حتى الآن هنا الكلام لا غُبار عليه، ولكن صبرك بالله.
حَدَّدَ التقرير الذي نشرَتْه الوكالة أسماء ثلاثة برامج للأطفال بهذه الميزانية الضخمة "300 مليون دولار"، برنامج من هذه البرامج الثلاثة موجود بالفعل، ويُذاع في مصر منذ سنوات، وهو برنامج الأطفال الشهير (عالم سمسم)، والاثنان الآخران في طَوْرِ الإنتاج.
(عالم سمسم) هذا البرنامج الذي يُذاع على التلفزيون الرسمي الحكومي منذ عام 1998، ويتعلَّق به الأطفال بشدَّة، ومحبوب من الصِّغار والكِبار - هو في الأصل برنامج أمريكي يَتِمُّ تمويله من المعونة الأمريكية، والاتِّحاد الأوروبي، ومؤسَّسات صِهْيَوْنِيَّة، أهمها مؤسسة (فورد)، وصناديق أسرة جوزيف.
قبل أن نتحدَّث عن مَصادر تَموِيل هذا البرنامج، علينا أن نعلم أن برنامج (عالم سمسم) يُذاع في 120 دولة حول العالم - كما أعلنت الوكالة الأمريكية - بلهجات ولغات أهلها، وحينما أرادت الوكالة الأمريكية عرض البرنامج في مصر أبرمت عقدًا بينها وبين وزارة التربية والتعليم حتى تَضمَن أن يتمَّ عرضه على الأطفال في المدارس.
والآن نعود لمصادر تمويل البرنامج:
أولاً: الوكالة الأمريكيَّة للتنمِيَة الدوليَّة (USAID):
وهي التي تتولَّى الدعم المُباشِر للمشروع، هي مؤسَّسة أمريكيَّة غير رسميَّة، يقوم عليها بعض اليهود الأمريكان، ومن أهمِّ أهدافها - كما هو مُعلَن على موقعها على الإنترنت - مُحاوَلة تقريب وجهات النظر بين الدُّوَل العربية وبين إسرائيل، وتحسين الشعور بالأمن لإسرائيل، ويُعتَبر أكبر مركز إقليمي لها في الشرق الأوسط موجود في إسرائيل، ومن أهمِّ اهتِمامات ونَشاطات هذه الوكالة التعليمُ، فهي دائمًا ما تدعو إلى تَطوِير التعليم وإضافة وحذف أشياء حتى يَتلاءَم مع رُوح العصر، كما أنها تَقُوم بإعطاء مِنَحٍ مجانيَّة للشباب لتَكمِلة دراستهم في أوربا وأمريكا.
ثانيًا: مؤسسة (فورد):
تُعتَبَر مؤسَّسة (فورد) هي ذِراع المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط، تَستَخدِمها كغِطاء علنيٍّ للصرف على حروبها الثقافية، ووجدت في مصر في الشرق الأوسط العام 1982، ومنذ هذا التاريخ ومؤسسة (فورد) تَتسلَّل شيئًا فشيئًا إلى الحياة الثقافيَّة في مصر، حتى تضمَن وجود دَوْرٍ قوي وفعَّال ومُؤثِّر في الحياة الثقافية.
في بِداية الأمر بدأت الاهتِمام بالمسرح ونشره على نِطاق واسع في مصر؛ فقامَتْ بدفع تمويلات ضخمة للعديد من فِرَقِ الرقص وفِرَق الفنون الشعبية؛ مثل (فرقة الطنبورة للسمسمية) و(فرقة الورشة المسرحية)، كانت تُنفِق على هذه الفِرَق عشرات أضعاف ما تُنفِقه وزارة الثقافة.
قامَتْ كذلك بتَموِيل مركز تاون هاوس للفنون بالقاهرة، كذلك اهتمَّتْ بتنظيم الندوات الثقافيَّة والمهرجانات والمعارض وتمويل الحفلات الموسيقيَّة، واعتبرتْ نفسها هي البديل الأفضل لوزارة الثقافة، وأصدرَتْ مؤسسة (فورد) وثيقةً أرسلَتْها لكلِّ دُوَل العالم تَعرِض فيها شُرُوط التمويل، كان أهمها نبذَ العنف والإرهاب وكافَّة أشكال الكراهية ضدَّ إسرائيل.
كذلك تُعتَبَر مؤسَّسة (فورد) كذلك من أخطر مؤسَّسات التجسُّس العلمي في الشرق الأوسط، فهي التي تَقُوم بتَموِيل الأبحاث والدِّراسات العلميَّة لدُوَل الشرق الأوسط، وخاصةً مصر، وكذلك المراكز البحثيَّة العلميَّة والجامعات.
