاس، وأن يسمم أفكار الباحثين وخاصة الكسالى السارقين والتبع المنهزمين.
الثالث : مَكْرُ زكريا بطرس في الاستدلال بخليل عبد الكريم، وتكراره بأنّ هذا شيخ وأزهري، وكذا بسيد القمني، ومن قبله من ألفوا ( الحقيقة الصعبة) ووضعوا عليها أسماء إسلامية. فالقوم أفلسوا ولم يعد عندهم حيلة سوى الكذب والتدليس على النّاس الذين يثقون في كل من تكلم ولا يرجعون للمصادر الأساسية.
المبحث الثاني : المصادر الغير أساسية.
1.أبكار السقاف( 1913م ـ 1989م ) وكتابها ( نحو آفاق أوسع )
ينقل عنها بعضا مما تكلم به عن عبد المطلب بن هاشم جدِّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم [20]. وكتابها هذا صدر عام 1945م، وحدثت ( دوشة ) كبيرة حول الكتاب انتهت بمصادرته [21] عام 1946م[22] . لا حظ أنّ الكتاب تم مصادرته في فترة لم يكن ظهرت فيها ما يسمونه بالأصولية الإسلامية، ولم يكن ظهر فيها زكريا بطرس نفسه. وهو لا يفتئ يُذَكِّر المشاهد بأنّه كلما استشهد ـ هو ـ من كتابٍ صادروه، فتدبر كذبه، وتدبر أنّ هذه الكتب صودرت قبل أن يخرج بطرس للنّاس بنصف قرن أو يكاد من الزمن.
وأبكار السقاف من المعاصرين ومن المعمرين ( 1913م ـ 1989م) ولا يعرف عنها التاريخ سوى أنّها إحدى الحسناوات ربيبة القصور وزوجة الأمراء والأثرياء، وأنّ العقاد أعجب بجمالها حين التقاها في أحد المكاتب وزارها في بيتها وزارته في ناديه، وقد أجهد نفسه من يترجم لكتب شيئا عنها فلم يجد سوى التعجب من أن تهمل هذه الحسناء بنت الأثرياء.
أقول وهذا حالها فقد صدر كتابها ( نحو أفاق أوسع ) في عام 1945م وكان عمرها اثنان وثلاثين عاما والكتاب موسوعة ضخمة في أربع مجلدات ويشبه التحقيق الكبير، كيف أخرجته هذه الصبية الجميلة وكانت قد تزوجت ـ أو خطبت ـ وطلقت ـ أو انفصلت ـ من أمير ( برقة ) ثم تزوجت ومات زوجها .. ثم لم تخرج بعده عملا في نفس قيمته مع أنّها عمّرت وتفرغت بعد ذلك.
وإذا وضعنا في الحسبان أنّ هذه الفترة كان النصارى مشغولون فيها بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي من جديد، وإخراج كوادر ( إسلامية ) ( متنورة) وهي ذات الفترة التي خرجت فيها ( دائرة المعارف الإسلامية ) ألا يدل كل ذلك على أنّ هذه الفتاة كُتب لها أو أعدت لها الأفكار والمفاهيم وهي صاغتها ؟
مجرد تساءل، لا أجد صعوبة في الإجابة عليه بالإثبات، وإن حلف غيري لا أظن أنّه يحنث.
وحتى تستيقن أنت أخي القارئ من قولي أبين لك شيء هو أنّ كثيرا من الأفكار التي راجت في تلك الفترة كان النصارى ( المستشرقين ) المتواجدين في الدوائر الحكومية في مصر وتركيا والشام كانوا هم مصدرها، وكانت الصالونات هي مصدر تسريب هذه الأفكار، وأشهر مثال يضرب على ذلك هو ( العبقريات )، وهي فكرة ألمانية، إذ يعتقد الألمان أنّ العباقرة هم الذين يصنعون التاريخ، تلقف الفكرة العقاد، وراح في صمتٍ وجِد عجيب يقرأ التاريخ بعين الألمان وخرج علينا بسلسلته الشهيرة ( العبقريات )، وردد التبع المنهزمون، أصحاب العقول الخاوية والمنابر العالية. مَن يبحثون عن أي جديد يكلمون به النّاس في زواياهم الصحفية أو خطبهم الدورية. فكانت أشبه ما تكون ( بالموضة) أو ( التقليعة ) بلهجة أهل مصر. كتب الجميع عن خالد وعن الجيل الأول بمنظور ( العبقرية ) [23].
وكذا طه حسين كتب ما كتب حول السيرة متأثرا بأقوال ( أو مترجما لأقوال ) جيل لوميتر في كتابه ( على هامش الكتب القديمة) و إميل درمنجم في كتابه (حياة محمد).
وكانت موضة أخرى بدأت على يد النصارى تهدف إلى إعادة قراءة الجاهلية العربية قبل الإسلام من جديد للقول بأنّ الإسلام إفراز للجاهلية أو نوع من التطور الطبعي لبعض المفاهيم السائدة في الجزيرة العربية، ولا مانع أبدا أن يكونوا قد سربوا المفاهيم الأساسية إلى بعض أصحاب الأقلام، وما المانع أن يكون منهم أبكار السقاف؟
2.دانا جلال
كاتب عراقي كردستاني شيوعي.
3.مفهوم النص / نصر حامد أبو زيد [24]
مشهور معروف، حكمت عليه المحاكم المصرية بالردة والتفريق بينه وبين زوجته.
4.على هامش السيرة لطه حسين [25]
وهو من الكتب التي اشتد النكير عليها حتى من المحسوبين على التنويريين، كمحمد حسين هيكل ـ وهو صديق لطه حسين [26].
5.صلاح الدين محسن ومقالاته في الحوار المتمدن [27]
وصلاح الدين محسن كاتب مصري معاصر يصف القرآن بأنّه كتاب جهل وأنّ الإسلام هو سبب تخلف الأمة، وحوكم في منتصف عام 2000م ولم ينكر هذه التهم.
6.الفتوحات المكية لمحي الدين بن عربي [28]
أجمع علماء السلف والخلف من المنتسبين لأهل السنة على ذم بن عربي وجمهورهم على تكفيره، وقد ألف الإمام برهان الدبن البقاعي كتـاب اسماه : ( تنبيه الغبي إلى كفر ابن عربي )، وكذا شيخ الإسلام بن تيمية كفر بن عربي، والإمام الشوكاني في كتابه ( الصوارم الحداد القاطعة لعلائق أرباب الاتحاد )، وأورد فيه تكفير العز بن عبد السلام لابن عربي. وأمر ابن عربي مشهور لا يحتاج لتعريف.
7.الملل والنحل لأبي القاسم الشهرستاني [29]
8.الإمام نور الدين الطبرسي صاحب كتاب فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب ( يستدل به على تحريف القرآن ) [30]
9.الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري [31]
10.المصاحف للإمام السجستاني [32]
11.بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئئمة الأطهار للإمام الباقر المجلسي [33]
والستة مراجع الأخيرة لعلماء شيعة، يحتج بهم في القول بتحريف القرآن، ومعلوم أنّ الشيعة لا يؤخذ بقولهم في احتجاج القرآن، والاستدلال بقول الشيعة في تحريف القرآن كمن يستدل على فساد الإسلام بقول الهندوس أو أي ملة أخرى.
المبحث الثالث : كيف يستدل زكريا بطرس بالمصادر الصحيحة ؟
يستدل زكريا بطرس ببعض المصادر الإسلامية الصحيحة مثل القرآن الكريم وكتب السنة الصحيحة مثل البخاري ومسلم ومسند أحمد وكتب التفسير مثل القرطبي وغير ذلك من المصادر الصحيحة. ويتكلم صراحة بأنّ هذا قول البخاري ومسلم وأحمد وابن كثير [34].. ولا يخفى أنّ هذا من شأنه أن يجعل المستمع أو القارئ يسلم ولا يناقش، ولا أريد أن أستبق الأحداث، سأعرض عليك أخي القارئ بعض الأمثلة لاستدلالاته لتتبين لك الصورة على حقيقتها، وتعلم أي كذوب هذا.
المثال الأول :
ـ وهو يتكلم عن موسم الحج في الجاهلية وأنّه كان موسم إخصاب وتجارة، وأنّ الأمر لم يتغير في الإسلام يقول نصا : محمد وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم أباح جواز المتعة في الحج، وهذا الكلام في تفسير القرطبي [سورة النساء: آية24] {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} يقول أبو ذر كانت المتعة لنا في الحج خاصة، وأخرجه مسلم. ويتساءل لماذا؟ ويجيب نفسه لأنّه نفس النظام ويشير بيده بما يفهم منه التكرار، أي تكرار ما كانت عليه الجاهلية من الاجتماع في الحج من أجل الزنى والتجارة [35] !!
انظر ماذا يفعل لتعلم أنّه كذّاب لئيم يتعمد الكذب.
نعم الحديث صحيح عند مسلم [36]، والمتعة هنا التي يتكلم عنها أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ هي إحدى نسك الحج الثلاث المشهورة ( الإفراد والتمتع والقران ) وتعني كما يقول النووي في شرح الحديث: " أنّ فسخ الحج إلى العمرة كان للصحابة في تلك السنة ". ويوضح هذا ما جاء في سنن النسائي حديث ( 2762) " عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ فَقُلْتُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَجْمَعَ الْعَامَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَوْ كَانَ أَبُوكَ لَمْ يَهُمَّ بِذَلِكَ. قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ لَنَا خَاصَّةً ". فالمتعة هنا هي التمتع .. هي الفصل بين الحج والعمرة .. هي تحويل الحج إلى عمرة لمن أهلَّ بالحج ثم يهل بالحج بعد ذلك من مكة في يوم التروية . . هذا يسمى التمتع بالحج، لا أنّها الزواج المؤقت الذي حرمه الشرع كما يدعي هذا المفتري.
وينقل هذا الحديث أيضا عن القرطبي في آية {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ}ليوهم القارئ بأنّ المعنى المقصود هو نكاح المتعة .. أقول العجيب أنّه بالرجوع لما كتبه القرطبي في تفسير هذه الآية من سورة النّساء تجد أنّه يتكلم عن تحريم جواز المتعة في الإسلام يقول القرطبي : " ولا يجوز أن تحمل الآية على جواز المتعة؛ لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وحرمه ".
وبالرجوع إلى تفسير القرطبي عند الآية التي ذكرها هو لا تجد ذِكْرٌ لحديث أبي ذر هناك أبدا.
فانظر كيف يكذب. وانظر كيف يدلس على مستمعيه.
هكذا يستدل بالمصادر الصحيحة الكتاب والسنة، ويخرج القارئ الطيب من أمامه وهو يظن أنّ الرجل يستمد أقواله من الكتاب والسنة بفهم المشهورين من علماء المسلمين ( القرطبي هنا ).
وشيء آخر موسم الحج تحديدا يحضره ثلاثة ملايين كل عام. هل قال أحد أنّ المتعة تباح في الحج ؟!هل تكلم أحد بأنّ الحج موسم إخصاب وتجارة ؟! هل تكلم أحد أنّ النساء يمسسن الحجر الأسود بدم الحيض ؟!
يكذب في أمر يشهده ثلاثة ملايين كل عام، والعجيب أنّه يجد من يصدقه !
المثال الثاني :
ـ وهو يتكلم عن أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ابن أبيه عبد الله، يقول وقبحه الله بما يقول : وهذا الكلام موجود في كتب المسلمين ( التراث ) في البداية والنهاية لابن كثير باب تزويج عبد المطلب لابنه عبد الله جزء 2 / 316 بلغ النبي أنّ رجالا من كِنْده يزعمون أنّ محمدا منهم وهم منه. فقال حين علم أنّ رجالا يقولون أنّه من كِنْدَة وليس من قريش .. مش من عبد الله ـ هذا قوله ـ : ( إنا لن ننتفي من آبائنا نحن بني النضر ابن كنانة )، ويعلق قائلا باللهجة العامية : (بيعترف ) [37] انتهى كلامه قبّحه الله.
وانظر كيف يكذب هذا اللئيم.
أولا : الكلام الذي نقله من البداية والنهاية لابن كثير ليس تحت الباب الذي ذكره باب تزويج عبد المطلب لابنه عبد الله. وإنّما في الباب الذي يليه وهو بعنوان ( كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود إليه وشمائله وفضائله ودلائله الدالة عليه ـ باب ذكر نسبه الشريف وطيب أصله المنيف ) .
فعدل عن اسم الباب الحقيقي عند ابن كثير وهو ( ذكر نسبه الشريف وطيب أصله المنيف ). ولو ذكره لبان كذبه قبل أن يتكلم.
ثانيا : بَتَرَ الحديث الذي جاء به، والنص كاملا .. من ابن كثير الذي ينقل عنه وليس من مكان آخر . يقول ابن كثير : " وقد ورد حديثٌ في انتسابه عليه السلام إلى عدنان، وهو على المنبر ولكن الله أعلم بصحته كما قال الحافظ أبو بكر البيهقي : ... عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنّ رجالا من كندة يزعمون أنّهم منه، وأنّه منهم فقال : إنّما كان يقول ذلك العباس وأبو سفيان بن حرب ليأمنا بذلك، وإنّا لن ننتفي من آبائنا نحن بنو النضر بن كنانة قال : وخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نذار، وما افترق النّاس فرقتين إلّا جعلني الله في خيرها، فأخْرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا ".
يقول ابن كثيرا متابعا : " وهذا حديث غريب جدا من حديث مالك تفرد به القدامى وهو ضعيف، ولكن سنذكر له شواهد من وجوه أخر، فمن ذلك قوله ( خرجت من نكاح لا من سفاح ) قال عبد الرزاق : عن جعفر بن محمد عن أبيه أبي جعفر الباقر في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبه:128]، قال : لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح» وهذا مرسل جيد. وهكذا رواه البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله أخرجني من النكاح ولم يخرجني من السفاح».
فابن كثير يتكلم عن النسب الشريف وطيب الأصل المنيف.
وابن كثير يتكلم بأنه حديث ضعيف (وهذا حديث غريب جدا من حديث مالك تفرد به القدامى وهو ضعيف ).
وعلى فرض صحة الحديث فالنبي صلى الله عليه وسلم ينفي ما تكلم به رجالُ كندة، ويذكر نسبه إلى أبيه عبد الله بن عبد المطلب، وأنّه ولد من نكاح وليس من سفاح.
وابن كثير بعد تضعيفه للحديث يذكر شواهد على ما صح منه وهو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ولد من نكاح وليس من سفاح وأنه ابن أبيه.
وسأعود لقضية النسب الشريف لسيد ولد آدم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك تحت عنوان منفصل، وفقط أردت هنا بيان كيف يستدل زكريا بطرس بالمصادر الإسلامية الصحيحة مثل ابن كثير. فهو ـ زكريا بطرس ـ يكذب كذبا رخيصا مكشوفا حين يستدل بالمصادر الصحيحة التي يعترف بها المسلمون.
المثال الثالث :
يستدل من مسند الإمام أحمد ويقول على لسان الإمام أحمد ( عن ابن عباس قال: وكان الرسول يطوف حول الحجر سبع لفات ثلاثة منها قافزا كالظباء وأربعة منها ماشيا في احترام للحجر المقدس من مسند أحمد الحديث2835 ) [38].
وسياق كلامه على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان على ذات النُّسك التي كانت عليها الجاهلية من تقديس الأصنام وهي هنا الحجر الأسود على حد قوله قبَّحه الله.
وانظر أخي كيف يكذب كذبا مركبا مكشوفا.
الحديث بتمامه عند أحمد : عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عُمْرَتِهِ بَلَغَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قُرَيْشًا تَقُولُ مَا يَتَبَاعَثُونَ مِنْ الْعَجَفَِ فقَالَ: أَصْحَابُهُ لَوْ انْتَحَرْنَا مِنْ ظَهْرِنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَحَسَوْنَا مِنْ مَرَقِهِ أَصْبَحْنَا غَدًا حِينَ نَدْخُلُ عَلَى الْقَوْمِ وَبِنَا جَمَامَةٌ. قَالَ: لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ اجْمَعُوا لِي مِنْ أَزْوَادِكُمْ فَجَمَعُوا لَهُ وَبَسَطُوا الْأَنْطَاعَ فَأَكَلُوا حَتَّى تَوَلَّوْا وَحَثَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي جِرَابِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَعَدَتْ قُرَيْشٌ نَحْوَ الْحِجْرِ فَاضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ لَا يَرَى الْقَوْمُ فِيكُمْ غَمِيزَةً [39] فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ دَخَلَ حَتَّى إِذَا تَغَيَّبَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي مَشَى إِلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ مَا يَرْضَوْنَ بِالْمَشْيِ أَنَّهُمْ لَيَنْقُزُونَ نَقْزَ الظِّبَاءِ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ فَكَانَتْ سُنَّةً قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ».
ـ هل في الحديث شيء مما قاله بطرس؛ اللّهم قَوْلَةَ قريش ( تقافز الظباء ) التي كذب وادعى أنّها قولة ابن عباس، وقريش قالتها على سبيل المدح .. تتكلم بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في قوتهم يمشون كما تمشي الظباء أو الغزلان ـ في رواية أبي داود [40] ـ وقد كانت تحسب أنّهم يمتون من العَجَفْ ؟!
ـ وفي الحديث واحدة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وهي مباركة الأكل للصحابة رضوان الله عليهم، حتى أكلوا وملئوا جرابهم من الطعام ولم ينفد، وهي معجزة تكررت كثيرا، عمى عنها زكريا بطرس .. مر عليها وكأنّه لا يراها ولابد أنّه رآها ولكن {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [ الحج : 46].
ـ والحديث ليس بذات الرقم الذي ذكره بطرس، وإنّما برقم آخر (2646) فربما ينقل عن كذابٍ آخر، وهي كذبة أخرى إذ أنّه يدعي البحث وأنّ ما يتكلم به اطلع عليه بنفسه.
المثال الرابع :
بعد ذكر هذا الجزء من الآية :103 من سورة النحل {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } . يقول مستدلا : هناك شخصيات كان يحوم حولها الشبهة أنّها كانت تعلم محمد وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم ويذكر من هؤلاء بلعام، وعياش مولى عتبة بن أبي ربيعه وسلمان الفارسي وعدّاس و ميسرة، يقول نصا ( دول كلهم كان يشار إليهم أنّهم كلهم كانوا يملون عليه الكلام ده ) [41] يعني القرآن.
ويكرر ذات الكلمات في مكان آخر قائلا جاء في كتب التفاسير . . القرطبي والطبري وابن كثير والنسفي والنيسابوري والبضاوي ـ ويعد على أصابعه ـ أنّ معارضي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشيرون إلى عبد رومي .اسمه بلعام أو يعيش ... وهذا اعتراف من علماء المسلمين بأنّ محمدا صلى الله عليه وسلم كانت له علاقات مع علماء النصارى يجتمع معهم ويسمع منهم.[42]
وهذا كذب هزيل قبيح.
ـ الآية بتمامها تقول : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [ النحل : 103].
فهي تحكي قول قريش .. إنّما يعلمه بشر، وترد عليه وتنفيه وتتعجب منه، إذ أنّ الذين سمّت قريش عجم لا يتكلمون العربية وهذا القرآن بلسان عربي مبين عجز الفصحاء والبلغاء من العرب أن يأتوا بمثله {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [ النحل : 103].
ـ والمفسرون يقولون: " وكانوا إذا سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما مضى وما هو آتٍ مع أنّه أمي لم يقرأ قالوا : إنّما يعلمه ( جبر ) وهو أعجميُّ ؛ فقال الله تعالى : {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} أي كيف يعلمه ( جبر ) وهو أعجمي هذا الكلام الذي لا يستطيع الإنس والجن أن يعارضوا منه سورة واحدة فما فوقها " القرطبي عند تفسير الآية.
وابن كثير يقول : " يقول تعالى مخبرا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء والبهت أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم إنّما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بَشر ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بين أظهرهم غلام لبعض بطون قريش وكان بياعا يبيع عند الصفا وربّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء وذاك كان أعجمي اللسان لا يعرف العربية أو أنّه كان يعرف الشيء اليسير بقدر ما يردّ جواب الخطاب فيما لا بد منه فلهذا قال الله تعالى ردا عليهم في افترائهم ذلك {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} ".
ويقول الطبري: " يقول تعالى ذكره : ولقد نعلم أنّ هؤلاء المشركين يقولون جهلا منهم : إنّما يُعلم محمدا صلى الله عليه وسلم هذا الذي يتلوهُ بشر من بني آدم، وما هو من عند الله. يقول الله تعالى ذكره مكذبهم في قيلهم ذلك : ألا تعلمون كذب ما تقولون ؟ إن لسان الذي تلحدون إليه، يقول تميلون إليه. بأنّه يُعلم محمدا، أعجمي. وذلك أنهم فيما ذُكر كانوا يزعمون أن الذي يُعلم محمدا هذا القرآن عبد رومي فذلك قول الله تعالى {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}.
المثال الخامس :
وانظر هذه، ولا أحسبك ستنصت له بعدها.
ـ يقول : النبي صلى الله عليه وسلم اتبع ملة آبائه والدليل على ذلك من القرآن في سورة يوسف الآية 38 {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} .[43]
والآية تتكلم على لسان يوسف ـ عليه السلام ـ وهذا هو السياق كاملا : {ودَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(36) قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ(37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ(38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ(41)وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ(42)} [ يوسف :36ـ42].
الآية تتكلم عن يوسف عليه السلام، وآبائه إبراهيم وإسحاق أنبياء، يستدل بها ليوهم القارئ بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم في بادئ أمره لم يأت بجديد وكان على ذات الوثنية التي كان عليها قومه.
المبحث الرابع : تعليق على مصادر زكريا بطرس، وهذا المبحث بمثابة تلخيص لبعض النقاط المهمة المتعلقة بمصادرة التي يستدل بها.
تلاحظ أخي القارئ أنّ النصارى لم يجدوا حيلة سوى التدليس والكذب، لم يستطيعوا أن يجدوا في الكتب الإسلامية ما يدعم رأيهم، فعمدوا إلى تأليف كتب كتبوها بأيديهم تتكلم عن الإسلام وأهله بما يحلو لهم ( دائرة المعارف ) و ( قس ونبي ) و ( شعراء النصرانية )، وأنّهم حاولوا تسريب المفاهيم التي تحملها هذه الكتب على لسان نفرٍ من أبناء الأمة ممن لا نعرف لهم علما ولا عدلا من أمثال ( خليل عبد الكريم ) و ( سيد القمني ) و ( أبكار السقاف ) و ( طه حسين ) ( وصلاح الدين محسن ). وهذا يعني أنّ أغلب المصادر التي يستدل بها زكريا بطرس هي صراحة مصادر نصرانية وليست مصادر إسلامية كما يدعي.
كثير من الكتب التي ينقل عنها زكريا بطرس تم مصادرتها قبل أن يعرف أحد زكريا بطرس، وليس كما يدعي هو أنّها صودرت حين تكلم منها، فهو يوهم القارئ بأنّ المسلمين صادروا الكتب حين لم يجدوا حيلة للرد على ما فيها. وهذا غير صحيح فالكتب مصادرة قبل أن يخرج زكريا بطرس، ومصادرة لأنّها لم تتكلم بعلم وعدل وإنّما بظلم من القول وزوا. وهذا يشير بوضوح إلى تطرف هذه الكتب، وبالتالي ليس من الإنصاف أبدا الاستدلال بها على المسلمين. لا يرضى بهذا باحث عن الحقيقة.
رأيت أخي القارئ كيف يكذب كذبا واضحا حين ينقل من المصادر الإسلامية الصحيحة، يكذب ببتر النص من سياقه العملي ثم تفسيره بما يحلو له، أو ببتر النص وإضافة بعض الجمل التوضيحية عليه وقد مرّ بنا هذا من قبل في أمثلة عدة . فهو آفاك آثيم، يقلب الحقائق وهو يعلمها. قاتله الله.
********************************************
[1] تعبر أهم مصدر يستند إليه في جميع ما يأتي به.
[2] أستاذ مشارك بجامعة الملك سعود، كلية التربية، قسم الثقافة الإسلامية 1422هـ، و حتى تاريخه. أي أنّ الدكتوراه خرجت قبل عشر سنوات من الآن، أي قبل أن يظهر بطرس للنّاس.
[3] وهذا رابط دار النشر على الإنتر نت http://www.brill.nl/، وهذا رابط الصفحة التي تتكلم عن دائرة المعارف http://www.brill.nl/default.aspx?partid=17&pid=7560.
[4] وهذا رابط لمعرفة المزيد عنهhttp://www.history.ucsb.edu/faculty/humphreys.htm
[5] قلتُ : وهو حال كل المنصرين في كل زمان يتيممون الطبقة التي تجهل دينها، ويتحدثون إليهم. يحدث هذا في معسكرات التنصير في أفريقيا وفي نشاط خلايا التنصير في البلاد الإسلامية، ويحدث على مستوى منظريهم تجد أنّهم لا يتحاوررون إلّا مع من قل علمه، اللّهم أن يحرجوا فيخرجوا قليلا ثم يتوارون.
[6] الحلقة الثالثة عشر والرابعة عشر من برنامج في الصميم كما هو الترتيب في الموقع الخاص بزكريا بطرس.
[7] في الصميم الحلقة الخامسة عشر د/10.
[8] الحلقة الحادية عشر في الصميم د /8 وأكد على المعنى في بداية الحلقة التي بعدها.
[9] سيرة ابن هشام ج1/.
[10] الروض الأُنُف الجزء الأول /323.
[11] في الصميم الحلقة العاشرة د/16.
[12] رواد النهضة الحديثة 226.
[13] رواد النهضة الحديثة 225.
[14] تاريخ الأدب العربي للدكتور عمر فروخ 1/23، ومن أراد المزيد يراجع موقع باب للدكتور عبد المحسن العسكر : http://www.bab.com .
[15] عرضة على الشاشة في الحلقة الثامنة عشر من برنامج في الصميم د/10، ويستدل به على أنّ الرسول تزوج على النصرانية على يد ورقة بن نوفل .يقول نقلا عن موسى الحريري، قس نصراني يبارك الزواج فعلى أي دين يكون الزوجان؟
[16] في الصميم الحلقة الرابعة والحلقة الخامسة، والحلقة التاسعة.
[17] استدل بهذا الكتاب كثيرا، وكان يعرضه على الشاشة من وقت لآخر.
[18] في الصميم الحلقة التاسعة الشعائر الدينية في الإسلام وأثرها في الجاهلية د/2.
[19] لإجابة أوسع انظر (بين خليل عبد الكريم وأبو موسى الحريري ) مهدي مصطفى.
[20] في الصميم الحلقة الرابعة عشر ( هاشم ) د17.
[21] انظر سقاف نت saggaf.net، ولها ترجمة في نادي الأدب الفكري.
[22] انظر موقع أدب وفن www.adabwafan.com.
[23] ودراسة التاريخ بمنظور ( العبقريات ) خطأ لأنّه لا خالد ولا أبو بكر ولا عمر بل ولا الحبيب ـ بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ـ هم الذين صنعوا التاريخ الإسلامي، وإنّما العقيدة هي التي تصوغ الشخصية فتغير تركيبتها تماما. ثم هؤلاء بعد أن تغيرهم العقيدة يغيرون بأمر ربّهم واقع النّاس، والقول بأنّ خالد وعمر وأبو بكر هم الذين كونوا الدولة ومكنوا للملة، يجعل النّاس يبحثون عن خالد جديد، وعمر جديد وأبو بكر من جديد. وهذا يصرفهم عن العودة للتوحيد. وأحسب أنّ هذا ما كان يرمي إليه من رمى بالألمان بين أظهرنا في مصر. ألا تبت يداه. ويدا من ولاه.
[24] في الصميم الحلقة الخامسة ( التي يتكلم فيها عن هاشم ) تم عرضه على الشاشة في الدقيقة التاسعة.
[25] في الصميم الحلقة الثامنة عشر تم عرضه على الشاشة د/8:35 ويستدل به على أنه قسا.
[26] راجع ـ إن شئت ـ دراسات في السِّيرة النَّبَويَّة: لمحمد سرور بن نايف زين العابدين ص( 228-238).
[27] بنديكت 49 وكذب كذبا صريحا وهو يتكلم عن صلاح الدين محسن فقد أورد بعض الأشياء على لسانه وهي على لسان احد قراء صلاح محسن.
[28] في الصميم الحلقة الخامسة ( التي يتكلم فيها عن هاشم ) تم عرضه على الشاشة في الدقيقة التاسعة.
[29] تم عرضه في الحلقة التاسعة د 6:21 وينقل عنه أنّه كان يمارس في الحج طقس عجيب وهو الاحتكاك بالحجر الأسود.
[30] في الصميم الحلقة التاسعة عشر د/4.
[31] في الصميم الحلقة التاسعة عشر د/5،11 يستدل به على تحريف القرآن وهو شيعي.
[32] في الصميم الحلقة التاسعة عشر د/8.
[33] في الصميم الحلقة التاسعة عشر د/13يستدل به على تحريف القرآن وهو إمام شيعي.
[34] سؤال جريئ الحلقة الثانية هل القرآن كلام الله ؟د /14 وفي الحلقة الأولى من سؤال جريئ د/39 وكرر ذلك في كل حلقة تقريبا من حلقات في الصميم.
[35] في الصميم الحلقة التاسعة د/16.
[36] كتاب الحج ح2148.
[37] في الصميم الحلقة الثالثة د/17.
[38] في الصميم الحلقة التاسعة الشعائر الوثنية في الجاهلية د/22.
[39] العجف هو الحرمان. وجمانة تعني راحة وري وشبع، والنطع بساط من الجلد، والجراب ما يوضع فيه الزاد والغميزة هي الضعف.
[40] سنن أبي داود كتاب المناسك .ح / 1613.
[41] الحلقة الحادية عشر في الصميم د /4.
[42] الحلقة الخامسة عشر د/9.
[43] في الصميم الحلقة العاشرة وهو يتكلم عن الحنيفي
[67] سفر الملوك الأول [ 17 : 20 ] ( ترجمة الفاندايك ).
[68][ 5: 22].
[69] [ 10: 1].
[70] [ 35: 17]. المصادر الهشة التي يعتمد عليها زكريا بطرس
المدعي زكريا بطرس ومقاييس النبوةيدعي الكذّاب اللئيم زكريا بطرس أننا نحن المسلمين لا نملك دليلا على نبوة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سوى خاتم النبوة الذي كان في كتف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويفسره بأنه وحمة كانت في كتفه ثم يتساءل هل الوحمة تعني أنه نبي ؟ (1)
وهو كذّاب لئيم ، فقد قامت كل الأدلة على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبي من عند الله . فعلى حد قوله هو لا غيره مقاييس معرفة صدق النبي في دعواه هي :
ـ أن يأتي بمعجزات ونبوءات (2) .
ـ أن يؤيده الله بروح القدس .كي يعطي كلمته بُعد روحي قوي يؤثر في القلوب .
ـ أن تكون بعثه الرسول لخلاص البشرية من الخطية ومن سلطان إبليس ومن النجاسة الموجودة في العالم ـ على حد تعبيره ـ ومن ثم النجاة من عذاب الله والفوز برضوانه(3) .
ـ ويقول ومن أمارة النبوة أن يبذل النبي نفسه (4) وأن لا يعيش لنفسه . ثم يعلق بأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يسعى لتكوين إمبراطورية هاشمية ودولة عربية وقد كان له(5)
هذه هي المقاييس التي وضعها زكريا بطرس لمعرفة هل هذا نبي أم لا ؟
وهي مقاييس صحيحة ، فتأييد النبي بمعجزات وإخباره عن غيبياتٍ أتت أو ستأتي دليل على أنه على علاقة برب الأرض والسموات ، علام الغيوب سبحانه ، ومعجزات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة بالكاد تحصى ، ونبوءات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة أيضا لا تكاد تحصى . القرآن أول معجزاته ، والجمادات نطقت بين يديه وشهدت له بالرسالة (6) ، وانشق له القمر(7) ، وعدد من المرضى برأ بدعائه أو بلمسة يده أو بتفلة من فمه(8) ، والطعام كُثِّر ببركته عدة مرات يوم الأحزاب ويوم تبوك ويوم عمرة القضاء (9) ، والشاة العجوز التي لا تلد حلبت حين مسّ ضرعها بيده الشريفة (10) ، والماء نبع من بين أصابعه 11 والجذع حنَّ لفراقه12 ... وغير هذا كثير في كتب السنة الصحيحة .
وأنبأ عديً بأن الله سيتم هذا الأمر حتى يصير الراكب لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه 13 ، وأن الله سيفتح الشام واليمن والعراق وأن نفرا من أصحابه سيخروجون إليها ويَدَعُونَ المدينة 14 ، وأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده 15 ، وأن عمارا تقتله الفرقة الباغية 16، وأن عمرَ وعثمان شهيدان 17 ، وأن أصحابه يقتلون أمية بن خلف 18 ونعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وهو بالحبشة ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة 19 ونعى جعفرا وزيدا وابن رواحة حين قتلوا في مؤتة ( بالأردن حاليا ) وهو بالمدينة ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان يصف المعركة 20 ، وأخبر من أنباء الماضي .. حكى عن مريم وعن موسى وعيسى وأهل مدين والمؤتفكات وقوم تبع وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط ، هذا وهو أمي لم يقرأ ولم يكتب ، ولم يخرج من بين شعاب مكة . وما حكاه عنهم لا يتوافق في قليل أو كثير مع حكايات كتب النصارى واليهود حتى يقال أنه أخذ منهم ومن شاء فليقرأ هذا وذاك .
ثانيا : وتأييد الرسول بروح القدس كي يعطي كلامه بعدا روحيا فهذا موجود جدا في القرآن الكريم والسنة النبوية . ومنصوص عليه في القرآن 21 { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }[ الشعراء : 193] { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[ الشورى : 52] { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }[ النحل : 102] فهذا هو الروح ، والشريعة التي جاء بها رسول الله محمد بن عبد الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ تحي الناس قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }[ الأنفال : 24] وقال تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }[ الأنعام : 122]
ـ أما كون الرسالة لخلاص البشرية فقد رددنا عليه من قبل ونحن نسرد أكاذيب هذا الآفاك الأثيم زكريا بطرس في هذا الملف المبارك ، وكذا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ملكا ، ولم يبن ملكا لبني هاشم أو لقريش .
