نشرت البي بي سي عبر النسخة العربية من تليفزيونها تقريرا عن ما اعتبرته الصعوبات والعنت الذي يواجهه أقباط مصريون يريدون تغيير الديانة إلى المسيحية ، وقد دعتني البي بي سي قبل يومين للتعليق على هذا التقرير ضمن نشرة الساعة العاشرة مساءا ، كان الصوت واضحا بيني في استديو القناة بالقاهرة وبين استديو التليفزيون في لندن ، إلا أنه بعد حوالي دقيقة ونصف الدقيقة من حديثي فوجئت بالصوت ينقطع وخطوط الهاتف يصعب تشغيلها من جديد ، بين القاهرة ولندن ، وكانت صورة المذيع عبر الشاشة توحي بأنه يتحدث إلي ، لكني لا أسمع بطبيعة الحال ، وصحيح أن الجماعة اعتذروا لي طويلا عقب هذه الواقعة وأبدوا أسفا شديدا للمفاجأة ، إلا أني ـ للأمانة ـ كان صعبا علي استيعاب أن الخطوط الهاتفية تنقطع هكذا عن استديوهات الشبكة العريقة دون قدرة على تشغيلها من جديد خلال ثواني ، أو أن يحدث ذلك بين القاهرة ولندن ، وليس بين القاهرة ومقديشيو مثلا ، على كل حال ، لاحظت أن التقرير حالة نموذجية للدجل الإعلامي وخلط الأمور والاستهبال الطائفي ، لمجرد التحرش بالإسلام أو تسقط أي حالة لنشر أكذوبة أن الأقباط مضطهدون في مصر حكوميا وشعبيا ، التقرير عرض حالتين اثنتين بالأساس ، الأولى لسيدة قبطية تحولت إلى الإسلام وأصرت أن تذهب إلى المحكمة لتغيير الصفة في البطاقة كمسلمة حتى طلقت من زوجها ثم تزوجت بآخر ، وبعد ذلك ذهبت للمحكمة تقول أنها تريد أن تعود إلى المسيحية وتثبت ذلك في البطاقة الشخصية أيضا ، وهي حالة متكررة خاصة من الرجال ، لأن هناك معاناة شديدة في مسألة الانفصال الزوجي بعد استحالة العشرة ، والطلاق ممنوع بين رعايا الكنيسة الأرثوكسية ، فيلجأ أحد الطرفين إلى التحايل والتلاعب بالقانون والنظم ليحقق مصلحة خاصة بشكل مؤقت ، فيدعي أنه تحول إلى الإنجيلية أو إلى الإسلام ، ثم يصر على إثبات ذلك في بطاقة الهوية ، حتى يحقق مصلحته غير عابئ بالأضرار التي تلحق بالطرف الآخر ، وخاصة إذا كان هناك أطفال أو حقوق مالية أو نحو ذلك ، وبعد ذلك يعود إلى القضاء يقول : خلاص أريد أن أعود إلى المسيحية من جديد ، ويطلب إثبات ذلك من جديد في البطاقة ، القضاء اعتبر ذلك تحايلا على القانون وتلاعبا ، خاصة وأن المسألة لا تتصل بالضمير الديني أبدا ولا بالإيمان ، لأن المحكمة ليست هي التي تحدد إيمان الشخص وديانته وكان يمكنه أن يكون مسلما أو مسيحيا دون حاجة لتغيير ذلك في البطاقة ، ويكفي ـ إن كان صادقا ـ اختياره القلبي أولا وسلوكه العبادي أخيرا ، والمثير للدهشة أن الكنيسة القبطية ذاتها تشتكي مر الشكوى من هذا التلاعب الذي يمثل خطرا جسيما على الأسرة القبطية وعلى المجتمع المسيحي نفسه ، ومع ذلك يريد بعض "المتاجرين بقضايا الأقباط" تصوير هذا الأمر على أنه اضطهاد ديني وتعنت حكومي ضد من يريدون تغيير الديانة ، الحالة الثانية التي عرضها التقرير لشاب حديث السن يقول أن والده كان قد أسلم منذ سنوات طويلة ، وبالتالي جعلوا ديانة الأولاد الإسلام ، رغم أن هذا الشاب يختار المسيحية ويريد أن يثبت ذلك ، وهي مسألة إجرائية بحتة لا صلة لها بالديانة ولا بالطائفية ، وهي أن القانون المصري يلحق الأطفال بالوالد في الجنسية والديانة ، سواء كان مسلما أو مسيحيا لا فرق ، حتى يبلغ الأطفال سن الرشد القانوني ، فيحق لهذا الشاب إذا وصل هذا السن ، أن يتقدم بطلب تغيير الديانة ، مثلما فعل أبوه بالضبط ، وأما قبل بلوغه السن القانوني فلا يمكن تفصيل قانون خاص به وحده ، هذه هي المسألة باختصار ، وهو ما أردت توضيحه عبر شاشة البي بي سي ، والحقيقة أن غالبية ما يتحدث عنه المتاجرون بقضية الأقباط في الداخل أو الخارج هو من هذه الشاكلة ، محض دجل ومغالطات ومشكلات اجتماعية أو إنسانية عادية لا صلة لها بالديانة أو الإيمان ، يأبى "المتاجرون" إلا أن يجعلوا منها قضية ، لأنه بدون هذه القضايا سينقطع نهر الدولارات المتدفق إلى حساباتهم من الخارج بلا حساب ، وبلا عقاب أيضا مع الأسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق