بقلم الكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
لقد إنعقدت الجمعية الثانية الخاصة بأفريقيا فى الفاتيكان ، من 4 إلى 25 أكتوبر الماضى ،تحت عنوان "الكنيسة فى أفريقيا ، لخدمة المصالحة والسلام". وقد حضره حوالى 250 أسقفا لمناقشة قضايا القارة ، وهى واحدة من أكثر القارات تعرضا للحروب ، والفقر ، وتوابع الإستعمار وما بعد الإستعمار. فالمعروف أن الشعوب الإفريقية ضخايا إدارة عامة فاسدة ، بسبب السلطات المحلية التابعة للغرب ، وخاصة خضوعها لأسوأ أنواع الإستغلال من القوى الإستعمارية الخارجية.. ويبقى معرفة التوجهات الحقيقية لهذه الجمعية ومخططاتها.
يدفعنا عنوان هذه الجمعية إلى التساؤل حول معنى كلمة "مصالحة" وما هو المقصود منها ؟ مصالحة من وماذا ؟! فعلى الصعيد الإفريقى ، إن كافة الحروب التى تدار على أرضها ترجع خيوطها إلى أولئك الذين يحركون اللعبة فى العالم، إلى قادة الغرب المتعصب ، الإستعمارى،المغتصِب ، الذى يلجأ إلى أعوانه المحليين ليقود لعبته. وهى قائمة على تجويع الأفارقة وإنتزاع كنوزهم. فهل المقصود مصالحة كافة أطراف القادة المحتالون ليقوموا بلعبة أكثر دقة لقهر وإجبار الأفارقة على مزيد من التنازلات ؟ إن إختلاق الحروب المحلية بين الشعوب باتت لعبة تقليدية ، و لا نذكر على سبيل المثال سوى إختلاق مشكلة البربر فى الجزائر لتقسيم البلاد ؛ وحرب دارفور ، حيث معظم سكانها من حفظة القرآن الكريم ؛ ولا نقول شيئا عما يتم حياكته حاليا مع الأقليات المسيحية فى البلدان ذات الأغلبية المسلمة لإختلاق الفتن والقلاقل مثلما يدور فى مصر وغيرها من البلدان. فأية مصالحة يقصدون ؟!
وعلى الصعيد الكنسى ، عن أية مصالحة يمكن أن نتحدث ؟ إن كافة الكنائس وقد تعدى عددها الثلاثمائة كنيسة ، كلها أعضاء فى مجلس الكنائس العالمى، تتسابق بعتهٍ محموم لتنصير العالم .. فهل المقصود بالمصالحة ضم كل هؤلاء المنشقون عقائديا لإختلاق الكنيسة العالمية التى يسعى إليها بابا روما شريطة أن تكون تحت لواءه ؟ أم هى مصالحة للتغنى بعملية تنصير واحدة ، لمزيد من إعتصار الشعوب الإفريقية والقيام بفرض عملية غرس ثقافى لا إنسانية ، والتوغل أكثر لإقتلاع أحشاؤها والعمل على إبادتهم ؟ إن الدور المشين الذى لعبته الكنيسة وتدخلها الإجرامى فى رواندا ، حيث قام بعض الآباء والراهبات بإشعال الحرائق فى هناجر مكدسة بالأفارقة الفارين من ويلات الحرب، لم تنسى بعد ! ولا نقول شيئا عن الدور المشين الآخر لموقف الكنيسة من العازل الطبى الذى تسبب عدم السماح به فى قتل آلاف من الأفارقة المصبين بالإيدز. فما المقصود بالمصالحة هنا ؟ مزيد من القتلة الإجراميين مشعلى الحرائق، أم مزيد من الإستعمار الجديد ؟
أما على صعيد الحرب التى يقودها الفاتيكان ضد الإسلام ، فما من إنسان يجهل اليوم الهَوَس الذى يقود به مسيرته لإقتلاع الإسلام ، وقد شبهتها جريدة لوموند الفرنسية بعبارة "أنه يسير على الإسلام بوابور ظلط" ! وما من إنسان يجهل الوسائل التى أعدها الفاتيكان للإسراع بذلك الإقتلاع. فهى ترسانة يمتد عتادها بدءاً من رجال الكنيسة إلى كافة العلمانيين ، مروراً بعدد لا يحصى من البعثات التنصيرية ، والمنظمات ، والمؤسسات ، ووسائل الإعلام ، والإنترنت ، ورجال السياسة، والسياح ، إختصاراً ورسمياً : ما من مسيحى معفى من المساهمة فى عملية التنصير التى فرضها مجمع الفاتيكان الثانى (1965) على كافة الأتباع. بل وقد وصل العَتَه إلى تكوين فرق مبشرين من الشباب ومن الأطفال !! أما التقنيات الحديثة فلم يتم إستثناءها وجميعها تحت إمرة البابا ، من أجل تنمية ثقافة تبشيرية تنصيرية وفرض ما يطلق عليه "الكلمة الوحيدة التى يمكنها إنقاذ البشر، وهى الأناجيل". فهل ينوى البابا أخيراً أن يقوم بمصالحة بين العقل والإيمان ويقر أنه من حق هؤلاء المسلمين الذين يحاول إقتلاعهم من دينهم ، من حقهم أن يحبوا ويتمسكوا بدينهم ؟! وياله من إفتراض لمصالحة لا تتمشى مطلقا مع هيستريا تنصير العالم التى يقودها .