والمقصود هنا هو بيان أن زكريا كذّاب في دعوى أننا لا نملك دليلا على نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سوى الخاتم الذي بين كتفيه 22 ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأردت هنا أن أشير إشارات ، والأمرُ ـ أعني دلائل نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبسوطٌ في مصنفات ، آخرها زمنا دلائل النبوة للشيخ الدكتور منقذ السقار ـ حفظه الله ـ لمن شاء أن يطلع عليه في مكتبة الموقع .
======================================
(1) في الصميم الحلقة الرابعة عشر د/15
(2) الحلقة 36 من برنامج أسئلة عن الإيمان د/13 وهي حلقة مخصصة عن مقاييس النبوة ، وفي سؤال جريئ الحلقة الثانية هل القرآن كلام الله ؟د /11 تكلم د. رأفت العماري بمثل هذا ، وفي الدقيقة 18من ذات الحلقة استدل على نبوة المسيح بأنه كثر الطعام ، وهذا الأمر حدث من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عدة مرات في عمرة القضاء وفي يوم الأحزاب ويوم تبوك .
(3) لحلقة 36 من برنامج أسئلة عن الإيمان د/ 7 وما بعدها .
(4) لحلقة 36 من برنامج أسئلة عن الإيمان د/13
(5) حلقة 36 من برنامج أسئلة عن الإيمان د/24
(6)البخاري ح/3579 ، ومسلم ح/4222
(7) البخاري ح/3636 ، ومسلم ح/ 5010
(8) البخاري ح /2942 ، ومسلم ح/4423
(9)البخاري ح/602،ومسلم ح/3833
(10) مسند أحمد ح / 3417
(11) البخاري ح/3579 ، ومسلم ح/4224
(12) البخاري ح / 918 ، ومسلم ح / 1407
(13) البخاري ح / 3595 ، ومسلم 1687
(14) البخاري ح/1875 ، ومسلم 2459
(15) البخاري ح/3120 ، ومسلم ح / 5196
(16) البخاري ح/447 ، ومسلم ح / 5192
(17)البخاري ح /3674 ، ومسلم 4416
(18) البخاري ح / 3950
(19) البخاري ح/ 1245 ومسلم ح / 1580
(20) البخاري /1246
(21) حين نستدل بالقرآن الكريم فنحن نحاكم زكريا بطرس لما ارتضاه إذ يقول في الحلقة 62 د/5 ما نصه البرهان نص من القرآن أو التوارة أو الإنجيل
(22) وفي مكان آخر يقول لا يملك المسلمون دليلا على أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوحي إليه إلا شهادة خديجة ، ومرة يقول شهادة بحيرى ، ومرة يقول شهادة ورقة ، ومرة أخرى يقول لا يملكون دليلا إلا بعض الأمور التي يصفها بالشعوذة ، وهذا التردد دليل على الكذب ونكران الحق . ثم على لسانه هو : بحيرى شهد ، وورقة شهد ، وخديجة شهدت ـ إن صحت الرواية ـ والمعجزات شهدت ولا يذهب بها وصفه لها بالشعوذة فنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان بعيدا تماما عن الشعوذة: كذبٌ وخسة زكريا بطرس"""وهذه بعض نماذج الكذب الرخيص الخسيس الذي تكلم به الكذاب اللئيم زكريا بطرس، عليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين.
الكذبة الأولى :
يقول : نساء النبي ستة وستون ( 66 ) امرأة غير سيدات المتعة [1].
ولا أدري من أين أتى بهذه. لم أسمعها من أحد قبله.
الكذبة الثانية :
يقول : الحج كان يقام في موسم جني البلح [2].
وهذا كذب يعرفه الجاهل والعالم، فالحج مرتبط بشهر ذي الحجة، وهو شهر عربي يتنقل بين الشتاء والصيف كما هو الحال مع رمضان مثلا. وجني البلح ثابت في الصيف.
الكذبة الثالثة :
يقول أنّ الحجر الأسود عبارة عن حجر اسطواني طويل يستخدم في الاحتكاك ؟ [3]
كذبٌ وخسةٌ . . كذب من أردأ أنواع الكذب، وخسَّة فوقها الجعلان، يقول هذا ليقول لمن يستمعه أنّ النساء يستعملن الحجر الأسود في حك فروجهن به.
والحجر الأسود يراه كل عام فوق تسعة ملايين فرد ـ حجاج ومعتمرين ـ، ويصور بكمرات التلفاز، وهو بعيد تماما عن هذا الوصف، ومع ذلك يكذب بطرس ولا يتحرج من الكذب في هذا الأمر. ألا لعنة الله على الكاذبين، والأعجب من هذا أنّ هناك من يصدقه. ألا هدى الله الغافلين.
الكذبة الرابعة :
يقول هذا المفتري أنّ الكائن الذي رآه في غار حراء كان يخنقه، ويستدل بهذا على أنّه كان شيطان ولو كان ملك ما كان شريرا يخنق، ويقول بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يفكر أبدا أنّه ملك بل كان يجزم أنّه جني وكان يقول لخديجة رأيت تابعا أو مسني جن [4].
.
والملك لم يخنق النبي صلى الله عليه وسلم حين ظهر له بل غطّه ـ ضمّه أو احتضنه ـ ضما شديدا حتى بلغ منه الجهد .. فِعل المحب مع حبيبه، واسمع القصة كما ترويها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول : « ... فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي. فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍفَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3)} فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ: وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي. فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ: وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ. قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ .... »
لا فيها خنق ولا جنٌّ ولا غيره، كما يقول الكذاب، وإنّما تصف النبي بمكارم الأخلاق " إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " هذا وهو بعد لم يوحى إليه.
وفيها ورقة يبشر النبي صلى الله عليه وسلم بأنّه نبي الأمة، وأنّ هذا مثل الذي نزل على موسى. وصدق ورقه فقد جاء الوحي لموسى ـ عليه السلام ـ فخاف منه وارتعد وولى مدبرا ولم يعقب.
الكذبة الخامسة :
يقول على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أنّ العرب لا تعرف الشهر أوله من آخره لأنّهم بادية وأنّ بحيرة هو الذي علمه أن يبدأ الشهر بالهلال [5].
وهو يكذب فما قال النبي صلى الله عليه وسلم شيء من هذا؛ والأشهر تعرفها العرب قبل أن يولد بحيرة نفسه، فليس بحيرة هو الذي علمها للنبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم علمها النبي صلى الله عليه وسلم للعرب، وهذه من أمارة كذبه في أنّ النبي صلى الله عليه وسلم التقى بحيرة وتعلم منه.
ويقول أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس لبحيرة الراهب وقال له : كيف يقبلني قومي ملكا عليهم، فقال له بحيرة : ادعي النبوة فإنّه لن يكذبك أو يخالفك أحد !!
وهو كذاب فما جلس النبي صلى الله عليه وسلم لبحيرة الراهب أبدا، ولم يقل به أحد. والكذب ليس له أقدام يمشي عليها فكلامه يكذب نفسه، فقد كذبّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قومُه، وآذوه وطردوه من بلده ثم حاربوه وحاولوا قتله عدة مرات، وكذا كل نبي أرسله الله إلى قومه كذبوه وآذوه وربّما حاولوا قتله إبراهيم وموسى وعيسى وأيوب ونوح، وليس كما يفتري الكذاب اللئيم زكريا بطرس على لسان بحيرة.
وإن كانت هذه تعليمات بحيرة فلم ينطق بها النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا دليل على أنّ بحيرة لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم شيئا.
وذكر أنّ التسليم في الصلاة عند المسلمين ثلاثة مرات يمين ويسار ووسط، وأنّ هذه تعليمات بحيرة له ليشبه الثالثوث [6].
قلت : يصلي مليار ونصف مسلم كل يوم خمس مرات تقريبا ولا يسلم أحد منهم ثلاث مرات، بل مرتين يمين ويسار. وهذا من كذبه.
وإن كانت هذه تعليمات بحيرة فلم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا دليل على أنّ بحيرة لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم شيئا.
الكذبة السادسة :
يقول : اللات مشتق من اسم الله، الله مذكر واللات المدام بتاعته، وأنّه مكان مسجد الطائف، وحدث ذلك تخليدا لذكر الأصنام في قلوب المؤلفة قلوبهم . . . كان يتألف النّاس [7].
وهذه من الكذبات المضحكات، فمّمّا يعرفه كل المسلمون أنّ الله {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)} [الإخلاص:3-4]، و {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [ الأنعام :101] {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً} [ الجن : 3 ] فليس لله عندنا ( مدام ) كما يدعي هذا الكذاب اللئيم، ومن يقل بهذا فهو على غير ملتنا.
واللات : كان رجلا يلت سويق الحاج [8] على صخرة في الطائف، وحين مات ادعى عمرو بن لحي ـ في الجاهلية ـ أنّه لم يمت وأنّه دخل في الصخرة وأمر النّاس بتعظيم هذه الصخرة وعبادتها فاقاموا عليها بيتا يوضع عليه الستار ويهدى له الهدي كما الكعبة [9]، ولما فتح الله مكة على رسوله، وانهزمت هوازن وثقيف أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدا فيهم المغيرة بن شعبة الثقفي ـ رضي الله عنه ـ فهدمها [10]. لا أنّه كرمها. هذا كذب بين.
ونعم أقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم مسجدا في موضع اللات بعد أن هدمها .. أقام مسجدا في الموقع الذي كانت فيه بعد أن هدمها وأزال آثارها، لا أنّه أقام عليها مسجدا تخليدا لذكراها وتأليفا لقلوب من كان يحبها كما يقول هذا المفتري.
وهذه كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم ( أن يقيم شعائر التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك ) [11] وقد فعل ذلك مع ( خيف بني كنانة ) حيث جلست قريش وتحالفت على حصار النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، كان ينزل في هذا الخيف ( ليتذكر ما كانوا فيه فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم ) [12].
ولم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتألف أحدا من المشركين بشيء من الشرك أبدا، وفد ثقيف، هؤلاء الذين يعبدون اللات جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم يترجونه كي يترك لهم اللات هذه ثلاث سنوات أو سنتين أو سنة أو شهر فأبى أن يتركها لهم ساعة واحدة وأرسل في عقبهم من هدمها [13] فلم يقل أحد أبدا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم يتألف المشركين غير هذا الكذاب اللئيم ومن ينقل عنهم.
وانظر هذه، ولا أحسبك ستنصت له بعدها.
الكذبة السابعة :
يقول : النبي صلى الله عليه وسلم اتبع ملة آبائه والدليل على ذلك من القرآن في سورة يوسف الآية 38 {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}. [14]
والآية تتكلم على لسان يوسف ـ عليه السلام ـ وهذا هو السياق كاملا : {ودَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(36) قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ(37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ(38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ(41)وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ(42)} [ يوسف :36ـ42].
الآية تتكلم عن يوسف عليه السلام، وآبائه إبراهيم وإسحاق أنبياء، يستدل بها ليوهم القارئ بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم في بادئ أمره لم يأت بجديد وكان على ذات الوثنية التي كان عليها قومه.نماذج من كذب زكريا بطرس والرد عليها::وهذه بعض النماذج من كذب زكريا بطرس وفيها رد على بعض شبهاته .
الكذبة الأولى :
يقول نصا : وفي كتاب دلائل النبوة للأصبهاني : يا رسول الله إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم وأنسابهم فجعلوا مثلك مثل نخلة في ربوة ( أي مش في مزرعة بتاع ناس معروفين يعني واحد حطها كده ومشي محدش عارف مين اللي حطها .. كلام صعب ). فغضب رسول الله.
وفي المرجع نفسه [1] بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم قول العباس : يا رسول الله إنّ قريشا إذا التقوا لاقى بعضهم بعضا بالبشاشة، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها. فغضب رسول الله غضبا شديدا. انتهى كلامه قبحه الله .
هذا نص كلامه والسياق العام الذي يتكلم فيه هو نفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبيه. وهو يكذب على مستمعيه بحذف جزء من الحديث وبإدخال بعض الجمل التوضيحية ضمن السياق يُغَيِّر بها المعنى؛ والنص كاملا هو [2] : " عن العباس بن عبد المطلب قال : قلت : يا رسول الله إنّ قريشا إذا التقوا لقي بعضهم بعضا بالبشاشة وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك غضبا شديدا ثم قال : والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله. فقلت : يا رسول الله إنّ قريشا جلسوا، فتذاكروا أحسابهم، فجعلوا مثلك كمثل نخلة في ربوة من الأرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم ثم لما فرقهم قبائل جعلني في خيرهم قبيلة، ثم حين جعل البيوت جعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا» ".
ـ ولاحظ أنّ الحديث في كتاب ( دلائل النبوة )، وعند ابن كثير في باب ( ذكر النسب الشريف وطيب الأصل المنيف ) وفي الحديث تأكيد على شرف النبي صلى الله عليه وسلم في نسبه، وهو يستدل به على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ابن أبيه وأنّه لم يكن شريفا في نسبه. ألا قبحه الله.
والعباس يشتكي من حالة التنكر التي تبديها قريش لبني هاشم أبناء عمومة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنّهم يقابلون العباس وبني هاشم عموما بوجوه لم يعرفوها من قبل، قلت : ولو أنّ بطرس يعقل ما تكلم بهذا التدليس والكذب، فهو دائما يتكلم بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليقيم ملكا قرشيا عربيا، وهذا الحديث في أمارة على أنّ قريش كانت تخالفه وتتنكر له هو ومن معه .. هو وقرابته.
الكذبة الثانية :
في سياق تدليله على أنّ صيام رمضان كان موجودا قبل الإسلام وأنّ الإسلامُ فقط أخذه من النصارى والحنفاء يدلل على ذلك قائلا : في تفسير الطبري للآية 183 من سورة البقرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ..} عن الشعبي أنّ النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض عليهم ولم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى [3] .أ . هـ .
والنص كامل هو من نفس المكان الذي ينقل عنه عن الشعبي قال : " لَوْ صُمْتُ السَّنَة كُلّهَا لَأَفْطَرْتُ الْيَوْم الَّذِي يُشَكّ فِيهِ فَيُقَال مِنْ شَعْبَان وَيُقَال مِنْ رَمَضَان، وَذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى فُرِضَ عَلَيْهِمْ شَهْر رَمَضَان كَمَا فُرِضَ عَلَيْنَا فَحَوَّلُوهُ إلَى الْفَصْل، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا رُبَّمَا صَامُوهُ فِي الْقَيْظ يَعُدُّونَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ جَاءَ بَعْدهمْ قَرْن فَأَخَذُوا بِالثِّقَةِ مِنْ أَنْفُسهمْ فَصَامُوا قَبْل الثَّلَاثِينَ يَوْمًا وَبَعْدهَا يَوْمًا، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ الْآخَر يَسْتَنّ سُنَّة الْقَرْن الَّذِي قَبْله حَتَّى صَارَتْ إلَى خَمْسِينَ، فَذَلِكَ قَوْله :{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } ".
وذكر الطبري بعد هذا رواية أخرى تبين المراد من قول الله تعالى {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ} يقول : " أَمَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا فَالنَّصَارَى، كُتِبَ عَلَيْهِمْ رَمَضَان، وَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلُوا وَلَا يَشْرَبُوا بَعْد النَّوْم، وَلَا يَنْكِحُوا النِّسَاء شَهْر رَمَضَان. فَاشْتَدَّ عَلَى النَّصَارَى صِيَام رَمَضَان، وَجَعَلَ يُقَلِّب عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاء وَالصَّيْف؛ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَجَعَلُوا صِيَامًا فِي الْفَصْل بَيْن الشِّتَاء وَالصَّيْف، وَقَالُوا : نَزِيد عِشْرِينَ يَوْمًا نُكَفِّر بِهَا مَا صَنَعْنَا. فَجَعَلُوا صِيَامهمْ خَمْسِينَ، فَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ يَصْنَعُونَ كَمَا تَصْنَع النَّصَارَى، حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْر أَبِي قَيْس بْن صِرْمَة وَعُمَر بْن الْخَطَّاب مَا كَانَ فَأَحَلَّ اللَّه لَهُمْ الْأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع إلَى طُلُوع الْفَجْر ".أ . هـ.
هل في كلام بطرس شيء مما ذكره الطبري ؟!
يكذب ليفتري على الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه أخذ شعيرة الصيام من النصارى ـ وهو لا يعترف أنّهم المسحيون اليوم ـ وأنّها لم تفرض بوحي من الله وإنّما بتقليدٍ للأمم الأخرى نصارى وصابئة ومانوية ..الخ ثم يقول أستدل بكتب المسلمين . ألا لعنة الله على الكاذبين .
الكذبة الثالثة :
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتزوج غير خديجة لأنّه تزوج على النصرانية [4].
كتب السير جميعها تقول أنّ الذي زوج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة هم أعمامه الحمزة أو أبو طالب وأنّهم خطبوها من أبيها خويلد أو عمّها عمرو بن أسد وقيل أخوها عمرو بن خويلد بن أسد، وأنّ أبا طالب قام وخطب خطبة النكاح وأبو طالب وثني مات على شركه، وكل من حضر الزواج كانوا على الشرك ( الوثنية ) يدعونها ملة أبيهم إبراهيم وليس ثم ذكر قط لورقة ابن نوفل إلّا في رواية حُكم عليها بأنّها لا تصح قال فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو الفحل لا يقدع أنفه فأنكحها منه " يمدح النبي ويكلم ولي أمر خديجة ( أبوها أو عمها أو أخاها ) وإن صحت هذه الرواية ـ وهي لا تصح ـ فهي تدل على أنّه كان شخصا عاديا حضر الزواج [5]، فلا أدري من أين جاء زكريا بطرس بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم تزوج على النصرانية !!
إنّه كلام القس النصراني اليبناني الماروني جوزيف قذى المشهور بأبي موسى الحريري في كتابه ( قس ونبي ) تكلم بهذا الكلام من رأسه هكذا أوهام جعلها حقائق ونقل عنه الآفاك الأثيم خليل عبد الكريم ونقل عن خليل عبد الكريم زكريا بطرس. وهذا الكلام محض كذب. لم تتكلم به السيرة النبوية، ولا أحد من علماء المسلمين.
الكذبة الرابعة :
يتعجب كيف يصلي الله على نبيه. يقول سألنا كثيرا عن الصلاة على النبي ولم نجد من يجيب. ويتابع قائلا : في سدرة المنتهى قال جبريل لله انتظر هنا الله يصلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يقول الله ؟ قال يقول سبوح . . سبوح وينحني بجبهته قليلا وكأنّ الله يسجد أو يركع [6].
قلنا : لم تسمع لأنّك لا تريد أن تسمع، ولو قرأت ما كتب المفسرون في الآيات التي فيها ذكر صلاة الله على نبيه لعلمت ما هي صلاة الله على نبيه، وكيف لم يقرأ وهو يذكر أنّه يرجع إلى كتب التفسير في كل شيء ؟!
وبيانا لمن يقرأ أقول :
ورد صلاة الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى عباده المؤمنين في سورة الأحزاب في قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب: 56]، وفي قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب : 43] ، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ وملائكته يصلون على النبي، والله سبحانه وتعالى وملائكته يصلون على عباد الله المؤمنين.
ومعنى صلاة الله على عباده المؤمنين رحمتهم، ومعنى صلاة الملائكة على عباد الله الدعاء لهم، وهذا واضح من تمام الآية التي أتت كتعليل لصلاة الله عليهم {لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} يقول الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ : " أي: من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم، أن جعل من صلاته عليهم، وثنائه، وصلاة ملائكته ودعائهم، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل، إلى نور الإيمان، والتوفيق، والعلم، والعمل. فهذه أعظم نعمة، أنعم بها على العباد الطائعين، تستدعي منهم شكرها، والإكثار من ذكر اللّه، الذي لطف بهم ورحمهم. وجعل حملة عرشه، أفضل الملائكة، ومن حوله، يسبحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا " أ .هـ.
ويقول ابن كثير : " والصلاة من الله تعالى ثناؤه على العبد عند الملائكة حكاه البخاري [7] وقال غيره الصلاة من الله عز وجل الرحمة ... وأمّا الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للنّاس والاستغفار كقوله تبارك وتعالى : {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْش وَمَنْ حَوْله يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا وَسِعْت كُلّ شَيْء رَحْمَة وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَك وَقِهمْ عَذَاب الْجَحِيم (7) رَبّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّات عَدْن الَّتِي وَعَدْتهمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجهمْ وَذُرِّيَّاتهمْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم (8) وَقِهمْ السَّيِّئَات..} [غافر:7-8-9] ".
قلتُ : ونحن نصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وصلاتنا عليه دعاء، نصلي نرجو من الله الثواب لنا كما وعدنا.
وقلتُ : الشريعة الإسلامية لها خصوصية في استعمال الألفاظ اللغوية، فهي وإن كانت تستعمل اللفظ اللغوي إلّا أنّها لا تستعمله بذات المعنى الموضوع له في اللغة على الدوام بل تخصصه غالبا، وتستعمله كما هو أحيانا، وأحيانا تضيف عليه أو تنقص منه. ولفظ الصلاة عند إطلاقه ينصرف للصلاة المخصوصة التي هي أقوال وأفعال مخصوصة في أوقات مخصوصة بهيئة مخصوصة. وعند التقيد يحدد السياقُ المعنى فصلاتنا لله غير صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم غير صلاة الله علينا غير صلاة الملائكة علينا.
والمقصود أنّ زكريا بطرس يتعمد الكذب ليلبس على النّاس ويكذب عليهم فمعنى صلاة الله موجود في كتب التفسير .. كل كتب التفسير، وكتب الحديث الصحية .. كل كتب الحديث الصحيحة ثم هو يدعي أنّه سأل وبحث ولم يجد من يجيب . ألا لعنة الله على الكاذبين.
الكذبة الخامسة :
أبو بكر جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقابله وهو عريان، ثم جاء عمر فقابله وهو عريان، ثم جاء عثمان فتغطى، فقالت له عائشة لم تفعل هذا فيقول : كيف لا أخشى من رجل تخشى منه الملائكة [8].
هذا نص كلامه يضع في الصورة أبو بكر وعمر وعائشة ـ رضوان الله عليهم ـ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقابلهم عريانا ثم يتغطى من عثمان. وهذه لم ينطق بها أحد قبل هذا الكذاب اللئيم.
والحديث عند مسلم كتاب فضائل الصحابة حديث (4414 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ».
لاحظ ليس هناك تعري كما يدعي هذا الكذاب اللئيم، والراوي يشك في المكشوف عنه ساق أم فخذ، ورواية أخرى عند أحمد تقول أنّه صلى الله عليه وسلم كان مضطجعا في فراشه ولم تذكر كشف ساق ولا فخذ، وعائشة تقول " ثم دخل عثمان فسويت ثيابك " فهو بثيابه، وهي حالة من التدلل في حضرة من يَدُل عليه من فضلاء أصحابه . كما يقول النووي رحمه الله في شرح الحديث.
الكذبة السادسة :
يقول هذا المفتري أنّ الكائن الذي رآه في غار حراء كان يخنقه، ويستدل بهذا على أنّه كان شيطان ولو كان ملك ما كان شريرا يخنق، ويقول بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يفكر أبدا أنّه ملك بل كان يجزم أنّه جني وكان يقول لخديجة رأيت تابعا أو مسني جن [9].
والملك لم يخنق النبي صلى الله عليه وسلم حين ظهر له بل غطّه ـ ضمّه أو احتضنه ـ ضما شديدا حتى بلغ منه الجهد .. فِعل المحب مع حبيبه، واسمع القصة كما ترويها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول : « ... فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي. فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍفَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3)} فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ: وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي. فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ: وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ. قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ .... »
لا فيها خنق ولا جنٌّ ولا غيره، كما يقول الكذاب، وإنّما تصف النبي بمكارم الأخلاق "إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " هذا وهو بعد لم يوحى إليه.
وفيها ورقة يبشر النبي صلى الله عليه وسلم بأنّه نبي الأمة، وأن هذا مثل الذي نزل على موسى. وصدق ورقه فقد جاء الوحي لموسى ـ عليه السلام ـ فخاف منه وارتعد وولى مدبرا ولم يعقب.
الكذبة السابعة :
يسأله المذيع : هل رأى احد من النساء ( الصحابيات الخاتم ؟
أم خالد بنت خالد بن سعيد تقول أتيت رسول الله مع أبي وعلي قميص اصفر سِنَّا سِنَّا ( وقالوا في التفسير أنّها كلمة حبشية معناه حلوة حلوة) قالت : فذهبت العب بخاتم النبوة فزبرني أبي ـ زبرني منعي ـ قال رسول الله دعها ويقول معلقا هو دي سنا سنا . [رواه البخاري] [10].
والكذب في صيغة السؤال وفي طريقة الإجابة ؛ فالسؤال عن النساء التي رأين الخاتم ؟
والمستمع يفهم من هذا أنّ أم خالد هذه امرأة رأت الخاتم، ويساعد في ذلك اسمها ( أم خالد ) وكأنّها تزوجت وأنجبت خالدا، وهي طفلة صغيرة تحمل على اليد، وهذا اسم لها وليس كنية تكنت بها ومثل هذا كثير في ريف مصر، وقد جاء في ترجمتها في سير أعلام النبلاء حديثا تتكلم فيه عن نفسها تقول : «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال : من ترون أكسوا هذه ؟ فسكتوا . فقال : ائتوني بأم خالد . فأتي بي أحمل، فألبسنيها بيده، وقال : أبلي وأخلقي . يقولها مرتين، وجعل ينظر إلى علم الخميصة أصفر وأحمر، فقال : هذا سنا يا أم خالد، هذا سنا»[/color]. ويشير بإصبعه إلى العلم وسنا بالحبشية : حسن. لا حظ أنّهم جاءوا بها محمولة على الأيدي، كان طفلة.
ثم وهو يروي الحديث يقول أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حين رآها ترتدي الأصفر قال لها ( سِنِّة سنّة يا أم خالد ) ما يفهم منه الإعجاب والانبهار بها ، وهذا كذب؛ الكلمة " سَنَه سَنَه يا أم خالد " أي حسنا يا أم خالد، يداعب الطفلة وقد دخلت عليه في يد أبوها ثم جلس الأب يتحدث مع أبيها وراحت الطفلة تلعب على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأطفال في كل مكان وأي زمان.
ويؤكد التدليس تكرار المذيع السؤال : هل رأت امرأة أخرى ـ لا حظ يقول امرأة أخرى ـ : فيجيب الكذاب اللئيم لا . ولا نسائه . إلّا هذه المرأة يعني أم خالد.
والحقيقة أنّه ليس في السنة النبوية الصحيحة وغير الصحية أنّ امرأة وصفت خاتم النبوة اللّهم هذه الطفلة الصغيرة ( أم خالد ) التي يقول عنها أنّها امرأة ليلبس على النّاس ويكذب عليهم. ولا يلزم من عدم وصف إحدى نسائه خاتم النبوة أنّها لم تراه . ولا يلزم من عدم وصف نسائه خاتم النبوة عدم وجوده فقد رآه نفر كثير من أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ ولا يلزم من رؤية الخاتم التكشف والتعري فهو في أعلى الكاتف مما يلي الظهر.
الكذبة الثامنة :
يقول أنّ الهدف اقتصادي سياسي .. إقامة مملكة وأنّه اتخذ الأتباع عن طريق إغرائهم بالمال والسلطان، فقد كان يبشرهم بكنوز كسرى وقيصر [11].
قبل بيان الكذب والتدليس في هذا الأمر أحب أن أشير إلى شيء، وهو أنّ من الـمُسَلَّمِ به عند النصارى والمسلمين أنّ أمارة النبوة هي الإنباء بالغيب [12]، وقد أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بفتح فارس والروم، وانتشار الأمن بعد الخوف في الجزيرة العربية في ذات الحديث الذي يستدل به زكريا بطرس، والحديث بتمامه كما عند البخاري عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ : «يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ. قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ. قُلْتُ: فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى قُلْتُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَلَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ. قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ. قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَكُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ»[13].
فالحديث فيه إنباء بغيب .. بشارات كما يسمونها .. والسؤال : من أنبأ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بهذا ؟
أنبأه العليم الخبير الذي أرسله بشيرا ونذيرا للعالمين.
والقصة التي جاء فيها الحديث تنفي ما يذهب إليه بطرس من القول بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان ملكا أو يطلب ملكا على العرب والعجم، واسمع يقول عدي وهو يروي قصة إسلامه : " فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال: يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ. قُلْتُ: «من الرجل ؟» فقلت : عدي بن حاتم؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بي إلى بيته فوالله إنّه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها؛ قال قلت في نفسي : والله ما هذا بملك قال ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بي بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا، فقذفها إلي فقال: « اجلس على هذه» قال قلت : بل أنت فاجلس عليها، فقال: «بل أنت» فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض. قال قلت في نفسي : والله ما هذا بأمر ملك ثم قال: «إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيا ؟» قال قلت : بلى، قال: «أولم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟» قال قلت : بلى، قال فإنّ ذلك لم يكن يحل لك في دينك؛ قال قلت : أجل والله وقال وعرفت أنّه نبي مرسل يعلم ما يجهل ... " [14].
وعدي سيد قومه وكان من أشد النّاس كرها للنبي صلى الله عليه وسلم كزكريا بطرس اليوم، وهذه قصة إسلامه تنطق صراحة بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ملكا، إذ كان يمشي منفردا ويقف للعجوز يكلمها في حاجتها، ويجلس على الأرض، ويسكن في حجرة ليس فيها شيء من الأثاث سوى وسادة صغيرة تُقذف باليد، وعدي وهو شاهد يرى ونصارني وكبير من كبراء العرب يقول : ليس هذا بأمر مَلك. وفي القصة أمارات كثير على النبوة كما قدمت.
ثم يأتي زكريا بطرس يستدل بها على أنّه صلى الله عليه وسلم كان ملكا، يطلب ملكا على النّاس، ألا لعنة الله على الكاذبين.
أخي القارئ !
لم يقدم الإسلام الدنيا كمحفز للدخول في الدين أبدا لم يحدث هذا على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولا هو في تركيبة الشريعة الإسلامية، ودعني أبسط الحديث هنا قليلا حتى يتضح لك الأمر.
بايع النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأنصار في بيعة العقبة الثانية على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يقولوا في الله لا يخافون لومة لائم، وأن ينصروا النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم عليهم وأن يمنعوه مما يمنعون منه نسائهم وأولادهم.
حين سألوه عن المقابل قائلين "وما لنا يا رسول الله إن فعلنا ؟" بم أجابهم ؟
«ولكم الجنة»
قد كان صلى الله عليه وسلم موقنا أنّ الله سيتم هذا الأمر حتى لا يخاف الراكب إلّا الله والذئب على غنمه، وأنّ الفُرس لن تأخذ إلّا نطحة أو نطحتان وبعدها يرث المسلمون ديارهم وأموالهم، وأنّ عقر دار الإسلام بلاد الشام، ومع ذلك لم يشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنعقد البيعة على أمر دنيوي، بل أراد للنفوس أن تنصرف إلى ما عند الله.
وفي مكة حيث الضعف والانكسار وقلة العدد وانعدام العتاد، وقد تجمعت العرب على كلمة الكفر، وصمُّوا عن الحق آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا على الضلال وإضلال النّاس إصرارا، وأنفقوا الأموال كي لا تكون كلمة الله هي العليا، كانت الدعوة لا تتكلم عن شيء أكثر مما تتكلم عن اليوم الأخر ابتداء من القبر وما فيه ويوم الحساب وما فيه والجنّة والنّار، حتى أصبحت سمة بارزة للقرآن المكي.
أصرت الدعوة على أن تبدأ من اليوم الآخر ترغيبا وترهيبا. تحاول أن تجعل القلوب معلقة بما عند ربّها ترجوا رحمته وتخشى عقابه. ويكون كل سعيها دفعا للعقاب وطلبا للثواب فتكون الدنيا بجملتها مطية للآخرة، ولم تتكلم الدنيا بأن أسلموا لتأخذوا كنوز كسرى وقيصر وإنما {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ:46].
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو أيضا تربى على هذا المعني، فقد كان يتنزل عليه {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس :46]، {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد : 40].
وهكذا استقامت النفوس تبذل قصارى جهدها في أمر الدنيا ترجوا به ما عند الله فكان حالهم كما وصف ربهم {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح:29] فهذا وصف للظاهر {رُكَّعاً سُجَّداً} ووصف للباطن {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}، والسياق يوحي بأنّ هذه هي هيئتهم الملازمة لهم التي يراهم الرائي عليها حيثما يراهم. كما يقول صاحب الظلال - رحمه الله-: " من يتدبر آيات الأحكام في كتاب الله يجد أن هناك إصرار من النص القرآني على وضع صورة الآخرة عند كل أمر ونهي ضمن السياق بواحدة من دلالات اللفظ، المباشرة منها أو غير المباشر ( دلالة الإشارة أو التضمن أو الاقتضاء أو مفهوم المخالفة .. الخ )، فمثلا يقول الله تعالى {َيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ(1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ(4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) ... } [المطففين:1-6].
فتدبر كيف يأتي الأمر بعدم تطفيف الكيل حين الشراء وبخسه حين البيع ؟
ولا أريد أن أعكر صفو النص بكلماتي.
ومثله {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15]، فهنا أمر بالسعي على الرزق، وتذكير بأنّ هناك نشور ووقوف بين يدي الله عز وجل فيسأل المرء عن كسبه من أين وإلى أين ؟
بل واقرأ عن الآيات التي تتحدث عن الطلاق في سورة البقرة تجد أنّها تختم باسم أو اسمين من أسماء الله عز وجل{... فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ،[البقرة:227] {... وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة:231]، {... وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة:234]، {... وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:233]، {.... إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:110].