ثالثًا: صناديق أسرة جوزيف:
هي مؤسَّسة عالميَّة يملكها يهود، وكلُّ الذين يعملون فيها جمَعَهُم هدف واحد، وهو تلميع صورة الكيان الصِّهْيَوْنِيِّ أمام العالَم، من خِلال تحكُّمهم في وسائل إعلام أمريكية وأوربية مُؤَثِّرة للغايَة، والعمل على عدم مُعاداة السامية ومُلاحَقَة كلِّ مَن تُسَوِّل له نفسه الاقتِراب من هذا الخطِّ الأحمر، وسبَق لهم أنهم لاحَقُوا قَضائيًّا عشرات الكُتَّاب والمفكِّرين العالميِّين الذين كانوا ينتَقِدون الكيان الصِّهْيَوْنِيَّ، أو يُشَكِّكون في المحرقة النازية، كذلك تقوم هذه المؤسَّسة بتَقدِيم الدَّعْمِ والمُساعَدات للدُّوَل الفقيرة، خاصَّة الدُّوَلَ الإفريقيَّة، وظهرَتْ جَدوَى مَشارِيعِها بقوَّة في دُوَل حَوْضِ النيل بعد أزمة مصر مع دُوَل حَوْضِ النيل، وخاصَّة أثيوبيا.
الآن أكبر ثلاث مؤسَّسات صِهْيَوْنِيَّة في العالم تَقُوم بإنتاج برامج لأطفال مصر، الذي لا شكَّ ولا مِراء فيه يُثبِت أنَّ كلَّ هذا مُخَطَّطٌ صِهْيَوْنِيٌّ أمريكيٌّ لطَمْسِ الهُوِيَّة الإسلاميَّة، من خِلال تَنشِئَة جيل جديد من العرب والمسلمين يَتَربَّى على حُبِّ الولايات المُتَّحِدة وإسرائيل، وذلك من خِلال إبراز صورة ذهنيَّة جميلة عن الحياة الأمريكيَّة، وعلاقة الجوار مع الكيان الصهيوني التي تَتَّسِم بالحبِّ والإخاء المُشتَرَك، هي - يا سادَة - عمليَّة من عمليَّات غسيل المخ للشُّعوب، تبدأ بالأطفال الذين يُعتَبَرُون رجالَ المستقبل وبُنَاة الأُمَّة في مُستَقبَلِها، ووضحت هذه اللعبة في مصر والدول العربية من خِلال نشر بَرامِج للأطفال تَضَعُ فيها السمَّ في العسل بطُرُقٍ تجعلنا نحن كمُشاهِدِين نعتَقِد أنهم يُقدِّمون شيئًا إيجابيًّا الأطفال، إنهم عالم من اللصوص جمَعَهُم هدف واحد وهو طمس هُوِيَّة الأطفال، ومسخ عقولهم والقضاء على نَخْوَتِهم وغَيْرَتِهم.
وتتبنَّى حلقات برنامج (عالم سمسم) - الذي تُشرِف عليه الحكومة تحت إنتاج هذه المؤسَّسات الصِّهْيَوْنِيَّة - العملَ على إزالة الكراهية لدى الأطفال تجاه إسرائيل، وتشجيع الاحتِرام لإسرائيل، وإظهار الإسرائيليين على أنهم إخوان وجيران لنا، كذلك من شروط البرنامج ألاَّ يُعرَض فيه أيُّ شِعارات دينيَّة مهما كانَتْ، سواء بالصورة أو باللفظ، وهذا نَوْعٌ من أنواع تنمِيَة العلمانية في عقول الأطفال.
الغريب أنَّ تصريحات الوكالة الأمريكيَّة للتنمِيَة صدرَتْ في وكالات الأنباء، وتناقَلَتْها وسائل الإعلام، وأصبح الأمر على مَسْمع ومَرْأى من الجميع، ولكن لم يتحرَّك أيُّ أحدٍ من المسؤولين في وزارة الإعلام أو الثقافة أو التعليم بنفي هذه الأقاويل، أو إصدار بيانٍ يُثبِت فيه كذب التقارير الأمريكية.
هذا هو الحال الذي وصلنا له؛ عمليَّات غسيل مخ مُنظَّمَة لأطفالنا من خِلال بَرامِج الأطفال تحت مَسْمع ومَرْأى من الجميع، إنهم يُرِيدون أن يظهر للعالم جيلٌ من الشباب مَعُوق عن التفكير، مُصاب ببَلادة فكريَّة دينيَّة، مُشوَّه معرفيًّا وخلقيًّا، وفوق كلِّ ذلك لا يَعرِف لأمَّتِه قضيَّة، ولا لكرامته هُوِيَّة، ولا لدينه عِزَّة، ولا لعروبته انتِماءً، وفوق كلِّ هذا لا يَعرِف لمستقبله هدفًا.
تلك هي صورة الأجيال المُشَوَّهَة التي تُرِيد المُنَظَّمات الصِّهْيَوْنِيَّة خلقها في أطفال مصر.