وتجدر الإشارة هنا إلى أعمال معهد وستار ، فى الولايات المتحدة ، الذى أقام " ندوة عيسى" ، حيث إجتمع أكثر من مائتى عالم متخصص فى النصوص الإنجيلية ، لمدة سنوات ( من 1985 إلى1991فى اول مرحلة ،ثم من 1991 إلى 1996) ، خرجوا بعدها بيقين أن 82 % من الأقوال المنسوبة ليسوع لم يتفوه بها ، وأن 86 % من الأعمال المنسوبة إليه لم يقم بها . فمن يمسك بمثل تلك النصوص الثابت تحريفها لا يحق له بأى حال محاولة تخريب القرآن ، الذى هو كلام الله عز وجل ، والذى ظل محفوظا منذ تنزيله حتى يومنا هذا ، لكى يفرض عقائد تم نسجها عبر المجامع على مر العصور. وتكفى الإشارة هنا إلى كل الجهود المنبتة التى تقوم بها المؤسسة الكنسية منذ قرون ، لتحريف نص القرآن .. فمن ناحية ، نرى جهود مستميتة لإقتلاع اللغة العربية ؛ ومن ناحية أخرى ، محاولة فرض تطبيق إستخدام المناهج الألسنية الحديثة التى توصلوا إليها على نص القرآن !.
فهل هناك من ضرورة لتوضيح أن كل ما توصل إليه الغرب فى هذا المجال فى اللغويات له علاقة مباشرة باللغات التى أصلها لاتينى ، بينما اللغة العربية فهى من اللغات السامية. فكيف يمكن السماح بمثل هذا الشطط إن لم يكن الهدف هو التخريب المتعمد ، ولا نذكر هنا إلا الأبحاث التى يقوم بها أحد المعاهد البابوية وإسمه "الواحة" لتخريب النص القرآنى ، وللآسف يعاونهم بعض المسلمين الذين هان عليهم دينهم .
وهكذا ، فإن مجرد العنوان يكشف أن هذه الجمعية قد إجتمعت لأسباب أخرى تماما غير تلك "المصالحة" المزعومة ، ولا أقول شيئا عن كلمة "السلام". فأى سلام يمكن أن يقام حينما يكون ما نواجهه عبارة عن هجمة شبيهة بحرب الإسترداد ونهب الأندلس ، وعملية إستعمار جديدة باسم الدين ؟!.
وسرعان ما يأتينا الرد حول الهدف الحقيقى من إنعقاد هذه الجمعية فمن المؤسف أن نطالع يوم 27 أكتوبر على أحد مواقع الفاتيكان ،أن الآباء المجتمعين قد قاموا فى نهاية الجمعية " بتوجيه الشكر لله على وفرة الموارد الطبيعية الموجودة فى إفريقيا " ! ولا نفهم ما دخل "الموارد الطبيعية" هنا فى إجتماع كنسى ؟ ويا له من شكر يكشف عما وراءه ، بما أن ما يتكشف ليس إلا هدف إقتصادى سياسى لتلك الجمعية "الدينية" التى إجتمعت من أجله . إذ نطالع بوضوح : "أن الموارد المعدنية الإفريقية تساوى 46200 مليار دولار" .. وأنه بما قيمته "12 % من هذا المبلغ يمكن لإفريقيا أن تقوم بتمويل بنية تحتية على المستوى الأوروبى " .وهو ما يكشف بوضوح عن الهدف غير المعلن تحت ذلك العنوان الكاذب ، لأن الأمر لا يتعلق إلا بكيفية إلتهام هذه الفريسة الدسمة !