وهذا لا شك استحضار للثواب والعقاب.
هذا أسلوب القرآن العظيم في عرض قضايا الشريعة على أتباعه، ليس فيه محفز سوى طلب ما أعد الله للمتقين من ثواب ودفع ما توعد به المجرمين من عقاب، وهو ما تربى عليه الصحابة رضوان الله عليهم بل ونبينا صلى الله عليه وسلم.
فأبدا .. أبدا لم تعتمد الدعوة على الدنيا كمقابل لاعتناق الإسلام، وأبدا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَلِكا أو يطلب مُلْكا بل كان عبدا لله يسكن غرفاتٍ من طينٍ سقفها من الجريد يطاله الرجل بيديه، ويفترش الأرض، وتمر عليه الأيام لا يجد ما يطعمه، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
الكذبة التاسعة :
يقول : في مكة رفع الرسول صلى الله عليه وسلم شعار التسامح وكان يتلو عليهم {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] [15] أ. هـ.
ويؤكد هذا المعنى في مكان آخر فيقول ـ قبحه الله بكذبه وتدليسه على النّاس ـ : " الدعوة في البداية لم تجد من يعارضها لحرية الاعتقاد والمصالح التجارية وكونه دعى للحنيفية التي كانت منتشرة " [16]أ.هـ.
وهذا الكلام يردده كثيرا، يحاول أن يقول للمستمع أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ بمبدأ المسالمة والمداهنة في بداية الأمر ثم لما صارت له قوة حمل السيف وبدأ الجهاد.
قلتُ : أولا الآية التي يستدل بها {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] ليست مكية كما يدعي وإنّما مدنية وهذا يكفي فقط لإبطال كلامه. وزد على ذلك أنّه متردد في ذات الأمر، وهذا شأن الكذابين، ففي موضع آخر يقرر أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يناديهم في مكة بالكافرين، وكان يهاجم أربابهم وشفعائهم، وأنّها ( ولّعِت نار في مكة ) على حد تعبير المذيع الذي يحاوره وموافقته على ذلك [17]. فمجمل كلامه يرد بعضه بعضا. وهذا شأن الكذابين.
وأريد في إطار بين كذب هذا الكذّاب اللئيم في هذه النقطة أن أبين أمرين :
الأول : بخصوص معارضة الدعوة.
الثاني : بخصوص الحنفية والحنفاء.
الأول : يردد كثيرا زكريا بطرس أنّ الدعوة كانت قرشية تريد ملكا على العرب، أو هاشمية تطلب ملكا على قريش وعلى العرب، وهذا الكلام لا أصل له، بل كل أحداث السيرة النبوية ـ على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ـ تكذب هذا الأمر. فمن يطالع السيرة النبوية وآيات القرآن المكية يعلم أنّ الدعوة وجدت معارضة شديدة من قريش ذاتها، بل ومن بني هاشم رهط النبي صلى الله عليه وسلم.
جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : «لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ. قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ» [18] وأبو لهب هذا .. أول معارض للدعوة .. ابن عبد المطلب بن هاشم .. عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم أخٌ لأبيه.
وجمع النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم، أعمامه وأبناء عمومته، ودعاهم إلى الله فسخروا واستخفوا وأعرضوا عنه والروايات في هذا كثيرة [19]. يقول أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «أَزْهَد النَّاس فِي الدُّنْيَا الْأَنْبِيَاء وَأَشَدّهمْ عَلَيْهِمْ الْأَقْرَبُونَ» وَذَلِكَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْرَبِينَ} - إِلَى قَوْله - {فَقُلْ إِنِّي بَرِيء مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء:214-216]، وقريش كلها كانت كبني هاشم ينهون النّاس عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وينئون ـ يبعدون ـ عنه هم بأنفسهم، وكانوا يعذبون من يتبع النبي صلى الله عليه وسلم [21]. ورموا النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر والجنون وحاصروه هو ومن اتبعه ومن ناصره وإن لم يتبعه من أقاربه في شعب من الشعاب ثلاث سنوات حتى كاد أن يموت هو أصحابه جوعا وعطشا، واستخدموا أساليب الإغراء فعرضوا عليه المال والمُلك مقابل أن يكف عن الدعوة ويدعهم على شركهم، ولم يقبل النبي[22] صلى الله عليه وسلم بل كان يناديهم بالكافرين {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون(1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (3) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (4) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [ الكافرون :1-6].
ولم يخلف النبي صلى الله عليه وسلم أحدا من بني هاشم. بل قامت الدعوة بمساندة قبيلتين غير قريش هما الأوس والخزرج، وفي مكان غير مكة هو المدينة المنورة، وكانت قريش هي الطرف الرئيسي في الحرب مع النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وأحد والأحزاب والحديبية ثم فتح مكة.
أفبعدَ هذا يقال أنّها كانت هاشيمة أو قرشية ؟! أو أنّها بدأت بالمسالمة والمداهنة ؟!
الثاني : بخصوص الحنفية والحنفاء.
الحنفية لم تكن دعوة قائمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن الحنفاء منتشرون هنا وهناك، وإنّما فرد واحد في مكة أو بالأحرى في الجزيرة كلها وعدد من الأفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة على النصرانية ولا أثر لهم في واقع الحياة [23]، وقريش والعرب جملة كان يعبدون الأصنام ويدَّعون أنّ ذلك هو ملة إبراهيم، وكانوا لا يسمحون لأحد أن يتطاول على أصنامهم، أو يدعو للخروج على نظامهم ( دينهم ) شأن كل جاهلية في التاريخ، أو قل شأن كل نظام في التاريخ، ولم يحدث أن أحدا حاول النكير عليهم قبل النبي صلى الله عليه وسلم سوى زيد بن عمرو بن نفيل، وقد أوكلوا به عمه ( الخطاب بن نفيل ) فأخرجه من مكة وأوكل به عدد من الشباب والسفهاء حتى لا يدخلها، كل ذلك مخافة أن يحرض النّاس على ترك ما هم عليه والدخول فيما هو عليه [24] وقد عاش زيد وحيدا ومات وحيدا لم يتبعه أحد ولم يدَّعِ نبوة.
والمقصود أنّه لم يكن هناك ديانة اسمها الحنفية، والمقصود أنّ الحنفية لم تكن ديانة منتشرة بين العرب حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّ قريشا والعرب كانوا وثنيين يعبدون الأصنام ويقولون هذه ملة إبراهيم، فالكل كان يدعي أنّه على ملة إبراهيم .. قريش والحنفاء، وكذا النبي صلى الله عليه وسلم وملة إبراهيم التي دعى إليها النبي صلى الله عليه وسلم هي الإسلام .. هي دين الله الذي بعث به رسله جميعا {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } [ البقرة : 130] وقال تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [ البقرة : 135] وقال تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [آل عمران : 95] وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } [ النساء : 125]، فنحن نعتقد أنّ الأنبياء جميعا كانوا على الإسلام الذي هو الاستسلام لله وحده لا شريك له، الذي هو التوحيد، الذي هو ملة إبراهيم ، فكل الأنبياء عندنا مسلمون، والدين عندنا واحد وهو الإسلام ولكن شرائع مختلفة. إبراهيم ـ عليه السلام ـ عندنا مسلما {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [ آل عمران : 67]، {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [ البقرة : 131] وكان يدعو الله سبحانه وتعالى هو وولده إسماعيل قائلا كما يحكي القرآن الكريم: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [ البقرة : 128] . ويوسف ـ عليه السلام ـ كان مسلما {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [ يوسف :101]. وموسى ـ عليه السلام ـ وقومه {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } [يونس:84] ، {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } [الأعراف :126] ونوح عليه السلام {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [ يونس :72]، وسليمان عليه السلام في قصة مكاتبته لملِكة سبأ جاءت هذه الآيات {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [ النمل :31]، {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } [ النمل : 38 ]، {فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} [ النمل : 42 ]، ولوط عليه السلام جاء في وصف بيته على لسان الملائكة {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} [ الذاريات :36]، وكذا الحواريون أتباع عيسى عليه السلام. قال الله {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [ المائدة :111 ].
فكل الأنبياء أرسلوا بالتوحيد {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [ الأنبياء : 25].
والمقصود أنّه ملة إبراهيم التي يتكلم عنها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ليست هي ملة إبراهيم التي كانت تتكلم عنها قريش. وهذا يعني بداهة أنّ قول النبي صلى الله عليه وسلم أنّه على ملّة إبراهيم لم يكن مشاكلة لكفار قريش أو مداهنة لهم، فقد تبين لك مما مضى أنّه كان يخالفهم ويعادونهم من أول يوم، ويؤيد هذا أنّ أغلب الآيات التي ذكرت فيها {مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} كانت مدنية ولم تكن مكية.
الكذبة العاشرة :
يدندن كثيرا زكريا بطرس حول الآية الثلاثة بعد الستين من سورة طه {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [ طه : 63].
يقول أنّ بها خطأ لغوي لا يمكن أن يقع فيه طالب في الصف الثالث الابتدائي !!
وهو يكذب، ووجه كذبه هنا أنّ الآية مكتوبة في المصحف ونقرأها بإن المخففة من الثقيلة ( إنْ ) وليست ( إنَّ ) المشددة. ومعروف ومشهور أنّ ( إنْ ) غير ( إنَّ ) المشددة. فهو كذّاب ينطق الآية على غير الوجه الذي كتبت به ثم يقول خطأ لغوي. وحين رد عليه أحد المستمعين بأنّ الآية مكتوبة في المصحف بـ ( إنْ ) المخففة وليست المشددة [25]، أجاب بأنّ القرطبي ذكر أنّ بعض القراءات بالتشديد وليس بالتخفيف، وهو يشدد تبعا لهذه القراءات. وهذه كذبة أخرى.
فالقرطبي قال أنّ منْ شدد إن في الآية نصب هذان فقرأ ( إنّ هذين لساحرين ) . ولم يقل القرطبي أنّ بعضهم شدد إن وقرأ ما بعدها بالرفع كما يدعي هذا الكذّاب اللئيم.
و ( إنْ ) المخففة من الثقيلة لا ترفع مبتدأ ولا تنصب خبر كالمشددة ( إنَّ ) و ( أنَّ ). وإنّما تأتي بمعان عدّة، منها الشرطية مثل قول الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} [ التوبة :6]، وتأتي بمعنى ( ما ) النافية مثل قول الله تعالى: {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (5)} [ الكهف : 4-5 ]، وقول الله تعالى عن المسيح ـ عليه السلام ـ {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} [ الزخرف: 59] فهي هنا بمعنى ( ما ) النافية في سياق الحصر بالنفي والاستثناء.
وتأتي بمعنى نعم مثل آية ( طه ) التي معنا {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [ طه : 63]. ويروى أنّ أعرابيا جاء لابن عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يسأله مالا فلم ير ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ له حق في المال فلم يعطه، وألح الأعرابي، ورفض ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ فقال الأعرابي : لعن الله دابةً حملتني إليك، فأجاب : إنْ وراكبها .أي نعم وراكبها .
هذه عشرة كاملة، ولولا أنّ المقام مقال لزدت حتى تجاوزت الأربع مائة، ولكن يكفي يهذا للحكم عليه بالكذب وبيان أباطيله....زكريا يُكذب نفسه في كُبرى قضاياه::آلية زكريا بطرس التي يدور حولها هي نفي نبوة النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو قطب الرحى الذي يدور حوله. وحين ترصد كلامه عن الوحي الإلهي ومحاولة صرف النبوة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تجد أنّه كغيره ممن تكلم في هذه القضية يُكذِّب نفسه ولا يملك حقيقة يعطيها للنّاس، وها أنا ذا أعرض على حضراتكم آرائه هو عن الوحي الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقط أعرض على حضراتكم آرائه لتروا سوء حالها وكيف أنّ بعضها يُكذِّب بعضا.
- مرة يقول أنّ السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ هي التي أعدت النبي صلى الله عليه وسلم للنبوة، يقول : كانت ذات مال .. ثرية وتريد مَلِكا كي يؤمن لها طريق التجارة [1].
قلتُ : ما كان هناك مَنْ ولا ما يخيف السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ على مالِها كي تبحث عن مَنْ يؤمنه لها، قد كانت شريفة نسيبة حسيبه، ولم يكن أحد من العرب ولا العجم يتجرأ على تجارة قريش كلها، كانت القوافل تسير إلى الشام وإلى اليمن آمنة من جوع وآمنة من خوف.
ثم لم تكن البعثة النبوية سببا في حصول أمنها ونماء مالها بل أكسدت تجارتها وذهبت بمالها وجلبت عليها الهموم والأحزان فيما يبدوا للنّاس؛ فقد انشغل القائم على تجارتها أعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرت قريشٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه ومن ناصره ـ ومنهم السيدة خديجة رضي الله عنها ـ فلم تَشْتر منه ولم تبع لهم، واضطرتهم إلى وديان مكة بين الجبال على الحصى في شعب من شعاب حتى أكلوا ورق الشجر من الجوع ومصّوا الحجر من العطش، ثم تركوا ديارهم وأموالهم وخرجوا من مكة كلها، وقد كانت السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ تشجع على هذا كله.
- ومرةَ يقول أنّه شيطان تلبس به؛ ويؤكد لمن يسمعه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مستيقنا بأنّ الذي خرج له في الغار شيطان، وأنّ خديجة هي التي أقنعته بأنّه وحي لا شيطان وأنّه هو نبي هذه الأمة واختبرت له الوحي وأقنعته بذلك [2].
وأخوه ـ في الكفر والصد عن سبيل الله ـ يُكذِّبُه ووجهه في وجهه إذ يقول الدكتور رأفت العماري بأنّ السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ كانت قد تزوجت (نباش ) وكانت الجنُّ قد لبََسَته وراحت من خلاله ـ أي الجن ـ تتعامل مع النّاس، فقدم عليه النّاس في بيته ـ بيت خديجة ـ وعمَّروا البيت ليلا ونهارا، وبعد وفاة ( نبّاش ) استوحشت خديجة ـ ورضي الله عن السيدة خديجة ولعن الله هذا الأفاك الأثيم ـ من قلة الزائرين وأرادت أن تعيد هذه الحياة الموجودة في بيتها عن طريق زوجها الجديد محمد صلى الله عليه وسلم [3].
وفي ذات الحلقة يقول هذا ( البكَّاش )[4] بأنّ الوحي كان ترتيبا بين خديجة وأبو بكر ـ لا حظ وليس ورقة وليست السيدة خديجة وحدها ـ ودليل ذلك ـ هذا قوله ـ أنّ الوحي لم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا في لحاف عائشة [5].
وهو ( بكاش ) نضحك من كلامه ونطويه ولا نرويه إلّا لمن اشتد حزنه لنسري عنه ونضحكه.
- ومرة يقول بطرس ومن معه بأنّ ورقة بن نوفل كان يبحث عن بديل له .. خليفة يخلفه في القيام بالنصرانية بمكة هو وبنت أخيه خديجة ولذا علَّم محمد ودرّبه وبعد وفاته هو وخديجة تمرد محمد صلى الله عليه وسلم وخرج على النّاس بالإسلام بعد وفاة خديجة [6].
ولا تضحك، ليست مزحة والله، بل كلام يدعون أنّه علمي أتى به البحث ( النزيه )، ( المجرد )، وهناك من يصدق هذا الكلام !!
ونقول : ما كانت خديجة ـ رضي الله عنها ـ نصرانية، ولا كان ورقة يبحث عن أتباع فضلا عن خليفة يخلفه في أتباعه، كان فردا يعبد ربّه سرا، يزكي نفسه وربّما تحدث بشيء إلى ضيفه، ولم يحمل لواء دعوة إلى الله، ولم يجلس لقريش في ناديها يقول لهم أعبدوا الله ما لكم من إله غيره، كان وحيدا يحدث نفسه. وما كانت خديجة نصرانية ولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرانيا قبل البعثة. ولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة يدري ما الكتاب ولا الإيمان، ما عنده علم بشيء من أخبار السابقين ولا المعاصرين، كان في غفلة عن هذا كله.
- ومرة يقول أحدهم بأنّ شيئا من هذا لم يحدث، لم ينزل عليه ملك، وهي قصة ملفقه، يستدل هذا الجهول [7] بأنّ الذي ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم في الغار قال له اقرأ فقرأ، ويتساءل ـ وكأنّي به يضع أصبعه على رأسه عجبا بعقله إذ أتى بغريبة عجيبة لم يفطن إليها غيره، وهي النملة تفرد ساقيها بين بني النمل فرحا بقوتها ـ مدللا كيف يقول له اقرأ وليس معه صحف يقرأ منها ؟ إذا القصة ملفقة وما كان وحيا يوحى .!!
ويهش ويبش الكذاب اللئيم زكريا بطرس لهذا الرأي ويسكت تأييدا؟
ويجلس أحدنا أمام شيخه في الكتَّاب ـ ومصر كلها كتاتيب إلى اليوم ـ أو في المسجد فيناديه إقرأ من أول كذا، فيقرأ بلا مصحف ؟
وتُتَمتم بشفتيك فيراك قريب منك فيناديك أشيء يا أبا فلان ؟ فتقول : لا إنّما أقرأ من القرآن.
قراءة القرآن لا تعني فتح المصحف والنظر فيه، وإنّما تلاوته بمصحف أو غيبا بلا مصحف. فما العجب إذا أن يقول له إقرأ ويقرأ ؟
- ومرة يقول كان جدّه عبد المطلب ملكا وجد أبيه قصي كان ملكا وخرج في النّاس يطلب ملك أبيه، ويصرح بأنه كان هاشميا يطلب الملك على العرب [8].
وهذا كلام، كل أخبار السيرة تكذبه.
فلم يخرج في قريش ملكٌ منذ ظهرت قريش، لا عبد المطلب ولا قصي ولا غيرهما، بل لم تلد مُضر كلها مَلِكٌ تملك عليها في الجاهلية.
وأول من تصدى للنبي صلى الله عليه وسلم هو عمّه أبو لهب بن عبد المطلب، وكان ابن عمه وأخوه في الرضاعة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب من أشد النّاس عليه وعلى أصحابه، وحين دعاهم وأبلغهم دعوة ربّه سخروا واستهزءوا، ولم يسلم معه من بني هاشم إلّا صبيان ( علي وجعفر ) ابنا أبي طالب. ثم نفر أو نفرين بعد سنين طويلة من الدعوة، وفي أول معركة أسر العباس بن عبد المطلب، وعقيل ابن أبي طالب، وبالكاد فرّ أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. وكانت ثاني الغزوات بعد غزوة بدر الكبرى مع حلفاء بني هاشم وأخوالهم وهم بني سُلَيم [9]، بل كانت الحرب كلها مع قريش أبناء عمومته، ومع مُضر ( غطفان وسليم وهوازن وثقيف ) وهم الدائرة الثانية من حيث القرابة.
والدعوة قامت على سواعد قبيلتين غير قريش وليسوا من مضر كلّها ولا من عدنان كلها . . الأوس والخزرج [10] . فكيف يقال كانت هاشمية أو قرشية ؟!
ألا لعنة الله على الكذّابين.
- ومرة يقول ـ قبحه الله ـ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ظهر في فترة كثر فيها من ادعى النبوة وأنّ ذلك من تأثير حكايات يهود [11] .
وكالعادة يكذب، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدَّع أحد النبوة قط، ولم يفكر أحد في ذلك، بل غاية ما هنالك أن اعتزل نفرٌ ما كانت عليه العرب من شرك، وهم الحنفاء وكانوا يُعدون على أصابع اليد كما تقدم، أمّا الذين ادعوا النبوة فقد جاءوا في نهاية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بعام تقريبا، ولم تكن لهم دعوة ولا كتاب كالقرآن، ولا تبعهم أحد غير قومهم، ولم تتحرك دعوتهم خارج ديارهم .. جميعهم قتلوا على يد المسلمين فيما يعرف تاريخيا بحروب الردَّة، ولم يكتب لهم نصر في هذه الحياة، وهذه أمارة أخرى على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم إذ أنّ الأدعياء الكذبة يموتون قتلى ولا يكتب لهم نصر في هذه الحياة كما ينص الكتاب ( المقدس ).
وكانت يهود بين ظهراني العرب من مئات السنين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخرج أحد يدعي النبوة لا من يهود ولا من العرب قاطبة حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأين كانت ثقافة يهود ؟!
وكل الذين ادعوا النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم جاءوا بعد العام الثاني والعشرين من البعثة النبوية أي بعد ثلاث سنوات من القضاء على يهود وإخراجهم جميعهم من الجزيرة العربية إلّا نفر يثيرون الأرض ويسقون الحرث. ولم يتكلم أحد منهم بأنّ يهود ثقفته.
قد كانت يهود تبشر بمقدم نبي، وأنّه سيهاجر إلى يثرب ( المدينة المنورة )، وكانت تخوف به جيرانها من الأوس والخزرج وغطفان، تقول لهم : " إنّه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم "، كانت في المدينة وأجوارها تنتظر ظهور هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم ثم لما جاءهم ما عرفوا كفروا به [12] وهذا قول الله تعالى : {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} [ البقرة : 89].
لم يكن ليهود أحاديث وثقافات تبثها بين العرب عن مُلك يؤخذ بنبوة، بل إنّ يهود لا تقول عن داود عليه السلام أنّه نبي، فهو عندها ملك وليس نبي، وإنّما تكلمت يهود عن نبي واحد يبعث ويهاجر إلى يثرب وزعمت أنّها تتبعه وتقتل به العرب والعجم. هذا هو حديث يهود في الجاهلية لم نسمع غيره . اللّهم أكاذيب زكريا بطرس التي يرويها عن إخوانه من الكافرين والمنافقين.
- ومرة يقول علّمه بحيرى الراهب لينشر المذهب النسطوري في الجزيرة العربية.
وهو يقر ويعترف بأنّ كتب المسلمين لم تتكلم أن بحيرى جلس للنبي صلى الله عليه وسلم وتعلم منه، وإنّما التقاه مرة وهو صبي وتعرف عليه وذكر أنّه سيكون نبيا، والثانية أشار إليه من بعيد ولم يجلسا سويا، وما بعد ذلك مما يقال عن تعليم بحيرى للرسول صلى الله عليه وسلم هو من أقوال النصارى. يتكلمون من أم رأسهم بما يحلو لهم. وكله كذب.
- ويهود تقول علمه الحاخام اليهودي ( ألفونسو )، ولا أدري من ألفونسو هذا؛ ولا أين التقى النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه وهو لم يخرج من شعاب مكة إلّا مرتين وكان بين أهل مكة لم يفارقهم ساعة ؟
لا أدري شيئا عن ألفونسو ولا إخالهم يدرون شيئا عنه، وإنّما كلام يقذفون به كـ ( تحديف ) الصبية بالطوب [13].
- وبعض المستشرقين ممن يسمون باحثين في التراث الإسلامي يقولون بأنّ محمدا صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن من نساءه وأصحابه [14]. ومن ثمّ خلط شيئا من النصرانية بشيء من اليهودية بشيء من الوثنية فخرج بالإسلام.
قلت ُ : في القرآن الكريم ذم للنصارى والنصرانية واليهود واليهودية. فمَن كتب هذا بحيرة أم ألفونسو ؟!
وفي القرآن الكريم والسنة النبوية إجاباتٌ عن أشياءَ كانت تحدث، ورصد لحوارات كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبينه وبين أعدائه، بل إنّ القرآنَ الكريم كلَّه مرتبط بالحدث، مثلا ما نزل في أسئلة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة وإجابته عليها، وما نزل في أمر الهجرة، وما نزل في غزوة بدر، وما نزل في غزوة أحد والأحزاب وخيبر والحديبية وفتح مكة وحنين.
أخي القارئ !
القرآنُ كلُّه حتى التشريعي منه مرتبط بالحدث، لم ينزل جملة واحدة، بمعنى أنّ القرآن الكريم كان مع الأحداث ونزل جزءا جزءا . {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} [الإسراء:106].
إمرأة تجادل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمر حدث بينها وبين زوجها .. تجادله سرا لا يسمعها من في البيت، وينزل القرآن {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ..} [ المجادلة:1] أين بحيرى من هذه ؟
والمنافقون يجلسون في ناحية من المسجد يغمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلّا جهدهم فينزل القرآن يتحدث بحالهم وما تكنه صدورهم. أين بحيرى من هذا ؟
والمنافقون يتناجون سرا ( يعدنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يقضي حاجته ) وينزل القرآن يكشف أمرهم ويزيع في النّاس قولهم . أين بحيرى من هذا ؟
وأحيانا كان يُسأل النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجب، يسكت حتى يأتيه الوحي. وأحيانا كان يفعل ويأتي الوحي يخطئه ويعقب عليه ويصوب له.
فهل يعقل أن يكون بحيرة الراهب درى بذلك ورتبه وأعطاه للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان فلم كان يسكت حين يسأل ؟ ولم كان يخطئ ويأتيه التصويب من السماء ؟
بل لِمَ لَمْ يكن بحيرة نفسَه أو ورقةَ أو الفونسو أو من سمّوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو نساءه لم لم يكونوا أنبياء ويتكلمون هم بأنفسهم ؟!
وكيف عرفوا ذلك وهو ليس في كتبنا . من أين لهم بهذا ؟
لم ينتبه إليه كفار قريش واليهود والنصارى ... نصارى نجران والشام وطيء ( حي من أحياء العرب منهم عدي بن حاتم الطائي التقى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ) كيف لم ينتبهو إلى هذا وانتبهوا هم إليه ؟
ثم : النبيُّ صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة صفية بنت حيي بن أخطب سيد يهود في العام السابع من الهجرة ... في نهايته . أي بعد عشرين عاما من الدعوة . وجاءته ماريةُ القبطية ـ رضي الله عنها ـ أيضا بعد عشرين عاما من الدعوة . فكيف يكون قد تعلم من هذه وتلك ؟
أمر عجيب !!
ومَن من أصحاب النبي كان له علم بالكتاب ؟
يقولون تعلم من صهيب الرومي. ومن سلمان الفارسي، وصهيبٌ رومي . . أعجمي .. لا ينطق العربية .. . بالكاد يُبين. فأنى له بمثل هذا ؟
وسلمانٌ فارسي أعجمي أسلم في المدينة ... وما درى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا بعد ثلاثة عشر عاما من هجرته صلى الله عليه وسلم.
وهم يستأنسون بأن القرآن وافق النصرانية واليهودية أو وافق كتابهم بعهديه القديم والحديث في بعض الأمور.
أقول : وفي هذا يكذبون أيضا، فحتى الأشياء التي وافقت فيها الشريعة الإسلامية كتاب النصارى في عهده القديم أو الجديد، لم توافقها من حيث المضمون.
مثلا القرآن العظيم تكلم عن نوح إبراهيم وموسى وعيسى وسليمان وداود ولوط عليهم وعلى نبينا صلوات ربّي وتسليماته. ولكن هل ما تلكم به القرآن عن أنبياء الله هو هو الذي تكلمت به النصرانية عن كتاب الله ؟
كلام القرآن عن الله سبحانه وتعالى الكبير المتعال، الواحد الماجد الصمد، هو ككلام كتاب النصارى عن الله ؟
أبدا . وما عندهم عن الله ورسله يستحى من ذكره.
ثم إنّ القرآن العظيم معجز في ذاته وبألفاظه ينادي على الجميع من يوم نزل : فأتوا بمثله ... فأتوا بعشر سور من مثله . . . فاتو بسورة من مثله ... أي سورة وإن كانت سطرا واحدا.
وقد حاول كثيرون، وما استطاعوا.
- ومرة يقول بأنّه دعى إلى الحنيفية التي كانت منتشرة قبل بعثته ولذا لم تجد الدعوة صدا من الناس في أول الأمر [15] !!
- ومرة يقول علمه بشر ويستدل على ذلك بقول الله تعالى : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل : 103] وقراءة الآية بتمامها يكذبه {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 103] فهو قول الكفار ينفيه القرآن ويرد عليه.
- ومرة يقول كتب القرآن نقلا عن شعراء عصره، ويعد شعراءً جاءوا بعده، وليس القرآن بشعر [16] !!
- ومرة يقول اتخذ الأتباع عن طريق المال [17].
- ومرة يقول لا دليل على النبوة إلّا شهادة خديجة [18].
- ومرة يقول لا دليل على النبوة إلّا خاتم النبوة الذي بين كتفيه.
- ومرة يقول أنّ النبي صلى الله عليه وسلم اتبع ملة آبائه والدليل على ذلك من القرآن في سورة يوسف الآية 38 {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}. [19] وآية تتكلم عن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ـ عليهم السلام ـ وليس عن محمد صلى الله عليه وسلم وآباء النبي صلى الله عليه وسلم كانوا على الشرك كما كان أبو إبراهيم ـ عليه السلام ـ وكان يقول عنهم ( عبد المطلب في النّار ) و ( أبي وأبيك في النّار ).
والمقصود أنّني أردت أن أعرض على حضراتكم تفسيرات الكذّاب اللئيم زكريا بطرس للوحي وكيف يصرف النبوة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أقوال متضاربة لا يمكن أن تجتمع، وكل واحدة منها كذب في نفسها، وكل واحدة منها تكذبها أختها.
فهل كان ملكا يطلب ملك قريش وقريش لم يكن لها مُلك كي يُطلب ؟!
أم كان ملكا هاشميا يطلب مُلك عبد المطلب وهاشم على قريش والعرب. وما كان عبد المطلب ولا هاشم ولا عصي ملوك؟!
أم كان صنعة زوجته الثرية كي تأمن به على تجارتها ولم يكن هناك من ولا ما يخيفها على مالها ؟!
أم كان صنعة ورقه الذي لم يجلس له إلّا دقائق ؟!
أم كان صنعة بحيرى الراهب الذي لم يلقاه إلّا وهو صبي في الثانية عشر من عمره ولدقائق معدودة ؟!
أم علّمه غلمان مكة وعبيدها الذين لا ينطقون العربية أصلا ؟!
أم علّمه أصحابه وأتباعه الذين تبعهوه بعد سنين من البعثة ؟! أم علمته زوجته صفية وسريته مارية القبطية وقد دخلا بيته بعد عشرين عاما تقريبا من البعثة ؟!
أم كان مسحورا تلبسته الجن فأوحت إليه وهو أعقل النّاس دانت له العرب وخافته العجم وأسس أكبر دولة في التاريخ كله ؟!
أم كانت أساطير الأولين اكتتبها وجاء يرويها وقد كان أمّيا لا يكتب ولا يقرأ ؟!
أم شعرا نقله عن شعراء عصره. علما بأنّ كثيرا ممن يسمون جاءوا بعده ؟!
هم يقولون بكل ذلك، وأيُّ ذلك لا يصح، وكل ذلك لا يجتمع .
إنّها نفسية مريضة حقودة تتكلم من أم رأسها. ليس برأسها سوى أنّها تريد أن تضل النّاس بغير حق، فكذبت وافترت.
وهي حائرة تستغل جهالة المتلقي وقلة اطلاعه.
والحقيقة أنّ هذا الأمر ليس بجديد ـ من حيث الجملة ـ فقد كانت قريش في ذات الحيرة التي فيها بطرس اليوم. مرة تقول أساطير الأولين، ومرة تقول ساحر، ومرة تقول شاعر، ومرة تقول يعلمه بشر، ومرة تقول أضغاث أحلام. تقول هذا لعامة النّاس، وبينها وبين أنفسها تصدقه وتقسم على صدقه.
ويبقى السؤال : ما هي الأمارة على نبوة رسول الله محمدٍ بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ؟
هي أمارات وليست أمارة ، وأجيب عليها في المقال التالي بحول الله وقوته....????سب النبي فرصة لمريدي الخير:::??????سبِّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس حدثا عابرا قامت به صحيفة سيئة الأخلاق نفثت به عن حقدها في عدد من أعدادها ، وليس هو همُّ حفنه من أراذل الكفار مُلئت قلوبهم غيظا وحنقا على شخص الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقاموا يمثلون وينكتون ويسخرون .بل لو كان الأمر كذلك لكان مما يسكت عنه ـ على عظمه ـ إذ أن مجاراة السفهاء أمر يترفع عنه العقلاء . . .ولكن .. الأمر أعمق من هذا كله .
هذه الأمور ليست إلا كما يقول الله عز وجل : { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } [ آل عمران : من الآية 118 ] .
وهاأنذا أنادي العقلاء . فهل يسمعون ؟ . . . وهل يجيبون ؟ . . . وليت أولى العزم من العقلاء مَن يلبون ؟
من قبل كان النصارى في حملاتهم ( التبشيرية ) يتكلمون عن النصرانية ... يبترون ويكذبون ، ويبدون قليلا ويخفون كثيرا كي يُظهروا دينهم القبيح في صورة يتقبلها الآخر . واتخذوا مما يسمى بحوار الأديان ... هذا الحوار الذي يجرى مع علماء الدين الرسميين وسيلة ليقولوا لمن يخاطبونهم من ضعاف المسلمين في أدغال أفريقيا وجنوب شرق أسيا أن الإسلام يعترف بنا ولا يتنكر لنا فكله خير ـ بزعمهم ـ .
وكانت حملتهم على الإسلام حملة على شعائره ... يتكلمون عن التعدد وعن الطلاق وعن الحدود وعن الجهاد وعن الميراث وعن ناسخ القرآن ومنسوخة ، ثم في الفترة الأخيرة وخاصة بعد انتشار الفضائيات ودخولها كل البيوت تقريبا ، وكذا بعد ظهور تقنية الإنترنت عموما والبالتوك خصوصا ، أخذ القوم منحى آخر وهو التركيز على شخص الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ .قاموا ينقضون الإسلام بتشويه سورة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ودعك من كلام الأراذل ، هناك طرحٌ يُلْبِسُه دعاة الكفر ثوب العلمية ويدَّعون أنه الحقيقة التي لا مراء فيها يخاطبون بهذا الهراء قومهم ومن يتوجهون إليهم بالتنصير ... هذا توجه عام داخل حملات التنصير اليوم . والأمر بيِّن لمن له أدنى متابعة لما يتكلم به القوم . وما حدث في الصحيفة الأوربية هو طفح لما يُخاطب به القوم في الكنائس وغرف البالتوك عن نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فهم يحاضرون ويؤلفون عن ( أخلاق نبي الإسلام ) ، يتكلمون عن زواجه بتسع من النساء ـ وقد اجتمع عند سليمان عليه السلام تسعمائة من النساء وهذا في كتابهم ـ ، وعن زواجه من عائشة ومن زينب ومن صفية ـ رضي الله عنهن ، وعن غزواته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ وبطريقة البتر للنصوص واعتماد الضعيف والشاذ والمنكر من الحديث يخرجون بكلامهم الذي يشوهون به صورة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ولكنه في الأخير يبدو للمستمع أن هذا كلام ( بن كثير ) و ( الطبري ) و( بن سعد ) علماء الإسلام . فيظن المخاطبون أنها الحقيقة التي يخفيها ( علماء ) الإسلام .
دعاة النصرانية يغرفون من وعاء الشيعة الكدر النجس حين يتكلمون عن أمهات المؤمنين ـ رضي الله عنهن ـ وعن صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل وفي كلامهم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحيانا ، ويغرفون من وعاء ( القرآنيون ) الذين يتركون السنة تشكيكا في ثبوتها أو في عصمة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم .
والمطلوب هو قراءة جيدة لما يحدث ، والتصدي له على أرض الواقع . لا نريد ثورة كلامية ، وغضبة لا يفهم منها ( الآخر ) إلا أنها نفرة المتعصب ، نريد قطع الطريق على هؤلاء وإحباط كيدهم ، وإنقاذ الناس من الكفر بربهم .
مطلوب خطاب أكاديمي يجفف منابع المنصرين ، أعني ما يقوله القرآنيون والشيعة . وما يفتريه النصارى بالبتر للنص واعتماد المكذوب والشاذ والضعيف من الحديث .ومعنيٌ بهذا طلبة درجات التخصص العليا في الكليات الشرعية . وإن أخذ الأمر وقتا لكنه سيثمر بإذن الله يوما ما .
ومطلوب خطاب لعامة الناس يبين لهم كيف كان نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعيدا كل البعد عما يقولوه النصارى ، وأن ما يقال محض كذب ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ـ كان كل الكمال وجملة الجمال ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت * * * مثل النبي رسول الأمة الهادي .
وأيضا لا ينفك عن هذا أبدا بيان عقيدة النصارى ... ما يعتقدونه في ربهم وما يعتقدونه في أنبيائهم وما يعتقدونه في أحبارهم ورهبانهم ...من يعبد النصارى؟ . وهل النصرانية دين يتبع ؟!!
أقول : لم نسكت عنهم وهم يرموننا بكل ما في جعبتهم ؟!
أسياسة ؟ . . . أم جبن وخور ؟ . . . أم غفلة ؟!
إن مما ابتلي به مسلمو اليوم هو التآلف مع النوازل بعد قليل من نزولها ، فقط نثور قليلا ثم نسكت ولا نتكلم وكأن شيئا لم يحدث ، وهذا الأمر فهمه عدونا ، فلم يعد يبالي بجعجعتنا التي تتجاوز الكلام ، وهو يستفيد من هذا الكلام . فليتنا نكون على قدر المسئولية ونبدأ في تصعيد مستمر وتبصير للناس ، بحقيقة من يتكلمون عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ، وحقيقة دينهم ، وحقيقة ديننا ونبينا ــ صلى الله عليه وسلم ــ . فهل من مجيب ؟!هذا حاله . . . وهذا حالنا !?????تروي لنا كتب السير أنّ مسلمة جلست في سوق بني قينقاع في المدينة عند صائغ يهودي فراودها عن كشف وجهها فأبت عليه، فعقد طرف ثوبها إلى ظهرها على حين غفلة منها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ اليهودي فقتله، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه.
هذا مشهد من المشاهد ترويه لنا كتب السيرة، والمشهد التالي له مباشرة - في كتب السيرة - هو حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني قينقاع وإصراره على ذبحهم لولا وقاحة بن سلول في شفاعته لهم. وسقط من كل الروايات ما بين المشهدين - ما حدث في السوق والحصار - من الأحداث، كأن الحدثين متلاصقين.
فلم تروِ لنا كتب السير أنّ أحدا تكلم بأنّ مَن فعل الفعلة قُتل فكفّوا أيديكم يكفي؛ ولم تروي لنا كتب السير أنّ أحدا تكلم بأنّ الأمر لم يتجاوز كشف جزء من العورة لفترة وجيزة، ولم تروي لنا كتب السير أنّ أحدا تكلم بأنّ لبني قينقاع إخوة في الدين والملة في ذات المدينة، هم بنو قريظة وبنو النضير وورائهم في خيبر عدد وعتاد ولهم حلفاء من غطفان، وغطفان يومها غطفان. بل لم يتكلم أحد مطلقا .. لم تروي كتب السيرة سوى فعل، وهو حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم حتى أجلاهم.
وتروي لنا كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب في عشرة من أصحابه لبني النضير يطلب منهم وفاء ما عاهدوه عليه، فغدروا، وهمُّوا بقتله صلى الله عليه وسلم وحين علم بغدرهم وهو جالس تحت جدار بيت من بيوتهم قام ولم يتكلم، وأعد الجيش ولم يتمهل، وحاصرهم حتى خربت بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وخرجوا منها أذلاء صاغرين.
وتروي لنا كتب السير أنّ الأخبار أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ خالد بن سفيان الهُذلي يُجَمِّع العرب في بطن عُرْنَة عند سفح عرفة على بعد خمسمائة كيلو متر من المدينة، فأرسل له رجلا ( عبد الله بن أُنيس ) من المدينة يسعى على قدميه فأخمد الفتنة. ولم نسمع كثيرا ولا قليلا من الكلام.
وغدرت قريش بعهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم وراحت وجاءت وقالت وأكثرت، وما كان من الحبيب صلى الله عليه وسلم إلّا أن رد عليهم بفعل لا بقول . . . استنفر أصحابه وجمََََّع جيشه وفتح مكة.
وغدرت قريظة فذبحت، وقتلت غسان رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فتحرك جيش مؤتة، وبنو المصطلق همّوا بالتَّجَهُز فوجدوا الخيل صباحا تشرب من مائهم.
هكذا ... نعم هكذا.
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم كثيرا.
ولم يكن الباعث على هذا ( التصرف الفعلي ) من الرسول صلى الله عليه وسلم هو كثرة العدد ووفرة العتاد، فقد كانت الحال حال . . . هو منهج الدعوة من يومها الأول أنظر كيف بدأت، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1) قُمْ فَأَنذِرْ(2)} [المدثر:1-2]، {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً} [المزمل:7].
ولم تكن فقط عملية وجادة مع المخالف وإنّما أيضا في تربية الجماعة المؤمنة، كانت الدروس كلّها عملية.
يذبح سبعون من الصحابة يوم أحد منهم الحمزة بن عبد المطلب ليتعلم القوم درسا من جملة واحدة {قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165].
ويستمر حادث الإفك شهرا ليتعلم القوم درسا عمليا {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً} [النور :12]. . . {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[النور:15].
ويحاصر المخلفين عن غزوة تبوك خمسين يوما حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، ليتلقوا درسا عمليا - هم ومن يشاهدونهم ومن يسمع بهم - كي لا يتخلفوا ثانية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه.
هذا حاله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع عدوه ومع أتباعه . . . هذا هو المنهج الربّاني الذي تحرك به النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنّ من أوضح الأمور لمن يتدبر نشأة الجماعة المؤمنة على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف نمت وتطورت وكيف عالجت مشاكلها الداخلية - بين أفرادها - والخارجية مع أعدائها، أنّ نهج الشرع كان عمليا، ولم يكن يوما ما نظريا.
لم يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأجندة عمل لمن يخالفونه يشرح فيها وجهات نظره، ورؤيته للمستقبل، وإنّما كان هادئا كثير الصمت يعمل ولا يتكلم.
ومن الواضح جدا - أيضا - أنّ الأفراد ميزتهم المواقف ولم يتميزوا بالمعرفة الذهنية، ولا بأصوات العامة لهم.
واليوم : العقيدة دروس علمية . . نظرية، لا تكاد تعرف ( الأخ ) إلّا من كلامه، قليل من تتعرف عليهم من وجوههم وفعالهم.
واليوم شعارات نرفعها وننام تحتها مكتفين بمجرد الانتساب للعمل الإسلامي.
واليوم شعارات نرفعها ونتعصب لها.
واليوم قليل هم المهتمون بأمر أمتهم، وكثير من هذا القليل يشعر أنّه أدّى ما عليه تجاه أمته بمجرد معرفته بما يحدث هنا وهناك.
واليوم نُدعى لتقديم مشروع فكري نواجه به دساتير القوم العلمانية. نَنْجَر من حيث لا نشعر إلى مهاترات كلامية، نضاهي أوراقا بأوراق، وما هكذا بدأت ولا هكذا ستعود.
واليوم لا بد أن نواجه بفعال لا بأقوال، لا بد أن ينظر كل منا إلى رصيده العملي في خدمة الدين، ماذا قدم لهذا الدين من الأعمال:::::?????زكريا بطرس ما الذي جرأك ؟!بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني يهود، يهود كلُّها كانت في المدينة ( قينقاع والنضير وقريظة ) و حولها ( خيبر ووادي القرى وفَدَك )، وبين ظهراني النصارى إذ كانوا في نجران ـ ووفدوا عليه في مكة وفي المدينة ـ وفي طيئ ( شمال شرق الجزيرة العربية ) والشام، وكانت الدنيا كلّها كافرة بربّها عدا بضع مئات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت الدنيا كلها حربٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع كل هؤلاء الأعداء، ومع شدة العداوة وتنوعها حتى وصلت للقتال ما سمعنا أحدا تكلم في خُلُقِهِ بشيء، مضى الجيل الذي عاصر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشهد له بحسن الخلق وهو يصفه بالصادق الأمين
وبعد ألف وأربعمائة عام من وفاته صلى الله عليه وسلم خرج علينا أحد النصارى يُدعى ( زكريا بطرس ) يطعن في نسب الرسول صلى الله عليه وسلم وفي أخلاقه، يقول: ما كانت العرب تحفظ أنسابها ولا تدري آبائها ولا أبناءها .وما كان محمد صلى الله عليه وسلم ابن أبيه !! . . حَمَـلَتْ آمنة من غير عبد الله !!
وَيِّ ... ويّ . . . يطعن في القرشي الهاشمي سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ؟!
يطعن في نسب العرب وأحسابها، وقد كانت ـ ولا زالت ـ لا تحرص على شيء قدر حرصها على النسب والشرف، وقد كانت ولا زالت لا تفخر بشيء قدر فخرها بمن ولدها ومن ولدته ؟!!
جلس هذا الوضيع السفيه للرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس عنده قضية أخرى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المستنقع الآسن العفن الذي يغرف منه كل من يتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يكذب كذبا مكشوفا رخيصا، ويحتمي وراء شاشات التليفزيون، يجعجع ويدعي العِلمية والعقلانية، ولا علمية ولا عقلانية، وقد دعاه أكثر من واحد من علمائنا وشيوخنا إلى حوارٍ مباشر على الهواء مباشرة على ملأ من النّاس فخَنَسَ وما خرج. ولو كان منصفا .. ولو كان عاقلا . . ولو كان صاحب حق لخرج وما تردد .
( زكريا بطرس ) ليس فردا واحدا وإنّما ظاهرة تكررت في أكثر من مكان في غرف البالتوك وفي مواقع الإنترنت وفي خلايا التنصير التي انتشرت بين الشباب في الجامعات وبدأت تعلن عن نفسها بجرأة عجيبة مريبة. ويسألُ كلُّ ذي عقل :
ما الذي جرأ هؤلاء الأراذل على السب والشتم وهم قلة وهم في بلد مسلمة شعبا وحكومة ؟!
ألأنَّ الكفر أصبح قوة عظمى فحمى أولياءه ؟
أم لأنَّ العلماء غفلوا عن جناب النبي صلى الله عليه وسلم يقينا منهم أن ليس هناك من يصل إلى هذه الدرجة من السفالة وسوء الخلق ؟
أم انتشرت الشهوات فركبتها الشبهات ودخلت معها البيوت والقلوب فرحَبَ بها كلُّ جهولٍ ضعيفٍ مهزومٍ خلِيٍّ من العلم الشرعي الصحيح ؟
هو كل ذلك.
الكفر يحمي أولياءه، فهو الذي أعطى لزكريا بطرس وأمثاله مساحة يستهزئ فيها ويسخر، وهو الذي وقف في وجه من أراد التصدي له، وعلمائنا ـ حفظهم الله جميعا ـ في غفلة عجيبة عن هذا الوضيع الحقير، ويحار العقل حين يفكر في هذا الأمر. أين أهل الحديث ؟! أين أهل السير والتاريخ ؟! أين أهل الوعظ والزهد ؟! أين أهل الغيرة والجهاد ؟! أين أحباء الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟! ولا نظن بهم إلّا خيرا، ولكن يبدوا أنّهم يستخفون بالأمر. وقد ( شبَّ عمرو عن الطوق ). وإنّ الشبهات التي يلقيها ذاعت وشاعت، واكتوى العامَّة بنارها، والمجالس عقدت وطرحت فيها الشبهات، وقد أثمرت ثمارا خبيثة فانقلب بعضهم منها كافرا، ووقف بعضهم متحيرا بين هذا وذاك. وكثيرون جاءوا يهرعون . . . يسألون ويلحون في السؤال عن صدق ما يردده النصارى. وإن الشهوات قد انتشرت .. وإن الفقر والعَوَز قد أصاب فئاما من النّاس. فكانت فرصة لعباد الصليب .
لم أكتب لتهييج العوام، فهو طريق أخير، والعوام لا يأتون لشبكة الإنترنت، وإنّما كتبت تبصرت وذكرى لكل عبد منيب، يخاف الوقوف بين يدي الله عز وجل، والسؤال عن هذا المنكر . . . معذرة إلى ربّي ولعلّهم يتقون، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر .
وأنت أخي القارئ تستيطع عمل الكثير في التصدي لهذا المجرم الآفاك ومن معه بالرد على الشبهات إن كنت من أهل ذلك أو تدل على من يرد على الشبهات .. أشخاص أو مواقع أو غرف بالتوك وهي كثيرة ولله الحمد على الشبكة العنكبوتية، فلا تستخف بهذا فربّما دللت ذا عزيمة وهمة فنفع الله به ويكون لك مثله أجره. فلا تجلس وتقول هي منوطة بالعلماء .
فإنّ زكريا بطرس جرذ ( فأر ) لم يخرج من جحره إلّا حين غفل أهل البيت أو خرجوا، فعودوا إلى بيوتكم ودمدموا عليه بأرجلكم .
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمكن لدينه وعباده الصالحين، وأن يهدي زكريا بطرس للإسلام فهذ أحب إلينا، أو ينتقم منه، ويرينا فيه عجائب قدرته . إنّه ولي ذلك والقادر عليه ????
هل من يفهم :؟؟؟؟؟وقادَ الرٌّوحُ القُدُسُ يَسوعَ إلى البرَّيَّةِ ليُجَرَّبَهُ إِبليسُ. 2فصامَ أربعينَ يومًا وأربعينَ لَيلةً حتَّى جاعَ. 3فَدنا مِنهُ المُجَرَّبُ وقالَ لَه: "إنْ كُنْتَ اَبنَ الله، فقُلْ لِهذِهِ الحِجارَةِ أنْ تَصيرَ خُبزًا". 4فأجابَهُ: "يقولُ الكِتابُ: ما بِالخبزِ وحدَهُ يحيا الإنسانُ، بل بكلٌ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِنْ فمِ الله".
5وأخذَهُ إبليسُ إلى المدينةِ المُقَدَّسَةِ، فأوْقَفَهُ على شُرفَةِ الهَيكل 6وقالَ لَه: "إنْ كُنتَ اَبنَ الله فأَلقِ بِنَفسِكَ إلى
الأسفَلِ، لأنَّ الكِتابَ يقولُ: يُوصي ملائِكَتَهُ بكَ، فيَحمِلونَكَ على أيديهِم لئلاَّ تَصدِمَ رِجلُكَ بِحجرٍ".
7فأجابَهُ يَسوعُ: "يقولُ الكِتابُ أيضًا: لا تُجرَّبِ الرَّبَّ إلهَكَ".
8وأخَذَهُ إبليسُ إلى جبَلٍ عالٍ جدُا، فَأراهُ جَميعَ مَمالِكِ الدٌّنيا ومجدَها 9وقالَ لَه: "أُعطِيكَ هذا كلَّهُ، إنْ سجَدْتَ لي وعَبدْتَني". 10فأجابَهُ يَسوعُ: "إِبتَعِدْ عنّي يا شَيطانُ! لأنَّ الكِتابَ يقولُ: للربَّ إلهِكَ تَسجُدُ، وإيّاهُ وحدَهُ تَعبُدُ".
11ثُمَّ تَركَهُ إبليسُ، فجاءَ بَعضُ الملائِكةِ يخدِمونَهُ.
يسوع يبشر في الجليل
12وسَمِعَ يَسوعُ باَعتِقالِ يوحنّا، فرجَعَ إلى الجليلِ. 13ثُمَّ ترَكَ النّاصِرةَ وسكَنَ في كَفْر َناحومَ على شاطِـىءِ بحرِ الجليلِ في بلاد زَبولونَ ونَفتالي، 14ليَتِمَّ ما قالَ النَّبـيٌّ إشَعْيا: 15"يا أرضَ زَبولونَ وأرضَ نَفتالي، على طريقِ البحرِ، عَبْرَ الأردنِ، يا جليلَ الأُمَمِ! 16الشَّعْبُ الجالِسُ في الظَّلامِ رأى نورًا ساطِعًا، والجالِسونَ في أرضِ المَوتِ وَظِلالِهِ أشرَقَ علَيهِمِ النٌّورُ". 17وبدأَ يَسوعُ مِنْ ذلِكَ الوقتِ يُبشَّرُ فيَقولُ: "توبوا، لأنَّ مَلكوتَ السَّماواتِ اَقتَرَبَ".
يسوع يدعو التلاميذ الأوّلين
18وكانَ يَسوعُ يَمشي على شاطئِ بحرِ الجليلِ، فرأى أخَوَينِ هُما سِمعانُ المُلقَّبُ بِبُطرُسَ وأخوهُ أندراوُسُ يُلقِيانِ الشَّبكَةَ في البحرِ، لأنَّهُما كانا صيَّادَيْنِ. 19فقالَ لَهُما: "إتبَعاني، أجعَلْكُما صيَّادَيْ بشرٍ". 20فتَركا شِباكَهُما في الحالِ وتَبِعاهُ.
21وسارَ مِنْ هُناكَ فَرأى أخوَينِ آخَرينِ، هُما يعقوبُ بنُ زَبدي وأخوهُ يوحنّا، مَعَ أبيهِما زَبدي في قارِبٍ يُصلِحانِ شِباكَهُما، فدَعاهُما إلَيهِ. 22فتَركا القارِبَ وأباهُما في الحالِ وتَبِعاهُ.
يسوع يعلّم ويبشّر ويشفي المرضى
23وكانَ يَسوعُ يَسيرُ في أنحاءِ الجليلِ، يُعلَّمُ في المجامعِ ويُعلِنُ إنجيلَ المَلكوتِ ويَشفي النّاسَ مِنْ كُلٌ مَرَضٍ وداءٍ. 24فاَنتَشرَ صيتُهُ في سوريةَ كُلَّها، فجاؤوا إلَيهِ بِجميعِ المُصابينَ بأوجاعِ وأمراضٍ متنوَّعَةٍ: مِنْ مَصروعينَ ومُقْعَدينَ والذينَ بِهِمْ شياطينُ، فشفاهُم. 25فتَبِعَتْهُ جموعٌ كبيرةٌ مِنَ الجليلِ والمُدُنِ العَشْرِ وأُورُشليمَ واليهوديَّةِ وعَبْرِ الأُردن"ِ.
والآن أى إله ذلك الذى يقوده إبليس ليجربه؟ إن الإله هو الذى يجرِّب لا الذى يجرَّب! وأى إله ذلك الذى يجوع ويعطش ويحتاج من ثم إلى الطعام والشراب؟ هذا ليس إلها ولا يمكن أن يكونه. هذا مخلوقٌ فانٍ ضعيفٌ محتاجٌ إلى أن يملأ معدته بالأكل والشرب حتى يمكنه الحياة، وإلا مات. وأى إله أيضا ذلك الذى يتجرأ عليه إبليس ويعرض عليه أن يسجد له؟ لقد عَيَّلَت الألوهية تماما! ثم أى إله أو أى ابن إله ذلك الذى لا يعرفه أبو العفاريت ويتصرف معه على أساس أنه ليس إلا عبدا مخلوقا يستطيع أن يخدعه ويتلاعب به ويمسكه فى قبضته أربعين يوما ويدفعه إلى الصوم والمعاناة، والمفروض أن أبا العفاريت يعرف الكُفْت ذاته؟ إن الشيطان مخلوقٌ عاصٍ: نعم، لكنه لا يمكن أن يكون جاهلا بهذا الشكل، فليس هذا عهدنا بأبى الأباليس ولا عشمنا فيه! وأى إله ذلك الذى لا يستطيع أن يرى العالم وممالكه إلا إذا أراه إياها إبليس؟ إن إبليس هو مخلوق من مخلوقات الله، فما الذى جعل له كل هذا السلطان يا ترى على خالقه، أو على الأقل: على ابن خالقه؟ ولا تقف الطامة عند هذا الحد، فقد عرض إبليس على ابن الله (أو قل: على الله نفسه، فلا فرق) أن يعطيه ملك الدنيا، وهو ما لا معنى له إلا أن المسيح لم يكن ابن الله بحق وحقيق، بل مجرد كلام وابن عمه حديث، وإلا لجاء رده على الفور: ومن أنت يا صعلوك، حتى تحشر نفسك بين الآلهة والملوك؟ ألا تعرف من أنا؟ قم انهض وأنت تكلمنى! لكننا ننصت فنجد عجبا، إذ كل ما قاله له: "ابتعد عنى يا شيطان. مكتوب أنه للرب إلهك وحده تسجد"! وواضح ما فى الرد من تخاذل! والحمد لله أن الكاتب لم يجعله يبكى ويقول له: ابعد عنى، وإلا ناديت لك ماما!
وفى هذا الفصل أيضا نقرأ أن الشيطان قد اقترح عليه أن يحول الحجارة خبزا، لكنه رفض بحجة أنه "ما بِالخبزِ وحدَهُ يحيا الإنسانُ، بل بكلٌ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِنْ فمِ الله". فكيف يرفض عيسى أن يقوم بمعجزة هنا، ولسوف نراه بعد ذلك يقوم بمعجزات طعاميّة وشَرَابِيّةً فيحوّل الماء خمرا ويحوّل الكِسَر اليابسة القليلة والسمكات المعدودة إلى أرغفة وأسماك مشوية لا تُحْصَى حتى لتَأكل منها الجموع وتفيض عن حاجتها؟ كيف نسى المسيح المبدأ الذى استند إليه فى رفض القيام بتلك المعجزة؟ كما أن الحجة التى استند إليها السيد المسيح فى رفض عمل المعجزة هى من الضعف والتهافت بحيث لا تقنع أحدا، إذ لا أحد يشاحّ فى أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، لكن فى نفس الوقت لا أحد يشاح أيضا فى أننا، وإن لم نعش بالخبز وحده، لا يمكننا أن نعيش بدون الخبز أيضا، وهو ما يعنى أن هناك مكانا هاما للخبز فى حياتنا، وكذلك لمثل هذه المعجزة فى منظومة الإيمان العيسوى، وهو ما سنراه بعد ذلك حين يقوم عليه السلام بمعجزات طعاميّة وشرابيّة كما قلنا. ثم ما الفرق بين هذه المعجزة ومعجزات الشفاء من البَرَص والخَرَس والعَمَى والمسّ والنزيف والشلل والحُمَّى؟ إنها أيضا يصدق عليها ما يصدق على معجزة الخبز فى أنها أيضا ليس مما يحيا بها وحدها الإنسان. فما العمل إذن؟ إنها مشكلة دون شك!
كما أن قوله عليه السلام للشيطان ردا على طلبه منه السجود له: "للربّ إلهِكَ تَسجُدُ، وإيّاهُ وحدَهُ تَعبُدُ" لا يعنى إلا شيئا واحدا لا غير، ألا وهو أن العلاقة بين عيسى والله سبحانه وتعالى هى علاقة الألوهية بالعبودية لا علاقة الأبوة بالبنوة أبدا، وإلا فلا معنى لشىء اسمه اللغة. فلنفضَّها سيرةً ولْنُلْغِ اللغة فنريح ونستريح! ونتابع فنقرأ: "أخذَهُ إبليسُ إلى المدينةِ المُقَدَّسَةِ، فأوْقَفَهُ على شُرفَةِ الهَيكل 6وقالَ لَه: "إنْ كُنتَ اَبنَ الله فأَلقِ بِنَفسِكَ إلى الأسفَلِ، لأنَّ الكِتابَ يقولُ: يُوصي ملائِكَتَهُ بكَ، فيَحمِلونَكَ على أيديهِم لئلاَّ تَصدِمَ رِجلُكَ بِحجرٍ".7فأجابَهُ يَسوعُ: "يقولُ الكِتابُ أيضًا: لا تُجرَّبِ الرَّبَّ إلهَكَ". وهنا كذلك يقر المسيح عليه السلام أن العلاقة بينه وبين الله هى علاقة العبد بإلهه، لا جدال فى ذلك!
لكن ثمة مشكلة كبيرة لا حل لها، ألا وهى قول القصة إن إبليس أخذ المسيح وأوقفه على شرفة الهيكل... إلخ، إذ هاهنا يثور فى التوّ سؤال يحتاج لجواب عاجل: أين كان الناس يا ترى، والمسيح يعتلى شرفة الهيكل ويدور بينه وبين إبليس ذلك الحوار المُسَلِّى؟ من المؤكد أنه كان سيكون منظرا مثيرا يخفف من جهامة الواقع اليومى الكئيب آنذاك حيث لم يكن هناك تلفاز ولا مذياع ولا دور خيالة ولا كاتوب ولا... ولا...، فكيف لم نسمع بأن الناس قد اجتمعوا يشاهدون هذا المنظر الفريد، منظر إبليس (وهل كلَّ يوم يرى الناس إبليس؟) وهو يحاول إغراء المسيح بالقفز فى الهواء كالرَّجُل العنكبوت؟ لا شك أنها كانت ستكون نمرة ساحرة من نمر السيرك الإبليسى تساوى أن يقطع الناس لها تذكرة بالشىء الفلانى! ثم كيف يا ترى أخذه إبليس من فوق قمة الجبل إلى هناك؟ أساقه أمامه ماشيا على قدميه أم أخذه على جناحه أم قذفه فى الهواء فانتقل فى غمضة عين من الجبل إلى شرفة الهيكل أم ماذا؟ وأين كان الناس طوال كل ذلك الوقت؟ وقبل ذلك كله ما الذى كان يجبر المسيح على طاعة الشيطان طوال تلك الفترة ويصبر على قلة أدبه معه إلى هذا الحد؟ إن القصة تريد أن تقول إنه، لعنه الله، لم تكن له على عيسى عليه السلام أية سلطة. آمَنّا وصَدَّقْنا! لكن ألا يقول المنطق إنه كان ينبغى أن يشخط فيه عيسى منذ أول لحظة شخطة عنترية تجعل رُكَبه تسيب ويتبول على نفسه، ومن ثم لا يعطيه فرصة للتساخف كما يتساخف أوغاد المهجر ويُقِلّون أدبهم على سيد الأنبياء، بل يسكعه قلمين على صُدْغه تعيد له رشده المفقود وتجعله يمشى على العجين فلا يلخبطه؟ أظن أن هذا هو ما كان ينبغى أن يكون، فما رأيكم أنتم أيها القراء الأعزاء؟
وإذا كان المسيح هو ابن الله، والملائكة فى خدمته بهذا الاعتبار، فلماذا لم يهتم بإنقاذ يحيى عليه السلام من المصير السئ الذى انتهى إليه، أو على الأقل بإعادته للحياة كرة أخرى كما فعل مع ناس آخرين؟ أيكون يحيى أرخص عنده من فلان وعلان وترتان ممن رَدَّ فيهم الروحَ بعد أن كانوا قد فارقوا الحياة؟ لكننا ننظر فنجده عليه السلام، حسبما كتب مؤلف الإنجيل، ما إن يتم القبض على يحيى حتى يتحول للجليل وكأن شيئا لم يكن. وحين وُضِع يحيى فى السجن لم يهتم المسيح به، اللهم إلا عندما جاءه تلاميذ يحيى وسألوه عن بعض الأمور وانصرفوا، فعندئذ أثنى المسيح عليه وعلى إيمانه، ثم لا شىء آخر البتة: "2وسمِعَ يوحنّا وهوَ في السَّجنِ بأَعمالِ المَسيحِ، فأرسَلَ إلَيهِ بَعضَ تلاميذِهِ 3ليقولوا لَهُ: "هلْ أنتَ هوَ الَّذي يَجيءُ، أو نَنتظرُ آخَرَ؟" 4فأجابَهُم يَسوعُ: "اَرْجِعوا وأخْبِروا يوحنّا بِما تَسمَعونَ وتَرَوْنَ: 5العميانُ يُبصرونَ، والعُرجُ يمشونَ، والبُرصُ يُطهَّرونَ، والصمٌّ يَسمَعونَ، والمَوتى يَقومونَ، والمَساكينُ يَتلقَّونَ البِشارةَ. 6وهنيئًا لمن لا يفقُدُ إيمانَهُ بـي".7فلمّا اَنصَرَفَ تلاميذُ يوحنّا، تَحدَّثَ يَسوعُ لِلجُموعِ عَنْ يوحنّا فقالَ: "ماذا خَرَجتُم إلى البرَّيَّةِ تَنظُرونَ؟ أقَصَبةً تَهُزٌّها الرَّيحُ؟ 8بلْ ماذا خَرَجتُم ترَوْنَ؟ أرَجُلاً يلبَسُ الثَّيابَ النّاعِمَةَ؟ والَّذينَ يَلبَسونَ الثَّيابَ النّاعِمَةَ هُمْ في قُصورِ المُلوكِ! 9قولوا لي: ماذا خَرَجتُم تَنظُرونَ؟ أنبـيُا؟ أقولُ لكُم: نعَم، بلْ أفضَلَ مِنْ نَبِـيٍّ. 10فهوَ الَّذي يقولُ فيهِ الكِتابُ: أنا أُرسِلُ رَسولي قُدّامَكَ، ليُهيَّـئَ الطَّريقَ أمامَكَ. 11الحقَّ أقولُ لكُم: ما ظهَرَ في النّاسِ أعظمُ مِنْ يوحنّا المَعمدانِ، ولكِنَّ أصغَرَ الَّذينَ في مَلكوتِ السَّماواتِ أعظمُ مِنهُ. 12فَمِنْ أيّامِ يوحنّا المَعمدانِ إلى اليومِ، والنَّاسُ يَبذُلونَ جَهدَهُم لِدُخولِ مَلكوتِ السَّماواتِ، والمُجاهِدونَ يَدخُلونَهُ. 13فإلى أنْ جاءَ يوحنّا كانَ هُناكَ نُبوءاتُ الأنبـياءِ وشَريعَةُ موسى. 14فإذا شِئتُم أنْ تُصَدَّقوا، فاَعلَموا أنَّ يوحنّا هوَ إيليّا المُنتَظرُ. 15مَنْ كانَ لَه أُذُنانِ، فَلْيَسمَعْ!".
وهو ما سوف يتكرر عندما يُقْتَل عليه السلام: "3وكانَ هيرودُسُ أمسَكَ يوحنّا وقَيَّدَهُ وسَجَنَهُ مِنْ أجلِ هيرودِيَّةَ اَمرأةِ أخيهِ فيلبٌّسَ، 4لأنَّ يوحنّا كانَ يقولُ لَه: "لا يَحِلُّ لَكَ أنْ تَتَزوَّجَها". 5وأرادَ أنْ يَقتُلَهُ، فخافَ مِنَ الشَّعبِ لأنَّهُم كانوا يَعدٌّونَهُ نَبـيُا. 6ولمّا أقامَ هيرودُسُ ذِكرى مَولِدِهِ، رقَصَتِ اَبنَةُ هيرودِيَّةَ في الحَفلةِ، فأعجَبَتْ هيرودُسَ، 7فأقسَمَ لها أنْ يُعطِيَها ما تَشاءُ. 8فلقَّنَتْها أمٌّها، فقالَت لِهيرودُسَ: "أعطِني هُنا على طَبَقٍ رَأسَ يوحنّا المَعمدانِ!" 9فحَزِنَ المَلِكُ، ولكنَّهُ أمَرَ بإعطائِها ما تُريدُ، مِنْ أجلِ اليَمينِ التي حَلَفَها على مسامِـعِ الحاضرينَ. 10وأرسَلَ جُنديُا، فقَطَعَ رأسَ يوحنَّا في السَّجن 11وجاءَ بِه على طبَقٍ. وسلَّمَهُ إلى الفتاةِ، فحَمَلْتهُ إلى أُمَّها. 12وجاءَ تلاميذُ يوحنّا، فحَمَلوا الجُثَّةَ ودَفَنوها، ثُمَّ ذَهَبوا وأخبَروا يَسوعَ. 13فلمّا سَمِعَ يَسوعُ، خرَجَ مِنْ هُناكَ في قارِبٍ إلى مكانٍ مُقْفِرٍ يَعتَزِلُ فيهِ. وعرَفَ النّاسُ، فتَبِعوهُ مِنَ المُدُنِ مَشيًا على الأقدامِ. 14فلمّا نزَلَ مِنَ القاربِ رأى جُموعًا كبـيرةً، فأشفَقَ علَيهِم وشفَى مَرضاهُم. 15وفي المساءِ، دَنا مِنهُ تلاميذُهُ وقالوا: "فاتَ الوقتُ، وهذا المكانُ مُقفِرٌ، فقُلْ لِلنّاسِ أنْ يَنصرِفوا إلى القُرى لِـيشتَروا لهُم طعامًا". 16فأجابَهُم يَسوعُ: "لا داعيَ لاَنصرافِهِم. أعطوهُم أنتُم ما يأكلونَ". 17فقالوا لَه: "ما عِندَنا هُنا غيرُ خَمسةِ أرغِفةٍ وسَمكتَينِ".18فقالَ يَسوعُ: "هاتوا ما عندَكُم". 19ثُمَّ أمَرَ الجُموعَ أنْ يَقعُدوا على العُشبِ، وأخَذَ الأرغِفَةَ" (متى/ 14)! أين الرحمة؟ أين عاطفة القرابة؟ إنه لم يذرف عليه دمعة واحدة وكأنه لم يكن هناك شخص اسمه يحيى تربطه به قرابةٌ وثيقةٌ أسريةٌ وروحيةٌ كما لم يكن بينه وبين أى شخص آخر: "وسَمِعَ يَسوعُ باَعتِقالِ يوحنّا، فرجَعَ إلى الجليلِ".