ونطالع فى بحث أجراه داود بيلار D. Beylard ، رجل الإقتصاد الكنغولى ، فى مجلة "إفريقيات" (وهى مجلة إقتصادية لكل إفريقيا) يتضح أن مجمل الثروات الإفريقية يصل إلى ستة وأربعين مليار ومائتين مليون دولار، إذ يقول : "إن القيمة المالية للمناجم الإفريقية فى المواد الخام الأولية التى تم إكتشافها للآن يصل إلى 46،200 مليار دولار ! لماذا إذن لا تفلح إفريقيا فى الإستفادة من مثل هذه الثروات التى تفوق ثلاثة عشر مرة العائد السنوى للصين ؟ إنها ثروة تكفى بكثير لتحويل القارة الإفريقية إلى واحدة من القوى العظمى فى العالم ". وهذا التقصير فى تنمية إفريقيا فى مجمله ، هو النموذج الإقتصادى القائم على تمويل إستثمارى ، يجيد الغرب العنصرى المغتصِب كيف يقوده. وها هو مثال آخر يقدمه الباحث :
"هناك شركات مناجم بلا إمكانيات معقولة، وأحيانا بلا عاملين ولا مكاتب ، تتبع شركات مساهمة مجهولة، مقيدة فى السجلات الضريبية ، وتصل بفضل الوعود والإستعراضات إلى إقناع الحكومات الإفريقية بأن تسند إليها تنازلات منجمية ضخمة لإستغلالها. وما أن يتم الحصول على العقد ، فإن هذه الشركات تسارع على تمويل شحيح، عادة ما يكون من كندا ، لإضفاء قيمة على الأسهم الإفريقية وأخذ أرباح بفائض قيمة ضخم قبل حتى أن يتم رفع جرام واحد من أرض المناجم التى حصلوا على حق إستغلالها".
وهو ما يعنى عمليا، أنهم يختلقون ثروة بضمان الموارد الإفريقية ، دون أن تكون هذه الموارد قد تم إستغلالها فعلا, والأدهى من ذلك ، دون أن تأتى بأية أرباح للملاك الحقيقيين، الأفارقة، أصحاب الحق المهضوم. ويا له من موقف فاضح خاصة حين نفكر فى أن نظام التمويل الدولى مصاص الدماء ، العنصرى، يستمر فى مطالبة الأفارقة بدفع الأرباح المركبة للديون التى يتورطون فيها عن طريق صندوق النقد الدولى !.
وإضافة إلى ما تقدم ننقل ذلك الإستشهاد المأخوذ من أحد الأبحاث المقدمة فى إجتماعات هذه الجمعية : "وفقا لدراسة قامت بها جمعية إستشارية متخصصة فى الإستثمار فى إفريقيا ، فإنه يوجد فى هذه القارة عشرة ملايين منجم من المواد الأولية الخام سواء فى البر أو فى البحر. ولا يُستغل منها سوى مائة ألف ، ويظل تسعة ملايين وتسعمائة موقع ، أى 90 % من الثروات غير مستغل إطلاقا. والأدهى من ذلك ، كلها مواقع معروفة ومسجلة فى أحد بنوك المعلومات المزودة بتقنيات الأقمار الصناعية والمعلوماتية الأكثر تحذلقا".
فليس بغريب إذن أن نقرأ فى نهاية إنعقاد هذه الجمعية "الدينية" عبارة : "أن الكنيسة سوف تبحث عن إقامة نظام معلوماتى فى كافة البلدان الإفريقية لإدارة الموارد الطبيعية" !.. وهو ما يعنى مزيدا من التدخل و مزيدا من التحكم من أجل السيطرة على هذه الموارد الطبيعية.
أى أن الأمر لا يتعلق لا بمصالحة ولا بأى سلام ، وإنما بعملية إستعمار مزدوجة. إستعمار جديد إقتصادى ، وسوف يزداد ضراوة بالإستغلال العشوائى للموارد الطبيعية ، إستغلال يدارى عملية السرقة المخططة لهذه الثروات ؛ وعملية إستعمار جديد يرمى إلى الحفاظ على إخضاع إفريقيا للحاجة المالية التى تعطى لها قطرة قطرة ، عن طريق إستعباد أخلاقى سياسى بفرض معايير الإنفلات الغربى المتطرف على الشعوب الإفريقية، عن طريق مختلف السلطات.