أولو كان المسيح ابن الله على الحقيقة أكان يمكن أن يتصرف هكذا أمام تلك المأساة الدموية التى كانت كفيلة بتحريك قلب الحجر، وكأنه عليه السلام بلا قلب؟ إن هذا لو وقع من بشر يستطيع أن يبادر لإنقاذ يحيى ثم لم يفعل لكانت سبة الدهر وفضيحة الأبد، فما بالنا بابن الله؟ أيعقل أن يهتم بتوفير الطعام لبعض الناس ولا يهتم بإنقاذ قريبه هذا الذى كان نبيا مثله والذى بشر به ومهد له الطريق وعمّده ليكمل بِرّه؟ ولنلاحظ أن المعجزات التى عملها هنا إنما هى المعجزات التى رفض عملها من قبل بالحجة التى ذكرناها ووجدنا أنها ليست بحجة على الإطلاق! إن هذا وغيره من الأسباب لدليل على أن فى الأمر خللا، ونحن نستبعد أن يكون المسيح على ذلك النحو من تبلد الإحساس وموتان القلب واللامبالاة بموت قريبه وصديقه وصاحب الفضل عليه فى المعمودية ورصيفه بل رائده فى النبوة، ونقول إنه بالأحرى العبث بالإنجيل. إن الإنجيل الذى نؤمن نحن المسلمين به والذى يغالط المبشرون الكذابون فيحاولون أن يوهموا الأغرار منا قائلين لهم إن المسلم لا يكمل إيمانه إلا بالإيمان بالأناجيل الحالية، هذا الإنجيل لا علاقة له بالأناجيل التى بين أيدينا الآن. إن الأناجيل التى بين أيدينا شىء، والإنجيل الذى نزل على عيسى عليه السلام شىء آخر. الإنجيل السماوى ضاع، وإن كنا نرجّح أن يكون قد بَقِىَ منه بعض العبارات التى تُنْسَب للمسيح فى الأناجيل الحالية، أما ما نقرؤه الآن فهو مجموعة من السِّيَر العيسوية تشبه السِّيَر النبوية لدينا، وإن لم تقم على نفس الأساس الذى تقوم عليه سِيَر الرسول عليه الصلاة والسلام من الرغبة على الأقل فى التمحيص وإعلان أسماء الرواة حتى يكون لدى من يهمه الأمر الفرصة للتحقق بنفسه من مدى مصداقية هذه الروايات؟ وكيلا يمارى القوم مراءهم المشهور فيقولوا إنه لم يكن هناك إلا هذه الأناجيل التى بين أيدينا أنبه القراء إلى قول الكاتب ذاته لا قولى أنا: "وكانَ يَسوعُ يَسيرُ في أنحاءِ الجليلِ، يُعلَّمُ في المجامعِ ويُعلِنُ إنجيلَ المَلكوتِ". فأين ذلك الإنجيل الذى كان يعلنه عيسى عليه السلام ويعلمه للناس؟ اللهم إلا إذا قيل: لقد أكلته القطة! ??????ولمّا مَضى السَّبتُ وطلَعَ فَجرُ الأحَدِ، جاءَتْ مَريمُ المَجْدَليَّةُ ومَريمُ الأُخرى لِزيارَةِ القَبرِ. 2وفجأةً وقَعَ زِلزالٌ عظيمٌ، حينَ نَــزَلَ مَلاكُ الرَّبَّ مِنَ السَّماءِ ودَحرَجَ الحَجَرَ عَنْ بابِ القَبرِ وجلَسَ علَيهِ. 3وكانَ مَنظرُهُ كالبَرقِ وثَوبُهُ أبـيَضَ كالثَّلجِ. 4فاَرتَعبَ الحَرَسُ لمّا رأوهُ وصاروا مِثلَ الأمواتِ.
5فقالَ المَلاكُ للمَرأتَينِ: "لا تَخافا. أنا أعرِفُ أنَّكُما تَطلُبانِ يَسوعَ المَصلوبَ. 6ما هوَ هُنا، لأنَّهُ قامَ كما قالَ. تَقدَّما واَنظُرا المكانَ
الَّذي كانَ مَوضوعًا فيهِ. 7واَذهَبا في الحالِ إلى تلاميذِهِ وقولا لهُم: قامَ مِنْ بَينِ الأمواتِ، وها هوَ يَسبُقُكُم إلى الجَليلِ، وهُناكَ ترَوْنَهُ. ها أنا قُلتُ لكُما".
8فتَركَتِ المَرأتانِ القَبرَ مُسرِعَتَينِ وهُما في خَوفٍ وفَرَحِ عَظيمينِ، وذَهَبتا تحمِلانِ الخَبرَ إلى التَّلاميذِ. 9فلاقاهُما يَسوعُ وقالَ: "السَّلامُ علَيكُما". فتَقَدَّمَتا وأمسكَتا بِقَدَميهِ وسَجَدتا لَه. 10فقالَ لهُما يَسوعُ: "لا تَخافا! إذهَبا وقولا لإخوَتي أنْ يَمْضوا إلى الجَليلِ، فهُناكَ يَرَوْنَني.
أقوال الحرس.
11وبَينَما هُما ذاهبتانِ رَجَع بَعضُ الحَرَسِ إلى المدينةِ وأخبَروا رُؤساءَ الكَهَنَةِ بكُلٌ ما حدَثَ. 12فاَجتَمعَ رُؤساءُ الكَهنَةِ والشٌّيوخُ، وبَعدَما تَشاوَرُوا رَشَوا الجُنودَ بمالٍ كثيرٍ، 13وقالوا لهُم: "أشيعوا بَينَ النّاسِ أنَّ تلاميذَ يَسوعَ جاؤُوا ليلاً وسَرَقوهُ ونَحنُ نائِمونَ. 14وإذا سَمِعَ الحاكِمُ هذا الخبَرَ، فنَحنُ نُرضيهِ ونَرُدٌّ الأذى عنكُم". 15فأخَذَ الحَرَسُ المالَ وعمِلوا كما قالوا لهُم. فاَنتشَرَتْ هذِهِ الرَّوايةُ بَينَ اليَهودِ إلى اليوم.
يسوع يظهر لتلاميذه.
16أمّا التَّلاميذُ الأحدَ عشَرَ، فذَهبوا إلى الجَليلِ، إلى الجبَلِ، مِثلما أمرَهُم يَسوعُ. 17فلمّا رأوْهُ سَجَدوا لَه، ولكِنَّ بَعضَهُم شكّوا. 18فدَنا مِنهُم يَسوعُ وقالَ لهُم: "نِلتُ كُلَ سُلطانٍ في السَّماءِ والأرضِ. 19فاَذهبوا وتَلْمِذوا جميعَ الأُمَمِ، وعَمَّدوهُم باَسمِ الآبِ والابنِ والرٌّوحِ القُدُسِ، 20وعلَّموهُم أن يَعمَلوا بِكُلٌ ما أوصَيْتُكُم بِه، وها أنا مَعكُم طَوالَ الأيّامِ، إلى اَنقِضاءِ الدَّهرِ".
هذا هو الموضع الوحيد الذى وردت فيه الإشارة إلى الثالوث، وكما هو واضح لم يحدث ذلك إلا بعد موت عيسى وقيامه من الأموات حسب رواية مؤلف الإنجيل. وعجيب أن يسكت عيسى عليه السلام طوال حياته فلا يذكر الثالوث بكلمة، ثم إذا ما مات وقام ولم يكن هناك أحد آخر من البشر سوى تلامذته جاءت أول إشارة منه إلى ذلك الموضوع، مع أننا قد رأينا معا كيف مرت أوقات وظروف كانت تتطلب هذا التصريح تطلبا حادًّا ومُلِحًّا فلم يفعل. وعلى أية حال فالتعميد هنا ليس بالنار كما قال يحيى حسبما قرأنا معا من قبل، بل ينفذه القوم بالماء: إما بالتغطيس الكامل أو بالاكتفاء برش نقاط من الماء على الجسد.
والآن ليس لى تعليق على أى شىء آخر فى هذا الفصل، فنحن قد بيَّنّا لا معقولية أحداث الصلب كلها هى والعقيدة التى وراءها، وإن كنا نحترم حرية كل إنسان وكل جماعة فى اعتناق ما يَرَوْنه، بيد أننا أردنا أن نبين لمن يشتمون نبينا أن بيوتهم من زجاجٍ تامّ الهشاشة يتحطم من مجرد مرور النسيم على مقربة منه. وقد قلنا إنهم أحرار فى أن يستمروا فى الشتم، فنحن لا نملك أفواه الآخرين، لكننا نملك أن نرد بالتحليل المنطقى، كما أننا لا نحب العنف بل نحب العلم والعقل ونحتكم إليهما ولا نرضى بهما بديلا. وقد درستُ وما زلتُ أنتهز كل فرصة لدراسة الدين الذى أدين به من جديد على ضوء المنطق الإنسانى والعلم الصحيح والمقارنة بينه وبين الأديان الأخرى، فأجدنى بعد كل مراجعة أزداد إيمانا واطمئنانا. ومع ذلك لا أذكر أنى كتبت يوما بهدف دعوة الآخرين إلى الإسلام رغم إيمانى بأنه لا بد أن تقوم طائفة بهذه المهمة. كل ما فى الأمر أننى غير مهيإ لهذا العمل وأننى إذا أردت أن أقوم به فلربما لم أحسنه، بل أحسن الدفاع عن دينى وعرض محاسنه ووجوه العبقرية فيه. وما كنت أود الدخول فى هذا الذى دخلنا رغم أنوفنا فيه، بيد أنك لا تستطيع أن تقف مشلولا وأنت ترى الآخرين يعتدون على دينك وعليك أنت نفسك وعلى أهلك وأمتك ويرمونكم بكل نقيصة وينالون من أعراضكم ويسبون قرآنك ورسولك الكريم الذى تؤمن به والذى هو، بكل معنى ومن أية زاوية نظرت إليه، سيد الأنبياء والمرسلين. فكان لا بد أن نرد حتى لا تكون فتنة فيتصور الناس أن المسلمين ليس عندهم القدرة على الرد لأن دينهم ضعيف لا يصمد للنقد. لكننا لم ولن نرد على سباب محمد صلى الله غليه وسلم بالتطاول على أخيه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، بل حصرت ردى فى ردع الشتامين المجرمين فحسب، دون توسيع نطاق الكلام إلى أحد آخر ممن هم على نفس دينهم.
وفى النهاية يحسن أن نوجز ما قلناه فى هذا التحليل: فعيسى بن مريم، كما تصوره لنا الأناجيل، ليس هو ذلك الإنسان الوديع المتواضع المسالم، بل هو إنسان عصبى هجّام يشتم مخالفيه ويفترض فيهم منذ البداية النية السيئة وليس لديه أدنى أمل فيهم ولا فى مصيرهم. بل إن جفاءه وخشونته لتطول أمه عليها السلام أيضا. كما رأينا معا أيضا كيف قال إنه لم يأت بالسلام بل بالسيف وتمزيق الروابط بين أبناء الأسرة الواحدة. كذلك ليس فى الإنجيل ما يدل على أنه اهتم بنشر بنوته لله، بل أقصى ما يمكن أن نفكر فيه هو أنه قد أشار إليها فى بعض الأحيان القليلة أثناء حديثه مع حوارييه، وانتهى الأمر عند هذا الحد، مع ملاحظة أنه كثيرا ما سمى نفسه: "ابن الإنسان"، وسماه الآخرون: "ابن داود" أو "ابن يوسف" أو "ابن يوسف ومريم"، ووصفوه بأنه "نبى" أو "سيد" أو "معلم"، وفى ذات الوقت كثيرا ما أشار فى إلى الآخرين فى كلامه معهم عن الله بكلمة "أبوكم السماوى".
وقد لاحظنا كذلك أن عقيدة الصلب والفداء مملوءة بالثقوب والتناقضات ومجافاة المنطق وطبيعة الألوهية والعبودية البشرية، وأنها لا تستطيع أن تفسر لنا تفسيرا سليما أى شىء فى حياة السيد المسيح، بل تزيد الأمور تعقيدا وتشابكا. كما أنه، عليه السلام، حسبما جاء فى سيرته الإنجيلية، قد دعا وألح فى الدعوة إلى أن ينبذ الناس الدنيا ويتبعوه، وإلا هلكوا، وهو ما يعنى أن ديانته لا تصلح لبناء حياة سليمة تكفل إشباع حاجات البشر المختلفة التى لا يمكنهم أن يديروا ظهورهم لها، وإلا فسدت أمورهم كلها فسادا شنيعا.
وبالمثل رأينا أن دعوته، عليه السلام، تنحصر فى بعض المبادئ المغرقة فى المثالية، ومن ثم يستحيل على الناس أن يبنوا حياتهم على أساسها رغم ما فى الكلمات التى تركها لنا من جمال وطيبة قلب ونية، فضلا عن حديثه المتكرر عن ملكوت السماوات، الذى لاحظت أنه أحيانا ما يكون المقصود به التفضيل الإلهى السابق لبنى إسرائيل على العالمين ووَشْك تحول النبوة عنهم إلى أمة العرب، وأحيانا ما يعنى الجنة السماوية. كما أن خطابه كان موجها لبنى إسرائيل فحسب لدرجة التزمت الشديد أحيانا مثلما رأينا فى حالة المرأة الكنعانية التى أتته تستنجد به ليشفى ابنها من صَرْعه. وبمقارنة ما جاء به المسيح بما دعا إليه النبى محمد عليه الصلاة والسلام يتبين لنا مدى السعة الهائلة للمساحة التى تغطيها دعوة أبى القاسم، تلك الدعوة التى أتى بها إلى الدنيا جمعاء وشملت كل مجالات الحياة، مما أشبهت معه الديانتان "هايبر ماركت" ضخما هائلا يحتوى على كل ما يحتاجه الإنسان، ودكانة صغيرة تقوم ببعض متطلبات الحى لا أكثر؟؟؟؟؟ولمّا طلَعَ الصٌّبحُ، تَشاورَ جميعُ رُؤساءِ الكَهنَةِ وشُيوخُ الشَّعبِ على يَسوعَ ليَقتُلوهُ. 2ثُمَّ قَيَّدوهُ وأخَذوهُ وأسلَموهُ إلى الحاكِمِ بـيلاطُسَ.
موت يهوذا.
3فلمّا رأى يَهوذا الَّذي أسلَمَ يَسوعَ أنَّهُم حكَموا علَيهِ، ندِمَ ورَدَّ الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ إلى رُؤساءِ الكَهنَةِ والشٌّيوخِ، 4وقالَ
لهُم: "خَطِئتُ حينَ أسلَمتُ دمًا بريئًا". فقالوا لَه: "ما علَينا؟ دَبَّرْ أنتَ أمرَكَ". 5فرَمى يَهوذا الفِضَّةَ في الهَيكلِ واَنْصرفَ، ثُمَّ ذهَبَ وشَنقَ نفسَهُ.
6فأخَذَ رُؤساءُ الكَهنَةِ الفِضَّةَ وقالوا: "هذِهِ ثمنُ دمِ، فلا يَحِلُّ لنا أنْ نضَعَها في صُندوقِ الهَيكَلِ". 7فاَتَّـفَقوا أنْ يَشتَروا بِها حَقلَ الخَزّافِ ليَجعَلوهُ مَقبرَةً لِلغُرَباءِ. 8ولِهذا يُسَمّيهِ الناسُ حقلَ الدَّمِ إلى هذا اليومِ.
9فتَمَّ ما قالَهُ النَّبـيٌّ إرميا: "وأخذوا الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ، وهيَ ما اَتَّفقَ بَعضُ بَني إِسرائيلَ على أنْ يكونَ ثمنُهُ، 10ودَفَعوها ثَمنًا لِحَقلِ الخزّافِ. هكذا أمرَني الرَّبٌّ".
بـيلاطس يسأل يسوع.
11ووقَفَ يَسوعُ أمامَ الحاكِمِ فسألَهُ الحاكِمُ: "أأنتَ مَلِكُ اليَهودِ؟" فأجابَهُ يَسوعُ: "أنتَ قُلتَ". 12وكانَ رُؤساءُ الكَهنَةِ والشٌّيوخِ يتَّهِمونَهُ، فلا يُجيبُ بِشيءٍ. 13فقالَ له بـيلاطُسُ: "أما تسمَعُ ما يَشهَدونَ بِه علَيكَ؟" 14فما أجابَهُ يَسوعُ عَنْ شيءٍ، حتَّى تَعجَّبَ الحاكِمُ كثيرًا.
الحكم على يسوع بالموت.
15وكانَ مِنْ عادَةِ الحاكِمِ في كُلٌ عيدٍ أن يُطلِقَ واحدًا مِن السٌّجَناءِ يَختارُهُ الشّعبُ. 16وكانَ عِندَهُم في ذلِكَ الحينِ سَجينٌ شهيرٌ اَسمُهُ يشوعُ باراباسُ. 17فلمّا تَجَمْهرَ النّاسُ سألَهُم بـيلاطُسُ: "مَنْ تُريدونَ أنْ أُطلِقَ لكُم: يشوعُ باراباسُ أمْ يَسوعُ الَّذي يُقالُ لَه المَسيحُ؟" 18وكان بـيلاطُسُ يَعرِفُ أنَّهُم مِنْ حَسَدِهِم أسلموا يَسوعَ.
19وبَينَما بـيلاطُسُ على كُرسِـيَّ القَضاءِ، أرسَلَتْ إلَيهِ اَمرأتُهُ تَقولُ: "إيّاكَ وهذا الرَّجُلَ الصّالِـحَ، لأنَّي تألَّمتُ اللَّيلَةَ في الحُلمِ كثيرًا مِنْ أجلِهِ". 20لكنَّ رُؤساءَ الكَهنَةِ والشٌّيوخَ حَرَّضوا الجُموعَ على أنْ يَطلُبوا باراباسَ ويَقتُلوا يَسوعَ. 21فلمّا سألَهُمُ الحاكمُ: "أيٌّهُما تُريدونَ أنْ أُطلِقَ لكُم؟" أجابوا: "باراباسُ!" 22فقالَ لهُم بـيلاطُسُ: "وماذا أفعَلُ بـيَسوعَ الَّذي يُقالُ لَه المَسيحُ؟" فأجابوا كُلٌّهُم: "إصْلِبْهُ!" 23قالَ لهُم: "وَأيَّ شَرٍّ فَعلَ؟" فاَرتفَعَ صياحُهُم: "إصْلِبْهُ!"
24فلمّا رأى بـيلاطُسُ أنه ما اَستفادَ شيئًا، بلِ اَشتَدَّ الاَضطِرابُ، أخذَ ماءً وغسَلَ يَديهِ أمامَ الجُموعِ وقالَ: "أنا بَريءٌ مِنْ دَمِ هذا الــــرَّجُل! دَبَّروا أنتُم أمرَهُ". 25فأجابَ الشّعبُ كُلٌّهُ: "دمُهُ علَينا وعلى أولادِنا!" 26فأطلَقَ لهُم باراباسَ، أمّا يَسوعُ فجلَدَهُ وأسلَمَهُ لـــيُصْلَبَ.
الجنود يستهزئون بـيسوع.
27فأخذَ جُنودُ الحاكِمِ يَسوعَ إلى قَصرِ الحاكِمِ وجَمعوا الكَتيبةَ كُلَّها، 28فنزَعوا عَنهُ ثيابَهُ وألبَسوهُ ثَوبًا قِرمِزيُا، 29وضَفَروا إكليلاً مِنْ شَوكٍ ووضَعوهُ على رأسِهِ، وجَعَلوا في يَمينِهِ قصَبَةً، ثُمَّ رَكَعوا أمامَهُ واَستَهزأوا بِه فقالوا: "السّلامُ علَيكَ يا مَلِكَ اليَهودِ!" 30وأمسكوا القصَبَةَ وأخَذوا يَضرِبونَهُ بِها على رأسِهِ وهُم يَبصُقونَ علَيهِ. 31وبَعدَما اَستَهزَأوا بِه نَــزَعوا عَنهُ الثَّوبَ القِرمِزيَّ، وألبَسوهُ ثيابَهُ وساقوهُ ليُصلَبَ يسوع على الصليب.
32وبَينَما هُمْ خارِجونَ مِنَ المدينةِ صادَفوا رَجُلاً مِنْ قَيرينَ اَسمُهُ سِمْعانُ، فسَخَّروهُ ليَحمِلَ صَليبَ يَسوعَ. 33ولمّا وصَلوا إلى المكانِ الَّذي يُقالُ لَه الجُلجُثَةُ، أي "مَوضِعُ الجُمجُمَةِ" 34أعطَوْهُ خَمرًا مَمزوجَةً بِالمُرَّ، فلمّا ذاقَها رفَضَ أنْ يَشرَبَها. 35فصَلبوهُ واَقتَرعوا على ثيابِهِ واَقتَسموها. 36وجَلَسوا هُناكَ يَحرُسونَه. 37ووضَعوا فَوقَ رأسِهِ لافِتَةً مكتوبًا فيها سَببُ الحُكمِ علَيهِ: "هذا يَسوعُ، مَلِكُ اليَهودِ". 38وصَلَبوا مَعهُ لِصَّينِ، واحدًا عَنْ يَمينِهِ وواحدًا عَنْ شِمالِهِ. 39وكانَ المارةُ يَهُزّونَ رُؤوسَهُم ويَشتِمونَهُ ويَقولونَ: 40"يا هادِمَ الهَيكَلِ وبانِـيَهُ في ثلاثَةِ أيّامِ، إنْ كُنتَ اَبنَ الله، فخلَّصْ نفسَكَ واَنزِلْ عَنِ الصَّليبِ". 41وكانَ رُؤساءُ الكَهنَةِ ومُـعلَّمو الشّريعَةِ والشٌّيوخُ يَستهزِئونَ بِه، فيَقولونَ: 42"خَلَّصَ غيرَهُ، ولا يَقدِرُ أنْ يُخلَّصَ نفسَهُ! هوَ مَلِكُ إِسرائيلَ، فلْيَنزِلِ الآنَ عَنِ الصَّليبِ لِنؤمِنَ بِه! 43توَكَّلَ على الله وقالَ: أنا اَبنُ الله، فليُنقِذْهُ الله الآنَ إنْ كانَ راضيًا عنهُ". 44وعيَّرَهُ اللَّصانِ المَصلوبانِ مَعهُ أيضًا، فقالا مِثلَ هذا الكلامِ.
موت يسوع.
45وعِندَ الظٌّهرِ خيَّمَ على الأرضِ كُلَّها ظلامٌ حتَّى السّاعةِ الثّالِثةِ. 46ونحوَ الساعةِ الثالثةِ صرَخَ يَسوعُ بِصوتٍ عَظيمِ: "إيلي، إيلي، لِما شَبقتاني؟" أي "إلهي، إلهي، لماذا تَركتَني؟" 47فسَمِعَ بَعضُ الحاضرينَ هُناكَ، فقالوا: "ها هوَ يُنادي إيليّا!" 48وأسرَعَ واحدٌ مِنهُم إلى إسفِنْجَةٍ، فبَلَّــلَها بالخَلٌ ووضَعَها على طرَفِ قَصبَةٍ ورَفَعها إلَيهِ لِـيَشرَبَ. 49فقالَ لَه الآخرونَ: "اَنتَظِرْ لِنرى هَلْ يَجيءُ إيليّا ليُخَلَّصَهُ!" 50وصرَخَ يَسوعُ مرّةً ثانيةً صَرْخَةً قَوِيَّةً وأسلَمَ الرّوحَ.
51فاَنشَقَّ حِجابُ الهَيكلِ شَطرَينِ مِنْ أعلى إلى أسفَلَ. وتَزلْزَلتِ الأرضُ وتَشقَّقتِ الصٌّخورُ. 52واَنفتَحَتِ القُبورُ،. فقامَتْ أجسادُ كثير مِنَ القِدَّيسينَ الرّاقِدينَ. 53وبَعدَ قيامَةِ يَسوعَ، خَرَجوا مِنَ القُبورِ ودَخلوا إلى المدينةِ المقدَّسَةِ وظَهَروا لِكثير مِنَ النّاسِ.
54فلمّا رأى القائِدُ وجُنودُهُ الَّذينَ يَحرُسونَ يَسوعَ الزَّلزالَ وكُلَ ما حدَثَ، فَزِعوا وقالوا: "بالحَقيقةِ كانَ هذا الرَّجُلُ اَبنَ الله!" 55وكانَ هُناكَ كثيرٌ مِنَ النَّساءِ يَنظُرنَ عَنْ بُعدٍ، وهُنَّ اللَّواتي تَبِعنَ يَسوعَ مِنَ الجَليلِ ليَخدُمْنَه، 56فيهِنّ مَريمُ المَجدليَّةُ، ومَريمُ أمٌّ يَعقوبَ ويوسفَ، وأُمٌّ اَبنَي زَبدي.
دفن يسوع.
57وجاءَ عِندَ المساءِ رجُلٌ غَنِـيٌّ مِنَ الرّامةِ اَسمُهُ يوسُفُ، وكانَ مِنْ تلاميذِ يَسوعَ. 58فدَخَلَ على بـيلاطُسَ وطلَبَ جَسدَ يَسوعَ. فأمَرَ بـيلاطُسُ أنْ يُسلَّموهُ إلَيهِ. 59فأخَذَ يوسُفُ جَسدَ يَسوعَ ولفَّهُ في كفَنٍ نظيفٍ، 60ووضَعَهُ في قبرٍ جديدٍ كانَ حَفَرَهُ لِنفسِهِ في الصَّخرِ، ثُمَّ دَحرجَ حجرًا كبـيرًا على بابِ القبرِ ومَضى. 61وكانَت مَريَمُ المَجْدليَّةُ، ومَريَمُ الأُخرى، جالِستَينِ تُجاهَ القَبرِ.
حراسة القبر.
62وفي الغدِ، أيْ بَعدَ التَّهيئَةِ لِلسَّبتِ، ذهَبَ رُؤساءُ الكَهنَةِ والفَرّيسيّونَ إلى بـيلاطُس 63وقالوا لَه: "تَذكَّرنا، يا سيَّدُ، أنَّ ذلِكَ الدَّجالَ قالَ وهوَ حيٌّ: سأقومُ بَعدَ ثلاثةِ أيّـامِ. 64فأصْدِرْ أمرَكَ بِحِراسَةِ القَبرِ إلى اليومِ الثّالِثِ، لِـئلاَّ يَجيءَ تلاميذُهُ ويَسرِقوهُ ويقولوا للشَّعبِ: قامَ مِنْ بَينِ الأمواتِ، فتكونَ هذِهِ الخِدعَةُ شرُا مِنَ الأولى".
65فقالَ لهُم بـيلاطُسُ: "عِندَكُم حرَسٌ، فاَذهَبوا واَحتاطوا كما تَرَونَ". 66فذَهبوا واَحتاطوا على القَبرِ، فختَموا الحجَرَ وأقاموا علَيهِ حَرَسًا".
والآن أليس عجيبا أن يتراجع يهوذا عما أتاه من خيانة بمجرد أن حكموا على المسيح، وهو الذى كان أمامه الوقت الطويل قبل ذلك كى يفيق من نفاقه وكيده فلم يفعل، ومع هذا فبمجرد أن حكموا على المسيح كما تزعم القصة انقلب على نفسه ثمانين درجة وذهب فانتحر رغم أن الحكم لم يكن قد نفذ بعد، وكان ممكنا جدا أن يتغير لسبب أو لآخر، بل رغم أنه كان يستطيع أن يذهب للحاكم ويعترف له بما فعل ويشهد لصالح المسيح ما دام ضميره قد استيقظ وأخذ يأكله مثلما تأكل زيكو دبره بالضبط، فيتعرض من ثم لغضب الله لأنه قد أحبط الخطة الإلهية لغفران عموم الخطايا البشرية؟ يعنى يا يهوذا يا ابن الحلال: واقعتك مهببة مهببة مهما فعلت! ألم يكن عندى حق عندما قلت: "الله يخرب بيتك" لقاء ما بَرْجَلْتَ عقولنا وعقول البشرية كلها وأسلتَ من أحبارنا واستهلكتَ من أوراقنا وأوقاتنا ما كان يمكننا، على الأقل نحن سكان منطقة الشرق الأوسط المتخلفة هذه، أن ننفقه فيا هو أفيد؟ ثم لا تَنْسَوُا السيد متّى، الذى يظن نفسه من الذكاء وإيانا من الغباء بحيث يستطيع أن يزعم أن ما حدث قد تنبأ به الأنبياء (هذه المرة: إرميا)، فقال كعادته عبارته المشهورة التى حفظناها عن ظهر قلب أو عن قلب ظهر: لكى يتم ما قاله النبى، أو شيئا مشابها لهذا! لكن متَّى لم يكن للأسف ذكيا بما فيه "الكفاية" (ولعل هذا هو السبب فى أنه ليس من أعضاء حركة "كفاية" الحالية!)، لأنه لم يتصور أن هناك ناسا آخرين سوف يكتبون هم أيضا سيرة المسيح ويعكّون مثله فيقولون شيئا آخر غير ما قال. ألم يكن أجدر به أن يتفق معهم مقدما على ما ينبغى قوله حتى لا يأتى فى آخر الزمان واحد مثلى "قاعد لهم على القعيدة" فيفضح تخليطهم واضطرابهم ويكشف للناس جميعا أن ما قاله القرآن عن هذه الحكايات المسماة بــ"الأناجيل" من أنها كلام ملفق مزور محرف هو اتهام صحيح؟ كيف؟ لنأخذ فقط هذا الذى قاله النبى المذكور ونبين أنه، بغض النظر عن صحته أو لا، لا علاقة بينه وبين ما وقع للسيد المسيح وأن حكاية يهوذا كلها ليست سوى "شويّة خرابيط لخابيط"! ذلك أن الحكاية تتخذ شكلا آخر فى "أعمال الرسل"، إذ نقرأ فيه: "18فَإِنَّ هَذَا اقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسَطِ فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. 19وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ حَتَّى دُعِيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقْلَ دَمَا» (أَيْ: حَقْلَ دَمٍ). 20لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَاباً وَلاَ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آَخَرُ" (أعمال الرسل/ 1/ 18)، أى أن العهد القديم يتناقض مع نفسه من كتَابٍ إلى آخر. ولنلاحظ أن كاتب "أعمال الرسل" لم يقصّر هو أيضا فى الاستشهاد بما جاء فى "العهد القديم"، لكنه آثر "المزامير" على "إرميا"، ولم لا، وإرميا نبى، وداود نبى (وإن كان نبيا زانيا وقاتلا حقودا، لكنه على كل حال نبى)، وكل من له نبى يصلى عليه ويستند إليه؟ وواضح أن الحكاية مضطربة متناقضة بين المؤلفَيْن، فلنتركهما فى غَيّهما سادِرَيْن، ولنمض نحن إلى موضوع آخر، فاللخبطات كثيرة، والتناقضات لا تنتهى. ثم إذا قلنا لهم ذلك شتموا نبى الرحمة وأقلّوا أدبهم! ماشٍ! وبالمناسبة فالنص الخاص بالثلاثين فضة موجود فى الفصل الحادى عشر من سفر "زكريا"، وهو خاص بأجرة رعى الغنم التى استحقها الله من عمله لدى شعبه العنيد الصلب الرقبة، لكن متّى وأمثاله يلوون هذه النصوص الغامضة التى لا معنى لها ويزعمون أنها تتعلق بالسيد المسيح. وهذا طبيعى، فما دام لا وجود لمنهج ولا منطق فمن الممكن أن يقول الإنسان أى شىء عن أى شىء! إن ما قاله متّى فى تفسير تسمية الحقل المذكور بــ"حقل الدم" هو من جنس قولهم فى تفسير اسم "الفيوم" بأن يوسف عليه السلام قد بناها فى "ألف يوم"، أو تفسير اسم "هملت" بأن أمه "أهملت" فى تربيته!
وفوق هذا فإننا لا نستطيع أن نمضى دون أن نعلن استغرابنا لما حدث ليهوذا: لماذا بالله يصوَّر الرجل فى كتابات القوم على أنه شرير؟ إن دوره فى واقع الأمر مكمّل لدور المسيح: فهذا قد أتى ليموت على الصليب من أجل كذا وكذا مما يزعمونه، وذاك قد أتى ليساعد هذا على تأدية المهمة المنوطة به، وإلا فكيف بالله عليكم كان يمكن أن يتم الفداء والتكفير عن خطيئة البشرية لو لم يبع يهوذا المسيح لليهود ولو لم يقتل اليهود المسيح؟ أعطونى عقلكم، فقد تعبت من التفكير! لكنْ للأسف نسى الكاتب المحترم أن يقول لنا كيف شنق يهوذا نفسه. هل أتى بسلم وركّب فى السقف علاقة حديد وربط فيها حبلا متينا حتى يضمن أنه لن ينقطع إذا ما علق رقبته فيها وتدلى الحبل به، ثم أتى بكرسى ووقف عليه ووضع عنقه فى الخية، ثم شد الربقة جيدا حول عنقه، ثم "هُبَّا!" ضرب الكرسى بقدمه من تحته فأطاره بعيدا فأخذ يُفَلْفِص دون جدوى تحت مطارق الألم بسبب الاختناق وانكسار فقرات العنق حتى انقطعت أنفاسه تماما وتدلى لسانه وجحظت عيناه! يا حفيظ! أم إنه، على طريقة الأفلام المصرية، ما إن ضرب الكرسى من تحته حتى شد بثقله السقف إلى أسفل فانهار وتدفقت منه أوراق البنكنوت بالآلاف، فعوضه الله بذلك عن الثلاثين فضة التى لا تساوى فى هذه الأيام النحسات شيئا حيث تضاعف سعر كل شىء، وبعد أن كنا نشترى ونحن صغار عشر حبّات كراملة بتعريفة (نصف قرش صاغ) أصبحنا الآن نشترى الحبة الواحدة بخمسة قروش صاغ، وأحيانا بعشرة؟ بينى وبينكم: السيناريو الثانى أفضل فى نظرى لأنه أرحم وأقرب للعقلية الشرق أوسطية وأوفق للخطة الإلهية التى ترى فى يهوذا عاملا محفِّزا لتنفيذ المشيئة المقدسة! فما رأيكم أنتم؟
هل انتهينا هكذا؟ أبدا، فما زالت الأرض مملوءة بالألغام القاتلة: مثلا كيف يا ترى لم نر أحدا يدافع عن المسيح بين هاتيك الجموع، وكأن بينها وبينه ثأرا بائتا، فلا بد من أكل لحمه على عظمه وشرب دمه! أين الجماهير التى كانت تصحبه من مكان إلى مكان حتى داخل الهيكل ويهتفون باسمه ويسجدون له ويتحدَّوْن الكهنة والصدوقيين والفريسيين من أجله؟ أين الصبيان الذين دخلوا على الخط هم أيضا وجلجلت أصواتهم بين جدران المعبد تمجيدا له؟ لقد بلغ عدد هذه الجموع يوم السمك والخبز سبعة آلاف، وكان ذلك فى بدايات الدعوة، فكيف ذابوا بهذه البساطة كما يذوب فص الملح فى الماء فلم نعد نسمع لهم حِسًّا أو عنهم خبرا؟ أين تلك الجماهير يا ترى الذين قال المؤلف المضطرب الفكر والرواية إن رؤساء اليهود خَشُوا أن يؤذوا عيسى فى العيد كيلا يثيروها ضدهم لتعاطفها معه؟ وبطبيعة الحال لا يمكن القول بأنهم قد خافوا من السلطات، فقد أخبرنا السيد متّى أن الحاكم كان متعاطفا مع المسيح، وكذلك زوجته التى رأت حلما فى المنام عنه كدّرها فتدخلت عنده تتشفع له، بل إنه كان من عادته أن يطلق لهم فى كل عيد سجينا يختارونه بأنفسهم، كما أن المسيح لم يكن يتحدى الدولة، فضلا عن أن رؤساء اليهود أنفسهم قد عملوا حساب تلك الجماهير ولم يشاؤوا مَسّ عيسى بأذى مراعاة لمشاعرهم وموقفهم منه، فلماذا الخوف إذن؟ إن العامة عندنا فى القرية، رغم جهلهم وانعدام الموهبة القصصية لديهم، دائما ما يقولون: "إن كذبتَ فاكذبْ كذبا متساويا". يعنون أنه لا بد من مراعاة أصول الفن والصنعة حتى فى الكذب! بيد أن متّى، كما هو واضح، يفتقر للحس الروائى!
كذلك عجبا أن يلوذ عيسى بن مريم بالصمت ولا يجيب على الأسئلة التى كان يوجهها له بيلاطس، وقد كان من المحتمل أن يطلق سراحه لو أنه اهتم بالدفاع عن نفسه وفضح الأكاذيب التى شنع بها اليهود عليه، فلماذا لم يفعل بالله عليه؟ ألم نره يناجى ربه فى ألم وحزن وانسحاق أن يصرف عنه تلك الكأس؟ فلماذا لم ينتهز هذه الفرصة السانحة ويجيب على أسئلة الحاكم بما يجلّى وجه الحق، ويترك الباقى على الله: فإن اقتضت مشيئته أن يُصْلَب ويُقْتَل لم يخسر شيئا، وإن غَيَّرَ سبحانه ما كان أراده من قبل، فبها ونعمت! أولم يكن ينبغى أن يهتبل هذه السانحة الأخيرة فيوضّح للناس حكاية الخطيئة الأولى وكيف نزل من عليائه كى يعيد الأمور لنصابها، على الأقل حتى يعطى الناس فرصة لمعرفة الحقيقة فلا تكون لهم حجة عند ربهم يوم القيامة، بدلا من هذا الغموض الذى يلف المسألة كلها فلا ندرى رأسنا من رجلينا؟ أيمكن أن يكون هناك حكم دون حيثيات وتوضيحات؟ ثم إن بيلاطس، لما حاول أن يثنى اليهود عن قتل عيسى وفشل، غسل يده وتبرأ من المشاركة فى ذلك العمل المجرم وقال لهم بالحرف الواحد: "أنا بَريءٌ مِنْ دَمِ هذا الــــرَّجُل! دَبَّروا أنتُم أمرَهُ"، لكننا بعد بضع كلمات نفاجأ بالسيد متّى يقول عن ذلك الحاكم بالحرف أيضا: "فأطلَقَ لهُم باراباسَ، أمّا يَسوعُ فجلَدَهُ وأسلَمَهُ لـــيُصْلَبَ"، فلا ندرى أى الروايتين نصدق؟
ثم نمضى فنقرأ: "27فأخذَ جُنودُ الحاكِمِ يَسوعَ إلى قَصرِ الحاكِمِ وجَمعوا الكَتيبةَ كُلَّها، 28فنزَعوا عَنهُ ثيابَهُ وألبَسوهُ ثَوبًا قِرمِزيُا، 29وضَفَروا إكليلاً مِنْ شَوكٍ ووضَعوهُ على رأسِهِ، وجَعَلوا في يَمينِهِ قصَبَةً، ثُمَّ رَكَعوا أمامَهُ واَستَهزأوا بِه فقالوا: "السّلامُ علَيكَ يا مَلِكَ اليَهودِ!" 30وأمسكوا القصَبَةَ وأخَذوا يَضرِبونَهُ بِها على رأسِهِ وهُم يَبصُقونَ علَيهِ. 31وبَعدَما اَستَهزَأوا بِه نَــزَعوا عَنهُ الثَّوبَ القِرمِزيَّ، وألبَسوهُ ثيابَهُ وساقوهُ ليُصلَبَ يسوع على الصليب". ولا أظن عاقلا يصدق أن شيئا من ذلك يمكن أن يحدث للإله أو لابن الإله! هذه أسطورة كأساطير الهنود والإغريق والمصريين القدماء، وهذا الإله لا يمكن أن يكون هو الله رب العالمين، بل هو إله وثنى، تعالى الله عن أن يكون له ولد أو أن يُضْرَب ويهان ويُشْتَم ويُسْتَهْزَأ به، وهو عاجز لا يملك لنفسه شيئا! والمضحك أنه بعدما انتهى كل شىء وتم الصلب والقتل يتذكر الله فقط عندئذ ولده فإذا بالكون يظلم وتثور الزلازل وتنتثر القبور ويقوم الموتى بأكفانهم وينشق حجاب الهيكل... إلى آخر ما اخترعته خيالات الرواة وأوهامهم مما سنأتى له فيما بعد! بالله أين كان هذا كله قبل وقوع المصيبة؟ وهل بعد خراب بصرة يمكن أن يصنع الواحد منا شيئا؟ ثم لماذا يقع هذا كله ويغضب الله، وهو سبحانه إنما أرسل ابنه الوحيد (يا كبدى عليه!) ليُصْلَب ويُقْتَل؟ أتراه لم يتحمل قلبه ما حدث لفلذة كبده؟ فأى إله ذلك يا ربى؟ لقد حَيَّرَنا معه أشد حيرة ولم نعد نعرف ماذا يريد بالضبط! الرحمة يا صاحب الرحمة!
ثم لماذا يكلفون سمعان حمل الصليب عن المسيح، وهم إنما حكموا عليه بالصلب ليعذبوه، فهل يتفق مع هذا الغرض وتلك النية أن يريحوه ويكلفوا رجلا غريبا ليس له فى الثور ولا فى الطحين حمل الصليب؟ وفى الترجمات الأخرى أن سمعان هذا كان من القيروان، والمعروف أن القيروان لم تبن إلا بعد ذلك التاريخ بنحو ألف عام على يد عقبة بن نافع! ثم ننظر فنجد أن الجميع يسخرون من المسيح ويسمعونه قارص القول ويتحدَّوْنه أن ينقذ نفسه أو على الأقل أن يدعو ربه فينقذه، لكننا ننصت فنجده صامتا لا يتكلم. فلماذا يا ترى، وقد كان قادرا فى أدنى تقدير أن يدعو الله أو أن يأخذ أبوه المبادرة من تلقاء نفسه ويصنع آية، لا أقول لإنقاذه، بل لتعريفهم مركزهم وإلزامهم حدودهم وإلجام أفواههم عن التهكم وقلة الأدب وإنبائهم بأن هذا الرجل المصلوب "هو ابنى الوحيد. أرسلته إليكم يا أوباش للتكفير عن إجرامكم وسفالتكم وكتبت فى لوحى المحفوظ أنه سيُصْلَب ويُقْتَل من أجل خاطركم. عليكم اللعنة!". وبهذا يخرسهم فلا يفتحون فمهم! أما أن يسكت طوال مدة المحاكمة والصلب والضرب والطعن والشتم والتجديف، ثم إذا ما انتهى كل شىء ولم يعد هناك جدوى من التدخل رأيناه يسوّد الدنيا ويثير الزلازل ويمزق الأستار ويبعث الموتى من قبورهم، ولا أدرى لماذا، فهو تصرف لا معنى له! كما لا أدرى أيضا ماذا حصل لأولئك الموتى بعد ذلك؟ أأبقاهم أحياء مقدِّرًا لهم بذلك استئناف حياة جديدة أم استردّهم سريعا وأعادهم للقبور التى جاؤوا منها قبل أن يذوقوا لذة الدنيا فيهربوا ولا يَرْضَوْا أن يعودوا مرة ثانية إلى ظلمة القبر وخنقته وديدانه وتحلل الأجساد فيه إلى رمم، وفوق ذلك يا حبيبى: "الثعبان الأقرع" الذى لم يعد شىء سواه يسكن خيالات بعض المسلمين فى الفترة الأخيرة، ولا أظن النصارى فى ذلك العهد كانوا أفضل عقلا منهم؟ ثم اللصان الظريفان اللذان لم يكونا يلقيان بالا إلى بلواهما التى يقاسيانها فوق الصليب، والمسامير المدقوقة فى أيديهما، وركبهما المكسورة، وحلقيهما المتشققين من العطش، ولا إلى المصيبة الأخرى التى تنتظرهما، وهى مصيبة الإعدام، وكانا يسخران منه مع الساخرين. غريبة! فى أى شىء نحن يا ترى: فى ... أم فى شَمّ وَرْد؟ أذكر الآن، وأنا أضحك من القرف، مسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم، وفيها نجد نخّاسا عليه حكم بالإعدام سينفذ فيه بعد قليل فى تلك الليلة، ومع ذلك كان يبادل جلاده النكات ويضحك معه وكأنه مقبل على البناء بعروس شابة جميلة لا على تطيير رقبته بالسيف!
وهناك فضيحة الفضائح، ألا وهى صراخ مصلوبنا واستغاثته بأبيه وسؤاله إياه: لماذا تركتنى؟ الله أكبر! تَرَكَك؟ وماذا كنت تنتظر منه أن يفعل، وهو إنما اختارك اختيارا للصلب والقتل؟ ثم عندنا أيضا الــ"كم" معجزة التى وقعت عند طلوع روحه: انشقاق أرض، على قيام أموات، على تمزق ستار هيكل، على انفلاق صخور! ولا تسأل كيف لم يسجل التاريخ شيئا من ذلك، فهذه أمور بسيطة ينبغى ألا تعكر صفو مزاجنا ونحن نقرأ مثل هذه القصص المسلية! ولكن الإنسان لايستطيع أن يحبس نفسه عن الاستفسار عن وجه الحكمة فى هذه المعجزات الغاضبة: هل الله سبحانه وتعالى قد تراجع وندم بعدما أحس بلذع الفقد؟ لكن هل يتراجع الإله ويتألم ويشعر بالفقد مثلما نفعل نحن البشر الفانين؟ يا عيب الشؤم! إذن فلماذا هذا الغضب العنيف التى تزلزلت له الأرض وتناثرت الصخور واستيقظ الموتى وانشق حجاب المعبد؟ أم تراها تهويشا فاضيا لا يقدم ولا يؤخر لا هدف من ورائه سوى حفظ ماء الوجه: "51فاَنشَقَّ حِجابُ الهَيكلِ شَطرَينِ مِنْ أعلى إلى أسفَلَ. وتَزلْزَلتِ الأرضُ وتَشقَّقتِ الصٌّخورُ. 52واَنفتَحَتِ القُبورُ،. فقامَتْ أجسادُ كثير مِنَ القِدَّيسينَ الرّاقِدينَ. 53وبَعدَ قيامَةِ يَسوعَ، خَرَجوا مِنَ القُبورِ ودَخلوا إلى المدينةِ المقدَّسَةِ وظَهَروا لِكثير مِنَ النّاسِ". والطريف أن كل ما كان من رد فعل بين الحاضرين لهذه الكوارث هو ما قاله فقط الضابط والجنود المكلفون بحراسة المسيح: "فلمّا رأى القائِدُ وجُنودُهُ الَّذينَ يَحرُسونَ يَسوعَ الزَّلزالَ وكُلَ ما حدَثَ، فَزِعوا وقالوا: "بالحَقيقةِ كانَ هذا الرَّجُلُ اَبنَ الله!". وهذا كل ما هنالك، وكأن ابن الله حاجة "ببلاش كده" تمتلئ بها أسواق الليمون! والأنكى أنه لم يكن هناك "رجل" واحد يهتم بابن الله رغم كل ذلك. كل من كان هناك كنّ من النساء: "55وكانَ هُناكَ كثيرٌ مِنَ النَّساءِ يَنظُرنَ عَنْ بُعدٍ، وهُنَّ اللَّواتي تَبِعنَ يَسوعَ مِنَ الجَليلِ ليَخدُمْنَه، 56فيهِنّ مَريمُ المَجدليَّةُ، ومَريمُ أمٌّ يَعقوبَ ويوسفَ، وأُمٌّ اَبنَي زَبدي". ولكن لم لا، والعصر الآن هو عصر الفيمينزم؟ ألم تسمعوا بالمرأة المخبولة التى تعلن تمردها على الحمل والولادة وتريد من زوجها أن يحمل مثلها ويلد، وإن كانت قد نسيت أن تخبرنا كيف يحمل ولا فى أى عضو من جسده يمكن أن يتم الحمل. إنها لمشكلة حقا، إلا أن الأمر بالنسبة للقُمّص المنكوح محسومة، فدبره يصلح لأشياء كثيرة، بل هو فى الواقع يصلح لكل شىء؟؟؟؟؟؟؟وعادَ يَسوعُ إلى مُخاطَبَةِ الجُموعِ بالأمثالِ، فقالَ: 2"يُشبِهُ مَلكوتُ السَّماواتِ مَلِكًا أقامَ وليمَةً في عُرسِ اَبنِه. 3فأرسَلَ خدَمَهُ يَستَدْعي المَدعُوَّينَ إلى الوَليمَةِ، فرَفَضوا أنْ يَجيئوا. 4فأرسَلَ خدَمًا آخرينَ ليقولوا للمَدعُوّينَ: أعدَدْتُ وليمَتي وذَبَحتُ أبقاري وعُجولي المُسمَّنةَ وهيَّأتُ كُلَ شيءٍ، فتعالَوْا إلى العُرسِ! 5ولكنَّهُم تهاوَنُوا، فمِنهُم مَنْ خرَجَ إلى حقلِهِ، ومِنهُم مَنْ ذهَبَ إلى تِجارَتِهِ، 6والآخرونَ أمسكوا خَدَمَهُ وشَتَموهُم وقَتَلوهُم. 7فغَضِبَ الملِكُ وأرسَلَ جُنودَهُ، فأهلَكَ هؤلاءِ القَتَلةَ وأحرَقَ مَدينَتَهُم. 8ثمَّ قالَ لخَدَمِهِ: الوَليمةُ مُهيَّأةٌ ولكنَّ
المَدعُوّينَ غَيرُ مُستحقّينَ، 9فاَخرُجوا إلى مَفارقِ الطٌّرُقِ واَدعُوا إلى الوَليمَةِ كُلَ مَنْ تَجِدونَهُ. 10فخرَجَ الخَدَمُ إلى الشَّوارعِ وجَمَعوا مَنْ وجَدوا مِنْ أشرار وصالِحينَ، فاَمتلأتْ قاعَةُ العُرسِ بالمدعُوَّينَ.
11فلمّا دخَلَ المَلِكُ ليَرى المدعوّينَ، وجَدَ رجُلاً لا يَلبَسُ ثِـيابَ العُرسِ. فقالَ لَه: 12كيفَ دَخَلتَ إلى هُنا، يا صَديقي، وأنتَ لا تلبَسُ ثِـيابَ العُرسِ? فسكَتَ الرَّجُلُ. 13فقالَ المَلِكُ للخَدَمِ: اَربُطوا يَدَيهِ ورِجلَيهِ واَطرَحوهُ خارِجًا في الظَّلامِ فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأسنانِ. 14لأنَّ المدَعُوّينَ كَثيرونَ، وأمّا المُختارونَ فَقليلونَ".
دفع الجزية إلى القيصر.
15وذهَبَ الفَرّيسيّونَ وتَشاوَروا كيفَ يُمسِكونَ يَسوعَ بِكلِمَةٍ. 16فأرسلوا إلَيهِ بَعضَ تلاميذِهِم وبَعضَ الهيرودُسيـّينَ يَقولونَ لَه: "يا مُعَلَّمُ، نَعرِفُ أنَّكَ صادقٌ، تُعلَّمُ بِالحَقَّ طَريقَ الله، ولا تُبالي بأحدٍ، لأنَّكَ لا تُراعي مَقامَ النّاسِ. 17فقُلْ لنا: ما رأيُكَ؟ أيَحِلُّ لنا أنْ نَدفَعَ الجِزْيَةَ إلى القَيصَرِ أم لا؟"
18فعرَفَ يَسوعُ مَكرَهُم، فقالَ لهُم: "يا مُراؤونَ! لِماذا تُحاوِلونَ أنْ تُحْرِجوني؟ 19أرُوني نَقدَ الجِزْيةِ!" فناولوهُ دينارًا. 20فقالَ لهُم: "لِمَن هذِهِ الصّورَةُ وهذا الاسمُ؟" 21قالوا: "لِلقَيصَرِ!" فقالَ لهُم: "اَدفَعوا، إذًا، إلى القَيصَرِ ما لِلقَيصَرِ، وإلى الله ما لله!" 22فتَعَجَّبوا مِمّا سَمِعوهُ، وتَركوهُ ومَضَوْا.
قيامة الأموات.
23وفي ذلِكَ اليومِ جاءَ إلى يَسوعَ بَعضُ الصدّوقيـّينَ، وهُمُ الَّذينَ يُنكِرونَ القِـيامَةَ، وسألوهُ: 24"يا مُعلَّمُ، قالَ موسى: إنْ ماتَ رجُلٌ لا ولَدَ لَه، فَلْيَتَزوَّجْ أخوهُ اَمرأتَهُ ليُقيمَ نَسلاً لأخيهِ. 25وكانَ عِندَنا سبعةُ إخوةٍ، فتَزوَّجَ الأوَّلُ وماتَ مِنْ غَيرِ نَسلٍ، فتَرَكَ اَمرأتَهُ لأخيهِ. 26ومِثلُهُ الثّاني والثّالِثُ حتَّ? السّابِــــــعُ. 27ثُمَّ ماتَتِ المرأةُ مِنْ بَعدِهِم جميعًا. 28فلأيَّ واحدٍ مِنهُم تكونُ زوجةً في القيامةِ؟ لأنَّها كانَت لَهُم جميعًا".
29فأجابَهُم يَسوعُ: "أنتُم في ضَلالٍ، لأَّنكُم تَجهَلونَ. الكُتُبَ المُقَدَّسةَ وقُدرَةَ الله. 30ففي القِـيامَةِ لا يَتَزاوَجونَ، بلْ يكونونَ مِثلَ مَلائِكَةٍ في السَّماءِ. 31وأمّا قيامَةُ الأمواتِ، أفَما قَرَأتُم ما قالَ الله لكُم: 32أنا إلــهُ إبراهيمَ، وإلــهُ إسحقَ، وإلــهُ يعقوبَ؟ وما كانَ الله إلــهَ أمواتٍ، بل إلــهُ أحياءٍ".
33وسَمِعَ الجُموعُ هذا الكلامَ، فتَعَجَّبوا مِنْ تَعليمِهِ.
الوصية العظمى.
34وعَلِمَ الفَرّيسيّونَ أنَّ يَسوعَ أسكَتَ الصَدّوقيـّينَ، فاَجتمعوا معًا. 35فسألَهُ واحِدٌ مِنهُم، وهوَ مِنْ عُلماءِ الشَّريعةِ، ليُحرِجَهُ: 36"يا مُعَلَّمُ، ما هي أعظمُ وصِيَّةٍ في الشَّريعةِ؟"
37فأجابَهُ يَسوعُ: "أحِبَّ الرَّبَّ إلهَكَ بِكُلٌ قَلبِكَ، وبِكُلٌ نفسِكَ، وبكُلٌ عَقلِكَ. 38هذِهِ هيَ الوصِيَّةُ الأولى والعُظمى. 39والوصِيَّةُ الثّانِـيةُ مِثْلُها: أحِبَّ قَريبَكَ مِثلَما تُحبٌّ نفسَكَ. 40على هاتينِ الوصِيَّـتَينِ تَقومُ الشَّريعةُ كُلٌّها وتَعاليمُ الأنبـياءِ".
المسيح وداود.
41وبَينَما الفَرّيسيّونَ مُجتمِعونَ سألَهُم يَسوعُ: 42"ما قولُكُم في المَسيحِ؟ اَبنُ مَنْ هوَ؟" قالوا لَه: "اَبنُ داودَ!" 43قالَ لهُم: "إذًا، كيفَ يَدعوهُ داودُ رَبُا، وهوَ يَقولُ بِوَحْيٍ مِنَ الرٌّوحِ: 44قالَ الرَّبٌّ لِرَبّـي: اَجلِسْ عَنْ يَميني حتَّى أجعَلَ أعداءَكَ تَحتَ قَدَمَيْكَ. 45فإذا كانَ داودُ يَدعو المَسيحَ رَبُا، فكَيفَ يكونُ المَسيحُ اَبنَهُ؟"
46فما قدِرَ أحدٌ أن يُجيبَهُ بكَلِمَةٍ، ولا تجرَّأَ أحدٌ مِنْ ذلِكَ اليومِ أنْ يَسألَهُ عَنْ شَيءٍ".
أحسب أن القارئ الآن يدرك أفضل من ذى قبل كيف أن رسالة السيد المسيح محصورة فى ضرب الأمثال عن ملكوت السماوات وإلقاء بعض المواعظ المغرقة فى المثالية والتى تبدو للعيون عن بعد شيئا رائعا، لكننا إذا اقتربنا منها وحللناها هالنا عدم واقعيتها وتأبيها على التطبيق مهما فعلنا، ببساطة لأنها تدابر الفطرة البشرية، وإلا فكم واحدا من البشر، وبالذات من المنافقين الذين يرددون كالثعالب هذا الكلام، ينفّذ شيئا من هذا فى الواقع؟ والعجيب أن فريقا كبيرا من أولئك الذين يسببون لنا خَوْتة الدماغ بسبب تصايحهم الساذج بهذه الشعارات الخاوية هم أول الناس تمردا عليها ونفورا من التمسك بها على أرض الواقع، فتراهم قليلى الأدب سفلة هجامين معتدين كذابين مزورين متباذئين يتطاولون على أشرف المرسلين رغم كل كلامهم عن التسامح و"من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر" حتى مللنا وأحسسنا بالغثيان والرغبة فى القىء! هذه هى رسالة السيد المسيح، ولست أقلل منها ولا منه عليه السلام، لكنى أقول إننا إذا وضعناها تجاه رسالة المصطفى لبدا لنا للوهلة الأولى كيف أن نبوة ابن مريم لا تشكل أكثر من ركن صغير لطيف من الدار الوسيعة الفسيحة التى بناها ابن عبد الله، أو هى بمثابة "دكّانة صغيرة مُحَنْدَقة" بالنسبة لما يسمونه فى الإنجليزية: "هايبر ماركت". هذا بالضبط هو الوضع الحقيقى لتَيْنِك الرسالتين ورسوليهما، مع احترامنا للاثنين لأنهما كليهما من عند الله.
وقد وصلتنى الليلة رسالة مضحكة ينصحنى فيها السذج الثلاثة الذين نقلوها من أحد المواقع المهجرية وبعثوا بها لى أن أُسْلِم نفسى للسيد المسيح وأترك الإسلام، ذلك الدين النرجسى السادى الذى أتى به رسول شيطان. يقولون هذا بكل أدب ظاهرى، لكن فيه قلة الأدب التى تخطر والتى لا تخطر على البال، وفيه كذلك الكفر كله، والسفالة التى فى الدنيا جمعاء. وهؤلاء المآبين الزِّيكُووِيّون السادرون فى سذاجتهم وهمجيتهم وبدائية تفكيرهم وتدنى مستوى فهومهم وعامية منطقهم يتصورون أن هذا الأسلوب يمكن أن يؤثر فى أحدٍ ممن لديه ذرة من العقل والثقافة، ولا يريدون أن يفهموا أن ما يطلبونه إنما هو التخلف بعينه، وأن أتباع محمد (لا الذين يعبدون عيسى من دون الله) هم فى الحقيقة محبّو عيسى الذين يفهمون رسالته حق الفهم ويخلصون لها من كل قلوبهم. إننا مع التوحيد الذى جاء به المسيح وكل الأنبياء صلى الله عليهم أجمعين، ولا يعقل أن يشذ المسيح عليه السلام عن جميع النبيين والمرسلين فيأتى وحده دونهم بالتثليث. هذه وثنية وتخلف عقيدى ذهب وذهبت أيامه، لا أرجعها الله، أما إذا أرادت طائفة من البشر أن يتمسكوا بهذا التخلف وتلك البدائية التى إنما تناسب الناس فى جاهليتهم الأولى فهم وشأنهم، لكن ينبغى أن يتمتعوا بما يسمَّى فى لغة المتحضرين: "الذوق"! فليس من المعقول أن يأتى رجلٌ كلُّ حظه من الثقافة أنه يفك الخط فيطلب من أستاذ جامعى مثلا أن يترك أستاذيته وينصت لما عنده من علم عظيم لم يأت به عالم من قبل ولن يأتى به من بعد! بالله ما الذى يمكن أن تقوله لمثل هذا الجاهل المتخلف الذى يتصور بجهله وتخلفه أن الله يتجسد ويتبول ويخرأ ويقتله عباده ويهينونه ويبصقون عليه؟ أى إلهٍ هُزُؤٍ هذا الإله؟ أَوَعَدِمَتِ الآلهةُ ولم يعد هناك آلهة بحق وحقيق؟ بئست هذه ألوهية!
ثم عاد المسيح إلى تهديده لبنى إسرائيل بأن النبوة ستتحول عنهم جراء صلابة رقابهم واستمرار كفرهم وإيذائهم الأنبياء أو قتلهم إياهم، وهذا هو المغزى الذى يومئ إليه المثل الأول فى هذا الفصل. لقد فضل الله سبحانه وتعالى بنى إسرائيل يوما على العالمين، لكنهم لقصور عقولهم وغرورهم حسبوا أنه جل وعلا إنما فضلهم لما فيهم من فضل ذاتى لا لنزول رسالات السماء فيهم وتمثيلهم العقيدة التوحيدية ردحا من الزمن فى المحيط الوثنى العالمى من حولهم، وأنهم مهما فعلوا وعاندوا وكفروا لا يمكن أن يحاسَبوا ويعاقَبوا كسائر الأمم، أما إن كانت هناك مؤاخذة وحساب فلن تمسهم النار إلا أياما معدودات، "وغَرَّهم فى دينهم ما كانوا يَفْتَرُون" كما جاء فى القرآن الكريم، فنبههم السيد المسيح أنْ "صَحّ النوم"، فقد أصبحنا فى "الضُّحَى العالى" و"راحت عليكم نومة" بل راح عليكم كل شىء، واقتضى الوضع الجديد أن تتحول عنكم النبوة إلى أمة أخرى هى أمة العرب، التى اقتضت مشيئة الله أن يظهر من بينها رسول يحمل رسالة السماء إلى الدنيا كلها لا إلى قومه وحدهم، وهو ما كان، لكن بنى إسرائيل ظلوا بعقولهم الزَّنِخة على جحودهم وعنادهم ماضين لا يريدون أن يفهموا أن الدنيا قد تغيرت، ثم جاء أتباع السيد المسيح فغَلَوْا فيه وبدلا من أن يصلحوا الأمر أفسدوه إفسادا شنيعا. ولنقرأ:
وعادَ يَسوعُ إلى مُخاطَبَةِ الجُموعِ بالأمثالِ، فقالَ: 2"يُشبِهُ مَلكوتُ السَّماواتِ مَلِكًا أقامَ وليمَةً في عُرسِ اَبنِه. 3فأرسَلَ خدَمَهُ يَستَدْعي المَدعُوَّينَ إلى الوَليمَةِ، فرَفَضوا أنْ يَجيئوا. 4فأرسَلَ خدَمًا آخرينَ ليقولوا للمَدعُوّينَ: أعدَدْتُ وليمَتي وذَبَحتُ أبقاري وعُجولي المُسمَّنةَ وهيَّأتُ كُلَ شيءٍ، فتعالَوْا إلى العُرسِ! 5ولكنَّهُم تهاوَنُوا، فمِنهُم مَنْ خرَجَ إلى حقلِهِ، ومِنهُم مَنْ ذهَبَ إلى تِجارَتِهِ، 6والآخرونَ أمسكوا خَدَمَهُ وشَتَموهُم وقَتَلوهُم. 7فغَضِبَ الملِكُ وأرسَلَ جُنودَهُ، فأهلَكَ هؤلاءِ القَتَلةَ وأحرَقَ مَدينَتَهُم. 8ثمَّ قالَ لخَدَمِهِ: الوَليمةُ مُهيَّأةٌ ولكنَّ المَدعُوّينَ غَيرُ مُستحقّينَ، 9فاَخرُجوا إلى مَفارقِ الطٌّرُقِ واَدعُوا إلى الوَليمَةِ كُلَ مَنْ تَجِدونَهُ. 10فخرَجَ الخَدَمُ إلى الشَّوارعِ وجَمَعوا مَنْ وجَدوا مِنْ أشرار وصالِحينَ، فاَمتلأتْ قاعَةُ العُرسِ بالمدعُوَّينَ. 11فلمّا دخَلَ المَلِكُ ليَرى المدعوّينَ، وجَدَ رجُلاً لا يَلبَسُ ثِـيابَ العُرسِ. فقالَ لَه: 12كيفَ دَخَلتَ إلى هُنا، يا صَديقي، وأنتَ لا تلبَسُ ثِـيابَ العُرسِ? فسكَتَ الرَّجُلُ. 13فقالَ المَلِكُ للخَدَمِ: اَربُطوا يَدَيهِ ورِجلَيهِ واَطرَحوهُ خارِجًا في الظَّلامِ فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأسنانِ. 14لأنَّ المدَعُوّينَ كَثيرونَ، وأمّا المُختارونَ فَقليلونَ". صلى الله وسلم على عيسى بن مريم، الذى جاء بالحق وصدّق المرسلين، لكن القوم ألهوه وأعادونا إلى المربع رقم واحد، وكأنك يا أبا زيد ما غزوت! ومع ذلك فمذهبنا أن كل إنسان حر فيما يختار لنفسه، لكن قلة الأدب والسفالة لا يمكن أن يسكت عليها أىّ حرّ كريم!