وإلى كل من يتساءل : كيف يمكن لأقوى مؤسسة دينية فى العالم أن تنجرف فى مثل هذه المغامرة الفاضحة واللا إنسانية ؟ نقول ببساطة : يكفى أن نطالع أن عجز مدفوعات الفاتيكان عام 2002 وصل إلى ثلاثة عشرة ونصف مليون يورو ، وذلك رغم موارده التى لا يتخيلها عقل. لكن، يكفى أن نطالع ما كتبه تونى باشبى T. Bushby فى كتابه حول "البلايين البابوية" ، وأن نتذكر فضيحة بنك أمبروزيانو ،وتورط الفاتيكان مع المافيا الإيطالية ، لنرى إلى أى مدى وصل الفساد المرتبط بالمافيا فى هذه المدينة التى تمثل بقايا الإمبراطورية البابوية والخلاف حول قضية "المسألة الرومانية". إن الفاتيكان دويلة تم إختلاقها فى 11 فبراير 1929، كممثل مدنى للكرسى الرسولى. والسبب الوحيد فى وجود مثل هذه الدويلة هو تلك الرغبة الراسخة للكنيسة فى التشبس بالسلطتين الدنيوية والدينية ، بأى ثمن كان حتى على حساب نهب شعوب قارة بأسرها.
ألا يدل ذلك على نهاية عهد سلام الكنيسة فى النطاق العلمانى الوطنى وعملية إحياء "للسلام الرومانى" فى أراضى الغير ؟ أى نقل المتناقضات الداخلية للخارج للسيطرة العسكرية ولترسيخ تلك المقولة الشهيرة لفيالق الإستعمار :
"إقمعوا كل من يقاوم وسيطروا على المتكبرين" فى بلدان إفريقيا وآسيا !!
6 نوفمبر 2009
هناك ٣ تعليقات:
تمهيــد:
التنصير ظاهرة قديمة تتجدد. وقد بدأت صحيحة، ولكنها تأثرت بما طرأ على النصرانية من تحريف. وهذا التأثر أدى إلى التوسع في المفهوم، والخروج به عن القصد الذي أريد منه. ومع توسع المفهوم توسعت الأهداف، ولم تعد مقصورة على مجرد إدخال غير النصارى في النصرانية. كما أنه صار لها مفهوم خاص بالمجتمعات المسلمة، إذ يركز الآن على إخراج المسلمين من إسلامهم، أو يعمل على نزع ثقة المسلمين بدينهم ورسولهم محمد- -.
وقد دأب التنصير والمنصرون على ذلك بمؤازرة من عدة وسائل داخل بعضها في الرسالة التي يحملها المنصرون، وبعضها يدخل في طبيعة الناس الذين يستهدفون بالتنصير من فقراء وجهلة ومرضى، كما يدخل جزء منها في عوامل مساندة كالاحتلال ( الاستعمار) والاستشراق والصهيونية، وبعض الضعفاء من المسؤولين المسلمين، ومن المسلمين أنفسهم.
ولم يقف المسلمون مكتوفي الأيدي من حملات التنصير فقاوموها، وإن كانت المقاومة على غير مستوى الحملات من نواح عدة. ولكن مبدأ المقاومة كان موجودًا، ولا يزال قائمًا مع اختلاف في القوة وفي النظرة إلى النصارى والمنصرين، تبعًا للحال التي وصل إليها المسلمون.
ومع تنامي ظاهرة العودة إلى الإسلام على مختلف المستويات، وبين الشباب على أوضح الصور، يتنامى الوعي بما يواجه الأمة من تحديات وتيارات، ومن بينها التنصير، فيزداد الوعي بالخطر، مما يؤدي إلى زيادة التوكيد على المواجهة بإحلال البديل الصالح، وليس بالضرورة للتصدي للتنصير من منطلق الدفاع واتقاء الهجمات، بل إن المواجهة تسعى الآن - بفضل من الله - إلى سد الطريق على الذين يحاولون تحقيق أهداف التنصير في المجتمعات المسلمة.