ثم ينتقل متّى فى حكايته المسماة خطأً بــ"الإنجيل" إلى موضوع آخر مهم هو موضو ع الجزية. وأرجو أن يقرأ الجميع (مسلمون ونصارى وعفاريت زرق) الكلام الذى قاله السيد المسيح فى هذا الموضوع طبقا لما حدثنا به متّى: "15وذهَبَ الفَرّيسيّونَ وتَشاوَروا كيفَ يُمسِكونَ يَسوعَ بِكلِمَةٍ. 16فأرسلوا إلَيهِ بَعضَ تلاميذِهِم وبَعضَ الهيرودُسيـّينَ يَقولونَ لَه: "يا مُعَلَّمُ، نَعرِفُ أنَّكَ صادقٌ، تُعلَّمُ بِالحَقَّ طَريقَ الله، ولا تُبالي بأحدٍ، لأنَّكَ لا تُراعي مَقامَ النّاسِ. 17فقُلْ لنا: ما رأيُكَ؟ أيَحِلُّ لنا أنْ نَدفَعَ الجِزْيَةَ إلى القَيصَرِ أم لا؟"18فعرَفَ يَسوعُ مَكرَهُم، فقالَ لهُم: "يا مُراؤونَ! لِماذا تُحاوِلونَ أنْ تُحْرِجوني؟ 19أرُوني نَقدَ الجِزْيةِ!" فناولوهُ دينارًا. 20فقالَ لهُم: "لِمَن هذِهِ الصّورَةُ وهذا الاسمُ؟" 21قالوا: "لِلقَيصَرِ!" فقالَ لهُم: "اَدفَعوا، إذًا، إلى القَيصَرِ ما لِلقَيصَرِ، وإلى الله ما لله!" 22فتَعَجَّبوا مِمّا سَمِعوهُ، وتَركوهُ ومَضَوْا". فعيسى بن مريم يوجب على أتباعه أن يدفعوا الجزية لحكامهم أيا كان هؤلاء الحكام وألا يثيروا بشأنها شَغْبًا تحت أى دعوى. فهل يتصرف من يزعمون أنهم أتباع عيسى عليه السلام بناء على هذه الفتوى الصريحة الواضحة التى لا تحتمل لبسا، ورغم ذلك نراهم يختلقون المشاكل فى البلاد الإسلامية التى يعيشون فيها على أحسن ما يرام ودون أن يدوس أحد لهم على طرف، فيزعمون أن دفعهم الجزية أمر غير مقبول، مع أن أحدا من المسلمين لم يقل لهم: ادفعوا الجزية. وهل هناك دولة إسلامية تمشى الآن على شريعة محمد كاملة؟
هذه واحدة، والثانية أن المسيح يقول فى معرض رده على سؤال المنافقين اليهود الغَدَرة إنهم يريدون أن يحرجوه، ومن الواضح أنه كان ضائق الصدر بهذا الإحراج، فهل هناك إله يقول هذا لعباده، اللهم إلا أن يكون إلها فالصو وارد العالم الثالث من الآلهة التى تصنع تحت السلم، وليس إلها أصليا من الذين تصنعهم اليابان؟ لقد كنت أظن أنه سيمحقهم بكلمة واحدة من فمه أو بإشارة من إصبعه أو بمكالمة من هاتفه الخلوى لمَلَكٍ من الملائكة الذين وضعهم الله فى ملكوت السماوات تحت أمره وفى خدمته! أم تراه لما وجد نفسه وحيدا دون ملائكة حوله شعر بالارتباك والحيرة وأخذه الخجل وكان ما كان من خوفه من الإحراج، ناسيا أنه إله أو ابن إله، وأنه من العيب أن يشعر إله بالحرج، وممن؟ من بعض مخلوقاته! ونقول لهم إن هذا الكلام لا يمكن أن يكون وحيا سماويا ولا أن يكون وراءه الروح القدس، فيتركون الجواب عن هذا الاعتراض ويستديرون يشتمون الرسول الكريم صلى لله عليه وسلم! يا سفلة، هل عليكم عفريت اسمه "محمد"؟ فأين الوداعة والسماحة والرقة والمحبة والتواضع والسلام والسكينة (كفاية يا عمنا! قطّعتَ قلبى! حرام عليك!)؟ ودعونا من حكاية الصفع على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر! ثم لماذا الإحراج، وهو إنما جاء ليُقْتَل على الصليب؟ فمم يخاف إذن؟ إنه مقتول مقتول، فلم الخوف؟ أم تراه كان يريد أن يفطّ من أداء المهمة التى كلفه أبوه بها؟ ولنلاحظ أنه لم يعترض على مناداة اليهود له بــ"يا معلم"، أى أنه لا هو ابن الله ولا الله ذاته، أستغفر الله.
ثم السؤال الخاص بالعلاقة بين الرجال والنساء فى ملكوت السماوات: كيف ستكون؟ وقد طرح اليهود السؤال وكأنه سيكون هناك زواج وتزويج وعقدٌ وتسجيل وشهود وتحريمٌ وتحليلٌ كالذى هنا. وبطبيعة الحال لا يوجد شىء كهذا هناك، بل سعادة دائمة ولذائذ لا حصر لها ولا تَنْفَد أبدا ولا يعتريها قلق ولا ألم ولا خوف، ولا يصاحبها شىء مما يصاحبها فى الدنيا من مَغْص أو طَمْث أو بول أو بَراز أو صُنَان...إلخ. لذلك كان جواب المسيح، إن صح أنه جوابه فعلا، أن هؤلاء المنافقين الغَدَرَة لا يعرفون شيئا عن الكتب المقدسة وقدرة الله. وهذا صحيح، فقدرة الله لا حد لها، وقياس الجنة أو ملكوت الله على الدنيا خطأ منهجى وإيمانى معا، فللعالم الآخر قوانينه التى تختلف عن قوانين الدنيا: "يومَ تُبَدَّل الأرضُ غَيْرَ الأرض والسماواتُ". وما المانع إذن أن يخلق الله من كل شخص أكثر من نسخة إن أراد أكثرُ من واحد من أهل الجنة أن يستمتعوا بصحبته أو صداقته أو مسامرته... إلخ. وعلى هذا فلا نستبعد أن تكون هناك أكثر من نسخة لتلك المرأة التى ضربها اليهود مثلا يحرجون به المسيح عليه السلام، بحيث تكون لكل واحد من السبعة التى يريدونها جميعا: نسخته الخاصة به. وهذا طبعا إن راح أولئك الغجر الأوغاد رائحتها من على بُعْد مليون سنة ضوئية، ولا إخال!
أما سؤال عيسى عليه السلام: من يكون المسيح؟ وابن من هو؟ فهو خِزْىٌ ما بعده خزى لكل الأطراف، وإلى القراء بيان ذلك: إن عيسى يعترض على من قال إنه "ابن داود" بقوله: لو أنه كان حقا ابن داود فلماذا قال عنه داود: "رَبِّى"؟ ومعنى هذا أنه ليس ابن داود، مع أنه قد سبق (كما رأينا أكثر من مرة) أن ناداه بعضهم أو وصفه بــ"ابن داود"، فلم يعترض عليه ولا قدم له البديل الصحيح، بل كان يجيبه ويقضى له ما يريد! ليس ذلك فقط، بل إن كاتب الإنجيل الذى بين يدينا، وهو السيد متّى، يقول بعظمة لسانه إنه من سلالة داود كما شاهدنا فى سلسلة النسب الكريم التى تضم بين حلقاتها "داود وبتشبع"، ولا داعى لأن نقلب الصفحات القديمة الفاضحة الخاصة بهذين العاشقين الفاجرين ولا بنسبة السيد المسيح إلى يوسف النجار حسبما يَرْوُون هم لا نحن، لأن كلامنا "كخّة"!
ثم كيف يمكننا أن نعتمد على كلام داود، ذلك الزانى المجرم قتَّال القَتَلة كما صوروه؟ هذه أولا. وثانيا كيف يمكن من يدعى أن المسيح هو الرب أن يثبت أن كلام داود هنا هو عن السيد المسيح؟ هل يصدقنى أحد إذا قلت له إننى أنا المقصود بكلمة "ربى" هذه؟ طبعا ستقولون: وما دليلك على هذا؟ وهذه فى الواقع إجابة سديدة وحصيفة، ولذلك سوف أتكئ عليها فى ردى على هذا التخبيص، فأقول: وأين الدليل على أن المقصود بــ"ربى" فى كلام داود هو المسيح؟ لا دليل والله العظيم، إنما هو العبث والتعسف والاستبلاه! هل جاء ذكر المسيح فى هذا المزمور على نحو ينصرف الكلام معه حتما إلى عيسى بن مريم؟ ورابعا (أو خامسا، لا أدرى بالضبط): أليس داود هذا هو ابن الله كما جاء فى العهد القديم ذاته الذى تريدون منا أن نصدق الآن بما قاله عن "رَبِّى" هذه كى تَبْنُوا عليها أن المسيح هو ابن الله؟ فارْسُوا لكم أوّلاً على بَرّ: من هو ابن الله؟ داود أم المسيح أم آدم أم لا أدرى من أيضا؟ فإذا أردتم أن تعتمدوا على العهد القديم فى إثبات بنوة المسيح لله رب العالمين، فقولوا أولا إن آدم ابن الله، وإن داود ابن الله، وإن أولئك الشبان الذين كانوا فى مبتدإ التاريخ البشرى والذين رَأَوْا أن بنات الناس حَسَنات واتخذوهن زوجات لهم حسبما ذكر لنا ملفقو سفر "التكوين" هم أبناء الله أيضا، كما لا بد لكم أولا من الإقرار بأن كل النصارى هم أبناء الله بنصّ الصلاة التى علمهم إياها المسيح: "أبانا الذى فى السماوات..."...إلخ، وأن موسى كان إله هارون، وهارون نبيّه طبقا لما قاله ملفّق سِفْر "الخروج". كما أنكم لصوصٌ غُشْم، وهذا النوع من التزوير والبكش يحتاج لموهبة لصٍّ أذكى منكم كثيرا، لصٍّ يستطيع أن يسرق الكحل من العين، وهو ما لم وما لن تصلوا إليه! وسادسا أن كلمة "ربى" (كما جاء فى "تفسير الكتاب المقدس" للدكتور فرانسيس دافدسون وغيره/ ط2/ دار منشورات التفسير/ بيروت/ 3/ 110) هى ترجمة لكلمة "أدوناى" بالعبرية التى تعنى أيضا مجرد لقب يدل على الاحترام مثلما ورد فى سفر "التكوين" (23/ 6)، ولذلك تُرْجِمت فى نسخة الكتاب المقدس اللبنانية التى أعتمد عليها هنا بــ"سيدى الملك": "قالَ الرّبُّ لسيِّدي الملِك: إجلسْ عَنْ يَميني حتى أجعَلَ أعداءَكَ مَوطِئًا لِقدَمَيكَ"، بالإضافة إلى ما جاء فى ذلك التفسير من أن هذا الكلام ينطبق، على نحو ما، على داود وسليمان، اللذين كانا يمارسان الحكم باسم الرب. ولماذا نضيع وقتنا إذا كان بمكنتنا أن نضع نص المزمور كله بين أيدى القراء الكرام ليَرَوْا بأنفسهم ماذا يقصد كاتبه؟ وها هو ذا النص من النسخة اللبنانية التى أعتمد عليها فى هذه الدراسة:
"مزمورٌ لِداوُدَ: قالَ الرّبُّ لسيِّدي الملِك: "إجلسْ عَنْ يَميني حتى أجعَلَ أعداءَكَ مَوطِئًا لِقدَمَيكَ». 2صَولجانُ عِزِّكَ يُرسِلُهُ الرّبُّ مِنْ صِهيَونَ، ويقولُ: «تسَلَّطْ في وسَطِ أعدائِكَ». 3شعبُكَ يَلتَفُّ حَولَكَ طَوعًا يومَ تقودُ جنودَكَ على الجبالِ المُقدَّسةِ، فَمِنْ رَحِمِ الفَجرِ حَلَ كالنَّدى شبابُكَ. 4أقسَمَ الرّبُّ ولن يندَمَ: «أنتَ كاهنٌ إلى الأبدِ على رُتبَةِ مَلكيصادَقَ". 5الرّبُّ يقِفُ عَنْ يَمينِكَ ويُهَشِّمُ المُلوكَ يومَ غضَبِهِ. 6يَدينُ في الأمَمِ، وبالجثَثِ يملأُ الأوديةَ. تحْمَرُّ تِلالُ الأرضِ الشَّاهِقَة ُ 7وتُسقَى الأوديةُ دِماءً، فيرتَفِعُ رَأسُكَ أيُّها المَلِكُ". وكما ترى فمتّى قد اقتطع كعادته المهبَّبة ما يريد وما يظن أنه ينفعه وتَرَك ما لا يريد لأنه سيفضحه. كيف؟ لقد أخذ الجلوسَ على يمين الرب ظنا منه أنه يدل على أن المسيح هو ابن الله، مع أنه رغم ذلك لا يدل على هذا المعنى. وفوق هذا فإن الله لم يجعل أعداء المسيح موطئا لقدميه، بل مكّنهم من قتله وصلبه وإهانته وشتمه وتكسير ركبتيه وطعْنه فى جنبه بالرمح كما أخبرنا كتاب الأناجيل. ثم إن المسيح لم يكن له جنود يقودها لا على الجبال المقدسة ولا على الجبال المدنسة لأنه لم يكن قائدا أصلا: لا عسكريا ولا سياسيا، بل عندما سئل عن الجزية قال لهم: أَدُّوها لقيصر، وعدّ ذلك إحراجا له، وهرب بتلك الطريقة بعيدا عن الموضوع، وليس هذا تصرف القادة. ثم متى كان المسيح كاهنا على رتبة ملكيصادق أو حتى على رتبة الفريق صادق؟ لقد كان حملة شرسة على الكهانة والكهان كما رأينا. وفى النهاية ففى أول النص أن الله سيُجْلِسه على يمينه، على حين نفاجأ فى آخر النص بأنه سوف يُجْلِسه على شماله (ما دام سبحانه سوف يجلس عن يمينه). وحين يجدون لهذه وحدها حلا يستطيعون أن يقابلونى! ثم عندما نقول لهم: إن كتابكم مخرِّف ومحرَّف، يشتمون سيد البشر والأنبياء. خيبة الله على أصحاب العقول المظلمة التى يخيّم عليها العنكبوت ويَعِيث فيها الدود مثل أدبارهم المنتنة! ؟؟؟؟؟؟؟ولمّا قَرُبوا مِنْ أُورُشليمَ ووَصَلوا إلى بَيتِ فاجي عِندَ جبَلِ الزَّيتونِ، أرسَلَ يَسوعُ اَثنَينِ مِنْ تلاميذِهِ، 2وقالَ لهُما: "اَذهَبا إلى القريةِ التي أمامكُما، تَجِدا أتانًا مربوطةً وجَحشُها مَعها، فحُلاَّ رِباطَهُما وجيئا بِهِما إليَّ. 3وإنْ قالَ لكُما أحدٌ شيئًا، فأجيبا: "السيَّدُ مُحتاجٌ إلَيهِما، وسيُعيدُهُما في الحالِ".
4وكانَ هذا لِـيَــتِمَّ ما قالَ النَّبـيٌّ: 5."قولوا لابنَةِ صِهيونَ: ها هوَ مَلِكُكِ قادِمٌ إلَيكِ وديعًا راكِبًا على أتانٍ وجَحشٍ اَبنِ أتانٍ".
6فذهَبَ التَّلميذانِ وفَعَلا ما أمرَهُما بِه يَسوعُ 7وجاءا بالأتانِ والجَحشِ. ثُمَّ وضَعا علَيهِما ثَوبَيْهِما، فركِبَ يَسوعُ. 8وبَسَطَ كثيرٌ مِنَ النّاسِ ثيابَهُم على الطَّريقِ، وقطَعَ آخَرونَ أغصانَ الشَّجرِ وفَرَشوا بِها الطريقَ. 9وكانَتِ الجُموعُ التي تتَقَدَّمُ يَسوعَ والتي تَتْبَعُهُ تَهتِفُ: "المَجْدُ لاَبنِ داودَ! تبارَكَ الآتي بِاَسمِ الرَّبَّ! المجدُ في العُلى!"
10ولمّا دخَلَ يَسوعُ أُورُشليمَ ضَجّتِ المدينةُ كُلٌّها وسألَتْ: "مَنْ هذا؟" 11فأجابَتِ الجُموعُ: "هذا هوَ النَّبـيٌّ يَسوعُ مِنْ ناصرةِ الجليلِ".
يسوع يطرد الباعة من الهيكل.
12.ودخَلَ يَسوعُ الهَيكلَ وطرَدَ جميعَ الَّذينَ يَبـيعونَ ويَشتَرونَ فيهِ، فقَلَبَ مناضِدَ الصَّيارِفَةِ ومَقاعِدَ باعَةِ الحَمامِ، 13وقال لهُم: "جاءَ في الكِتابِ: بَيتي بَيتُ الصَّلاةِ، وأنتُم جَعَلْتُموهُ مغارَةَ لُصوصٍ!"
.14وجاءَ إلَيهِ العُرجُ والعُميانُ وهوَ في الهَيكلِ فشَفاهُم. 15فغَضِبَ رُؤساءُ الكَهنَةِ ومُعلَّمو الشَّريعةِ عِندَما رَأَوا المُعْجزاتِ التي صَنَعَها، وغاظَهُم هُتافُ الأولادِ في الهَيكَلِ: "المجدُ لاَبنِ داودَ!" 16فقالوا لَه: "أتَسمَعُ ما يَقولُ هؤُلاءِ؟" فأجابَهُم: "نعم، أما قرأتُم هذِهِ الآيةَ: مِنْ أفواهِ الصَّغارِ والأطفالِ أخرَجْتَ كلامَ الحمدِ؟" 17ثُمَّ تَركَهُم وخرَجَ مِنَ المدينةِ إلى بَيتِ عَنيا وباتَ فيها.
يسوع يلعن شجرة التين.
18وبَينَما هوَ راجِـــعٌ إلى المدينةِ في الصَّباحِ، أحَسَّ بالجوع 19فَجاءَ إلى شَجرَةِ تِـينٍ رَآها على جانِبِ الطَّريقِ، فما وجَدَ علَيها غَيرَ الوَرقِ. فقالَ لها: "لن تُثمِري إلى الأبدِ!" فيَبِسَتِ التّينةُ في الحالِ.
20ورأى التَّلاميذُ ما جرى، فتَعجَّبوا وقالوا: "كيفَ يَبِسَتِ التّينةُ في الحالِ?" 21فأجابَهُم يَسوعُ: "الحقَّ أقولُ لكُم: لو كُنتُم تؤمنونَ ولا تَشُكٌّونَ، لَفعَلْتُم بِهذِهِ التّينةِ مِثلَما فعَلتُ، لا بلْ كُنتُم إذا قُلتُم لِهذا الجبَلِ: قُمْ واَنطَرِحْ في البحرِ، يكونُ لكُم ذلِكَ. 22فكُلُّ شيءٍ تَطلُبونَهُ وأنتُم تُصلٌّونَ بإيمانٍ، تنالونَهُ".
السلطة المعطاة ليسوع.
23ودخَلَ يَسوعُ الهَيكلَ. وبَينَما هوَ يُعَلَّمُ، جاءَ إلَيهِ رؤَساءُ الكَهنَةِ وشُيوخُ الشَّعبِ وقالوا لَه: "بأيَّةِ سُلطَةٍ تَعمَلُ هذِهِ الأعمالَ؟ ومَنْ أعطاكَ هذِهِ السٌّلطَةَ؟"
24فأجابَهُم يَسوعُ: "وأنا أسألُكُم سُؤالاً واحدًا، إن أجَبْتُموني عَنهُ، قُلْتُ لكُم بأيَّةِ سُلطَةٍ أعمَلُ هذِهِ الأعمالَ: 25مِنْ أينَ ليوحنّا سُلطةُ المَعمودِيَّةِ؟ مِنَ السَّماءِ أمْ مِنَ النّاسِ?"
فقالوا في أنفُسِهِم: "إنْ قُلنا مِنَ الله، يُجيبُنا: فلِماذا ما آمنتُم بِه؟ 26وإنْ قُلنا مِنَ النّاسِ، نَخافُ الشَّعبَ، لأنَّهُم كُلَّهم يَعُدٌّون يوحنّا نبـيُا". 27فأجابوا يَسوعَ: "لا نَعرِفُ". فقالَ لهُم: "وأنا لا أقولُ لكُم بأيَّةِ سُلطَةٍ أعمَلُ هذِهِ الأعمالَ".
مثل الاِبنينِ.
28وقالَ يَسوعُ: "ما رأيُكُم؟ كانَ لِرَجُلٍ اَبنانِ. فجاءَ إلى الأوَّل وقالَ لَه: يا اَبني، اَذهَبِ اليومَ واَعمَل في كرمي. 29فأجابَهُ: لا أريدُ. ولكِنَّه نَدِمَ بَعدَ حينٍ وذهَبَ إلى الكَرمِ. 30وجاءَ إلى الابنِ الآخَرِ وطَلَبَ مِنهُ ما طلَبَهُ مِنَ الأوَّلِ، فأجابَهُ: أنا ذاهِبٌ، يا سيَّدي! ولكِنَّه ما ذهَبَ. 31فأيَّهُما عَمِلَ إرادةَ أبـيهِ؟" قالوا: "الأوَّلُ". فقالَ لهُم يَسوعُ: "الحقَ أقولُ لكُم: جُباةُ الضَّرائبِ والزَّواني يَسبِقونكُم إلى مَلكوتِ الله. 32جاءَكُم يوحنّا المَعمَدانُ سالِكًا طَريقَ الحَقَّ فما آمنتُم بِه وآمنَ بِه جُباةُ الضَّرائبِ والزَّواني. وأنتُم رأيتُم ذلِكَ، فما ندِمتُم ولو بَعدَ حينٍ فتـؤْمنوا بِه".
مثل الكرّامين.
33"إسمَعوا مَثَلاً آخَرَ: غرَسَ رجُلٌ كرمًا، فسَيَّجَهُ وحفَرَ فيهِ مَعْصَرَةً وبَنى بُرجًا وسَلَّمَهُ إلى بَعضِ الكرّامينَ وسافَرَ. 34فلمّا جاءَ يومُ القِطافِ، أرسَلَ خدَمَهُ إليهِم ليأخُذوا ثمَرَهُ. 35فأمسَكَ الكرّامونَ خدَمَهُ وضَرَبوا واحدًا منهُم، وقَتَلوا غَيرَهُ، ورَجَموا الآخَرَ. 36فأرسَلَ صاحِبُ الكرمِ خَدَمًا غَيرَهُم أكثرَ عددًا مِنَ الأوَّلينَ، ففَعَلوا بِهِم ما فَعلوهُ بالأوَّلينَ. 37وفي آخِر الأمرِ أرسلَ إلَيهِم اَبنَهُ وقالَ: سَيَهابونَ اَبني. 38فلمّا رأى الكرّامونَ الاَبنَ قالوا في ما بَينَهُم: ها هوَ الوارِثُ! تعالَوْا نَقْتُلُه ونأخُذُ ميراثَهُ! 39فأمسكوهُ ورمَوْهُ في خارِجِ الكرمِ وقَتَلوهُ.
40فماذا يفعَلُ صاحِبُ الكرمِ بِهؤلاءِ الكرّامينَ عِندَ رُجوعِهِ؟" 41قالوا لَه: "يَقتُلُ هؤُلاءِ الأشرارَ قَتلاً ويُسلَّمُ الكرمَ إلى كرّامينَ آخرينَ يُعطونَهُ الثَمرَ في حينِهِ".
42فقالَ لهُم يَسوعُ: "أما قرأتُم في الكُتُبِ المُقَدَّسةِ: الحجَرُ الَّذي رَفضَهُ البنّاؤونَ صارَ رأسَ الزّاويَةِ؟ هذا ما صنَعَهُ الرَّبٌّ، فيا للْعجَبِ!
43لذلِكَ أقولُ لكُم: سيأخُذُ الله مَلكوتَهُ مِنكُم ويُسلَّمُهُ إلى شعبٍ يَجعلُهُ يُثمِرُ. 44مَنْ وقَعَ على هذا الحَجَرِ تَهَشَّمَ. ومَنْ وقَعَ هذا الحجَرُ علَيهِ سَحقَهُ".
45فلمّا سَمِعَ رُؤساءُ الكَهنَةِ والفَرّيسيّونَ هذَينِ المَثلينِ مِنْ يَسوعَ، فَهِموا أنَّهُ قالَ هذا الكلامَ علَيهِم. 46فأرادوا أن يُمسكوهُ، ولكنَّهُم خافوا مِنَ الجُموعِ لأنَّهُم كانوا يَعُدّونَهُ نَبـيُا".
ويبدأ هذا الفصل بعملية سرقة مستوفية الأركان، فالمسيح يرسل اثنين من حوارييه ليأخذا أتانا وابنها من أحد البيوت دون إذن من أهله، وإن كان قد أضاف على سبيل الاحتياط فى حالة التلبس أن يقول الرسولان إن السيد (أى سيد؟ لا يهم. المهم أنه السيد، وخلاص، رغم أنه لا أحد هناك كان يعرف السيد!) قد أرسلنا لأخذهما لأنه محتاج إليهما، وهو يعدكما بأنه سيعيدهما فى الحال. ولما لم يرهما أحد عند أخذهما لهما فإن السيد قد حُلَّ من وعده، ومن ثم لم يعد الجحش ولا الست والدته المحترمة إلى الحظيرة، وهذا هو السبب فى أن كاتب الإنجيل "طَنَّشَ" على الموضوع. ثم متى كان المسيح يركب فى أسفاره؟ إنه دائما يسير على قدميه هو وتلاميذه. ولقد أتوا إلى أورشليم على أقدامهم، بل إنه حتى فى البحر قد مشى مرة على قدميه، فلماذا الإصرار على الركوب هذه المرة؟ إنها النبوءة! فما أصدقها من نبوءة تلك التى تستلزم سرقة حمارة وحمار!
إن هذا يذكرنا بما كانت تقوله جريدة "الوفد" المصرية فى ثمانينات القرن الماضى حين كانت تكايد الدكتور ر. م. فتشير إلى أقاربه المشهورين (والعهدة عليها) بسرقة الحمير فى قريتهم وجوارها وصبغهم إياها إيغالا منهم فى التمويه على أصحاب الحمير المسروقة كما يفعل لصوص الكائنات النهاقة فى الأرياف المصرية! أما العبد لله فيرى أن هذا كله كلام لا حقيقة له، كلام وطحينة! ولم يحدث أن أمر بسرقة جحش وحمارة، لأنه عليه السلام كان نبيا ولم يكن صبّاغ حمير من أجوار دمياط! ونقول لهم إن كتابكم محرَّف فيشتمون الرسول الكريم ويتطاولون عليه، وما دَرَوْا أنهم إنما يتسافلون وينحطون أكثر مما هم سفلة منحطون! ولعن الله دبر زيكو، الذى هو السبب فى هذا كله! وحديثا قيل فى الأمثال: "فَتِّشْ عن الدبر"! وبمناسبة النبوءة هناك فزورة كانوا يسألونناها ونحن صغار، إذ يقولون: لماذا تُبْنَى الجسور فوق الأنهار؟ وبدلا من أن تكون الإجابة الصحيحة: "لكى يعبر عليها الناس من ضفة إلى الضفة الأخرى" يقولون: "إنها قد أقيمت لكى يمر الماء من تحتها"، قالبين بذلك الآية مثلما قلبها كتبة الأناجيل. ومثلها القول بأن الله خلق للإنسان أنفا لكى يضع عليه النظارة! فكأن المسيح قرأ العهد القديم فى طفولته وصباه كما جاء فى روايات تلك الأناجيل، وكان يعرف أن هناك نبوءة تقول إنه سوف يدخل أورشليم على جحش وأتان (كيف؟ لا أدرى، إلا أن يقال إنه سوف يُفَرْشِح فيفتح ساقيه على الآخر حتى تحتويا الركوبتين معا، فيتفوق بذلك على لاعبى الأكروبات)! لكن فات كاتب السفر، لأنه ضعيف الخيال ركيك التفكير، أن يشرح لنا كيف استطاع الرسولان التعرف على البيت الذى حدده لهما السيد، وكيف دخلا البيت دون مفتاح، وكيف سرقا الحمارين من غير أن يتعرض لهما الجيران، وذلك بافتراض أن أصحاب البيت كانوا مسافرين مثلا! لا لا، إن هذا رجل لا يصلح لحكاية الحواديت!
لكن النبوءة (يا خسارة!) تقول إن هذا الداخل ملك وديع. وهذا هو نصها بالحرف حسبما ساقها السيد متى: "قولوا لابنَةِ صِهيونَ: ها هوَ مَلِكُكِ قادِمٌ إلَيكِ وديعًا راكِبًا على أتانٍ وجَحشٍ اَبنِ أتانٍ". وبطبيعة الحال لم يكن المسيح عليه السلام مَلِكًا، وهذه لا شك فيها ولا تحتمل الجدال والمراء. وكذلك لم يكن وديعا طبقا للذى افتراه عليه متّى ورفاقه الآخرون: فقد صوروه لعّانا عصبيا جافيا قلقا دائم الاتهام حتى لحوارييه بعدم الإيمان، وسوف نسمعه بعد أسطر يشنّف آذانهم بهذا الاتهام لا أدرى للمرة الــ"كم"، كما سنراه وهو يقلب موائد البيع والشراء والصرافة فى الهيكل، وكذلك وهو يلعن شجرة التين المسكينة التى لم يكن فيها تين لأنه لم يكن موسم تين، لكن الملك الوديع من وداعته، بدلا من أن يمد يده من كم قميصه أو يمد يده فى الهواء (أليس هو اله أو ابن الله؟) فيأتى بما شاء من تين وعنب ورمان وبلح وجوافة وفراولة وكاكا (لأنى أحب الكاكا، ولا داعى للموز، رغم أنى أحبه، لأنه شديد السكرية، وخَلِّنا فى البرتقال لأننا فى الشتاء الآن)، بدلا من أن يفعل السيد المسيح ذلك لعنها فيبست فى الحال! يا سلام على الوداعة! وانظروا إلى الوداعة أيضا فى "الهيصة والزمبليطة" التى صاحبت دخوله أورشليم وهتاف الجماهير له وفَرْشهم أثوابهم لدابتيه: "المَجْدُ لاَبنِ داودَ! تبارَكَ الآتي بِاَسمِ الرَّبَّ! المجدُ في العُلى!"! يا لها من وداعة لم تحدث من قبل! لكنْ إذا كانت هذه هى الوداعة، فما هو الكِبْر والغطرسة إذن؟ ثم هل كان المسيح، وهو الذى كان بارعا فى المعجزات براعةً لم تكن لأحد بهذه الكثافة من قبل، عاجزا عن أن يأتى بدابّة أو اثنتين (ويا حبذا لو وفّر لكل تلميذ أيضا، ولن نقول: لكل واحد من الجموع التى كانت تصحبه فى هذا الدخول، دابة خاصة به) من عند أبيه السماوى بدلا من أن يرسل تلاميذه لأخذ الحمير دون إذن أصحابها ولا علمهم؟ وما السبب يا ترى فى أن الجماهير خرجت هذه المرة بالذات عن مألوفها، إذ كانت تكتفى قبل هذا بالالتفاف حوله كى يُبْرِئهم هم وأولادهم من مرض أو يُطْعِمهم من جوع أو يُحْيِىَ موتاهم بإذن الله، فخالفت هذه المرة عن سلوكها المعتاد وفرشت له الطريق بالملابس والأغصان وأخذت تهتف له حتى داخل الهيكل؟
ليس ذلك فحسب، بل إن تفسير النبوءة كله تضليل فى تضليل، فالنبوءة ليست خاصة بالسيد المسيح ولا بدينه البتة، بل بخلاص اليهود! وأين المسيح عليه السلام من خلاص اليهود وعودة مجدهم لهم، وهو الذى تنبأ فى هذا الفصل نفسه أن ملكوت السماء سوف يتحول عنهم إلى أمة أخرى (هى أمة العرب كما هو واضح). ولنقرإ الفصل كله لنرى ونحكم بأنفسنا: "كلامٌ مُوحًى مِنَ الرّبِّ إلى النَّبيِّ في أرضِ حَدْراخ ودِمشقَ مَوضِعِ إقامتِهِ، لأنَّ لِلرّبِّ كُلَ البشَرِ كما لَه كُلُّ أسباطِ إسرائيلَ. 2ولَه حماةُ التي تُتاخمُ تِلكَ الأرضَ وصُورُ وصَيدونُ بكُلِّ مَناعتِها. 3بَنتْ صُورُ حِصنًا لها وكنَزَتِ الفِضَّةَ كالتُّرابِ، والذَّهبَ كوحلِ الشَّوارِعِ. 4ها السَّيِّدُ يَمتلِكُها ويَضرِبُ في البحرِ قُدرَتَها فتُؤكَلُ بالنَّارِ. 5تَرى ذلِكَ أشقَلونُ فتَخافُ، وغزَّةُ فتنحلُّ عزيمتُها، وعقرونُ فتَخزى مِنْ ضَعفِها. ويَبيدُ المُلكُ مِنْ غزَّةَ، وأشقَلونُ لا تُسكنُ، 6ويَسكُنُ الغُرَباءُ في أشدودَ. وأقضي على كبرياءِ الفلِسطيِّين، يقولُ الرّبُّ، 7وأُزِيلُ دَمَ الذَّبائحِ مِنْ أفواهِهِم، ولَحمَها الرَّجسَ مِنْ بَينِ أسنانِهِم. فتبقى مِنهُم بقيَّةٌ لإلهِنا، ويألَفونَ السَّكنَ في يَهوذا، ويكونُ أهلُ عَقرونَ هؤلاءِ كما كانَ اليبوسيُّونَ. 8وأَنزِلُ في بَيتي وأحرسُهُ مِنَ العابرِ والمُقيمِ، يقولُ الرّبُّ، فلا يَمرُّ على شعبي طاغيةٌ بَعدَ أنْ رأيتُ الآنَ بعينَيَ ما قاسُوهُ مِنَ الآلامِ. 9إِبْتَهِجي يا بنتَ صِهيَونَ، واَهتفي يا بِنتَ أُورُشليمَ ها مَلِكُكِ يأتيكِ عادلاً مُخلِّصًا وديعًا راكبًا على حمارٍ، على جحشٍ اَبنِ أتانٍ. 10سأقضي على مَركباتِ الحربِ في أفرايمَ، والخيلِ وأقواسِ القِتالِ في أورُشليمَ، فيَتكلَّمُ مَلِكُكِ بالسَّلامِ للأُمَمِ ويكونُ سُلطانُهُ مِنَ البحرِ إلى البحرِ ومِنَ النَّهرِ إلى أقاصي الأرضِ 11ولأجلِ عَهدي المَختومِ بدَمِ الضَّحايا أُطلِقُ أسرَاكِ مِنَ البِئرِ التي لا ماءَ فيها، 12فأقولُ لهُم: إِرجعوا إلى الحُصنِ أيُّها الأسرَى الذينَ لهُم رجاءٌ. اليومَ أُخبركُم أنِّي أُبارِكُكُم وأعوِّضُكُم منْ آلامِكُم ضِعفَينِ، 13فأنا سأَحني يَهوذا قَوسًا لي وأجعَلُ أفرايمَ سِهامًا لها، وأُثيرُ بنيكِ يا صِهيَونُ على بني يونانَ وأُشهِرُكِ كسَيفِ الجبَّارِ. 14ثُمَ يَظهرُ الرّبُّ علَيهم وسَهمُهُ يخرُج كالبَرقِ، والسَّيِّدُ الرّبُّ يَنفخُ في البُوقِ وينطلِقُ في زوابعِ الجنوبِ. 15الرّبُّ القديرُ يُحامي عَنهُم، فيرُوزونَ حجارةَ المِقلاعِ ويتناولونَها بمِلءِ أكُفِّهِم ويشربونَ دِماءَ أعدائِهِم كالخمرِ، ويَمتلئونَ بها كَقِصاعِ المذبَحِ وزواياهُ. 16في ذلِكَ اليومِ يُخلِّصُ الرّبُّ الإلهُ شعبَهُ كما يُخلِّصُ الرَّاعي غنَمَهُ، فيُقيمونَ في أرضِهِ كالحجارةِ الفريدةِ. 17فما أطيبَها وما أوفاها تكونُ لهُم. بِحِنطتِها ينمو الفِتيانُ وبِخمرِها العَذارَى".
إن الأمر، كما هو واضح حتى للعُمْى، إنما يختص ببنى إسرائيل والخلاص من المذلة التى كتبها الله عليهم وألّفوا له تلك الكتب وادَّعَوْا أنها وحى من الله. وعلى أية حال فلا القدس عادت أيامها لبنى إسرائيل، ولا السلام عمّ العالم أو حتى عرفته أرض الشام وفلسطين، ولا المسيح قامت له حينذاك مملكة، ولا سلطانه اتسع من البحر للبحر كما جاء فى النبوءة. يعنى باختصار: كله كلام فى الهجايص! وأخيرا فكل ما وصفته به الجموع، ولم يعترض عليه السلام على شىء منه بالمناسبة، أنه "ابن داود" و"النبى يسوع" فقط لا غير! وهذا هو الذى نقوله نحن المسلمين، لكن لا نسميه فى لغتنا: "يسوع" بل "عيسى"، "عيسى بن مريم" عليه السلام، ودُمْتُمْ!
وإلى الهيكل ندخل مع المسيح عليه الصلاة والسلام فنفاجأ به يثور على ما يجده هناك من تحويل اليهود له إلى دكان للبيع والشراء والمراباة، ويقلب أيضا الموائد والكراسى ويطرد الباعة والصيارفة قائلا إن الله إنما جعل العيكل للعبادة لا للبيع والشراء وخداع الناس وسرقة آمالهم بالغش والتزوير. ونحن لا نملك إلا أن نكون معه فى هذا الذى فعل، وإن كنا نستغرب انهزام الأشرار بهذه السهولة أمامه، وهو الذى لم يكن يمثل أية سلطة: لا دينية ولا سياسية ولا عسكرية! أتراها المفاجأة والجرأة التى عاملهم بها وقولة الحق التى بدههم بها قبل أن يستعدوا له لأنهم لم بكونوا يتوقعون منه ما صنع؟ ربما كان هذا أوجه تفسير لما حدث. إلا أننا فى ذات الوقت نستغرب أن يرضى عن الهتافات التى كانت تجلجل فى داخل الهيكل بتمجيده! أليست هى أيضا مما لم يُنْشَأ له الهيكل؟ أم ماذا؟ هذه فقط نقطة نظام ننبه إليها ولا نتوقف لديها طويلا لأنها غنية بنفسها عن كل شرح أو تعليق. أما شفاؤه المرضى فى الهيكل فلست أجد به بأسا، فقد قلنا إن الدين إنما جاء لراحة الإنسان وخدمته لا العكس، وإن فضلت مع ذلك لو أنه انتظر حتى يخرج من المعبد ثم يشفيهم كما يحب، وذلك للحفاظ على هيبة المكان وجلاله، إذ العامة لا تفهم المعانى العالية التى تحدثنا عنها هنا، ومن ثم فإن مثل هذا التصرف من جانبه قد يُفْهَم خطأ فيظنون أن كل شىء يجوز عمله فى المعبد.
وإذا كان الشىء بالشىء يُذْكَر فقد كان النبى عليه الصلاة والسلام يستهجن أن يَنْشُد فاقدُ الشىء شَيْئَه فى المسجد، ويُؤْثَر عنه أنه كان يعقّب على من يسمعه يفعل ذلك بألا يردّ الله عليه ضالّته، إذ كان يريد أن تبقى للمساجد حرمتها فى نفوس الناس لأن المساجد ليست أماكن يؤدى فيها المصلون صلواتهم فحسب، بل هى فوق هذا وقبل هذا معانٍ وعواطفُ وإشعاعات! ومع ذلك فقد رأى ذات مرة أعرابيا جافيا حديث عهد بالإسلام لم يستطع أن يتحكم فى نفسه فشرع يتبول فى ركن من أركان المسجد فهاج الصحابة عليه وهمّوا به يمنعونه من ذلك، لكنه صلى الله عليه وسلم، بما فُطِر عليه من رحمةٍ هاميةٍ ولمعرفته العميقة الصادقة بالضعف البشرى وبأن ثمة حاجات إنسانية يشقّ على البشر تأجيلها أو تجاهلها ولإدراكه جهل الأعرابى وأنه لم يقصد شيئا من الإساءة ولا كانت اللامبالاة هى باعثه على ذلك التصرف المشين، لكل ذلك قد كفّهم عنه قائلا: لا تقطعوا عليه بَوْلَته. ذلك أن المبادئ، حين تنزل من عليائها إلى أرض البشر، قد تتلون إلى حد ما بالسياق الذى يراد تطبيقها فيه والظروف التى تكتنفها آنذاك، ومن هنا كان لا بد من المرونة فى بعض الأحيان، وإلا توقفت سفينة الحياة والنجاة! وهذه نصوص بعض الأحاديث فى ذلك الموضوع:
عن أبى هريرة فال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سمع رجلا يَنْشُد ضالَّة في المسجد فليقل: لا رد الله عليك. فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا". وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك. وإذا رأيتم من يَنْشُد فيه ضالَّة فقولوا :لا رد الله عليك". قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، كرهوا البيع والشراء في المسجد، وهو قول أحمد وإسحق. وقد رخص فيه بعض أهل العلم في البيع والشراء في المسجد". وعن أنس بن مالك قال: "بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ! مَهْ! قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُزْرِموه، دَعُوه. فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر. إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه". ولست أريد أن أقارن بين تصرف الرسول وتصرف عيسى بن مريم وأقول إن تصرف سيد الأنبياء أحكم وأهدأ وأرفق، فلكل مقام مقال وسلوك. ولم يكن اليهود الذين حولوا معبد أورشليم إلى سوق للصيرفة وتجارة الطيور كذلك الأعرابى الجاهل الذى لم يكن عنده أية فكرة عما ينبغى للمساجد من احترام وإجلال، على عكس الصيارفة والباعة الذين حولوا الهيكل إلى سوق لا تراعى فيه أدنى درجات الحياء ولا الاحتشام، مع معرفتهم رغم ذلك بكتابهم وما يوجبه عليهم تجاه بيت عبادتهم.
لكن هذا لا يسوغ السكوت على لعنه، صلى الله عليه وسلم، شجرة التين لأنه كان جائعا وكان يبحث عن شىء يتقوّت به فلم يجد فيها إلا الورق فلعنها ألا تثمر أبدا، لأنها ما ذنبها؟ إنها نبات لا يعقل ولا يفهم ولا يقدّر آلام الجائعين ولا يعرف أنه فى ساعة البطون تتيه عقول البشر الفانين! فكيف فات هذا عيسى عليه السلام، وهو نبى الرحمة والسلام كما يصوره من يزعمون أنهم على دينه، وهو ودينه منهم براء؟ ولو قلنا إنه إله كما يقولون، فلماذا لم يوفر لنفسه طعاما يأكله، مع ما فى هذا الكلام من مفارقة، إذ لو كان إلها لما جاع، ولو افترضنا المستحيل الذى لا تقبله العقول وقلنا إن الآلهة قد تجوع (الآلهة أم العشرة بمليم!)، أفلم يكن جديرا به ألا يكشف جوعه وضعفه هكذا على رؤوس الأشهاد فيَرَوْه مغتاظا نافد الصبر لا يستطيع أن يمسك نفسه لدقائق، مع أنه (فيما ذكروا لنا) قد صام عن الطعام والشراب أربعين يوما، فماذا يكون صبر دقائق أو حتى ساعات إزاء ذلك؟ وعلى أية حال فالتينة لا تملك إلا أن تطيع القوانين الكونية التى خلقها الله على أساسها. وعلى هذا فلو أراد منها المسيح أن تعطيه تينا لكان عليه أن يلغى تلك القوانين بوصفه الإله أو ابن الإله. أما أن يلعن الشجرة المسكينة على شىء ليس لها أى ذنب فيه فهو ما لا أفهمه ولا يفهمه أى عاقل! ودعونا من هذا كله، أفلم يكن من آياته إطعام الآلاف من بضع كِسْرات من الخبز وسمكات قليلة لا تصلح إلا لإطعام فرد واحد؟ أم تراه لا يستطيع أن يصنع المعجزات الطعامية إلا إذا كان عنده أساس من كِسَرٍ وأسماك وما أشبه يقيم عليه معجزته لأنه لا يمكنه أن يبدأ هذه المعجزات من الصِّفْر كما هو الحال مع الخبز، الذى لا يمكن صنعه إلا بوجود الخميرة أولا؟ أعطونى عقولكم أتصبَّر بها أيها القراء، فقد احترت واحتار دليلى، لا حَيَّر الله لكم دليلا! ولكى يزداد الطين بِلّةً نراه عليه السلام، للمرة التى لا أدرى "كَمْ"، يتهم حوارييه بأنهم شكاكون ليس عندهم إيمان، قائلا لهم: "لو كُنتُم تؤمنونَ ولا تَشُكٌّونَ، لَفعَلْتُم بِهذِهِ التّينةِ مِثلَما فعَلتُ"، وكأن ما فعله هو مما يُفْتَخَر به ويُقَاس عليه وينبغى تكراره. وعلى أية حال إذا كان هذا هو رأى المسيح عليه السلام فى الحواريين فى مسألة الإيمان والتصديق، فما وضع النصارى العاديين؟
وبالنسبة للنص التالى الذى أبدى فيه عيسى بن مريم عليه السلام رأيه فيمن يسارع من الزوانى وجُبَاة الضرائب إلى الإيمان فى الوقت الذى ينكل فيه رؤساء الكهنة عنه: "الحقَ أقولُ لكُم: جُباةُ الضَّرائبِ والزَّواني يَسبِقونكُم إلى مَلكوتِ الله. 32جاءَكُم يوحنّا المَعمَدانُ سالِكًا طَريقَ الحَقَّ فما آمنتُم بِه وآمنَ بِه جُباةُ الضَّرائبِ والزَّواني. وأنتُم رأيتُم ذلِكَ، فما ندِمتُم ولو بَعدَ حينٍ فتـؤْمنوا بِه"، فهو كلام نبيل ورائع وجميل. وقل فيه ما تشاء من مديح وثناء من هنا للصبح فلن توفيه حقه أبدا. إنه، صلى الله عليه وسلم، يؤسس قاعدة إنسانية عظيمة لا يمكن أن تكون إلا من عند الله الرحيم الكريم الذى لا تغره مظاهر الناس ولا أشكالهم بل تقواهم وإخلاصهم واستعدادهم للانخلاع عن ماضيهم الملوث وبدء صفحة جديدة طاهرة، والذى يعلم أنهم كثيرا ما تغلبهم الظروف القاهرة على أنفسهم دون رغبة منهم فيُضْطَرّون اضطرارًا إلى مقارفة الإثم، وإن قلوبهم لتلعنه وتتمنى التخلص منه وتتربص لذلك الفرصَ المواتية. وفى أحاديث المصطفى أن الإسلام يَجُبّ ما قبله، وأن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم وأن التقوى فى الصدور لا فى الطقوس، وأن مومسًا استحقت دخول الجنة بسبب شربة ماء سقتها كلبًا برّح به الظمأ فخلعت خفها عطفا على الحيوان الأعجم ودلّته إلى البئر وملأته ماء وسقته، فغفر الله لها وأدخلها الجنة، وهل يمكن أن يكون الله أقل رحمة بها منها بالكلب، وهو خالق الرحمات التى فى الدنيا كلها؟ عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غُفِر لامرأةٍ مُومِسَةٍ مرّت بكلب على رأس رَكِيٍّ يلهث قد كاد يقتله العطش، فنزعت خُفّها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء، فغُفِر لها بذلك". وفى القرآن نقرأ الآية التالية عن جاريةٍ لزعيم المنافقين كان ابن سَلُول يُكْرِهها على ممارسة البغاء على تضررٍ منها واشمئزازٍ وتطلُّعٍ إلى يوم يتوب الله عليها فيه من هذا القذر: "وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (النور/ 33). يا لله لهذا الكلام الرائع العظيم، وصلى الله على عيسى ومحمد ما ذَرَّ شارقٌ، وما سجعتْ يمامةٌ على أغصان الحدائق. هكذا الدين الصحيح، وإلا فلا.
وهناك النبوءة الخاصة بالـحَجَر الذى رفضه البناؤون، فما ذلك الحجر؟ واضح أن الله قد نَفِدَ صبره مع اليهود، أى أن المسألة تتعلق بأمة تحل محل بنى إسرائيل. وأنا أفهم هذا على أن المقصود به أمة العرب، الذين ينتمون إلى إسماعيل ابن الجارية، والذين كان بنو إسرائيل فى غبائهم العنصرى ينظرون إليهم مِنْ عَلٍ، والذين لم يقف فى طريقهم عند دعوتهم بدعوة الإسلام أحد، إذ انتصروا انتصارا ساحقا على إمبراطوريات ذلك الزمان. وأحسب أننا حين قلنا إن المقصود بالنبوءة هم العرب لم نَفْتَرِ على الحقيقة ولا اعتسفنا الكلام ولا لويناه عن وجهه شيئا، وإلا فمَنْ تلك الأمة التى ينطبق عليها هذا الكلام؟ ليست هناك أمة من أمم الأرض ورثت النبوة وفتحت الأرض وخضعت لها الشعوب وكانت انتصاراتها باهرة لم يسبق لها شبيه سواء فى السرعة أو فى الحسم أو فى اتساع رقعة الفتح غير العرب. وعلى هذا فالعرب بلا جدال هم المرادون بتلك النبوءة! وقبل أن ننتهى من هذا الفصل ننبه مرة أخرى إلى أن الذين قبلوا من قوم عيسى عليه السلام دعوته إنما آمنوا به نبيا لا ابنا لله، فضلا عن أن يكون هو الله ذاته كما تقول الأساطير المأخوذة عن وثنيات الشعوب القديمة، فهو عندهم مثل يحيى عليه السلام لا يزيد ولا ينقص! وبالمناسبة فلو كان السيد المسيح إلها أو ابن الله ما جرؤ يحيى على أن يعمّده ولأعلن للناس جميعا أنه من عنصر إلهى. وها هو ذا النص الخاص بالنبوءة والنبوة لكى يحكم القراء على ما قلناه بأنفسهم:
"إسمَعوا مَثَلاً آخَرَ: غرَسَ رجُلٌ كرمًا، فسَيَّجَهُ وحفَرَ فيهِ مَعْصَرَةً وبَنى بُرجًا وسَلَّمَهُ إلى بَعضِ الكرّامينَ وسافَرَ. 34فلمّا جاءَ يومُ القِطافِ، أرسَلَ خدَمَهُ إليهِم ليأخُذوا ثمَرَهُ. 35فأمسَكَ الكرّامونَ خدَمَهُ وضَرَبوا واحدًا منهُم، وقَتَلوا غَيرَهُ، ورَجَموا الآخَرَ. 36فأرسَلَ صاحِبُ الكرمِ خَدَمًا غَيرَهُم أكثرَ عددًا مِنَ الأوَّلينَ، ففَعَلوا بِهِم ما فَعلوهُ بالأوَّلينَ. 37وفي آخِر الأمرِ أرسلَ إلَيهِم اَبنَهُ وقالَ: سَيَهابونَ اَبني. 38فلمّا رأى الكرّامونَ الاَبنَ قالوا في ما بَينَهُم: ها هوَ الوارِثُ! تعالَوْا نَقْتُلُه ونأخُذُ ميراثَهُ! 39فأمسكوهُ ورمَوْهُ في خارِجِ الكرمِ وقَتَلوهُ. 40فماذا يفعَلُ صاحِبُ الكرمِ بِهؤلاءِ الكرّامينَ عِندَ رُجوعِهِ؟" 41قالوا لَه: "يَقتُلُ هؤُلاءِ الأشرارَ قَتلاً ويُسلَّمُ الكرمَ إلى كرّامينَ آخرينَ يُعطونَهُ الثَمرَ في حينِهِ".42فقالَ لهُم يَسوعُ: "أما قرأتُم في الكُتُبِ المُقَدَّسةِ: الحجَرُ الَّذي رَفضَهُ البنّاؤونَ صارَ رأسَ الزّاويَةِ؟ هذا ما صنَعَهُ الرَّبٌّ، فيا للْعجَبِ! 43لذلِكَ أقولُ لكُم: سيأخُذُ الله مَلكوتَهُ مِنكُم ويُسلَّمُهُ إلى شعبٍ يَجعلُهُ يُثمِرُ. 44مَنْ وقَعَ على هذا الحَجَرِ تَهَشَّمَ. ومَنْ وقَعَ هذا الحجَرُ علَيهِ سَحقَهُ". 45فلمّا سَمِعَ رُؤساءُ الكَهنَةِ والفَرّيسيّونَ هذَينِ المَثلينِ مِنْ يَسوعَ، فَهِموا أنَّهُ قالَ هذا الكلامَ علَيهِم. 46فأرادوا أن يُمسكوهُ، ولكنَّهُم خافوا مِنَ الجُموعِ لأنَّهُم كانوا يَعُدّونَهُ نَبـيُا؟؟؟؟وفي ذلِكَ الوَقتِ سمِعَ الوالي هيرودُسُ أخبارَ يَسوعَ، 2فقالَ لحاشِيَـتِهِ: "هذا يوحنّا المَعمدانُ قامَ مِنْ بَينِ الأمواتِ، ولذلِكَ تَجري المُعْجِزاتُ على يَدِهِ".3وكانَ هيرودُسُ أمسَكَ يوحنّا وقَيَّدَهُ وسَجَنَهُ مِنْ أجلِ هيرودِيَّةَ اَمرأةِ أخيهِ فيلبٌّسَ، 4لأنَّ يوحنّا كانَ يقولُ لَه: "لا يَحِلُّ لَكَ أنْ تَتَزوَّجَها". 5وأرادَ أنْ يَقتُلَهُ، فخافَ مِنَ الشَّعبِ لأنَّهُم كانوا يَعدٌّونَهُ نَبـيُا. 6ولمّا أقامَ هيرودُسُ ذِكرى مَولِدِهِ، رقَصَتِ اَبنَةُ هيرودِيَّةَ في الحَفلةِ، فأعجَبَتْ هيرودُسَ، 7فأقسَمَ لها أنْ يُعطِيَها ما تَشاءُ. 8فلقَّنَتْها أمٌّها، فقالَت لِهيرودُسَ: "أعطِني هُنا على طَبَقٍ رَأسَ يوحنّا المَعمدانِ!" 9فحَزِنَ المَلِكُ، ولكنَّهُ أمَرَ بإعطائِها ما تُريدُ، مِنْ أجلِ اليَمينِ التي حَلَفَها على مسامِـعِ الحاضرينَ. 10وأرسَلَ جُنديُا، فقَطَعَ رأسَ يوحنَّا في السَّجن 11وجاءَ بِه على طبَقٍ. وسلَّمَهُ إلى الفتاةِ، فحَمَلْتهُ إلى أُمَّها. 12وجاءَ تلاميذُ يوحنّا، فحَمَلوا الجُثَّةَ ودَفَنوها، ثُمَّ ذَهَبوا وأخبَروا يَسوعَ.
يسوع يطعم خمسة آلاف رجل.
13فلمّا سَمِعَ يَسوعُ، خرَجَ مِنْ هُناكَ في قارِبٍ إلى مكانٍ مُقْفِرٍ يَعتَزِلُ فيهِ. وعرَفَ النّاسُ، فتَبِعوهُ مِنَ المُدُنِ مَشيًا على الأقدامِ. 14فلمّا نزَلَ مِنَ القاربِ رأى جُموعًا كبـيرةً، فأشفَقَ علَيهِم وشفَى مَرضاهُم.
15وفي المساءِ، دَنا مِنهُ تلاميذُهُ وقالوا: "فاتَ الوقتُ، وهذا المكانُ مُقفِرٌ، فقُلْ لِلنّاسِ أنْ يَنصرِفوا إلى القُرى لِـيشتَروا لهُم طعامًا". 16فأجابَهُم يَسوعُ: "لا داعيَ لاَنصرافِهِم. أعطوهُم أنتُم ما يأكلونَ". 17فقالوا لَه: "ما عِندَنا هُنا غيرُ خَمسةِ أرغِفةٍ وسَمكتَينِ".
18فقالَ يَسوعُ: "هاتوا ما عندَكُم". 19ثُمَّ أمَرَ الجُموعَ أنْ يَقعُدوا على العُشبِ، وأخَذَ الأرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمكتَينِ، ورَفَعَ عَينَيهِ نحوَ السَّماءِ وبارَكَ وكسَرَ الأرغِفَةَ وأعطَى تلامِيذَهُ، والتَّلاميذُ أعطَوا الجُموعَ. 20فأكلوا كُلٌّهُم حتَّى شَبِعوا، ثُمَّ رَفَعوا اَثنتي عَشْرةَ قُفَّةً مملوءةً مِنَ الكِسَرِ التي فَضَلَتْ. 21وكانَ الَّذينَ أكلوا نحوَ خَمسةِ آلافِ رجُلٍ، ما عدا النَّساءَ والأولادَ.
يسوع يمشي على الماء.
22وأمرَ يَسوعُ تلاميذَهُ أن يَركبوا القارِبَ في الحالِ ويَسبِقوهُ إلى الشَّاطِـئِ المُقابلِ حتى يَصرِفَ الجُموعَ. 23ولمّا صرَفَهُم صَعِدَ إلى الجبَلِ ليصَلّيَ في العُزلَةِ. وكانَ وحدَهُ هُناكَ عِندَما جاءَ المساءُ. 24وأمّا القارِبُ فاَبتَعدَ كثيرًا عَنِ الشَّاطئِ وطَغَتِ الأمواجُ علَيهِ، لأنَّ الرَّيحَ كانَت مُخالِفَةً لَه. 25وقَبلَ الفَجرِ، جاءَ يَسوعُ إلى تلاميذِهِ ماشيًا على البَحرِ. 26فلمّا رآهُ التَّلاميذُ ماشيًا على البَحرِ اَرتَعبوا وقالوا: "هذا شَبَحٌ!" وصَرَخوا مِنْ شِدَّةِ الخَوفِ. 27فقالَ لهُم يَسوعُ في الحالِ: "تَشجَّعوا. أنا هوَ، لا تخافوا!" 28فقالَ لَه بُطرُسُ: "إنْ كُنتَ أنتَ هوَ، يا سيَّدُ، فَمُرْني أنْ أجيءَ إلَيكَ على الماءِ". 29فأجابَهُ يَسوعُ: "تعالَ". فنَزَلَ بُطرُسُ مِنَ القارِبِ ومشَى على الماءِ نحوَ يَسوعَ. 30ولكنَّهُ خافَ عِندَما رأى الرَّيحَ شديدةً فأخَذَ يَغرَقُ، فَصرَخ: "نَجَّني، يا سيَّدُ!" 31فمَدَّ يَسوعُ يدَهُ في الحالِ وأمسكَهُ وقالَ لَه: "يا قليلَ الإيمانِ، لِماذا شكَكْتَ؟" 32ولمّا صَعِدا إلى القارِبِ هَدأَتِ الرَّيحُ. 33فسجَدَ لَه الَّذينَ كانوا في القارِبِ وقالوا: "بالحقيقةِ أنتَ اَبنُ الله!"
يسوع يشفي من أمراض كثيرة.
34وعَبَرَ يَسوعُ وتلاميذُهُ إلى بَــرَّ جَنّيسارَتَ. 35فلمّا عرَفَ أهلُ البَلْدَةِ يَسوعَ، نَشروا الخبَرَ في تِلكَ الأنحاءِ كُلَّها. فجاؤُوهُ بالمَرضى 36وطَلَبوا إلَيهِ أنْ يَلمُسوا ولو طرَفَ ثوبِهِ. فكانَ كُلُّ مَنْ يَلمُسُه يُشفى".
والآن فإن كلام هيرودس التالى الذى قاله حين سمع بمعجزات عيسى: "هذا يوحنّا المَعمدانُ قامَ مِنْ بَينِ الأمواتِ، ولذلِكَ تَجري المُعْجِزاتُ على يَدِهِ" يثير عددا من الأسئلة: ألم يسمع هيرودس بعيسى ومعجزاته إلا الآن؟ ذلك غريب جدا. وأغرب منه أن يقال إن هيرودس لم يكن ليقتل يحيى لولا القَسَم الذى كان أقسمه لبنت أخيه الداعرة بأن يحقق لها كل ما تطلب، وكأن القَسَم يمثل لذلك المجرم قتّال القَتَلة شيئا خطيرا إلى هذا الحد! وما دمنا بصدد الكلام عن القَسَم فقد مر بنا تشديد المسيح فى النهى عن القسم وأمره بالاقتصار على كلمتى "نعم" أو "لا" دون حَلِف. وفى الإسلام تنفير من الحَلِف إلا إذا كان هناك ما يستوجبه كما فى الخصومات والدعاوى القضائية، إلا أنه لا يُنْهَى عنه كمبدإ. أقول هذا لأن أوغاد المهجر يتطاولون على الإسلام ونبيه ويكفرونه ويكفروننا نحن المسلمين جميعا لأن ديننا لا يحرم القسم كما يظنون أن المسيح قد حرمه. وقد رددت على هذا الحمق المجرم فى كتابى "الفرقان الحق: فضيحة العصر- قرآن أمريكى ملفق" (وهو الكتاب الذى استولى أحدهم على معظم صفحاته وأضاف إليه أشياء من هنا ومن هناك وكتب عليه: "القرآن الأمريكى أضحوكة القرن العشرين" دون أن يشير لى ولو بكلمة، وإنما أفاض فى الحديث عن تعبه وسهره وتشجيع زوجته له، على أى شىء؟ على السطو طبعا! وقد تكلمتْ عن ذلك جريدة "عرب تايمز" فى بابها: "لصوص ظرفاء"). وقد بيّنْتُ فى الكتاب المذكور أن الله وملائكته، طبقا لما هو مكتوب فى الكتاب المقدس، يحلفون. أما بطرس أقرب تلاميذ المسيح إليه فقد حلف حَلِفًا كاذبًا حين أنكر عند القبض على المسيح أنه يعرفه وأقسم على ذلك أكثر من مرة. كما أن المسيح ذاته قد بين أن كل من يريد تأكيد كلامه فإنه يحلف، وأن الحلف فى هذه الحالة أمر طبيعى جدا.
ثم إن الدول النصرانية جميعا تحلِّف المتهمين والشهود فى المحاكم على الكتاب المقدس، كما أن العهد القديم يقنن القسم على أساس أنه إجراء عادى جدا فى كثير من الظروف لا غضاضة فيه على الإطلاق. فعجيب بعد ذلك كله أن ينبرى كاتب الإنجيل فيتحدث عن فعلة هيرودس الشنيعة بطريقة تبدو وكأنه يبرر جريمة ذلك النذل بحجة القسم الذى أقسمه. وأىّ قَسَمٍ ذلك الذى نبرّر به إزهاق روح بريئة ونبيلة كروح يحيى عليه السلام؟ وهل المجرمون الطغاة من أمثاله يهمهم قَسَمٌ أو خلافه؟ ثم إن ظن هيرودس بأن يحيى قام من الأموات وأخذ يعمل معجزات هو كلام لا يدخل العقل. لماذا؟ لأن يحيى لم يسبق له أن عمل معجزة! كما أن ظنه هذا يدل من ناحية أخرى على أنه كان يعرف أن يحيى نبى، فكيف أقدم على قتله إذن مهما كان مِنْ سَبْق إعطائه الداعرة الصغيرة وعدا بإنالتها كل ما تطلب؟ الواقع أننى لا أطمئن لرواية الإنجيل عن تفاصيل القصة كما عرضناها هنا. وقد بين الرسول الكريم أنه إذا أقسم المسلم على أمر ثم تبين له أن سواه أولى فلْيُكَفِّرْ عن قَسَمه ولْيَفْعَلِ الأفضل. فماذا فى هذا يا أهل الضلال والنفاق، يا من قرّع المسيح أمثالكم أعنف تقريع وشتمهم شتما قبيحا يليق بكم وبأشكالكم وقلوبكم المظلمة النجسة؟ أمن المعقول أن يُشْتَم زعيم الأنبياء تقربا لأخٍ من إخوانه صلى الله عليهم جميعا وسلم؟
ومرة أخرى نرى عيسى، حسبما كتب مؤلفو الأناجيل، يتقبل كبرى مآسى يحيى بقلب لا أظننا نخطئ إن قلنا إنه بارد. أمن المعقول أن يكون كل رد فعله حين سمع نبأ قتله هو أن يعتزل تلاميذه للصلاة، ثم لما أقبلت عليه الجموع نسى ما كان انتواه من الاعتزال وأقبل عليهم يَشْفِى من جاؤوا ليشفيهم؟ ترى أين قوله المنسوب إليه من أنه لا يصح أن يُؤْخَذ خبز البنين ويُطْرَح للكلاب، بمعنى أن الأقربين أولى بالمعروف؟ فهذا يحيى عليه السلام، وهو قريبه وزميله فى النبوة، فضلا عن أنه هو الذى عمّده كما ذكرت الأناجيل، كان بحاجة إلى أن يهتم به عيسى عندما قُبِض عليه، إن لم يكن بالدفاع عنه عند السلطات والتدخل بطريقة أو أخرى لإطلاق سراحه، فعلى الأقل بالانشغال به وبمأساته. لكنه عليه السلام، إن صدقنا رواية الإنجيل، لم يفكر فى أن يفعل له شيئا. وكذلك الأمر عندما قُتِل، إذ تلقى الأمر دون أن يذرف دمعة أو يقول كلمة تعبر عن أنه متألم لما حدث له عليه السلام. الواقع أن هذه الأشياء تجعل الواحد منا لا يطمئن إلى رواية الأناجيل للوقائع التاريخية، إذ تصور الأمر فى كثير من الحالات على نحو لا يقنع أحدا.
وفى هذا الفصل أيضا نرى عيسى عليه السلام لا يزال مستمرا فى صنع الآيات، تلك الآيات التى اتخذها زيكو المنكوح ذو الدبر المقروح دليلا على أنه أفضل من سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ودعنا من تأليهه رغم براءته، عليه السلام، ممن يُقْدِم على هذا التهور المردى فى جهنم كما يخبرنا القرآن المجيد فى أواخر سورة "المائدة". وقد سبق أن بينا أن المعجزات ليست مقصورة على عيسى بن مريم، بل كان لكثير من الأنبياء فيها نصيب، ومنهم سيدنا محمد. كما قلنا أيضا إن المعجزات لا تحسم مسألة الاعتراف بالنبى أو الرسول، والدليل على ذلك كثرة الآيات التى تحققت على يد عيسى، وكُفْر الغالبية الساحقة من اليهود به رغم ذلك. كذلك بينتُ أن المهم فى الأمر هو الإنجازات التى تمت على يد هذا النبى أو ذاك، وأن محمدا عليه الصلاة والسلام يأتى بكل جدارة واستحقاق على رأس جميع الأنبياء، فقد أنهض أمته من الحضيض وجعلها سيدة العالم بفضل العقيدة السليمة والقيم الإنسانية والاجتماعية والعلمية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية العالية التى تجمع بين المثالية والواقعية فى منظومة فريدة لم تحدث من قبل ولا من بعد، وذلك فى مدة زمنية مستحيلة بالمقاييس البشرية، ثم استمر بعد هذا لقرون طوال، وهو ما لم يتحقق لأى نبى أو مصلح أو قائد سياسى أو عسكرى على مدار التاريخ كله. ومن هنا فقد ضحكنا كثيرا من أعماق قلوبنا من سمادير الأخطل المسمَّى: "زيكو زَكْزَك، الأَشْيَب الأَمْتَك"، الذى ظن أنه يستطيع بخَطَله أن ينال من سيد الأنبياء والمرسلين، زاد الله دبره المقروح على كثرة الخوازيق مَتَكًا حتى تعود غير صالحة لشىء!
والمضحك أن التلاميذ، رغم كل الزمن الطويل الذى قَضَوْه بالقرب منه ورؤيتهم الآيات التى صنعها بيديه، لم يكونوا قد آمنوا حتى ذلك الحين أنه ابن الله، اللهم إلا عندما مشى فوق الماء! وما الذى فى المشى على الماء مما يميزه عن سواه من المعجزات بحيث يصلح وحده دونها أن يكون دليلا على أنه ابن الله؟ أهو أقوى من إعادة الموتى إلى الحياة؟ طيب، فَهُمْ أيضا، كما قال كاتب الإنجيل، كانوا يستطيعون الإتيان بالمعجزات مثله تماما، أفلم يكن ذلك دليلا على أن ما استنتجوه من ألوهيته هو استنتاج غير صحيح، إذ ما داموا يستطيعون عمل المعجزات ولا يَرَوْن أنها تنقلهم من البشرية إلى الألوهية فمعنى هذا أنها ليست دليلا على ألوهية من يعملها؟ أليس كذلك؟ وإذا كانوا قد عرفوا وقالوا إنه ابن الله، فكيف تقبلوا صلبه وقتله بهذه البساطة؟ ألم يكن ذلك كافيا كى يقفوا أمام هذه المفارقة الغريبة: مفارقة أن يعجز ابن الله عن الدفاع عن نفسه، إن لم نقل إن أباه نفسه قد عجز عن ذلك، أو على الأقل لم يبال أن ينقذ ابنه الوحيد؟ إن الأمر كله يبعث على الاستغراب، إن لم نقل: على الضحك؟؟؟؟؟؟؟؟
إرسال تعليق