ومع وجود هذه الخطوات، والتآزر على تحقيقها، تظل المسافة بعيدة عن الوصول إلى الهدف الأول وهو الحماية التامة للمجتمع المسلم، ثم نشر الإسلام.( )
وأظن أن المسلمين سيظلون عرضة لحملات التنصير مع الوقت. وسيظل الصراع بين الخير والشر مستمرًا. وسيحُدِث تنبه المسلمين لهذه التحديات تغييرًا في الوسائل والخطط والنظرة إلى المجتمع المسلم الذي لن يكون كما كان عليه في مطلع القرن الميلادي العشرين المنصرم، حيث نوقشت فيه النتائج التي توصل إليها المنصرون آنذاك. ولن يكون كما كان عليه قبل خمسين سنة مضت، أو عشرين سنة مضت، حيث نوقشت فيها خطط جديدة في مؤتمر كلورادو. وأظن أن مؤتمرات تنصيرية قريبة الحدوث، ستكون فيها دراسات حديثة حول الوسائل والخطط التي تتماشى مع النظام العالمي الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة، والنـزوع إلى العولمة الاقتصادية والثقافية. ( )
وأظن أن نشاطًا تنصيريًا سيفتح لـه الباب الشرقي على مصراعية، حيث يُتوقَّع أن تنشط الأرثودوكسية في منافسة الطائفتين الآخرين الكاثوليكية والبروتستانتية على جلب أكبر قدر ممكن من الأنصار. وسيكون النشاط الأرثودوكسي أقوى من النشاطين الآخرين في محاولات للتكفير عن الماضي، يوم أن كانت قوى الأرثودوكسية لا تتمتع بالحرية التي تتمتع بها الطائفتان الأخريان. وفي الوقت نفسه ستنشط الطوائف الأخرى في دخول السباق لكسب مزيد من الأنصار، وتحقيق مزيد من الأهداف.
وفي ظل هذه التطورات يؤمل ألا يعول كثيرًا على مجرد المؤشرات الحسنة التي ظهرت على الساحة الإسلامية، بل لابد مع هذا من تكثيف الجهود في مواجهة الحملات التنصيرية، واتخاذ الوسائل الحديثة في سبيل المواجهة. ويتوقع ألا يقتصر المسلمون على مجرد أنهم هم الذين على الحق، فيكتفوا بالدعوة وسيلة من وسائل المواجهة فقط، فإن علم الداعية بالحق لا يعني بالضرورة علم المحيطين به عنه بمجرد إعلامهم به.
ومواجهة التنصير تدخل في إطار الصراع بين الحق والباطل، ولذا فإنه يُتوقع للمواجهة الاستمرار، مع الاستمرار في تقويم الأهداف والأساليب والوسائل والخطط والاستراتيجيات والنتائج.
وفي سبيل خطوات عملية في استمرار المواجهة وتنظيمها أضع بعض المرئيات القابلة - في نظري - للتنفيذ على الواقع، ويأتي من أهمها:
أولاً: التوعية:
استمرار التوعية بأخطاء التنصير والمنصرين على المجتمع المسلم، مهما اعتقد هذا المجتمع أنه محصن من هذه الهجمات. والتوعية تأخذ أشكالاً عدةً مثل المحاضرات العامة، والأحاديث الإعلامية، والكتابات الصحفية وغيرها من الأشكال.
ثانيًا: هيئة إسلامية:
إنشاء هيئة إسلامية عامة لمواجهة التنصير تقوم برصد أوجه نشاطه، وتسهم في تحقيق النقطة الأولى باتخاذ السبل المناسبة والمتاحة لها كالمؤتمرات والندوات والجولات والنشر وغيرها.
ثالثًا: الدورية:
إصدار دورية متخصَّصَة بالدراسات العلمية التنصيرية، تنشرها إحدى المؤسسات العلمية الإسلامية، وتنشر موضوعاتها بأكثر من لغة من لغات العالم، وتتخذ السبل في سبيل صدورها من تأمين التمويل المادي واستكتاب المهتمين.
رابعًا: البحوث:
التركيز على البحوث والدراسات التنصيرية في الجامعات والمعاهد العليا، لاسيما في أقسام الثقافة الإسلامية أو الدراسات الإسلامية في الجامعات العربية والإسلامية، ويسبق هذا قيام مراكز معلومات تتبنى تقنية المعلومات الحديثة في التعامل مع المعلومات المحدثة جمعًا وتخزينًا واسترجاعًا وبثًا.
خامسًا: الدعاة:
التكثيف من إرسال الدعاة إلى الله تعالى في المجتمعات الشبابية أولاً، وغير الشبابية ثانيًا. ويكون هؤلاء الدعاة على قدر من العلم والفقه بما يعلمون، والفقه بما سيواجهون من مجتمعات إسلامية لها خصوصياتها التي تميزها عن غيرها من المجتمعات الإسلامية الأخرى، وذلك على غرار ما تقوم به المؤسسات الإسلامية, في المملكة العربية السعودية وغيرها في شهر رمضان المبارك، والعطلة الصيفية للمدارس والجامعات، ففي هذه الدورات خير كثير.
سادسًا: الإغاثة:
التكثيف من أعمال الإغاثة في المجتمعات المسلمة الفقيرة، وتقديم البديل الصالح في المجالات الطبية والتعليمية والإغاثة الأخرى. والعمل على التوكيد على التنسيق بينها، وأنها لا تتنافس فيما بينها ولا تنافس الهيئات الإغاثية التنصيرية والدولية، بل هي تسعى إلى القيام بواجبات المسلمين تجاه المسلمين أولاً، ثم تجاه الأكباد الرطبة الأخرى ثانيًا، بل ربما عملت على أنها تغيث الأكباد الرطبة عامة دون تمييز، ففي كل كبد رطبة أجر.
سابعًا: السياسة:
لا بد من تدخل الهيئات الرسمية من الحكومات الإسلامية والمنظمات الرسمية في هذه المواجهة بتقديم ما يعنيها في هذا المجال من الدعم المادي والمعنوي لأعمال المواجهة المختلفة، وفي الوقت نفسه عدم التساهل مع الهيئات التي يشم من أعمالها رائحة التنصير، وهي تعمل في المحيط الإقليمي لهذه الهيئات، ويعالج ذلك بمواجهة قوية وحكيمة ومباشرة.
ثامنًا: المنــح:
تتحمل الجامعات الإسلامية وظيفة تربوية مهمة، وهي مسؤولة أمام المجتمعات المسلمة، الفقيرة، ومعظم المجتمعات المسلمة فقيرة، بتقديم المنح لأبناء هذه المجتمعات في مقراتها أو في مؤسسات علمية في بلدانهم. وتقديم الطاقات البشرية العالمة لتوجيه الشباب التوجيه السليم.
تاسعًا: المسلمون:
المسؤولية مشتركة. وكل مسلم يتحمل جزءًا منها، فليس من الحكمة أن تحصر مسؤولية المواجهة وتقديم البديل الصالح على حكومات أو مؤسسات أو أفراد دون حكومات أخرى أو مؤسسات أو أفراد. وتبدأ المسؤولية من مفهوم الرعاية انطلاقًا من البيت، ثم إلى مؤسسات المجتمع المسلم المختلفة، العلمية والتربوية، والتجارية الاقتصادية، والصناعية، والسياسية والدعوية والإغاثية وغيرها. والتحديد بجهات بعينها قد ينظر إليه على أنه إغفال لجهات هي ألصق بمجالات المواجهة، ولذا تعمم المسؤولية، كما أن التحديد بجهات قادرة بعينها دون سواها مدعاة لتعليق المسؤولية على هذه الجهات فقط من منطلق التهرب من المسؤولية المناطة بالجميع دون استثناء، وكل مطالب بتقوى الله تعالى، وكل لديه القدرة على قدر من التقوى.
عاشرًا: التميُّز:
الإصرار على التميُّز عن العالم الآخر، ليس بحكم العرق أو اللون أو الإقليم، ولكن بحكم الانتماء العقدي الذي يفرض مسألة الانتقاء في الأفكار والمفهومات والثقافات المستوردة، فيعرضها على معيار الكتاب والسنة ومصادر التشريع الأخرى، فيقبل منها ما لا يتعارض مع المعيار، ويلفظ ما لا يتناسب معه. ولا ينطبق هذا على الأفكار والثقافات والمفهومات فحسب، بل يشمل كل مقومات الحياة الاجتماعية والإنسانية والتقنية على حدٍّ سواء.
ومما تدعو لـه النقطة السابقة إيجاد البدائل التي تخفف دائمًا من الاعتماد على الآخرين في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلمية التطبيقية والبحتة والتقنية، بحيث لا يستمر المجتمع المسلم عالة على المجتمعات الأخرى في هذه المجالات، وإن بقي هذا المجتمع متواصلاً مع العالم الآخر تواصلاً تفرضه الحالة التي يعيشها العالم اليوم. والتي تؤكد عمليًا على التواصل.
إرسال تعليق